واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

نحو الموصل ، فدخل توزون بغداد بدون مقاومة (١).

لم يتردد البريدي في اغتنام هذه الفرصة لقصد واسط ، فلما علم بمسير توزون إلى بغداد ، توجه على رأس جيش نحو واسط ودخلها في ٢٧ رمضان سنة ٣٣١ ه‍ / ٤ حزيران ٩٤٢ م «ونهب وأحرق واحتوى على الغلات وأخذ جميعها» (٢).

وهكذا صح ما توقعه توزون من تنبئه بتفكير أبي عبد الله البريدي بالاستيلاء على واسط بعد أن يغادرها إلى بغداد (٣).

ويظهر أن كيغلغ قائد الجيش بواسط قاوم قوات البريديين ، ولكن بعد أن باءت مقاومته بالفشل سلمهم البلد ، يقول مسكويه بهذا الصدد ، «وقد كان كيغلغ لما استخلفه توزون بواسط أمره بقتال أبي الحسين البريدي فعجز عنه فأصعد إلى بغداد» (٤) ، وفي اعتقادنا أن جيش واسط لم يكن من القوة بحيث يستطيع الوقوف بوجه البريديين.

إن الظروف المحيطة بتوزون في بغداد حالت دون تمكنه من السير بسرعة إلى واسط واسترجاعها (٥). فلما استقر له الأمر في بغداد خرج على رأس جيش وقصد واسط. فلما علم البريدي بمسيره إلى واسط رحل عنها وقصد البصرة (٦). أقام توزون بواسط ثم جهز جيشا كبيرا أسند قيادته إلى

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٩٨. أما الصولي فقد ذكر أن الخليفة هو الذي استدعى توزون وألح عليه بالمسير إلى بغداد عندما كان بواسط يجمع الأموال حيث كتب إليه قائلا : «دع كل شيء وصر إليّ ، ولعن الله المال». الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٨١.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٤. الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٤٣. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٩٩.

(٣) انظر : مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٤.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٤.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٩٩.

(٦) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٤٣. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٩٩.

٤١

الميدمان بن حمدان وسيره نحو البريديين ، فالتقت قواته مع قوات البريدي عند «المذار» ودارت بين الفريقين معركة انتهت بهزيمة قوات ابن حمدان ، فعاد منسحبا إلى واسط (١).

ويبدو أن توزون لم يكن جادّا في حربه مع البريديين فقد ذكر الصولي أن رأي توزون هو أن يصالح البريديين ويأخذ الأموال منهم ثم يتوجه لمحاربة الحمدانيين (٢). إن سياسة توزون تجاه البريديين أعداء الخليفة وميله إليهم أدت إلى إثارة الخلاف بينه وبين الخليفة المتقي لله (٣) ، فترك الخليفة بغداد وسار إلى الحمدانيين في الموصل (٤). فلما بلغت أنباء خروج الخليفة من بغداد إلى توزون بواسط ، عقد واسط على البريدي وسار نحو بغداد (٥).

إن الحمدانيين ـ على ما يبدو ـ كانوا يراقبون الأحداث ببغداد عن كثب ، فعند ما ترك الخليفة بغداد وسار نحوهم رأوا أن الفرصة مواتية للتدخل وحسم النزاع بين أمير الأمراء توزون والخليفة لصالح الأخير ، وذلك بطرد توزون وتقلدهم منصب إمرة الأمراء مرة أخرى ، فساروا على رأس جيش بقيادة ناصر الدولة وأخيه سيف الدولة قاصدين بغداد ، فالتقوا مع الخليفة في تكريت (٦) ، وقد أرسل الحمدانيون الخليفة إلى الموصل ، وظلوا هم بتكريت لمواصلة تنفيذ مهمتهم التي جاؤوا من أجلها (٧). أما

__________________

(١) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٤٩ ، ٢٥٠.

(٢) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٤٧.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٩. انظر : تقي الدوري ، عصر إمرة الأمراء في العراق ، ٣٤٧.

(٤) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٤٩ ، ٢٥٠. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٦.

(٥) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥١. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٦.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

(٧) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٣. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

٤٢

توزون فقد خرج من بغداد على رأس جيش لصد الحمدانيين فالتقى الفريقان أسفل تكريت بفرسخين واشتبكا في معارك ضارية استمرت أربعة أيام ، دارت الدائرة فيها على الحمدانيين الذين كانوا بقيادة سيف الدولة (١). وبعد عدة أيام التقى الفريقان عند (حربى) (٢) حيث دارت بينهما معركة هزم فيها سيف الدولة وعاد منسحبا إلى الموصل (٣).

ويظهر أن توزون لم يكتف بهذا النصر ، فخرج من بغداد على رأس جيش قاصدا الموصل ، فلما بلغت الأنباء إلى الحمدانيين ، سار ناصر الدولة ، وأخوه سيف الدولة بصحبة الخليفة إلى «الرقة» (٤) وأقاموا بها ، فدخل توزون الموصل بدون مقاومة (٥). وأخيرا توسط الخليفة في الصلح بين توزون والحمدانيين ، فتمّ الصلح بينهما (٦). ويذكر الصولي أن السبب الذي أدى بتوزون إلى عقد الصلح هو دخول أحمد بن بويه واسط (٧).

