الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

فاستدرك رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ما كاد يَفوت من صواب التدبير ، بتهجّم سعد وإقدامه على أهل مكة ، وعَلِمَ أن الأنصارَ لا تَرضى أن يَأخُذَ أحدٌ من الناس من سيدها سعدٍ الراية ، ويَعْزلَه عن ذلك اَلمقام ، إلاّ مَنْ كان في مثل حال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من جَلالة القدر ، ورفيع المكان ، وفَرْضِ الطاعة ، ومن لا يَشيِنُ سَعْدَاَّ الأنصراف به عن تلك الولاية.

ولوكان بحَضرة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من يَصْلَحُ لذلك سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام لعَدَلَ بالأمر إليه ، وكان مذكوراً هناك بالصَلاح لمثل ما قام به أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ، وإذا كانت الأحكامُ إنّما تجب بالأفعالِ الواقعة ، وكان ما فعله النبيُ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمير المؤمنين عليه‌السلام من التعظيم والإجلال ، والتأهيل لمِا أهَّلَه له من إصلاح الأُمور ، واستدراكِ ما كان يَفوُت بعمل غيره على ما ذكرناه ، وجب القضاءُ في هذه المنقبة بما يَبينُ بها ممّن سواه ، ويَفْضُلُ بشرفها على كافّة من عداه (١).

فصل

ومن ذلك ما أجمع عليه أهلُ السير (٢) : أنّ النبيَ صلى‌الله‌عليه‌وآله

ــــــــــــــــــ

(١) انظر مغازي الواقدي ٢ : ٨٢٢ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٤٩ ، تاريخ الطبري ٣ : ٥٦ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٧ : ٢٧٢.

(٢) في « م » وهامش « ش » : السيرة.

٦١

بعث خالِد بن الوليد إلى أهل اليَمَن يَدْعوهم إلى الإسلام ، وأنفذ معه جماعةٌ من المسلمين فيهم البَراء بن عازِب رحمه‌الله فاقام خالد على القوم ستّةَ أشْهُريَدْعُوهم ، فلم يُجبْه أحدٌ منهم ، فساء ذلك رسولَ صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا أميرَ المؤمنين علَي بن أبي طالب عليه‌السلام وأمَرَهُ أن يُقْفِلَ (١) خالداً ومن معه. وقال له : « إن أراد أحدٌ ممن مع خالد أن يُعقِّبَ معك فاتْرُكْه ».

قال البراء : فكنتُ فيمن عَقَّبَ معه ، فلمّا انتهينا إلى أوائل أهل اليمن ، بَلَغَ القوم الخبرُفتجمّعوا له ، فصلّى بنا عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام الفجرَ ثمّ تقدّم بين أيدينا ، فحَمِد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قرأ على القوم كتابَ رسولِ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأسلمت هَمْدان كلُّها في يومٍ واحد ، ( وكتب بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ) (٢) فلمّا قَرَأ كتابَه استبشر وابتهج ، وخَرَّ ساجداً شكراً للّه عزّ وجلّ ثمّ رَفَعَ رأسَه فجلس وقال : « السلامُ على هَمْدان السلام على هَمْدان » وتتابع بعد إسلام هَمْدان أهلُ اليمن على الإسلام (٣).

وهذه أيضاً منقبة لأميرالمؤمنين عليه‌السلام ليس لأحد من الصحابة مثلها ولا مقاربُها ، وذلك أنّه لمّا وَقَفَ الأمر فيما بُعِث له خالد وخيف الفسادُ به ، لم يوُجَدْ من يَتَلافى ذلك سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام فَنُدِبَ له فقام به أحسنُ قيام ، وجرَى على عادة اللّه عنده في التوفيق لما

ــــــــــــــــــ

(١) القفول : الرجوع من السفر. « الصحاح ـ قفل ـ ٥ : ١٨٠٣ ».

(٢) في هامش « ش » و « م » : ( وكتب أمير المؤمنين عليه‌السلام بذلك كتاباً الى رسول الله ).

(٣) اُنظر صحيح البخاري ٥ : ٢٠٦ ، دلائل النبوة ٥ : ٣٩٦ ، تاريخ الطبري ٣ : ١٣١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٠٠ ، دخائر العقبى : ١٠٩.

٦٢

يلائم إيثارَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان بيمنه ورِفقه وحُسن تدبيره ، وخلوصِ نيّته في طاعة الله. هدايةُ من اهتدى بهداه (١) من الناس ، واجابةُ من أجاب إِلى الإسلام ، وعِمارةُ الدين ، وقوّةُ الإيمان ، وبلوغُ النبي صلّى الئهُ عليهِ والهِ ممّا آثره ( من المراد ) (٢) وانتظام الأمر فيه على ما قَرّت به عينُه ، وظَهَرَ استبشارهُ به وسرورُه بتمامه لكافّة أهل الإسلام.

وقد ثبت أنّ الطاعة تتعاظم بتعاظم النفع بها ، كما تَعْظُم المعصية بتعاظم الضرر بها ، ولذلك صارت الأنبياءُ عليهم‌السلام أعظمُ الخلق ثواباً ، لتعاظم النفع بدعوتهم على سائر المنافع بأعمال من سواهم.

