الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
الجزء ١ الجزء ٢

وأمّا ابنُ ملجم ، فإنّ رجلاً من هَمْدان لَحِقَه فطَرَح عليه قَطيفة (١) كانت في يده ، ثمّ صَرَعه وأخذ السيفَ من يده ، وجاء به إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام ، وأفَلَت الثالث فانسلّ بين الناس.

فلمّا اُدْخِلَ ابنُ مُلْجَم على أمير المؤمنين عليه‌السلام نَظَر إليه ثم قال : « النفسُ بالنفس ، إن أنا مِتُ فاقْتلُوه كما قَتَلني ، وإن سَلِمْتُ رأيتُ فيه رأيي » فقال ابنُ مُلْجَم :

واللّه لقد ابتَعْتُه بالف وسَمَمْتهُ بالف ، فإن خانني فأبْعَدَه اللّه.

قال : ونادته اُمّ كلثوم : يا عدوَّ اللّه ، قتلتَ أميرَ المؤمنين عليه‌السلام قال : إنما قتلتُ أباك ، قالت : يا عدوَّ الله ، إنّي لأرجوأن لا يكونَ عليه بأسٌ ، قال لها : فاراكِ إنّما تَبكين علي إذأ ، واللّه لقد ضربتهُ ضربةً لو قسِمَتْ بين أهل الأرض لأهلكَتْهم.

فاُخْرِجَ من بين يَدَي أمير المؤمنين عليه‌السلام وإنّ الناسَ ليَنْهشون (٢) لحمَه باسنانهم كأنهم سِباع ، وهم يقولون : يا عدوَّالله ، ماذا فعلت (٣)!؟ أهلكتَ اُمّة محمّدٍ وقَتَلْتَ خيرَ الناس. وإنّه لصامت ما ينطق. فذُهِبَ به إلى الحبس.

وجاء الناسُ إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقالوا له : يا أمير المؤمنين مُرْنا بامرك في عدوّ الله ، فلقد أهلك الأمّة وأفسد الملّة. فقال لهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إن عِشْتُ رأيت فيه رأي ، وإن هَلَكْث فاصنعوا

ــــــــــــــــــ

(١) القطيفة : كساء له خمل « النهاية ـ قطف ـ ٤ : ٨٤ ».

(٢) في هامش « ش » : لينهسون.

(٣) في م وهامش « ش » : صنعت.

٢١

به (١) ما يُصْنَع بقاتل النبيّ ، اقتلوه ثمّ حَرِّقوه بعد ذلك بالنار ».

قال : فلمّا قضى أميرُ المؤمنين عليه‌السلام ، وفَرَغ أهلهُ من دفنه ، جَلسَ الحسنُ عليه‌السلام وأمرأن يؤتى بابن مُلْجَم ، فجِيء به ، فلمّا وقف بين يديه قال له : « يا عدؤَ اللّه ، قتلتَ أمير المؤمنين ، وأعظمت الفساد في الدين » ثمّ أمر به فضُرِبَتْ عنقًه ، واستَوْهَبتْ اُمّ الهَيْثم بنت الأسود النَخَعيّة جيفَتَه (٢) ، منه لتَتَولّى إحراقَها ، فوَهَبَهَا لها فاحْرَقَتْها بالنار.

وفي أمر (٣) قَطام وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول الشاعر :

فلم أر مَهْراً ساقَهُ ذُو سَماحةٍ

كَمَهْرِقَطامٍ من فَصيحٍ وأعْجَم

ثلاثةِ آلافٍ وعبدٍ وقَيْنَةٍ

وضرب عليّ بالحُسام المَصَمَّم (٤)

ولا مهرَ أغلى من عليٍّ وإن غلا

ولا فَتْكً إلا دونَ فَتْكِ ابنِ مُلْجَم

وأما الرجلان اللذان كانا مع ابنِ ملجم لعنهم اللّه أجمعين في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدَهما ضَرَب معاوية وهو راكع فوقعت ضربتُه في أليته ونجَا منها ، فاُخِذَ وقُتِل من وقته.

وأما الآخَرُ فإنّه وافى عَمْراً في تلك الليلة وقد وَجَدَ عِلّةً فاستخلف رجلاً يصَلّي بالناس يُقال له : خارجة بن أبي حَبيبة العامِري ، فضربه

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » زيادة : مثل.

(٢) في هامش « ش » : جثته.

(٣) في هامش « ش » : مهر.

(٤) في هامش « ش » : المسمّم.

٢٢

بسيفه وهو يَظُن أنّه عمرو ، فاُخِذ وأُتي به عَمْرو فقتله ، ومات خارجةُ في اليوم الثاني (١).

فصل

ومن الأخبار التي جاءت بموضع قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام

وشرح الحال في دفنه :

ما رواه عَبّاد بن يعقوب الرَواجِنّي قال : حَدَّثنا حِبان (٢) بن علي العَنَزيّ قال : حَدَّثني مولىً لِعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : لما حَضَرَتْ أميرَ المؤمنين عليه‌السلام الوفاةُ قال للحسن والحسين عليهما‌السلام : إذا أنا متّ فاحملاني على سريري ، ثمّ أخْرِجاني واحمِلا مؤخّرَ السرير فإنّكما

ــــــــــــــــــ

(١) ذكرت هذه الواقعة مقطعة في : تاريخ الطبري ٥ : ١٤٣ ، مقاتل الطالبيين : ٢٩ ، طبقات ابن سعد ٣ : ٣٥ ، انساب الاشراف ٢ : ٤٨٩ / ٥٢٤ ، مروج الذهب ٢ : ٤١١ ، الامامة والسياسة ١ : ١٥٩ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٣٨٩ ، مناقب الخوارزمي : ٣٨٠ / ٤٠١ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣١١ ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار ٤٢ : ٢٢٨ / ٤١.

