الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

يوم بدرمن قبل ألويتكم ، فإن كنتم تَرَون أنكم قد ضَعُفْتم عنها فادفعوها إلينا نَكْفِكموها.

قال : فغَضِب طَلحة بن أبي طَلحة وقال : ألنا تقول هذا؟ والله لأورِدنّكم بها اليوم حِياضَ الموت. قال : وكان طَلحة يُسمّى كَبْشَ الكَتِيبة.

قال : فتقدّم وتقدّم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فقال عليّ : « من أنت؟ » قال : أنا طَلحة بن أبي طَلحة ، أنا كَبشُ الكَتيبة فمن أنت؟ قال : « أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب » ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان ، فضربه عليّ بن ابي طالب عليه‌السلام ضربةً على مقدّم رأسه ، فبدرت عيناه وصاح صيحةً لم يُسْمَع مثلها قطّ وسَقَط اللواء من يده ، فأخذه أخ له يقال مُصْعَب ، فرماه عاصم بن ثابت فقتله ، ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له عثمان ، فرماه عاصم ـ أيضاً ـ فقتله ، فأخذه عبد لهم يقال له صواب ـ وكان من أشدّ الناس ـ فضرب عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام يدَه فقطعها ، فأخذ اللِواء بيده اليُسرى ، ( فضرَبه ) (١) على يده فقطعها ، فأخذ اللِواءَ على صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه ، فضربه عليّ عليه‌السلام على أمّ رأسه فسَقَط صريعاً وانهزم القوم ، وأكبّ المسلمون على الغنائم.

ولمّا رأى أصحابُ الشِعْب الناسَ يَغْنمون (٢) قالوا : يَذْهَب هؤلاء بالغنائم ونبقى نحن؟! فقالوا لعبدالله بن عمرو بن حَزْم ، الذي كان رئيساً

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : فضرب.

(٢) في « م » وهامش « ش » : يغتنمون.

٨١

عليهم : نريد أن نَغْنَم كما غَنِم الناسُ ، فقال : إن رسولَ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرني أن لا أبرَحَ من موضعي هذا ، فقالوا له : إنه أمرك بهذا وهو لا يَدْري أنّ الأمرَ يَبْلُغَ إلى ما ترى ، ومالوا إلى الغنائم وتركوه ، ولم يَبْرحَ هو من موضعه ، فحَمَل عليه خالدُ بن الوليد فقتله.

وجاء من ظَهْر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يرُيده ، فنظر إلى النبيّ في حَفٍّ من أصحابه ، فقال لمن معه : دُونكم هذا الذي تَطْلُبون ، فَشَانكم به ، فَحمَلوا عليه حملةَ رجل واحد ضرباً بالسيوف وطَعْناً بالرماح ورَمْياً بالنَبْل ورَضْخاً بالحجارة ، وجعل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلأ ، وثبت أمير المؤمنين عليه‌السلام وأبو دُجانَة الأنصاري وسَهْل بن حُنَيْف للقوم يَدْفَعون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكَثُرعليهم المشركون ، ففَتَح رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عَيْنَيْه فنظر إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وقد كان اُغمي عليه ممّا ناله ـ فقال : « يا عليّ ، ما فعل الناس؟ قال : نَقَضوا العهد ووَلَّوُا الدُبُر ، فقال له : فاكفِني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي » فحمل عليهم أمير المؤمنين عليه‌السلام فكَشَفهم ، ثمّ عاد إليه ـ وقد حملوا عليه من ناحية اُخرى ـ فكرَّ عليهم فكشَفَهم ، وأبو دُجانَة وسَهْل بن حُنيْف قائمان على رأسه ، بيد كلّ واحد منهما سيفهُ ليَذُبَّ عنه.

وثاب إليه من اصحابه المنهزمين أربعةَ عشر رجلاً منهم طَلحة بن عُبَيد اللّه وعاصم بن ثابت. وصَعِد الباقون الجبَل ، وصاح صائحٌ بالمدينة : قُتِل رسولُ اللّه ، فانخلعت القلوبُ لذلك ، وتحيّر المنهزمون فأخذوا يميناً وشِمالاً.

٨٢

وكانت هندٌ بنت عتبة جَعَلتْ لوحشيٍ جُعْلاً على أن يَقْتُل رسولَ اللة صلّى اللة عليه وآله أو أميرَالمؤمنين علي بن أبي طالب أو حمزةَ بن عبد المطّلب عليهما‌السلام فقال لها : أما محمّد فلا حيلة لي فيه ، لاّنّ أصحابه ( يُطيفون به ) ، وأما عليّ فإنّه إذا قاتل كان أحذَر من الذِئب ، وأمّا حمزة فإني أطْمَع فيه ، لأنه إذا غَضِب لم يُبْصِر بين يديه.