ويبدو أن أحمد بن بويه كان قد اغتنم فرصة انشغال توزون بمحاربة الحمدانيين ، فخرج من الأحواز على رأس جيش في سنة ٣٣٢ ه‍ / ٩٤٣ م

__________________

(١) عن هذه المعارك انظر : الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٠ ـ ٢٥٧. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

(٢) حربى : بليدة بين بغداد وتكريت. معجم البلدان ، ٢ / ٢٣٧.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٨ ، ٤٩. الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٦ ، ٢٥٧. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

(٤) الرقة : هي إحدى مدن الجزيرة تقع على الجانب الشرقي من الفرات. معجم البلدان ، ٣ / ٥٩.

(٥) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٧. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٤٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٥٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٧.

(٧) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٨. انظر : الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٧. تقي الدوري ، عصر إمرة الأمراء ، ٣٥٢.

٤٣

وسار نحو واسط واستولى عليها في رمضان من هذه السنة (١). أما البريديون فقد تركوا المدينة وساروا إلى البصرة (٢). ويظهر أن أحمد بن بويه كان يسعى لكسب رضا أهل واسط لكي يتخذ من هذه المدينة قاعدة لا حتلال بغداد وليأمن مؤخرته ، فقام في أثناء إقامته بواسط بتخفيف الضرائب عن أهلها «وعدل عليهم في الخراج» (٣).

سار أحمد بن بويه من واسط على رأس جيش قاصدا بغداد للاستيلاء عليها ، فلما علم توزون بقدومه ، خرج إليه من بغداد على رأس جيش لصدّ قواته ، فاشتبك الفريقان في عدة معارك دامية عند «قباب حميد» (٤) استمرت تسعة أيام انتصر فيها توزون ، وعاد أحمد بن بويه منسحبا إلى الأحواز في ٤ ذي الحجة سنة ٣٣٢ ه‍ / ٢٩ تموز ٩٤٣ م (٥).

ويبدو أن العلاقة بين توزون وأبي القاسم بن أبي عبد الله البريدي ـ الذي خلف أباه في رئاسة البريديين ـ كانت غير ودية في هذه الفترة ، فقد جاء في كتاب العيون والحدائق أن توزون بعد أن انتصر على أحمد بن بويه قلّد تكين الشيرزادي واليا على واسط (٦).

__________________

(١) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٨. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٥٠ ، ٧٦ ، ٧٧. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٨ ، ٤١٧.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٥٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤١٧.

(٣) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٥٩.

(٤) قباب حميد : نسبة إلى حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي أحد قادة العباسيين ، خرج مع عبد الله بن علي على الخليفة المنصور في الشام إلا أنه ترك عبد الله وانضم إلى جيش أبي مسلم الخراساني قبل الحرب ، ولاه المنصور على الجزيرة سنة ١٣٧ ه‍ ثم ولاه على مصر ، وعزله سنة ١٤٣ ه‍. انظر : الطبري ، ٧ / ٤٧٥ ، ٤٩٦ ، ٥١٥.

(٥) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٦١ ـ ٢٦٣. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٧٦ ـ ٧٨. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٨ ، ١٣٩. إلا أنه يذكر أن المعارك استمرت بضعة عشر يوما. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٨.

(٦) المؤلف مجهول ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٣٩.

٤٤

وفي اعتقادنا أن سبب ذلك يرجع إلى عدم دفاع البريديين عن واسط عند مهاجمة البويهيين لها وتركهم المدينة وهروبهم إلى البصرة. كما أن أبا القاسم ابن البريدي كان قد شجع أحمد بن بويه على التقدم نحو بغداد والاستيلاء عليها ، ووعده بالمساعدة إلا أنه لم يف بوعده كما يقول ابن الأثير (١).

وبعد أن أقام الوالي الجديد عدة أشهر عصى سكان جزيرة «بني غبر» فخرج من واسط على رأس جيش ليردهم إلى طاعته ، وبعد أن تمّ إخضاعهم عاد جيشه إلى واسط ، أما الوالي فقد نزل مع جماعة من غلمانه في بستان في قرية «خسرو سابور» (٢) ليرتاح ، فأحاطت بهم فرقة من جيش البريديين وقبضوا عليه وأخذوه أسيرا إلى البصرة (٣). فكتب توزون إلى أبي القاسم بن البريدي يطلب منه أن يطلق سراحه ، فاستجاب ابن البريدي لطلبه وأطلق سراحه (٤).

وفي سنة ٣٣٣ ه‍ / ٩٤٤ م عقد توزون ضمان واسط على البريديين (٥).

وفي رجب سنة ٣٣٣ ه‍ / شباط ٩٤٤ م خرج أحمد بن بويه على رأس جيش من الأحواز وتوجه نحو واسط واستولى عليها (٦). فلما علم الخليفة المستكفي بالله وأمير الأمراء توزون بمسير البويهيين إلى واسط ، خرجا من بغداد وسارا على رأس جيش في البر والماء ونزلا في الموضع المعروف بالصيادة شمال واسط (٧). وقد اضطر أحمد بن بويه للرحيل عن واسط في

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٠٨. انظر : الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٣٨.

(٢) خسرو سابور : قرية قرب واسط ، بينهما خمسة فراسخ معروفة بجودة الرمان. معجم البلدان ، ٢ / ٣٧١.

(٣) العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٣٩ ، ١٤٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٤٦.

(٤) الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٤٦.

(٥) ن. م ، ١ / ١٤٦.

(٦) ن. م ، ١ / ١٤٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٥.

(٧) العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٥٨. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٤٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٥.

