الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

ومن ذلك ما جاء في أنّه عليه‌السلام وشيعتُه هم الفائزون :

أخبرني أبوعبَيدالله محمّد بن عمران المرزباني ، قال : حدَّثني عليّ بن محمّد بن عُبَيد الحافظ (١) قال : حدَّثنا عليّ بن الحسين بن عُبَيد الكوفي قال : حدَّثنا إسماعيل بن أبان ، عن سَعد بن طالب (٢) ، عن جابر بن يزيد ، عن محمّد بن عليّ الباقر عليهما‌السلام قال : « سُئِلتْ أمُّ سَلَمة زوجُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقالت : سَمِعْتُ رسولَ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إنّ علياً وشيعتَه هم

ــــــــــــــــــ

١٧١ ، خصائص النسائي : ٨٣ / ٩٦ ، ٩٧ تاريخ بغداد ٢ : ٢٥٥ و ١٤ : ٤٢٦ ، الاستيعاب ٣ : ٣٧ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٢٠٦ ، بشارة المصطفى : ١٤٨ ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٣٩ : ٢٥٥ / ٣٠.

(١) في النسخ : علي بن عمر بن عبيدالله الحافظ لكن يأتي سند مشابه عن قريب وكان فيه في نسختي « ش » و « م » عبيدالله فصحح في الهامش بعبيد ، بل صرح في هامش « م » بانه عبيد لا غير ، وفي « ح » هناك عبيد من دون تردد والظاهر غفلة النساخ من تصحيح عبارة السند هنا ولذلك صححناه فان الظاهر كونه علي بن محمد بن عبيد اللة بن عبداللّه الحافظ البزاز مات في شوال سنة ثلاثين وثلاث مائة ، وله ثمان وسبعون سنة. انظر « تاريخ بغداد ١٢ : ٧٣ ، تذكرة الحفاظ ٣ : ٨٣٦ ، العبر ٢ : ٣٧ ، طبقات الحفاظ : ٣٤٨ / ٧٨٦ ».

(٢) في هامش « ش » : لعله سعد بن طريف ، وفي هامش « م » : في نسخة : سعد بن طريف وكأن فوق العبارة في هامش « ش » علامة الزيادة ، ولعلّ متن « ش » كان في الاصل سعد عن طالب ولذلك فسّر سعد في الهامش مما فسّر ، ثم صحح عبارة المتن فحذف ما في الهامش ، وامّا ناسخ نسخة « م » فاخذ هذه العبارة وظنها نسخة ، ثم ان في هامش « ش » ينقل عن نسخة : سعيد.

٤١

الفائزون » (١).

أخبرني أبوعبيد الله محمّد بن عِمران قال : حدَّثني أحمد بن محمّد الجَوْهري قال : حدّثَني محمّد بن هارون بن عيسى الهاشمي قال : حدَّثنا تمَيم بن محمَّد بن العلاءِ : قال : حدَّثنا عبد الرزاق قال : اخبرنا يحيى بن العلاء ، عن سعد بن طَريف ، عن الأَصبغ بن نُباتة ، عن علي عليه‌السلام قال : « قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن للّه تعالى قضيباً من ياقوت أحمَر لا يناله إلاّ نحن وشيعتنا ، وسائر الناس منه بريئون » (٢).

أخبرنا أبو عُبَيدالله قال : حدَّثني عليّ بن محمّد بن عُبَيد الحافظ قال : حدَّثنا علي بن الحسين بن عُبَيد الكوفي قال : حدَّثنا إسماعيل بن أبان ، عن عمرو بن حُرَيث ، عن داود بن السُليك (٣) ، عن أنَس بن مالك قال : قال رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يدْخُل الجنةَ من اُمّتي سبعون ألفاً لا حسابَ عليهم ولا عَذاب ، قال : ثمّ التفتَ إلى علي عليه‌السلام فقال : هم شيعتُك وأنت إمامُهم » (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام علي بن ابي طالب عليه‌السلام ـ ٢ : ٣٤٨ / ٨٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٦٨ : ٣١ / ٦٤.

(٢) نقله العلامة المجلسي في البحار ٦٨ : ٥١ / ٦٣.

(٣) في هامش « ش » و « م » : كذا كان فيما قرئ على الشيخ ، وفي هامش آخرلـ « ش » عن نسخة : السليل ، وكذلك في متن « ح » وهامش « م » ولكن صححه وذكر نسخة اخرى : السكيك. والمذكور في كتب الرجال : داود بن سليك ـ بدون اللام ـ السعدى. انظر : تاريخ البخاري ٣ : ٢٤٢ ، الجرح والتعديل ٣ : ٤١٥ ، تهذيب التهذيب ٣ : ١٨٦.

(٤) مناقب ابن المغازلي : ٢٩٣ ، مصباح الأنوار : ١٣٨ ، إعلام الورى : ١٦٥ ، بشارة المصطفى : ١٦٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٦٨ : ٣١ / ٦٦.

٤٢

أخبرني أبو عبيدالله قال : حدَّثني ( أحمدُ بن عيسى الكرخي ) (١) قال : حدَّثنا أبو العَيْناء محمّد بن القاسم قاّل : حدَّثنا ( محمّد بن عائشة ) (٢) ، عن إسماعيل بن عمرو البَجَلي قال : حدَّثني عُمَر بن موسى ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليه‌السلام ، قال : « شكوتُ إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حَسَد الناس إيّاي ، فقال : يا عليّ ، إنّ اوّلَ أربعةٍ يدخُلون الجنةَ : أنا وأنت والحسن والحسين ، وذُرّيّتنا خَلْف ظهورنا ، وأحبّاؤنا خَلْفَ ذُرّيّتنا ، وأشياعُنا عن أيماننا وشمائلنا » (٣).