وكان حمزة ـ يومئذ ـ قد أعْلَمَ بريشةِ نَعُامة في صدره ، فكَمن له وحشي في أصل شجرة ، فرآه حمزة فبدر اليه بالسيف فضربه ضربةً أخطأت رأسَه ، قال وحشي : وهَزَزتُ حَرْبتي حتّى إذا تمكّنت منه رميته ، فأصبتهُ في أُربِيّته (١) فأنفذتُه ، وتركتهُ حتّى إذا برد صِرت إليه فاخذت حَربتي ، وشُغِل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم.

وجاءت هند فأمَرَتْ بشَقّ بطن حمزة وقطع كَبده والتمثيل به ، فجَدَعوا أنفه واُذَنَيْه ومَثّلوا به ، ورسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مشغولٌ عنه ، لا يَعْلَم بما انتهى إليه الأمرُ.

قال الراوي للحديث ـ وهو زيد بن وَهْب ـ قلت لابن مسعود : انهزم الناس عن رسول الله حتّى لم يبقَ معه إلاّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأبو دُجانَة وسهل بن حًنَيْف؟!

قال : انهزم الناس إلاّ علي بن أبي طالب وحده وثاب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نفر ، وكان أولهم عاصِم بن ثابت وأبو دُجانة وسَهْل

ــــــــــــــــــ

(١) فيه هامش « ش » : ثُنّته وكلاهما معنى واحد ، وهي ما بين السرة والعانة. « الصحاح. ثنن ـ ٥ : ٢٠٩ ».

٨٣

ابن حُنَيف ولحقهم طَلحة بن عُبَيداللّه.

فقلت له : فأين كان أبو بكر وعمر؟!

قال : كانا ممّن تنحّى.

قال ، قلت : فأين كان عثمان؟!

قال : جاء بعد ثلاثة من الوَقْعة ، فقال له رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لَقدْ ذَهَبْتَ فيها عَرِيضة » (١).

قال ، فقلت له : فأين كنتَ أنت؟.

قال : كنتُ فيمن تنحّى.

قال فقلت له : فمن حدَّثك بهذا؟.

قال : عاصم وسهل بن حنيف.

قال ، قلت له : إنّ ثبوتَ علي عليه‌السلام في ذلك المقام لعَجَبٌ.

فقال : إن تعجّبت من ذلك ، لقد تعجّبتْ منه الملائكة ، أما علمتَ أنّ جبرئيل قال في ذلك اليوم ـ وهويَعْرج إلى السماء ـ : لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي.

فقلت له : فمن أين عُلِم ذلك من جبرئيل؟.

فقال : سَمِعَ الناس صائحاً يَصيح في السماء بذلك ، فسألوا النبي

ــــــــــــــــــ

(١) كناية عن هزيمته التي ابعد فيها ـ زماناً ومكاناً ـ عن محل الواقعة.

٨٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه فقال : « ذاك جبرئيل » (١).

وفي حديث عِمران بن حُصَيْن قال : لمّا تفرقّ الناسُ عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم أُحد ، جاء عليّ مُتَقلّداً سيفَه حتّى قام بين يديه ، فرفع رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله رأسَه إليه فقال له : « ما لك لم تَفِرَّ مع الناس؟ فقال : يا رسول اللّه أأرجع كافراً بعد إسلامي! » فاشار له إلى قوم انحَدَرُوا من الجبل فحَمَلَ عليهم فهَزَمهم ، ثمّ أشار لَه إلى قوم آخرين فحمل عليهم فهَزَمهم ، ثمّ أشار إلى قوم فحَمَل عليهم فهَزَمهم ، فجاء جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا رسول الله ، لقد عَجِبتِ الملائكة ( وعَجبنا معهم ) (٢) من حسن مواساة عليّ لك بنفسه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « وما يمنعه من هذا وهو منّي وأنا منه » فقال جبرئيل عليه‌السلام : وأنا منكما (٣).

وروى الحَكَم بن ظُهير (٤) ، عن السُدِّي ، عن أبي مالك ، عن ابن عبّاس رحمة الله عليه : انّ طلحة بن أبي طَلحة خرج يومئذ فوقف بين

ــــــــــــــــــ

(١) نقلت فقرات من الواقعة في مصباح الأنوار : ٣١٤ ، اعلام الورى : ١٩٣ ، ارشاد القلوب : ٢٤١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨١ ـ ٨٥.

(٢) في هامش « ش » و « م » : عجبنا معها.

(٣) ذكره بسند آخر الطبري في تاريخه ٢ : ٥١٤ ، وابن شهرآشوب في المناقب ٣ : ١٢٤ ، وقطع منه في مجمع الزوائد ٦ : ١١٤ ، وشرح النهج ١٣ : ٢٦١ ، ١٤ / ٢٥٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٥.