٤٥

٦ رمضان سنة ٣٣٣ ه‍ / ٢٣ نيسان ٩٤٥ م وذلك بسبب تآمر بعض قواده عليه ومحاولتهم قتله (١).

وهكذا نجد أن البويهيين كانوا قد فشلوا للمرة الثالثة في تحقيق هدفهم الذي ساروا من أجله وهو الاستيلاء على واسط وبغداد.

أما أبو القاسم بن البريدي فقد كان في أثناء هذه الحوادث معسكرا في الرصافة جنوب واسط ، فلما دخل الخليفة وتوزون واسط ، كاتبه توزون وقلده واسطا ، فدخلها جيش ابن البريدي وقدموا هدايا إلى الخليفة وتوزون «وزينت الأسواق ، وعقدت القباب في الشارعين الأعظمين الشرقي والغربي» (٢).

ويظهر أن حكم البريديين لواسط في عصر إمرة الأمراء كان قد انتهى عندما قتل أبو الحسين البريدي من قبل أبي جعفر بن شيرزاد كاتب توزون وذلك في ذي الحجة سنة ٣٣٣ ه‍ / تموز ٩٤٥ م (٣). فقد أشارت المصادر إلى أن ابن شيرزاد قلد «ينال كوشه» أعمال المعاون بواسط (٤). وأن هذا الوالي كان قد كاتب أحمد بن بويه ودخل في طاعته (٥). ويرى بعض الباحثين المحدثين أن مكاتبة والي واسط للبويهيين ودخوله في طاعتهم هي السبب الرئيس في قدومهم إلى بغداد (٦). غير أنه في اعتقادنا أن هذا هو

__________________

(١) العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٥٨ ، ١٥٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٥.

(٢) العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٥٩.

(٣) انظر : مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٧٩ ، ٨٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٤٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٥.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٨٤. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٤٨. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٩.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٨٤. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٤٩.

(٦) الدوري ، دراسات في العصور العباسية المتأخرة ، ٢٤٧. حسين أمين ، تاريخ العراق في العصر السلجوقي ، ٢١.

٤٦

أحد الأسباب ، وأن السبب الرئيس الذي شجعهم على التقدم نحو بغداد والاستيلاء عليها ، هو مكاتبة الخليفة المستكفي بالله لهم سرّا يستدعيهم للقدوم إلى بغداد (١) ، ثم إن أحمد بن بويه عندما بلغه مرض توزون أنفذ رسولا بصورة سرية إلى الخليفة يطلب منه الأمان ويضمن له القيام بخدمته إذا قلده منصب الإمارة (٢).

لذلك فإننا نجد أن أحمد بن بويه لم يتردد في اغتنام هذه الفرصة فخرج من الأحواز على رأس جيش قاصدا واسط فدخلها وأقام بها (٣). ويبدو أن أحمد بن بويه كان قد حرص على أن تسود بينه وبين أهل واسط علاقات طيبة ، فأمر في أثناء إقامته بواسط برفع الضرائب عنهم (٤) ، ثم واصل تقدمه نحو بغداد ودخلها دون مقاومة في ١١ جمادى الآخرة سنة ٣٣٤ ه‍ / ١٨ كانون الثاني ٩٤٦ م (٥).

في سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٥ م تم عقد الصلح بين معز الدولة وأبي القاسم ابن البريدي ، وعقدت واسط وأعمالها لابن البريدي (٦). ويظهر من رواية أوردها مسكويه أن العلاقة بين معز الدولة وابن البريدي ظلت جيدة حتى سنة ٣٣٥ ه‍ / ٩٤٦ م (٧).

ويبدو أن ابن البريدي في هذه الفترة كان قد ركن إلى الهدوء ، إلا أنه كان في الوقت نفسه يراقب تطورات الظروف السياسية في عاصمة الخلافة

__________________

muir : the caliphate : its rise, decline and fall, p. ٨٧٥

kabir : the buwayhid dynasty of baghdad, p. ٦.

(١) العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٣.

(٢) ن. م ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٣ ، ١٦٤.

(٣) ن. م ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٤.

(٤) ن. م ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٤.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٨٤ ، ٨٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٠ إلا أنه يذكر أن دخوله بغداد كان في جمادى الأولى.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٨٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٦٥.

(٧) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١١١.

٤٧

بغداد ، فقد ذكر مسكويه أنه في سنة ٣٣٥ ه‍ / ٩٤٦ م وجه معز الدولة جيشا لقتال ابن البريدي ، فدارت بين الفريقين معركة هزم فيها جيش ابن البريدي (١). فمن المحتمل جدا أن سبب هذا القتال هو أن ابن البريدي كان قد اغتنم فرصة نشوب القتال بين معز الدولة والحمدانيين (٢) ، فامتنع عن دفع ضمان واسط.

ويظهر أن علاقة البريديين بواسط كانت قد انتهت بعد هذه المعركة ، فقد ذكر الهمداني أنه في سنة ٣٣٦ ه‍ / ٩٤٧ م ضمن الصيمري أعمال واسط (٣). ويذكر مسكويه أنه في هذه السنة خرج الخليفة المطيع لله ، ومعز الدولة من واسط على رأس جيش نحو البصرة لأخذها من ابن البريدي (٤).

لم ترد معلومات عن واسط طيلة الفترة الواقعة بين سنة ٣٣٦ ه‍ / ٩٤٧ م حتى ٣٣٨ ه‍ / ٩٤٩ م ويرجع سبب ذلك ـ في الغالب ـ إلى قوة السيادة البويهية في هذه الفترة. ففي هذه السنة أشارت المصادر إلى تمرد على السلطة قام به عمران بن شاهين (٥) في منطقة واسط (٦) ، فاتخذت هذه

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١١١. انظر : الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٦٨.

