واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

المعروف بالنيري (ت ٤٥٠ ه‍ / ١٠٥٨ م) (١) وأبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد بن بازي الواسطي (ت ٤٦٠ ه‍ / وقيل ٤٦٢ ه‍ / ١٠٦٧ م أو ١٠٦٩ م) (٢) وأبو الحسن محمد بن علي بن الحسن بن أبي الصقر الواسطي (ت ٤٩٨ ه‍ / ١١٠٤ م) (٣) وأبو السعادات علي بن بختيار بن علي بن المندائي الواسطي (كان حيا سنة ٥١٢ ه‍ / ١١١٨ م) (٤) وأبو الحسن علي بن محمد العنبري المعروف بابن دواس القنا (ت ٥٢٢ ه‍ / ١١٢٨ م) (٥) وأبو الفرج بن الدهان الواسطي (كان حيا سنة ٥٥٢ ه‍ / ١١٥٧ م) (٦) وأبو الحسن علي بن أسامة العلوي (كان حيا سنة ٥٥٤ ه‍ / ١١٥٩ م) (٧) وأبو الفرج العلاء بن علي بن

__________________

(١) فوات الوفيات ، ٤ / ١٧١ ـ ١٧٣.

(٢) انظر في ترجمته : تاريخ بغداد ، ٧ / ٣٩٣. ابن ماكولا ، الإكمال ، ١ / ١٨٠. دمية القصر ، ١ / ٣٤٢. المنتظم ، ٨ / ٢٥٨. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٤٣ وجاء اسمه هنا «أبو الجوائز هبة الله بن بازي بن حمزة الواسطي» ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٢. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ٢ ، ٤٥٠. وفيات الأعيان ، ٢ / ١١١. الكتبي ، فوات الوفيات ، ١ / ٢٥٣. الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ١ / ٢٣٨. العسقلاني ، لسان الميزان ، ٢ / ٢٤٠. النجوم الزاهرة ، ٥ / ٨٥. البداية والنهاية ١٢ / ١٠٠.

(٣) انظر ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣١٥. المنتظم ، ٩ / ١٤٥. الكامل ، ١٠ / ٣٩٦. سؤالات السلفي ، ٣٦. البنداري ، تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ٥٢ أ. معجم الأدباء ، ١٨ / ٢٥٧ ، وفيه أنه توفي سنة ٤٦٨ ه‍ وأظن أن ذلك من خطأ النساخ. وفيات الأعيان ، ٤ / ٤٥٠ ـ ٤٥٢. مرآة الزمان ، ج ١ ، ق ١ ، ١٤ ، ١٥. الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٤٢. النجوم الزاهرة ، ٥ / ١٩١. البداية والنهاية ، ١٢ / ١٦٥.

(٤) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٤. ابن النجار ، التاريخ المجدد ، (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٤ ، ورقة ١٩١ ب ، ١٩٢ أ.

(٥) انظر في ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٦١. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٤ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا). الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٦ ، ورقة ٥٨ ب.

(٦) انظر في ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٦٥.

(٧) ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٤ ، ورقة ١٨٧ ب. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٤١١. الصفدي ، نكت الهميان ، ٢٠٨.

٢٨١

محمد السوادي الواسطي (ت ٥٥٦ ه‍ / ١١٦٠ م) (١) وأبو محمد عبد القادر بن علي بن نومة (ت ٥٧٧ ه‍ / ١١٨١ م) (٢) وأبو الغنائم محمد بن علي بن فارس الواسطي المعروف بابن المعلم (ت ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م) (٣) وأبو العباس أحمد ابن جعفر بن أحمد الواسطي المعروف بابن الدبيثي (ت ٦٢١ ه‍ / ١٢٢٤ م) (٤).

وهناك جماعة أخرى من الشعراء الواسطيين ممن عاشوا في هذه الفترة لا يتسع المجال لذكرهم (٥).

أما أغراض الشعر فهي : الوصف والمديح والغزل وشعر الخمرة واللهو والمجون والزهد والشكوى والرثاء والهجاء والفخر.

__________________

(١) انظر ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٦٩. وفيات الأعيان ، ٣ / ٤٨١.

