تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي

تاريخ الأدب الجغرافي العربي - ج ١

المؤلف:

اغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي


المترجم: صلاح الدين عثمان هاشم
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: لجنة التأليف والترجمة والنشر
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٩

__________________

(١٢١) شيخو ، المشرق ، المجلد الأول ، ص ٥٠٧ ـ ٥٠٨

Wright ـ Kokovtsov, p. ٤٩١ ـ Baumstark, p ٨١٣, note ١ ـ Nau, Le Livre de I\'ascension de I\'esprit.

(١٢٢) Sarton ,Introduction ,II ,p.٥٧٩

(١٢٣) شرحه

(١٢٤) ـ Wiedemann ,Beitra؟ge ,XXVII ,p.٢

(١٢٥) ـ Wright Kokovtsov, p. ٤٩١ ـ Baumstark, p. ٨١٣ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٥٧٩

(١٢٦) ـ Sarton, Introduction, II, p. ٨٧٩, No ٦ ـ Baumstark, p. ٥١٣, note ١ ـ Wright ـ Kokovtsov, p. ٧٩١ ـ ٠٠٢

(١٢٧) (المتن p ٧٤ ـ ٥٥ والترجمة ـ Gottheil ,p.٩٣ ـ ٥٥ (p.٠٤ ـ ٦٤

(١٢٨) شيخو ، المشرق ، المجلد الأول ، ص ٤٥١Cf.Cheikho ,Catalogue ,p.٠١ ,No ١٣ ,١

(١٢٩) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.١٧

(١٣٠) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٦٧٩ ,No ٣

(١٣١) V ,p.٨٦١ ـ ٢٧١ عن الوصف راجع شرحه ؛ Miller ,V ,Beiheft ,Taf ,١٨ ; عن الصور راجع

(١٣٢) شرحه p ٠٧١

(١٣٣) ـ Honigmann ,Die Dieben Klimata ,p.٧٦١

(١٣٤) ـ Miller ,I ,p.٩

(١٣٥) شرحةV ,p.٩٦١

(١٣٦) ـ Honigmann ,Die Sieben ـ Klimata ,p.٧٦١ ـ ٨٦١

(١٣٧) شرحه p.٧٦١

(١٣٨) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٦٧٩ ,No ٣

(١٣٩) ـ Wright ـ Kokovtsov, p. ١١٢ ـ ٢١٢, Note ـ Baumstark p. ٥٢٣ ـ ٦٢٣, g) and, p. ٦٢٣, note ١ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٨٦٠١ ـ ٠٧٠١

(١٤٠) ـ Sarton ,Introduction ,II ,p.٩٦٠١

(١٤١) ـ Wright ,Kokovtson ,p.٢٨١ ـ ٣٨١ ,note

٣٨١

الفصل الرابع عشر

القرن الرابع عشر

بدأ نصيب الأندلس والمغرب فى تطور الأدب الجغرافى يتضاءل بصورة ملحوظة فى القرن الرابع عشر ؛ وكان السبب فى ذلك هو أن غرناطة قد أصبحت المركز الوحيد للعرب فى شبه الجزيرة الأيبرية ، وهى إن ظلت محتفظة بهالة من الحضارة السالفة إلا أنها كانت دائما تحت رحمة جيرانها الشماليين. وقد أثبت نمط الرحلة بجدارة أنه أكثر الأنماط مقاومة ورواجا غير أن اهتمام المغاربة به كان يتجاوز اهتمام الأندلسيين ، وظل هذا الاتجاه مزدهرا بين ظهرانيهم حتى اختتمه ابن بطوطة فاختتم بذلك فى نفس الوقت سلسلة الرحلات العربية ذات الأهمية العالمية. وباستتباب سلطان المماليك بمصر مدة قرنين من الزمان اقتضت ظروف الحكم أن تولى عناية خاصة للأدب الجغرافى فى جميع أنماطه التى عرفناها من قبل ، فنلتقى فى هذا العصر بنمطى الفضائل والخطط وقد ظل هذا الأخير مزدهرا بمصر حتى القرن التاسع عشر ؛ كما نما بصورة خاصة نمط الموسوعات الذى ساد فى القرنين الرابع عشر والخامس عشر والذى يمثله عدد من المصنفات الضخمة التى تقع فى مجلدات عديدة. أما الشام فتقدم لنا فى النصف الأول من القرن الرابع عشر مصنفين هامين فى الكوزموغرافيا هما مصنفا أبى الفدا والدمشقى ؛ وقد نال الأول منهما شهرة لم يبلغها غيره فى الدوائر العلمية الأوروبية فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وأما إلى الشرق من الشام فإن الأدب الجغرافى يبدو لنا فى قالبه الفارسى وحده ، وإن أسماء رشيد الدين فضل الله وحمد الله قزوينى لتقف شاهدا على أن أهميته قد تجاوزت حدود بلاده. وقد رأينا من الأفضل أن نغض النظر عن التتابع الزمنى بعض الشىء فنؤجل الكلام على موسوعات عهد المماليك إلى الفصل التالى لهذا بوصفها نمطا جديدا فى الأدب الجغرافى وسنختتم ذلك الفصل نفسه بوصف رحلة ابن بطوطة الذى يعتبر من الناحية الزمنية آخر أثر جغرافى كبير يظهر فى القرن الرابع عشر. أما الآثار العديدة الأخرى والتى تنتمى جميعها بالتقريب إلى النصف الأول من القرن الرابع عشر فسيجرى فحصها وتحليلها فى هذا الفصل الواحد تلو الآخر متجهين من المغرب إلى المشرق.

وأول ما يواجهنا منها هو نمط الرحلة التى أخذت تعكس الاهتمام بالعلوم الطبيعية إلى جانب الأدب الفنى والتى تذكرنا إلى حد ما بما لاحظناه فى العصر السابق لهذا. وإلى هذا النمط ينتمى مصنفان لمحمد بن رشيد

٣٨٢

الفهرى الأندلسى (١) (١) الذى ولد بسبتة فى عام ٦٥٧ ه‍ ـ ١٢٥٩ وخرج من المرية لأداء فريضة الحج فمر فى طريقه بشمال أفريقيا ومصر وزار الشام أيضا. وعند عودته اشتغل بعض الوقت بالتدريس فى غرناطة ثم أمضى بقية عمره فى كنف عثمان الثانى من بنى مرين بفاس إلى وفاته بها فى عام ٧٢١ ه‍ ـ ١٣٢١. وإلى جانب مؤلفاته العديدة فى الحديث فإن له وصفا لرحلتين مختلفتين من حيث العنوان ولكنهما تحملان أحيانا اسما جامعا هو «الرحلتان». أما الأولى منهما فيصف فيها طريقه فى أفريقيا والمرجح أنها وجدت فى عدة أجزاء ، غير أن ما تبقى منها موجود بمكتبة الاسكوريال وهو بخط يد المؤلف ويعالج الكلام عن علماء الإسكندرية والقاهرة فى نهاية القرن الرابع عشر ؛ وعنوانها الذى تغلب عليه الصنعة يعكس بحق مضمون هذه الرحلة وهو «ملء العيبة فى ما جمع بطول الغيبة فى الوجهة الواجهة إلى الحرمين مكة وطيبة» (٢). أما الرحلة الثانية فتتناول الكلام عن أهل الحديث والفقهاء الأندلسيين وقد فرغ من تأليفها فى حوالى عام ٦٨٩ ه‍ ـ ١٢٩٠ بسبتة. وكلا الرحلتين كانتا فى جوهرهما تمثلان الطراز المعروف لنا جيدا وهو «يوميات عالم» ، ومما يلفت النظر فيهما أن المؤلف إلى جانب اهتمامه بالأدب يهتم كذلك بالتاريخ الطبيعى. ومن الممكن تكوين فكرة واضحة عن كتابيه ومحتوياتهما ولو من خلال تلك الشذرة التى يفردها للكلام عن مصحف عثمان الموجود بمسجد قرطبة والتى نقلها عنه المقرى (٣) فى القرن السابع عشر ، وكذلك من خلال موقفه من صدق عقيدة الشاعر إبراهيم بن سهل (٤) أو الكاتب ابن حبيش الذى كان تلميذا له (٥). وإلى هذا العصر نفسه بالتقريب ترجع «رحلة» محمد بن أحمد التجانى الذى لا علم لنا بتفاصيل سيرة حياته بل إن اسمه لم يثبت حتى الآن بصورة قاطعة (٦). وكل ما يمكن استقراؤه من مصنفه أنه خرج من تونس لأداء فريضة الحج عام ٧٠٦ ه‍ ـ ١٣٠٩ فى صحبة أمير من بنى حفص هو يحيى بن زكريا ، وفيما بعد عندما أصبح هذا الأمير حاكما على تونس صار التجانى من عماله المقربين إليه. وتاريخ وفاة التجانى كتاريخ ميلاده مجهول لنا جهلا كاملا.