فصل

ومثلُ ذلك ما كان في يوم خَيْبَرمن انهزام من انهزم ، وقد أُهّل لجليل المَقام بحمل الراية ، فكان بانهزامه من الفَساد ما لا خفاء به على الألبّاء ، ثمّ أعْطَى صاحبَه الرايةَ بعده ، فكان من انهزامه مثلُ الذي سَلَفَ من الأوّل ، وخيفَ في (٣) ذلك على الإسلام وشأنَهُ ما كان من الرجلين في الانهزام ، فاكبر ذلك رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأظْهَرَ

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » : بهديه.

(٢) في هامش « ش » و « م » : المراد.

(٣) في « م » : من.

٦٣

النكيرَله والمساءةَ به ، ثمّ قال مُعلناً : « لأعطِينّ الرايةَ غداً رجلاً يُحِبُّه الله ورسولُه ، ويحِبّ اللّه ورسولَه ، كَرّاراً غيرَ فرّار ، لا يرجِع حتى يَفْتَحَ اللّه على يديه ».

فأعطاها أميرَ المؤمنين عليه‌السلام فكان الفتحُ على يديه (١).

ودلَّ فحوى كلامِه عليه‌السلام على خروج الفرّارين من الصفة التي أوجبها لأمير المؤمنين عليه‌السلام كما خرجا بالفرار من صفة الكَرّ والثبوتِ للقتال ، وفي تلافي أمير المؤمنين عليه‌السلام بخَيبرَما فَرَطَ من غيره ، دليل على توحُّده من الفضل فيه بما لم يَشْرَكْه فيه مَنْ عداه.

وفي ذلك يقول حَسّانُ بن ثابت الأنصارِيّ :

وكان عليُّ أرْمَدَ العَيْنِ يَبْتَغي

دَواءً فلمّا لَمْ يُحس مُداوِيا

شَفاهُ رسولُ الله منه بتُفلةٍ

فبورك مَرِقياً وبورك راقِيا

وقال سأعْطِي الراية اليومَ صارما

كَمِيّاً (٢) مُحِباً للإله مُواليا

يُحِبّ إلهي والإله يُحبُّه

به يَفْتَحُ الله الحُصُونَ الأوابِيا (٣)

فأصْفى بها دونَ البَربّة كلَّها

عَلِيّاً وسمّاهُ الوَزيرَ المُواخِيا


ــــــــــــــــــ

(١) انظر ـ على سبيل المثال لا الحصر : الطبقات الكبرى ٢ : ١١٠ ، صحيح البخاري ٥ : ١٧١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٤٤١ ، مسند أحمد ٤ : ٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٨ ، دلائل النبوة ٤ : ٢٠٥ ـ ٢١٣ ، تاريخ ابن عساكر ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ١ : ١٧٤ ـ ٢٤٧ ، البداية والنهاية ٤ : ١٨٥ ـ ١٨٨ ، مناقب ابن المغازلي : ١٧٦ ـ ١٨٩.

(٢) الكَمِيّ : الشجاع. « الصحاح ـ كمي ـ ٦ : ٢٤٧٧ ».

(٣) الأوابي : التي تأبى وتمتنع من العدو.

٦٤

فصل

ومثلُ ذلك ـ أيضاً ـ ما جاء في قِصّة البراءة (١) وقد دَفَعها النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أبي بكر لينْبذَ بها عَهْدَ المشركين ، فلمّا سار غيربعيدِ نَزَل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : إنّ الله يقُرِئُك السلام ، ويقولُ لك : لا يُؤدِّي عنك إلاّّ أنت أو رجلٌ منك. فاستدعى رسولُ الله صلّى اللة عليه وآله عليّاً عليه‌السلام وقال له : « ارْكَبْ ناقتي العَضْباء والْحَقْ أبا بكر فخُذْ براءة من يده ، وامضِ بها إلى مكة ، فانْبِذْ عهدَ المشركين إليهم ، وخَيّرأبا بكر بينَ أن يَسيرمع رِكابك ، أو يَرْجِعَ إليّ ».

فرَكِب أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ناقَةَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العَضْباء ، وسارحتّى لَحِقَ أبا بكر ، فلمّا رآه فَزِغَ من لحوقه به ، واستقبله وقال : فيمَ جئتَ يا أبا الحسن؟ أسائرٌ معي أنت ، أم لغير ذلك؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ رسولَ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمَرَني أن ألْحَقَك فاقْبضَ منك الآياتِ من براءة ، وأنْبِذَ بها عهدَ المشركين إليهم ، وأمَرَني أَن أخَيِّرك بين أن تَسير معي ، أو تَرْجِع إليه ».

فقال : بل أرجعُ إليه ، وعاد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما دَخَلَ عليه قال : يا رسول اللّه ، إنّك أهّلْتَني لأمرٍ طالت الأعناقُ فيه

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » و « ش » : براءة ، وما اثبتناه من « ح ».

٦٥

إليّ ، فلما توجّهتُ له رددتَني عنه ، ما لي ، أنزل فيّ قرآنٌ؟.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ، ولكنَّ الأمينُ هَبَطَ إليّ عن اللّه جلّ جلاله بأنّه لا يُؤَدّي عنكَ إلاّ أنتَ أو رجلٌ منك ، وعليٌّ منّي ، ولايؤَدّي عَنّي إلاّ عليّ » في حديث مشهور (١).