(٢) انظر في ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٤٠٦. الذهبي ، المختصر المحتاج إليه ، ٣ / ٨٠. ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٧٧. تكملة إكمال الإكمال ، ٢١ ، ٢٢. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٣٧٦.

(٣) انظر في ترجمته : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٣٠ ـ ٤٣٢. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٨ ، ٩٩. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ٢ ، ٤٥١. إنسان العيون (مخطوطة) ورقة ٥٥ ـ ٦٣. أبو شامة ، الذيل على الروضتين ، ٩. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٦٥ ـ ١٦٨.

(٤) ابن الشعار ، عقود الجمان ذيل (مخطوطة) ورقة ٨٠.

(٥) انظر تراجمهم في : سؤالات السلفي ، ٥٩ ، ١٠٦ ، ١٠٧. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٢ ، ٣٥٨ ، ٣٦٤ ، ٤٠٠ ، ٤٠٣ ، ٤٠٥ ، ٤٠٨ ، ٤١٧ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٢٥ ، ٤٢٧ ، ٤٢٩ ، ٤٥٠ ، ٤٦٩ ، ٤٧٤ ، ٤٧٨ ، ٤٨٢ ، ٤٨٧ ، ٤٨٩ ، ٤٩٨ ، ٥٠٦. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٧٦ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٦٧. الثعالبي ، تتمة اليتيمة ، ١ / ٤٧ ، ٤٨. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٥٩. ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ١٩٩ ب ، ٢٠٠ أ. ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ١٢٥ ، ج ٣ ، ورقة ٢٥٣ ، ج ٤ ، ورقة ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٣٣. المنذري ، التكملة ، ٢ / ٧٨. القفطي ، إنباه الرواة ، ٣ / ٣١. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٥٣. الدمياطي ، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٢ ظ ، ورقة ٣٣ أ ، ب. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٢ ، ٨٩٧ ، ٨٩٨. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٣ / ١٠٥. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٦. الكتبي ، عيون التواريخ ، ١٢ / ٤٩٢.

٢٨٢

وسنحاول هنا أن نتحدث عن أثر جمال الطبيعة والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الأغراض الشعرية التي ظهرت في هذه المدينة.

لقد كان لسهول واسط الخضراء وبساتينها الزاهية وحدائقها ووقوعها على ضفتي نهر دجلة أثره على شعراء هذه المدينة الذين أعجبوا بها وصوروا هذا الإعجاب في شعرهم ، فجاء قسم منه وصفا للرياض والبساتين والأشجار والفواكه والأزهار على اختلاف أنواعها (١). وقسم آخر لوصف النجوم والشمس والقمر والغيوم (٢).

إن اختلاط العرب بالفرس وغيرهم من الأجناس الأخرى بواسط والتطورات الحضرية الواسعة التي حصلت في العصر العباسي كل ذلك أدى إلى تسرب بعض العادات والتقاليد الغريبة إلى مجتمع هذه المدينة ، فانتشر اللهو والمجون وشرب الخمر ، وقد صور لنا الشعر هذه الظاهرة ، فظهر شعراء وصفوا الخمر وأوانيها ، ومجالسها وسقاتها وحثوا الناس على شربها منهم أبو الفرج بن السوادي الواسطي الذي قال :

يوم أظلّ بحلّة دكناء

فسماؤه محجوبة بسماء

ظلت ثغور بروقه مفترّة

لما استهلّت سحبه ببكاء

وأتت تحاكي الشمس فيه قينة

صفراء في ديباجة صفراء

والكأس ترضعني حميّا كلما

نوت الفطام عققتها بالماء

يسعى بها في الشرب ألمى لو يشا

لأمدّها من وجهه بسناء

__________________

(١) سؤالات السلفي ، ٥٩. انظر : حكاية أبي القاسم البغدادي ، ٨٨. التنوخي ، نشوار المحاضرة ، ٨ / ١٧٦. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٢ ، ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ٤١٧ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٩ ، ٥٠٠. ياقوت ، معجم البلدان ، ٥ / ٣٥٠. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ٢٢.

(٢) سؤالات السلفي ، ٥٩. الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧٢. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٧٤ ، ٣٧٥ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٩ ، ٥٠٠. معجم البلدان ، ١ / ٤٤٢. الكتبي ، فوات الوفيات ، ٤ / ١٧٢.

