الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثِقتي

أخبَرنَا السيّدُ الأجل عميدُ الرؤساء أبو الفتح يحيى بن محمّد بن نصْر بن عليّ بن حيا (١) ـ أدام الله عُلُوّه ـ قراءةً عليه سنةَ أربعين وخمسمائة ، قال : حَدَّثنا القاضي الأجَلّ أبو المَعالي أحمد بن عليّ بن قدامَة في سنة ثمانٍ وسبعين وأربعمائة ، قال : حَدَّثني الشيخُ السعيد المُفيد أبو عبدالله محمّدُ بنُ النُعمان رضي‌الله‌عنه في سنةِ إحدى عشرة وأربعمائة قال : (٢)

الحمد لله على ما ألْهَمَ من معرفته ، وهدَى إليه من سبيل طاعته ، وصلواته على خِيرته من بَريته ، محمّد سيّد أنبيائه وصفوته ، وعلى الائمة المعصومين الراشدين من عِترته ، وسلّم.‎

ــــــــــــــــــ

(١) كذا في نسخة « ق » و « ح » من دون تنقيط.

(٢) ورد هذا السند في مقدمة النسخة « ح » و « ق ».

٣

وبعدُ :

فإنّي مُثبِتٌ ـ بتوفيق الله ومعونته ـ ما سألتَ ـ ايدك الله ـ إثباتَه من أسماءِ أئمّة الهُدى عليهم‌السلام وتاريخ أعمارهم ، وذكر مَشاهدهم ، وأسماء أولادهم ، وطُرفٍ من أخبارهم المفيدة لعلم أحوالهم ، لتِقفَ على ذلك وقوفَ العارف بهم ، ويظْهَرَ لك الفرقُ ما بين الدعاوى والاعتقادات فيهم ، فتميّزبنظرك فيه ما بين الشبهات منه والبيّنات ، وتعتمد الحقً فيه اعتماد ذويَ الإِنصاف والديانات ، وأنا مجيبك إلى ما سألت ، ومتحرٍّ فيه الإِيجاز والاختصار حَسَب ما أثرت من ذلك والتمست ، وبالله أثق ، وإيّاه أستهدي إلى سبيل الرشاد.

٤

باب الخبر عن أمير المؤمنين

صلوات الله عليه

أوّلُ أئمّة المؤمنين ، ووُلاةِ المسلمين ، وخلفاء الله تعالى في الدين ، بعد رسول الله الصادق الأمين محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين ، ـ صلواتُ الله عليه وآله الطاهرين ـ أخوه وابنُ عمّه ، ووزيرُه على أمره ، وصهْرُه على ابنته فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين ، أميرُالمؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مَناف سيّد الوصيّين ـ عَليه أفضل الصلاة والتسليم ـ.

كُنيتُه : أبو الحسن ، وُلِد بمكّة في البيت الحرام يومَ الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ولم يُولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله تعالى له بذلك وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وأمّه : فاطمة بنتُ أسَد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها ، وكانت كالاُمّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رُبي في حِجرها ، وكان شاكراً لبرها ، وآمَنَتْ به صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأوّلين ، وهاجَرَتْ معه في جُملة المهاجرين. ولمّا قبضها الله تعالى إليه كَفّنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقميصه ليَدْرَأ به عنها هوامَّ الأرض ، وتوسّد في قبرها لتَأْمَنَ بذلك من ضَغْطة القبر ، ولقّنها الإقرارَ بولاية ابنها ـ أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ لتجيبَ به عند المساءلة بعد الدفن ، فخصَّها بهذا الفضل

٥

العظيم لمنزلتها من الله تعالى ومنه عليه‌السلام ، والخبر بذلك مشهور (١).

فكان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وإخوته أوّل من ولده هاشم مرتين (٢) ، وحاز بذلك مع النشوء في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتأدّب به الشرفين. وكان أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ برسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أهل البيت والأصحاب ، وأول ذَكَرٍ دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام فأجاب ، ولم يزل ينصر الدين ، ويجاهد المشركين ، ويذبّ عن الإيمان ، ويَقْتُل أهل الزيغ والطغيان ، وينشر معالم السنّة والقرآن ، ويحكم بالعدل ويأمر بالإحسان. فكان مقامه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة ، منها ثلاث عشرة سنة بمكّة قبل الهجرة مشاركاً له في محنه كلّها ، متحمّلاً عنه أكثرأثقاله؛ وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح عنه المشركين ، ويجاهد دونه الكافرين ، ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين ، إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنّته ورفعه في عليّين ، فمضى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأمير المؤمنين عليه‌السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة.

فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فقالت شيعته ـ وهم بنو هاشم وسلمان وعمّار وأبوذر والمقداد وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيّوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري

ــــــــــــــــــ

(١) اُنظر الكافي ١ : ٣٧٧ / ٢ ، دعائم الاسلام ٢ : ٣٦١ ، خصائص الأئمة : ٦٤.

(٢) في نسخة « ح » : من ولد من هاشميين.

٦

وأبو سعيد الخدْري ، وأمثالهم من جِلّة (١) المهاجرين والأنصار ـ : إنّه كان الخليفةَ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمامَ لفضله على كافّة الأنام بما اجتمع له من خِصال الفضل والرأي والكمال ، من سَبْقه الجماعةَ إلى الإيمان ، والتبريزِعليهم في العلم بالأحكام ، والتقدّم لهم في الجهاد ، والبَيْنونةِ منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح ، واخصَاصِه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القُربى بما لم يَشرْكه فيه أحدٌ من ذوي الأرحام.

ثمّ لنصّ الله على ولايته في القران ، حيث يقول جلّ اسمه : ( إنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُه وَألَّذينَ آمَنُوا ألَّذينَ يًقيمُونَ ألصَّلاةَ ويُؤْتونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ، ومعلومٌ أنّه لم يزكّ في حال ركوعه أحد سواه عليه‌السلام ، وقد ثَبَت في اللغة أنّ الوَلي هو الأولى بلا خلاف.

وإذا كان أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ـ بحكم القرآن ـ أولى بالناس من أنفسهم ، لكونه وليّهم بالنصّ في التبيان ، وَجَبَتْ طاعتهُ على كافّتهم بجَليّ البيان ، كما وَجَبتْ طاعةُ الله وطاعةُ رسوله عليه وآله السلام بما تَضَمَّنه الخبرُ عن ولايتهما للخلق فِى هذه الآية بواضح البرهان.

وبقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يومَ الدار ، وقد جَمَع بني عبد المطلب ـ خاصّةً ـ فيها للإِنذار : « مَنْ يُؤازِرْني على هذا الأمر يَكُنْ أخي ووصّيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فقام إليه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام من بين جماعتهم ، وهو أصغرهم يومئذ سنّاً فقال : « أنا اُؤازرك يا رسول الله » فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اجلس فانت أخي ووصيّي

ــــــــــــــــــ

(١) جلّة : جمع جليل.

(٢) المائده : ٥٥.

٧

ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » وهذا صريحُ القول في الاستخلاف.

وبقوله ـ أيضاً ـ عليه‌السلام يوم غدير خم وقد جمع الأمّة لسماع الخطاب : « ألستُ أولى بكم منكم بانفسكم »؟ فقالوا : اللهم بلى ، فقال لهم عليه‌السلام ـ على النسق من غير فصل بين الكلام ـ : « فمن كنتُ مَوْلاه فعَلي مَوْلاه » فاوجَبَ له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما كان له عليهم ، بما قرّرهم به من ذلك ولم يتناكروه. وهذا أيضاً ظاهرٌ في النص عليه بالامامة والاستخلاف له في المقام.

وبقوله عليه‌السلام له عند توجّهه إلى تَبوك : « أنت منّي بمنزلةِ هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي » فاوجب له الوِزارة والتخصّص بالمودّة والفضل على الكافّة ، والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته ، لشهادة القران بذلك كلّه لهارون من موسى عليهما‌السلام ؛ قال الله عزّ وجل مُخبراً عن موسى عليه‌السلام : ( واجعل لي وَزيراً مِنْ أهْلي * هارُونَ اَخي * أشْدُدْ بهِ اَزْري * وَأشْرِكْهُ في اَمْري * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثيراً * في وَنَذْكُرَكَ كَثيراً * اِنَّكَ كُنْتَ بنَا بَصيراً * قَال قَدْ أوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسى ) (١) فثبت لهارون عليه‌السلام شركة موسى في النبوّة ، ووِزارتُه على تادية الرسالة ، وشَدُّ أزْرِه به في النصرة. وقال في استخلافه له : ( أخْلُفْني في قَوْمِي وَاصْلحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اْلمُفْسِدينَ ) (٢) فثبتت له خلافته بمحكم التنزيل.