ولما كان سير الرحالة بطيئا ومجالها محدودا فقد كان ذلك فى مصلحة الوصف إلى حد كبير إذ تمكن المؤلف بذلك من الوقوف عند كل ما يمكن ملاحظته فى طريق سيره القصير. وقد برهنت رحلته على أهميتها الكبرى وذلك بتزويدها لنا بمعلومات وافية عن جميع المناطق التى زارها وعن الأصقاع المجاورة لها. وهى تتناول مسائل الجغرافيا كما تتناول مسائل التاريخ الطبيعى وبوجه خاص التاريخ البشرى ؛ وكما جرت العادة فإنه يستشهد بمختلف المؤلفين ويقتبس أحيانا من الوثائق ، أما أسلوبه فى العرض فأدبى صرف ولكنه لا يثقله بالانطباعات الشخصية أو بمحاولة التدليل على سعة معارفه ومهارته ككاتب فهو فى هذا الصدد أفضل بكثير من غيره من الكتاب الذين عالجوا التأليف فى هذا النمط. وبعد قرن من الزمان

__________________

(*) راجع المقال الذى دبجه يراع العلامة المغربى محمد الفاسى عن هذا الرحالة ونشر «بمجلة معهد المخطوطات العربية» (المجلد الخامس ، ١٩٥٩). (المترجم)

٣٨٣

قدره ابن خلدون تقديرا كبيرا وآفاد من مصنفه مرارا عديدة فى تلك الأجزاء من تاريخه التى أفردها لشمال أفريقيا (٧). وقد دللت أبحاث أمارى على أن التجانى يقدم معلومات تاريخية وجغرافيه ذات قيمة كبرى من ذلك ما كتبه عن جزيرة جربه بل وعن صقلية نفسها. ولم تطبع رحلته حتى الآن (١) ولكن يمكن الاطلاع على شذرات هامة منها فى ترجمة روسوRousseau التى ترجع إلى الخمسينيات من القرن الماضى (٨) وتستند على اختيار تحكمى للنصوص مع سوء فهم للمتن أحيانا. أما أمارى Amari وبل Bel فإنهما لم يتعرضا فى كتابيهما إلا لقسم ضئيل من الرحلة (٩).

ومما لا شك فيه أن البحث الدقيق المتواصل فى المصادر سيمكن من الكشف عن مجهودات أكثر أصالة فى القرن الرابع عشر فى البلاد العربية ؛ ويقص علينا العمرى ، وهو من مؤلفى النصف الأول من هذا القرن وسيرد الكلام عنه فيما يلى ، أن أحد ملوك الزنج بعث بجماعة من ساحل أفريقيا الغربى لدراسة المحيط الأظلنطى (١٠) ؛ ومما يؤسف له أن قصته هذه جاءت عرضا وبصورة مقتضبة ولكن يمكن بكل اطمئنان إرجاع هذه المحاولة إلى عام ١٣٠٠ ـ ١٣٠٧ ، وفيما عدا ذلك فمن العسير إضافة شىء ذى بال. أما فيما يتعلق بإمكان حدوث هذه المغامرة من وجهة النظر التاريخية فهذا شىء ممكن للغاية ، غير أن القول بأنها تمثل «المحاولة الثانية للمسلمين للكشف عن أمريكا (١١)» كما وصفها أحد العلماء العرب المعاصرين فهو قول لا يقوم على أسس وجيهة.

وتحتل مصر المكانة الأولى فى هذا العصر فيما يتعلق بسعة الإنتاج الأدبى فى محيط الجغرافيا موكدة بذلك استمرار تقاليدها الأدبية دون انقطاع بحيث يمكن أن نلتقى بجميع الأنماط الجغرافية المختلفة حتى تلك التى ترتفع إلى القرنين التاسع والعاشر. فإلى نمط الفضائل الذى وصفناه من قبل يمكن أن نرجع مصنفا صغيرا للحسن بن عبد الله الصفدى الذى يجب عدم الخلط بينه وبين المؤرخ المشهور خليل بن أيبك الصفدى (١٢) ؛ أما حياته فلا نعرف عنها إلا القليل (١٣) ويبدو أنه كان من المقربين إلى السلطان الناصر ابن قلاوون الذى حكم مصر ثلاث مرات (كانت آخرها من عام ٧٠٩ ه‍ إلى ٧٤١ ه‍ ـ ١٣١٠ ـ ١٣٤١). وهو ينتمى إلى فئة الموظفين المشتغلين بالأدب الذين حفل بهم هذا العصر ، وله تاريخ مختصر لمصر تحمل إحدى مخطوطاته عنوانا يغلب عليه التكلف هو «نزهة المالك والمملوك فى مختصر سيرة من ولى مصر من الملوك» ؛ وحيث أن القسم الأول من الكتاب يعالج «الفضائل» فإنه يحمل فى بعض مخطوطاته العنوان المعهود لنا جيدا وهو «فضائل مصر». أما القسم التاريخى من الكتاب فإن أقيم ما فيه هو ما جاء بصدد «الأتراك» أى السلاطين المماليك ، وهنا ندين له بوصف دقيق لحوادث السنوات الأخيرة للقرن السابع الهجرى بمصر ويبحث القسم الأول فى مختلف الفضائل الطبيعية والروحية لمصر ؛ وهو نمط معروف لنا جيدا وكان مبعثه فى الأصل كما أبصرنا من قبل هو الأحاديث النبوية المتعلقة بالجغرافيا. أما التواريخ المذكورة

__________________

(*) نشر متن الرحلة العلامة التونسى الكبير حسن حسنى عبد الوهاب فى عام ١٩٥٨. (المترجم)

٣٨٤

فى الكتاب فلا تتعدى الخمسة عشر عاما الأولى من القرن الرابع عشر ؛ وهناك أساس للافتراض بأن الكتاب قد تم تأليفه فى عام ٧١٦ ه‍ ـ ١٣١٦ ـ ١٣١٧ ؛ وأحيانا قد يسوق النساخ تكملة هذا الكتاب إلى نهاية القرن الرابع عشر.

وقد كان لنمط الخطط ، وهى طراز من الجغرافيا التاريخية قائم بذاته ، ممثلوه فى هذا العصر أيضا فهم كأنما كانوا يمهدون الطريق بهذا إلى الاكتمال الذى بلغه هذا الفرع من الأدب الجغرافى فى مؤلف المقريزى القيم. وبفضل الشذرات التى حفظها لنا المقريزى نفسه أصبح معروفا لنا اسم أحد المصنفات الأساسية فى هذا المجال وهو لمحمد بن عبد الوهاب الزبيرى الذى اشتهر باسم ابن المتوج (توفى فى عام ٧٣٠ ه‍ ـ ١٣٣٠) (١٤) وكثيرا ما أطلق عليه لقب ابن القاضى ، وأغلب الظن أنه ينتمى إلى نفس الوسط الإدارى الذى ينتمى إليه المؤلف السابق عليه ؛ أما كتابه فباستثناء حالات طفيفة تتعلق باختلاف القراءات فإنه يحمل عنوان «كتاب إيقاظ المتغفل واتعاظ المتأمل». ويقول عنه المقريزى إنه كان آخر مؤرخ للخطط (١٥) وأنه «يبين جملا من أحوال مصر وخططها إلى أعوام بضع وعشرين وسبعمائة ، قد دثرت بعده معظم ذلك فى وباء سنة تسع وأربعين وسبعمائة ثم فى وباء إحدى وستين ، ثم فى غلاء سنة ست وسبعين وسبعمائة» (١٦).

ومن الطريف أن المقريزى الذى استقى منه مادة وافرة عن بلاد مصر وآثارها المختلفة ومساجدها ومشاهدها (١٧) لا يشير إليه إطلاقا فيما يتعلق بالقاهرة التى يغلب على الظن أنه لم يعالج الكلام عنها (١٨) ؛ كما ينقل عنه القلقشندى (١٩) فى موسوعته الدواوينية. ويشير حاجى خليفة (٢٠) عدة مرات إلى مصنفه ولكن فى عبارات تحمل على الاعتقاد بأنه لم يطلع على الكتاب نفسه بل كان يكرر ألفاظ المقريزى (٢١) ؛ وكما هو معلوم فإن ذلك المؤرخ الكبير للمؤلفات الإسلامية (Bibliograph) أبعد من أن يكون قد رأى رأى العين (de visu) جميع المصنفات التى تحدث عنها.

وإلى جانب المؤلفات الجغرافية من طراز الفضائل والخطط فإن مصر عرفت فى القرن الرابع عشر أيضا المؤلفات المتعلقة بمسح الأراضى حينا فى شكل رسمى جاف وحينا آخر موضحة بمعلومات إضافية ؛ وآخر هذه «الروكات» ، أى سجلات مسح الأراضى ، وأبعدها صيتا هو «الروك الناصرى» المعروف والذى يرجع تاريخه إلى عام ٧١٥ ه‍ ـ ١٣١٥. ويفترض دى ساسى أنه قد وجد أيضا «روك» آخر تم وضعه فى عهد الملك الأشرف شعبان فى حوالى عام ٧٧٧ ه‍ ـ ١٣٧٥ ؛ وقد نشر له هذا المستشرق ترجمة فى تذييلاته لكتابه عن عبد اللطيف البغدادى. وكما بين موريتز (٢٢) فإن هذا الأثر لا يمثل فى الواقع وثيقة رسمية بل هو عبارة عن مرشد عمل من أجل عمال الدواوين ويحمل عنوان «تقويم البلدان المصرية فى الأعمال السلطانية» ، وهو مضمن برمته فى مصنف متأخر من تأليف يحيى بن الحيعان الذى سيمر بنا الكلام عليه فى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) (٢٣).

٣٨٥

والآن وقد فرغنا من الكلام على جميع هذه المصنفات التى لا تخلو أحيانا من الأهمية والفائدة فى محيطها فإنه يجب ألا يغيب عن بالنا بأنها ليست هى التى تمثل الطابع المميز للأدب الجغرافى العربى بمصر فى ذلك العصر إذ أن شرف هذا يعود إلى سلسلة الموسوعات التى ظهرت إلى عالم الوجود فى ذلك العهد بالذات والتى سنتحدث عنها فى الفصل التالى لهذا. وفى الوقت نفسه تقدم لنا الشام عالمين يختتمان بجدارة هذا العصر ويحتلان إلى جانب أصحاب الموسوعات المكان الأول من بين مجموعة الكتّاب الذين لا يمكن تجاهلهم فى عرض عام للأدب الجغرافى عند العرب.

