الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - المقدمة

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - المقدمة

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

١
٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، منتهى الحمد ، وغايته ، وصلى الله على محمد النبي الأُمّي ، والرحمة المهداة ، وعلى أهل بيته سفن النجاة ، ومنائر الهدى.

أما بعد :

فلعله من البديهي القول بانَّ كتابة التأريخ ، أوما يُصطلح على تسميته بعلم التاريخ ، يُعد بلا شك من علوم المعرفة التي حظيت بالعناية الواسعة من قبل المسلمين بحيث يعدو من العسير تصور وجود أُمة أخرى اقامت لها تأريخاً واسعاً ومسهباً كما هو لدى المسلمين.

وإذا كان هَمُّ المسلمين عقب العهد الاسلامي الأول هو تثبيت وحفظ مغازي الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لما لها من دلالة مهمة على حقيقة شهدت الانعطاف الكبير المعاكس في حياة البشرية ، نحو اقرار المثل ، وتصحيح الانحراف الذي اصاب كل الكيانات الاساسية في البنيان البشري ، وترجمة ملموسة لحاجة المجتمع إلاسلامي في محاولته ارساء العقائد والاحكام الشرعية التي جاء بها صاحب الشريعة ، وتثبيتها كاصول تعبدية ، فان القرآن

٣

الكريم قد فتح الباب على مصراعيه امام عموم المسلمين لتدارس حياة الأُمم السالفة والغابرة ، كمناهج اكاديمية وتربوية لتلافي موارد العطب ومواضع الهلكة ، كما اشارإليه قوله تعالى : ( وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أنِ اعبُدُوا الله وَاجتَنِبوا الطَّاغُوتَ فَمِنهُم مَن هَدى الله وَمِنهُمِ مَن حَقَّت عَليهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا في الارضِ فَانظُرُوا كَيفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبين ) (١).

وقال تعالى ( فَكَأيِّن مِن قَريَةٍ أهلَكنَاها وَهيَ ظَاِلمَةٌ فَهِي خاوِيَةٌ على عُرُوشها وَبئرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصرٍ مشِيدٍ * أفَلَم يَسِيرُوا في الأرض فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بها ) (٢).

وغير ذلك من الآيات اَلكريمة التى يصعب حصرها وايرادها هنا.

وبذا فقد أوقد القرآن في مخيلةّ المسلم المتدبر في آياته فكرة البحث والتنقيب عن حياة الأمم السالفة ، والتي اشار إليها كتاب الله تعالى تلميحاً وتذكيراً ، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال التشمير والبحث الجاد والرصين لاستحصال حكاية ما مضى وغاص في رمال ارض الجزيرة وما يحيط بها من امتدادات سحيقة مترامية الاطرإف.

ولما كانت الدعوة الاسلامية طرية واعوادها غضة لم تنل منها سني الشيخوخة شيئاً ، فلم تكن كتابة تأريخها بمتعسرة ولا شاقة ابداً ، ولا يعسرعلى الباحثين والمؤرخين وضع اللبنات الاساسية لتأريخ اسلامي متكامل يبقى زاداً ومعاشاً دينياً ودنيوياً للاجيال اللاحقة والدهور المتعاقبة ، حتى يرث الله تعالى الارض ومن عليها ، هذا إذا اقترن مداد كاتبيه بالصدق والامانة ، وتجاوز التحزب والتعصب ، والحرص على التمسك بكلمة الحق رغم مشقة المخاض ، وهذا ما لم يوفق له معظم كتبة التأريخ وصانعي اسس بنائه الشامخ ، فتوارثته

ــــــــــــــــــ

(١) النحل ١٦ : ٣٦.

(٢) الحج ٢٢ : ٤٥ ـ ٤٦.

٤

الاجيال هجيناً مشوباً بالادران ، وهو ما سيتبين من خلال ما سنتعرض إليه لاحقاً.