فصل

ومن ذلك ما جاءت به الأخبار في أنّ ولايتَه

عليه‌السلام عَلَم على طِيب المولد وعَداوتَه عَلَم على خُبثه :

أخبرني أبو الجَيْش المُظَفّر بن محمّد البَلْخي قال : حدَّثنا (٤) أبوبكر محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال : حدَّثنا جعفرُ بن محمّد العَلَوي قال :

ــــــــــــــــــ

(١) كذا في النسخ ، وفي هامش « م » : الكوفي والكرجي والكرخي وتحت الكلمة الأخيرة علامة التصحيح.

(٢) كذا في متن النسخ ، وفي هامش « ش » و « م » : ابن عائشة ، وقد تقدم ما ينفع المقام في فصل : موضع قبرأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فليراجع.

(٣) مقتل الخوارزمي : ١٠٨ ، منتخب كنز العمال ٥ : ٩٤ ، تذكرة الخواص : ٢٩١ ، فرائد السمطين ٢ : ٤٢ / ٣٧٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣١ ، وفي تاريخ دمشق ـ ترجمة الأمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ : ٨٣٥ / ٣٢٩ أفاض الشيخ المحمودي في الهامش ذكر مصادر الحديث باسانيدها ومتونها ومظانها ، فراجع.

(٤) في « م » و « ح » وهامش « ش » : أخبرنا ، وما أثبتناه من متن « ش ».

٤٣

حدَّثنا أحمدُ بن عبدِ المًنْعِم قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد الفزاري ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن جابر بن عبداللّه قال : « سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام : ألا أسرك؟! ألا أمنَحُك؟! ألا أبشّرك؟! فقال : بلى يارسول اللّه بشرّني. قال : فإنّي خُلقت أنا وأنت من طينة واحدة ، ففضلت منها فضلة فخلق اللّه منها شيعتنا ، فإذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء امهاتهم سوى شيعتنا فإنّهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم » (١).

أخبرني أبو إلجيش المظفر بن محمد ، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال : حدثنا ( محمد بن سلم الكوفي ) (٢) ، قال : حدثنا عبيداللّه (٣) بن كثير قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزُهْري قال : حدثنا عبيداللّه ابن موسى ، عن إسرائيل (٤) ، عن أبي خصَين ، عن عِكرِمة ، عن ابن عباس : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « إذا كان يوم القيامة يدعى (٥) الناس كلّهم باسماء أمهاتهم ، ما خلا شيعتنا فإنهم يدعون باسماء آبائهم لطيب مواليدهم » (٦).

ــــــــــــــــــ

(١) أمالي المفيد : ٣١١ ، أمالي الطوسي ٢ : ٧١ ، اعلام الورى : ١٦٥ ، بشارة المصطفى : ١٤ ، ٩٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٧ : ١٥٥ / ٢٨.

(٢) كذا في متن « ش » و « م » وفي « ح » وهامش « ش » و « م » عن نسخة : محمد بن مسلم ، وكأنّ في هامش « م » علامة التصحيح.

(٣) في « ح » : عبد الله.

(٤) كذا في متن النسخ ، وفي هامش « ش » : أبي اسرائيل « ج » : وهامش « م » أبي اسرائيل. والظاهر صحة ما أثبتأه ، فقد ذكر في تهذيب التهذيب ٧ : ٥١رواية عبيدالله بن موسى بن أبي المختار عن اسرائيل.

(٥) في « م » وهامش « ش » : دعي.

(٦) اعلام الورى : ١٦٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٧ : ١٥٦ / ٢٩.

٤٤

اخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد القمي قال : حدَّثنا أبوعلي محمد ابن هَمّام بن سُهَيْل الأسكافي (١) قال : حدثني جعفر بن محمد بن مالك قال : حدَّثنا محمد بن نعمة السلولي قال : حدثنا عبداللة بن القاسم ، عن عبداللّه بن جَبَلة ، عن أبيه قال : سمعت جابر بن عبدالله بن حرام الأنصاري يقول : كنّا عند رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم ـ جماعة من الأنصار ـ فقال لنا : « يا معشر (٢) الأنصار ، بوروا (٣) أولادكم بحبّ علي ابن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنّه لِرَشْدة (٤) ومن أبغضه فاعلموا أنّه لغَيّة (٥) » (٦).

فصل

ومن ذلك ما جاءت به الأخبار في تسمية رسول اللّه صلّى اللّه

عليه وآله علياً عليه‌السلام بإمرة المؤمنين في حياته :

أخبرني أبو الجيش المظفر بن محمد البلخي قال : أخبرنا (٧) أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثلج (٨) قال : أخبرني الحسين بن أيوب ، عن محمد

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : اسكاف ناحية بالعراق من النهروان الى البصرة.

(٢) في « م » وهامش « ش » : معاشر.

(٣) نبور : نختبر ، ومنه الحديث : « كنّا نبور أولادنا بحب عليّ ». « النهاية ـ بور ـ ١ : ١٦١ ».

(٤) هو لرشدة : أي صحيح النسب. « مجمع البحرين ـ رشد ـ ٣ : ٥١ ».

(٥) ولد غيّة : أي ولد زنا. « القاموس المحيط ـ غوي ـ ٤ : ٣٧٢ ».