وكلا هذين المؤلفين لا ينتميان إلى الوسط الذى انتمى إليه الكتاب المصريون الذين ورد ذكرهم قبل قليل ؛ وأولهما وهو شمس الدين محمد بن أبى طالب الدمشقى ولد فى سنة ٦٥٤ ه‍ ـ ١٢٥٦ (٢٤) أى قبل استيلاء هولاكو على بغداد بعامين فهو بهذا قد كان معاصرا منذ طفولته لسيل الحوادث الذى اجتاح العالم الإسلامى. وفى عام ١٢٦٠ الحق السلطانى بيبرس هزيمة نكراء بالمغول فى الشام فوضع بذلك حدا لتهديدهم لمصر ووثق العرى بين مصر والشام اللتين ظلتا طوال عهد المماليك خاضعتين لإدارة واحدة ؛ كما كان المغرب بدوره فى ذلك العهد مسرحا لحوادث كبرى فمنذ عام ١٢٦٤ لم يبق تحت السيادة العربية بأسبانيا سوى غرناطة. هذا وقد أمضى الدمشقى معظم حياته بمسقط رأسه دمشق إماما بمسجد الربوة ، ولقب بالصوفى لميوله التصوفية. ويبدو أن هذه الميول هى المسئولة عن اعتزاله العالم فى أواخر أيام حياته وإقامته بناحية من أعمال فلسطين حيث عاش عيشة الزهاد إلى وفاته فى عام ٧٢٧ ه‍ ـ ١٣٢٧ ، أى قبل وفاة أبى الفدا بأربعة أعوام.

وعلى الرغم من جنوحه إلى التصوف إلا أنه خلف وراءه عددا كبيرا من المؤلفات يكشف بعضها عن اهتمام ومعرفة جيدة بالعلوم الدنيوية ؛ وأكثرها شهرة وأهمية بالنسبة لنا هو كتابه فى الكوزموغرافيا «نحنة؟؟؟ الدهر فى عجائب البر والبحر». وعلى نحو ما سنرى فإن طريقة تصنيفه للمادة تكاد تنطبق على طريقة القزوينى (٢٥) إلا أنه لا يكررها دون تدبر. وينقسم الكتاب إلى تسعة أبواب يشغل الأول منها المقدمة التقليدية فى شكل الأرض ووصف الأقاليم السبعة وفصول السنة وبعض الآثار القديمة ، أما الفصل الثانى فيحث فى المعادن والجواهر والأحجار الكريمة بينما يصف الثالث الأنهار والعيون والآبار التى تناقل ذكرها التاريخ ؛ والباب الرابع مكرس للكلام على البحار أما الخامس فيتحدث عن البحر الأبيض المتوسط خاصة ويتضمن وصفا مفصلا لميناء الإسكندرية بينما يعالج السادس الكلام على «بحر الجنوب» (أى المحيط الهندى). أما اليابس فقد أفرد له البابان السابع والثامن فيرد فى أولهما الكلام عن «الممالك المشرقية» ابتداء من الشرق الأقصى فى اتجاه الغرب وذلك على ثلاث مناطق متوازية تشمل الهند وإيران والشرق الأدنى ؛ ويعالج الثانى الكلام على القسم العربى من الأرض «الممالك المغربية» فيبدأ بوصف مصر

٣٨٦

ثم يتابع ساحل أفريقيا الشمالى ابتداء من برقة إلى المحيط ثم يلى هذا بالتتابع وصف مراكش والبربر والسودان والزنوج ، وتشغل الأندلس الجزء الأخير (١).

وتقدير العلماء الأوروبيين للدمشقى لا يخلو من بعض التحفظ فهم يعتبرونه عادة دون الكوزموغرافيين الآخرين من وجهة النظر العلمية ، فمثلا دفيك Devic يراه دون القزوينى بكثير سواء من حيث المعرفة أو روح النقد (٢٦). والدمشقى على نقيض أبى الفدا يهمل الجغرافيا الرياضية ولكن كتابه الذى يعتبر فى آن واحد مصنفا فى الجغرافيا والكوزموغرافيا يفضل كتاب أبى الفدا من حيث تبويب مادته ولو أنه أقل ملاءمة لروح عصره (٢٧) ؛ وهو ذو أهمية كبيرة من وجهة نظر التاريخ الطبيعى (٢٨) لأنه يحفل بمعطيات وافرة فى النبات والحيوان والمعادن وطبقات الأرض ؛ ويغلب على طابع الكتاب الميل إلى الروحيات ولكن ليست من ذلك الطراز البدائى البسيط. ومن تحليل مصنف آخر له يجادل فيه نصارى قبرص الذين تصدى للرد عليهم أيضا مواطنه ومعاصره المشهور ابن تيمية يستبين لنا أن الدمشقى لا ينتمى إلى مدرسة المتصوفين القديمة المعادية لكل فكر فلسفى بل ينضم إلى ذلك الاتجاه الذى اقتفى أثر ابن العربى والذى يجيز تطبيق المنهج التشككى فى حدود معينة (٢٩).

ومما يزيد فى قيمة كوزموغرافيا الدمشقى والمصنفات المشابهة له وجود معلومات غير قليلة فيها نفتقدها لدى المؤلفين الآخرين ، هذا إلى جانب الإشارة إلى مواضع جغرافية معينة تصمت عنها المصادر الأخرى صمتا مطبقا. وتحتل المكانة الأولى مادته عن الشام وفلسطين التى عاش كل حياته فيها والتى يعتبر كتابه مصدرا أساسيا بالنسبة لجغرافيتها وتاريخها ، وفى الواقع أن وصفه لهذه البلاد يعتبر من أكمل ما عرف فى هذا الصدد (٣٠) ، وعند المقارنة به تهبط قيمة الأقسام الأخرى من كتابه المكرسة للكلام على البلاد الواقعة إلى الشرق من البلاد العربية خاصة مناطق المحيط الهندى (٣١) كما بين ذلك فيران Ferrand. أما فيما يتعلق بالهند نفسها فقد أدان العلماء الدمشقى بأخطاء عديدة (٣٢).

وترد الإشارة فى مقدمة بعض المخطوطات إلى خارطة بالكتاب إلا أنه لم يمكن الكشف عنها حتى الآن فى أية واحدة من المخطوطات المعروفة (٣٣) ؛ بيد أنه إذا أخذنا فى الاعتبار أن جميع كتب الكوزموغرافيا من هذا الطراز كمصنف القزوينى والحرانى وابن الوردى قد وجدت بها خارطة مستديرة للعالم فإن الاحتمال يغلب بوجودها عند الدمشقى أيضا. وبعض مخطوطات الكتاب يحمل عددا كبيرا من الرسومات التخططية ، ويقدم لنا كونراد ميلر تحليلا لثلاثة منها يبين أحدها تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم ويوضح الآخر توزيع الشعوب على الأرض بينما يمثل الثالث رسما للبحر الأبيض المتوسط (٣٤).

والدمشقى نادرا ما يشير إلى مصادره وهى جميعها أسماء معروفة لنا كابن حوقل والمسعودى والبكرى والإدريسى (٣٥) ؛ ويحتل مكانة بارزة من بينها معاصره أحمد الطينى ، ولعله هو نفس ذلك المؤلف

__________________

(*) لا ضير فى أن نضيف أن الباب التاسع والأخير يبحث «فى وصف انتساب الأمم إلى سام ويافث وحام أولاد نوح».

(المترجم)

٣٨٧

الذى ترد الإشارة إليه تحت لقب الوطواط الوراق (توفى فى عام ٧١٨ ه‍ ـ ١٣١٨) وهو من أوائل واضعى الموسوعات وسيرد الكلام عنه فى الفصل التالى لهذا. والرأى الذى أخذ به من قبل (٣٦) ومؤداه أن كتاب الدمشقى ليس إلا نقلا من كتاب هذا المؤلف الأخير لا يستند على أى أساس من الواقع.

هذا وقد عرفت كوزموغرافيا الدمشقى منذ السنوات الستينات من القرن الماضى (١٨٦٦ ، ١٩٢٣) فى طبعة وترجمة فرنسية جيدة من عمل المستعرب الدنماركى مرن Mehren ، غير أن المحاولات الأولى لدراسة هذا الأثر قد ارتبطت إلى حدما بنشاط الاستشراق الروسى. وبفضل انتشار مخطوطات الكتاب بين المجموعات المختلفة فقد بدأ الاهتمام به مبكرا ، فمنذ القرن الثامن عشر نشر المستشرق السويدى نوربرج Norberg مقتطفات صغيرة منه (١٧٩٨ ـ ١٧٩٩) وفكر فى إعداد طبعة كاملة له (٣٧). وفى عام ١٨١٩ عندما وصلت إلى المتحف الأسيوى ببطرسبرغ مخطوطة من هذا الكتاب ضمن مجموعة روسو اهتم بها المستشرق فرين Fra؟hn اهتماما متزايدا حتى أنه تقدم فى العام التالى لهذا باقتراح إلى الأكاديمية بأن تقوم بطبعه (٣٨) ؛ ولما كان حجم الكتاب كبيرا فإن اقتراحه لم يكن يرمى فى الواقع إلى إخراج طبعة علمية للمتن بقدر ما كان يهدف إلى نشر مخطوطة بطرسبرغ ؛ وقد بدأ الطبع فعلا ولكنه حين وصل إلى الصفحة الثانية عشر بعد الثلاثمائة أتى الحريق على بقية الصفحات المعدة للتصحيح (٣٩). ولهذا السبب أو لأسباب أخرى اضطر فرين إلى الإقلاع عن السير فيه ؛ وفى عام ١٨٦٦ فقط ، أى بعد مضى خمسة عشر عاما على وفاة فرين ، جمعت الصفحات التى لم تمتد إليها النيران وجلدت وصدرت بوصفها مخطوطة ، ولم يتجاوز المطبوع منها المائة نسخة يضاف إلى هذا صفحة تحمل العنوان باللغة الفرنسية ولا تحمل أى توضيح آخر ؛ وقد بلغ المتن بالتقريب إلى وصف فلسطين وهو يضم ثلثى الكتاب. وفى ذلك العام نفسه ظهرت طبعة مرن الذى كان أول من اهتم بدراسة الدمشقى ولم يكن له أى علم بمجهود فرين ، وهو قد اعتمد فى ذلك على المخطوطة الموجودة بكوبنها غن. وقد بدأ بنشر ترجمة لأقسام من الكتاب وعمل دراسات حول نقاط معينة منه (الشام وفلسطين ؛ شبه جزيرة البرانس الخ) (٤٠) ، ثم استعان بالمادة التى أعدها فرين فأخرج طبعة كاملة للكتاب قامت بنشرها أكاديمية العلوم الروسية. ونتيجة لتعرف العلماء فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر على المؤلفين السابقين للدمشقى وعلى مؤلفى الموسوعات أيضا فقد تضاءل الاهتمام به بصورة ملحوظة وكان آخر بحث يتصل بكتابه هو بحث دهيران Deherain عن أفريقيا لدى الدمشقى الذى ظهر فى عام ١٨٩٨ (٤١) : بيد أن هذا لا يمنع من القول بأن كتابه لا يزال يجتذب أنظار العلماء فيما يتعلق بمسائل معينة.