بلى لم تكن مسألة اقامة أُسس تأريخ اسلامي متخصص بممتنعة وشاقة ابداً ، بل كانت المشقة العظيمة تكمن في كتابة تاريخ الحقب الماضية التي مضى عليها الزمن وما ابقى لها حتى اطلالاً ، وبالاخص في ارض الجزيرة ، مهبط الوحي ، ومنطلق الرسالة المحمدية المباركة ، حيث أن ما توافر من معلومات متناثرة عن طبيعة الاحوال التي كانت سائدة آنذاك ، كانت من الندرة والتشتت بشكل لا يتيح للمؤرخ القدرة على استيعابها وبشكل جامع وشامل يطمئن إليه ، ولقد كان اكثر ما ورد عنها لا يتجاوز النقوش المكتوبة بالخط المسند على حوائط المعابد والاديرة واعمدة الحصون والقصور في الحيرة واليمن ، ترافقها روايات وإساطير منقولة شفاهاً عن اسماء الملوك القدماء وحكاياتهم ، مع قصص غامضة ومهولة او مشوشة عن ايام القبائل وحروبها مشفوعة بالاشعار ، والتي ضاع معظمها بضياع اشعارها ، واما ما قيل من ان وهب بن منبه ، وعبيد بن شرية (١) كانا من مصنفي تأريخ تلك الحقبة الماضية ، فلا مناص من القول بان حقيقة عملهما ما كان إلا تسطير ملحمي ، وسرد مشوش ، لانهما ما كانا في عملهما إلا كخابطي عشوة في اكثر ما اورداه.

تلك كانت مشقة الكتابة للعصور السابقة لبداية التوجه نحو كتابة التأريخ ، واما التأريخ الأسلامي ، فكما ذكرنا سالفاً كان حظه وافراً في كثرة ما كُتب عنه ، وما اُلّف في شأنه ، فهناك العشرات من المحاولات المستمرة ، والتي حاولت ان تضع لبنات التأريخ الاسلامي ورص أسسه في ارض الواقع المعاش ، حلّ بأكثرها النسيان والضياع ، أو عدم الالتفات إلى مدى جديتها او

ــــــــــــــــــ

(١) كان في صنعاء فاستدعاه معاوية فكتب له كتاب الملوك واخبار الماضين.

٥

رصانتها العلمية ، فبقيت جملة محددة ومشخصة ، يذهب معظم الباحثين إلى ان اشهرمن كتب في هذا الجانب كانا محمد بن اسحاق بن يسار ( ت ١٥١ هـ ) ومحمد بن عمر الواقدي ( ت ٢٠٧ هـ ) ، وان كان قد سبقهما في التصنيف عروة ابن الزبير (١) ، ووهب بن منبه (٢) ، بيد ان ندرة او قلة ما وصل بايدي الباحثين والمؤرخين ، لم تحدد للاخيرين سيرة متكاملة محددة المعالم ، إلا أن كثرة نقول ابن اسحاق والواقدي عنهما تبين بوضوح انهما ـ وبالاخص عروة بن الزبير ـ كانا قد سبقا في هذا المضمار (٣).

كما ان التأمل في هاتين السيرتين ـ واللتين تعدان بلا شك دعامتين مهمتين في تدوين ما عرف بالتأريخ الاسلامي ـ تبين بوضوح ايضاً انهما كانا في احيان كثيرة تابعتين لعروة بن الزبيرفي تحديد مساريهما ، وتثبيتهما للوقائع المهمة ، لا سيما فيما يتعلق بالهجرة إلى الحبشة والمدينة ، وغزوة بدر وغيرها ، وكذا بالنسبة لوهب بن منبه ، حيث روى ابن اسحاق عنه القسم الاول من السيرة.

وان كان هذا الامر لا يلغي في حدوده وجود ثلة لا باس بها من المؤرخين واصحاب السير ، حاولت أن تدلي بدلوها في هذا المعترك المهم امثال : ابان بن عثمان ( ت ١٠٥ هـ ) وشرحبيل بن سعد ( ت ١٢٣ هـ ) وابن شهاب الزهري

ــــــــــــــــــ

(١) اخ عبد الله بن الزبير ، كان يعد من كبار فقهاء المدينة ، اعتزل اخاه في قتاله مع الامويين ، ثم بايع عبد الملك بن مروان بعد مقتل اخيه.

(٢) قال عنه ابن حجر ( تهذيب التهذيب ١١ : ١٤٨ ) : كان أول حياته يقول بالقدر ، وكتب فيه كتاباً.

وقال ياقوت الحموي ( معجم الأدباء ١٩ : ٢٥٩ ) : كان كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالاسرائيليات.