فلمّا جعل رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمير المؤمنين عليه‌السلام

ــــــــــــــــــ

(١) طه ٢٠ : ٢٩ ـ ٣٦.

(٢) الأعراف ٧ : ١٤٢.

٨

جميعَ منازل هارون من موسى عليهما‌السلام في الحُكمِ له منه إلاّ النبوّة ، وجبت له وزارةُ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وشدّ الأزر بالنصرة والفضل والمحبّة ، لما تقتضيه هذه الخصال من ذلك في الحقيقة ، ثمّ الخلافةُ في الحياة بالصريح ، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما أخرج منها بذكر البَعد ، وأمثالُ هذه الحجج كثيرة ممّا يطول بذكرها الكتاب ، وقد استقصينا القول في إثباتها في غيرهذا الموضع من كتبنا ، والحمد للّه.

فكانت إمامةُ أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثينَ سَنَة ، منها أربعٌ وعشرون سنة وأشهرُ ممنوعاً من التصرّف على أحكامها ، مستعملاً للتقية والمداراة. ومنها خمس سنين وأشهر مُمْتَحَناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ، مُضطَهَداً بفِتَن الضالّين ، كما كان رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها ، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً ، لا يتمكّن من جهاد الكافرين ، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين ، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين مُمْتَحَناً بالمنافقين ، إلى أن قبضه اللّه ـ تعالى ـ إليه وأسكنه جنات النعيم.

وكانت وفاةُ أمير المؤمنين عليه‌السلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف ، قتله ابنُ مُلْجَم المُرادي ـ لعنه اللّه ـ في مسجد الكوفة ؛ وقد خرج عليه‌السلام يُوقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك ، فلمّا مرّبه في المسجد وهو مُستَخْفٍ بامره مُماكرٌ بإظهار النوم في جملة النيام ، ثار إليه فضربه على

٩

أمّ رأسه بالسيف ـ وكان مسموماً ـ فمكث يومَ تسعة عشر وليلةَ عشرين ويومَها وليلةَ إحدى وعشرين إلى نَحْو الثلث الاوّلْ من الليل ، ثمّ قَضى نَحْبَه عليه‌السلام شهيداً ولقي ربَّه ـ تعالى ـ مظلوماً.

وقد كان عليه‌السلام يَعْلَم ذلك قبل أوانه ويُخْبر به الناسَ قبلَ زمانه ، وتولّى غسلَه وتكفينَه ابناه الحسن والحسينُ عليهما‌السلام بامره ، وحَمَلاه إلى الغَرِيّ من نَجَفِ الكوفة ، فدَفَناه هناك وعَفّيا موضِعَ قبره ، بوصيّة كانت منه إليهما في ذلك ، لما كان يعلمه عليه‌السلام من دَوْلة بني أُميّة من بعده ، واعتقادهم في عَداوته ، وما ينتهون إليه بسوء النيّات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكّنوا من ذلك ، فلم يزل قبرهُ عليه‌السلام مخفىً حتّى دَلّ عليه الصادقُ جعفرُ بنُ محمّد عليهما‌السلام في الدَوْلة العبّاسية ، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر (١) ـ وهو بالحِيْرة ـ فعَرَفَتْه الشيعة واستأنَفوا إذ ذاك زيارته عليه‌السلام وعلى ذُرّيته الطاهرين ، وكان سنّه عليه‌السلام يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

ــــــــــــــــــ

(١) ابو جعفر المنصور ، عبدالله بن محمد بن علي بن العباس ، ثاني خلفاء بني العباس ، ولد في الحميمة من أرض الشراة سنة ٩٥ هـ وولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة ١٣٦ هـ ، توفي ببئر ميمون سنة ١٥٨ هـ ، ودفن في الحجون بمكة وكانت مدة خلافته ٢٢ عاماً ، اُنظر « تاريخ بغداد ١ : ٦٢ ، شذرات الذهب ١ : ٢٤٤ ، تاريخ الطبري ٨ : ١١٣ ، العبر١ : ١٧٥ ، الاعلام ٤ : ١١٧ ».