٢٨٣

أغرى بنا أقداحها فكأنه

قمر يدير كواكب الجوزاء

فشربتها من كأسه ، وشربتها

من لحظه رشفا بغير إناء

وازدان مجلسنا بكل مسوّد

ينمى إلى ذي سؤدد ونماء (١)

وممن وصفها أبو نصر منصور بن محمد المعروف بالنيري (٢) ، وغيرهما (٣).

أما شعر اللهو والمجون فقد برز فيه كل من أبي عبد الله الجامدي (٤) ، وأبي الفرج محمد بن الحسين التمار الواسطي (٥).

وأغلب الظن أن عادة اللهو والمجون وشرب الخمر كانت قد ظهرت بواسط قبل فترة دراستنا ، إلا أنه من المرجح أن هذه العادات كانت تمارس على نطاق ضيق ، وبعيدا عن الناس وذلك لمراقبة السلطة لأصحابها ، وعدم تساهلها معهم ، وعدم تقبل الناس لها آنذاك لازدياد النفوذ الديني وسيطرة الروح العربية. أما في العصر البويهي فقد أصبح المجون «شيئا مألوفا لا ينكره العرف ولا يأباه الذوق الاجتماعي» (٦) وإن السلطة في هذا العصر «لم تعد ترى في ممارسة هذا المجون ما يوجب حدا أو عقابا» (٧). روي عن أبي منصور خسرو فيروز بن جلال الدولة بن بهاء الدولة والي واسط أنه أنشأ لنفسه بستانا بديعا على دجلة وصرف عليه أموالا طائلة ، وكان مشغولا باللهو والقصف والخلاعة (٨) ومن المتوقع أنه كان يمارس لهوه وقصفه في بستانه.

__________________

(١) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٧٦ ، ٣٧٧.

(٢) انظر : فوات الوفيات ، ٤ / ١٧١ ـ ١٧٣.

(٣) الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧١. انظر : الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣٢٤ ، ٣٢٥. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٥٠٣ ـ ٥٠٥.

(٤) انظر : الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧٣.

(٥) ن. م ، ٢ / ٣٧١.

(٦) الزهيري ، الأدب في ظل بني بويه ، ٢٤٨.

(٧) ن. م ، ٢٤٨.

(٨) ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، م ١ ، ٤١١ ، ٤١٢ نقلا عن ابن النجار.

٢٨٤

ومما ساعد على قيام اللهو والمجون وشرب الخمر بواسط انتشار الأديرة (١) ، فهذه المدينة أنشئت في منطقة كانت تعد مركزا من مراكز المسيحية في العراق (٢). وقد جاء في المصادر أنه كان يقصدها المجّان من بغداد كأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج (٣) (ت ٣٩١ ه‍ / ١٠٠٠ م) وأبي الحسن محمد بن عبد الله بن سكرة الهاشمي (٤) (ت ٣٨٤ ه‍ / ٩٩٤ م) وغيرهما (٥) ويقيمون فيها أياما يمارسون فيها لهوهم ومجونهم (٦). ولا بد أن المجّان من أهل واسط كانوا يقصدون هذه الأديرة أيضا إلا أن المصادر أمسكت عن ذكرهم (٧).

ومن أديرة واسط التي تردد ذكرها في الأدب العربي «عمر واسط» الذي كان كما يقول الشابشتي «كل ذي ظرف يطرقه وكل ذي شجن يتسلّى به» (٨)

__________________

(١) عن أديرة واسط انظر : عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ٦٦ ـ ٧٠.

(٢) e.i.i ,vol.٢ ,p.١٠٧.fiey ,po.cit.,vol.iii ,p.٧٥١.

يوسف مسكوني ، نصارى كسكر وواسط قبل الإسلام ، مجلة النور ، عدد ١ ، السنة ١٩٤٩ ـ ١٩٥٠ ، ص ٩ ـ ١٦ ، عدد ٢ ، السنة ١٩٤٩ ، ص ٦ ـ ١٠ ، عدد ٤ ، ١٩٤٩ ـ ١٩٥٠ ، ص ١٤ ـ ١٦ ، عدد ٦ ، ١٩٤٩ ـ ١٩٥٠ ، ص ٢٠ ـ ٢٢.