(٢) كذا في « ش » وهو أخو مندل كما في هامش « ش » ، وفي « م » بخطّ حديث : حيان ، وفي « ح » : جيّان بن علي مولى لعلي بن أبي طالب وفيه سقط ، ثم إنّ في ضبط اسمه خلافأ فقط ضبطه العلامة وابن داود بالياء المنقطة تحتها نقطتين بعد الحاء « خلاصة الرجال : ٦٤ ، ٢٦٠ ، ايضاح الاشتباه : ٩٧ ، رجال ابن داود : ١٣٦ و ٣٥٢ » لكن الظاهر كونه حِبّان بالموحدة بعد الحاء المكسورة كما في غير واحد من كتب الرجال من العامة. انظر : تبصير المنتبه : ٢٧٨ ، تقريب التهذيب ١ : ١٤٧ ، الجرح والتعديل ٣ : ٠ ٢٧ ، المجروحين لابن حبّان ١ : ٢٦١ ، الضعفاء للعقيلي ١ : ٢٩٣ ، سؤالات ابن الجنيد : ٩٦ ، الضعفاء للنسائي : ٨٩ ، الضعفاء للدارقطني : ٣٠١ ، الضعفاء الصغير للبخاري : ٤٢٦ ، تاريخ بغداد ٨ : ٢٥٥ ، ميزان الاعتدال ١ : ٤٤٩ ، تهذيب التهذيب ٢ : ١٧٣.

٢٣

تُكفَيان مقدمَهُ ، ثم ائتيا بي الغريّينْ (١) ، فإنّكما ستريان صخرةً بيضاء تَلْمَعُ نوراً ، فاحتفِرا فيها فإنّكما تجدان فيها ساجَةً ، فادفِناني فيها ».

قال : فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمِل مؤَخّر السرير ونُكْفى مُقَدَّمهُ ، وجعلنا نسمَع دَويّاً وحَفيفاً حتى أتينا الغَريّين ، فإذا صخرة بيضاء ( تَلمَع نوراً ) (٢) ، فاحتفرنا فإذا ساجَة مكتوب عليها : « مما أدخر نوحٌ لعليّ بن أبي طالب ». فدفنّاه فيها ، وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله لأمير المؤمنين عليه‌السلام فلَحِقَنا قومٌ من الشيعة لم يَشْهَدوا الصلاة عليه ، فاخبرناهم بما جَرى وبإكرام الله أميرَ المؤمنين عليه‌السلام فقالوا : نُحبّ أن نُعايِن من أمره ما عاينتم. فقلنا لهم : إنّ الموضع قد عًفي أثرهُ بوصية منه عليه‌السلام ، فمضوا وعادوا إلينا فقالوا أنّهم احتفروا فلم يجدوا شيئاُ (٣).

وروى محمّد بن عُمارة (٤) قال : حَّثني أبي ، عن جابر بن يزيد قال : سالت أبا جعفر محمَّد بنَ علي الباقر عليه‌السلام : أين دُفِنَ أميرُ المؤمنين

ــــــــــــــــــ

(١) الغريان : بناءان كالصومعتين بظاهر الكوفة بناهما المنذر بن امرئ القيس. « معجم البلدان ٤ : ١٩٨ ».

(٢) في هامش « ش » : يلمع نورها.

(٣) صدره في الخرائج والجرائح ١ : ٢٣٣ / ذيل الحديث ٧٨ ، اعلام الورى : ٢٠٢ ، فرحة الغري : ٣٦ ، ونقله المجلسي في البحار ٤٢ : ٢١٧ / ذيل الحديث١٩.

(٤) كذا في النسخ ولعلّ الصواب جعفر بن محمد بن عمارة ، وهو يروي عن أبيه عن جابر ابن يزيد الجعفي في غير واحد من الاسانيد كاسانيد كتب الصدوق ، انظر : معاني الاخبار : ٢١ ، ٥٥ ، ١٠٤ ، ٢٣٧ ، الخصال : ٥٨٥ ، التوحيد : ٢٤٢ ، وكذا يروي جعفر عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام في أسانيد متكررة ، نعم وردت رواية محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام في صفات الشيعة ح ٦٩ لكنّه محرّف ، والصواب جعفر ابن محمد بن عمارة كما في البحار ٨ ( الطبعة القديمة ) : ١٩٦.

٢٤

عليه‌السلام؟ قال : « دُفِنَ بناحية (١) الغَرِيّنن ودُفِن قبلَ طلوع الفجر ودَخَل قبره الحسنُ والحسينُ ومحمّد بنو علي عليه‌السلام وعبداللّه بن جعفر رضي الله عن » (٢).

وروى يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن رجاله ، قال : قيل للحسين (٣) بن علي عليهما‌السلام : أين دَفْنتم أميرَ المؤمنين عليه‌السلام؟ فقال : « خَرَجنا به ليلاً على مسجد الأشْعَث ، حتّى خَرَجنا به إلى الظَهْر بجنب الغَرِيّ ، فدفنّاه هناك » (٤).

وروى محمّد بن زَكَريّا قال : حدَّثنا عبيدالله بن محمّد بن عائشة (٥)

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » : بجانب.

(٢) اعلام الورى : ٢٠٢ ، فرحة الغري : ٥١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ٢٢٠ / ذيل الحديث ٢٦.

(٣) كذا في « م » وهامش « ش » والبحار وكامل الزيارات وفرحة الغري وكفاية الطالب ، وفي متن « ش » ومقاتل الطالبيين : للحسن بن علي.

(٤) مقاتل الطالبيين : ٤٢ ، كامل الزيارات : ٣٣ ، فرحة الغري : ٣٩ ، كفاية الطالب : ٤٧١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ٤٢ / ٢٣٤ ، وقد بينت المصادر المراد من رجال ابن ابي عمير في السند وفيها اختلاف يسير فراجع.