١٠

فصل

فمن الأخبار التي جاءت بذكره عليه‌السلام الحادثَ قبل كونه ،

وعلمِه به قبل حدوثه :

ما أخبر به عليُّ بن المُنْذِر الطريقي ، عن ابن الفُضَيْل العَبْدي (١) ، عن فِطْر ، عن أبي الطُفَيْل عامر بن واثِلة ـ رحمة اللّه عليه ـ قال : جَمَع أمير المؤمنين عليه‌السلام الناسَ للبيعة ، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ ـ لعنه الله ـ فردّه مرتين أو ثلاثاً ثمّ بايعه ، وقال عند بيعته له : « مايَحْبِسُ أشقاها! فو الّذي نفسي بيده لتُخْضَبن (٢) هذه من هذا » ووَضَعَ يدَه على لِحْيَته ورأسه عليه‌السلام ، فلمّا أدْبَر ابنُ مُلْجَم عنه منصرفاً قال عليه‌السلام متمثلاً :

« أشْدُدْ حَيازيمَكَ للموت

فإنّ الموتَ لاقيك

ولا تَجْزَع من الموت

إذا حَلّ بواديـك

كما أضحَكَكَ الدهرُ

كذاكَ الدهرُ يُبْكيك (٣) »


ــــــــــــــــــ

(١) لعل العبدي تصحيف الضبيّ ، فإنّه محمد بن فضيل بن غزوان الضبيّ ، مولاهم أبو عبد الرحمن ، وقد عدّه الشيخ الطوسي قدس‌سره من أصحاب الصادق عليه‌السلام ووثقه ( رجال الشيخ : ٢٩٧ ) يروي عنه علي بن المنذر الطريقي ، انظر : « الطبقات الكبرى ٦ : ٣٨٩ ، انساب السمعاني ٨ : ١٤٥ ، ميزان الاعتدال ٣ : ١٥٧ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٨٦ و ٩ : ٤٠٥ ».

(٢) في « ق » وهامش « ش » : ليَخْضِبَنَّ.

(٣) الطبقات الكبرى ٣ : ٣٣ ، أنساب الأشراف ٢ : ٥٠٠ ، مقاتل الطالبيين : ٣١ ، الخرائج والجرائح ١٠ : ١٨٢ ذيل الحديث ١٤ ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٤٢ : ١٩٢ / ٦ والبيت الاخير اثبتناه من « ق ».

١١

وروى الحسنُ بنُ محبوب ، عن أبي حَمْزة الثُماليّ ، عن أبي إسحاق السَّبِيعيّ ، عن الأصْبَغ بن نُباتة ، قال : أتى ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليه‌السلام فبايعه فيمن بايع ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام فتوثّق منه ، وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام الثانية فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدر ولا يَنْكث ففعل ، ثمّ أدبر عنه فدعاه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام الثالثة فتوثّق منه وتوكّد عليه ألاّ يَغْدرَ ولا يَنْكث ، فقال ابنُ مُلْجَم : واللّه ـ يا أمير المؤمنين ـ ما رأيتُك فعلتَ هذا بأحد غيري. فقال أميرُ المؤمنين عليه‌السلام :

« أُريد حِباءهُ ويُريدُ قتلي

عَذيرَك (١) من خليلِك من مُرادِ (٢)

امض ـ يا بنَ مُلْجَم ـ فواللّه ما أرى أن تَفِيَ بما قلت » (٣).

وروى جعفر بن سُلَيمان الضُبَعيّ عن المُعَلِّى بن زياد قال : جاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم ـ لعنه اللّه ـ الى أمير المؤمنين عليه‌السلام يستحمله ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إحمِلني. فنظرإليه أميرالمؤمنين عليه‌السلام ثمّ قال له : « أنت عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ؟ » قال : نعم. قال : « أنت

ــــــــــــــــــ

(١) عذيرك من فلان بالنصب ، أي هات من يعذرك فيه ، فعيل بمعنى فاعل « النهاية ـ عذر ـ ٣ : ١٩٧ ».

(٢) البيت لعمرو بن معدي كرب : كتاب سيبويه ١ : ٢٧٦ ، الأغاني ١٠ : ٢٧ ، العقد الفريد ١ : ١٢١ ، خزانة الادب ٦ : ٣٦١.