(٤) ضبط كلمة ظهير في « ش » و « م » مصغراً ( بضم الظاء ) ولكن في هامشهما : ظَهيرمكبراً ( بفتح الظاء ). وهامش اخر في « ش » : كان الاسم مصغراً [في] نسخة الشيخ [رضي ] ، الله عنه ، وفي هامش اخر في « ش » و « م » : والمعروف عند أصحاب الحديث مصغراً. وضبط الكلمة بالتصغير في تقريب التهذيب ١ : ١٩١.

٨٥

الصفين ، فنادى : يا اصحاب محمّد ، إنّكم تَزْعمُون أنّ الله تعالى يُعَجّلنا بسيوفكم إلى النار ، ويُعَجّلكم بسيوفنا إلى الجنّة ، فأيّكم يَبْرُز إلي؟ فبرز إليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال : « واللّه لا أفارقُك اليومَ حتى أُعَجّلك بسيفي إلى النار » فاختلفا ضربتين ، فضربه علي بن أبي طالب على رِجْلَيه فقطعهما ، وسقَطَ فانكشف عنه ، فقال : أنشدك اللّه ـ يا بن عَمّ ـ والرَحِم. فانصرف عنه إلى موقفه ، فقال له المسلمون : ( ألا أجزت ) (١) عليه؟ فقال : « ناشدني الله والرَحِم ، وواللّه لا عاش بعدها أبداً » فمات طَلحة في مكانه ، وبشر النبيُ صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك فَسُرَّبه وقال : « هذا كَبْش الكَتِيبة » (٢).

وقد روى محمّد بن مَروان ، عن عُمارَة ، عن عِكْرِمَة قال : سمعتُ علياً عليه‌السلام يقول : « لما انهزم الناس يوم أُحد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لَحِقني من الجَزَع عليه ما لم أمْلِك نفسي ، وكنتُ أمامه أضرِب بسيفي بين يديه ، فرَجَعتُ أطلُبه فلم أرَه ، فقلت : ما كان رسول اللّه ليفِرَّ ، وما رأيتُه في القتلى ، وأظُنُّه رُفع من بيننا إلى السماء ، فكَسَرْت جَفْنَ سيفي ، وقلتُ في نفسي لأقاتلنّ به عنه حتّى أقْتَل ، وحَمَلْتُ على القوم فافَرجوا فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد وقع على الأرض مَغْشِيّاً عليه ، فقمتُ على رأسه ، فنظرإليّ وقال : ما صَنَع الناس يا علي؟ فقلت : كَفَروا ـ يا رسول الله ـ ووَلَّوُا الدُبُر

ــــــــــــــــــ

(١) في « ش » و « م » : اجزت ، وهي لغة في اجهزت ، فكلاهما بمعنى واحد ، وما أثبتناه من هامشهما.

(٢) ورد في الفصول المهمة : ٥٧ ، وباختلاف يسير في تاريخ الطبري ٢ : ٥٠٩ ، تفسير القمي ١ : ١١٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٢٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار٢٠ : ٨٦.

٨٦

( من العدوّ ) (١) وأسلموك. فنظر النبيُ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى كَتِيبةٍ قد أقبلتْ إليه ، فقال لي : رُدَّ عنيّ ياعلي هذه الكَتِيبة ، فحَمَلتُ عليها بسيفي أضربُها يميناً وشِمالاً حتّى وَلَّوُا الأدبار. فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما تَسْمَعُ يا علي مديحَك في السماء ، إنّ مَلَكاً يقال له رضوان يُنادي : لا سيفَ إلاّ ذو الفقار ولا فَتى إلاّ عليّ. فبَكَيْتُ سروراً ، وحَمَدتُ اللّه سبحانه على نعمته » (٢).

وقد روى الحسن بن عَرَفة ، عن عُمارة بن محمّد ، عن سَعْد بن طَرِيف ، عن ابي جعفر محمّد بن علي عليهما‌السلام ، عن ابائه ، قال : « نادى مَلَك من السماء يومَ أُحد : لا سيفَ إلاّ ذو الفَقار ، ولا فَتى إلاّ عليّ » (٣).

وروى مثلَ ذلك إبراهيمُ بن محمّد بن مَيمون ، عن عَمرو بن ثابت ، عن محمّد بن عُبَيدالله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه قال : ما زلنا نَسْمَع أصحابَ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقولون : نادى في يوم أُحد منادٍ من السماء : لا سيفَ إلاّ ذو الفَقار ، ولا فَتى إلاّ علي (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : من العدد.

(٢) إعلام الورى : ١٩٤ ، ارشاد القلوب : ٢٤٢ ، وقطع منه في مناقب آل أبي طالب ٢ : ١٢٤ ، أُسد الغابة ٤ : ٢١ ، احقاق الحق ١٨ : ٨٣ عن تاريخ الخميس ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٦.

(٣) رواه الصدوق في أماليه : ١٦٧ / ذ ح ١٠ ، ومعاني الأخبار : ١١٩ باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٨٦.