(٥) محمد بن عائشة وفوقه علامة التصحيح ولعل المراد ان « محمد عن ابن عائشة » تصحيف والصواب بدله محمد بن عائشة وكأنّ فوق « محمد » علامة الزيادة ( ز .. الى ) فحينئذ تصير العبارة كما اثبتناه في المتن ، وفي « م » : محمد بن عبداللّه بن محمد بن عائشة ، وفي « ح » : عبيدالله عن ابن عائشة ، ونقل في البحار هذا الخبر عن فرحة الغري باسناده الى المفيد عن محمد بن زكريا عن عبدالله بن محمد بن عائشة ، ثم أشار بعد ذكر الخبر انّ في الارشاد مثله ، ئم انّ الخبرمروي في فرحة الغري بطريق اخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة عن عبداللّه بن حازم بن خزيمة وهذا نظيرما أثبتناه في المتن وهو أقرب في بادئ النظر من جهة انّ محمد بن زكريا الغلابي يروي عن ابن عائشة كما هو المصرّح في كتب الرجال وهو ابو عبد الرحمن عبيدالله بن محمد بن حفص العيشي المعروف بابن عائشة لانه من ولد عائشة بنت طلحة ، توفي في شهر رمضان ٢٢٨ انظر :

٢٥

قال : حدثني عبداللّه بن خازم (١) قال : خرجنا يوماً مع الرشيد من الكوفة نَتَصيّد ، فصِرْنا إلى ناحية الغَرِيّين والثَويّة (٢) ، فرأينا ظِباءً فأرسلنا عليها الصُقورة والكِلاب ، فجاوَلتها (٣) ساعةً ثمّ لَجَأتِ (٤) الظِباء إلى أكمةٍ فسَقَطَتْ عليها فسَقَطَتِ الصُقورةُ ناحيةً ورَجَعتِ الكِلابُ ، فعَجب (٥)

ــــــــــــــــــ

تاريخ بغداد ١٠ : ٣١٥ ، انساب السمعاني ٩ : ١٠٦ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٥٥٠ ، لسان الميزان ٥ : ١٦٨ ، تهذيب التهذيب ٧ : ٤٥.

هذا لكن يبعّد صحة هذه النسخة ما في متن الخبر : قال محمد بن عائشة : فكأنّ قلبي لم يقبل ذلك .. الخ ، فحينئذ امّا ان يلتزم بوقوع التحريف في ذيل الخبر وامّا ان يقال انّ المراد من محمد بن عائشة في الذيل هو عبيدالله بن محمد بن عاشة واطلق عليه اسم ابيه مجازاً كما في محمد بن عمر بن يزيد ،. وامّا ان يقال بانْ الصواب هو محمد ابن عبيدالله بن محمد بن عائشة ولا مانع من رواية الغلابي عنه مع روايته عن ابيه عبيدالله ، والغلابي توفي بعد سنة ٢٨٠ ، وعبيداللّه بن عائشة توفي سنة ٢٢٨ فبين وفاتيهما اكثر من خمسين سنة فيناسب رواية الغلابي عن ابنه ايضاً ، وفي لسان الميزان : قال الغلابي : حدثنا ابن عائشة عن ابيه ، فيحتمل كون المراد من ابن عائشة هو محمد ابن عبيدالله ، فلاحظ.

(١) كذا في « م » وفرحة الغري والبحار والدلائل البرهانية ، ونقله في فرحة الغري بطريق آخر عن عبيداللّه بن محمد بن عائشة قال : حدثنا عبداللّه بن حازم بن خزيمة ، لكن في نسخة « ش » : خازم باعجام الخاء ، وهو الصحيح ، وقد جاء ذكره في احداث خلافة المهدي والرشيد والأمين.

فقد كان على شرط المهدي سنة ١٦٧ وعزله في سنة ١٦٩ ( تاريخ الطبري ٨ : ١٦٤ و ١٨٩ ).

وولاه الرشيد طبرستان ورويان سنة ١٨٠ ( تاريخ الطبري ٨ : ٢٦٦ ).

وله ذكر في احداث سنة ١٩٥ في عهد الأمين ( تاريخ الطبري ٨ : ٣٩٥ ، ٩٩٣ ، ٤١٢. وسنة ١٩٧ ( تاريخ الطبري ٨ : ٤٦٧ ) ٠ انظر فهرست تاريخ الطبري ١٠ : ٣٠٦.

(٢) الثوية : موضع قريب من الكوفة. « معجم البلدان ٢ : ٨٧ ».

(٣) في هامش « ش » : فجاولناها.

(٤) في « م » وهامش « ش » : التجأت.

(٥) في « م » وهامش « ش » : فتعجب.

٢٦

الرشيد من ذلك ، ثمّ إنّ الظِباء هَبطَتْ من الأكَمَةِ فهبَطَتْ الصُقورةُ والكِلابُ ، فرَجَعت الظِباء إلى الأَكمة فتراجعتْ عنها الكلاب والصُقورة ، ففعلت (١) ذلك ثَلاثا (٢) ، فقال الرشيد : أًرْكُضُوا ، فمن لقيتموه فأتوني به ، فأتيناه بشيخ من بني أسَد ، فقال له هارون : أخبرني ما هذه الأكمة؟ قال : إن جعلتَ لي الأمان أخبرتُك. قال : لك عهدُ اللّه وميثاقه ألاّ اهِيجَك ولا أؤذِيك. قال : حدّثني أبي عن آبائي أنّهم كانوا يقولون أنّ في هذه الأكَمَةِ قبرَعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، جعله (٣) الله حَرَماً لا يأوِي إليه شيءٌ إلاّ أمِن. فنزل هارون فدعا بماء وتوضّأ وصلّى عند الاكمَة وتمرَّغَ عليها وجعل يَبْكي ، ثمّ انصرفنا.

قال محمّد بن عائشة : فكأنَّ قلبي لم يقبل ذلك ، فلمّا كان بعد ذلك حججتُ إلى مكة ، فرأيتُ بها ياسراً رحّال (٤) الرشيد ، فكان يجلس معنا إذا طُفنا ، فجرى الحديث إلى ان قال :

قال لي الرشيد ليلةً من الليالي ، وقد قَدِمنا من مكةّ فنزلنا الكوفة : يا ياسر ، قل لعيسى بن جعفرفليركب ، فركبا جميعاً وركبت معهما ، حتى إذا صِرنا (٥) إلى الغَرِيّن ، فامّا عيسى فطرح نفسَه فنام ، وأمّا الرشيد فجاء إلى أكمَةٍ فصلّى عندها ، فكلّما صَلّى ركعتين دعا وبكى وتمرّغ

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : ففعلن.

(٢) في هامش « ش » : ملياً.

(٣) في هامش « ش » : جعلها.

