محمّد بن محمّد النعمان العكبري [ الشيخ المفيد ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣
عِمامتَه من رأسه وعمّمه بها ، وأعطاه سيفه ـ وقال له : « إِمضِ لشأنك » ثم قال : « اللهمّ أعِنْه » فسعى نحو عمرو ومعه جابر بن عبدالله الأنصاري رحمهالله ليَنْظُرَ ما يكون منه ومن عمرو.
فلمّا انتهى أمير المؤمنين عليهالسلام إليه قال له : « يا عمرو ، إنّك كنتَ في الجاهلية تقول : لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث إلاّ قَبِلتُها أو واحدةَ منها ».
قال : أجل.
قال : « فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول اللّه وأنْ تُسلِمَ لربّ العالمين ».
قال : يا ابن أخ أخّر هذه عنّي.
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : « أما إنّها خير لك لو أخذتها ».
ثمّ قال : « فها هنا أخرى ».
قال : ما هي؟
قال : « تَرْجِع من حيث جئتَ ».
قال : لا تحدث نساءُ قريش بهذا أبداً.
قال : « فها هنا أخرى ».
قال : ما هي؟
قال : « تَنزلُ فتقاتلني ».
فضَحِك عمرو وقال : إنّ هذه الخَصلة ما كنتُ أظُنُ أنّ أحداً من العرب يَرومني عليها ، وإنّي لأكره أن أقتُلَ الرجلَ الكريم مثلك ، وقد كان أبوك لي نديماً.
قال علي عليهالسلام : « لكنّني احبّ أن أقتلك ، فانزل إن شئت ».
فأسِف (١) عمرو ونزل فضرب وجهَ فرسه ( حتى رجع ) (٢).
فقال جابر بن عبداللّه رحمهالله : وثارت بينهما قَتَرة ، فما رأيتُهما وسمعتُ التكبيرتحتها ، فعَلِمتُ أن عليّاً عليهالسلام قد قتله ، وانكشف أصحابُه حتى طَفَرت خيولهُم الخندقَ ، وتبادر المسلمون حين سَمِعوا التكبيرَ ينظُرون ما صنع القوم ، فوجدوا نَوْفَلَ بن عبدالله في جوف الخندق لم يَنْهضْ به فرسُه ، فجعلوا يَرْمُونه بالحجارة ، فقال لهم : قِتْلَةٌ أجملُ من هذه ، يَنزِل بعضُكم اُقاتله ، فنزل إليه أمير المؤمنين عليهالسلام فضربه حتى قتله ، ولَحِق هُبَيرةَ فأعجزه فضرب قَربوسَ سَرْجه وسَقَطَتْ درعٌ كانت عليه ، وفَرّ عِكرِمةُ ، وهرب ضِرارُ بن الخطّاب.
فقال جابر : فما شَبَّهْتُ قتلَ علي عمراً إلاّ بما قَصّ اللّه تعالى من قصّة داود وجالوت ، حيث يقول : ( فَهَزَمُوهُمْ بِاِذْنِ أللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ ) (٣) (٤).
ــــــــــــــــــ
(١) أسف : غضب. « الصحاح ـ أسف ـ ٤ : ١٣٣١ ».
(٢) في هامش « ش » و « م » : حتى يرجع.
(٣) البقرة ٢ : ٢٥١.
(٤) مغازي الواقدي ٢ : ٤٧١ ، إعلام الورى : ١٩٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٤.
وقد روى قَيْس بن الرَبيع قال : حدَّثنا أبو هارون العَبْدي ، عن رَبيعة السَّعدي قال : أتيتُ حًذَيفةَ بن اليَمان فقلت له : يا با عبدالله ، إنّنا لنتحدّثُ عن عليّ عليهالسلام ومناقبه ، فيقول لنا أهل البصرة : إنكم تُفرِطون في عليّ ، فهل أنت مُحدّثي بحديث فيه؟
فقال حُذَيفة : يا ربيعة ، وما تسألني عن عليّ عليهالسلام؟ والذي نفسي بيده ، لو وُضِعِ جميعُ أعمال أصحاب محمّد في كفّة الميزان ، منذ بَعَث اللّه محمّداً إلى يوم القيامة (١) ، ووُضِع عملُ عليّ في الكفّةُ الأخرى ، لرَجَحَ عملُ عليّ على جميع أعمالهم.
فقال رَبيعة : هذا الذي لا يُقام له ولا يُقْعَد (٢).
فقال حُذَيفة : يا لُكَع ، وكيف لا يًحْمَل؟! وأين كان أبو بكرٍ وعمر وحُذَيفة وجميعُ أصحاب محمّد يوم عَمرو بن عبدِ وَدٍّ ، وقد دعا إلى المبارَزة!؟ فأحجَمَ الناسُ كلّهُم ما خلا علياً عليهالسلام فإنّه بَرَز إليه فقتله الله على يديه ، والذي نفس حُذَيفة بيده ، لَعَمَلُه ذلك اليوم أعظمُ أجراً من أعمال أصحاب محمّدٍ إلى يوم القيامة (٣).