فكان نَبْذُ العهد مختصّاً بمن عَقَدَه ، أو بمن يَقوم مقامَه في فرض الطاعة ، وجلالةِ القدر ، وعُلوِّ الرتبة ، وشرفِ المقام ، ومن لا يُرتابُ بفعاله ، ولا يُعْتَرَضُ في مَقاله ، ومن هو كنفس العاقد ، وأمرُه أمره ، فإذا حكم بحكم مَضى واستقر به ، وأمِنَ الاعتراضُ فيه. وكان بنبذ العهد قوّةُ الإسلام ، وكمالُ الدين ، وصلاحُ أمر المسلمين ، وتمام فتح مكّة ، واتّساق أحوال الصلاح ، فأحبّ اللّه تعالى أن يَجْعَلَ ذلك على يد من ينوه اسمه ، ويُعْلِي ذكرَه ، ويُنَبّه على فضله ، ويَدُلّ على علوّ قدره ، ويبُيِنُه به ممّن سواه ، فكان ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

( ولم يكن ) (٢) لأحد من القوم فضلٌ يقاربُ الفضلَ الذي وصفناه ، ولا شَرِكَه فيه أحدٌ منهم على ما بيّناه.

وأمثالُ ما عددناه كثيرٌ ، إن عَمِلنا على إيراده طال به الكتاب ، واتسع به الخطاب ، وفيما أثبتناه منه في الغرض الذي قصدناه كفايةٌ لذوي الألباب.

ــــــــــــــــــ

(١) انظر ـ على سبيل المثال لا الحصر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٧٦ ، سيرة ابن هشام ٤ : ١٩٠ ، مسند أحمد ١ : ٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥١ ، جامع البيان للطبري ١٠ : ٤٦ ، الدر المنثور ٣ : ٢٠٩ ، تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ : ٣٧٦ ـ ٣٩٠ ، كنز العمال ٢ : ٤١٧.

(٢) في « م » وهامش « ش » : لم يك.

٦٦

فصل

فأمّا الجهاد الذي ثَبتت به قواعدُ الإسلام ، واستقرّت بثبوتها شرائعُ الملّة والأحكام ، فقد تَخَصَّصَ منه أميرالمؤمنين عليه‌السلام بما اشتهر ذكره في الأنام ، واستفاض الخبرُ بهُ بين الخاصّ والعامّ ، ولم تختلفْ فيه العلماء ، ولا تَنازَعُ في صحّته الفُهَماء ، ولا شَكّ فيه إلاّ غُفْل لم يَتَامَّل الأخبارَ ، ولا دَفَعَه ممّن نظر في الآثار ، إلاّ معاندٌ بَهات لا يَستحيي من العار.

فمن ذلك ما كان منه عليه‌السلام في غَزاة بدر المذكورة في القرآن ، وهي أوّلُ حرب كان بها الامتحانُ ، وملأت رَهْبَتُها صدورَ المعدودين من المسلمين في الشجعان ، وراموا التاخّرَ عنها لخوفهم منها وكَراهتهم لها ، على ما جاء به مُحكم الذِكر في التبيان ، حيثُ يقول ـ جلّ جلاله ـ فيما قصّ به من نبأهم (١) على الشرح والبيان ( كَمَا اَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ باِلحَقِّ وَاِنَّ فَريقأ مِنَ اْلمؤمِنينَ لَكَارِهُونَ *يُجَادِلُونَكَ في الحق بَعْدَ مَا تَبَينِّ كَاَنَّمَا يُسَاقوُنَ اِلَى المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) (٢) في الآي المتصلة بذلك الى قوله تعالى : ( وَلاَ تَكَوُنوا كَآلَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ ألنّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ أللّه وَأللّه بمَا يَعْمَلوُنَ محيطٌ ) (٣) إِلى آخر

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » و « ح » وهامش « ش » : نياتهم.

(٢) الأنفال ٨ : ٥ ـ ٦.

(٣) الأنفال ٨ : ٤٧.

٦٧

السورة. فإنّ الخبرَعن أحوالهم فيها يتلُو بعضه بعضاً ، وإن اختلفت ألفاظُه واتّفقت معانيه.

وكان من جملة خبر هذه الغزاة ، أنّ المشركين حضروا بدراً مُصرِّين على القتال ، مُستظهِرين فيه بكثرة الأموال ، والعَدَد والعُدّة والرجال ، والمسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم هناك ، حضرتْه طوائفٌ منهم بغير اختيار ، وشَهِدَتْه على الكُرْه منها له والاضطرار ، فتحدَّتْهم قريش بالبِراز ودَعَتْهم إلى المُصافّة والنِزال (١) ، واقترحَتْ في اللقاء منهم الأكفاء ، وتطاولت الأنصارُ لمبارَزَتهم فمنعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ، وقال لهم : « إنّ القومَ دَعَوْا الأكفاء منهم » ثمّ أمر علياً أميرَ المؤمنين عليه‌السلام بالبرُوز إليهم ، ودعا حمزةَ بن عبد المطّلب وعُبَيْدَة بن الحارث ـ رضي اللّه عنهما ـ أن يَبْرُزا معه.