(٤) تاريخ الطبري ٢ : ٥١٤ ، والاغاني لابي الفرج الاصفهاني ١٥ : ١٩٢ ، ومناقب ابن المغازلي :

٨٧

وروى سلام بن مِسكين ، عن قَتادة ، عن سَعيد بن المُسَيّب قال : لو رأيتَ مَقامَ عليّ يومَ أُحُد ، لوجدتَه قائماً على ميمنةِ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يذُبّ عنه بالسيف ، وقد وَلّى غيره الأدبار (١).

وروى الحسن بن محبوب قال : حدَّثنا جميلُ بن صالح ، عن أبي عُبَيْدة ، عن أبي عبداللّه جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « كان أصحابُ اللواء يومَ أحد تسعةً ، قَتَلَهم عليّ عن آخرهم ، وانهزم القومُ ، وطارت مخزوم منذ فَضَحها عليّ بن أبي طالب يومئذ. قال : وبارز علي الحَكَم بن الأخْنَس ، فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها » (٢).

ولمّا جال المسلمون تلك الجَوْلة ، أقبل أُمَيّة بن أبي حُذَيفة بن المُغَيرة ـ وهو دارعٌ ـ وهو يقول : يومٌ بيوم بدر ، فعَرَض له رجلٌ من المسلمين فقتله اُميّة ، وصَمَدَ له عليّ بن أبي طالب فضربه بالسيف على هامته فنَشِب في بَيْضةِ مِغْفَره ، وضربه اُميّة بسيفه فاتّقاها أميرُ المؤمنين بَدَرقته فنَشِب فيها ، ونَزَع علي عليه‌السلام سيفَه من مِغْفره ، وخَلَّص اُميةُ سيفَه من دَرَقته أيضاً ثمّ تناوشا ، فقال علي عليه‌السلام : « فنظرتُ إلى فَتْقٍ تحت إبْطه ، فضربتُه بالسيف فيه فقتلته ، وانصرفت عنه » (٣).

ــــــــــــــــــ

١٩٧ / ٢٣٤ ، شرح النهج الحديدي ١٤ : ٢٥١ باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٦.

(١) نقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٧.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٧ ، وذكر ذيله الواقدي في مغازيه ١ : ٢٨٣.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٧.

٨٨

ولما انهزم الناسُ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم اُحد ، وثبت أميرُ المؤمنين عليه‌السلام فقال له : « ما لك لا تَذْهَب مع القوم؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أذهَبُ وأدَعَك يا رسول الله ، واللهّ لا بَرِحت حتّى أُقْتَل ، أو يُنْجِزَ الله لك ما وعدك من النصر. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « أبْشِر يا عليّ فإنّ الله منجزٌ وعدَه ، ولن ينالوا منّا مثلَها أبداً ».

ثمّ نظرإلى كَتيبة قد أقبلتْ إليه فقال له : « لوحَمَلتَ على هذه يا عليّ » فحمل أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ، فقَتَل منها هِشامَ بن أُمَيّة المخزومي ، وانهزم القوم.

ثم أقبلت كَتيبة اُخرى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « احْمِل على هذه » فحمل عليها فقتل منها عمروبن عبدالله الجُمَحِيّ ، وانهزمت أيضاً.

ثمّ أقبلت كَتيبة أُخرى ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « احْمِل على هذه » فحمل عليها فقتل منها بِشْرَ بن مالك العامري ، وانهزمت الكَتيبة ، فلم يَعُد بعدها أحدٌ منهم.

وتراجع المنهزمون من المسلمين إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانصرف المشركون إلى مكّة ، وانصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، فاستقبلته فاطمة عليها‌السلام ومعها إناء فيه ماء فغسل به وجهَه ، ولَحِقه أميرُالمؤمنين عليه‌السلام وقد خَضب الدمُ يدَه إلى كِتفه ، ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة عليها‌السلام وقال لها : « خذي هذا السيف فقد صَدَقني اليوم ».

وأنشا يقول :

٨٩

« أفاطِم هاكِ السيفَ غيرَذَميمٍ

فلستً برِعديد ولابمُليم (١)

لَعَمري لقد أعْذَرْتُ في نصرأحمدٍ

وطاعة ربٍّ بالعباد عليم (٢)

أميطي دِماءَ القوم عنه فإنّه

سقى آلَ عبد الداركاسَ حميم »

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « خُذيه يا فاطمة ، فقد أدّى بعلُك ما عليه ، وقد قتل اللّه بسيفه صَناديدَ قريش » (٣).

فصل

وقد ذكر أهل السير (٤) قتلى أُحُد من المشركين ، فكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين عليه‌السلام.

فروى عبد المَلِك بن هِشام قال : حدَّثنا زياد بن عبدالله (٥) ، عن

ــــــــــــــــــ

(١) الرعديد : الجبان. « الصحاح ـ رعد ـ ٢ : ٤٧٥ ».

وفي هامش « م » و « ح » : بلئيم.

(٢) في هامش « ش » : رحيم.