وقد روى هِشام بن محمّدٍ (٤) ، عن مَعروف بن خرَّبوذ قال : قال عليّ يوم الخندق :
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : الناس هذا.
(٢) في هامش « ش » و « م » : أي لا يُسمى له ، لأنه لا يدْرَك.
(٣) إعلام الورى : ١٩٥ ، شرح النهج الحديدي ١٩ : ٦٠ ، إرشاد القلوب : ٢٤٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٦.
(٤) هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي كما صرحّ به في هامش « ش » و « م ». لاحظ انساب الاشراف القسم الثاني من الجزء الرابع : ١٢٩ ، طبقات ابن سعد ٤ : ٤٥ ، ٨ : ٣٢.
« أعَلَيّ تَقْتَحِمُ الفوارسُ هكذا |
|
عنّي وعنها خَبِّروا (١) أصحابي |
اليومَ تَمْنَعَنُي الفِرارَ حَفيظتي |
|
ومُصَمِّمٌ في الرأس ليس بِنابي |
( أرديتُ عَمْرَاً حين أَخلص صَقْلَه ) (٢) |
|
صافي الحَديد مُجَرّبِ قَضّاب |
فصَدَدتُ حينَ تَرَكتُه مُتَجَدلاً |
|
كالجِذْع بينَ دَكاَدِكٍ ورَوابي |
وعَفَفْتُ عن أثوابه ولَو انّني |
|
كُنْتُ المُقَطَّر بَزّني أثوابي (٣) » |
وروى يونس بن بُكَير ، عن محمّد بن إسحاق قال : لما قَتَل عليُّ ابن أبي طالب عليهالسلام عَمراً أقبل نحوَ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ووجهُه يتهلّل ، فقال له عمر بن الخطّاب : هلاّ سَلَبْتَه ـ يا عليّ ـ دِرعَه؟ فإنّه ليس تكون للعرب دِرْعُ مثلها ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّي استحيتُ أن أكشِفَ عن سوأة ابن عمّي » (٤).
وروى عَمْرو (٥) بن الأزهر ، عن عَمْرو بن عُبَيد ، عن الحسن : أنّ علياً عليهالسلام لمّا قَتَل عَمرو بن عبدِوَدّ احتزّ رأسَه وحَمَله ، فألقاه بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله فقام أبو بكر وعمر ، فقبّلا رأسَ علي
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : اخبروا.
(٢) في « م » وهامش « ش » : أرديت عمراً إذ طغى بمهنّد.
(٣) رويت في هذه الأبيات بزيادة ونقصان في : المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٣ ، دلائل النبوة ٣ : ٤٣٩ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٣٧ ، الفصول المهمة : ٦١ ، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار ٢٠ : ٢٥٧ و ٢٦٤.
(٤) دلائل النبوّة ٣ : ٤٣٩ ، إرشاد القلوب : ٣٤٥ ، ونحوه في مستدرك النيسابوري ٣ : ٣٣ ، ومجمع البيان ٨ : ٣٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٠ ٢ : ٢٥٧.
(٥) في النسخ : عمر بن الأزهر ، وفي هامش « م » : عمرو ، وقد وضع عليه علامة « صح » ، وفي شرح النهج لابن أبي الحديد : عمرو ، وهو الصواب ، اُنظر « تاريخ بغداد ١٢ : ١٩٣ ، لسان الميزان ٤ : ٣٥٣ ، الجرح والتعديل ٦ : ٢٢١ ».
عليهالسلام (١).
وروى عليّ بن حَكِيْم الأوْديّ قال : سَمِعتُ أبا بكر بن عَيّاش يقول : لقد ضرب عليٌ عليهالسلام ضربةً ما كان في الإسلام ضربةٌ أعزُّ منها ـ يعني ضربةَ عَمْرو بن عبد وَدّ ـ ولقد ضُرِب عليٌّ ضربةً ما كان في الإسلام أشأم منها ـ يعني ضربةَ ابن مُلْجَم لعنهَ الله ـ (٢).
وفي الأحزاب أنزلّ الله عزّ وجلّ :
( اِذْ جآءُوكمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِن اَسْفَلَ مِنْكُمْ وَاِذْ زَاغتً الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ اْلقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بآللّهِ آلظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُليَ اْلمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاّ شَدِيداً * وَإذُْ يقولُ اْلمُنَافِقُونَ وَآلَّذينَ فِى قُلُوَبهمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا أللّهُ وَرَسُولُهُ إلاّ غُرُوراً ـ إلى قوله : ـ وَكَفَى أللّهُ المُؤْمِنينَ الْقِتَالَ وكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (٣).
فتوجه العتَبُ إليهم والتوبيخ والتقريع والعِتاب ، ولم ينجُ من ذلك أحدٌ ـ باتفاقٍ ـ إلاّ أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، إذ كان الفتحُ له وعلى يديه ، وكان قَتْلُه عَمراً ونَوْفَل بنَ عبدالله سببَ هزيمة المشركين.
وقال رسولُ الله صلىاللهعليهوآله بعد قتله هؤلاء النَفَر : « الآن
ــــــــــــــــــ
(١) مجمع البيان ٨ : ٣٤٤ ، شرح النهج الحديديَ ١٩ : ٦٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٨.