فلمّا اصطفُّوا لهم لم يُثْبِتهم (٢) القوم ، لأنهم كانوا قد تَغَفروا (٣) فسألوهم : من أنتم ، فانْتَسَبوا لهم ، فقالوا : أكْفاءٌ كِرامٌ. ونَشِبَتْ الحربُ بينهم ، وبارز الوَليدُ أميرَ المؤمنين عليه‌السلام فلم يُلَبِّثه (٤) حتّى قتله ، وبارَزَ عُتْبَةُ حمزةَ رضي‌الله‌عنه فقتله حمزة ، وبارز شَيبةُ عُبَيدةَ رحمه‌الله فاختلفت بينهما ضربتان ، قَطَعت إحداهما فخِذَ عُبَيدة ، فاستنقذه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام بضربة بَدَر بها شَيْبَة فقتله ،

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » : والقتال.

(٢) في « ح » : يتبينهم.

(٣) تغفّروا : أي لبسوا المغافر ، والمِغفر : زَرَد ينسج من الدرع على قدر الرأس ، يلبس تحت القلنسوة : « الصحاح ـ غفر ـ ٢ : ٧٧١ ».

(٤) في « ش » و « م » : يُلبثه.

٦٨

وشرَكَه في ذلك حَمْزَة ـ رضوان اللّه عليه ـ فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وَهْن لَحِق المشركين ، وذُلٍّ دَخَل عليهم ، ورَهْبةٍ اعتراهم بها الرعْب من المسلمين ، وظَهَر بذلك أماراتُ نصر المسلمين.

ثمّ بارز أميرُ المؤمنين عليه‌السلام العاصَ بن سعيد بن العاص ، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يُلَبّثه أن قتله. وبَرَز إليه حَنْظَلةُ ابنُ أبي سفيان فقتله ، وبَرَز بعده طُعيْمَةَ بن عَدِيّ فقتله ، وقتل بعده نَوْفَلَ بنَ خُوَيْلِد ـ وكان من شياطين قريش ـ ولم يزل عليه‌السلام يقتل واحداً منهم بعد واحد ، حتى أتى على شَطْر المقتولين منهم ، وكانوا سبعين قتيلاً (١) تولّى كافّة من حَضَرَ بدراً من المؤمنين مع ثلاثة آلافٍ من الملائكة المسوّمين قتلَ الشَطْر منهم ، وتولّى أمير المؤمنين قتلَ الشَطْر الآخر وحده ، بمعونة اللة له وتوفيقه وتاييده ونصره ، وكان الفتحُ له بذلك وعلى يديه ، وختم الأمر بمناوَلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّاً من الحَصى (٢) ، فرمى بها في وجوههم وقال : « شاهَت الوجوه » فلم يبقَ أحدٌ منهم إلاّ ولّى الدُبر لذلك منهزمأ ، وكفى الله المؤمنين القتال بامير المؤمنين عليه‌السلام وشُرَكائه في نُصرْة الدين من خاصّة ( آل الرسول ) (٣) ـ عليه وآله السلام ـ ومن أيّدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال اللّه عزّ وجلّ : ( وكفى اللّه المؤْمِنينَ الْقِتَالَ وكَانَ أللّه قَوِيّاً عَزيزاً ) (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : رجلاً.

(٢) في هامش « ش » و « م » : الحصباء.

(٣) في هامش « ش » و « م » : الرسول.

(٤) الأحزا ب ٣٣ : ٢٥.

٦٩

فصل

وقد أثبت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماءَ الذين تَولّى أميرُالمؤمنين عليه‌السلام قَتْلَهم ببدر من المشركين ، على اتّفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح ، فكان ممّن سمّوه :

الوَليدُ بن عُتْبة ـ كما قدّمناه ـ وكان شجاعاً جَريئاً فاتكاً وقّاحاً ، تَهابُه الرجال.

والعاصُ بن سعيد ، وكان هَوْلاً عظيماً تَهابهُ الأبطال. وهو الذي حادَ عنه عُمَر بن الخطّاب ، وقصّته فيما ذكرناه مشهورة ، ونحن نُثبتها (١) فيما نورده بعد إن شاء الله (٢).

وطُعَيْمةُ بن عَدِيّ بن نَوْفَل ، وكان من رؤوس أهل الضلال.

ونوفَلُ بن خُوَيلِد ، وكان من أشدّ المشركين عَداوةً لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكانت قريش تُقدّمه وتُعَظّمه وتُطيعه ، وهو الذي قَرَن أبا بكر بطلْحة ـ قبل الهجرة بمكّة ـ وأوثَقَهما بحَبْل وعذّبهما يوماً إلى الليل حتّى سُئِلَ في أمرهما (٣). ولمّا عَرَفَ رسولُ اللة صلى‌الله‌عليه‌وآله حضوره بدراً ، سال اللّه عزّ وجلّ ان يكفيه أمره فقال : « اللّهمّ اكفِني نَوْفَل بن خُويلِد »

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » : نبيّنها.

(٢) يأتي في ص ٤١ و ٤٢.

(٣) اُنظر تفاصيل هذه القضية والردود عليها ، في الصحيح من سيرة النبي الأعظم ٢ : ٥٤ ـ ٥٧ ، للسيد جعفر مرتضى العاملي.