(٤) في « م » : جمّال.

(٥) في هامش « ش » : صارا.

٢٧

على الأكَمَةِ ، ثم يقول : يا عمّ (١) أنا والله أعْرِف فضلَك وسابقتَك ، وبك والله جلستُ مجلسي الذي ( أنا فيه ) (٢) ، وأنت أنت ، ولكنَّ ولدَك يؤذونني ويخرُجون عليّ. ثمّ يقوم فيُصلّي ثم يعيد هذا الكلام ويدعو ويبكي ، حتّى إذا كان في وقت السحر قال لي : يا ياسر ، أقِمْ عيسى ، فأقمته فقال له : يا عيسى ، قم صَلِّ عند قبر ابن عمّك. قال له : وأيًّ عُمومتي هذا؟ قال : هذا قبرُ عليّ بن أبي طالب ، فتوضّأ عيسى وقام يُصلّي ، فلم يَزالا كذلك حتّى طلع الفجر ، فقلت : يا أمير المؤمنين أدركَك الصبحُ. فركِبنا ورَجَعنا إلى الكوفة (٣).

* * *

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » وهامش « ش » : يا بن عم.

(٢) في هامش « ش » : أنا به.

(٣) فرحة الغري : ١١٩ ، والخرائج والجرائح ١ : ٢٣٤ / ذيل الحديث ٧٨ قطعة منه ، الدلائل البرهانية المطبوع في الغارات ٢ / ٨٦٢ ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٢ : ٣٣١ ذيل ح ١٦.

٢٨

باب

طرف من أخبار أمير المؤمنين عليه‌السلام

وفضائله ومناقبه ، والمحفوظ من كلامه وحِكمه ومواعظه ،

والمرويّ من معجزاته وقضاياه وبيّناته :

فمن ذلك ما جاءت به الأخبار في تقدّم إيمانه باللّه ورسوله عليه‌السلام وسبقهِ به كافَةَ المكلفين من الأنام.

أخبرني أبو الجَيْش المظفّر بن محمّد البَلْخي قال : أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج قال : حدّثنا أبو الحسن أحمد بن القاسمِ البرتي (١) قال : حدَّثنا عبدُ الرحمن بن صالح الأزْدي قال : حدّثنا سعيد بن خُثَيْم قال : حدّثني أسَد بن ( عبداللّه ) (٢) ، عن يحيى بن عَفيف (٣) ، عن أبيه قال :

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » بخط حديث و « ش » : البرقي وفي هامش « ش » : البرتي وكأن فوقه علامة التصحيح ـ وقد يأتي في السندين الآتيين اسمه أيضاً وفي « م » و « ش » كليهما : البرتي ـ فان الظاهر أنّه أحمد ابن القاسم بن محمد بن سليمان أبو الحسن الطائي البرتي ، وقد ترجم له في تاريخ بغداد ٤ : ٣٥٠ وذكر وفاته في سنة ٢٩٦ ، ثم إنْ في هامش « ش » برْت : قرية بالعراق على القاطول خربة. وفي معجم البلدان ا : ٣٧٢ : هي بليدة في سواد بغداد قريبة من المزرَفَة هـ وفي انساب السمعاني ٢ : ١٢٧ : هي مدينة بنواحي بغداد.

(٢) في « ش » و « ح » : اسد بن عبيدة ، وفي هامش « ش » : هو اسد بن عبيدة كذا هو في كتاب ابن مردويه ، والظاهر ان الصواب ما اثبتناه ، وهو اسد بن عبدالله بن يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبقري البجلي القسري ، ابوعبدالله ، ويقال : ابو المنذر ، ولاه اخوه خالد ابن عبدالله القسري على خراسان سنة ١٠٨ هـ ، روى عن ابيه وعن يحيى بن عفيف وعنه سعيد بن خثيم وسالم بن قتيبة الباهلي ، توفي سنة ١٢٠ س ، انظر « تهذيب الكمال ٢ : ٥٠٤ / ٣٩٩ ، ميزان الاعتدال ١ : ٢٠٦ / ٨١٢ و ٤ : ٣٩٦ / ٩٥٨٩ ».

(٣) في هامش « ش » : هوعفيف بن قيس.

٢٩

كنتُ جالساً مع العبّاس بن عبد المطّلب رضي‌الله‌عنه بمكّة قبل أن يظهرَأمرُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء شابّ فنَظَرإلى السماء حين تحلّقتِ (١) الشمسُ ، ثمّ استقبلَ الكعبةَ فقام يُصلّي ، ثمّ جاء غلامٌ فقام عن يمينه ، ثمّ جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما ، فرَكَع الشابًّ فرَكَع الغلامُ والمرأة ، ثمّ رَفَع الشابًّ فرفعا ، ثمّ سَجَدَ الشابُّ فسجدا ، فقلت : يا عبّاس ، أمر عظيم. فقال العبّاسُ : أمر عظيم ، أتَدْري مَنْ هذا الشابّ؟ هذا محمّد بن عبداللّه ـ ابن أخي ـ أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ بن أبي طالب ـ ابنُ أخي ـ أتَدْري مَنْ هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد. إنّ ابن أخي هذا حدّثني أنّ ربَّه ـ ربُّ السموات والأرض ـ أمَرَه بهذا الدين الذي هوعليه ، ولا واللّه ما على ظَهْر الأرض على هذا الدين غيرُهؤلاء الثلاثة (٢).

أخبرني أبوحَفْص عُمَر بن محمّد الصيرفي قال : حدثنا محمّد بن أحمد بن أبي الثَلْج ، عن أحمد بن القاسم البرتي ، عن أبي صالح سَهْل بن صالح ـ وكان قد جاز مائة سنة ـ قال : سمعتُ أبا المعمّر عبّاد بن عبد الصمد قال : سمعتُ أنَسَ بن مالك يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « صَلّتِ الملائكة عليَّ وعَلى عليٍّ سبعَ سنين » وذلك أنه لم يُرْفَع إلى

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : تحلقت : ارتفعت.