(٣) ذكره ابن شهرآشوب مختصراً في المناقب ٣ : ٣١٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ١٩٢ / ٧.

١٢

عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم المرُاديّ؟ » قال : نعم. قال : « ياغَزْوان ، اِحمِله على الأشقر » فجاء بفرس أشقر فرَكِبه ابنُ مُلْجَم المُرادي وأخذ بعنانه ، فلمّا ولّى قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« أريد حِباءه ويريد قتلي

عَذيرَك مِنْ خَليلك من مُراد » (١)

قال : فلمّا كان من أمره ما كان ، وضَرَب أميرَ المؤمنين عليه‌السلام قُبض عليه وقد خَرَج من المسجد ، فجيء به الى أمير المؤمنين ، فقال عليه‌السلام : « والله لقد كنتُ أصنع بك ما أصْنَع ، وأنا أعلمُ أنّك قاتلي ، ولكن كنتُ أفعلُ ذلك بكَ لأستظهِرَ بالله عليك ».

فصل آخر

ومن الأخبار التي جاءت

بنَعْيه نَفْسَه عليه‌السلام إلى أهله وأصحابه قبل قتله :

ما رواه أبو زيد الأحوَل عن الأجلَح ، عن أشياخ كِنْدَة ، قال : سَمِعتُهم أكثرَمن عشرين مرّة يقولون : سَمِعنا علياً عليه‌السلام على المنبر يقول : « ما يمنَعُ أشقاها أن يَخْضِبَها من فوقها بدم؟ » ويَضَعُ يدَه على لحِيته عليه‌السلام (٢).

ــــــــــــــــــ

(١) اشار اليه ابن شهرآشوب في المناقب ٣ : ٣١٠ ، والراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ١٨٢ ذيل الحديث ١٤.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ١٩٣ / ٨.

١٣

وروى علي بن الحَزَوَّر ، عن الأصْبَغ بن نُباتَة قال : خَطَبَنَا أميرُ المؤمنين عليه‌السلام في الشهر الذي قُتِل فيه فقال : « أتاكمُ شهرُ رمضان ، وهو سيّد الشهور ، وأوّل السنة ، وفيه تدور رَحا السلطان. ألا وإنّكم حاجّ العامَ صفّاً واحداً ، وآيةُ ذلك أنّي لستُ فيكم » قال : فهو يَنْعى نفسه عليه‌السلام ونحن لا نَدْري (١).

وروى الفَضْل بن دُكَين ، عن حَيّان بن العبّاس ، عن عثمان بن المُغِيرة قال : لمّا دخل شهرُ رمضان ، كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يتعشّى ليلةً عند الحسن وليلةً عند الحسين وليلةً عند عبداللّه بن جعفر (٢) ، وكان لا يَزيد على ثلاث لُقَم ، فقيل له في ليلةٍ من تلك الليالي في ذلك ، فقال : « يأتيني أمرُ اللّه وأنا خميصٌ ، إنّما هي ليلةٌ أو ليلتان » فأُصِيب عليه‌السلام في آخر الليل (٣).

وروى إسماعيل بن زياد قال : حدثتني اُمّ موسى ـ خادمة (٤) علي عليه

ــــــــــــــــــ

(١) إعلام الورى : ١٦٠ ، مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٧١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ١٩٣ / ٩.

(٢) في « ش » : عبداللّه بن العباس.

(٣) إعلام الورى : ١٦٠ ، المناقب للخوارزمي : ٣٩٢ / ٤١٠ ، مناقب آل أبي طالب ٢ : ٢٧١ ، كنز العمال ١٣ : ١٩٥ / ٣٦٥٨٣ ، الفصول المهمة : ١٣٩ ، وذكره مختصراً الراوندي في الخرائج ١ : ٢٠١ / ٤١ ، وسيأتي في فصل من نعيه لنفسه عليه‌السلام اواخر الجزء الاول.

(٤) كذا في متن النسخ وفي هامش « ش » : خادم وهو صواب أيضاً.