(٢) عن المعارك هذه انظر : مسكويه ، تجارب الأمم ، ٨٩ ـ ٩٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٣ ـ ٤٥٥.

(٣) تكملة تاريخ الطبري ، ١ / ١٦٠.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١١٢. انظر : الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٠. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٨٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٦٩.

(٥) عمران بن شاهين ، عربي من بني سليم ، من أهل الجامدة ، إحدى مدن واسط ، جنى جناية فهرب إلى البطائح وأقام هناك ، وانضم إليه جماعة من صيادي السمك وآخرين ، قلده أبو القاسم بن البريدي حماية الجامدة والأهوار التي في البطائح ، ويبدو أن طبيعة المنطقة ساعدته على الاستيلاء على نواح كثيرة في منطقة واسط وتمرده على السلطة. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١١٩. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٢. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٨٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٨١.

(٦) انظر : مصادر الحاشية السابقة.

٤٨

المدينة مركزا لإدارة العمليات العسكرية ضد هذا التمرد.

ومع أن المصادر لا تحدثنا عن دوافع هذا التمرد إلا أننا نرجح أنه كان يمثل تمرد العرب ضد السيطرة الأجنبية البويهية ، فهؤلاء استأثروا بالسلطة دون الخليفة بعد دخولهم بغداد بوقت قصير (١).

أعد معز الدولة جيشا في هذه السنة ، وأسند قيادته إلى وزيره أبي جعفر محمد بن أحمد الصيمري ، فسار قاصدا عمران بن شاهين ، فالتقى الطرفان في عدة معارك هزم فيها جيش عمران وأسر أهله وأولاده ، فانسحب إلى البطائح واختفى هناك (٢). وفي الوقت الذي كان البويهيون فيه منشغلين بمحاربة عمران ، مات عماد الدولة بن بويه ، واضطرب جيشه بفارس ، فكتب معز الدولة إلى الصيمري يأمره بالتوجه نحو شيراز لإصلاح الأمور فيها ، فترك الصيمري محاربة عمران وسار على رأس جيشه إلى شيراز (٣).

في سنة ٣٣٩ ه‍ / ٩٥٠ م سير معز الدولة جيشا لمحاربة عمران ، أسند قيادته إلى «روزبهان» ، فلما علم عمران بتقدم هذا الجيش جمع قواته وخرج للقائه ، فدارت بينهما معركة حامية هزم فيها جيش روزبهان وغنم «عمران

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٨٦ ، ٨٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٠ ـ ٤٥٢.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٢٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٢. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٩٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٨١.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٢٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٢. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٩٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٨١. وتذكر هذه المصادر أن الصيمري خرج في سنة ٣٣٩ ه‍ من شيراز على رأس جيشه لمحاربة عمران إلا أنه توفي بسبب المرض في الموضع المعروف «بالبزبوني» قرب الجامدة. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٢٣. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٢. ويذكر الموضع باسم «المرموني» وهذا تحريف ، والسنة ٣٣٨ ه‍. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٨٥.

٤٩

جميع آلاته وسلاحه» (١) وبعد هذا الانتصار تشجع عمران وازداد نفوذه وقويت شوكته ، فأخذ يطالب المارّة بالضرائب واستولى على مناطق واسعة في البطائح ، فانقطعت طرق المواصلات النهرية بين بغداد والبصرة (٢).

ولما بلغت هذه الأنباء معز الدولة كتب إلى وزيره المهلبي يأمره بالمسير من البصرة إلى واسط ، واتخاذها مركزا له ، ثم أمده بجيش كبير العدد ، وحمل إليه سلاحا كثيرا وأطلق يده في إنفاق الأموال (٣).

خرج المهلبي على رأس جيشه من واسط وتوجه لملاقاة عمران ، إلا أنه عندما تقدمت قواته في البطائح لم يستطع اللقاء به ، ذلك لأن عمران عندما علم بتقدم الجيش تجنب لقاءه مستخدما أسلوب حرب العصابات ، فانسحب بأصحابه مختفيا بين الأدغال التي تكثر في منطقة البطائح ، فلما توغل المهلبي بقواته في البطائح خرج إليهم الكمناء فقتلوا جماعة ، وأسروا جماعة ، وتفرق الباقين ، فعاد المهلبي منسحبا إلى واسط (٤).

ويظهر أن معز الدولة ، بعد انهزام جيشه مرات عديدة أمام أصحاب عمران كان قد أدرك أهمية عمران وأصحابه ، فتمّ عقد الصلح بينهما ، وقلده معز الدولة البطائح وأطلق سراح إخوته وأهله. كما أطلق عمران سراح أسرى جيش معز الدولة وكان ذلك في سنة ٣٤٠ ه‍ / ٩٥١ م (٥).

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٣٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٨٩ ، ٤٩٠.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٣٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٩٠.

(٣) ن. م ، ٢ / ١٣٠. ن. م ، ٨ / ٤٩٠. المهلبي : هو أبو محمد الحسن من آل المهلب ابن أبي صفرة ، تولى الوزارة لمعز الدولة بعد وفاة الوزير أبي جعفر محمد بن أحمد الصيمري. ابن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات ، ١ / ٢٥٦ ، ٢٥٧.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٣٠ ، ١٣١. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٩٠.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٤٣. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٦٥. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٩١. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٩٠ ، ٤٩١.