(٢) تاريخ الطبري ٢ : ٣١١ ، كنز الفوائد ١ : ٢٦٢ ، مصباح الانوار : ٧٥ ، كفاية الطالب : ١٢٨ ، مناقب الخوارزمي : ٥٥ / ٢١ ، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد ١ : ٢٠٩ ، الضعفاء الكبير للعقيلي ١ : ٢٧ وهامشه ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٨٣ ، الاصابة ٢ : ٤٨٧ ، الاستيعاب ٣ : ٣٢ ، مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ١٨ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٥٧ ، اعلام الورى : ٤٩ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨ : ٢٤٤ / ذح ٤٠.

٣٠

السماء شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله إلاّّ منّي ومن عليّ » (١).

وبهذا الاسناد عن أحمد بن القاسم البرتي قال : حدّثنا إسحاق قال : حدّثنا نوح بن قَيْس قال : حدّثنا سليمان بن عليّ الهاشمي ـ أبوفاطمة ـ قال. سمعت مُعاذة العَدَويّة تقول : سمعتُ علياً عليه‌السلام على منبرالبصرة يقول : » أنا الصدّيق الأكبر ، آمنتُ قبل أن يؤُمِنَ أبو بكر ، واسلمتُ قبل ان يسلم » (٢).

أخبرني أبو نَصْر محمّد بن الحسين الُمقرِئ البصير ( السِيرَواني ) (٣) قال : حدَّثنا أبو بكر محمّد بن أبي الثَلجْ قال : حدَّثنا أبو محمّد النَوْفَلي ، عن محمّد بن عبد الحميد ، عن عمروبن عبد الغفّار الفُقَيْمي قال : أخبرني إبراهيم بن حَيّان ، عن أبي عبدالله ـ مولى بني هاشم ـ عن أبي سُخَيْلة قال : خرجت أنا وعمارحاجّين ، فنزلنا عند أبي ذرّ فأقَمْنا عنده ثلاثةَ أيام ، فلمّا دنا منّا الخُفوف (٤) قلت له : يا أباذرّ ، إنّا لا نَراه إلاّّ وقد دنا الاختلاط من الناس ، فما ترى؟ قال : اِلزَمْ كتابَ الله وعليَّ بن أبي طالب ، فأشْهَدُ على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنَه قال : « عليّ أوّلُ من

ــــــــــــــــــ

(١) الفصول المختارة : ٢١٥ ، مصباح الانوار : ٧٥ ، مناقب ابن المغازلي : ١٤ ، إعلام الورى : ١٨٥ ، مناقب الخوارزمي : ١٧ / ٥٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨ : ٢٢٦ / ٣١.

(٢) الفصول المختارة : ٢١٠ ، أنساب الاشراف ٢ : ١٤٦ ، كنز الفوائد ١ : ٢٦٥ ، مناقب ابن شهر آشوب٢ : ٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨ : ٢٢٦ / ٣٢.

(٣) في « ح » : الشيرواني باعجام الشين ويحتمل صحة كليهما بان يكون السيرواني تعريباً للشيرواني ، فقد يعبر باسمه الاصلي وقد يعبر باسمه المعرَب.

(٤) خفّ القوم : ارتحلوا « القاموس المحيط ـ خفف ـ ٣ : ١٣٦ ».

٣١

آمن بي ، وأوّلُ من يُصافحني يومَ القيامة ، وهو الصِدِّيق الأكبر ، والفاروق بينَ الحقّ والباطل ، وإنّه يَعْسُوب (١) المؤمنين ، والمال يَعْسُوب الظَلَمة (٢).

قال الشيخ المفيد (٣) : والأخبار في هذا المعنى كثيرة ، وشواهدها جَمَّة ، فمن ذلك : قول خُزَيمة بن ثابت الأنصاري ذي الشهادتين ـ رحمة اللّه عليه ـ فيما أخبَرني به أبو عبيداللّه محمّد بن عِمْران المَرزْبانيّ ، عن محمّد بن العبّاس قال : أنشدنا محمّد بن يزيد النحوي ، عن ابن عائشة لخُزَيمة بن ثابت الأنصاري رضي‌الله‌عنه :

ما كنتً أحسبُ ( هذا الأمرَمُنْصَرِفاً ) (٤)

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أوّلَ منْ صلّى لِقِبْلَتهم

وأعرفَ الناسِ بالاثار (٥) والسُنَن

واخِرَ الناس عَهداً بالنبيّ ومَنْ

جبريلُ عَوْنٌ له في الغَسْل والكَفَن

مَنْ فيه ما فيهمُ لايمترون به

وليس في القوم مافيه مِنَ الحَسَن

ماذا الذي رَدَّكم عنه فنَعْلَمه (٦)

ها إنَ بَيْعَتَكم من ( أغبن الغَبَن ) (٧) (٨)

ــــــــــــــــــ

(١) اليعسوب : الرئيس الكبير ، « القاموس ـ عسب ـ ١ : ١٠٤ ».

(٢) أنساب الاشراف ٢ : ١١٨ ، امالي الصدوق : ١٧١ / ٥ ، امالي الطوسي ١ : ١٤٧ ، اختيار معرفة الرجال ١ : ١١٣ / ٥١ ، مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ٣١٥ ، اليقين : ٢٠٠ ، باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٨ : ٢١٠ ذيل ح ١٠.

(٣) في « م » زيادة : أدام تاييده.

(٤) في « م » وهامش « ش » : ان الامر منصرف.

(٥) في هامش « ش » : بالآيات.

(٦) في هامش « م » : لنعلمه.

(٧) في هامش « ش » و « م » : أول الفتن.

(٨) رواه سليم بن قيس في كتابه : ٧٨ ، والأربلي في كشف الغمة ١ : ٦٧ ، وفيهما : عن العباس ، وفي تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٢٤ عن عتبة بن أبي لهب ، والجمل : ٥٨ ، عن عبدالله بن ابي سفيان

٣٢

فصل

ومن ذلك ما جاء في فضله عليه‌السلام على الكافّة في العلم :

أخبَرني أبو الحسن محمّد بن جعفر التَميمي النَحْوي قال : حدّثنا محمّد بن القاسم المُحارِبي البَزّاز قال : حدَّثنا هِشام بن يونس النَهْشَلي قال : حدّثنا عائذُ بن حَبيب ، عن أبي الصباح الكِناني ، عن محمّد بن عبد الرحمن السُلَمي ، عن أبيه ، عن عِكْرِمَة ، عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللة صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عليُّ بن أبي طالب أعلمُ اُمّتي ، وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي » (١).