قال في لسان العرب ـ خدم ـ ١٢ : ١٦٦ : ألخادم واحد الخدم غلاماً كان أو جارية ... وفي حديث فاطمة وعلي عليهما‌السلام : « اسألي أباكِ خادماً تقيك حرً ما أنت عليه » الخادم واحد الخدم ويقع على الذكر والانثى لاجرائه مجرى الاسماء غير

١٤

السلام وهي حاضنة فاطمة ابنته عليه‌السلام ـ قالت : سمعتُ عَليّاً عليه‌السلام يقول لابنته اُمّ كلثوم : « يابُنيّة ، إنيّ أراني قلَّ ما أصحَبُكم » قالت : وكيف ذلك ، يا أبتاه؟ قال : « إني رأيت نبيّ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي وهو يَمْسَحُ الغبارَ عن وجهي ويقول : يا عليّ ، لا عليك قد قَضَيْتَ ما عليك ».

قالت : فما مَكَثْنا إلاّ ثلاثاً حتى ضُرِب تلك الضربة. فصاحت اُمّ كلثوم فقال : « يا بُنيّة لا تفعلي ، فإنّي أرى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يشير إليَ بكفّه : يا علي ، هَلمَّ إلينا ، فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك » (١).

وروى عمّار الدُهْني ، عن أبي صالح الحنفيّ قال : سمِعمت علياً عليه‌السلام يقول : « رأيتُ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في منامي ، فشَكَوْتُ إليه ما لقيت من أُمّتهِ من الأود واللدد (٢) وبكيتُ ، فقال : لاتَبكِ يا علي والتفِتْ ، فالتفتُّ ، فإذا رجلان مُصَفَدان ، وإذا جلاميد تُرْضَخ بها رؤوسهما ».

فقال أبو صالح : فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو كلّ يوم ، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون : قُتِل أمير المؤمنين ، قتل أمير

ــــــــــــــــــ

المأخوذة من الافعال كحائض وعاتق .. وهذه خادمنا ـ بغير هاء ، لوجوبه ، وهذه خادمتنا غداً. انتهى.

(١) المناقب للخوارزمي : ٣٧٨ / ٤٠٢ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣١١ ، كشف الغمة ١ : ٤٣٣.

(٢) الأود : العوج ، واللّدَدُ : الخصومة الشديدة ، قال ابن الأثير : ومنه حديث علي : « رأيت النبي صلّى اللّه عليه وسلم في النوم فقلت : يا رسول الله ، ماذا لقيت بعدك من الأود واللدد! » « النهاية ـ لدد ـ ٤ : ٢٤٤ ».

١٥

المؤمنين عليه‌السلام (١).

وروى عبيداللّه بن موسى ، عن الحسن بن دينار ، عن الحسن البصريّ قال : سَهِرَ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الليلة التي قتِل (٢) في صَبيحَتِها ، ولم يَخْرُج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته ، فقالت له ابنته امّ كلثوم ـ رحمة الله عليها ـ : ما هذا الذي قد أسْهَرَك؟ فقال : « إنّي مقتول لو قد أصبحتُ » وأتاه ابنُ النَبّاح فآذنه (٣) بالصلاة ، فمشى غيرَ بعيد ثم رجع ، فقالت له ابنته اُمّ كلثوم : مُرْ جَعْدَة فليُصَلّ بالناس. قال : « نعم ، مُروا جَعْدة فليُصَلّ » (٤). ثمّ قال : « لا مَفَرّ من الأجل » فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سَهِر ليلتَه كلّها يَرْصُدُه ، فلمّا بَرَدَ السحر نام ، فحرّكه أميرالمؤمنين عليه‌السلام برجله وقال له : « الصلاة » فقام إليه فضربه (٥).

ورُوي في حديث اخر : أنّ أميرَ المؤمنين عليه‌السلام سَهِر تلك الليلة ، فاكثر الخروج والنظر في السماء وهو يقول : « واللّه ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ ، وإنّها الليلة التي وُعِدتُ بها » ثمّ يعاود مضجعه ، فلمّا طلع الفجر شدّ ازاره (٦) وخرج وهو يقول :

ــــــــــــــــــ

(١) ورد باختلاف يسير في إلامامة والسياسة : ٢٧٦ ، أنساب الأشراف : ٤٩٤ ، مقاتل الطالبيين : ٤٠ ، ومثله في إعلام الورى : ١٦١ ، والخرائج والجرائح ١ : ٢٣٣ / ٧٨ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣١١.

(٢) في « ح » : ضرب.

(٣) في هامش « م » : مؤذناً.

(٤) في هامش « ش » : ليصلي.

(٥) خصائص الائمة : ٦٣ ، إعلام الورى : ١٦١ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣١٠.