٧٠

فقتله أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وزَمْعَةُ بن الأسْوَد.

والحارِثُ بن زَمْعَة.

والنَضْرُ بن الحارث بن عَبْد الدار.

وعُميرُبن عُثمان بن كَعبْ بن تَيْم ، عمّ طَلْحة بن عُبَيداللّه.

وعُثمانُ ، ومالكُ ابنا عُبَيداللّه ، أخوا طَلْحة بن عُبَيداللّه.

ومسعود بن أبي أمَيّة بن المُغِيرة.

وقَيْسُ بن الفاكِه بن المُغِيرة.

وحُذَيْفَةُ بن أبي حذيفة بن المُغِيْرة.

وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة.

وحَنْظَلَة بن أبي سُفيان.

وعَمْروُ بن مَخزوم.

وأبو المُنذِر بن أبي رِفاعَة.

ومُنَبّهُ بن الحَجّاج السَهِميّ.

والعاصُ (١) بن مُنَبِّه.

وعَلقْمَةُ بن كَلَدَة.

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » و « ش » : العاصي وما في المتن من نسخة « ح » وهو الصحيح كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام ٢ : ٣٧١ ، والمغازي للواقدي ١ : ١٥٢ ، والكامل لابن الاثير ٢ : ٧٤.

٧١

وأبو العاصِ بن قيسْ بن عَدِيّ.

ومعاوية بن المُغِيرة بن أبي العاص.

ولُوْذانُ بن رَبيعة.

وعبدُاللّه بن المنذر بن أبي رِفاعة.

ومسعودَ بن أمَيّة بن المُغِيرة.

وحاجِبُ بن السائب بن عويمر.

وأوسُ بن المُغَيرة بن لُوْذان.

وزيدُ بن ملَيص.

وعاصمُ بن أبي عَوْف.

وسعيدُ بن وَهْب ، حليف بني عامر.

ومعاويةُ بن عامر بن عبد القَيس.

وعبدُالله بن جَميل بن زُهَيْر بن الحارث بن أسَد.

والسائبُ بن مالك.

وأبو الحَكَم بن الأخْنَس.

وهِشامُ بن أبي اُمَيّة بن المُغِيرة.

فذلك خمسة وثلاثون رجلاً (١) ، سوى من اخْتُلِف فيه ، أو شَرِك أمير المؤمنين عليه‌السلام فيه غيره ، وهم أكثر من شَطْر المقتولين

ــــــــــــــــــ

(١) في اسماء بعض المقتولين خلاف في كتب السيرة كما في قيس بن الفاكه ففيها أبو قيس.

٧٢

ببدر ، على ما قدّمناه.

فصل

فمن مختصر الأخبار التي جاءت بشرح ما أثبتناه ، ما رواه شُعْبةَ ، عن أبي إسحاق ، عن حارث بن مضَرّب قال : سمعت عليَّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : « لقد حضرنا بدراً وما فينا فارسٌ غير المِقْدَاد بن الأسود ، ولقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ وما فينا إلاّ من نام ، غير رَسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه كان مُنْتَصِباً في أصل شجرةٍ يُصلّي ويَدْعُوحتّى الصباح » (١).

وروى عليّ بن هاشم ، عن محمّد بن عُبَيد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جدّه أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال : لمّا أصبح الناسُ يومَ بدر ، اصطفّتْ قريش أمامَها عُتْبَة بن رَبيعة وأخوه شَيْبة وابنهً الوَليد ، فنادى عُتْبَةُ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد ، أخْرِجْ إلينا اكفاءَنا من قريش. فَبَدر (١) إليهم ثلاثةٌ من شُبّان الأنصار فقال لهم عُتْبَة : من أنتم؟ فانتسبوا له ، فقال لهم : لا حاجةَ بنا إلى مبارَزتكم ، إنّما طَلَبْنا بني عمّنا.

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصار : « اِرجِعوا إلى

ــــــــــــــــــ

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٢٦ ، مصباح الأنوار : ٣٠٤ ، ارشاد القلوب : ٢٣٩ ، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد ١ : ١٢٥ ، ودلائل النبوة ٣ : ٤٩ ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار ١٩ : ٢٧٩ / ١٧.

(٢) في هامش « ش » و « م » : فخرج.

٧٣

مَواقِفكم » ثمّ قال : « قُمْ يا عليّ ، قُمْ يا حمزة ، قُمْ يا عُبَيْدة ، قاتلوا على حقّكم الذي بَعَث اللّه به نبيَّكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليُطْفِؤُوا نورَ الله » فقاموا فصَفّوا للقوم ، وكان عليهم البَيْض فلم يُعْرَفوا ، فقال لهم عُتْبَة : تكلّموا ، فإن كنتم أكفاءَنا قاتلناكم. فقال حمزة : أنا حمزةُ بن عبد المطّلب ، أسد الله وأسد رسوله ، فقال عُتْبة : كُفوٌ كريم. وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب » وقال عُبيدة : أنا عُبيدة بن الحارثِ بن عبد المطّلب.