أخبرني أبو بكر محمد بن عُمَر الجعابيّ قال : حدّثنا أحمد بن عيسى أبو جعفر العِجْلي قال : حدَّثنا إسماعيل بن عبدالله بن خالد قال : حدَثنا عبيداللّه ابن عمرو الرقيّ (٢) قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عَقيل ، عن حمزة بن أبي سعيد الخُدْري (٣) ، عن أبيه قال : سمعتُ رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : « أنا مدينة العلم وعلي بابُها ، فمن أراد العلمَ فليقتبسه مِنْ علي » (٤).

أخبَرني أبو بكر محمّد بن عُمَر الجِعابي قال : حدَّثنا يوسف بن

ــــــــــــــــــ

ابن الحارث بن عبد المطلب ، والفصول المختارة : ٢١٦ عن ربيعة بن الحارث ، وكنز الفوائد ١ : ٢٦٧ عن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

(١) أمالي الصدوق : ٣٩٧ / ٦ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ١٤٣ / ٤٩.

(٢) ليس في متن « ش » و « م » و « ح » كلمة الرقي ، وانما اضيفت في هامش « ش » و « م » تصحيحاً.

(٣) في « ش » : عن حمزة ، عن ابي سعيد الخدري.

(٤) نقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ٢٠٢ / ٧.

٣٣

الحَكَم الحنّاط قال : حدَّثنا داود بن رُشَيْد قال : حدَّثنا سَلمَة بن صالح الأحمر ، عن عبد المَلِك بن عبد الرحمن ، عن الأشْعَث بن طَليقٍ قال : سمعتُ الحسنَ العُرَني يُحدِّث عن مُرّةٍ ، عن عبدالله بن مسعود قال : استدعى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله علياً فخلا به ، فلمّا خَرَج إلينا سألناه ما الذي عَهِدَ اليك؟ فقال : « علّمني ألفَ باب من العلم ، فَتَحَ لي كلًّ بابٍ ألفَ باب » (١).

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز (٢) قال : حدَّثنا أبو مالك كثير بن يحيى قال : حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن أبي السَرِيّ قال : حدَّثنا أحمد ابن عبداللّه بن يونس ، عن سعدٍ الكناني ، عن الأصْبَغ بن نُباتة قال : لما بويع أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه‌السلام بالخلافة خرج إلى المسجد مُعْتَمّاً بعِمامة رسولِ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لابِساً بُرْدَيه (٣) ، فصَعِد المِنْبَر فحمد اللّه وأثنى عليه ووَعَظ وأنذر ، ثمّ جلس مُتَمكِّناً وشَبَّك بين

ــــــــــــــــــ

(١) اعلام الورى : ١٦٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ١٤٤ / ٥٠.

(٢) في متن « ش » و « م » : أبوبكر ، وفي « ح » : أبو الجيش وقد صحح أبو بكر بأبي الحسين في هامش « ش » و « م » وقد جعل على أبي بكر في « ش » علامة الزيادة ، وكتب في هامشها معلماً بعلامة ( س ) ووجدت في نسخة منقوِلة ممّا قرئ على الشيخ : أبو الحسين محمد بن المظفر البزاز في عدة مواضع فهو الصحيح ، وأيضاَ كتب في هامشها : أبو الحسين الحافظ البغدادي وكان معاصراً للدار قطني ويعرف أبو الحسين بالبزاز الاشهب وهو محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى ، انتهى.

وتوجد هذه الحاشية في هامش « م » أيضاً لكن محي اكثره.

وعلى أي حال أبو الحسين البزاز مترجم في تاريخ بغداد ٢ / ٢٦٢ وذكر ولادته سنة ٢٨٦ ووفاته سنة ٣٧٩ وقال : حدثني أبو بكر البرقاني قال : كتب الدارقطني عن ابن المظفر ألف حديث ، والف حديث ، والف حديث ، فعدّد ذلك مرّات.

(٣) في هامش « ش » : بردته.

٣٤

أصابعه ووَضَعَها أسفل سُرته (١) ، ثمّ قال :

« يا مَعْشَر الناس ، سَلوُني قبل أن تفقدوني ، سلوني فإنّ عندي علمَ الأوّلين والآخِرين. أما ـ واللّه ـ لو ثُنيَ لي الوِساد (٢) ، لحكمتُ بينَ أهلِ التوراة بتَوْراتهم ، وبينَ أهلِ الإنجيل بإنجيلهم ، وأهل الزَبور بزَبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، حتى يَزْهَرَ (٣) كل كتاب من هذه الكُتُب ويقول : يا ربّ إنّ عليّاً قَضى بقضائك. واللّه إنّي أعْلَمُ بالقران وتأوِيله من كلّ مُدعٍ علْمَه ، ولولا آيةٌ في كتاب اللّه لأخْبَرْتُكم بما يكون إلى يوم القيامة » ـ ثمّ قال ـ : « سلوني قبل أن تَفْقِدُوني ، فوالّذي فَلَق الحبّة وبَرَأ النَسَمة ، لو سألتموني عن آية آية ، لأخبرتُكم بوقت نزولها وفي مَنْ (٤) نَزَلَتْ ، وأنبأتًكم بناسخها من منسوخها ، وخاصِّها من عامّها ، ومُحْكَمها من متَشابهها ، ومكيّها من مدنيّها. والله ما فئةٌ ( تُضَلّ أو تُهْدى ) (٥) إلاّ وأنا أعرف قائدَها وسائقها وناعقَها إلى يوم القيامة » (٦).

في أمثال هذه الأخبار ممّا يطول به الكتاب.

ــــــــــــــــــ

(١) في « م » : بطنه.

(٢) في هامش « ش » و « م » : الوسادة.

(٣) في هامش « ش » و « م » : ينطق.

(٤) في « م » وهامش « ش » : وفيم.

(٥) في « م » وهامش « ش » : تَضِل أو تَهدِي.