(٢) مناقب ال أبي طالب ٣ : ١٣٨ ، مجمع البيان ٨ : ٣٤٤ ، شرح النهج الحديديَ ١٩ : ٦١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٨.
(٣) الأحزاب٣٣ : ١٠ ـ ٢٥.
نَغْزُوهم ولا يَغْزُونا » (١).
وقد روى يوسف بن كُلَيب ، ( عن سُفيان ، عن زُبَيد ، عن مرّة ) (٢) وغيره ، عن عبدالله بن مسعود ، أنّه كان يقرأ : ( وَكَفَى الله المُؤْمِنينَ الْقِتَالَ ) بعلي ( وكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ) (٣).
وفي قتل عمرو يقول حسّان :
أمسى الفَتى عَمروبن عبدٍ يَبتغي |
|
بجُنًوبِ (٤) يَثْرِبَ غارةً لم
تُنْظَر |
فلقد وجدتَ سُيوفَنا مشهورةً |
|
ولقد وجدتَ جيادَنا لم تُقصِر |
ولقد رأيتَ غَداةَ بدرٍ عُصْبةً |
|
ضَرَبوك ضرباً غيرَضربِ المحسر (٥) |
ــــــــــــــــــ
(١) صحيح البخاري ٥ : ١٤١ ، مسند أحمد ٤ : ٢٦٢ ، ٦ : ٣٩٤ ، مجمع البيان ٨ : ٣٤٥ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٨.
(٢) في متن النسخ : قرّة ، وفي هامش « ش » و « م » عن نسخة : مرّة ، وهو الصواب كما سيظهر ، ثم في هامش « ش » و « م » : ( يوسف بن حكيم عن سفيان بن زيد عن مرة ) وعليها علامة ( ع ) ولم يعلم معناها ، وقدوضع في نسخة « ش » علامة ( ج ) تحت كلمة كليب ، وعن التي تليها وفوق ( عن ) علامة النسخة ، وتحت قرّة علامة ( ج ) ، وفي هامش « ش » : كليب بن وبذيلها علامة ، ( ج ) ، وفي هامش « م » كليب بن سفيان وفوقه : ( ج صح ) ، هذا كل ما في النسخ.
والصواب : يوسف بن كليب عن سفيان عن زبيد عن مرّة ، انظر : ميزان الاعتدال. وسفيان هو سفيان الثوري ، وزبيد هو زبيد بن الحارث اليامي ، ومرة هو مرة بن شراحيل الهمداني ، انظر الجرح والتعديل ٣ : ٦٢٣ ، ٨ : ٣٦٦ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١١٢ ، ٣ : ٣١١ ، ١٠ : ٨٨.
(٣) الدر المنثور ٦ / ٠ ٥٩ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ١٣٤ ، شرح النهج الحديدي ١٣ : ٢٨٤ عن ابن عباس ، إرشاد القلوب : ٢٤٥ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٨٠ ، تأويل الايات ٢ : ٤٥٠ / ١١ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٨.
(٤) جنوب : جمع جنب ، وهو الناحية. « الصحاح ـ جنب ـ ١ : ١٠٠ ».
(٥) في هامش « ش » و « م » : « المُخْسِر : هكذا ». وفي سيرة ابن هشام ٣ : ٢٨١ : الحسّر ، وهو الذي لا درع له.
أصبحتَ لا تُدعى ليوم عظيمةٍ |
|
يا عَمرو أوْ لِجسيم أمر مُنْكَر |
ويقال : أنّه لمّا بلغ شعرُحَسّان بني عامرأجابه فَتىً منهم ، فقال يَرُدُ عليه في افتخاره بالأنصار :
كَذَبتم ـ وبيتِ اللّه ـ لم (١) تقْتُلوننا |
|
ولكن بسيف الهاشميّين فافخَروا |
بسيف ابنِ عبدالله أحمدَ في الوَغى |
|
بكفّ عليّ نلْتم ذاك فاقصُروا |
فلم تَقْتُلوا عَمرَو بنَ عبدٍ ببأسكم
(٢) |
|
ولكنّه الكُفءُ (٣) الهِزَبْرُ
الغَضَنْفر |
عليُّ الذي في الفخر طال بناؤُه (٤) |
|
فلا تُكثِروا (٥) الدعوى علينا
فتفخروا (٦) |
ببَدرٍ خَرَجتم للبَراز فَرَدَّكم |
|
شيوخُ قريشٍ جَهرةً وتَأَخّروا |
فلمّا أتاهم حمزةٌ وعُبَيدةٌ |
|
وجاء عليٌّ بالمُهَنّد يَخْطِر |
فقالوا : نعم ، أكفاءُ صِدْقٍ ، فأقبلوا |
|
إليهم سِراعاً إذ بَغَوْا وتَجبروا |
فجال عليٌّ جَوْلةً هاشميةً |
|
فدمّرهم لمّا عَتَوا وتَكَبّروا |
فليس لكم فَخرٌ علينا بغيرنا |
|
وليس لكم فخرٌ يُعَدّ ويُذْكَر (٧) |
وقد روى أحمدُ بن عبد العزيز قال : حدَّثنا سليمان بن أيّوب ، عن أبي الحسن المَدائني قال : لمّا قَتَل عليُّ بن أبي طالب عليهالسلام عَمرو بنَ عبدِ وَدّ ، نُعِيَ إلى اخته فقالت : من ذا الذي اجترأ عليه؟
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : لا.