(٦) اعلام الورى : ١٦٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٧ : ١٥٦ / ٣٠.

(٧) كذا في متن « ش » وفي « م » وهامش « ش » : أخبرني.

(٨) في « م » و « ح » : محمد بن أبي الثلج ، وهو أيضاً صحيح نسبة الى الجدّ.

٤٥

ابن غالب ، عن ( علي بن الحسن ، عن الحسن بن محبوب ) (١) عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي اسحاق السبيعي ، عن بشير الغفاري ، عن أنس بن مالك قال : كنت خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا كانت ليلة أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوَضُوء فقال لي : « يا أنَس ابن مالك ، يدخُل عليك من هذا الباب الساعة أميرُ المؤمنين وخيرُ الوصييِن ، أقدمُ الناس سِلماً ، وأكثرُهم علماً ، وأرجحُهم حِلماً » فقلتُ : اللهمَّ اجعله من قومي. قال : فلم ألبَثْ أن دَخَل عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام من الباب ورسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يَتَوضّأ ، فردّ رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله الماءَ على وجه عليّ عليه‌السلام حتّى امتلأت عيناه منه ، فقال علي : « يا رسولَ الله ، أحَدَثَ فيّ حَدَثٌ؟ » فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما حَدَثَ فيك إلاّ خيرٌ ، أنت منّي وأنا مِنك ، تُؤدّي عنّي وتَفي بذمّتي ، وتغسلني وتُواريني في لَحْدي ، وتُسْمِع ، الناسَ عنّي وتبُينّ لهم من بعدي ». فقال علي عليه‌السلام : « يا رسول الله ، أوَما بَلّغْتَ؟ قال : بلى ، ولكن تُبيّنُ لهم ما يختلفون فيه من بعدي » (٢).

ــــــــــــــــــ

(١) كذا صححه في هامش « ش » ، ونسبه في هامش « م » إلى نسخة ، وفي متن النسخ : علي ابن الحسن بن محبوب ، وكتب في « ش » فوقه علامة ( ج ) ، والظاهر صحة ما أثبتناه في المتن ، ولم نجد راوٍ بهذا الأسم في ضمن الروايات ، وأما الحسن بن محبوب فانه يروي عن أبي حمزة الثمالي بكثرة وهو رواي كتابه في فهرست الشيخ : ٤١ / ١٣٧ ويروي عن ابن محبوب علي بن الحسن بن فضّال وعلي بن الحسن الطاطري ، وقد روى المصنف عين هذا السند في اماليه : ١٨ عن محمد بن غالب عن علي بن الحسن عن عبد الله بن جبلة ، وروى الصدوق في التوحيد : ١٥٧ بسنده الى ابن أبي الثلج عن الحسين بن ايوب عن محمد ابن غائب ، عن علي بن الحسين ، وفي تهذيب الشيخ ٤ : ١٦٥ / ٤٦٨ بسند آخر عن محمد بن غالب عن علي بن الحسن بن فضال.

(٢) اليقين : ٣٥ ، مصجاح الأنوار : ١٩٩ نحوه ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٧ :

٤٦

أخبرَني أبو الجيش المًظَفَّر بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال : حدَّثني جدّي قال : حدَّثنا عبداللّه بن داهر قال : حدَّثني أبي داهر بن يحيى الأحمري المُقْرئ ، عن الأعْمَش ، عن عَبايَة الأسْدي (١) ، عن ابن عبّاس أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لاُمّ سلمة رضِي اللّه عنها : « إسمَعي وأشْهَدي ، هذا عليّ أمير المؤمنين وسيُد الوصيين (٢) » (٣).

وبهذا الإسناد عن محمد بن أبي الثلج قال : حدَّثني جدّي قال : حدَّثنا عبد السلام بن صالح قال : حدَّثني يحيى بن اليَمان قال : حدَّثني سُفيان الثَوري ، عن أبي الجَحّاف ، عن معاوية بن ثَعْلَبَة قال : قيل لأبي ذَرٍّ رضي‌الله‌عنه : أوْص ، قال : قد أوصيتُ ، قيل : إلى من؟ قال : إلى أمير المؤمنين ، قيل : عثمان؟ قال : لا ، ولكن إلى أمير المؤمنين حَقِّاً أميرِ المؤمنين علي ابن أبي طالب ، إنّه لَزِرّ (٤) الأرض ، ورَبّانيّ (٥) هذه الأمّة ، لو قد فقدتموه

ــــــــــــــــــ

٣٣٠ / ٦٦.

(١) كذا في متن النسخ ، وفي هامش « ش » و « م » : الازدي ، ولم يعلم كونه تفسيراً أو نسخة بدل ، وعلى أي حال كتب في هامش « ش » و « م » : هو عباية بن كليب الازدي. وهامش آخر في « م » : هو الازدي ابدلت السين من الزاي ، هذا ولكن لا يبعد كون المراد من عباية الاسدي هو عباية بن ربعي الأسديَ ، فقد عنونه ابن ابي حاتم في الجرح والتعديل ٧ : ٢٩ وصرحّ بروايته عن ابن عباس ورواية الأعمش عنه ونقل عن والده : كان من عتق الشيعة ، انظر ميزان الاعتدال ٢ : ٣٨٧ أيضاً.

(٢) في « م » وهامش « ش » : في نسخة : المسلمين.

(٣) مناقب آل ابي طالب ٣ : ٥٤ ، اليقين : ٢٩ ، ٣٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٧ : ٣٣٠ / ٦٧.