فقال عُتبة لابنه الوَليد : قم يا وليد ، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وكانا إذ ذاك أصغرِي الجماعة سنّاً ـ فاختلفا ضربتين ، أخطأتْ ضربةُ الوليد أميرَ المؤمنين عليه‌السلام واتقى بيده اليُسرى ضربةَ أمير المؤمنين عليه‌السلام فأبانَتْها.

فرُوِي أنّه كان يذكُر بدراً وقَتْلَه الوليدَ ، فقال في حديثه : « كانّي أنظُر إلى وَميض خاتمه في شِماله ، ثمّ ضرَبته ضربةً أخرى فصَرَعتُه وسَلَبتُه ، فرأيتُ به رَدْعا (١) من خَلوق (٢) ، فعَلِمتُ أنّه قريبُ عهدٍ بعُرْس ».

ثم بارزعُتبة حمزة رضي‌الله‌عنه فقتله حمزة ، ومشى عُبيدة ـ وكان أسنَّ القوم ـ إلى شَيبة ، فاختلفا ضربتين ، فأصاب ذُباب سيف (٣) شَيبة عَضَلة ساق عُبيَدة فقَطَعَتْقا ، واستنقَذَه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام وحمزةُ منه وقَتلا شيبةَ ، وحُمِلَ عُبَيدة من مكانه فمات بالصَفراء (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) الردع : اللطخ والأثر من الطيب. « الصحاح ـ ردع ـ ٣ : ١٢١٨ ».

(٢) الخلوق : نوع من الطيب. « الصحاح ـ خلق ـ ٤ : ١٤٧٢ ».

(٣) ذباب السيف : طرفه الذي يضرب به. « الصحاح ـ ذبب ـ ١ : ١٢٦ ».

(٤) الصفراء : وادٍ بين مكة والمدينة. « معجم البلدان ٣ : ٤١٢ ».

٧٤

وفي قتل عُتْبةَ وشَيْبة والوليد تقول هند بنت عُتبة :

( [أ] ياعين ) (١) جُودي بدَمْع سَرِب

على خيرخِنْدِف لم يَنْقَلِب

تَداعى له رَهْطُه غُدَوةً

بنوهاشمٍ وبنوالمطّلب

يُذيقونة حَر (٢) أسيافِهم

يَجُرُّونه (٣) بعدَما قد شَجِب (٤ و ٥)

وروى الحسين بن حُمَيد قال : حدَّثنا أبوغسّان قال : حدَّثنا أبو إسماعيل عُمَير بن بَكّار ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لقد تعجَّبتُ يومَ بدر من جُرأة القوم ، وقد قتلتُ الوليدَ بن عُتبة وقتل حمزةُ عتبةَ وشَرِكتهُ في قتلِ شَيبة ، إذْ أقبل إليّ حَنْطَلة بن أبي سفيان ، فلمّا دنا منّي ضربتهُ ضربةً بالسيف فسالتْ عيناه ، فلَزِم الأرضَ قتيلاً » (٦).

وروى أبو بكر الهُذَلي ، عن الزُهْري ، عن صالح بن كَيْسان قال : مرّ عُثمان بن عَفّان بسعيد بن العاص فقال : إِنطلقْ بنا إلى أمير المؤمنين عُمَر بن الخطّاب نتحدّث عنده ، فانطلقا ، قال : فأمّا عُثمان فصار إلى مجلسه الذي يَشتهيه (٧) ، وأمّا أنا فمِلْت في ناحية القوم ، فنظر إليّ عُمَر

ــــــــــــــــــ

(١) في « ش » و « م » : يا عين ، وما أثبتناه مِنَ البحار ، وفي سيرة ابن هشام : أعينيّ جُودا.

(٢) في هامش « ش » و « م » : حَرَّ. وما أثبتناه من هامشها.

(٣) في « م » و « ح » وهامش « ش » : يُعَرّونه.

(٤) شجب : هلك. « الصحاح ـ شجب ـ ١ : ١٥١ ».

(٥) انظرسيرة ابن هشام ٣ : ٤٠ ، ونقله المجلسي في البحار ٩ ١ : ٢٨٠.

(٦) إعلام الورى : ٨٦ ، وذيله في إرشاد القلوب : ٢٤٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٩ : ٢٨٠.

(٧) في « ش » و « م » : يشبهه ، وما اثبتناه من « ح ».

٧٥

وقال : ما لي أراك كأنّ في نفسك عليّ شيئاً؟ أتظُنُّ أنّي قتلتُ أباك؟ والله لوَدِدتُ أني كنتُ قاتلَه ، ولو قتلتهُ لم أعتذرْ من قتل كافرٍ ، لكننّي مررتُ به يومَ بدرٍ فرأيتهُ يَبْحَث للقتال كما يَبْحَث الثورُ بقَرْنه ، وإذا شِدْقاه قد أزْبَدا كالوَزَغ ، فلما رأيتُ ذلك هِبْتُه ورُغْتُ عنه ، فقال : إلى أين يا ابن الخطّاب؟ وصَمَد له علي فتناوله ، فواللّه ما رِمْتُ مكاني حتّى قتله.