(٢) في الاصل : ولا ابنه ، وما اثبتناه من نسخة البحار.
(٣) في هامش « م » : الليث.
(٤) فى هامش « ش » و « م » : رداؤه.
(٥) في هامش « ش » و « م » : تُنْكِروا.
(٦) في « م » وهامش « ش » : فتًحْقَروا.
(٧) الفصول المختارة : ٢٣٨ ، وشعر حسان في السيرة النبوية لابن هشام ٣ : ٢٨١ ، وشرح النهج الحديدي ١٣ : ٢٩٠ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٥٩.
فقالوا : ابن أبي طالب. فقالت : لم يَعدُ يومَه عَلى يد كُفء كريم ، لا رَقات دَمْعتي إن هَرَقْتها عليه ، قَتَل الأبطالَ وبارز الأقران ، وكانت مَنِيّتُه على ( يد كُفء كريمِ قومه ) (١) ، ما سَمِعت أفخَرمن هذا يا بني عامر ، ثمّ أنشأت تقول :
لوكان قاتلُ عَمروغيرَ قاتله |
|
لكنتُ أبكي عليه آخرَ الأبد |
لكنّ قاتلَ عَمروٍ لا يُعاب به |
|
من كان يُدعى قَديماً بيضةَ البلد (٢) (٣) . |
وقالت أيضاً في قتل أخيها ، وذِكْرِ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام :
أَسَدان في ضِيقِ المَكرّ تَصاولا |
|
وكلاهما كُفء كريم باسل |
فتخالسا مُهَجَ النفوس كلاهما |
|
وَسْطَ المَذاد (٤) مخاتِل ومُقاتل |
وكلاهما حَضَر القِراعِ حَفيظةً |
|
لم يَثْنِهِ عن ذاك شُغلٌ شاغل |
فاذهَبْ ـ علِيٌّ ـ فما ظَفِرْتَ
بمثله |
|
قولٌ سديدٌ ليس فيه تحامل |
فالثأرعندي ـ ياعليُّ – فليتَني |
|
أدركتُه والعقلُ منّي كامل |
ذلّت قريشٌ بعد مقتل فارسٍ |
|
فالذُلّ مُهْلِكها وخِزْيٌ شامل |
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » : يدكريم قومه.
(٢) بيضة البلد : علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، أي أنه فرد ليس مثله في الشرف كالبيضة التي هي تَريكَة وحدها ليس معها غيرها. « لسان العرب ـ بيض ـ ٧ : ١٢٧ ».
(٣) الفصولَ المختارة : ٢٣٧ ، الفصول المهمّة : ٦٢ باختلاف يسير ، ونحوه في المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٣ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٦٠.
(٤) المذاد : من الذياد وهو الذود والدفع ، والمراد ساحة القتال. اُنظر « الصحاح ـ ذود ـ ٢ : ٤٧١ ».
ثمّ قالت : واللّه لا ثأرت قريش باخي ما حنّت النيب (١) (٢).
فصل
ولما انهزم الأحزاب وولّوا عن المسلمين الدبُر ، عَمِل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله على قصد بني قُرَيظة ، وأنفذ أميرَ المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام إليهم في ثلاثين من الخَزْرَج ، فقال له : « اُنْظُر بني قرَيظة ، هل تَرَكوا (٣) حصونَهم؟ ».
فلمّا شارف سورَهم سَمِع منهم الهُجْر ، فرجع إلى النبي صلىاللهعليهوآله فأخبره ، فقال : « دَعْهم فإنّ الله سَيُمَكِن منهم ، إنّ الذي أمكنك من عمرو بن عبدِ وَدّ لا يَخْذُلك ، فقِفْ (٤) حتّى يجتمع الناسُ إليك ، وَأَبشِر بنصر الله ، فإنّ الله قد نَصرَني بالرُعب بين يديّ مسيرةَ شهرٍ ».
قال عليّ عليهالسلام : « فاجتمع الناسُ إليّ وسرتُ حتّى دنوتُ من سورهم ، فأشرَفوا عليَّ فحين رأوني صاح صائحٌ منهم : قدجاءكم قاتل عَمرو ، وقال اخر : قد أقبل إليكم قاتلُ عمرو ، وجعل بعضهم يَصيحُ ببعض ويقولون ذلك ، وألقى الله في قلوبهم الرُعب ، وسَمِعتُ راجزاً يرجز :
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « م » : جمع ناب وهو الإبل المسنّة.
(٢) الفصول المختارة : ٢٣٧ ، وروي باختلاف يسير في الفصول المهمّة : ٦٢ ، ونقله العلامة المجلسي في البحار ٢٠ : ٢٦٠.
(٣) في « ش » و « م » : نزلوا ، وما في المتن من هامش « ش » و « م ».
(٤) في « ش » : فتوقف.