وينتمى إلى نمط الكوزموغرافيا ، مرتبطا بعض الشىء بمؤلف الدمشقى ، كتاب أحمد بن حمدان ابن شبيب الحرانى بعنوان «جامع الفنون وسلوة المحزون» (٤٢). ولا يزال الغموض بكل أسف يكتنف عددا من المسائل المتعلقة بشخص المؤلف نفسه وبمسودة مصنفه التى توجد فيها اختلافات كبيرة تبعا

٣٨٨

لاختلاف المخطوطات (٤٣). والثابت فقط أنه كان بمصر فى عام ٧٣٢ ه‍ ـ ١٣٣٢ ؛ ويبصر كرامرس فى مصنفه تأثير المنهج الذى اتبعه الدمشقى فى تبويب مادته ولكن يعتقد أن الكتاب قد اعتمد على أساس جغرافى مغاير (٤٤) وهو أمر يوكده توزيع الأقسام المختلفة للكتاب فى بعض المخطوطات (٤٥). فمثلا تتحدث المقالة الثانية فى مخطوطة ليننغراد عن «الآثار العلوية والسفلية» أو بمعنى آخر عن العجائب التى يمكن ملاحظتها فى السموات وفيما بين السماء والأرض ؛ أما المقالة الثالثة فتحدث عن «الدنيا وأحوالها والدهور والزمان». وهى تحفل بأمشاج من المعلومات المتعلقة بالتقاويم ولكنها تجمع إلى جانب ذلك مواد أدبية ذات طابع انتخابى تزينها الأشعار والأقوال البليغة ، وهذا بالطبع لا يتعلق فى قليل أو كثير بالكوزموغرافيا كما وأنه من العسير؟؟؟ تحديد ارتباطه بالمسودة الأولى للكتاب ؛ أما المقالة الرابعة فتثمل أنموذجا جيدا للكوزموغرافيا عند الحرانى بل إن عنوانها نفسه يحدد مضمونها الأساسى وهو «فى عجائب الأقطار وغرايب البحار والأنهار والجبال والقفار» ، فهى تنضم إذن فى جوهرها لنمط العجائب (Mirabilia) المعروف لنا جيدا منذ القرن العاشر. وإزاء كل هذا فإن من السهل علينا أن ندرك السر فى أن قسما كبيرا من هذه المقالة قد أفرد لعجائب مصر التى يستقيها أساسا من مصنف إبراهيم بن وصيف شاه ولو أنه لا يشير إليه بصراحة فى صفحات كتابه (٤٦) ؛ وهذا القسم بالذات هو الذى ضمنه بأجمعه تقريبا فى مصنفه فى الكوزموغرافيا سراج الدين بن الوردى وذلك بعد مضى قرن من الحرانى (٤٧). أما تلك الأقسام من كتاب الحرانى التى تمس بحر قزوين فهى ليست سوى تكرار حرفى لمادة المسعودى والقزوينى (٤٨). وعلى أية حال فإن كتاب الحرانى مثال جيد لما طرأ على مادة الكوزموغرافيات القديمة من تبسيط وتقريب إلى أفهام الجمهور فى العصور التالية حتى أصبحت تتمتع برواج كبير فى أوساط القراء كما يتضح لنا من كتب ابن وصيف شاه والحرانى وابن الوردى على التوالى.

وإلى جانب الدمشقى يجب أن نذكر شخصية معاصره ومواطنه أبى الفدا الذى احتل فى ميدان العلم مكانة أرفع من مكانته والذى يقول رينوReinaud عن مصنفه الجغرافى وذلك قبل قرن من الزمان إنه يمثل «إلى جانب الإدريسى مؤلفا ضخما فى مجاله» ويوكد فى ذات الوقت «أن العصور الوسطى الأوروبية لم تعرف كتابا يمكن مقارنته به». ولا يزال هذا الحكم صحيحا فى جوهره حتى أيامنا هذه ولكن يجب أن تعدل بعض تفاصيله على ضوء تطور البحث فى مجال الأدب الجغرافى منذ أن أصدر رينو حكمه هذا. وأبو الفدا على نقيض المؤلفين السابقين له ينتسب إلى فرع دوحة عريقة هى أسرة الأيوبيين التى تولت زمام الحكم فى الشرق فهو بذلك تربطه رابطة الرحم بصلاح الدين الأيوبى ، وإلى جانب هذا فهو يتفرد بين سائر الشخصيات التى تشاركه الحسب والنسب فى أنه لم يكن من بين رعاة الأدب والفن فحسب كما كان الكثيرون غيره بل كان إلى جانب ذلك مؤلفا كبيرا خلف وراءه مصنفين كبيرين فى التاريخ والجغرافيا. وقد أدى انتسابه إلى تلك الأسرة الكبيرة أن تعددت الأسماء التى عرف بها ، فهو وإن ثبتت

٣٨٩

عليه فى الأوساط العلمية الأوروبية كنية أبى الفدا إلا أنه غلب عليه الشرق لقبه عماد الدين أو لقب الإمارة الملك المؤيد ؛ أما اسمه فهو إسماعيل بن على الأيوبى. وسترة حياته معروفة لنا جيدا بفضل ما خلفه لنا من ملاحظات وفيرة فى سيرة حياته الخاصة التى تذكرنا فى بعض خطوطها بسيرة حياة أمير شيزر أسامة بن منقذ الذى عاش بالشام أيضا ولكن قبل قرن من أبى الفدا وخلف مذكرات ممتعة عن حياته الخاصة (٤٩). هذا قد سارت حياة أبى الفدا بحسب ما يبتغى حتى اعتقد البعض أن الأقدار حابته كثيرا (٥٠).

وإلى جانب ما منحته إياه الأقدار من ذهن صاف وقريحة فياضة وملكة شعرية وتملك لمختلف فروع المعارف إلا أنه برز كذلك بشجاعته وصفاته العسكرية ؛ وقد اعترف له معاصروه بالمرونة والاستعداد الدبلوماسى فاستطاع فى تلك الأزمنة الشديدة الاضطراب أن يحتفظ بما ورثه عن آبائه من أملاك بل وأن بوسع رقعتها. وكانت تلك الفترة التاريخية عصيبة حقا فقد استمر الكفاح ضد الصليبيين من ناحية وضد تحركات المغول على الشام من ناحية أخرى ، أضف إلى هذا أن سلطان المماليك لم يكن قد ثبت بعد فى الشام بصورة قاطعة ؛ وعلى أية حال فقد كانت قرائن الأحوال تشير إلى أن سلطان مصر هو صاحب القوة الكبرى وقد أحس أبو الفدا بهذا ولعل ذلك هو السبب الذى جعله يثبت على ولائه لدولة المماليك.

ولد أبو الفدا فى سنة ٧٦٢ ه‍ ـ ١٢٧٣ بمدينة دمشق التى كان قد التجأ إليها آنذاك أبوه أمير حماة ؛ وقد سارت مهمة تثقيفه فى الأدب جنبا إلى جنب مع تدريبه العسكرى وصحب أباه وهو فى سن الثانية عشر فى الحملة التى انتزعت من أيدى الصليبيين قلعة المرقب ، كما أخذ جانبا وهو فى سن السادسة عشرة فى إخراج الصليبيين من طرابلس ؛ وفى عام ٦٩١ ه‍ ـ ١٢٩١ أخذ طرفا فى حملة على أرمنيا الصغرى بقيادة السلطان لاچين ؛ وتنسب أسطورة أوروبية هذا الأخير إلى جماعة الفرسان التيوتون Teutonlc) (Knights وتزعم بأنه قد وصل إلى فلسطين مع الصليبيين ولكنه لم يلبث أن أخذ جانب المسلمين ونال المكانة لديهم شيئا فشيئا حتى صار سلطانا (٥١) ؛ ومن الخير أن نضيف أن هذه الأسطورة مجهولة تماما فى المصادر العربية (٥٢)

هذا وقد ربط أبو الفدا كفاحه مع المماليك نهائيا فى عام ٦٩٨ ه‍ ـ ١٢٩٩ وذلك فى عهد خليفة لاچين السلطان الناصر الذى ظل أبو الفدا مخلصا له طوال حياته. وفى عام ٧٠١ ه‍ ـ ١٣٠١ أخذ أبو الفدا طرفا فى الحملة الثانية للماليك (١) على آسيا الصغرى ، وقريبا من ذلك العهد قام بزيارة لبلاط السلطان بالقاهرة لأول مرة فقوبل بما هو أهل له من تقدير واحترام وأعيدت إليه حقوقه الشرعية بعد عامين من هذا فثبت أميرا على حماة. ومنذ تلك اللحظة استقر فى أملاكه ولكنه كان يرى بالقاهرة فى المناسبات والاعياد كما أدى فريضة الحج بضعة مرات صحب فيها أحيانا السلطان الذى كان يأنس بصحبته ؛ وحوالى

__________________

(*) ورد فى الكتاب سهوا «المغول» بدلا من «المماليك». (المترجم)