قال : وكان عليّ عليه‌السلام حاضراً في المجلس فقال : « اللّهم غَفْراً ، ذَهَب الشركُ بما فيه ، ومَحا الإسلام ما تقدّم ، فما لك تَهيج الناسَ!؟ » فكَفّ عُمَر ، قال سعيد : أما إنّه ما كان يَسًّرني أن يكون قاتل أبي غيرَ ابن عمّه عليّ بن أبي طالب ، وأنشا القوم في حديث اخر (١).

وروى محمّد بن إسحاق ، عن يزيدَ بن رُوْمان ، عن عرُوة بن الزبير : أنّ علياً عليه‌السلام أقبل يومَ بدر نحو طُعَيْمَة بن عَدِيّ بن نَوْفَل فشَجَره بالرُمح ، وقال له : « واللة ، لا تخاصِمُنا في اللّه بعد اليوم أبداً » (٢).

وروى عبد الرَزاق ، عن مَعْمَر ، عن الزُهْريّ قال : لمّا عَرَف رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حضور نَوْفَل بن خُويَلد بدراً قال : اللّهم اكفِني نَوْفلاً « فلما انكشفَتْ قريش رآه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقد تحيّر لا يَدري ما يَصْنع ، فصَمَدَ له ثمّ ضربه بالسيف فنَشِبَ في حَجَفته (٣) فانتزعه منها ، ثمّ ضرب به ساقَه ـ وكانت دِرعه مُشَمّرَة ـ

ــــــــــــــــــ

(١) مغازي الواقدي ١ : ٩٢ ، وشرح النهج لابن ابي الحديد ١٤ : ١٤٤ باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٩ : ٢٨٠.

(٢) شرح النهج الحديديَ ١٤ : ١٤٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٩ : ٢٨١.

(٣) الحجفة : يقال للترس اذا كان من جلود ليس فيها خشب ولا عقب. « الصحاح ـ حجف ـ ٤ : ١٣٤١.

٧٦

فقطعها ، ثمّ أجهزعليه فقتله. فلمّا عاد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سَمِعه يقول : « مَنْ له علمً بنَوْفل؟ فقال له : أنا قتلتُه يا رسولَ اللة » فكبّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه » (١).

فصل

وفيما صنعه أمير المؤمنين عليه‌السلام ببدر ، قال أسَيْد بن ( أبي إياس ) (٢) يحرض مشركي قريش عليه :

في كل مَجمْعَ غايةٍ أخزاكم

جَذَعٌ أبرَّعلى المَذاكِي القرحِ (٣)

لله درًّكم أَلمّا تُنصفوا (٤)

قد يُنْصِف (٥) الحرُّالكريم ويستحي

هذا ابنُ فاطمةَ الذي أفناكم

( ذِبحاً وقِتْلَةَ قَعْصَةٍ (٦) لم تُذْبَح ) (٧)

ــــــــــــــــــ

(١) ارشاد القلوب : ٢٤٠ ، ونقله المجلسي في البحار ١٩ : ٢٨١ ، ونحوه في مغازيَ الواقدي١ : ٩١ ، ودلائل النبوة ٣ : ٩٤ ، وشرح نهج البلاغة ١٤ : ١٤٤.

(٢) في « م » : أبي اناس.

(٣) الغاية : الراية. « الصحاح ـ غيا ـ ٦ : ٢٤٥١ ».

الجذع : يقال لولد الحافر في السنة الثالثة. « الصحاح ـ جذع ـ ٣ : ١١٩٤ ».

وأبرّ : غلب. « القاموس ـ برر ـ ١ : ٢٤٥١ ».

والمذاكي : واحدها مُذَكٍ‌ الخيل ابن ست سنين أو سبع. « الصحاح ـ ذكى ـ ٦ : ٢٣٤٦ ».

والقرح : واحدها قارح ، وهو من الخيل ابن خمس سنين. « الصحاح ـ قرح ـ ١ : ٣٩٥ ».

(٤) في « م » وها مش « ش » : تنكروا.

(٥) في « م » وهامش « ش » : ينكر.

(٦) القعص : الموت السرِيع. « الصحاح ـ قعص ـ ٣ : ١٠٥٣ ».

(٧) في هامش « ح » : ذبحاً ويمشي سالماً لم يذبح.

٧٧

أعْطُوه خَرْجاً واتقُوابضريبةٍ

فِعْلَ الذَليل وبيعةً لم تُرْبح

أين الكهول؟ وأينَ كلِّ دِعامة؟

في المًعْضِلات وأين زَينُ الأبطح؟

أفناهم قَعْصاً وضرباً يَفْتَرِي (١)

بالسيف يًعْمِل حَدُّه لم يَصْفَح (٢ و ٣)

فصل

في ذكر غَزاة احد

ثمّ تلت بدراً غَزاةُ احًد ، فكانت رايةُ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد أميرالمؤمنين عليه‌السلام فيها ، كما كانت بيده يومَ بدر ، فصار اللِواءُ إليه يومئذ ففاز بالراية واللِواء جميعاً ، وكان الفتحُ له في هذه الغزاة كما كان له ببدر ـ سواء ـ واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر ، وثبوتِ القدم عندما زلّت من غيره الأقدامُ ، وكان له من الغَناء عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام ، وقَتَل الله بسيفه رؤوسَ أهل الشرك والضَلال ، وفرّج اللّه به الكَرْبَ عن نبيّه عليه‌السلام ، وخَطَبَ بفضله في ذلك المقام جبرئيلُ عليه‌السلام في ملائكة الأرض والسماء ، وأبانَ نبيُّ الهدى عليه وآله السلام من اختصاصه به ما كان مستوراً عن عامّة الناس.