٥٠

ويبدو أن الصلح بين الطرفين استمر حتى سنة ٣٤٤ ه‍ / ٩٥٥ م فقد روى مسكويه أنه في هذه السنة استولى عمران على أموال حملت إلى معزّ الدولة من الأحواز ، وأموال للتجار ، فأرسل معزّ الدولة يحتج على تصرفات عمران ويطلب إليه رد الأموال ، إلا أن عمران رد أموال معزّ الدولة وامتنع عن رد أموال التجار (١). فسير معزّ الدولة جيشا لقتال عمران ، أسند قيادته إلى «روز بهان» وذلك في رمضان سنة ٣٤٤ ه‍ / كانون أول ٩٥٥ م (٢) ، غير أنه لم ترد هناك أية إشارة توضح القتال الذي وقع بين روزبهان وعمران ، والذي انتهى بمسير روزبهان في رجب سنة ٣٤٥ ه‍ / تشرين أول ٩٥٦ م إلى الأحواز لمساعدة أخيه الذي استولى عليها (٣).

لم ترد معلومات توضح العلاقة بين عمران ومعزّ الدولة طيلة الفترة الواقعة بين سنة ٣٤٥ ه‍ / ٩٥٦ م وحتى سنة ٣٥٥ ه‍ / ٩٦٥ م ولكن يبدو أن معزّ الدولة لم يكن على وفاق مع عمران ، ففي هذه السنة خرج بنفسه من بغداد على رأس جيش وسار نحو واسط وأقام بها (٤). ثم أعد من هناك جيشا وأسند قيادته إلى أبي الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، فسار قاصدا عمران ونزل بالجامدة (٥) ثم شرع في سدّ الأنهار التي تجري نحو البطائح (٦) إلا أن مرض معزّ الدولة ومغادرته واسطا إلى بغداد ثم وفاته

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٥٨. انظر : الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٧٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥١٠.

(٢) الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٧٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥١٤.

(٣) الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٧١. رسائل الصابي ، ٥٣ ، ٥٥. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٦٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥١٤.

kabir, op. cit., p. ll, ٢١.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢١٧ ، ٢٣١. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٩٠. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٣٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥٧٣.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢١٨. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٩٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥٦٨ ، ٥٧٣.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢١٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥٧٣.

٥١

حال دون استمرار القتال ، فتمّ عقد الصلح بين الطرفين في سنة ٣٥٦ ه‍ / ٩٦٦ م (١).

ويظهر أن علاقات البويهيين مع عمران قد ساءت في سنة ٣٦٠ ه‍ / ٩٧٠ م فقد خرج عزّ الدولة بختيار (٢) في هذه السنة من بغداد على رأس جيش لقتال عمران ، وكان على مقدمة جيشه وزيره أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، أما هو فقد أقام بناحية النعمانية ، وقد تظاهر بالصيد حتى لا يفطن عمران لنيته الحقيقية فيتأهب لملاقاته (٣).

ولما بلغت أخبار تقدم جيش بختيار إلى عمران ترك مقره وانسحب إلى موضع آخر في البطائح وأقام به (٤) ، فعندما جاءت أيام الجفاف من السنة الثانية تقدم الجيش نحو مقر عمران فوجده خاليا ، وبما أن الجيش كان يجهل المنطقة ، كما أنه لم يزود بالسفن الحربية ـ لأن الخطة كانت هي سد المياه في أنهار البطيحة ـ لم يستطع أن يتقدم إلى مقرّ عمران (٥).

ونظرا لرداءة الجو بالبطائح وانقطاع التموين ، فقد سئم الجيش من طول الإقامة «وشغبوا وتناولوا الوزير بألسنتهم وهموا بالإيقاع به ، وتحالف الديلم والأتراك .. وأبوا أن يقيموا أكثر مما أقاموا» (٦) فأرسل بختيار إلى عمران

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٣١ ، ٢٣٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥٧٣ ، ٥٧٥.

(٢) عز الدولة بختيار : هو ابن معز الدولة تولى الإمارة بعد وفاة والده سنة ٣٥٦ ه‍. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٣٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٥٧٥.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٩٥ ، ٢٩٦. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٠٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦١٠ ويذكر هذا المصدر أن بختيار أقام بواسط.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٩٧. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٠٩. ويذكر هذا المصدر أن اسم مقر عمران الجديد هو «هوكولان». ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦١١.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٩٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦١١.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٩٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦١١.

٥٢

يطلب الصلح ، فقد عقد الصلح على أن يدفع عمران مبلغ خمسة ملايين درهم سنويا إلى بختيار ، إلا أن عمران امتنع عن دفع هذا المبلغ ، وعاد بختيار بجيشه إلى بغداد ودخلها في رجب سنة ٣٦١ ه‍ / نيسان ٩٧٢ م (١).

والظاهر أن النزاع الذي حدث بين الأتراك والديلم من جهة وبين أبناء البيت البويهي على السلطة من جهة أخرى حال دون استمرار القتال بين عمران بن شاهين والبويهيين. فإننا لم نجد ما يشير إلى وقوع قتال بين الفريقين بعد هذا التاريخ. وسوف نلاحظ خلال الصفحات التالية أن هذا التحول في الوضع السياسي البويهي أدى إلى ظهور عمران بن شاهين كقوة على المسرح السياسي آنذاك.