(٦) التوحيد : ٣٠٤ ، امالي الصدوق : ٢٨٠ ، الاختصاص : ٢٣٥ ، مناقب ابن شهر آشوب ٢ : ٣٨ باختلاف يسير ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ١٤٤ / ٥١.

٣٥

فصل

ومن ذلك ماجاء في فضله عليه‌السلام :

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المُظَفّر البَزّاز قال : حدَّثنا عُمَر بن عبداللّه ابن عِمْران قال : حدَّثنا أحمد بن بَشير قال : حدَّثنا عبيدالله بن موسى ، ( عن قَيْس ، عن أبي هارون ) (١) قال : أتيت أبا سعيد الخدْري رحمه‌الله فقلت : هل شَهِدْتَ بَدْراً؟ فقال : نعم. قال : سَمِعتُ رسولَ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةَ وقد جاءَتْه ذاتَ يوم تبكي وتقول : « يا رسولَ الله عَيّرتْني نساءُ قُريش بفقر عليّ. فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضَيْن يافاطمة ـ أني زوّجتُك أقدمَهم سِلْماً ، وأكثرَهم علماً ، إنّ اللّه اطَّلع إلى اهل الأرض اطلاعةً فاختارمنهم أباك فجعله نبيّاً ، واطّلع إليهم ثانيةً فاختارمنهم بَعْلَك فجعله وصيّاً ، وأوحى إليَّ أن ( أًنكحَكِ إيّاه ) (٢). أما عَلِمْتِ يا فاطمة أنّك بكرامة اللّه إياك زوّجْتُكِ (٣) أعظمَهم حلماً ، وأكثرهَم علماً ، وأقدمَهم سِلماً ».

فضَحِكتْ فاطمة عليها‌السلام واستبشرتْ ، فقال لها رسولُ الله صلّى

ــــــــــــــــــ

(١) كذا في « ش » و « م » وفي هامش « ش » : قيس بن أبي هارون ( ج ) ، وقد جعل فوق قيس عن أبي هارون في المتن علامة التصحيح مرتين ، وفي هامش « ح » و « م » : هو قيس بن الربيع كوفي كثير الرواية عن أبي هارون العبدي وهوتابعي. روى عن أبي سعيد ، ثم إنّ في نسخة « ح » : عبيدالله بن موسى عن قيس أبي هارون.

(٢) في هامش « ش » : انكحكه هو.

(٣) في « م » و « ح » : زوّجك.

٣٦

اللّه عليه واله : « يافاطمة ، إنّ لعليٍّ ثمانيةَ أضراس قواطِعَ لم تجعل لأحدٍ من الأوّلين والآخرين : هو أخي في الدنيا والآخرة ليس ذلك لغيره من الناس ، وأنت ـ يا فاطمة ـ سيّدةُ نساء أهل الجنة زوجتُه ، وسِبْطا الرحمة سبطاي ولده (١) ، وأخوُه المُزَيّن بالجَناحين فِى الجنّة يَطير مع الملائكة حيث يشاء ، وعنده علمُ الأوّلين والاخرين ، وهو أوّلُ من آمن بي واخِرُ الناس عهداً بي ، وهو وصيّي ووارثُ الأوصياء (٢) » (٣).

قال الشيخ المفيد : وجدتُ في كتاب أبي جعفر محمّد بن العبّاس الرازي : حدَّثنا محمّد بن خالد قال : حدَّثنا إبرهيم بن عبداللّه قال : حدَّثنا محمّد ابن سليمان الديلمي ، عن جابر بن يزيد الجُعفىِ ، عن عَدِيّ بن حَكِيم عن عبدالله بن العبّاس قال : قال : لنا أهل البيت سبعُ خِصالٍ ، ما منهنّ خصْلةٌ في الناس : منّا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنّا الوصيّ خيرُ الأمّة بعده عليّ بن أبي طالب ، ومنّا حمزةُ أسد اللّه وأسدُ رسوله وسيّد الشهداء ، ومنّا جعفرُ بن أبي طالب المُزَيّن بالجَناحين يَطير بهما في الجنّة حيث يشاء ، ومنّا سِبْطا هذه الأمّة وسَيّدا شَباب أهل الجنة الحسن والحسين ، ومنّا قائمُ آل محمّد الذي أكرم اللّه به نبيّه ، ومنّا المنصور (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش « ش » و « م » : ولداه.

(٢) في هامش « ش » : الوصيين.

(٣) اشار الى قطعة منه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٠١ ، ونقله الطبرسي في إعلام الورى : ١٦٤ ، والعلامة المجلسي في البحار٤٠ : ١٧ / ٣٤.

(٤) ورد نحوه في الخصال : ٣٢٠ ومصباح الأنوار : ١٥٨ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٧ : ٤٨ / ٢٥ وقال ( ره ) : « لعل المراد بالمنصور ايضأ القائم عليه‌السلام بقرينة ان بالقائم يتم السبع ويحتمل ان يكون المراد به الحسين عليه‌السلام فانه منصور في الرجعة » وفسّره في هامش ( م ) : « اَيْ ونحن المنصورون لانا جند الله قال اللّه تعالى : ( وانهم لهم المنصورون ).

٣٧

وروى محمّد بن أَيْمَن (١) ، عن أبي حازِم ـ مولى ابنِ عبّاس ـ عن ابن عباس قال : قال رسولُ اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : « يا عليّ ، إنّك تُخاصَم فتَخْصِمُ بسبع خصالٍ ليس لأحد مثلهن : انت أوّلُ المؤمنين معي إيماناً ، وأعظمهُم جهاداً ، وأعلمُهم بآيات (٢) اللّه ، وأوفاهم بعهدِ الله ، وأرأفهُم بالرعية ، وأقسمُهم بالسويّة ، وأعظمهُم عند اللّه مزية » (٣).

في أمثال هذه الأخبار ومعانيها ، ممّا هي أشهر عند الخاصّة والعامّة من أن يحتاجَ فيها إلى إطالة خُطَب (٤). ولو لم يكن منها إلاّ ما انتَشَر ذكرُه ، واشتهرت الرواية به من حديث الطائر ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهَمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك ، يأكُل معي من هذا الطائر » (٥) فجاء أميرُ المؤمنين عليه‌السلام لكفى ، إذ كان أحب الخلق إلى اللّه تعالى ، وأعظمَهم ثواباً عنده ، وأكثرَهم قُرباً إليه ، وأفضلهم عملاً له.