فمن ذلك ما رواه يحيى بن عُمارَة قال : حدثني الحسن بن موسى

ــــــــــــــــــ

(١) يفتري : يقطع. « الصحاح ـ فرا ـ ٦ : ٢٤٥٤ ».

(٢) الصفح : الضرب بعرض السيف لا بحده. « إنظر الصحاح ـ صفح ـ ١ : ٣٨٣ ».

(٣) الفصول المختارة : ٢٣٦ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٢١ ، اُسد الغابة ٤ : ٢٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ١٩ : ٩٢ / ١٢٨.

٧٨

ابن رَباح (١) ـ مولى الأنصار ـ قال : حدَّثني أبو البَخْتِريّ القُرشيّ قال : كانت رايةُ قريش ولواؤها جميعاً بيد قصيَّ بن كِلاب ، ثمّ لم تَزَل الرايةُ في يد ولد عبد المطّلب يحمِلُها منهم من حَضر الحربَ ، حتّى بعث اللّه رسولَه صلى‌الله‌عليه‌وآله فصارت رايةُ قريش وغير ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاقرّها في بني هاشم ، وأعطاها رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليَّ ابن أبي طالب عليهما‌السلام في غَزاة وَدّان (٢) وهي أوّلُ غَزاة حُمِل (٣) فيها راية في الإسلام مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ لم تَزَل معه في المشاهد ، ببدر وهي البَطْشة الكبرى ، وفي يوم اُحد وكان اللِواء يومئذ في بني عبد الدار ، فأعطاه رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مُصْعَبَ بن عُمَير ، فاستشهد ووقع اللِواء من يده فتشوفته القبائلُ ، فاخذه رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدفعه إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فجُمِع له يومئذ الراية واللواءُ ، فهما إلى اليوم في بني هاشم (٤).

وقد روى المُفَضّل بن عبدالله ، عن سِماك ، عن عِكرْمة ، عن عبدالله بن العباس أنه قال : لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام أربعٌ ما هن لأحد : هو أوّل عَرَبيّ وعَجَميّ صلّى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله . وهو صاحب لِوائه في كلّ زَحْف. وهو الذي ثبت معه يوم المِهراس (٥)

ــــــــــــــــــ

(١) في « ش » و « ح » : رياح وما اثبتناه من « م ».

(٢) ودّان : موضع بين مكة والمدينة. سميت الغزوة به. « معجم البلدان ٥ : ٣٦٥ ».

(٣) في « م » وهامش « ش » : حملت.

(٤) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٢٩٩ ، كفاية الطالب : ٣٣٥ ، اعلام الورى : ١٩٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٨٠.

(٥) المهراس : ماء بجل أُحد. « معجم البلدان ٥ : ٢٣٢ ».

٧٩

ـ يعني يومَ اُحد ـ وفَرَّ الناس. وهو الذي أدخله قبرَه (١).

وروى زيد بن وَهبْ الجُهَنِي قال : حدَّثنا أحمد بن عمّار قال حدَّثني : الحِمّاني قال : حدَّثنا شرِيك ، عن عُثمان بن المُغيرة ، عن زيد بن وَهْب ، قال : وَجَدْنا من عبداللّه بن مسعود ـ يوماً ـ طيب نفس فقلنا له : لو حدّثتَنا عن يوم اُحد ، وكيف كان؟.

فقال : أجَلْ ـ ثمّ ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحَرْب ـ فقال : قال رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُخْرُجوا إليهم على اسم اللّه » فخَرَجْنا فصَفَفْنا لهم صفّاً طويلاً ، وأقام على الشِعْب خمسين رجلاً من الأنصار ، وأمَّر عليهم رجلاً منهم ، وقال : « لا تَبْرَحُوا عن مكانكم هذا وان قُتِلنا عن آخرنا ، فإنّما نُؤتى من موضعكم هذا » قال : وأقام أبو سفيان بن حَرْب بإزائهم خالدَ بن الوليد ، وكانت الألوِيةُ من قريش مع بني عبد الدار ، وكان لِواءُ المشركين مع طَلْحة بن أبي طَلْحة ، وكان يُدْعى كَبْشَ الكَتِيبة.

قال : ودَفَعَ رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لواءَ المهاجرين إلى عليّ ابن أبي طالب عليه‌السلام وجاء حتّى قام تحت لِواء الأنصار.

قال : فجاء أبو سفيان إلى أصحاب اللِواء فقال : يا أصحاب الألْوِية ، إنّكم قد تعلمون أنّما يُؤتَى القومُ من قبل ألويتهم ، وإنّما أتِيتم

ــــــــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١١ ، الاستيعاب ٣ : ٢٧ ، شرح نهج البلاغة ٤ : ١١٦ ، كفاية الطالب : ٣٣٦ ، وذكره الصدوق في الخصال ١ : ٢١٠ / ٣٣ بأختلاف يسير ، ونقله المجلسي في البحار ٢٠ : ٨١.

٨٠