واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

١١٠٣ م ، اتفق الطرفان على أن تكون العراق لبركيارق عدا بلاد سيف الدولة صدقة فتكون لمحمد (١) ، وبناء ، على هذا الاتفاق أمر الخليفة المستظهر بالله بإقامة الخطبة لبركيارق في بغداد (٢).

ويظهر أن أهل واسط أدركوا أن الفرصة قد حانت للتخلص من صدقة. فلما بلغهم النبأ أمروا بإقامة الخطبة لبركيارق بواسط (٣). ويبدو أن اسم صدقة كان قد قطع مع اسم السلطان محمد من الخطبة ، فقد ذكر ابن الأثير أن صدقة سار في شوال ٤٩٧ ه‍ / حزيران ١١٠٣ م على رأس جيش كبير إلى واسط واستولى عليها ثم أمر الأتراك بمغادرة واسط ، فسار جماعة منهم إلى بركيارق ، وسار آخرون إلى بغداد ، أما الباقون منهم فقد صاروا إلى جانب صدقة (٤). وتقديرا للجهود التي بذلها صدقة كافأه السلطان محمد بأن أقطعه واسطا (٥). فضمنها صدقة إلى مهذب الدولة بن أبي الجبر صاحب البطيحة وعاد إلى الحلة (٦). وقد أقام مهذب ، الدولة بواسط حتى ذي القعدة سنة ٤٩٧ ه‍ / تموز ١١٠٣ م ، ثم استناب في الضمان أولاده وأصحابه وانحدر إلى البطيحة (٧).

__________________

(١) انظر تفاصيل ذلك في : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧٠. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٣٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٥٦٦ ، ٥٦٧.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٣٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧١.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧١.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧٧. انظر : ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٦٣. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٥٧٠.

(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٤٣ ، ٢٣٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٤٣٥ ، ٤٤٠. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٦١١.

(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧٧. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٥٧٠.

(٧) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٧٧ ، ٤٣٥. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٦١١.

٨١

والجدير بالذكر هنا هو أن مهذب الدولة كان قد عجز عن دفع مال الضمان إلى صدقة لأن أولاده وأصحابه «مدوا أيديهم في الأموال ، وفرطوا فيها ، وفرقوها» فحبسه صدقة ، ثم ضمن واسطا إلى حماد بن أبي الجبر ابن عم مهذب الدولة (١).

لقد بقيت واسط ضمن ممتلكات صدقة حتى سنة ٥٠١ ه‍ / ١١٠٧ م ، ففي هذه السنة حدث خلاف بينه وبين السلطان محمد (٢) ، فأعدّ السلطان جيشا وأسند قيادته إلى الأمير محمد بن بوقا التركماني ، وأمره بالمسير إلى واسط والاستيلاء عليها ، فلما دخل ابن بوقا واسط أخرج نائب صدقة عنها ثم أمنّ أهلها عدا أصحاب صدقة ، فغادر هؤلاء واسط وتفرقوا (٣).

ولما بلغت هذه الأخبار إلى صدقة سير جيشا إلى واسط بقيادة ابن عمه ثابت بن سلطان ، فخرج ابن بوقا لملاقاته ، فالتقى الفريقان عند «نهر سالم» ودارت بينهما معركة حامية انتهت بهزيمة ثابت وقتل وأسر منهم الكثير (٤). ثم سار كل من جيش ابن بوقا وثابت إلى واسط محاولين السيطرة عليها ، فقاموا بنهب المدينة ، إلا أن ابن بوقا أمرهم بالكفّ عن أعمال النهّب ، وأمن الناس (٥). وفي أواخر جمادى الأولى من هذه السنة أقطع السلطان محمد واسط إلى قسيم الدولة البرسقي ثم أمر ابن بوقا بالمسير إلى بلاد صدقة للاستيلاء عليها (٦).

__________________

(١) ن. م ، ١٠ / ٤٣٥. ن. م ، ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٦١١.

(٢) عن أسباب هذا الخلاف انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٥٦ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٤٤٠ ، ٤٤٣.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٤٤٣. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٣ ، ج ٢٠ ، ورقة ٦٢١.

(٤) ن. م ، ١٠ / ٤٤٤. نهر سالم : هو من أنهار منطقة واسط. عماد الدين الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ١٩٣.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٤٤٤.

(٦) ن. م ، ١٠ / ٤٤٤.