(٤) زرّ الأَرض : أي قوامها ، واصله من زر القلب ، وهو عُظَيْم صغير يكون قوام القلب به « النهاية ـ زرر ـ ٢ : ٣٠٠ ».

(٥) الرباني : الكامل في العلم والعمل. « مجمع البحرين ـ ربب ـ ٢ : ٦٥ » ، وفي « م » وهامش « ش » : في نسخة : وربي.

٤٧

لأنكرتم الأرضَ ومَن عليها (١).

وحديث بًرَيْدَة بن الحُصَيب الأسلَمي ـ وهو مشهور معروف بين العلماء ، بأسانيد يطول شرحها ـ قال : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمّرني سابعَ سبعة ، فيهم أبو بكر وعُمَر وطًلْحَة والزُبَير ، فقال : « سلّموا على عليّ بإمْرَة المؤمنين » فسلّمنا عليه بذلك ، ورسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيّ بين أظهرنا (٢).

في أمثال هذه الأخبار يطول بها الكتاب.

فصل

فأمّا مناقبه الغنيّةُ ـ بشهرتها ، وتواتُر النقل بها ، وإجماع العلماء عليها ـ عن إيراد أسانيد الأخبار بها ، فهي كثيرةٌ يطولُ بشرحها (٣) الكتاب ، وفي رَسْمِنا منها طرفاً كفاية عن إيراد جميعها في الغرض الذي وضعنا له الكتاب ، ان شاء اللّه.

فمن ذلك : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جَمَعَ خاصّةَ أهله وعشيرته ، في ابتداء الدعوة الى الاسلام ، فعَرَضَ عليهم الإيمان ، واستنصرهم على أهل الكفر والعُدوان ، وضَمِنَ لهم على ذلك الحُظْوةَ في الدنيا ، والشرفَ

ــــــــــــــــــ

(١) اليقن : ١٦باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٧ : ٣٣١ / ٦٨ ..

(٢) ورد نحوه في مصباح الأنوار : ١٥٤ ، وبشارة المصطفى : ١٨٥ ، واليقين : ٤٤ و ٥٤ و ٩٨ ،

وإرشاد القلوب : ٣٢٥.

(٣) في « م » وهامش « ش » : بذكرها.

٤٨

وثوابَ الجنان ، فلم يُجبه أحدٌ منهم إلاّ أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فنَحَلَه بذلك تحقيقَ الأخوّة والوزارة والوصيّة والوراثة والخلافة ، وأوجَبَ له به الجنّة.

وذلك في حديث الدار ، الذي أجمع على صحّته نُقّاد الآثار ، حين جَمَعَ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطّلب في دارأبي طالب ، وهم أربعون رجلاً ـ يومئذ ـ يَزيدون رجلاً أو يَنْقصُون رجلاً ـ فيما ذكره الرُواة ـ وأمر أن يُصْنَع لهم فَخِذُ شاةٍ مع مُدّمن البُرّ ، ويُعَدَّ لهم صاعٌ من اللبن ، وقد كان الرجل منهم معروفاً باكل الجَذَعَة في مقام (١) واحد ، ويَشرب الفَرق (٢) من الشراب في ذلك المَقام ، وأراد عليه‌السلام بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهارَ الآية لهم في شِبعِهم وريّهم ممّا كان لا يُشْبِع الواحدَ منهم ولا يًروِيْه.

ثمّ أمر بتقديمه لهم ، فأكَلَت الجماعةُ كلها من ذلك اليسيرحتّى تملّؤوا منه ، فلم يَبِن ما أكَلُوه منه وشرَبوه فيه ، فبَهَرَهم بذلك ، وبَيّنً لهم اية نُبوّته ، وعلامةَ صدقه ببرهان اللّه تعالى فيه.

ثمّ قال لهم بعد أن شَبِعوا من الطعام ورَوُوْا من الشراب : « يا بني عبد المطّلب ، إنّ اللّه بعثني إلى إلخلق كافة ، وبعثني إليكم خاصة ، فقال عزّ وجلّ : ( واَنذرْ عَشِيرَتكَ الأقْرَبينَ ) (٣) وأنا أدعوكم إلى كلِمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، تَمْلِكون بهما العَرَب والعَجَم ،

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش ، م ، ح » : في نسخة : مقعد.

(٢) الفرق : مكيال يسع ستة عشر رطلاً ، وفي هامش « ش » و « م » : « في نسخة : الزقّ » ، وهو السقاء ، انظر « الصحاح ـ فرق ـ ٤ : ١٥٤٠ ».

(٣) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

٤٩

وتنقادُ لكم بهما الأُممُ ، وتَدْخُلون بهما الجنة ، وتنجُوْن بهما من النار ، شهادةِ أن لا إلهَ إلاّ اللّه وأنّي رسولُ اللّه ، فَمنْ يُجِبْني إلى هذا الأمر ويُؤازرْني عليه وعلى القيام به ، يَكُنْ أخي ووصيّ ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي » فلم يجب أحد منهم.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « فقمتُ بين يديه من بينهم ـ وأنا إذ ذاك أصغرُهم سنّاً ، وأحمَشُهم (١) ساقاً ، وأرمَصُهم (٢) عيناً ـ فقلتُ : أنا ـ يا رسول اللّه ـ أؤازرُك على هذا الأمر. فقال : اجْلِسْ ، ثم أعاد القول على القوم ثانيةً فاُصْمِتوا ، وقمتُ فقلتُ مثلَ مقالتي الأولى ، فقال : اجْلِسْ. ثمّ أعاد على القوم مقالَتَه ثالثةً فلم يَنْطِقْ أحدٌ منهم بحرفٍ ، فقلتُ : أنا أؤازرك ـ يا رسولَ اللّه ـ على هذا الأمر ، فقال : اجْلِس ، فانت أخي ووصّي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي ».

فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب : يا أبا طالب ، لِيَهْنِك (٣) اليوم إن دَخَلْتَ في دين ابن أخيك ، فقد جَعَل ابْنَك أميراً عليك (٤).

فصل

وهذه منقبة جليلة اختَصّ بها أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ولم يَشْرَكْه

ــــــــــــــــــ

(١) رجل أحمش الساقين : دقيقهما « الصحاح ـ حمش ـ ٣ : ١٠٠٢ ».

(٢) الرَمَصُ : وسخ يجتمع في مجرى الدمع. « انظر : الصحاح ـ رمص ـ ٣ : ١٠٤٢ ».

(٣) في هامش « ش » و « م » : ليهنئك ، وكلاهما بمعنى ليسرّك ‎.

(٤) انظر مصادر حديث الدار في تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ١ : ٩٧ ـ ١٠٣ والغدير ٢ : ٢٧٨ ـ ٢٨٩.

٥٠

فيها أحدٌ من المهاجرين الأوّلين ولا الأنصار ، ولا أحدٌ من أهل الإسلام ، وليس لِغيره عِدلٌ لها من الفضل ولا مقاربٌ على حال ، وفي الخبر بها ما يُفيد أنَّ به عليه‌السلام تَمَكّنَ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من تبليغ الرسالة ، وإظهار الدعوة ، والصدع بالإسلام ، ولولاه لم تَثْبُتِ الملّة ، ولا استقرّتِ الشريعة ، ولا ظَهَرَتِ الدعوة. فهو عليه‌السلام ناصرُ الإسلام ، ووزيرُ الداعي إليه من قِبَلِ الله ـ عزّ وجلّ ـ وبضمانه لنبيّ الهدى عليه‌السلام النصرةَ تَمّ له في النبوّة ما أراد ، وفي ذلك من الفضل ما لا تُوازنه (١) الجبالُ فضلاً ، ولا تعُادله الفضائلُ كلّها محلاً وقدراً.

فصل

ومن ذلك أن النبيّ عليه‌السلام لما أًمِرَ بالهجرة ـ عند اجتماع الملأ من قريش على قتله ، فلم يتمكن عليه‌السلام من مُظاهَرَتهم ـ بالخروج من (٢) مكّة ، وأراد الأستسرارَ بذلك وتعميةَ خبره عنهم ، لِيَتِمَّ له الخروجُ على السلامة منهم ، ألقى خبرَه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام واستكتمه إيّاه ، وكَلَّفه الدفاعَ عنه بالمبيت على فراشه من حيث لا يعلمون أنّه هو البائت على الفِراش ، وبَظُنّون أنّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بائتاً (٣) على حاله التي كان يكون عليها فيما سلف من الليالي.

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : توازيه.

(٢) في « م » و « ش » : عن.

(٣) في هامش « م » : نائماً.

٥١

فوَهَب أميرُ المؤمنين عليه‌السلام نفسَه للّه وشراها من الله في طاعته ، وبَذَلها دونَ نبيّه عليه وآله السلام ليَنْجُوَ به من كيد الأعداء ، وتَتِمً له بذلك السلامةُ والبقاءُ ، وينتظم له به الغرضُ في الدعاء إلى الملّة وإقامة الدين واظهار الشريعة. فبات عليه‌السلام على فِراش رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مستتراً (١) بازاره ، وجاءه القومُ الذين تمالَؤُوا (٢) على قتله فأحْدَقُوا به وعليهم السِلاح ، يرصدُون طلوعَ الفجر لِيَقْتُلوه ظاهراً ، فيذهَبَ دمُه فِرغاً (٣) بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل ، ولا يَتِمّ لهم الأخذُ بثاره منهم ، لا شتراك الجماعة في دمه ، وقعودِ كل قبيل عن قتال رَهْطه ومباينة أهله.

فكان ذلك سببَ نجاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحفظِ دمه ، وبقائهِ حتى صدع بأمر ربه ، ولولا أميرُ المؤمنين عليه‌السلام وما فعلّه من ذلك ، لما تَمَّ لنبيّ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله التبليغُ والأداء ، ولا استدام له العمرُ والبقاء ، ولظَفَرَ به الحَسَدةُ والأعداء.

فلمّا أصبح القومُ وأرادوا الفَتْكَ به عليه‌السلام ثار إليهم ، فتفرّقوا عنه حين عَرَفوه ، وانصرفوا عنه وقد ضلّت حِيَلهم (٤) في النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانتقض ما بَنَوه من التدبيرفي قتله ، وخابت ظُنونهم ، وبَطَلتْ آمالهم ، فكان بذلك انتظامُ الإيمان ، وإرغامُ الشيطان ، وخِذلانُ أهل الكفر والعُدوان.

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : متستراً.

(٢) تمالؤوا : اجتمعوا. « الصحاح ـ ملأ ـ ١ : ٧٣ ».

(٣) ذهب دمه فرغاًَ أي هدراً « الصحاح ـ فرغ ـ ٤ : ١٣٢٤ ». وفي « ح » : هدراً.

(٤) في هامش « ش » و « م » : حيلتهم.