على أثر إفلاس الخزينة سار بختيار في شعبان سنة ٣٦٣ ه‍ / نيسان ٩٧٤ م قاصدا الأحواز طلبا للمال ، فاستولى عليها وأقام بها ، غير أن نزاعا وقع في صفوف جيشه بين الأتراك والديلم ، فقبض بختيار على رؤساء الأتراك الذين كانوا معه ، ثم استولى على إقطاعات سبكتكين (٢) في الأحواز بتشجيع من الديلم ، وكتب إلى والدته وأخيه ببغداد أن يقبضا على سبكتكين (٣). فلما علم سبكتكين جمع الأتراك المقيمين ببغداد وجرت معارك بين الأتراك والديلم استمرت ثلاثة أيام ، هزم فيها الديلم وانحدروا إلى واسط (٤).

أما بختيار فقد سار من الأحواز إلى واسط وأقام بها ، ثم أرسل إلى كل من أبي تغلب بن حمدان ، وعمران بن شاهين ، وعمه ركن الدولة

__________________

(١) ن. م ، ٢ / ٢٩٧. ن. م ، ٨ / ٦١١.

(٢) سبكتكين : قائد الأتراك ببغداد. كان حاجبا لمعز الدولة. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٧٦ ـ ٧٩.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٢٤ ، ٣٢٥. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢١٤. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٦٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٣٥ ، ٦٣٦.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٢٧. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢١٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٣٦.

٥٣

(الحسن بن بويه) يستنجد بهم (١).

كتب سبكتكين إلى بختيار بواسط قائلا : «إن كل ما تعمله وتتصرف به خطأ وغلط وإن الأمر الآن قد خرج عن اليد فافرج لي عن واسط حتى تكون هي وبغداد في يدي ... وتكون البصرة والأهواز ونواحيها في يدك ...» (٢).

رفض بختيار الطلب الذي تقدم به سبكتكين ، فخرج الأخير من بغداد قاصدا واسطا ، إلا أنه لم يلبث أن توفي بدير العاقول فخلفه «الفتكين» في قيادة الجيش (٣). وكان بختيار مقيما في الجانب الغربي من واسط ، فلما وصل الأتراك إلى واسط أقاموا في الجانب الشرقي منها (٤).

عبر الأتراك إلى الجانب الغربي ثم دارت بينهم وبين الديلم عدة معارك استمرت خمسين يوما كان النصر فيها للأتراك ، وكانت أحوال الديلم قد ساءت من جراء حصار جيش الفتكين لهم ، وقتل منهم خلق كثير حتى أوشكوا على التسليم (٥). وكان بختيار في أثناء ذلك قد ألح في طلب النجدة من عضد الدولة وأبي تغلب وأكثر من الرسل إليهما (٦). وبينما هم كذلك إذ وردت الأنباء بوصول عضد الدولة على رأس جيش إلى الأحواز لنجدة بختيار ، ففتّ ذلك في عضد الفتكين وقرر العودة إلى بغداد ليستعد

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٢٩ ـ ٣٣٣.

(٢) ن. م ، ٢ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٦٨.

(٣) رسائل الصابي ، ٣٦. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٤. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢١٦ ، ٢١٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٥.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٤. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢١٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٥.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٥. ويذكر الصابي أن المعارك بينهم استمرت ثمانية وأربعين يوما ، رسائل الصابي ، ٣٦.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٥.

٥٤

من هناك لقتاله (١). ولما اقترب عضد الدولة من واسط خرج بختيار لاستقباله وسار الجميع نحو بغداد ونزلوا في «المدائن» واستعدوا للقاء الفتكين الذي تقدم هو الآخر بقواته وعبر نهر ديالى ، فنشب القتال بين الفريقين عند قرية بين المدائن ونهر ديالى ، دارت الدائرة فيه على جيش الفتكين ، فهرب مع جيشه إلى تكريت وأقاموا فيها ثم رحلوا منها إلى الشام. وتقدم عضد الدولة وبختيار إلى بغداد ودخلاها بدون مقاومة ، وكان ذلك في سنة ٣٦٤ ه‍ / ٩٧٤ م (٢).

ولكن النتيجة جاءت على غير ما توقع بختيار ، فما إن تم لعضد الدولة الاستيلاء على بغداد حتى أخذ يسعى للاستئثار بالسلطة ، فقد انتهز فرصة شغب الجند ومطالبتهم بعزل بختيار وكره الخليفة الطائع له فقبض عليه في شهر جمادى الآخرة سنة ٣٦٤ ه‍ / شباط ٩٧٥ م (٣) ثم كتب إلى والده ركن الدولة مبينا له الموقف في العراق وقبضه على بختيار (٤).

قلد عضد الدولة محمد بن بقية في سنة ٣٦٤ ه‍ / ٩٧٤ م واسطا وتكريت وعكبرا وأوانا ، فسار إلى واسط وأقام بها (٥). وما إن استقر بواسط حتى «خلع الطاعة وأظهر الخلاف وقبض على من ضم إليه من القواد «وأيد بختيار». ثم راسل عمران بن شاهين أمير البطيحة ، وسهل بن

__________________

(١) رسائل الصابي ، ٣٦ ، ٣٧. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٦ ، ٣٣٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٨.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٠ ـ ٣٤٣. رسائل الصابي ، ٣٧ ـ ٤٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢١٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٤٩.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٢ ، ٣٤٣. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٢١. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥٠.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٨.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٦. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٢١. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥٠. أبو طاهر محمد بن بقية ، كان صاحب مطبخ معزّ الدولة ثم تدرج في عدة وظائف حتى استوزره عزّ الدولة بختيار بن معزّ الدولة سنة ٣٦٢ ه‍. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٦١.