٨٢

عندما بويع المسترشد بالله بالخلافة سنة ٥١٢ ه‍ / ١١١٨ م سار أخوه أبو الحسن إلى دبيس بن صدقة صاحب الحلة وأقام عنده. فلما علم الخليفة كتب إلى دبيس بتسليمه إليه (١). غير أن أبا الحسن سار من الحلة إلى واسط في ١٢ صفر سنة ٥١٣ ه‍ / ٢٦ مايس ١١١٩ م واستولى عليها ، ثم دعا لنفسه بالخلافة فبايعه عسكر واسط ، وبذلك تعزز مركزه (٢). ثم خرج من واسط على رأس جيش واستولى على منطقة واسط ، وطرد موظفي الخليفة منها وجمع الضرائب ، فلما علم الخليفة بعث كاتبه ابن الأنباري إلى دبيس يطلب منه القضاء على فتنة أخيه (٣). استجاب دبيس لطلب الخليفة وسيّر صاحب جيشه «عنان» على رأس جيش كبير إلى واسط ، فلما علم أبو الحسن رحل عن واسط وسار بعسكره ليلا ، فضلوا الطريق ، وسار في أثرهم عسكر دبيس ، فالتقوا بهم عند «الصلح» فنهب عسكر أبي الحسن ، وهرب أصحابه ، والتحق جماعة منهم بعسكر دبيس وأسر أبو الحسن ، فلما مثل بين يدي دبيس أمر بتسليمه إلى الخليفة (٤).

ويبدو أن ولاية واسط بعد هذه الحادثة أصبحت من ممتلكات دبيس ابن

__________________

(١) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٩٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٥٣٧. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٨٢. وقد ذكر الدكتور عبد الجبار ناجي أن المستظهر هو الذي خالف أخاه ، والصحيح أن المستظهر هو والد الأخوين. الإمارة المزيدية ، ١٤٤ ، ١٤٥.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٠٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٥٣٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٧٣٠.

(٣) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٠٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٥٣٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٧٣٠.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٠٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٥٣٨. وأضاف هذا المصدر : «ولما دخل على المسترشد بالله قبل قدمه ، وقبله المسترشد وبكيا ، وأنزله دارا حسنة كان هو يسكنها قبل أن يلي الخلافة ، وحمل إليه الخلع والتحف الكثيرة ، وطيب نفسه وأمنه» ١٠ / ٥٣٩. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٨٢.

٨٣

صدقة صاحب الحلة ، فقد ذكر سبط ابن الجوزي أن وزير السلطان محمود أشار على السلطان بمنح دبيس ولاية واسط والبصرة (١) ، ومع أن الرواية لا تنص على موافقة السلطان إلا أنه يظهر من الأحداث السياسية التالية في هذه الولاية ، أن السلطان كان قد وافق على المشورة التي تقدم بها وزيره إليه ، فقد روى ابن الأثير أنه في سنة ٥١٦ ه‍ / ١١٢٢ م وجه دبيس جماعة من أصحابه إلى إقطاعهم بواسط ، فلما وصل هؤلاء منعهم أهل واسط ، فلما بلغ هذا النبأ دبيسا أعدّ جيشا ، وأسند قيادته إلى مهلهل بن أبي العسكر ، فخرج قاصدا واسط ، وكان أهل واسط قد استنجدوا بالأمير آقسنقر البرسقي فأمدهم بجيش من بغداد ، فدارت بين الفريقين معركة في ٨ رجب من هذه السنة انتهت بهزيمة قوات مزيد وأسر قائدهم ، وقتل أكثر من ألف منهم (٢).

وقد واصل جيش واسط السير لمحاربة جيش مزيد والاستيلاء على ممتلكاته فأوقعوا بهم هزيمة أخرى عند «النعمانية» واستولوا عليها وأقاموا فيها (٣). وفي شعبان سنة ٥١٦ ه‍ / تشرين أول ١١٢٢ م أقطع السلطان محمود الأمير آقسنقر البرسقي مدينة واسط وأعمالها ، فسيّر البرسقي إليها عماد الدين زنكي متقلدا لها في هذا الشهر وأمره بحمايتها (٤).

عندما أدرك الخليفة المسترشد بالله اتساع نفوذ دبيس ، وأن الحكم السلجوقي قد تطرق إليه الضعف من جراء المنازعات التي قامت بين

__________________

(١) مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ١ ، ٧٢.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٠٠ ، ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٣٧. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٠٨.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٠٠.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٠٥. الباهر في الدولة الأتابكية ، ٢٥. أبو الفداء ، المختصر في أخبار البشر ، ٤ / ١٥٧. ابن الوردي ، تاريخ ، ٢ / ٣١. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨١٢.

ويقول ابن كثير ، إن عماد الدين : «أحسن السيرة بها وأبان عن حزم وكفاية» البداية والنهاية ، ١٢ / ١٩٠. انظر : أبو شامة ، الروضتين ، ١ / ٧٣.

٨٤

السلاطين السلاجقة حول السلطة عزم على إبعاد السلاجقة عن العراق والاستئثار بالسلطة (١) ، فلما تأكد السلطان محمود من ذلك جهز جيشا في سنة ٥٢٠ ه‍ / ١١٢٦ م وسار به قاصدا العراق ، فلما بلغ الجانب الشرقي من بغداد ، عبر الخليفة في عسكره وخواصه إلى الجانب الغربي منها (٢).