٥٢

ولم يَشْرك أميرَ المؤمنين عليه‌السلام في هذه المنقبة أحدٌ من أهل الإسلام ، ولا اختصَّ بنظير لها على حال ، ولا مقاربِ لها في الفَضْل بصحيح الأعتبار.

وفي أمير المؤمنين عليه‌السلام ومبيته على الفِراش ، أنزل اللّه تعالى ( وَمِنَ ألنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَؤوفٌ بِالْعِبَادِ ) (١ و ٢).

فصل

ومن ذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمينَ قريش على وَدائعهم ، فلمّا فجأه من الكفّار ما أحْوَجَه الى الهَرب من مكّة بغتةً ، لم يَجِد في قومه وأهله مَنْ يأتَمِنهُ على ما كان مؤتمناً عليه سوى أمير المؤمنين عليه‌السلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلى أربابها ، وقضاءِ ما عليه من دَيْن لمستحقّيه ، وجَمْع بَناته ونساء أهله وأزواجه والهِجرة بهم إليه ، ولم يَرَ أنّ أحداً يَقوم مقامه في ذلك من كافّة النَاس ، فوَثق بامانته ، وعَوّلَ على نجْدته وشَجاعته ، واعتمد في الدفاع عن أهله وحامَّته على بأْسه وقدرته ، واطمأن إلى ثقته على أهله وحُرَمه ، وعَرَفَ من ورعه وعصمته

ــــــــــــــــــ

(١) البقرة ٢٠٧ : ٢.

(٢) ورد حديث المبيت في تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ١ : ١٥٣ ـ ١٥٥ ، تاريخ بغداد ١٣ : ١٩١ ، أُسد الغابة ٤ : ١٩ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٤ ، مسند أحمد ١ : ٣٤٨ ، التفسير الكبير للفخر الرازي ١٥ : ١٥٥ ، ذخائر العقبى : ٨٧.

٥٣

ما تَسْكُن النفسُ معه إلى ائتمانه (١) على ذلك.

فقام عليه‌السلام به أحسنَ القيام ، وردّ كلَّ وديعة إلى أهلها ، وأعطى كلَّ ذي حقّ حقّه ، وحَفظَ بناتِ نبيّه عليه‌السلام واله وحُرمه ، وهاجر بهم ماشياً على قَدَمِه (٢) ، يَحوُطُهم من الأعداء ، ، يكْلَؤُهم (٣) من الخُصَماء ، ويَرفق بهم في المسير حتى أوردهم عليه المدينة ، على أتمّ صيانة وحَراسة ورِفْق ورَأفة وحسن تدبير ، فأنزله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند وروده المدينةَ دارَه ، وأحلّه قرارَه ، وخَلَطَه بحرُمَه وأولاده ، ولم يُميّزه من خاصّة نفسه ، ولا احتشمه في باطن أمره وسرّه.

وهذه منقبة تَوَحّد بها عليه‌السلام من كافّة أهل بيته وأصحابه ، ولم يَشْركه فيها أحدٌ من أتباعه وأشياعه ، ولم يحصُل لغيره من الخلق فضلٌ سواها يُعادلها عند السَبْر ، ولا يُقاربها على الأمتحان ، وهذه (٤) مُضافَةٌ إلى ما قدّمناه من مناقبه ، الباهرِ فضْلُها القاهرِ شرفُها قلوبَ العقلاء (٥).

فصل

ومن ذلك أنّ اللّه تعالى خصّه بتلافي فارِطِ من خالَفَ نبيَّه صلّى اللّه

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : امانته.

(٢) في هامش « ش » و « م » : قدميه.

(٣) في هامش « ش » و « م » : نسخة اُخرى : ويكنفهم.

(٤) في « م » وهامش « ش » نسخة اُخرى : وهي.

(٥) انظر ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ في قضية رد ودائع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى

٥٤

عليه وآله في أوامره ، وإصلاحِ ما أفسدوه ، حتّى انتظمت به أسبابُ الصَلاح ، واتَّسق بيُمْنه وسعادةِ جَدّهِ وحُسْنِ تدبيره والتوفيقِ اللازم له أمورُ المسلمين ، وقام به عمودُ الدين.

ألا ترى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنفذ خالد بن الوَليد إلى بني جُذيمَة داعياً لهم إلى الإسلام ، ولم ينفْذه مُحارِباً ، فخالف أمرَه صلى‌الله‌عليه‌وآله ونَبَذَ عَهْدَه ، وعاند دينَه ، فقتل القومَ وهم على الإسلام ، وأخْفَرَ ذمّتهم وهم أهلُ الإيمان ، وعَمِلَ في ذلك على حَمِيّة الجاهليّة وطريقةِ أهل الكفر والعدوان ، فشانَ فعالُه الإسلامَ ، ونَفَّرَ به عن نبيّه عليه وآله السلام من كان يدعوه إلى الإيمان ، وكاد أن يَبْطلَ بفعله نظام التدبير في الدين.

ففَزِعَ رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في تلافي فارطه ، وإصلاحِ ما أفسده ، ودفعِ المَعَرّة عن شَرْعِه بذلك إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فانفذه لعَطْف القوم وسَلِّ سخائمهم والرِفْق بهم ، في تثبيتهم على الإيمان ، وأمَرَه أن يَدِيَ القتلى ، ويرضي بذلك أولياءَ دمائهم الأحياءَ.