(٣) نقله العلامة المجلسي في البحار ٠ ٢ : ٨٧ ٠ انظرقطعاً منه في تاريخ الطبري ٢ : ٥١٤ و ٥٣٣ ، مناقب ابن شهر اشوب ٣ : ١٢٤ ، اعلام الورى : ١٩٤.

(٤) في « ش » : السيرة.

(٥) في « ش » : زياد بن عبيدالله ، وما أثبتناه من « م » و « ح » : هو الصواب ، وهو زياد بن عبدالله ابن الطفيل ، أبو محمد البكائي الكرخي ، سمع المغازي من محمد بن اسحاق مات سنة ١٣٣ أو ١٣٢. اُنظر ترجمته في : سؤالات ابن الجنيد : ٤٠٥ / ٥٥٧ ، الجرح والتعديل ٣ : ٥٣٧ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٧٦ ، تهذيب الكمال ٩ : ٤٨٥ وهامشه ، وزياد بن عبدالله هو الواسطة بين ابن هشام وابن اسحاق كما صرّح به في كتب الرجال.

٩٠

محمّد بن إسحاق قال : كان صاحب لِواء قريش يوم أحُد طَلحة بن أبي طَلحة بن عبد العُزّى بن عُثمان بن عبد الدار ، قتله عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقَتَل ابِنَه أبا سعيد بن طَلحة ، وقَتَل أخاه كَلَدَة بن أبي طَلحة ، وقتل عبدَاللّه بن حُميد بن زُهَرَة بن الحارث بن أسَد بن عبد العُزّى ، وقتل أبا الحَكَمَ بن الأخْنَس بن شَريق الثَقَفي ، وقتل الوليدَ ابن أبي حُذَيفة بن المغيرة ، وقتل أخاه أُمَيّة بن ابي حُذَيفة بن المغيرة ، وقتل ارطاةَ بن شُرَحْبيل ، وقتل هِشام بن أميّة ، وعمرو بن عبدالله الجُمَحي ، وبِشْر بن مالك ، وقتل صُواباً مولى بني عبد الدار ، فكان الفتح له ، ورجوع الناس من هزيمتهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمقامه يَذُبّ عنه دونهم.

وتوجّه العِتاب من اللّه تعالى إلى كافّتهم ، لهزيمتهم ـ يومئذ ـ سواه ومن ثبت معه من رجال الأنصار ، وكانوا ثمانية نفر وقيل : أربعة أو خمسة.

وفي قتله عليه‌السلام من قتل يوم أُحد ، وغَنائه في الحرب ، وحسن بلائه ، يقول الحَجّاج بن عِلاط السُلَميّ :

للّه أيُّ مُذَبِّب عن حِزبه (١)

أعني ابنَ فاطمة ( المُعَمّ المُخْولا ) (٢)

جادت يداك له بعاجل طَعنة

تَرَكَتْ طُلَيحةَ للجَبين مجّدَلا

وشددت شدة باسل فكشفتهم

بالسَفْح (٣) إذ يَهوون أسفل أسفلا (٤)

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « م » : حرمة.

(٢) المعم المخول : الكثير الاعمال والاخوال والكريمهم. « الصحاح ـ خول ـ ٥ : ١٩٩٢ ».

(٣) في « م » وهامش « ش » و « ح » : بالسيف.

(٤) في هامش « ش » و « م » : أخول أخولا. والمعنى : يقال ذهب القوم. أخولَ أخولَ ، إذا تفرقوا شتّى. « الصحاح ـ خول ـ ٤ : ٦٩١ ».

٩١

وعللت سيفك بالدماء ولم تكن

لتردّه حرّان حتّى ينهـلا (١) (٢)

فصل

ولما توجّه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى بني النَضير ، عَمِل على حصارهم ، فضرب قُبّته في أقصى بني حَطَمَة (٣) من البطحاء.

فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم فأصاب القُبّة ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تحول قُبته إلى السفح (٤) ، وأحاط به المهاجرون والأنصار.

فلما اختلط الظَلام فقدوا أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال الناس : يا رسول اللّه ، لا نرى علياً؟ فقال عليه وآله السلام : « أراه في بعض ما يُصْلح شانكم » فلم يَلْبَث (٥) أن جاء برأس اليهودي الذي رَمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يقال له عُزورا (٦) ، فطرحه بين يدي النبي عليه وآله السلام.

ــــــــــــــــــ

(١) عللت ، ينهلا ، قال الاصمعي : إذا وردت الابل الماء فالسقية الاولى النهل والثانية العلل. « لسان العرب ـ علل ـ ١١ : ٤٦٨ ».

(٢) كشف الغمة ١ : ١٩٦ ، وذكر ذيله ابن هشام في السيرة النبوية ٣ : ١٥٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٩.

(٣) في هامش « ش » و « م » : حطمة من الأنصار بنو عبداللّه بن مالك بن أوس.

(٤) في هامش « ش » و « م » بعده : فحولت قبته الى الفسيح.

(٥) في هامش « ش » و « م » : ينشب.