والظاهر أن الخليفة أراد أن يستفيد من عسكر واسط ، وأن يحول دون وصول عماد الدين زنكي والي البصرة وواسط من البصرة ، فأعد جيشا وأسند قيادته إلى عفيف الخادم وأمره بالمسير إلى واسط والاستيلاء عليها وطرد موظفي السلطان منها ، فسار عفيف على رأس جيشه ودخل واسط في هذه السنة ، وأقام في الجانب الغربي منها (٣). فلما علم السلطان محمود أمر عماد الدين زنكي بالمسير من البصرة إلى واسط والاستيلاء عليها ، فسار زنكي إلى واسط وأقام في الجانب الشرقي منها (٤).

أرسل زنكي إلى عفيف الخادم يحذره القتال ويأمره أن ينصرف عن واسط ، إلا أن عفيفا أصر على البقاء ومنازلة زنكي ، فعبر عسكر زنكي إليه ودارت معركة بين الفريقين ، حلت فيها الهزيمة بقوات عفيف بعد أن قتل منهم عدد كبير وأسر آخرون ، «وتغافل عماد الدين عن عفيف حتى نجا لمودة كانت بينهما» (٥).

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٥. الخالدي ، الحياة السياسية ونظم الحكم في العراق ، ٢٠٦. حسين أمين ، تاريخ العراق في العصر السلجوقي ، ١٤٠ ، ١٤١.

muir, op. cit., p. ٦٨٥.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٥٥ ـ ٢٥٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٥ ، ٦٣٦. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٩٥.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٦. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٥٤.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٦. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٥٤.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٦ ، ٦٣٧. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٥٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٥٤.

٨٥

أمر السلطان محمود ، عماد الدين زنكي بالمسير من واسط إلى بغداد لنجدته فجمع عماد الدين عسكرا كبيرا ، وسار به في البر والماء قاصدا بغداد ، فلما وصل بغداد وشاهد الخليفة قوة العسكر أدرك أن لا قبل له بمقاومة السلاجقة ، فاضطر إلى قبول دعوة السلطان في الصلح (١) وأقام السلطان ببغداد إلى ١٢ ربيع الآخر سنة ٥٢١ ه‍ / ٢٨ نيسان ١١٢٧ م ثم عاد إلى همذان (٢).

انتهز دبيس بن صدقة فرصة النزاع القائم بين أبناء البيت السلجوقي على السلطة بعد وفاة السلطان محمود ، واضطراب الأوضاع السياسية في العراق من جراء هذا النزاع (٣) فسار في سنة ٥٢٦ ه‍ / ١١٣١ م على رأس جيش إلى واسط ، واستولى عليها دون مقاومة وأقام بها (٤) ، وقد انضم إليه عسكر واسط وجماعة من الأمراء ، وابن أبي الجبر صاحب البطيحة (٥).

ولما بلغت أنباء دبيس إلى الخليفة المسترشد بالله أرسل في سنة ٥٢٧ ه‍ / ١١٣٢ م برنقش بازدار ، وإقبال المسترشدي على رأس جيش إلى واسط

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٨. الباهر في الدولة الأتابكية ، ٢٨. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣. البنداري ، تاريخ الدولة آل سلجوق ، ١٥٢. أبو شامة ، الروضتين ، ١ / ٧٤. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٩٦. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٥٦.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥. ويذكر ابن الأثير أنه أقام حتى ١٤ ربيع الآخر. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٣٨. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٩٦. ويذكر العيني أنه أقام حتى ١٠ ربيع الآخر. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٥٧.

(٣) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٢٥ ـ ٢٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٧٤ ـ ٦٧٩.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٧٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٤١.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٧٩. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٠. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٤١.

٨٦

لاسترجاعها من دبيس ، فلما التقى الفريقان دارت بينهما معركة في البر والماء هزم فيها دبيس وعسكر واسط وأسر جماعة من الأمراء (١).

وعندما تولى الخلافة بعد المسترشد بالله ابنه الراشد بالله سنة ٥٢٩ ه‍ / ١١٣٤ م سار على سياسة والده التي كانت تهدف إلى التخلص من الحكم السلجوقي (٢) ، فلما أرسل السلطان مسعود بن السلطان محمد في سنة ٥٣٠ ه‍ / ١١٣٥ م برنقش الزكوي إلى بغداد ليطالب الخليفة بمبلغ من المال مقداره ٠٠٠ ، ٧٠٠ دينار (٣) ، امتنع الخليفة عن أداء المبلغ ، فاتفق الزكوي مع «بك ابه» شحنة بغداد على الاستيلاء على دار الخلافة ، فلما علم الخليفة استعد لصدهم ، فدارت بين الفريقين معركة حامية انتصر فيها الخليفة (٤) فسار «بك ابه» إلى واسط واستولى عليها (٥).

كاتب الخليفة الملك داود بن السلطان محمود ، فاتفقا على حرب السلطان مسعود ، واجتمع إلى الخليفة أمراء الأطراف (٦). وقطعت الخطبة للسلطان مسعود في العراق وخطب لداود (٧).