قَتَل في عَمرا |
|
صاد (١) عليٌ صَقْرا |
قَصَم عليُّ ظَهْرا |
|
أبرم عليّ أمرا |
هَتَك عليٌّ سِتْرا
فقلت : الحمد للّه الذي أظهر الإسلامَ وَقَمَع الشرك ، وكان النبيُ صلىاللهعليهوآله قال لي حين توجّهتُ إلى بني قُرَيظة : سِرْعَلى بركة اللّه ، فإنّ اللّه قد وَعَدك (٢) أرضَهم وديارَهم ، فسِرتُ مُستيقِناً (٣) لنصر اللّه عزّوجلّ حتّى رَكَزتُ الرايةَ في أصل الحِصْن ، واستقبَلوني في صَياصيهم (٤) يَسُبّون رسولَ اللّه صلىاللهعليهوآله !!
فلمّا سمِعتُ سبّهم له عليهالسلام كَرِهتُ أن يَسْمَعه رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله ، فعَمِلتُ على الرُجوعِ إليه ، فإذا به عليهالسلام قد طَلَع ، فناداهم : يا إخوة القِرَدة والخنازير ، إنّا إذا نَزَلنا بساحة قوم فساءَ صَباحُ المنذَرين (٥) فقالوا له : يا أبا القاسم ، ما كنتَ جَهولاً ولا سَبّاباً! فاستحيى رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله ورَجَع القهقرى قليلاً ».
ثمّ أمر فضُرِبت خَيْمتُه بازاء حُصونهم ، وأقام النبيّ صلىاللهعليهوآله محاصراً لبني قُرَيظة خمساً وعشرين ليلةً ، حتّى سألوه
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » و « م » : صار.
(٢) في « ش » و « م » : وعدكم ، وما أثبتناه من هامش « ش » و « م ».
(٣) في هامش « ش » و « م » : متيقناً.
(٤) كل شيء اْمتُنع به وتحقَن به فهو صيصة ، ومنه قيل للحصون « الصياصي ». « النهاية ـ صيص ـ ٣ : ٦٧ ».
(٥) اقتباس من قوله تعالى في سورة الصافات ٣٧ : ١٧٧ : ( فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين ).
النزولَ على حُكم سَعْد بن مُعاذ ، فحكم فيهم (١) سَعدٌ بقتل الرجال ، وسَبي الذَراري والنساء ، وقسمة الأموال.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « يا سعدُ ، لقد حَكَمْتَ فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقِعة ».
وأمر النبي صلىاللهعليهوآله بإنزال الرجال منهم ـ وكانوا تسعمائهّ رجل ـ فجيء بهم إلى المدينة ، وقسّم الأموال ، واسترقّ الذراري والنسوان.
ولمّا جيء بالأسارى إلى المدينة حُبسوا في دار من دوربني النجار ، وخًرج رسولُ الله صلىاللهعليهوآله إلى موضع السوق اليوم فخندَقَ فيها خنادِق ، وحَضَر أميرُ المؤمنين عليهالسلام معه والمسلمون ، فأمَر بهم أن يُخْرَجوا ، وتقدّم إلى أمير المؤمنين أن يَضْرِب أعناقهم في الخندق.
فأُخْرِجوا أرسالاً وفيهم حُيَيُّ بن أخْطَب وكَعْبُ بن أَسَد ، وهما ـ إذ ذاك ـ رئيسا القوم ، فقالوا لكَعْب بن أَسَد ، وهم يُذْهَب بهم إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله : يا كَعْب ما تراه يَصْنَع بنا؟ فقال : في كلّ مَوْطنٍ لا تَعْقِلون ، ألا ترون الداعيَ لا يَنْزِعُ ، ومن ذَهَب منكم لا يَرْجِعُ ، هو واللّه القَتل.
وجيء بحييّ بن أخْطَب مجموعةً يداه إلى عُنُقه ، فلمّا نظرإلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أما والله ما لُمْتُ نفسي على
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : عليهم.
عَداوتك ، ولكن من يَخذُل الله يخْذَل.
ثمّ أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس ، إنّه لا بدّ من أمر اللّه ، كتابٌ وقَدَرٌ ومَلحمةٌ كتِبَتْ على بني إسرائيل.
ثمّ اُقيم بين يدي أميرِ المؤمنين علي عليهالسلام وهويقول : قتْلةٌ شريفة بيد شريفٍ ، فقال له أمير المؤمنين : « إنّ خيارَ الناس يَقتلُون شرارَهم ، وشِرارَ الناس يقتُلون خيارَهم ، فالويلُ لمن قَتَله الأخيار الأشراف ، والسعادة لمن قَتَله الأرذال الكُفّار » فقال : صدقتَ ، لا تَسْلُبني حُلّتي ، قال : « هي أهون عليَّ من ذاك » قال : سَتَرتَني سترك اللّه ، ومَدَ عنقَه فضربها علي عليهالسلام ولم يَسْلُبه من بينهم.