فبَلَغ أميرُ المؤمنين عليه‌السلام من ذلك مبلغَ الرضا ، وزاد على الواجب بما تبرّع به عليهم من عَطِيّة ما كان بقي في يده من الأموال ، وقال لهم : « قد اَدّيتُ (١) ديات القَتْلى ، وأعطيتُكم بعدَ ذلك من المال ما تعودون به على مُخَلّفيهم (٢) ليرضى اللّه عن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وترضَوْن بفضله عليكم » وأظهر رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة ما

ــــــــــــــــــ

اصحابها وقضاء ما كان عليه من دين : طبقات ابن سعد ٣ : ٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ١ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، اُسد الغابة ٤ : ١٩.

(١) في « م » وهامش « ش » : وديت.

(٢) في « ش » : مُخلّفيكم.

٥٥

اتّصل بهم من البراءة من صَنيع خالِد بهم ، فاجتمع براءة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا جناه خالِد ، واستعطاف أمير المؤمنين عليه‌السلام القومَ بما صَنَعَه بهم ، فتَمّ بذلك الصلاحُ ، وانقطعت به موادّ الفَساد ، ولم يتولَّ ذلك أحدٌ غيرُ أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا قام به من الجماعة سواه ، ولا رَضيِ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لتكليفه أحداً ممنّ عداه.

‎ وهذه منقبة يزيد شرفها على كلّ فضل يُدَّعى لغير أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ حقّاً كان ذلك أم باطلاً ـ وهي خاصة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لم يَشْركه فيها أحدٌ منهم ، ولا حَصَلَ لغيره عِدْلٌ لها من الأعمال (١).

فصل

ومن ذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد فتحَ مكّة ، سأل الله ـ جلّ اسمه ـ أن يعَمِّيَ أخبارَه على قريش ليَدْخُلَها بغتةً ، وكان عليه وآله السلام قد بنى الأمرَ في مسيره إليها على الأستسرار بذلك ، فكتب حاطِب بن أبي بلتعة إلى أهل مَكّة يُخبِرهم بعزيمة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على فتحها ، وأعطَى الكتابَ امرأةً سَوْداء (٢) كانت وَرَدت المدينةَ تستميح بها

ــــــــــــــــــ

(١) انظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦١ ، مغازي الواقدي ٣ : ٨٧٥ ، الطبقات الكبرى ٢ : ١٤٧ ، دلائل النبوة ٥ : ١١٣ ـ ١١٨ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٧٠ ـ ٧٣ ، فتح الباري ٨ : ٤٦ ، تاريخ الطبري ٥ : ٦٦ ـ ٦٧ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦.

(٢) في هامش « ش » و « م » : كان اسمها سارة.

٥٦

الناس وتَسْتَبِرُّهم (١) ، وجعل لها جُعٍلاً على أن تُوصِلَه إلى قوم سمّاهم لها من أهل مَكّة ، وأمَرَها أن تَأخُذَ على غير الطريق.

فنزل الوحيُ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك ، فاستدعى أميرَ المؤمنين عليه‌السلام وقال له : « إنّ بعضَ أصحابي قد كتَبَ إلى أهل مكّة يخُبرهم بخَبَرنا ، وقد كنتُ سألتُ الله أن يُعَمِّيَ أخبارَنا عليهم ، والكتابُ مع امرأةٍ سودْاء قد أخَذَتْ على غير الطريق ، فَخُذْ سيفَك والحَقْها وانتزِعِ الكتابَ منها وخَلّها وصرْ به إليّ » ثمّ استدعى الزبير بن العَوّام فقال له : « امض مع عليّ بن أبي طالب ، في هذه الوجه » فمضيا وأخذا على غير الطريق فأدْركا المرأةَ ، فسَبَق إليها الزُبيرُ فسألها عن الكتاب الذي معها ، فأنكرتْه وحَلَفَتْ أنّه لا شيءَ معها وبكت ، فقال الزُبير : ما أرى ـ يا أبا الحسن ـ معها كتاباً ، فارجع بنا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لنخْبِره ببراءة ساحتها.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « يُخْبِرُني رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ معها كتاباً ويأمُرُني بأخذه منها ، وتقول أنت أنَّه لا كتاب معها » ثمّ اخترط السيفَ وتَقَدَّمَ إليها فقال : « أما واللّه لئن لم تُخْرِجِي الكتابَ لأكْشِفَنّك ، ثمّ لأَضرِبَنَّ عُنُقَك » فقالت له : إذا كان لا بُدَّ من ذلك فاعْرِضْ يا ابنَ أبي طالب بوجهِك عنّي ، فاعْرَض عليه‌السلام بوجهه عنها فكشفَتْ قِناعَها ، وأخرجت الكتاب من عَقِيصَتها (٢).

فاخذه أميرالمؤمنين عليه‌السلام وصار به إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » : تستبرهم : أي تطلب منهم البرّ.

(٢) العقيصة : الضفيرة. « الصحاح ـ عقص ـ ٣ : ١٠٤٦ ».