٥٥

بشر النصراني عامل الأحواز يطلب إليهما مساعدته ، فاستجابا له (١) لأنهما ـ على ما يبدو ـ لم يكونا على وفاق مع عضد الدولة. ثم أرسل إلى المرزبان بن بختيار أمير البصرة يطلب إليه المساعدة أيضا ، إلا أن المرزبان لم يستجب له «لتهمته بالانحراف عنه وعن أبيه» (٢).

لما علم عضد الدولة بما عزم عليه ابن بقية راسله في أمر الصلح ، وأعطاه الأمان إلا أن ابن بقية أصر على موقفه وكتب إلى عضد الدولة قائلا : «إنني أفلت إفلات المجروح المكلوم ، وتخلصت تخلص المصلوب المظلوم ، وقد حصلت أهلي بين قوم سيوفهم حداد ، وجعلت دون كل واحد منهم أناسا على البغاة غلاظ شداد ، وقد وجدته أعطى قبلي أمانا لقوم قولا ، وأسقطه فعلا ، فلم يف بشيء منه ...» (٣).

عندما فشلت المفاوضات بين الطرفين وجه عضد الدولة جيشا كبيرا إلى واسط فالتقى الفريقان ، ودارت بينهما معركة حامية في الماء هزم فيها جيش عضد الدولة هزيمة منكرة. والجدير بالذكر أن جيش عمران كان قد ساهم في هذه المعركة إلى جانب جيش ابن بقية (٤).

أما ركن الدولة فقد أرسل إلى ولده عضد الدولة كتابا ينكر عليه إقدامه على القبض على بختيار ، وهدده بقصده إن هو لم يطلقه ويعيده إلى منصبه السابق (٥). ثم أرسل ركن الدولة إلى المرزبان ، وابن بقية ، وابن تغلب بن حمدان أمير الحمدانيين يستميلهم إليه ويحسّن لهم الخروج على عضد الدولة ، وقد استجاب جميع هؤلاء له ، وتكونت جبهة

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥١.

(٢) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٧.

(٣) الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٢١.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥١. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٧.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٥٠ ، ٣٥١. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٢٢٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥١ ، ٦٥٢.

٥٦

قوية أخذت تهدد عضد الدولة (١).

والظاهر أن عضد الدولة كان قد شعر بالخطر المحدق به ، فأخذ يتصرف بحكمة فأرسل إلى والده مبينا له الموقف العسكري والسياسي في العراق (٢). إلا أن ركن الدولة أصر على موقفه السابق وقال للرسولين : «قولا لعضد الدولة خرجت إلى نصرة ابن أخي أو الطمع في مملكته ... أتريد أن تمتنّ أنت عليّ بدرهمين أنفقتهما عليّ وعلى أولاد أخي ثم تطمع في ممالكهم» (٣).

اضطر عضد الدولة إزاء موقف والده وسوء أحواله في العراق أن يطلق سراح بختيار ويرده إلى منصبه ، بعد أن تم الاتفاق بينهما على أن يكون بختيار نائبا عنه في العراق وأن لا يخالف له أمرا. وعاد عضد الدولة إلى فارس في ٥ شوال ٣٦٤ ه‍ / ١٩ حزيران ٩٧٥ م (٤).

أما والي واسط محمد بن بقية ، فبعد أن ترددت الرسل في التوسط بينه وبين بختيار ، تم الصلح بينهما وتوجه نحو بغداد (٥).

انتهز ابن بقية فرصة عودة عضد الدولة إلى فارس فاتصل بكل من حسنويه الكردي وفخر الدولة ، بن ركن الدولة ، وأبي تغلب بن حمدان ، وعمران بن شاهين ، وغيرهم وذلك لتكوين جبهة ضد عضد الدولة (٦) ، فلما علم عضد الدولة سار على رأس جيش قاصدا بغداد ، فانحدر كل من بختيار وابن بقيّة على رأس جيش إلى واسط ، وأقاما فيها ثم راسلا الخليفة

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٤٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥١ ، ٦٥٢.

(٢) ن. م ، ٢ / ٣٤٨. ن. م ، ٨ / ٦٥٢.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٥٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٥٣.

(٤) ن. م ، ٢ / ٣٥٢. ن. م ، ٨ / ٦٥٤.

(٥) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٥٤.

(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٧١. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٦٥.

٥٧

الطائع بالمسير إليهما فوافق بعد تردد ولحق بهما (١).

كان رأي بختيار أن يعدّ العدّة لقتال عضد الدولة في مدينة واسط إلا أن ابن بقية أشار عليه بالمسير إلى الأحواز ، فسارا على رأس جيش فدارت بين الفريقين معركة عند «نهر سوراب» (٢) ، هزم فيها بختيار وعاد إلى واسط (٣) وأقام في الجانب الشرقي. أما ابن بقية فإنه أقام في الجانب الغربي منها (٤).

ولما شعر بختيار بضعف موقفه أراد التقرب من عضد الدولة ، فألقى القبض على ابن بقيّة لأنه كان السبب في هذا القتال ، ثم إن بن بقيّة كان قد استأثر بجباية أموال واسط دون بختيار (٥).