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٧٩. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٠. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٤١ ، ٤٩.

(٢) muir ,po.cit.,p.٨٨٥ ..

(٣) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٤. ويذكر ابن الأثير أن مقدار المال كان ٠٠٠ ، ٤٠٠ دينار ، ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٥. انظر أيضا : البداية والنهاية ، ١٢ / ٢١٠. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٧٩.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٥. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٥.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٥. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٠.

(٦) وهم عماد الدين زنكي صاحب الموصل ، وبرنقش بازدار صاحب قزوين ، والبقش الكبير صاحب أصفهان ، وصدقة بن دبيس صاحب الحلة. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٦. المنتظم ، ١٠ / ٥٧. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٨٠.

(٧) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٦.

٨٧

فلما بلغت هذه الأنباء إلى السلطان مسعود أرسل الملك سلجوقشاه على رأس جيش إلى واسط ، فلما دخلها قبض على «بك أبه» وحبسه ، وصادر أمواله ثم أقام بواسط (١).

فلما علم الخليفة بذلك عهد إلى عماد الدين زنكي بالمسير إلى واسط واسترجاعها من الملك سلجوقشاه (٢). فسار زنكي بعساكره إلى واسط ، غير أنه تم عقد الصلح بين الطرفين ، وعاد زنكي إلى بغداد (٣).

ويبدو أن سبب موافقة زنكي على الصلح مع سلجوقشاه هو أنه لما بلغه نبأ مسير السلطان مسعود إلى بغداد ، استقر رأيه على أن يعود على الفور إلى بغداد لصدّ السلطان عنها. فقد ذكر ابن الأثير أن زنكي عاد إلى بغداد «وحثّ على جمع العساكر للقاء السلطان مسعود» (٤).

سار السلطان مسعود بقواته ونزل على بغداد وحاصرها (٥) ، وفي هذه الأثناء وصل «طرنطاي» صاحب واسط على رأس جيشه إلى بغداد لمساعدة السلطان مسعود (٦). فلما أيقن الخليفة أن لا قبل له بمقاومة السلطان ترك بغداد وسار بصحبة عماد الدين زنكي إلى الموصل (٧) عندئذ دخل السلطان مسعود بغداد وأقام بها. وعاد أمراء الأطراف كلّ إلى بلده ، كما عاد الملك داود إلى بلاده أيضا (٨).

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٧. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٨٠.

(٢) ن. م ، ١١ / ٣٧. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٦.

(٣) ن. م ، ١١ / ٣٧.

(٤) ن. م ، ١١ / ٣٧.

(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٧ ، ٥٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٤٠ ، ٤١.

(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٤١. الباهر في الدولة الأتابكية ، ٥٢.

(٧) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٤١. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢١٠.

(٨) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٥٩ ، ٦٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٤١.

٨٨

والجدير بالذكر هنا هو أن جيش واسط لعب دورا كبيرا في تحقيق النصر للسلطان مسعود ، وقد أشار إلى ذلك ابن الأثير بقوله (١) : «وحصرهم السلطان نيفا وخمسين يوما فلم يظفر بهم ، فعاد إلى النهروان عازما على العود إلى همذان ، فوصله طرنطاي صاحب واسط ، ومعه سفن كثيرة فعاد إليها وعبر فيها إلى غربي دجلة وأراد العسكر البغدادي منعه ، فسبقهم إلى العبور ، واختلفت كلمتهم ، فعاد الملك داود إلى بلاده في ذي القعدة وتفرق الأمراء».

أما الملك سلجوقشاه فقد خرج من واسط على رأس عساكره ، وسار لمحاربة الملك داود ، فالتقى الفريقان عند «تستر» واشتبكا في معركة حامية ، انتهت بهزيمة الملك سلجوقشاه (٢).

إن استمرار النزاع بين أبناء البيت السلجوقي على السلطة أدى إلى استمرار مشاركة واسط في الأحداث السياسية التي وقعت في العراق في هذه الفترة ، ففي سنة ٥٣٥ ه‍ / ١١٤٠ م سار الأمير جهار دانكي والبقش كون خر من بغداد (٣) قاصدين الحلة ، فلما منعا منها قصدا واسطا ، فلما علم طرنطاي المحمودي صاحب واسط خرج على رأس قواته لملاقاتهما ، فدارت معركة بين الفريقين خارج واسط ، هزم فيها طرنطاي ، فدخل السلاجقة واسط ونهبوها (٤).

سار طرنطاي إلى حماد بن أبي الجبر أمير البطيحة واتفقا على حرب السلاجقة ثم انضم إليهما عسكر البصرة ، كما التجأت بعض عساكر جهار

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٤١. انظر : العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٨١.

(٢) ن. م ، ١١ / ٤٦. تستر : إحدى مدن الأحواز. معجم البلدان ، ٢ / ٢٩.