وفي قول جابر بن عبداللّه الأنصاري ، وقد سُئل عن أمير المؤمنين

ــــــــــــــــــ

(١) في هامش نسخة « ش » : وهو محمد بن اسحاق بن يسار ، وقبره ببغداد ولعل كلمة ( أيمن ) كانت قد صحفت : باسحاق ، فهذه الحاشية تفسير لتلك العبارة المصحفة ولذلك جعل على كلمة ( ايمن ) علامة التصحيح.

(٢) في « م » وهامش « ش » : بأيام.

(٣) رواه عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى : ٢٧١ ، وورد باختلاف في الفاظه في الخصال : ٣٦٣ / ٥٤ ، ومصباح الانوار : ١١٥ ، وكفاية الطالب : ٢٧٠ عن معاذ بن جبل ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٤٠ : ١٧ / ٣٥.

(٤) في هامش « ش » : شرح.

(٥) حديث الطائر من الاحاديث المشهورة التي جاوزت اسانيدها المئات والتي افردت بالتأليف من قبل جماعة من الحفاظ من كلا الفريقين ، انظر على سبيل المثال مجلد حديث الطيرمن كتاب عبقات الانوار.

٣٨

عليه‌السلام فقال : « ذاك خيرُ البَشرَ ، لا يَشُكّ فيه إلاّ كافر » (١) حجةٌ واضحة فيما قدّمناه ، وقد أسْنَد ذلك جابرٌ في رواية جاءت بأسانيد متّصلة معروفة عند أهل النقل (٢).

والأدلّةُ على أنّ أميرَ المؤمنين عليه‌السلام أفضلُ الناس بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله متناصرةٌ ، لو قَصَدنا إلى إثباتها (٣) لأفردنا لها كتاباً ، وفيما رَسَمناه من الخبر بذلك مُقنع فيما قصدناه من الاختصار ، ووضعِه فِى مكانه من هذا الكتاب.

فصل

ومن ذلك ماجاء من الخبر بأنّ

محّبته عليه‌السلام عَلَمٌ على الإيمان وبغضه عَلَم على النفاق :

حدَّثنا أبو بكر محمّد بن عُمَر المعروف بابن الجِعابي الحافظ قال : حدَّثنا محمد بن سَهْل بن الحسن قال : حدثنا أحمد بن عُمَر الدِهْقان قال : حدَّثنا محمد بن كثيرقال : حدَّثنا إسماعيل بن مُسْلِم قال : حدَّثنا الأعْمَش ، عن عَدِيّ بن ثابت ، عن زِرّ بن حُبَيْش قال : رأيتُ أميرَ المؤمنين

ــــــــــــــــــ

(١) امالي الصدوق : ٧١ / ٧ ، مصباح الانوار : ١٢٥ ، مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٦٧ ، كفاية الطالب : ٢٤٦ وفيه عن عائشة.

(٢) انظر على سبيل المثال انساب الاشراف ٢ : ١١٣ / ٥٠ ، تاريخ بغداد ٧ : ٤٢١ ، تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام علي عليه‌السلام ـ ٢ : ٤٤٥ / ٩٥٨ ـ ٩٦٢ ، اللآلي ١ : ٣٢٨ ، منتخب كنزالعمال ٥ : ٣٥.

(٣) في « م » : انتهائها.

٣٩

علي بن أبي طالب عليه‌السلام على المنبر ، فسَمِعته يقول : « والذي فَلَق الحبة وبرأ النَسَمة ، إنّه لعهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليّ أنّه لا يُحبُّك إلاّ مؤمن ولا يُبْغِضُك إلاّ منافقٌ » (١).

أخبرني أبو عبيداللّه محمّد بن عمران المرَزباني قال : حدَّثنا عبدالله بن محمّد بن عبد العزيز البَغَوِيّ قال : حدَّثنا عبيداللّه بن عُمَر القَوارِيري قال : حدَّثنا جعفر بن سُليمان قال : حدَّثنا النَضْر بن حُمَيد ، عن أبي الجارُود ، عن الحارث الهَمْداني قال : رأيتُ علياً عليه‌السلام جاء حتّى صَعِد المِنْبَر ، فحَمد اللّه وأثنى عليه ثمِّ قال : « قضاءٌ قضاه اللّه عزّوجلّ على لسان النبي (٢) الاميّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لا يُحبّني إلاّ مؤمنٌ ، ولا يُبْغضني إلاّ منافق ، وقد خاب مَن افترى » (٣).

أخبرني أبو الحسين محمّد بن المظفَّر البَزّاز ، قال : حدَّثنا محمّد بن يحيى ، قال : حدَّثنا محمّد بن موسى البَربَري ، قال : حدَّثنا خَلَف بن سالم ، قال : حدَّثنا وكيع ، قال : حدَّثنا الأعْمَش ، عن عديّ بن ثابِت ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « عَهِدَ إليّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّه لا يُحَّبك إلاّ مؤمنٌ ، ولا يُبْغِضُك إلاّ منافق » (٤).

ــــــــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ١ : ٨٦ / ١٣١ ، سنن الترمذي ٥ : ٩٠٦ / ٣٨١٩ ، خصائص النسائي : ٨٣ / ٩٥ ، كنز الفوائد ٢ : ٨٣ ، مناقب آل ابي طالب ٣ : ٢٠٦ ، بشارة المصطفى : ٦٤ و ٧٦ ، كفاية الطالب : ٦٨ ، فتح الباري ٧ : ٥٧ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٩ : ٢٥٥ / ٢٨.

(٢) في هامش « ش « و « م » : نبيّكم.

(٣) مسند أبي يعلى الموصلي ١ : ٣٤٧ ، وكنز الفوائد ٢ : ٨٤ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٣٩ : ٢٥٥ / ٢٩.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ / ١١٤ ، سنن النسائي ٨ :

٤٠