(٦) في هامش « ش » و « م » : عِرزوا.

٩٢

فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كيف صنعتَ؟ » فقال : « إنّي رأيتُ هذا الخبيث جَريئاً شجاعاً ، فكمنتُ له وقلت ما أجرأه أن يخرُج إذا اختلط الظَلام (١) ، يطلُب منّا غِرّةً ، فاقبل مُصْلِتاً سيفَه في تسعة نفرمن أصحابه اليهود ، فشددتُ عليه فقتلته ، وأفلت أصحابهُ ، ولم يَبْرَحوا قريبا (٢) ، فابعَثْ معي نفراً فإنّي أرجو أن أظفَرَ بهم ».

فبعث رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله معه عشرة فيهم أبو دُجانة سِماك بن خَرْشَة ، وسَهْل بن حُنَيف ، فأدركوهم قبل أن يَلِجوا (٣) الحصنَ ، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر أن تُطْرَح في بعض آبار بني حَطَمة.

وكان ذلك سببَ فتح حُصون بني النضير.

وفي تلك الليلة قُتِل كَعْبُ بن الأشرف ، واصطفَى رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أموالَ بني النضير ، فكانت أوّلَ صافيةٍ قَسَمها رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بين المهاجرين الأولين.

وأمَّرَ علياً عليه‌السلام فحاز ما لرسول الله منها فجعله صدقةً ، فكان في يده أيامَ حياته ، ثمّ في يد أمير المؤمنين عليه‌السلام بعده ، وهو في ولد فاطمة حتّى اليوم.

وفيما كان من أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه الغَزاة ، وقَتْله

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : الليلِ.

(٢) في هامش « ش » و « م » : قليلاً.

(٣) في « م » وهامش « ش » : يلحقوا.

٩٣

اليهوديَ ، ومجيئه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله برؤوس التسعة النفر ، يقول حَسّان بن ثابت :

للهّ أيّ كَريهةٍ (١) أبليتَها

ببني قُرَيظة والنفوس تَطَلَّع

أردى رَئيسهُم وآبَ بتسعة

طَوْراً يَشُلُّهم (٢) وطوراً يَدْفَع

فصل

وكانت غَزاة الأحزاب بعد بني النَضير.

وذلك أنّ جماعةً من اليهود منهم سلام بن أبي الحُقَيق النَضْري ، وحُييّ بن أخطَب ، وكِنانة بن الربيع ، وهَوْذَة بن قَيْس الوالبي ، وأبو عُمارة الوالبيّ (٣) ـ في نفرمن بني والبة ـ خرجوا حتى قَدِموا مكة ، فصاروا إلى أبي سُفيان صَخْرِ بن حَرْب ، لعلمهم بعَداوته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتسّرعه إلى قتاله ، فذكروا له ما نالهم منه وسألوه المعونة لهم على قتاله.

فقال لهم أبوسُفيان : أنا لكم حيث تُحِبّون ، فاخرجُوا إلى قريش فادعوهم (٤) إلى حربه ، واضمَنوا النصرةَ لهم ، والثبوتَ معهم حتّى

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : كريمة.

(٢) يشلهم : يطردهم. « الصحاح ـ شلل ـ ٥ : ١٧٣٧ ».

(٣) اختلفت المصادر في اسمه ، ففي سيرة ابن هشام ٣ : ٢٢٥ والطبري ٢ : ٥٦٥ : أبو عمّار ، وفي مغازي الواقديَ ٢ : ٤٤١ والسيرة للحلبي ٢ : ٣٠٩ : أبو عامر.

(٤) في هامش « ش » : فادعوها.

٩٤

تستأصلوه.

فطافوا على وجوه قريش ، ودَعَوْهم إلى حرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا لهم : أيدينا مع أيديكم ونحن معكم حتى تستأصلوه (١) فقالت قريش : يا مَعْشرَ اليهود ، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم السابق ، وقد عَرَفتم الدين الذي جاء به محمّد وما نحن عليه من الدين ، فديننا خيرٌ من دينه أم هو أولى بالحق منّا؟ فقالوا لهم : بل دينكم خير من دينه ، فنَشِطَتْ قريش لما دَعَوْهم إليه من حرب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وجاءهم أبوسفيان فقال لهم : قد مكّنكم الله من عدوّكم ، وهذه يهود تُقاتله معكم ، ولن تَنْفَلّ (٢) عنكم حتى يُؤتى على جميعها ، أو تستأصله ومن اتّبعه. فقَوِيت عزائمهُم ـ إذ ذاك ـ في حرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثمّ خرج اليهودُ حتى أتَوا غَطَفان وقَيْسَ عَيْلان ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وضَمِنوا لهم النصرةَ والمعونةَ ، وأخبروهم باتّباع قريشٍ لهم على ذلك ، فاجتمعوا معهم.