وقال الذهبي ( سير أعلام النبلاء٥ : ٤٤٥ ) : روايته للمسند قليلة ، وإنّما غزارة علمه في الاسرائيليات ، ومن صحائف أهل الكتاب.

(٣) أنظر كشف الظنون ٢ : ١٧٤٧.

٦

( ت ١٢٤ هـ ) وعاصم بن عمربن قتادة ( ت ١٢٠ هـ ) وعبد الله بن ابي بكربن حزم ( ت ١٣٥ هـ ) وموسى بن عقبة ( ت ١٤١ هـ ) ومعمربن راشد ( ت ١٥٠ هـ ) ، وغيرهم ممن عاصروا تلك الحقبة الزمنية أو بعدها بقليل ، امثال محمد بن سعد ( ت ٢٣٠ هـ ) ، وابن هشام ( ت ٢٣٠ هـ ).

ولعل التأمل اليسير في مجمل اسماء المؤرخين وزمن كتابتهم للتأريخ يبين بوضوح ان أُسس التأريخ المعروف لدينا الآن قد بُنيت ابان الحكمين : الاموي ـ المغتصب للخلافة الشرعية برائده معاوية بن أبي سفيان ـ والعباسي ـ المتاجر بشعار آل محمد ـ ولا يخفى على ذي لب فطن ما دأب عليه رجال وساسة الدولتين من محاولات متكررة لاضفاء هالة الشرعية والقدسية على حكميهما مع دفع اصحاب الحق الشرعيين عن مناصبهم التي رتبها الله تعالى لهم.

ولعله من الطبيعي ان يعمد النظامان واتباعهما إلى تشذيب كل الاصول التأريخية التي قد لاتتوافق مع الخط الذي تنتهجه الدولتان ، أو تسخير الاقلام لأن تتوافق في مساراتها والتي تتناغم مع التوجهات غير المشروعة لرواد هاتين الدولتين.

ان المرور العابر لا التأمل المتدبر يكشف بوضوح ضعف الأُصول التأريخية التي وصلت إلى العصور اللاحقة لتلك الازمنة ، واسفاف هذه الموسوعات في التحدث عن حياة الملوك ومجالس مجونهم ودقائق اُمورهم ، واعراضها المقصود عن اهم القضايا العقائدية التي ابتنى عليها الدين الاسلامي الحنيف.

ومن المؤلم أن يلجأ الكثير من المؤرخين إلى اعتماد ما يصل اليهم من النصوص التاريخية دون اخضاعها للنقد والمناقشة ، بل والانكى من ذلك أن تجد منهم من يتنصل من تبعه ما يورده من وقائع واحداث وما ستتلقفه الاجيال اللاحقة به وكانها حقائق مسلمة لأنها وردت في مرجع مهم من مراجع

٧

التأريخ ، كما ادعى ذلك الطبري في مقدمة كتابه الشهير بتأريخ الامم والملوك ، حيث قال : « فما يكن في كتابي هذا من خبرذكرناه عن بعض الماضين ، مما يستنكره قارئه ، أو يستشنعه سامعه .... ، فليعلم انه لم يؤت في ذلك من قبلنا ، وانما اتى في بعض ناقليه إلينا ، وانّا انما ادينا ذلك على نحو ما أُدي إلينا »!!.

ولا ادري اي الاخبار يتنصل من تبعتها الطبري ـ الذي يُعد مرجعاً للمؤرخين عند الاختلاف ، كما يذكر ذلك سلفه ابن الاثير ـ أهي اخبار سيف ابن عمر الاسدي الذي اصر على نقل اخباره رغم ما اتفق عليه الجميع من الطعن به والتشهير بمذهبه (١) ، أم هي الروايات المتناقضة التي يرويها لواقعة واحدة كما هو معروف عنه ، ام تسرب الاسرائيليات من الاخبار إلى متن كتابه وطعن المؤرخين بذلك كما في قصة خلق الشمس والقمروغيرها ، ام شيء آخر؟

نعم هذا ماحصل ، والاعظم من ذلك ان يُعد ذلك تأريخاً ، ويجتر المؤرخون ما جاء به اسلافهم لتصبح تلك الترهات حقائق تُبنى عليها جملة واسعة من التصورات والمعتقدات ، ويختلط السليم بالسقيم.