ولما علم عضد الدولة بمسير بختيار إلى بغداد سار هو الآخر في سنة ٣٦٧ ه‍ / ٩٧٧ م على رأس جيش إلى بغداد ، فقتل كل من بختيار وابن بقيّة ثم أقام ببغداد وخطب له على المنابر بعد الخليفة (٦). وسوف نلاحظ خلال الصفحات التالية أن سياسة أبناء البيت البويهي التي كانت قائمة على السيطرة والتسلط وإراقة الدماء ، أدت إلى احتلال واسط مرات عديدة في فترة تسلطهم.

إن وفاة عضد الدولة ببغداد في ٨ شوال سنة ٣٧٢ ه‍ / ٢٧ آذار ٩٨٢ م ، أدت إلى النزاع والتنافس بين أبنائه على الحكم (٧) فبعدّ أن تمّ

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٦٦.

(٢) نهر سوراب : لم أجده فيما تيسر لنا من مصادر.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٦٨ ، ٣٦٩.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٧٣.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٧٢. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٧٤.

(٦) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٧٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٦٨٩ ، ٦٩١. انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٦١.

(٧) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ٣٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ١٨.

٥٨

اختيار ابنه أبي كاليجار المرزبان من قبل قواد الجيش والأمراء ليخلف والده في الحكم ، خلع عليه الخليفة الطائع لله خلع الإمارة ولقبه «صمصام الدولة» (١) ، غير أن أخاه شرف الدولة أمير كرمان لما علم بوفاة والده سار نحو فارس في سنة ٣٧٢ ه‍ / ٩٨٢ م واستولى عليها (٢) ، ثم واصل سيره نحو الأحواز واستولى عليها في سنة ٣٧٥ ه‍ / ٩٨٥ م ، وكانت تحكم آنذاك من قبل أخيه أبي الحسين الذي فرّ إلى أصفهان (٣).

لقد أدرك صمصام الدولة بعد أن بلغته أخبار أخيه شرف الدولة الخطر الذي يهدّد سلطته فتقدم إليه بطلب الصلح ، فتمّ الصلح بينهما ، واتفقا على أن يخطب لصمصام الدولة في العراق بعد أخيه شرف الدولة ، وأن يكون صمصام الدولة نائبا عن أخيه في حكم العراق (٤) ، وأن يطلق سراح أخيه بهاء الدولة أبي نصر (٥).

والظاهر أن والي واسط أبا عليّ التميمي كان قد شعر بقوة شرف الدولة فأعلن خروجه على طاعة صمصام الدولة وانحيازه إلى شرف الدولة ، كما خرج على طاعته ولاة آخرون في العراق وتوافدوا إلى شرف الدولة بالأحواز ودخلوا في طاعته (٦). كما اجتمع إلى شرف الدولة كثير من الأتراك والديلم الذين كانوا قد نقموا على صمصام الدولة فقوي أمره (٧).

__________________

(١) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ٧٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٢٢. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ١٩ ، ورقة ٣٧٠ ، ٣٧١.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٢٢. كرمان : ولاية مشهورة ، تقع بين فارس ومكران وسجستان وخراسان. معجم البلدان ، ٤ / ٤٥٤.

(٣) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ١٢١ ، ١٢٢.

(٤) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ١٢٤. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ١٩ ، ورقة ٣٩١.

(٥) العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ١٩ ، ورقة ٣٩١.

(٦) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ١٢٧.

(٧) ن. م ، ١٢٧.

٥٩

ولما بلغت شرف الدولة أنباء الفوضى والاضطرابات التي سادت بغداد ، أرسل قائده قراتكين الجهشياري إلى واسط سنة ٣٧٦ ه‍ / ٩٨٦ م فاستولى عليها ورتب العمال فيها (١). ثم سار شرف الدولة من الأحواز على رأس عساكر كبيرة إلى واسط وأقام بها (٢).

أما صمصام الدولة فقد أسقط في يده عندما بلغه نزول شرف الدولة بواسط بعساكر كبيرة ، حيث أدرك أنه لا قبل له بمقاومته لا سيما أن جنده كانوا قد شغبوا عليه وطالبوه بالأرزاق ، وتسللت أعداد كبيرة منهم إلى شرف الدولة بواسط ، فقرر الخروج من بغداد مع بعض خاصته إلى شرف الدولة بواسط ، فأحسن شرف الدولة لقاءه ، ولكنه لم يلبث أن قبض عليه (٣).

أعد شرف الدولة جيشا وأسند قيادته إلى والي واسط أبي علي التميمي ، فسار قاصدا بغداد ، فدخلها دون مقاومة (٤) ، ثم سار شرف الدولة في أثره فاستقبله الخليفة ، وولاه الإمارة (٥). ولما استقر شرف الدولة ببغداد ، أرسل صمصام الدولة إلى فارس وسجن هناك (٦).

لم نسمع عن مشاركة واسط في الأحداث السياسية طيلة الفترة الواقعة بين سنة ٣٧٧ ه‍ وحتى سنة ٤١٠ ه‍ / ٩٨٧ ـ ١٠١٩ م. ومن المرجح أن ذلك يرجع إلى الأسباب التالية :

١ ـ إن الصراع بين أبناء البيت البويهي في هذه الفترة كان قائما في

__________________

(١) ن. م ، ١٢٦.

(٢) ن. م ، ١٢٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٤٨.

(٣) ن. م ، ١٣٠. ن. م ، ٩ / ٤٩.

(٤) ن. م ، ١٣٢.

(٥) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ١٣٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٤٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ١٩ ، ورقة ٣٩٠ ، ٣٩١.

(٦) أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ١٣٤.

٦٠