ثمّ قال أميرالمؤمنين عليهالسلام لمن جاء به : « ما كان يقول حُييَّ وهويقادُ إلى الموت؟ » فقال (١) : كان يقول :
لَعَمْرُك مالأمَ ابنُ أخطَبَ نفسَه |
|
ولكنّه من يَخْذُلِ اللّه يُخْذَلِ |
لَجاهَد (٢) حتّى بَلّغَ
النفسَ جُهْدَها |
|
وحاول يَبْغِي العِزّكُلَّ مُقَلْقَلِ |
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام :
« لقد كان ذا جَدٍّ وجِدٍّ (٣) بكُفره |
|
فِقيدَ إلينا في المَجامع |
فَقلّدتُه بالسيف ضربةَ مُحْفَظ (٤) |
|
فصار إلى قعر الجَحيم يُكبَّل |
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » و « ح » وهامش « ش » : قالوا.
(٢) في « ح » وهامش « ش » : فجاهد.
(٣) في ، « م » و « ح » وهامش « ش » : حدّ.
(٤) احفظه : أي اغضبه. « القاموس المحيط ـ حفظ ـ ٢ : ٣٩٥ ».
فذاك مآب الكافرين ومَنْ يكن |
|
مُطيعاً لأمر الله في الخًلد يُنْزلُ
» |
واصطفى رسولُ الله صلىاللهعليهوآله من نسائهم عَمْرَةَ بنتَ خُنافة (١) ، وقَتَل من نسائهم امرأةً واحدةً كانت أرسلَتْ عليه صلىاللهعليهوآله حَجَراً ـ وقد جاء باليهود يُناظرهم قَبلَ مُباينتهم له ـ فسلمه الله تعالى من ذلك الحَجَر.
وكان الظفر ببني قُرَيظة ، وفَتْح اللّه على نبيّه عليهالسلام بأميرِ المؤمنين عليهالسلام وما كان من قَتْله مَنْ قَتَل منهم ، وما ألقاهُ اللّه عزّوجلّ في قلوبهم من الرُعب منه ، وماثَلَتْ هذه الفضيلةُ ما تَقدّمها من فضائله ، وشابَهَتْ هذه المنقبةُ ما سَلَف ذكرهُ من مناقبه صلىاللهعليهوآله .
فصل (٢)
وقد كان من أمير المؤمنين عليهالسلام في غَزوة وادي الرَمْل ، ويُقال : إِنَّها كانت تًسَمّى بغزوة السَلسلة ، ما حَفِظه العلماء ، ودَوَنه الفقهاء ونَقَله أصحابُ الآثار ، ورواه نَقَلةُ الأخبار ، ممّا يَنضاف إلى
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » نسخة بدل : خناقة ، ولعل الصواب : ريحانة بنت عمرو بن خنافة ، اُنظر أُسد الغابة ٥ : ٤٦٠ ، المغازي ٢ : ٥٢٠ ، السيرة الحلبية ٢ : ٣٤٦.
(٢) سقط هذا الفصل من نسخة « ش » و « ح » إلى قوله : « ثم كان من بلائه عليهالسلام ببني المصطلق » الآتي في ص ١١٨.
مناقبه عليهالسلام في الغزوات ، ويُماثل فضائله في الجهاد ، وما توحّد به في معناه من كافّة العباد.
وذلك أنّ أصحابَ السِيرذكروا : أنّ النبيَّ صلىاللهعليهوآله كان ذاتَ يوم جالساً ، إذ جاءه أعرابيٌّ فجَثا بين يديه ، ثمّ قال : اني جئتك لأْنصَحَك ، قال : « وما نصيحتك؟ » قال : قوم من العرب قد عَمِلوا على أن يُثْبتوك (١) بالمدينة ، ووَصَفهم له.
قال : فأمر أميرَ المؤمنين عليهالسلام أن يُنادي بالصلاة جامعةً ، فاجتمع المسلمون ، فصَعِد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : « أيّها الناس ، إنّ هذا عدوّ اللّه وعدوَّكم قد (٢) اقبْلَ إليكم ، يَزْعَم أنَّهُ يُثبِتكم (٣) بالمدينة ، فمَنْ للوادي؟ ».
فقام رجل من المهاجرين فقال : أنا له يا رسول الله. فناوله اللواء وضمَّ إليه سبعمائة رجل وقال له : « اِمض على اسم اللّه ».
فمضى فَوافى (٤) القومَ ضَحْوةً ، فقالوا له : مَن الرجل؟ قال : أنا رسول لرسول الله ، إمّا أن تقولوا : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، أو لأضْرِبنّكم بالسيف؟ قالوا له : اِرجعْ إلى صاحبك ، فإنّا في جمع لا تقوم له.
فرجع الرجل ، فأخبررسولَ الله صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « م » : يبيتوك.
(٢) نسخة في « م » : وقد.
(٣) في هامش « م » : يبيتكم.
(٤) في هامش « م » : فوافق.
النبي صلىاللهعليهوآله : « مَنْ للوادي؟ » فقام رجل من المهاجرين فقال : أنا له يا رسولَ الله.
قال : فدَفَع إليه الرايةَ ومضى ، ثمّ عاد بمثل ما عاد به صاحبهُ الأوّل.