قال ابن الاثير في سرده لكيفية كتابة تأريخه ( ١ : ٣ ) : « فابتدأت بالتأريخ الكبير الذي صنَّفه الامام ابوجعفر الطبري ، اذ هو الكتاب المعول عند الكافة عليه ، والمرجوع عند الاختلاف اليه ، فأخذت ما فيه من جميع تراجمه ، لم اخل بترجمة واحدة منها ».

ــــــــــــــــــ

(١) قال ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال مرة : فليس خير منه ، وقال أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال أبو داود : ليس بشيء ، وقال النسائي والدار قطني ضعيف ، وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة ، وقال ابن حبان : يرويَ الموضرعات عن الأثبات ، قال : وقالوا : إنه كان يضع الحديث وأتهم بالزندقة ، وقال البرقاني : متروك ، وقال الحاكم : أتهم بالزندقهّ ، وهو في الرواية ساقط.

٨

وهكذا دواليك ، وما ذاك بمستبعد ولا بمستغرب ، فان في هذا الامرما يوافق هوى الحكومات المتلاحقة ، والتي حاولت جاهدة أن ترسم خطوط التأريخ بعيداً عن مرتكزاته الاساسية والتي تشكل النقيض المضاد لوجودهم اللقيط ، والخطر الاكبر امام احلامهم السقيمة.

ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرحل عن هذه الدنيا حتى بيّن للامة سبيل نجاتها ، ومرتكز عقائدها ، والسبيل القويم الذي ترتبط به كل الابعاد وان تنافرت.

نعم ان الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ورغم ما جهدت اقلام المستأجرين وسيوف اسيادهم الظالمين من العمل على تجاهلهم ، رغم أن ذلك يخالف ما اقروه في صحاحهم من افضليتهم وعلو شأنهم ـ هم بلاشك قطب الرحى ، ومركز حركة التأريخ ، والمرجع القويم في فهم كل ما يحيط بهم من أحداث ، اسوة بجدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما هذا التخبط والضياع إلاّ ثمرة واضحة لقلب موازين الحقائق والعدو خلف السراب.

ولكن ورغم كل ما احاط عملية كتابه التأريخ من كذب وتزوير وقهر وتنكيل ، فان هذا لم يمنع من ان يعمد البعض إلى اعتماد المنهج العلمي الرصين في كتابة التأريخ ، وان ترث منهم الاجيال اللاحقة صفحات بيضاء ناصعة لا تشوبها ادران التعصب ولا التحزب.

ولعل كتاب الارشاد لشيخنا المفيد رحمه‌الله نموذج حي ـ مع غيره من النماذج القديرة لرجالات الشيعة الافذاذ ـ في رسم صورة التعامل العلمي والصحيح مع التأريخ باعتماد المنهج العقائدي الذي اختطه لامته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولاغرابة في ذلك ، فالشيخ المفيد يعد باتفاق الموالف والمخالف شيخ اساتذة الكلام ، وصاحب الأراء المجددة ، في وقت شهد فيها العالم الاسلامي

٩

فترة تعد من ابرز الفترات التأريخية وادقها ، حيث انسحب ظل الدولة العباسية عن معظم بقاع الوطن الاسلامي ، ولم يبق للخليفة العباسي آنذاك إلا بغداد واعمالها ، والتي كانت للبويهيين السيطرة التامة عليها ، حيث فسحوا المجال امام الحرياتَ المذهبية والمقالات الدينية ، فاحتدم الصراع الفكريَ بين رجال المذاهب بشكل ليس له مثيل ، حيث كان على اشده بين الاشاعرة والمعتزلة ، وكان لكل منهم زعماء كلاميون وعلماء مفكرون ، وكانت الشيعة تؤلف القوة الثالثة التي يتزعمها عمها الشيخ المفيد رحمه‌الله ، والذي استطاع ـ ومن خلال براعته في صناعة الكلام ، وقوة حجيته ، وقدرته الكبيرة على الاحاطة بالكثير من العلوم المختلفة ـ أن ينفد ويضعف آراء الفريقين ، ويثبت بطلانها.