(٣) حكاية أبي القاسم البغدادي ، ٨٨. معجم البلدان ، ٤ / ١٥٥.

(٤) حكاية أبي القاسم البغدادي ، ٨٨. الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٣ / ٦٠ ، ٦١.

(٥) انظر : الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٨٤. ابن النديم ، الفهرست ، ١٤٥. حكاية أبي القاسم البغدادي ، ٨٨. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٦ / ٢٨٣. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١١ / ١٨٦.

(٦) حكاية أبي القاسم البغدادي ، ٨٨ ، ٨٩.

(٧) يقول الشاعر الواسطي المعروف بسيدوك :

شربنا في شعانين النصارى

على ورد كأردية العروس

تغنينا بنات الروم فيه

بألحان الرهابن والقسوس

فيا ليلا نعمنا في دجاه

بحاجات تردّد في النفوس

رياضك والمدامة والتداني

شموس في شموس في شموس

الكتبي ، فوات الوفيات ، ٢ / ٣٣١.

(٨) الديارات ، ٢٧٤. العمر : هو الدير ، معجم البلدان ، ٤ / ١٥٤.

٢٨٥

وقد صور بعض الشعراء الذين قصدوا هذا الدير لهوهم ومجونهم منهم ابن سكرة الذي يقول :

ليلتي بالعمر دهري

أو يقضي العمر عمري

مر لي في العمر يوم

لا أجازيه بشكر

بين غزلان النصارى

أمزج الريق بخمر (١)

وابن الحجاج الذي يقول :

في العمر من واسط والليل ما هبطت

فيه النجوم وضوء الصبح لم يلح

بيني وبينك ودّ لا يغيره

بعد المزار وعهد غير مطّرح

فما ذكرتك والأقداح دائرة

إلا مزجت بدمعي باكيا قدحي (٢)

ويبدو أن هذا الاتجاه في الشعر لم يستمر عند شعراء واسط في العصر السلجوقي وما بعده ، فعلى الرغم من استمرار اللهو والمجون في هذه المدينة (٣) فإننا لم نجد شعرا كالذي رأيناه عند الجامدي ، وابن التمار الواسطي ، وربما يرجع ذلك إلى زيادة النفوذ الديني بواسط في هذه الفترة من جهة ، وإلى موقف السلطة الحاكمة التي غلب عليها الاتجاه الديني من جهة أخرى.

وكان من نتيجة هذا الاختلاط أيضا وكثرة الغلمان إن انتشرت في هذه المدينة عادة غريبة هي حب الغلمان والتولع بهم ، وقد صور لنا الشعر هذه الظاهرة الاجتماعية الشاذة ، فإننا نجد بعض الشعراء يتغزلون بالمذكر منهم أبو الجوائز الواسطي (٤) وأبو غالب نصر بن عيسى بن بابي الواسطي

__________________

(١) الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٣ / ١٩. وقد جاء «بالغمر» والصحيح ما أثبتناه هنا.

(٢) ياقوت ، معجم البلدان ، ٤ / ١٥٥.

(٣) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٣ ، م ٢ ، ٣٥١.

(٤) ن. م ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٤٤ ـ ٣٥١.

٢٨٦

(ت بعد ٥٠٠ ه‍ / ١١٠٦ م) (١) وغيرهما (٢).

وقد ظهر شعر الزهد كرد فعل لحياة اللهو والمجون وما نتج عنها من شعر ، فقد كان الشعراء يعبرون فيه عن نظرتهم إلى الحياة والموت ومصير الإنسان ويدعون الناس للابتعاد عن الدنيا والحرص على الآخرة (٣) ، والقناعة باليسير من الرزق (٤). غير أننا لم نجد من بين شعراء واسط من اتخذ الزهد مذهبا له في الحياة ، أو أن شعره اقتصر على هذا اللون من الشعر ، وإنما نجد بعض المقطوعات منه لشعراء نظموا في أغراض أخرى ، وأغلب الظن أن هذا اللون من الشعر نظمه الشاعر في المرحلة الثانية من حياته (٥) أو أنه قام بنظمه إثر توبة له مما قام به من معاص (٦) وذلك لأننا

__________________

(١) ن. م ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩١ ـ ٤٩٥.