٣٩٠

عام ٧١٥ ه‍ ـ ١٣١٥ اشترك أبو الفدا فى حملة أخرى على آسيا الصغرى. غير أن هذه الحياة النشطة الدائبة الحركة لم تحل دون اشتغاله بالأدب فإلى هذه الفترة بالذات يرجع تدوين القسم الأكبر من تاريخه الذى ظل يضيف إليه عاما بعد عام حتى سنة ٧٢٩ ه‍ ـ ١٣٢٩ ؛ وفى الوقت نفسه وذلك عندما كان بحماة فى عام ٧١٧ ه‍ ـ ١٣١٧ اشتغل أيضا فى تأليف كتابه فى «الجغرافيا». وقد كان التوفيق حليفه دواما فى خططه السياسية فتم تنصيبه للمرة الثانية فى عام ٧٢٠ ه‍ ـ ١٣٢٠ أميرا على حماة وأصبحت الإمارة وراثية فى بيته ولقب بالملك المؤيد. وفى رحلة له إلى مصر زار الإسكندرية ونال شرف حضور استقبال سفراء نادرين مثل سفير خايمه Jaime (يعقوب) الثانى ملك أراغون Aragon وسفير ايلخان فارس ؛ وفى أثناء اصطحابه للسلطان فى تجواله بمصر العليا بلغ دندرة. وختم أيام حياته بسلام فى حماة وذلك فى أكتوبر سنة ٧٣٢ ه‍ ـ ١٣٣١ بعد أن تنبأ كما تزعم الأسطورة بأنه لن يتجاوز الستين شأنه فى هذا شأن جميع أفراد أسرته ؛ بل إن نسله نفسهم لم يكتب لهم البقاء طويلا فى عالم الأحياء فقد ورث ابنه بعده سلطان الأسرة بحماة وخلعت عليه الإمارة من سلطان مصر ولكن بعد وفاته فى عام ٧٤٢ ه‍ ـ ١٣٤١ لم يستطع الحفيد أن يرتفع إلى مستوى الأحداث المعقدة لذلك العصر وقنع بالاحتفاظ بمظهر الإمارة إلى وفاته بحماة فى عام ٧٥٨ ه‍ ـ ١٣٥٧ فانقرض بذلك بيت أبى الفدا (٥٣). ولا تزال مقبرة أبى الفدا حتى يومنا هذا بمدينة حماه قرب المسجد المعروف «بمسجد الحيايا» الذى بناه أبو الفدا نفسه كما يمكن الاستدال من نقش موجود بالمسجد حاليا يرجع تاريخه إلى عام ٧٢٧ ه‍ ـ ١٣٢٧ (٥٤) ، وعلى مقربة من منارة المسجد أمر أبو الفدا بتشييد «تربة» له زودها بكفن ، وإذا لم يكن ثمة خطأ قد وجد سبيله إلى تاريخ النقش فإن أبا الفدا يكون بذلك قد أعد العدة لوفاته قبل أربعة أعوام من حدوث ذلك ، أى عندما بنى مسجده فى عام ٧٢٧ ه‍ ـ ١٣٢٧ (٥٥). وقد حفظت لنا الأقدار أثرا فنيا كان يمتلكه أبو الفدا ويمثله كاتبا أكثر مما يشير إليه كحاكم ، هو عبارة عن «قلمدان» ، أى وعاء للأقلام ، مصنوع من البرونز ونقشت عليه عبارة مناسبة وهو يعد أثرا طريفا فى الفن الإسلامى (٥٦).

وكانت حماه فى عهد أبى الفدا مركزا للأدب والأدباء نلتقى فيها بعدد من الشعراء الذين تنافسوا فى مدح الأمير كالشاعر المشهور ابن نباته ، كما نلتقى فيها أيضا بمواطنين من أهل المدينة نفسها كالشاعر الشعبى عمر المهار (توفى حوالى عام ٧١٠ ه‍ ـ ١٣١٠) (٥٧). ولم يكن أبو الفدا نفسه غريبا على الشعر ، كما وأنه ضرب بسهم وافر فى كثير من العلوم كالفلك والطب والنبات إلا أن شهرته العلمية تعتمد أساسا على مصنفيه فى التاريخ والجغرافيا.

وأبو الفدا وإن كان معاصرا لماركو بولوMarco Polo (١٢٥٦ ـ ١٣٢٣) إلا أنه لم يكن رحالة ، فهو لم يعرف غير الشام والبلاد المجاورة لها كفلسطين وبلاد العرب ومصر والجزء الشرقى من آسيا الصغرى (١)

__________________

(*) أى الأفاعى ، وهو جمع عامى لحية كما يستعمله أهل تلك النواحى. (المترجم)

٣٩١

وأرض الجزيرة العليا. أما بخلاف هذا فهو جغرافى نقالة كان يستقى مادته من الآثار المدونة وأحيانا من قصص التجار والرحالة التى سمعها بالشام ، وهو لم يكن بحاثة ولكن هذا لم يمنعه من وضع أثر لا يقل فى شىء عن معجم ياقوت. ومما لا شك فيه أن كتابه مصنف نقلى جمع مادته من عدد كبير من المؤلفات القديمة ولكنه أضاف إلى هذا عددا ليس بالقليل من المعلومات الجديدة عن البلدان غير الإسلامية ؛ وهو فى تبويبه لمادته يكشف عن مقدرة ملحوظة فى التأليف. وليس فى مقدور أحد أن ينكر أن المكانة التى بلغها عند الأجيال التالية من العرب والفرس والترك ، وبين دوائر المستشرقين ابتداء من القرن السادس عشر ، إنما تقوم فى الواقع على أساس متين (٥٨).

ويحمل مصنفه فى الجغرافيا عنوانا متواضعا هو «تقويم البلدان» ؛ وقد أتم مسودته فى سبتمبر من عام ٧٢١ ه‍ ـ ١٣٢١ ولكن من الممكن القول بأنه ظل يزيد عليه حتى لحظة وفاته ؛ وتوجد بمكتبة ليدن مخطوطة له راجعها أبو الفدا نفسه. وينقسم الكتاب إلى قسمين غير متساويين الأول منهما أقل أصالة من الثانى (٥٩) ، وهو على هيئة مقدمة فى الكوزموغرافيا العامة تضم المعلومات المعهودة عن تقسيم الأرض وعن خط الاستواء والأقاليم السبعة والمعمور من الأرض ومساحتها وعن المصطلحات المستعملة فى الجغرافيا ؛ ويرد فيها وصف قصير للبحار والبحيرات والأنهار والجبال كما يوضح النظام الذى يسير عليه الكتاب (٦٠). وأما القسم الثانى والأكبر فهو ينقسم بدوره إلى ثمانية وعشرين قسما ، أو جداول على الأصح مكرسة للكلام على المناطق الجغرافية المختلفة التى تسمى أيضا بالأقاليم والتى يرد وصفها على الترتيب الآتى الذى قد يختلف اختلافا ضئيلا وفقا للمخطوطات : بلاد العرب ، مصر ، المغرب ، السودان ، الأندلس ، جزر البحر. الأبيض المتوسط والمحيط الأطلنطى ، الشمال (بلاد الفرنجة والترك) ، الشام ، الجزيرة ، العراق ، خوزستان ، فارس ، كرمان ، سجستان ، السند (البنجاب) ، الهند ، الصين ، جزر البحر الشرقى ، الروم (آسيا الصغرى) ، أرمينيا (ومعها أرّان وأذربيجان) ، العراق العجمى ، الديلم (وكيلان) ، طبرستان (ومازندران) ، خراسان ، زابلستان (والغور) ، طخارستان ، خوارزم ، ما وراء النهر. وهذا التعداد يبين لنا لأول وهلة أن تهويب أبى الفدا يعكس بدقة تأثير المدرسة الكلاسيكية للبلخى (٦١) كما وأن الاهتمام الذى يفرده لبلاد إيران يجس من خلاله تأثير «أطلس الإسلام» ؛ ويمكن أن نستنبط من هذا التبويب كيف أن أبا الفدا قد تحول عن الادريسى إلى التقسيم الذى اتبعه جغرافيو القرن العاشر ، أى أنه اطرح جانبا التقسيم إلى أقاليم فلكية مفضلا عليه التقسيم إلى مناطق جغرافية (٦٢).

هذا وإذا كان أبو الفدا يفتقر إلى الأصالة فى طريقة تعداده للمناطق وتنظيمه لها إلا أنه بلا ريب يظهر الكثير من هذه الأصالة فى طريقة تبويبه للمادة داخل هذه المناطق. فكل واحدة من المناطق الثمانية والعشرين منسقة وفق نظام موحد وينقسم كل منها إلى جزئين يحتوى الأول على عرض عام للمنقطة وأخلاق سكانها وعاداتهم وآثارها القديمة وطرقها ؛ وتتفاوت هذه الأجزاء الأولى من حيث الحجم وفقا لمساحة كل منطقة

٣٩٢

وأهميتها الجغرافية أو تبعا للمادة التى كانت تحت تصرف أبى الفدا عنها. أما الجزء الثانى لكل منطقة فيمثل جدولا يقدم رسوما بيانية متتالية تحتوى على أسماء البلاد والنقاط المأهولة فيها والمصدر الذى اعتمد عليه أبو الفدا فى تحديد طولها وعرضها والإقليم الفلكى والجغرافى الذى تنتمى إليه ، هذا مع بيان الأسماء بدقة من جهة الإملاء وتقديم وصف عام للمدن (٦٣). وأبو الفدا أول من اتبع نظام الجداول فى علم الجغرافيا وهى خطوة لا تعتبر شيئا أصيلا إذ من الطبيعى أن نفترض منذ البداية أن أبا الفدا قد استعار فكرة الجداول من الزيجات التى كان يعرفها معرفة جيدة. غير أن أبا الفدا نفسه يذكر صراحة (٦٤) أنه قد سار على نهج الطبيب يحيى بن جزله (توفى عام ٤٩٣ ه‍ ـ ١١٠٠) (٦٥) الذى وزع الأمراض فى مصنفه الشعبى «تقويم الأبدان» على هيئة جداول وفقا للنماذج الفلكية. وربما تقودنا هذه الملاحظة الأخيرة الى التفكير فى أن الاثنين قد رجعا إلى مصدر مشترك ، غير أن أبا الفدا يذكر بصراحة أنه أخذ تلك الطريقة عن الطبيب بما فى ذلك عنوان الكتاب نفسه.