وخرجت قريش وقائدها ـ إذ ذاك ـ أبو سفيان صَخْر بن حَرْب ، وخرجت غَطَفان وقائدُها عُيينةُ بن حصن في بني فَزارة ، والحارثُ بن عَوْف في بني مُرّة ، ووَبَرَةُ بن طُرَيْف في قومه من أشجَع ، واجتمعت قريشٌ معهم.

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : نستأصله.

(٢) في « م » : تنفتل.

٩٥

فلما سمِع رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باجتماع الأحزاب عليه ، وقوّة عزيمتهم في حربه ، استشار أصحابه ، فأجمع رأيهم على المُقام بالمدينة ، وحرب القوم إن جاؤوا إليهم على أنقابها (١).

وأشار سلمان الفارسي رحمه‌الله على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخَنْدَق ، فأمر بحَفْره وعَمِل فيه بنفسه ، وعَمِل فيه المسلمون.

وأقبلت الأحزابُ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهال المسلمين أمرُهم وارتاعوا من كثرتهم وجمعهم ، فنزلوا ناحيةً من الخَنْدق ، وأقاموا بمكانهم بِضعاً وعشرين ليلة ثمّ لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنَبْل والحصار.

فلما رأى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ضعفَ قلوب أكثر المسلمين من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم ، بعث إلى عُيَيْنَة بن حِصْن والحارث بن عَوْف ـ وهما قائدا غَطَفان ـ يدعوهم إلى صلحه والكفّ عنه ، والرجوع بقومهما عن حربه ، على أن يُعطيهم ثلثَ ثِمار المدينة.

واستشار سعدَ بن مُعاذ وسعدَ بن عُبادة فيما بعث به إلى عُيَينة والحارث ، فقالا : يا رسول الله ، إن كان هذا الأمر لا بُدّ لنا من العمل به ، لأنّ الله أمَرَك فيه بما صنعتَ ، والوحيُ جاءك به ، فافعل ما بدا لك ، وإن كنتَ تُحِبُّ أن تَصْنَعه لنا ، كان لنا فيه رأي.

فقال عليه واله السلام : « لم يأتني وحيٌ به ، ولكنّي رأيتُ العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وجاؤوكم من كلّ جانب ، فأردتُ

ــــــــــــــــــ

(١) الأنقاب : جمع نقب ، وهو الطريق في الجبل. « الصحاح ـ نقب ـ ١ : ٢٢٧ ».

٩٦

ان أكْسِر عنكم من شوكتهم إِلى أمر ما ».

فقال سعدً بن مُعاذ : قد كنّا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبدُ الله ولا نَعْرِفه ، ونحن لا نطعمهم من ثمرنا إلاّ قِرىً أو بيعاً ، والآن حين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك ، نُعطيهم أموالنا؟ ما لنا إلى هذا من حاجة ، واللّه لا نعطيهم إلّا السيف حتّى يحكم الله بيننا وبينهم.

فقال رسولُ اللّه عليه واله : « الآن قد عرفتُ ما عندكم ، فكونوا على ما أنتم عليه ، فإنّ اللّه تعالى لن يَخْذُل نبيّه ولن يُسْلِمه حتى يُنْجِز (١) له ما وعده ».

ثم قام رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسلمين ، يدعوهم إلى جهاد العدو (٢) ، ويُشَجّعهم ويَعِدهم النصر.

وانتدبَتْ فوارسُ من قريش للبراز ، منهم : عَمرو بن عبدِ وَدّ بن أبي قَيْس بن عامر بن لُؤَيّ بن غالب ، وعِكْرمة بن أبي جهل ، وهُبَيرة ابن أبي وَهْب ـ المخزوميّان ـ وضِرار بن الخَطَّاب ، ومرداس الفِهْري ، فلَبِسوا للقتال ثم خرجوا على خيلهم ، حتى مَرّوا بمنازل بني كِنانة فقالوا : تهيؤوا ـ يا بني كِنانة ـ للحرب ، ثمّ أقبلوا تُعْنِق (٣) بهم خيلُهم ، حتى وَقَفوا على الخَندق.

فلما تأملوه قالوا : واللّه إنّ هذه مكيدةٌ ما كانت العرب تَكيدها.

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : يُتمَّ.

(٢) في هامش « ش » و « م » : القوم.

(٣) العنق : سير فيه كبر وخُيلاء. « الصحاح ـ عنق ـ ٤ : ١٥٣٣ ».

٩٧

ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق ، فضربوا خَيْلَهم (١) فاقتحمَتْه ، وجاءت بهم في السَبخَة بين الخَندق وسَلْع (٢).

وخرج أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في نفرمعه من المسلمين ، حتى أخَذوا عليهم الثغْرة التي اقتحموها ، فتقدّم عَمرو ابن عبدِ وَدّ الجماعةَ الذين خرجوا معه ، وقد أعْلَمَ ليرى مكانهُ.