(٢) انظر : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٩ ، ٣٩٦ ، ٤٠١ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٨٨ ، ٥٠٢. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٣٢. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٧ / ٢٢٢. معجم البلدان ٥ / ٣٥٠. ابن أبي أصيبعة ، عيون الأنباء ، ٣٤٦. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ١ ، ٤١١ ، ٤١٢.

(٣) من ذلك قول أبي غالب بن بشران :

يا شائدا للقصور مهلا

أقصر فقصر الفتى الممات

لم يجتمع شمل أهل قصر

إلا قصارا هم الشتات

وإنما العيش مثل ظلّ

متنقل ما له ثبات

ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٥٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٢. إنباه الرواة ، ٣ / ٤٥. المحمدون من الشعراء ، ٩٠. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٢ / ٨٢. انظر : معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١١. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٠٠.

(٤) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢١.

(٥) من ذلك قول ابن أبي الصقر الواسطي :

ولما إلى عشر تسعين صرت

ومالي إليها أب قبل صارا

تيقنت أنّي مستبدل

بداري دارا وبالجار جارا

فتبت إلى الله مما مضى

ولن يدخل الله من تاب نارا

ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٤ / ٤٥١ ، ٤٥٢.

(٦) من ذلك قول الشاعر أبو الفرج ابن السوادي الواسطي :

٢٨٧

نجد إلى جانبه أغراضا شعرية أخرى كشعر الغزل والخمر والغزل بالجواري والغلمان وغيرها (١).

أما الحياة الاقتصادية بواسط فقد أشرنا سابقا إلى أنها كانت متردية في هذه الفترة ، وذلك لأن نظام الأراضي كان قائما على الإقطاع ، فترك كثير من المزارعين ، والفلاحين الزراعة وهجروا قراهم نتيجة لظلم المقطعين (٢). أما الضرائب القديمة فقد زادت واستحدثت ضرائب جديدة (٣) واتبع نظام الضمان القائم على الاستغلال في جبايتها (٤).

أما ولاة واسط وكبار الموظفين فيها فقد كانوا من الأجانب فهم إما بويهيون أو سلاجقة أو من الأمراء المماليك (٥) ، وكان هؤلاء قد استغلوا مناصبهم لجمع الأموال والإثراء على حساب سكان هذه المدينة (٦).

وإلى جانب ما تقدم فقد كان لاضطراب الحياة السياسية في العراق أثره على واسط فنظرا لأهميتها الاقتصادية ووقوعها على طريق المشرق

__________________

ما بقي لي عذر إلى الله فيما

كان مني ومنه في دنيائي

عم إحسانه وأمعنت في التق

صير في شكره على النعماء

فبذاك الإحسان أرجو مع التق

صير مني النجاة في أخرائي

هو عفو ، والعفو عن ذنب مثلي

عنده مثل ذرة في هباء

خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٧١.

(١) انظر : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣١٥ ـ ٣٤٢ ، ٣٧١ ـ ٣٩٩.

(٢) انظر : الفصل الرابع.

(٣) انظر : المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ١٣٣ ، ١٣٤. أبو شجاع ، ذيل تجارب الأمم ، ٧١. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٧٨. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ١٨.

(٤) عن الضمان بواسط انظر : عبد القادر المعاضيدي ، التنظيمات الإدارية بواسط في العصر العباسي ، مجلة الأستاذ ، عدد ٢ ، ١٩٧٨ ، ص ٥٢٦ ـ ٥٢٨.

(٥) انظر : الفصل الثالث.

(٦) انظر : التنوخي ، الفرج بعد الشدة ، ١ / ٥٧. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٢٦٠ ، ٢٨٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٤٣٥.

٢٨٨

الإسلامي ـ بغداد (١) ، فقد ظلت مركزا للصراع الذي كان قائما بين المشرق الإسلامي وعاصمة الخلافة بغداد ، وكانت جيوش الفريقين تتبادلها باستمرار (٢). وكثيرا ما كان يشتد الضيق بأهلها وتلحقهم مجاعات شديدة وغلاء في الأسعار من جراء حصار هذه الجيوش لها ومنع الميرة عنها (٣) ونهب البلد والمزروعات من قبل هذه الجيوش (٤).