فقال رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله : « أينَ عليُّ بن أبي طالب؟ » فقام أميرُ المؤمنين عليهالسلام فقال : « أنا ذا يا رسولَ اللّه؟ » قال : « اِمض إلى الوادي » قال : « نعم » وكانت له عِصابة لا يَتَعصّب بها حتّى يَبْعَثَه النبيُّ عليهالسلام في وجهٍ شديدٍ.
فمضى إلى منزل فاطمة عليهاالسلام ، فالتمس العصابةَ منها؟ فقالت : « أين تُريد ، أين بَعَثَك أبي؟ قال : إلى وادي الرَمْل » فبكَتْ إشفاقاً عليه.
فدخل النبيّ صلىاللهعليهوآله وهي على تلك الحال. فقال لها : « ما لكِ تَبكين؟ أتَخافين أن يُقْتَل بعلًك؟ كلاّ ، إن شاءَ اللّه » فقال له علي عليهالسلام : « لا تَنْفَس (١) عليّ بالجنّة ، يا رسولَ اللّه ».
ثمّ خرج ومعه لِواء النبي صلىاللهعليهوآله فمضى حتى وافى القومَ بسَحَر فأقام حتّى أصبح ، ثمّ صلّى بأصحابه الغَداةَ وصَفَهم صُفوفاً ، واتكأ على سيفه مقبِلاً على العدُوّ ، فقال لهم : « يا هؤلاء ، أنا رسولُ رسول اللّه إليكم ، أن تقولوا لا إله إلاّ الله وأنَ محمّداً عبدُه ورسوله ، وإلاّ ضرَبتُكم بالسيف ».
ــــــــــــــــــ
(١) لا تَنْفَس : لا تبخل : « النهاية ٥ : ٩٧ ».
قالوا : اِرجِعْ كما رجَعَ صاحباك.
قال : « أنا أرْجِع؟! لا والله حتى تُسْلِموا أو أضْرِبكم بسيفي هذا ، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبد المُطَّلب ».
فاضطرب القومُ لمّا عَرَفوه ، ثمّ اجترؤوا على مُواقَعته ، فواقعهم عليهالسلام ، فقتَلَ منهم ستةً أو سبعةً ، وانهزم المشركون ، وظَفِر المسلمون وحازوا الغنائم ، وتوجّه إلى النبي صلىاللهعليهوآله .
فروي عن امّ سَلَمة ـ رحمة الله عليها ـ قالت : كان نبيُّ الله عليهالسلام قائلاً (١) في بيتي إذ انْتَبَهَ فَزَعاً من منامه ، فقلت له : اللّه جارك ، قال : « صدقتِ ، اللّه جاري ، لكنّ هذا جَبرئيل عليهالسلام يُخبِرني : أنّ علياً قادم » ثمّ خرج إلى الناس فأمَرَهم أن يَسْتَقبلوا علياً عليهالسلام وقام المسلمون له صَفّين مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآله .
فلمّا بَصرَ بالنبي صلىاللهعليهوآله ترجّل عن فرسه وأهوى إلى قدمَيْه يُقبّلهما ، فقال له عليهالسلام : « إرْكَبْ فإنّ اللّه تعالى ورسوله عنك راضيان » فبكى أميرُ المؤمنين عليهالسلام فَرَحاً ، وانصرف إلى منزله ، وتسلّم المسلمون الغنائمَ.
فقال النبي صلىاللهعليهوآله لبعض من كان معه في الجيش : « كيف رأيتمُ أميرَكم؟ » قالوا : لم نُنِكْر منه شيئاً ، إلاّ أنّه لم يَؤُمَ بنا في صلاة إلاّ قرأ بنا فيها بقُلْ هو الله أحد. فقال النبي صلىاللهعليهوآله « سأسأله عن ذلك ».
ــــــــــــــــــ
(١) قائلاً : من القيلولة ، وهي نومة نصف النهار. « مجمع البحرين ـ قيل ـ ٥ : ٤٥٩ ».
فلمّا جاءه قال له : « لمَ لم تَقْرَأ بهم في فَرائِضك إلاّ بسورة الإخلاص؟ » فقال : « يا رسولَ الله أحبَبْتها » قال له النبي عليهالسلام : « فإن الله قد أحَبّك كما أحبَبْتَها ».
ثم قال له : « يا عليّ ، لولا أنّني أشْفِقُ أن تقولَ فيك طوائفٌ ما قالت النصَارى في عيسى بن مريم ، لقلتُ فيك اليومَ مَقالاً لا تَمُرّ بملأٍ منهم إلاّ أخَذوا التراب من تحت قَدَمَيْك ».
فصل
فكان الفتح في هذه الغَزاة لأمير المؤمنين عليهالسلام خاصّةً ، بعد أن كان من غيره فيها من الإفساد ما كان ، واختصّ عليّ عليهالسلام من مَديح النبي صلىاللهعليهوآله بها بفضائل لم يَحْصُل منها شيء لغيره.
وقد ذكر كثيرٌ من أصحاب السيرة (١) : أنَّ في هذه الغَزاة نَزَل على النبي صلىاللهعليهوآله : ( وَالْعَادياتِ ضَبْحاً ... ) (٢) إلى آخرها فتضمّنت ذكرَ الحال فيما فعله أميرً المؤمنين عليهالسلام فيها.