والمصادر المدونة التى اعتمد عليها أبو الفدا معروفة لنا على وجه العموم لأنه كان من عادته الإشارة إلى مصادره بدقة (٦٦) ؛ ففيما يتعلق بالأدب الكلاسيكى للقرن العاشر اعتمد أبو الفدا أساسا على الإصطخرى وابن حوقل ؛ ومن بين المتأخرين اعتمد على الإدريسى الذى عرفه لا فى كتاب «نزهة المشتاق» وحده بل وفى مصنفه الثانى الذى لم يصل إلينا (٦٧) ؛ كذلك استعمل معجم ياقوت وجغرافيا ابن سعيد ؛ ومخطوطة هذا المصنف الأخير التى اطلع عليها أبو الفدا محفوظة الآن بباريس (٦٨). أما من بين المؤلفين الذين فقدت مصنفاتهم بالنسبة لنا فتحتل أهمية خاصة الفقرات العديدة التى نقلها عن المهلبى جغرافى العهد الفاطمى ، والتى تساعد على تكوين فكرة عن مؤلفه الجغرافى (٦٩). وقد وجه أبو الفدا اهتمامه كما هو معروف إلى الجغرافيا الوصفية ، إلا أن الجغرافيا الرياضية تحظى كذلك بمكانة كبيرة فى كتابه إذا ما قورن ذلك بالحالة السائدة فى عصره (٧٠). وكان مصدره فى هذا المجال هو البيرونى خاصة فى كتابه «القانون» ، وابن سعيد الذى مر ذكره ؛ وغير معلوم لنا أى «كتاب الأطوال» يعنى عندما يشير إلى ذلك ولكن الرأى الغالب أنه يقصد بهذا الترجمة العربية لإحدى مصنفات بطلميوس العديدة. أما فيما يتعلق بمصادره الشفوية فلا نستطيع إلا أن نقف موقف التكهن ؛ وهى بلا شك قد وجدت ويمكن أن نقدم مثالا لها الرواية التى ينقلها على لسان أحد التجار عن مصب نهر الفلجا أو إشارته خلال كلامه عن الهند إلى رحالة زار تلك البلاد.

ومن الطبيعى أن تحتل الشام والبلاد المجاورة لها الأهمية الكبرى عنده من حيث وفرة المادة ؛ أما فيما يتعلق بأوروبا الشمالية والغربية فإنه لا يمثل أهمية كبيرة بجانب بعض المصادر الموجودة فى أيدينا الآن. وقد لوحظ أكثر من مرة تسرب الأخطاء إلى مادته عن عدد من الأقطار وذلك لأسباب مختلفة ، فمثلا وصفه لأفريقيا الجنوبية بمثل تقهقرا علميا واضحا عند المقارنة بمصدره البيرونى (٧١). وقد لمسنا

٣٩٣

عنده من قبل الخلط فى القسم الخاص بالهند ، من ذلك روايته التى ينقلها عن ابن سعيد والتى يزعم فيها خطأ أن البيرونى أصله من مدينة هندية (٧٢) وهى رواية لا تزال تتردد من آن لآخر إلى أيامنا هذه (١) ؛ كما يلاحظ لديه أيضا بعض التخبط فى معلوماته عن الصين والتى استقاها من مصادر مختلفة (٧٣)

وجميع هذه التفاصيل تتكشف بوضوح فور الفحص الدقيق لكل قسم من الأقسام المختلفة لكتاب أبى الفدا ؛ وكتابه بوجه عام مصنف تام مكتمل يمتاز بأصالة التبويب وبالوضوح فضلا عن أنه تمتع برواج كبير سواء بين الأجيال القريبة من المؤلف أو التالية له (٧٤). وقد لخصه الذهبى (٧٥) معاصره الأصغر سنا منه (توفى فى عام ٧٤٨ ه‍ ـ ١٣٤٧) كما نال حظوة كبرى لدى الأتراك فرتبه فى القرن السادس عشر سپاهى زاده (توفى عام ٩٩٧ ه‍ ـ ١٥٨٨) على حروف المعجم باللغة العربية وزاد عليه وأخرجه بعنوان «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك (٧٦)» ، وتوجد منه مخطوطة بمعهد الدراسات الشرقية بليننغراد (٧٧) كان قد درسها المستشرق دورن Dorn (٧٨) ؛ ولم يقف سپاهى زاده عند حد إعادة صياغة المصنف بالعربية بل ترجم شذورا منه إلى التركية ؛ أما فى إيران فقد خضع لتأثيره محمد صادق الأصفهانى من مؤلفى القرن السابع عشر (٧٩).

وقد حدث هذا فى اللحظة التى عرفت فيها أوروبا أبا الفدا معرفة ليست أقل من معرفة الشرق به (٨٠) ؛ وفى الواقع إنه لم يفقه فى الشهرة هناك إلا مصنفان فى اللغة العربية بأجمعها هما القرآن و «ألف ليلة وليلة». ويمثل كتابه واحدا من أوائل المصنفات التى ترجمت عن اللغة العربية ؛ وحاز التقدير كما يقول أمارى «لأسلوبه المتزن ونقده القويم» (٨١). وقد ورد ذكره منذ منتصف القرن السادس عشر (فى عام ١٥٦١) لدى المستشرق الفرنسى بوستل Postell الذى يعد فى الرعيل الأول من بين المستشرقين. وفى القرن التالى لذلك شغل كثيرا بدراسته المستشرق الألمانى شيكارت Schickardt (١٥٩٢ ـ ١٦٣٥) ، ثم لم تلبث أن وجدت نسخة من المصنف ، لا الترجمة وحدها (٨٢) ، طريقها إلى مكتبة باريس (٨٣). وعقب ذلك بقليل (١٦٥٠) وضع المستشرق والفلكى الإنجليزى غريفزGreaves أو غرافيوس Gravius (١٦٠٢ ـ ١٦٥٠) اللبنة الأولى فى دراسة هذا الأثر دراسة نقدية بنشره لقسم من الكتاب (٨٤) ؛ وفى القرن الثامن عشر ظهرت إلى جانب دراسات لبعض نقاط الكتاب ترجمة كاملة له (١٧٧٠ ـ ١٧٧١) بقلم المستشرق رايزكه Reiske (١٧١٦ ـ ١٧٧٤) وهى ترجمة يغلب عليها مع الأسف طابع الاستعجال ؛ ثم لم يلبث أن توج كل هذا المجهود الكبير بظهور الطبعة والترجمة اللتين بدأ العمل فيهما فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى تلامذة المستشرق الكبير دى ساسى بايعإز منه وتحت توجيهه ؛ ولا يزال هذا العمل حتى أيامنا هذه من أبرز ما أنتجه الاستشراق الفرنسى. وقد ظهر المتن الذى قام بإعداده رينوReinaud

__________________

(*) بين أحد العلماء الهنود المعاصرين أن مصدر هذا الخطأ يرجع إلى أبعد من ذلك وهو كتاب «نزهة الأرواح» لشمس الدين الشهرزوت الذى تم تأليفه بين عامى ١١٩٠ و ١٢١٤. (المترجم)

٣٩٤

ودى سلان De Slane فى عام ١٨٤٠ مصحوبا بمقالة ضافية فى سيرة حياة أبى الفدا وعن مصنفه (٨٥) ؛ وأعقب ذلك فى عام ١٨٤٨ ظهور القسم الأول من الترجمة بقلم رينو ومقدمة عامة فى علم الجغرافيا لدى المشارقة تمثل فى حد ذاتها أثرا مستقلا بنفسه (٨٦). وقد أتم الترجمة غيارGuyard بعد خمسة وثلاثين عاما من ذلك التاريخ وظهرت هذه التتمة فى عام ١٨٨٣ (٨٧). وكان سير العلم قد تقدم بشكل محسوس منذ أن بدأ تنفيذ هذه الفكرة لذا فإن غيار أورد فى مقدمته لترجمة القسم الثانى قائمة بأسماء الطبعات والأبحاث المختلفة التى ظهرت فى هذه الفترة والتى عدلت كثيرا من موقف العلماء إزاء أبى الفدا فى الثلاثينيات والأربعينيات من ذلك القرن بحيث بدا هذا المشروع لدى علماء الثمانينيات وكأنه قد عفى عليه الزمن وذلك بسبب ظهور طبعات لآثار أهم بكثير من مصنف أبى الفدا.