(٣) عن أسباب مسيرهما إلى بغداد انظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٧٨.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٧٨.

٨٩

دانكي والبقش إلى طرنطاي عندئذ أدرك السلاجقة أن الموقف أصبح في غير صالحهم ، فتركوا واسط وساروا نحو تستر (١).

ولما أقطع السلطان مسعود في سنة ٥٤٢ ه‍ / ١١٤٧ م الحلة إلى الأمير سلار كرد سار إليها بعسكره من همذان ، وأضيف إليه جيش من بغداد ، واستولى عليها (٢). فذهب أمير الحلة علي بن دبيس إلى واسط واتفق مع واليها طرنطاي المحمودي على حرب سلار كرد ، فسارا إلى الحلة واستوليا عليها في ذي الحجة من هذه السنة ، وعاد سلار كرد إلى بغداد (٣).

وعندما خرج بعض الأمراء (٤) على طاعة السلطان مسعود في سنة ٥٤٣ ه‍ / ١١٤٨ م وقف والي واسط طرنطاي المحمودي معهم ، فسار هؤلاء إلى بغداد وحاصروها واشتبك عسكر الخليفة مرات عديدة مع عساكرهم ، وبعد أن ترددت الرسل بين الأمراء والخليفة انسحب هؤلاء عن بغداد (٥).

وفي سنة ٥٤٤ ه‍ / ١١٤٩ م سار طرنطاي المحمودي والي واسط مع

__________________

(١) ن. م ، ١١ / ٧٨.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٢٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٢٢. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ١٦٩. والجدير بالذكر هنا أن الدكتور عبد الجبار ناجي يذكر أن سلار كرد كان يتولى منصب الشحنة ببغداد وقد اعتمد في كلامه على كتاب المنتظم لابن الجوزي ، ١٠ / ١٢٥ ، وعند رجوعنا إلى هذا المصدر لم نجد ما يشير إلى ذلك. الإمارة المزيدية ، ١٦٤.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٢٢. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٢٥. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ١٧٠.

(٤) وهم : البقش ، والدكز ، وقميز ، وقرقوب ، وأخو طويرك ، وطرنطاي ، ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٣٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٣٢. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ١٧٣. مع اختلاف في ألفاظ أسماء الأمراء.

(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٣٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٣٣. البنداري ، دولة آل سلجوق ، ٢٠٢. الغساني ، العسجد المسبوك ، (مخطوطة) م ٢ ، ورقة ٦٣ أ ، ٦٣ ب. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ١٧٤.

٩٠

جماعة من الأمراء إلى بغداد ، وطلبوا من الخليفة المقتفي لأمر الله أن تكون الخطبة لملكشاه بن السلطان محمود بدلا من السلطان مسعود (١). إلا أن الخليفة رفض طلبهم واستعد لملاقاتهم ، ثم أرسل إلى السلطان مسعود يستنجد به ، فلما علم هؤلاء الأمراء عادوا منسحبين عن بغداد (٢). أما السلطان مسعود فإنه وصل بغداد في ذي الحجة من هذه السنة (٣).

لقد أورد كل من ابن الجوزي ، وابن الأثير روايتين تتعلقان بالظروف التي واجهها طرنطاي بعد مجيء السلطان إلى بغداد ، فابن الجوزي يذكر أن السلطان رضي عنه (٤) ، بينما يذكر ابن الأثير أنه هرب إلى النعمانية (٥).

إلا أنه من المرجح أن طرنطاي كان في البداية قد هرب إلى النعمانية ، ثم قدم إلى السلطان ببغداد معتذرا إليه فرضي عنه.

أراد الخليفة المقتفي لأمر الله بعد وفاة السلطان مسعود سنة ٥٤٧ ه‍ / ١١٥٢ م (٦) أن يتخلص من السيطرة السلجوقية (٧) ، فبدأ بفرض سيطرته على مدن العراق التي كان يتولى أمرها السلاجقة أو نوابهم ، فأرسل وزيره عون الدين بن هبيرة في سنة ٥٤٧ ه‍ / ١١٥٢ م إلى الحلة فاستولى عليها (٨). ثم

__________________

(١) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٣٧ ، ١٣٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٤٣. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢٢٥.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٤٣.

(٣) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٣٨. أما ابن الأثير فإنه ذكر أن السلطان وصل بغداد في منتصف شوال. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٤٣.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٣٨.

(٥) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٤٣.

(٦) عن وفاة السلطان مسعود انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٤٧. الراوندي ، راحة الصدور ، ٣٥٤. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٦٠. الحسيني ، أخبار الدولة السلجوقية ، ١٢٩.

(٧) محمد صالح القزاز ، الحياة السياسية في العراق في العصر العباسي الأخير ، ٦٧. حسين أمين ، تاريخ العراق في العصر السلجوقي ، ١٥٥ ، ١٥٦.

(٨) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٤٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٦١.