(٦) في هامش « م » : أزراره.

١٦

« أُشدُدْ حَيازِيمَك للموت

فإن الموتَ لاقيك (١)

ولاتجْزَع من الموت

إذا حلّ بواديك »


فلمّا خرج إلى صحن الدار استقبلته (٢) الأوَزُ فَصِحْنَ في وجهه ، فجعلوا يَطرُدونهنّ فقال : « دَعُوهُنَّ فإنّهنّ نَوائح » ثمّ خرج فأُصيب عليه‌السلام (٣).

فصل

ومن الأخبار الواردة بسبب قتله وكيف جرَى الأمر في ذلك :

ما رواه جماعة من أهل السير : منهم أبو مِخْنَف لوط بن يحيى ، واسماعيلُ بن راشد ، ( وأبو هِشام الرِفاعيّ ) (٤) ، وأبو عمرو الثقفيّ ، وغيرهم ، أنّ نَفَراً من الخوارج إجتمعوا بمكة ، فتذاكروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذكروا أهلَ النهروان وتَرَحّمَوا عليهم ، فقال بعضهم لبعض : لوأنّا شَرينا أنفسَنا لله ، فأتينا أئمة الضَلال فطَلَبنا غِرَّتَهم فأرَحْنا منهم العبادَ والبلادَ ، وثَأرْنا بإخواننا للشُهداءِ بالنَهروان. فتعاهَدوا عند انقضاء الحجّ على ذلك ، فقال عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم : أنا أكْفِيكم

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : آتيك.

(٢) في « م » وهامش « ش » : استقبله.

(٣) خصائص الأئمة : ٦٣ ، إعلام الورى : ١٦١ ، مناقب آل ابي طالب ٣ : ٣١٠.

(٤) في « م » وهامش « ش » : أبو هاشم الرفاعي ، وما في المتن من « ش » وهو الصواب وهو أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة ، انظر : انساب السمعاني ٦ : ١٤٣ ، اللباب لابن الاثير ٢ : ٤٢ تهذيب التهذيب ٩ : ٥٢٦

١٧

علياً ، وقال البُركْ بن عبداللّه التميميّ : أنا أكْفِيكم معاوية ، وقال عَمرو بن بكر التميميّ : أنا أكْفِيكم عَمرو بن العاص ؛ ( وتعاقدوا ) (١) على ذلك ، ( وتوافقوا ) (٢) عليه وعلى الوفاء واتَعَدوا لشهر رمضان في ليلة تسعَ عشرة ، ثمّ تفرقوا.

فاقبل ابنُ مُلْجَم ـ وكان عِدادُه في كِنْدَة ـ حتى قَدِمَ الكوفة ، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمرهَ مخافةَ أن يَنْتَشِرمنه شيء ، فهوفي ذلك إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم ـ من تيم الرِباب ـ فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيمية ، وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام قتل أباها وأخاها بالنَهْروان ، وكانت من أجمل نساء زمانها ، فلمّا رآها ابنُ مُلْجَم شُغِف بها واشتدّ إعجابُه بها ، فسأل في نكاحها وخطبها فقالت له : ما الّذي تُسَمِّي لي من الصَداق؟ فقال لها : احتَكِمي ما بدا لك ، فقالت له : أنا محتكمةٌ عليكَ ثلاثَة الاف درهم ، ووَصيفاً وخادماً ، وقتلَ عليّ بن أبي طالب ، فقال لها : لكِ جميعُ ما سألتِ ، وأمّا قتلُ عليّ بن أبي طالب فأنّ لي بذلك؟ فقالت : تَلْتَمِس غِرّته ، فإن أنت قتلتَه شفيتَ نفسي وهنَّأك العَيش معي ، وإن قُتِلتَ فما عند الله خير لك من الدنيا. فقال : أما والله ما أقدمني هذا المصر ـ وقد كنتُ هارباً منه لا امَنُ مع أهله ـ إلاّ ما سألتِني من قتلِ علي بن أبي طالب ، فلكِ ما سالتِ. قالت : فانا طالبةٌ لكَ بعضَ من يُساعدك على ذلك ويُقوّيك.

ثمّ بَعَثتْ إلى وَرْدان بن مُجَالِد ـ من تَيمْ الرِباب ـ فخبّرتْه الخبرَ

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : تعاهدوا.