فلما رأى المسلمين وَقَف هو والخيلُ التي معه وقال : هل من مبارز؟ فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له عمرو : اِرجع يا ابن أخِ فما أحِبّ أن أقتلك.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « قد كنتَ ـ يا عمرو ـ عاهدتَ اللّه ألاّ يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خَصْلتين (٣) إلا اخترتَها منه ».

قال : أجَلْ ، فماذا؟

قال : « فإني أدعوك إلى الله ورسوله والإسلام ».

قال : لا حاجة لي بذلك.

قال : « فإني أدعوك إلى النزال ».

فقال : ارجع فقد كان بيني وبين أبيك خلّة ، وما أحبّ أن أقتلك.

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : خيولهم.

(٢) سلع : موضع قرب المدينة المنورة. « معجم البلدان ٣ : ٢٣٦ ».

(٣) في « م » و « ح » : خَلّتين.

٩٨

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لكنّني ـ والله ـ أحب أن أقْتُلك ما دُمْتَ آبياً للحق ».

فَحَمِيَ عمروعند ذلك ، وقال : أتَقْتُلني!؟ ونزل عن فرسه فعَقَره وضرب وجهَه حتّى نَفَر ، وأقبل على عليّ عليه‌السلام مُصْلِتاً سيفه ، وبدره بالسيف فنشِب سيفهُ في تُرس علي ، وضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام ضربةً فقتله.

فلمّا رأى عِكرِمة بن أبي جهل وهُبَيْرة وضرار عَمراً صريعاً ، ولّوا بخَيْلهم منهزمين حتى اقتحمت (١) الخندق لا تَلْوِي (٢) على شيء ، وانصرف أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى مَقامه الأوّل ـ وقد كادت نفوسُ القوم الذين خرجوا معه إلى الخندق تَطيرجَزَعاً ـ وهويقول :

« نَصَرَالحجارةَ من سفاهة رأيه

ونصرت ربَّ محمّد بصَواب (٣)

فضربتُه وتركتُه مُتَجدِّلاً

كالجذْغ بين دكادِك ورَوابي (٤)

وعَفَفْتُ عن أثوابهِ ولَوِ آنني

كنت المقَطَّر بَزَّني أثوابي (٥)

لا تَحْسَبَنَّ اللة خاذِلَ دينه

ونبيّهِ يا مَعْشرَ الأحزاب »

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : اقتحموا.

(٢) في هامش « ش » و « م » : لا يلوون.

(٣) الحجارة : الاصنام التي كانوا يعبدونها.

(٤) متجدّلاً : الساقط في الجَدَالة وهي الارض ، الجذْع : ساق النخلة. الدكادك : جمع دكداك وهو ما التبد من الرمل اللين بالارض ولم يرتفع ، الرَوابي جمع رابية وهي ما ارتفع من الارض.

(٥) المقطّر : الملقى على احد قطريه على الارض ، والقطر : الجانب. بزّني : سلبني.

٩٩

وقد روى محمّد بن عُمر الواقدي قال : حدَّثنا (١) عبدُالله بن جعفر ، عن ابن أبي عَوْن ، عن الزُهري قال : جاء عَمرو بن عبدِ وَدّ وعِكرِمة بن أبي جَهْل وهُبَيرة بن أبي وَهْب ونَوْفَل بن عبدالله بن المُغيرة وضِرار بن الخطّاب ـ في يوم الأحزاب ـ إلى الخندق فجعلوا يطوفون به يطلُبون مَضيقاً منه فيعبرون ، حتّى انتهوا إلى مكان أكْرَهوا خيولَهم فيه فَعبَرتْ ، وجعلوا ( يجولون بخيلهم ) فيما بين الخندق وسَلْع ، والمسلمون وُقوفٌ لايُقْدِم واحدٌ منهم عليهم ، وجعل عمرَو بن عَبدِ وَدّ يدعو إلى البَراز و ( يُعَرِّض بالمسلمين ) (٢) ويقول :

ولقد بَحِحت من النداء بجمـ

ـعهم هل من مبارز؟

في كلّ ذلك يَقوُم عليّ بن أبي طالب من بينهم ليبارزه (٣) فيأمُره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجلوس انتظاراً منه ليتحرّك (٤) غيرهُ ، والمسلمون كأنّ على رؤوسهم الطَير ، لمكان عمرو بن عبدِ وَدّ والخوف منه وممّن معه ووراءه.

فلمّا طال نداءُ عمرو بالبراز ، وتتابع قيامُ أمير المؤمنين عليه‌السلام قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أدنُ مني يا عليّ » فدنا منه ، فنَزَع

ــــــــــــــــــ

(١) في « ش » : حدثني ، وما اثبتناه من « م » و « ح » وهامش « ش ».

(٢) كذا في هامش النسخ الخطية ، لكن في متنها : يحرض المسلمين.

(٣) في « ش » و « م » : ليبارزهم ، وما أثبتناه من هامش « ش ».

(٤) في هامش « ش » و « م » : لتحرك.

١٠٠