٩١

واصل الوزير جهوده في استعادة مدن العراق الأخرى من أيدي السلاجقة ، فسير في هذه السنة جيشا إلى واسط واستولى عليها (١).

حاول السلطان ملكشاه استعادة نفوذ السلاجقة على واسط ، فأعد جيشا في هذه السنة وسيره نحو واسط واستولى عليها وطرد عسكر الخليفة منها (٢). ولما بلغ الخليفة هذا النبأ خرج بنفسه على رأس جيش إلى واسط واستولى عليها وطرد منها أمراء السلاجقة (٣) ثم قلد الموظفين فيها وعاد إلى بغداد (٤).

حاول السلاطين السلاجقة استعادة نفوذهم على العراق ، فسير الملك محمد بن السلطان محمود في سنة ٥٤٩ ه‍ / ١١٥٤ م جيشا بقيادة مسعود بلال وترشك وذلك للاستيلاء على بغداد ، فلما علم الخليفة المقتفي لأمر الله خرج لملاقاتهم فدارت بين الطرفين عدة معارك انتهت بهزيمة جيش السلاجقة (٥). وعلى أثر هذه الهزيمة سار مسعود بلال وترشك إلى واسط واستوليا عليها «ونهبا وخربا» (٦) ولما علم الخليفة أمر وزيره ابن هبيرة بالمسير إلى واسط واسترجاعها من السلاجقة فسار الوزير بعساكره قاصدا

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٦٢. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٢٠.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٦٢. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٤٨. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢٢٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٢٠.

(٣) يذكر ابن الجوزي أنه كان يحكم واسط أولاد طرنطاي. المنتظم ، ١٠ / ١٤٨.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٤٨١٠. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٦٢. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ١ ، ٢١٢ ، ٢١٣. الذهبي ، العبر ، ٤ / ١٢٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٢٠.

(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٥٦ ، ١٥٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٩٥. الحسيني ، أخبار الدولة السلجوقية ، ١٣٢.

(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٩٦. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٥٧.

٩٢

واسط واستولى عليها ثم عاد إلى بغداد (١).

وعلى الرغم من قوة الخلفاء العباسيين وإصرارهم على التخلص من النفوذ الأجنبي والهزائم التي ألحقوها بجيوش السلاجقة ، نجد أن السلاطين السلاجقة يواصلون محاولاتهم لاستعادة نفوذهم على العراق ، ففي سنة ٥٥١ ه‍ / ١١٥٦ م أرسل السلطان محمد بن محمود بن ملكشاه إلى الخليفة المقتفي لأمر الله ، يطلب منه أن يخطب له في العراق ، إلا أن الخليفة لم يستجب لطلبه ، فسار السلطان من همذان بعساكر كثيرة ونزل على بغداد وحاصرها (٢). فاستعد الخليفة لدفعه عن بغداد ، ثم أرسل إلى أمراء الأطراف يأمرهم بالمسير بعساكرهم إلى بغداد لمساعدته فاستجاب له خطلبرس والي واسط ، وسار على رأس جيشه إلى بغداد ، فانتهز «أرغش» والي البصرة فرصة خروج خطلبرس عن واسط وسار نحوها واستولى عليها (٣).

وفي سنة ٥٥٣ ه‍ / ١١٥٨ م سار ملكشاه ابن السلطان محمود من الأحواز على رأس جيشه قاصدا واسط فاستولى عليها ، وأقام في الجانب الشرقي منها ، وكان عسكره على «غاية الضر من الجوع والبرد ، فنهبوا القرى نهبا فاحشا» فلما فتح أهل واسط بثقا على العسكر غرق منهم عدد كبير ، فاضطر ملكشاه ومن سلم من عسكره إلى الرحيل عن واسط والعودة إلى الأحواز (٤).

__________________

(١) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٥٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ١٩٦. الحسيني ، أخبار الدولة السلجوقية ، ١٣٢ ، ١٣٣. البنداري ، تاريخ دولة آل سلجوق ، ٢١٦. الذهبي ، العبر ، ٤ / ١٣٥. ويذكر كل من ابن كثير والعيني ، أن الخليفة سار بعساكره إلى واسط واستولى عليها. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢٣١. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٣٨.

(٢) انظر تفاصيل ذلك في : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٦٥. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٢١٢. الراوندي ، راحة الصدور ، ٣٨٥. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢٣٤.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٢١٢ ، ٢١٣. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٦٤.

(٤) ن. م ، ١١ / ٢٣٧ ، ٢٣٨.