(٢) في هامش « ش » و « م » ‏ : واوثقوا. وفي « م » وتوافقوا.

١٨

وسألتهْ مَعُونةَ ابنَ مُلْجَم ، فتحمّل ذلك لها ، وخرج ابن مُلْجَم فاتى رجلاً من أشجع يقال له : شَبيب بن بُجْرة ، فقال : يا شَبيب ، هل لكَ في شرف الدنيا والآخرة؟ قالَ : وما ذاك؟ قال : تُساعدُني على قتل عليّ بن أبي طالب. وكان شَبيب على رأي الخوارج ، فقال له : يا ابن ملجم ، هَبَلَتْك الهَبُول ، لقد جئتَ شيئاً إدّاً ، وكيف تقدر على ذلك؟ فقال له ابنُ مُلْجَم : نَكمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجرفتكنا به ، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا. فلم يزل به حتى أجابه ، فأقبل معه حتى دخلا المسجد على قَطام ـ وهي معتكفة في المسجد الأَعظم ، قد ضربت عليها قبة ـ فقال لها : قد اجتمع رأيُنا على قتل هذا الرجل ، قالت لهما : فإذا أردتما ذلك فالقياني في هذا الموضع.

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً ، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلةَ الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلتَ من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، فدعت لهم بحرير فعصبت (١) به صدورهم ، وتقلّدوا أسيافَهم ومَضَوْا وجلسوا (٢) مقابلَ السُدّة التي كان يخرُج منها أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الصلاة ، وقد كانوا قبل ذلك ألقَوْا إلى الأشعَث بن قَيْس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وواطَأهم عليه ، وحضر الأشعَثُ بن قَيسْ في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه.

وكان حُجر بن عَدِيّ ـ رحمة الله عليه ـ في تلك الليلة بائتاً في المسجد ، فسَمِع الأشعثَ يقول لابن مُلْجَم : النَجاء النَجاء لحاجتك فقد فَضَحك

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » و « خ » : فعصبوا.

(٢) في « م » و « ح » وهامش « ش » : فجلسوا.

١٩

الصبح ، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث فقال له : قتلتَهُ يا أعْور. وخرج مبادراً ليمْضِي إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيُخْبِرَه الخبر ويُحذِره من القوم ، وخالفه أمير المؤمنين عليه‌السلام فدخل المسجد ، فسبقه ابنُ مُلْجَم فضربه بالسيف ، وأقبل حُجْر والناس يقولون : قُتِل أميرُ المؤمنين ، قُتِل أميرُالمؤمنين. وذكر محمّدُ بن عبدالله بن محمّد الأزْديّ قال : إني لاُصلّي في تلك الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يُصَلّون في ذلك (١) الشهر من أوّله إلى آخره ، إذْ نظرتُ إلى رجال يُصَلّون قريباً من السُدّة ، وخرج عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام لصلاة الفجر ، فاقبل يُنادي « الصلاة الصلاة » فما أدري أنادى أم رأيتُ بَريق السيوف وسمعتُ قائلاً يقول : لله الحُكم ـ يا علي ـ لا لكَ ولا لأصحابك. وسمعتُ علياً عليه‌السلام يقول : « لا يَفُوتَنّكم الرجل » فإذا علي عليه‌السلام مضروب ، وقد ضَرَبه شَبيبُ بن بُجرَة فاخطأه ووقعت ضربتُه في الطاق ، وهَرَب القوم نحو أبواب المسَجد وتبادر الناس لأخذهم.

فأمّا شَبيب بن بُجْرة فاخذه رجل فَصَرَعه وجلس على صدره ، وأخذ السيفً من يده ليَقْتُلَه به ، فرأى الناسَ يَقْصُدُون نحوَه فخشي أن يعجلوا عليه ولا يَسْمَعوا منه ، فوَثَب عن صدره وخَلاّه وطَرَح السيفَ من يده ، ومَضى شَبيب هارباً حتّى دخل منزله ، ودخل عليه ابنُ عم له فرآه يَحُلّ الحريرَ عن صدره ، فقال له : ما هذا ، لعلك قتلت أمير المؤمنين؟ فاراد أن يقول : لا ، فقال : نعم ، فمض ابنُ عمه فاشتمل على سيفه ، ثمّ دخل عليه فضربه حتّى قتله.

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » : هذا.

٢٠