ــــــــــــــــــ
(١) اُنظر : تفسير القمي ٢ : ٤ ٤٣ ، أمالي الطوسي ٢ : ٢١ ، مجمع البيان ٥ : ٥٢٨ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ١٤١.
(٢) العاديات ١٠٠ : ١.
فصل
ثمّ كان من بَلائه عليهالسلام ببني المُصْطَلِق ، ما اشتهر عند العلماء ، وكان الفتح له عليهالسلام في هذه الغَزاة ، بعد أن اُصيب يومئذ ناسٌ من بني عبد المُطّلب ، فقَتَل أميرُ المؤمنين عليهالسلام رجلين من القوم وهما مالك وابنه ، وأصاب رسولُ الله صلىاللهعليهوآله منهم سَبْياً كثيراً فقَسّمه في المسلمين.
وكان فيمن (١) أصيب يومئذ من السَبايا جُوَيْرِيَة بنت الحارث بن أبي ضِرار ، وكان شعار المسلمين يوم بني المُصطلق : يا منصور أمِت (٢) ، وكان الذي سَبى جُوَيرية أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام فجاء بها إلى النبي صلىاللهعليهوآله فاصطفاها النبي عليهالسلام.
فجاء أبوها إلى النبي عليهالسلام بعد إسلام بقيّة القوم ، فقال : يا رسولَ اللّه ، إن ابنتي لا تسْبى ، إنّها امرأةٌ كريمةٌ ؛ قال : « اذهب فَخيِّرها » قال : أحسنت (٣) وأجملتَ.
وجاء اليها أبوها فقال لها : يا بُنَيّة لاتَفْضَحي قومَك ، فقالت له : قد اخترتُ الله ورسولَه.
فقال لها أبوها : فعل الله بك وفَعَل ، فاعتقها رسول اللّه صلّى
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » وهامش « ش » : ممن.
(٢) في هامش « ش » و « م » : المنصور كل واحد منهم ، أي نُصِرتَ فاقتل.
(٣) في « م » و « ح » : قد أحسنت.
الله عليه وآله وجَعَلها في جملة أزواجه (١).
فصل
ثم تلا بني المُصْطَلِق الحُدَيْبِيَّة ، وكان اللِواء يومئذ إلى أمير المؤمنين عليهالسلام كما كان إليه في المشاهد قبلها ، وكان من بلائه في ذلك اليوم عند صَفّ القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبرُه واستفاض ذِكرُه.
وذلك بعد البَيعة التي أخذها النبي صلىاللهعليهوآله على أصحابه والعهود عليهم في الصبر ، وكان أميرُ المؤمنين عليهالسلام المبايعَ للنساء عن النبي عليه وآله السلام ، وكانت بيعته لهنّ يومئذ أن طَرَحَ ثوباً بينه وبينهنّ ثمّ مسحه بيده ، فكانت مبايَعتهنّ للنبي عليهالسلام بمَسح الثوب ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله يَمْسَحُ ثوبَ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ممّايليه.
ولما رأى سُهَيل بنُ عَمْرو توجهَ الأمر عليهم ، ضرَعً إِلى النبي عليهالسلام في الصلح ، ونَزَل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك ، وأن يَجْعَل أميرَ المؤمنين عليهالسلام كاتبَه يومئذ والمتولّيَ لعقد الصلح بخطّه.
فقال له النبي عليه وآله السلام : « اُكتب يا عليّ : بسم اللّه الرحمن الرحيم ».
فقال سهيل بن عَمْرو : هذا كتابُ بيننا وبينك يا محمّد ،
ــــــــــــــــــ
(١) في « م » و هامش « ش » و « ح » : نسائه.
فافتَتِحْه بما نعْرِفُه (١) ، واكتُب : باسمك اللّهم.
فقال رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين : « اُمْح ما كتبتَ واكتب : باسمك اللّهمّ ».
فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : « لولا طاعتُك يا رسولَ الله لما محوتُ بسم الله الرّحمن الرّحيم » ثمّ محاها وكتب : باسمك اللهمّ.
فقال له النبي عليهالسلام : « اُكتب : هذا ما قاضى عليه محمّد رسولُ الله سُهَيلَ بن عَمْرو ، ).
فقال سُهَيل : لوأجبتُك في الكتاب الذي بيننا إلى هذا ، لأقررتُ لك بالنبوّة! فسواء شَهدتُ على نفسي بالرضا بذلك أو أطلقتُه من لساني ، اُمْحُ هذا الاسمَ واكتُب : هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد الله. فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّه والله لَرسول اللّه على رَغْم أنفك ».
فقال سُهَيل : اُكتب اسمَه يَمضِي الشرط.
فقال له أميرالمؤمنين عليهالسلام : « ويلك يا سُهَيل ، كُفَّ عن عِنادك ».
فقال له النبي عليهالسلام : « اُمْحُها يا عليّ ».
فقال : « يا رسولَ اللّه ، إنّ يدي لا تَنطلق بمحو اسمك من النبوّة ».
ــــــــــــــــــ
(١) في هامش « ش » : نعرف.