كما ان الشيخ رحمه‌الله يعد من اوائل الذين لم يتوقفوا على حرفية النصوص والاحاديث ، بل بالاعتماد على منطق الفكر المجرد والحر المبتني على عقائد رصينة وقوية ، ويشير إلى ذلك بوضوح قوله في شرحه لعقائد الصدوق رحمه‌الله في باب النفوس والارواح : « لكن اصحابنا المتعلقين بالاخبار اصحاب سلامة ، وبعد ذهن ، وقلة فطنة ، يمرون على وجوههم فيما يسمعون من الاحاديث ، ولا ينظرون في سندها ، ولا يفرقون بين حقها وباطلها ، ولا يفهمون ما يدخل عليهم في اثباتها ولا يحصّلون معاني ما يطلقون منها ».

ومن هنا فلا يسع المرء وهو يتأمل ويطالع صفحات كتاب الارشاد للشيخ المفيد رحمه‌الله إلا أن ترتسم في مخيلته جوانب من الابعاد الرائعة لذهنية مؤلفه ، وجهده في اخراج صورة تمثل البناء الاساسي الرصين لما يسمى بعلم التأريخ ، رحم الله الشيخ المفيد ، واسكنه في فسيح جناته.

١٠

منهجية التحقيق :

لا يخفى على احد مدى الاهمية البالغة التي يحظى بها كتاب الارشاد لشيخنا المفيد رحمه‌الله ، وما يتميز به من كونه مصدراً مهماً ومرجعاً معتمداً في بابه.

ومن هنا فقد راودت اذهان العاملين في المؤسسة فكرة الاقدام على تحقيق هذا الاثر المهم والتراث الرائع ووضعه في مكانه اللائق به أسوة بغيره من الكتب المهمة التي قامت بتحقيقها ونشرها.

ولما يتمتع به الكتاب من اهمية كبيرة فقد حرصت المؤسسة ـ وكعادتها دائماً عند شروعها باي عمل تحقيقي ـ على استحصال جملة من النسخ المخطوطة له ، وبمواصفات خاصة ، وان تكون قريبة من عصر المؤلف قدر الامكان.

وقد تفضل مشكوراً سماحة العلامة المحقق حجة الاسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الطباطبائي مشكوراً بتزويد المؤسسة بعناوين جملة من المخطوطات القيمة والمهمة ، والتي تتمتع بمواصفات كثيرة ، اهمها مقابلتها على نسخة منقولة من نسخة مقروءة على الشيخ رحمه‌الله ، كما أثبت ذلك في موارد متعددة منها.

والنسخ المخطوطة التي تم الاعتماد عليها في مقابلة الكتاب هي ثلاث نسخ :

١ ـ النسخة المحفوظة ، في مكتبة آية الله العظمى السيد المرعشي العامة في قم برقم ١١٤٤ ، وقع الفراغ من نسخها يوم الجمعة لاربع عشر بقين من شوال سنة خمس وستين وخمسمائة.

وبهامشها كتب : قابلت نسختي هذه بنسخة مولانا الامام الاجل الكبير العالم العابد السيد ضياء الدين تاج الاسلام ذي الجلالتين علم ابي الرضا

١١

فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني الراوندي ادام الله ظله ، وتمت المقابلة ليلة الأحد سلخ ربيع الأول سنة ٥٦٦ هجرية.

وهي نسخة معربة وسليمة ، رمزنا لها بالحرف « ش ».

٢ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الاسلامي برقم ١٣١١٢ ، فرغ من نسخها يوم الجمعة الرابع عشر من محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة.

وفي هامشها كتب : قوبل وصحح بنسخة مولانا الامام ضياء الدين قدس الله روحه. وهي كسابقتها نسخة واضحة ومعربة ، رمزنا لها بالحرف « ش ».

٣ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة السيد حسين الشيرازي ، زودنا بمصورتها سماحهّ السيد الطباطبائي ، يعود تأريخ نسخها إلى القرن السابع أو الثامن ، رمزنا بها بالحرف « ح ».

كما استعنا بنسخة اخرى محفوظة في المكتبة الوطنية في طهران ، راجعنا عليها سند الكتاب ومقدمته ، وقد رمزنا لها بالحرف « ق ».