٩٣

والظاهر أن الخلفاء العباسيين بعد أن تخلصوا من النفوذ الأجنبي انصرفوا لغرض سيطرتهم على مدن العراق ، والتخلص من الولاة الذين كانوا يشكون في ولائهم لهم ، ففي سنة ٥٥٩ ه‍ / ١١٦٣ م أمر الخليفة المستنجد بالله بقتل «منكوبرس» صاحب البصرة ، فلما قتل سار صهره «ابن سنكا» إلى البصرة في سنة ٥٦١ ه‍ / ١١٦٥ م واستولى عليها ، ثم واصل سيره في هذه السنة إلى واسط ونهب سوادها ، فلما علم «خطلبرس» والي واسط خرج بعساكره لملاقاته ، غير أن ابن سنكا استطاع أن يستميل إلى جانبه جماعة من الأمراء الذين كانوا مع خطلبرس. فلما تقاتل الفريقان هزم عسكر خطلبرس وقتل «وأخذ ابن سنكا علم خطلبرس فنصبه ، فلما رآه أصحابه ظنوه باقيا ، فجعلوا يعودون إليه ، وكل من رجع أخذه ابن سنكا فقتله أو أسره» (١).

وفي سنة ٥٦٢ ه‍ / ١١٦٦ م عاد ابن سنكا فقصد البصرة واستولى عليها ، فلما تقدم إلى مطارا خرج إليه كمشتكين والي البصرة بعساكره للقائه ، فاشتبكا في معركة حامية انتهت بهزيمة كمشتكين وذهابه إلى واسط (٢) فلما وصلها اتفق مع ناظرها شرف الدين أبي جعفر بن البلدي ، ومقطعها ارغش المسترشدي على قتال ابن سنكا (٣).

ويبدو أن ابن سنكا بعد أن انتصر على كمشتكين سار إلى واسط للاستيلاء عليها ، فلما بلغه نبأ الاتفاق عدل عن المسير إلى واسط وعاد إلى البصرة ، فقد قال ابن الأثير بهذا الصدد «واتصلت الأخبار بأن ابن سنكا

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٢٢ ، ٣٢٣. وابن سنكا : هو ابن أخي شملة التركماني صاحب الأحواز آنذاك. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٢٢. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٣٩٩.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٢٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٣٩٩.

(٣) ن. م ، ١١ / ٣٢٨. ن. م ، ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٣٩٩.

٩٤

واصل إلى واسط ، فخاف الناس منه خوفا شديدا ، فلم يصل إليها» (١).

وفي سنة ٥٦٢ ه‍ / ١١٦٦ م سار شملة التركماني صاحب الأحواز على رأس جيش قاصدا العراق ، فأقام بالقرب من النعمانية. ثم أرسل إلى الخليفة المستنجد بالله يطلب منه أن يقطع البصرة وواسط والحلة إلى أحد أولاد ملكشاه ، إلا أن الخليفة لم يستجب لطلبه (٢). فلما أصر شملة على موقفه ، أرسل الخليفة العساكر من بغداد إلى أرغش المسترشدي مقطع واسط ، وابن البلدي ناظرها وأمرهما بالمسير إليه للقائه ، فسارا إليه وأقاما في النعمانية مقابل عسكره.

فلما أرسل شملة ابن أخيه «قلج» لقتال جماعة من الأكراد ، تقدم أرغش للقائه ، ودارت بين الطرفين معركة انتهت بهزيمة عسكر «قلج» وأسره ، فلما علم شملة تقدم بطلب الصلح ، فرفض ، فلما أدرك شملة أن لا قبل له على الاستمرار بالمقاومة عاد إلى بلاده (٣).

لم نجد إشارات إلى أحداث سياسية تعرضت لها مدينة واسط حتى سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م ، فبعد أن تم فتح بغداد في هذه السنة من قبل التتر ، تقدم قائدهم «بوقاتيمور» إلى الحلة «فاستقبل أهل الحلة الجند ... وأقاموا الأفراح ابتهاجا بقدومهم» ولما شاهد القائد إخلاصهم سار نحو واسط ووصلها في ١٧ صفر إلا أن أهلها لم يدخلوا في طاعته ، فاستولى على المدينة بالقوة «وشرع في القتل والنهب ، فقتل ما يقرب من أربعين ألف شخص» (٤).

__________________

(١) ن. م ، ١١ / ٣٢٨. ن. م ، ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٣٩٩.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٢٩.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٢٩.

(٤) الهمذاني ، جامع التواريخ ، م ٢ ، ج ١ ، ٢٩٦. وممن رثوا واسط بعد هذه النكبة الشاعر سعدى الشيرازي الذي قال :

وقفت بعبادان أرقب دجلة

كمثل دم قان يسيل إلى البحر

وفائض دمعي في مصيبة واسط

يزيد على مد البحيرة والجزر

فجرت مياه العين فازددت حرقة

كما احترقت جوف الدماميل بالفجر

حسين علي محفوظ ، المتنبي وسعدى ، ٧٣.

٩٥

ومن الممكن إرجاع هدوء الحالة السياسية بواسط في هذه الفترة إلى عدة عوامل منها :

١ ـ هدوء الحالة السياسية في العراق في هذه الفترة ، وذلك بعد أن تخلصت الخلافة من النفوذ السلجوقي كما رأينا سابقا.

٢ ـ قوة الخلفاء العباسيين في هذه الفترة.