غير أن هذا لا يقلل فى شىء من قيمة الترجمة فى حد ذاتها ، فهى تمثل إحدى الترجمات القيمة فى هذا الميدان وستظل على الدوام محتفظة بأهميتها لأنها تقدم لنا فى صورة متكاملة مصنفا قائما بذاته لعب دورا ليس بالصغير فى تطور العلوم عند العرب وغير العرب. أما المقدمة العامة لرينو Introduction Générale äla Géographie des Orientaux. Paris, ٨٤٨١ فإنها تتمتع بأهمية استثنائية كما حدث وأن بينا ذلك فى مقدمة كتابنا هذا ؛ لا لأنها كانت البحث الرئيسى للتعريف بأبى الفدا وجغرافيته على ممر قرن من الزمان بل لأنها ظلت عشرات من السنين الدراسة العامة الوحيدة فى تاريخ الجغرافيا العربية (ويصدق هذا بعض الشىء على الفارسية والتركية) ولم يحل محلها حتى الآن أى بحث آخر (١). وعلى الرغم من التقدم الذى أحرزه العلم فى الفترة التى مرت منذ ظهور المقدمة وعلى الرغم أيضا من التغير التام الذى طرأ على الصورة العامة فى بعض الفترات التاريخية وفى بعض الجوانب فإن هذا الأثر لا يزال على وجه التقريب المرجع الأساسى للتعريف بجميع الآثار الجغرافية العربية هذا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفترة التى انقضت منذ تأليفه. ويرتبط بهذه «المقدمة العامة» على الدوام اسم أبى الفدا الذى كان حافزا ولو بطريق غير مباشر على ظهور هذا الأثر العلمى الذى يعتبر من أبرز منتجات الاستعراب الأوروبى. وكما أسلفنا فى مرات عديدة فإن الأدب الجغرافى فى هذا العصر لم يجد تربة خصبة فى المناطق الواقعة إلى الشرق من الشام ، ولكن فى مقابل ذلك بلغ الأدب الجغرافى باللغة الفارسية أوجه فى هذا العصر بالذات. ويتبين لنا هذا من خلال فحص مصنف رشيد الدين المشهور «جامع التواريخ» الذى وإن كان فى جوهره أثرا تاريخيا صرفا إلا أنه يمكن اعتباره بنفس القدر مصنفا فى الجغرافيا التاريخية أيضا (٨٨). وكان أبو الفضل رشيد الدين طبيبا فى الأصل وقد ولد حوالى عام ٦٤٥ ه‍ ـ ١٢٤٧ فى أسرة

__________________

(*) إن كتاب نفيس أحمد الباكستانى الذى وضعه باللغة الإنجليزية والذى تم تعريبه فى الآونة الأخيرة لم يستطع أن يشغل المكانة التى احتلها مؤلف رينو ، ومصداق هذا أن جماعة من العلماء الهنود قد قامت بنقل مصنف رينو إلى اللغة الإنجليزية منذ وقت غير بعيد ؛ أما الآن وبظهور كتاب كراتشكوفسكى فإنه يمكن القول بأنه قد ظهر فعلا كتاب يحل محل مقدمة رينو التى عفى عليها الزمن. (المترجم)

٣٩٥

يهودية من همدان ، ولم تلبث مهنته أن قربته من بلاط الحكام المغول ايلخانات الفرس منذ عهد آباقا خان وظل محتفظا بهذا النفوذ حتى كان فى واقع الأمر الوزير الأول فى عهد غازان والجايتو ؛ ولكن بوفاة الايلخان أو لجايتو سقط رشيد الدين فريسة لدسائس أعدائه الذين استغلوا فيما استغلوا حقيقة أصله اليهودى فلم يلبث أن نفذ فيه حكم الإعدام فى عام ٧١٨ ه‍ ـ ١٣١٨. هذا الأثر الكبير الذى استعان فيه رشيد الدين بخبرة عدد من العلماء ، وهو شىء جر عليه وقتا ما تهمة السرقة الأدبية ، بدأ تأليفه فى حوالى عام ٧٠٠ ه‍ ـ ١٣٠٠ وفرغ منه فى عام ٧١٠ ه‍ ـ ١٣١١ ؛ وهو يتألف فى صورته المعروفة لنا من جزئين أفرد الأول منهما لتاريخ المغول ويتكون بدوره من قسمين يحتوى الأول منهما على تاريخ القبائل التركية والمغولية مع تفاصيل مسهبة عن فروعهم وأنسابهم وأساطيرهم ، بينما يحتوى الثانى على تاريخ المغول منذ جنكيز خان إلى غازان. أما الجزء الثانى فيمثل شيئا أشبه بالتاريخ العام وهو معروض أيضا فى قسمين يشغل الأول منهما تاريخ إيران القديمة بينما يبدأ الثانى بتاريخ محمد فالخلفاء إلى عام ١٢٥٨ ويضم قطعا خاصة عن الدويلات الفارسية وعن الإسماعيلية ومعلومات حول كفاح البابا ضد الأباطرة ؛ وفى الفصل الأخير المتعلق بالهند يعطى تحليلا خاصا لبوذا ولتعاليمه. وكما لاحظ عدد من البحاثة (٨٩) فإن هذا المصنف لا مثيل له فى تعدد مصادره واتساع أفقه ، بحيث لا نلتقى بمصنف مثله لا فى هذا العصر ولا فى العصور التالية يعالج تاريخ العرب والفرس باعتباره «جدولا من الجداول العديدة التى تصب فى بحر التاريخ العالمى» ويجهد فى تبويب مادته من وجهة النظر هذه.

ولا يزال موضعا للنزاع القول بوجود جزء مخصص للجغرافيا فى هذا المؤلف الضخم ؛ وعلى الرغم من أن رشيد الدين يتحدث فى شىء من التفصيل فى مقدمة سفره عن مضمون كتابه ، وعلى الرغم أيضا من أن بعض الكتاب الفرس يشيرون إلى وجود هذا الجزء إلا أن أكثر العلماء يفترض سلفا أن هذا الجزء كان مجرد أمنية لم يكتب لها التحقيق ؛ وعلى هذا كان رأى بارتولد (٩٠). وفى الآونة الأخيرة جنح العلامة أحمد زكى وليدى إلى القول بأن هذا القسم قد وجد بالفعل (٩١) ؛ وعلى أية حال فإنه لم يتم الكشف عنه حتى الآن (١). هذا وقد تعرض كتاب رشيد الدين لعدد من الأبحاث لا مثيل له ، تحتل من بينها الأبحاث الروسية مكانة مرموقة ؛ وجميع هذه الأبحاث تقدم لنا فكرة متكاملة الجوانب عن كل المسائل المتعلقة بالكتاب. وهو وإن اعتبر من ناحية امتدادا للمذهب العربى إلا أنه يقدم لنا من نواح أخرى مواد نادرة جدا فى محيط الأدب الجغرافى الإسلامى ترتفع إلى مصادر أوروبية بل وشرقية غير إسلامية (٩٢).

هذا وقد خضع لتأثير رشيد الدين القوى معاصره حمد الله مستوفى قزوينى وانعكس ذلك بوضوح

__________________

(*) لقد تم الآن الكشف عن هذا القسم وذلك ضمن مخطوطة تحوى جميع مصنفات رشيد الدين «جامع التصانيف رشيدى» ، وهى المخطوطة الفارسية رقم ص ٣٧٥ الموجودة بمعهد الدراسات الشرعية التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية. (المترجم)

٣٩٦

فى نشاطه العلمى ؛ وهو أيضا كان موضع اهتمام العلماء الروس (٩٣). ويتتسب قزوينى إلى أسرة من قزوين شغل أفرادها لمدة طويلة مناصب إدارية كان من بينها وظيفة المستوفى (أى مفتش الحسابات) ، وقد شغل خمد الله نفسه هذه الوظيفة فى أيام رشيد الدين. ولعله هو أيضا بدأ نشاطه العلمى كرشيد الدين بالتأليف فى التاريخ فقد وضع فى البداية قصيدة تاريخية على غرار شاهنامه الفردوسى ، تلاها كتاب فى التاريخ العام بعنوان «تاريخ كزيده» أتمه فى حوالى عام ٧٣٠ ه‍ ـ ١٣٣٠ وهو يتمتع بشهرة كبيرة فى الأدب. ويقدم لنا المؤلف فى الفصل السادس من هذا الكتاب الأخير وصفا مفصلا لمسقط رأسه قزوين وذلك على طراز الرسائل الجغرافية التاريخية المعروفة لنا جيدا عن المدن الكبرى (٩٤) ؛ ويوجد هذا الكتاب فى متناول الأيدى فى ترجمة فرنسية ظهرت منذ السنوات الخمسينات من القرن الماضى ؛ وقد وكد الرحالة فى منتصف القرن التاسع عشر دقة ما أورده من معلومات (٩٥). وإلى جانب هذا فلقزوينى مصنف جغرافى مستقل هو «نزهة القلوب» أتم تأليفه فى حوالى عام ٧٤٠ ه‍ ـ ١٣٣٩ (٩٦). وتاريخ وفاة قزوينى غير معروف على وجه التحديد ولكنه يؤخذ فى العادة على أنه عام ٧٥٠ ه‍ ـ ١٣٤٩. ويمكن اعتبار مصنفه مكملا للمذهب العربى الإيرانى من نمط الكوزموغرافيا المعروف لنا ، جامعا إلى هذا بضع ملاحظات فلكية وطبيعية وجغرافية بأوسع ما يحمله هذا اللفظ من معنى. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وثلاث مقالات وخاتمة ، ففى المقدمة ترد المعلومات المعتادة عن السماء والنجوم والفصول والتوقيت كما يرد وصف عام للأرض وللأطوال والعروض والأقاليم السبعة ، أما المقالة الأولى فتعالج الكلام على المعادن والنبات والحيوان بينما تتناول المقالة الثانية الكلام على الإنسان (خاصة من وجهة النظر التشريحية) ، ويلى هذا المقالة الثالثة المفردة للجغرافيا والتى تنقسم إلى أربعة أقسام يتحدث فى الأول منها عن مكة والمدينة والمسجد الأقصى وفى الثانى عن إيران مع استطرادات عديدة أما الثالث فعن الأقطار المجاورة لإيران والتى خضعت لها حينا من الدهر بينما يتحدث فى الرابع عن المناطق التى لم تخضع لإيران مطلقا ؛ وفى الخاتمة يعالج المؤلف الكلام عن جميع أصناف العجائب من مختلف أنحاء العالم (٩٧). ويفضلها جميعا من حيث القيمة الفصل الثانى من المقالة الثالثة عن إيران لأنه لا يعتمد على المصادر الكتابية فحسب بل وأيضا على ملاحظات المؤلف الشخصية التى جمعها أثناء أسفاره الإدارية العديدة بنواحى إيران المختلفة ، زد على هذا أن المنصب الإدارى الذى ورثه عن أسرته (٩٨) إذا جاز القول بهذا قد ساعد قزوينى على الوصول إلى الوثائق الرسمية. ووفقا للمذهب التقليدى القديم فهو لا يكتفى بالكلام على البلاد الإيرانية بل يتحدث عن بلاد كالجزيرة العربية وشرقى أفريقيا (٩٩) ، إلا أن المكانة الرئيسية عنده تشغلها آسيا الصغرى والعراق ، وبوجه خاص إيران. وقد أفاد قزوينى فائدة جمة من الذين سبقوه فى هذا المضمار خاصة ابن خرداذبه وياقوت وزكريا القزوينى ؛ وهو فى وصفه لفارس يعتمد إلى حد كبير على المسودة الفارسية لابن البلخى (١٠٠). ولا يمكن إنكار حظه من المنهج