٥٧

وآله فأمرأن يُنادى بالصلاة جامعةً ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى المسجد حتّى امتلأ بهم ، ثمّ صَعِدَ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله المِنْبرَ وأخَذَ الكتابَ بيده وقال : « أيّها الناس ، إنّي كنتُ سألتُ اللّه عزّ وجلّ أن يُخْفِيَ أخبارَنا (١) عن قريش وإنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكّة يُخْبِرهُم بخبرنا ، فليَقُمْ صاحبُ الكتاب ، وإلاّ فضَحَه الوحي » فلم يَقُمْ أحدٌ ، فأعاد رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مقالته ثانيةً ، وقال : « ليَقُمْ صاحبُ الكتاب وإلاّ فَضَحَه الوحي » فقام حاطِب بن أبي بَلْتَعَةَ وهو يُرْعَدُ كالسَعفة في يوم الريح العاصف فقال : يا رسول اللّه أنا صاحبُ الكتاب ، وما أحْدَثتُ نفاقاً بعدَ إسلامي ، ولا شكّاً بعد يقيني. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فما الذي حَمَلَك على أن كتبتَ هذا الكتاب؟ » فقال : يا رسول اللّه ، إنّ لي أهلاً بمكّة ، وليس لي بها عَشيرة ، فاشفقت أن تكون الدائرةُ لهم علينا ، فيكونُ كتابي هذا كفاً لهم عن أهلي ، ويداً لي عندهم ، ولم أفعل ذلك لشكٍ في الدين.

فقال عمر بن الخَطّاب : يا رسولَ اللّه مُرني بقتله فإنّه قد نافق.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّه من أهل بدر ، ولعلّ اللّه تعالى اطّلع عليهم فغفرلهم. أخرِجُوه من المسجد ».

قال : فجعل الناس يَدْفَعون في ظَهْره حتّى أخرجوه ، وهو يَلتفِت (٢) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليرقّ عليه (٣) ، فامرالنبي صلّى اللّه عليه

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : نسخة اخرى : آثارنا.

(٢) في هامش « ش » و « م » : يتلفّت.

(٣) في هامش « ش » و « م » : نسخة اخرى : له.

٥٨

وآله بردّه وقال له : « قد عَفَوْتُ عنك وعن جُرمك ، فاستغفرْ ربّك (١) ولاتعُدْ لمثل ما جَنَيْتَ » (٢).

فصل

وهذه المنقبة لاحقة بما سلف من مناقبه عليه‌السلام وفيها أنّ به عليه‌السلام تَمَّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التدبيرُ في دخول مَكّة ، وكُفِيَ مؤونة القوم وما كان يَكْرَهُهُ من معرفتهم بقَصْده إليهم حتى فجأهم بَغْتةً ، ولم يَثِق في استخراج الكتاب من المرأة إلا بأميرالمؤمنين عليه‌السلام ولا استنصح في ذلك سواه ، ولا عَوَّل على غيره ، فكان به عليه‌السلام كفايتُه المهمّ ، وبلوغهُ المرادَ ، وانتظامُ تدبيره ، وصلاحُ أمر المسلمين ، وظهورُ الدين.

ولم يكن في إنفاذ الزُبَير مع أمير المؤمنين عليه‌السلام فضل يُعْتدّ به ، لأنّه لم يَكْفِ مهمّاً ، ولا أغنى بمُضيّه شيئاً ، وإنمّا أنفذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه في عِداد بني هاشم من جهة اُمّه صَفِيّة بنتِ عبد المطّلب ، فأراد عليه‌السلام أن يَتَولّى العملَ ـ بما استسرّ به من تدبيره ـ خاص أهله ، وكانت للزبير شَجاعةٌ وفيه إقدام ، مع النسب الذي بينه وبين أمير المؤمنين عليه‌السلام فعَلِم أنّه يُساعده على ما بعثه له ، إذْ كان تمامُ

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » : نسخة اخرى : فاستغفر اللّه لذنبك.

(٢) انظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٨ ، صحيح البخاري ٥ : ١٨٤ ، صحيح مسلم ٤ : ١٩٤١ / ٢٤٩٤ ، مسند أحمد ١ : ٧٩ ، سيرة ابن هشام ٤ : ٤٠ ، تاريخ الطبري ٣ : ٤٨ ، دلائل النبوة للبيهقي ٥ : ١٤ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٠١.

٥٩

الأمر لهما فراجَعَ إليهما بما يَخصُّهما ممّا يَعُمُّ بني هاشم من خير أو شر. فكان الزبير تابعاً لأمير المؤمنين عليه‌السلام ووَقَع منه فيما أنفذه (١) فيه ما لم يُوافِق صوابَ الرأي ، فتداركه أميرُ المؤمنين عليه‌السلام.

وفيما شرحناه من هذه القصّة بيانُ اختصاص أمير المؤمنين عليه‌السلام من المنقبة والفضيلة بما لم يَشْرَكه فيه غيرُه ، ولا داناه سواه بفضل يُقارِبُه فضلاً عن أن يُكافِئه ، والله المحمود.

فصل

ومن ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطَى الرايةَ ( في يوم ) (٢) الفَتْح سَعْدَ بنَ عُبادة ، وأمره أن يدْخُلَ بها مكّة أمامه ، فاخذها سعد وجعل يقول :

اَليومُ يومُ المَلْحَمَه

اَليومُ تُسْتَحلُّ (٣) الحُرمه

فقال بعضُ القوم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما تَسْمَع ما يقول سعدُ بن عُبادة؟ واللّه إنّا نخاف أن يَكُون له اليوم صولة في قريش. فقال عليه وآله السلام لأمير المؤمنين عليه‌السلام : « أدْرِكْ ـ يا علي ـ سَعْداً وخُذ الرايةَ منه ، فكُنْ أنت الذي تَدْخُلُ بها ».

ــــــــــــــــــ

(١) في « ح » وهامش « ش » و « م » : اُنْفِذَ.

(٢) في « م » وهامش « ش » : يوم.

(٣) في هامش « ش » و « م » : تسبى.

٦٠