٣ ـ كانت علاقة الدولة العباسية بكل من حكام الموصل وسلاجقة الروم وحكام بلاد الشام ومصر ، علاقة ودية ، على عكس ما لاحظناه في الفترات السابقة (١).

٤ ـ إن ولاة واسط في هذه الفترة ، كان يتم تعيينهم من قبل الخليفة ، ويكونون تابعين له ومسؤولين أمامه (٢).

نستنتج من التفاصيل التي مر ذكرها أن ولاية واسط ظلت تشارك في الأحداث السياسية الهامة التي وقعت في العراق طيلة العصر العباسي ، ففي عصر إمرة الأمراء اتخذت هذه المدينة مركزا لإدارة العمليات العسكرية ضد البريديين ، ثم تبادلتها الجيوش المتنازعة مرات عديدة ، وأقام بها في أثناء ذلك بعض حكام البريديين ، وأمراء الأمراء ، ولما رجحت كفة البريديين اتخذها هؤلاء مركزا لإدارة العمليات العسكرية ضد بغداد.

وفي هذا العصر ، انتهز البويهيون فرصة اضطراب الأوضاع السياسية

__________________

(١) انظر : بدري محمد فهد ، تاريخ العراق في العصر العباسي الأخير ، ٢٧ ، ٣٠ ـ ٣٩ ، ٤٣ ، ٥٠. رشيد الجميلي ، دولة الأتابكة في الموصل ، ٢٢٤ ـ ٢٣٠. أما عن العلاقة بين الدولة الخوارزمية في المشرق والخلافة العباسية فإنها لم تكن ثابتة. انظر : بدري محمد فهد ، ن. م ، ٥٥ ـ ٨٣. القزاز ، الحياة السياسية في العراق في العصر العباسي الأخير ، ٢١٧ ـ ٢٣٧.

(٢) انظر : الفصل الثالث.

٩٦

في العراق فحاولوا الاستيلاء على بغداد ، فأدى ذلك إلى الاستيلاء على واسط أربعة مرات قبل دخولهم بغداد سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٥ م.

أما في العصر البويهي فقد أصبحت هذه المدينة مركزا لإدارة العمليات العسكرية ضد الفتن والاضطرابات التي كانت تقوم في منطقة البطائح ، وعندما قام النزاع بين أبناء البيت البويهي على السلطة ، تبادلت جيوش الأمراء المتنازعين احتلال هذه المدينة مرات عديدة ، كما أقام بعض الأمراء مع جيوشهم فيها ، وكثيرا ما كانت تؤدي هذه الحروب إلى غلاء الأسعار ، ووقوع المجاعات في هذه المدينة. هذا وقد انتفع بعض ولاة واسط من هذه المنازعات ، فقد استغلت من قبل البعض منهم فأخذوا يميلون إلى جانب ضد الجانب الآخر ، أما في العصر السلجوقي ، فإن الصراع بين أبناء السلاطين السلاجقة على السلطنة أدى إلى احتلال واسط مرات عديدة ، وقد تعرضت هذه المدينة ومنطقتها للنهب من قبل الجيوش المتنازعة ، وقد أقام بعض أبناء البيت السلجوقي بواسط.

وفي أثناء النزاع بين السلاطين السلاجقة والخلفاء العباسيين وقف ولاة واسط في أول الأمر مع السلاطين وذلك لضعف الخلافة من جهة ، وخضوع هؤلاء الولاة المباشر للسلاطين من جهة أخرى ، وقد لعب جند واسط دور مهم في تحقيق النصر للسلاطين في هذه المنازعات.

وفي أثناء قوة الخلافة لجأ الخلفاء إلى الاستعانة بولاة واسط للوقوف إلى جانبهم في نزاعهم مع السلاطين.

ولما حاول كل من أمراء الحلة والبصرة والأحواز ، مد نفوذهم إلى ولاية واسط ، تصدى لهم جند هذه الولاية وأهلها ، واشتبكوا معهم في معارك انتهت معظمها بانتصار الواسطيين ، وطرد المعتدين.

ولما هدأت الحالة السياسية في العراق في العصر العباسي الأخير نجد أن واسط كانت قد تمتعت بهدوء الحالة السياسية أيضا ، وذلك حتى سنة ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م ، حيث تعرضت هي الأخرى لاعتداء التتر وقتل عدد كبير من سكانها.

٩٧
٩٨

الفصل الثاني

تخطيط مدينة واسط وتطورها

العمراني في العصر العباسي

١ ـ التطور العمراني.

٢ ـ تخطيط المدينة :

أ ـ المحلات.

ب ـ الشوارع والدروب والسكك.

ج ـ الأسواق.

د ـ المقابر والمشاهد.

ه ـ السور.

٣ ـ المنشآت :

أ ـ المساجد الجامعة.

ب ـ دار الإمارة.

ج ـ المساجد.

د ـ المدارس.

ه ـ الربط.

٩٩
١٠٠