٣٩٧

النقدى فهو لم يكتف بنقل معطيات من سبقوه بطريقة آلية ولكنه يكملها ويصححها أحيانا على ضوء الظروف السائدة فى عصره (١٠١). وثمة أهمية كبيرة تنالها بشكل خاص معلوماته عن الوضع الاجتماعى والاقتصادى السائد بإيران والبلاد المجاورة لها فى عهد المغول ، بل وفى عهد السلاجقة أيضا حيث أفاد فى هذا الصدد من الوصف الرسمى الذى وضع فى عهد ملكشاه فى النصف الثانى من القرن الحادى عشر (١٠٢). ويعود إلى العلم الروسى فضل كبير فى دراسة معطيات قزوينى فى محيط التاريخ الاقتصادى والجغرافيا الاقتصادية (١٠٣) (١٠٤) ؛ وينال كتابه أهمية خاصة بالنسبة للجغرافيا التاريخية وذلك بإعطائه وصفا لإيران فى الفترة التى تعقب رحلة ماركوبولو مباشرة (١٠٥).

لقد اتسع مجال الأدب الجغرافى باللغة الفارسية فى القرن الرابع عشر بصورة ملحوظة فلم يقتصر على المراكز الكبرى وحدها ؛ وإلى عام ٧٤٨ ه‍ ـ ١٣٤٧ مثلا يرجع مصنف لشخص يدعى محمد بن يحيى (١٠٦) يحمل فى أغلب الأحيان عنوان «صور أقاليم سبعة» على الرغم من أنه لا يعكس هذه التسمية بأية حال (١٠٧) ؛ وقد تم تأليفه بكرمان (١٠٨) ورفعه مؤلفه إلى مبرز الدين محمد (٧١٣ ه‍ ـ ٧٥٩ ه‍ ـ ٣١٤ ـ ١٣٥٨) أحد أمراء كرمان (١٠٩) من المظفرية (١١٠). وتبويب هذا المصنف الجغرافى الكوزموغرافى الذى حفظ فى عدد من المخطوطات (١١١) بعضها موجود بالاتحاد السوفيتى (١١٢) معروف أساسا من تحليل للمستشرق الروسى زاليمان Salemann (١١٣) ومن مقال للمستشرق الفرنسى هوارHuart. والفصل الأول منه عبارة عن مقدمة تليها المادة الجغرافية المعهودة ، أما الفصل الثانى فينقسم إلى سبعة أقسام وفقا للأقاليم السبعة (١١٤). ويبدى ريوRieu الكثير من التشدد فى حكمه على هذا الكتاب فيصفه بالايجاز المخل وبأنه يحفل بالأساطير والخرافات وحكايات الأطفال (١١٥) ؛ غير أن الكتاب لا يخلو إلى جانب المعلومات المعروفة لنا جيدا من تفاصيل قيمة خاصة فيما يتعلق بالمناطق الشمالية لإيران كما بين ذلك دورن Dorn ، بل إن القسم الخاص بأفريقيا يحتوى إلى جانب الحكايات على معلومات ذات أهمية مستقاة من مؤلفين عرب لم تصلنا مصنفاتهم (١١٦).

وقد امتد تأثير الأدب الجغرافى الفارسى على الشرق الأقصى وظل باقيا هناك إلى القرن الرابع عشر ؛ وقد بينا فى حينه الدور الذى لعبه فى هذا المجال مرصد مراغه ومؤلفات نصير الدين طوسى فى القرن الثالث عشر. وتمثل الخارطة الصينية الرسمية للمستعمرات «الغربية» التى يرجع تاريخها إلى عام ١٣٣١ (أو عام ١٣٢٩ على الأصح (١١٧)) نموذجا طريفا لهذا التأثير ؛ وقد رسمت هذه الخارطة فى عصر حكم أسرة اليوان Yuan وعملت من أجل الفصل الثالث والأربعين من تاريخ اليوان «يوان شى» Yuan She ؛ وأول من أشار إلى أهميتها برتشنيدرBretschneider (١٨٧٦) (١١٨) ثم أخضعها لبحث خاص البيرت هرمان (A.Hermann ١٩٢٢). وتبين هذه الخارطة بدقة حدود دولة «الخاقان الأكبر» والدول الثلاث التى دانت لسلطان أسرة جنكيز خان وهى دولة چغتاى فى آسيا الوسطى ودولة

٣٩٨

أوزبك فى سهوب القپچاق ودولة أبى سعيد فى إيران. ويمكن أن نستبين من بين الأسماء الواردة فى المناطق الجنوبية من الخارطة اسم القسطنطينية ودمشق ومصر (١١٩). والخارطة مخططة على هيئة شبكة مربعة أشبه ما تكون برسم هندسى (Diagram) منها بخارطة (١٢٠) ويحس فى كل نقطة منها اختلافها الكبير عن الخارطات الصينية القديمة. أما الأسماء الجغرافية فيها فتبدو فى صورة جديدة بحيث يصبح من العسير التعرف عليها فى الخارطات الصينية المألوفة ، كما أن توجيه الخارطة من الجنوب إلى الشمال يشبه المذهب الغالب على الخارطات العربية ويتعارض مع الأسس التى رسمت عليها الخارطات الصينية فى العهد المغولى ولو أن الكارتوغرافيا الصينية كانت تلجأ فى العادة إلى استعمال كلتا الطريقتين (١٢١). ومن ثم فإنه لا يمكن تفسير نشأتها إلا على ضوء التأثير المباشر للكارتوغرافيا العربية على الكارتوغرافيا الصينية ، بل إن هناك أساس للاعتقاد بأن واضعها كان من ممثلى المدرسة العربية الإيرانية ؛ ومن الممكن أن الأسماء قد كتبت فى البداية باللغة المغولية ثم نقلت الخارطة عقب ذلك إلى الصينية (١٢٢). وكل هذا إن دل على شىء فإنما يدل على أن الأهمية العالمية للجغرافيا العربية لم تكن قد تلاشت فى القرن الرابع عشر.

٣٩٩

حواشى الفصل الرابع عشر

__________________

(١) ـ Brockelmann, GAL, II, p. ٥٤٢ ـ ٦٤٢, No ١; SB II, p. ٤٤٣ ـ Sarton, Introduction, II, p. ٦٦٠١ ـ Reinaud , Introduction, P. CXXVII ـ Pons Boigues, p. ٧١٣ ـ ٨١٣, NO ٠٧٢ ـ Kramers, EI, EB, p. ٠٧

(٢) المقرى ، الجزء الثانى ، ص : ٣٥٢ ، الأسطر ٥ ـ ٧

(٣) شرحه ، الجزء الأول ، ص ٣٩٩ ـ ٤٠٦

(٤) شرحه ، الجزء الثانى ، ص ٣٥٢ ، الأسطر ٥ ـ ٧

(٥) شرحه ، ص ٦٤٥ ـ ٦٤٦

(٦) ـ Brockelmann, GAL, II, p. ٧٥٢, No ١; SB II, p. ٨٦٣ ـ Kramers, EI, EB, p. ٠٧ ـ Plessner, EI, IV, p. ٦٠٨ ـ ٧٠٨ ـ Amari Nallino) , I, p. ٠٨ ـ ١٨ No ٤٥ ـ Amari, Bibl. ar .. sic., II, p. ١٤ ـ ١٨

(٧) ـ Plessner ,EI ,IV ,p.٧٠٨

(٨) ـ Rousseau, JA, ٤ série, XX, p. ٢٧٥ ـ ٨٠; ٥ série, I, p. ١٠١ ـ ٨٦١, ٤٥٣ ـ ٥٢٤

(٩) ـ Plessner, EI, IV, p. ٧٠٨ Amari, Bibl ar. ـ sic, II, p. ١٤ ـ ١٨ ـ Bel, (Benou Gha؟nya

(١٠) ـ Hennig ,III ,p.٨٢١ ـ ٢٣١

(١١) ـ Ahmed Ze؟ki Pacha ,p.٧٥

(١٢) ـ Kramers ,EI ,EB ,p.١٧

(١٣) ـ Brockelmann, GAL, II, p. ٥٣, No ١; SB II, p. ٣٣ ـ ٤٣ ـ Krenkow, EI, IV, p. ٧٥ ـ ٨٥

(١٤) عنان : ص ٤١ ـ ٤٢ ـ Kramers ,EI ,EB ,p.١٧

(١٥) ـ Vollers ,Ibn Doukmak ,p.٦

(١٦) عنان ، ص ٤٢

(١٧) عنان ، عدد من المقتطفات ، ص ٤٢ ، الحاشية ٣

(١٨) عنان ، ص ٤٢

(١٩) ـ Bjo؟rkman ,Beitra؟ge ,p.٣٨

(٢٠) حاجى خليفة ، الجزء الأول ، ص ٥١٦ ، رقم ١٥٨١ ؛ شرحه ، الجزء الأول ، ص ١٥١ ، رقم ٦٣ ؛ الجزء الثانى ، ص ١٤٦ ـ ١٤٧ ؛ قارن عنان ، ص ١٦٨

(٢١) حاجى خليفة ، الجزء الأول ، ص ٥١٧.

٤٠٠