وما ان اكتملت النسخ لدى المؤسسة حتى اوكلت إلى جملة من اللجان المختصة مسؤولية الشروع بهذا العمل ، ووفقاً لمنهجية التحقيق المشترك المتبعة في المؤسسة ، وهي :

١ ـ لجنة المقابلة : وتتحدد مسؤوليتها في ضبط الاختلافات الموجودة بين مجموعة النسخ والاصل المطبوع ، وقد كُلف بهذا العمل كل من الاخوة الافاضل : الحاج عز الدين عبد الملك والاخ محمد عبد علي محمد والاخ محمد حسين الجبوري.

٢ ـ لجنة التخريج : ولما كان الكتاب من الاصول القديمة المعتبرة ، فقد روعيت عند تخريج رواياته واحاديثه الدقة في اختيار المصادر والتي تكون قبل َ عصر المؤلف أو قريبة منه.

١٢

واما ما أُثبت من مصادر بعد عصر المؤلف فلم يكن الغرض منها إلا إعضاد النسخ الخطية.

وقد انيطت مسؤولية هذه اللجنة بسماحة حجة الاسلام الشيخ محمد الرسولي وحجة الاسلام السيد مصطفى الحيدري.

٣ ـ لجنة كتابة الهوامش : وعملها صياغة الهوامش الخاصة بالتخريجات والتعليقات والتصحيحات وكتابتها ، وانيط عمل هذه اللجنة بالاخ مشتاق المظفر.

٤ ـ لجنة تقويم النص : وتقع عليها مسؤولية حسم الاختلافات الواردة بين النسخ واختيار الصواب ، وشرح المفردات اللغوية ، وكل الاعمال المؤدية إلى ضبط النص ، وقد أنيطت مسؤولية هذه اللجنة بالاخ المحقق الفاضل اسد مولوي.

٥ ـ لجنة المراجعة النهائية : ويعتبرعملها الحلقة النهائية من اعمال تحقيق الكتاب ، وتقع على عاتقها مسؤولية مراجعة الكتاب من كافة جوانبه قبل ارساله إلى الطبع ، وقد أنيطت مسؤولية هذه اللجنة بالاخ المحقق الفاضل كاظم الجواهري.

٦ ـ وانيطت مسؤولية الاشراف على تحقيق هذا الكتاب والتحققَ من تثبيت اللمسات الاخيرة له ومتابعة اعمال لجانه المختلفة على عاتق الاخ المحقق الفاضل علاء آل جعفر مسؤول لجنة مصادر « بحار الأنوار » في المؤسسة.

وقد تفضّل مشكوراً كلّ من أصحاب السماحة حجّة الإسلام المحقّق السيّد محمد الشبيري بمراجعة متن الكتاب ، وسماحة حجّة الإسلام السيّد محمد جواد الشبيري مراجعة سنده ، وإعادة النظر في جميع مراحل العمل.

١٣

فقوبل الكتاب مرّة اُخرى على نسختي « ش » و « م » وإثبات الاختلافات السندية الموجودة في النسختين في الهامش ، بينما اقتُصِرَ في متن الكتاب على الاختلافات المهمّة ، وقد استعين في هذه المرحلة بنسخة « ق » في سند الكتاب ومقدّمته ، ونسخة « ح » في موارد الاختلاف بين النسختين.

وبذلا جهداً مشكوراً في الرجوع إلى المصادر وتعيين الصحيح من السّقيم وإضافة تعاليق قيّمة وتحقيقات رجاليّة وغيرها ، فللّه دَرّهما وعليه أجرهما.

علماً بأنّ من خواص نسخة « ش » أنّها نسخة منقولة ممّا قُرئ على الشيخ كما هو الظاهر من هوامش ج ١ / ٣٤ و ٨٥ و ٢٦٠ ، ج ٢ / ٧٧ و ٨٩ و ١٦٠ ، والمصرّح به في ج ١ / ١٢٩.

ولذا كانت هذه النسخة مورد اعتمادنا أولاً ومن ثمّ نسخة « م » التي يتفق متنها غالباً مع هامش نسخة « ش » ، ومن ثمّ سائر النسخ الأُخرى.

وختاماً لا يفوتنا إلّا أن نتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر لسماحة العلاّمة المحقّق حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد رضا الجعفري الذي راجع الكتاب وأبدى ملاحظاته القيّمة ، ولكلّ من آزرنا في إخراج هذا الجهد.

والحمد لله وحده ،

وصلى الله على محمّد وآله وسلّم

مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

١٤

١٥

١٦