فكان من نتائج النظم الاقتصادية القائمة على الاستغلال واضطراب الحياة السياسية نشوء طبقتين اجتماعيتين متميزتين هما : طبقة الخاصة المترفة ، وطبقة العامة الفقيرة (٥).

__________________

(١) إن المتتبع لحركات الجيوش خلال العصرين البويهي والسلجوقي يرى بأن الجيوش التي تخرج من بغداد وتقصد المشرق الإسلامي كانت تسلك طريق بغداد ـ واسط ـ الأحواز. لأن واسط كما يقول الدكتور حسن أحمد محمود : كانت مفتاح الطريق بين الأحواز والعراق ، العالم الإسلامي في العصر العباسي ، ٣٧٨. انظر أيضا : صفحات الحاشية التالية.

(٢) انظر : الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٢٩ ، ٢٥٨. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٠ ، ٥٠ ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٣٢٩ ـ ٣٣٤. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٢٩ ، ١٤٦ ، ٢١٥ ، ٢١٧. ذيل ، تجارب الأمم ، ١٢٦ ، ١٢٨. العيون والحدائق ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١٦٤. المنتظم ، ١٠ / ١٤٨ ، ١٥٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٨٥ ، ٤٠٨ ، ٤١٧ ، ٤٤٥ ، ٦٤٣ ، ٦٤٤ ، ٩ / ٤٨ ، ٣١٨ ، ٣٧٤ ، ٣٧٦ ، ٤٠٦ ، ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ٦٢٤ ، ١٠ / ٣٥٧ ، ٤٤٣ ، ٦٣٦ ، ١١ / ٣٥ ، ٣٧ ، ٧٨ ، ١٦٢ ، ١٩٦ ، ٢٣٧. الحسيني ، أخبار الدولة السلجوقية ، ١٣٢ ، ١٣٣. البنداري ، تاريخ دولة آل سلجوق ، ٢١٦. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ٢٢٩. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٢٠. وأشار الدكتور تقي الدوري إلى أن القوى المتصارعة في العراق تداولتها عشرين مرة خلال فترة إمرة الأمراء الممتدة من سنة ٣٢٤ ـ ٣٣٤ ه‍ ، عصر إمرة الأمراء في العراق ، ٢٢٠.

(٣) المنتظم ، ٧ / ٣٠١ ، ٩ / ١١١. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣١٨ ، ٦٢٤ ، ٦٢٥.

(٤) المنتظم ، ٩ / ١١١ ، ١٢٤ ، ١٠ / ١٥٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٢٩٣ ، ١٠ / ٣٣٠ ، ٣٥٧ ، ٤٤٤ ، ٦٠٠ ، ١١ / ٧٨ ، ١٩٦ ، ٢٣٧. معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩. السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٣٦٤. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ١٩ ، ورقة ٦٩٤ ، ق ١ ، ج ٢٠ ، ورقة ١٦٢ ، ١٧٥.

(٥) عن هاتين الطبقتين انظر : الفصل الرابع.

٢٨٩

وبما أن معظم الشعراء في هذه المدينة كانوا ينتمون إلى الطبقة الفقيرة (١) ، فإننا نجد أن شعرهم عكس آلام واقعهم الفاسد ، فجاءتنا قصائد ومقطوعات شعرية يشكو فيها هؤلاء الشعراء من جور المقطعين والولاة وكبار الموظفين ويشيرون فيها إلى ما يلاقونه من التعسف والجور على أيدي هؤلاء (٢).

ويبدو أن بعض الشعراء خوفا من البطش والتنكيل من قبل الظالمين والطغاة من الولاة وكبار الموظفين عبروا بشعرهم عن تذمرهم مما أصابهم من ظلم واستعباد واستغلال بأسلوب آخر فشكوا من الأيام والزمان والدهر وتبرموا بأهله (٣). ولا شك أنهم يقصدون بهذه الألفاظ الفترة التي عاش فيها هؤلاء الشعراء ..

ومثلما شكا الشعراء من الزمان كما رأينا شكوا أيضا من المجتمع

__________________

(١) انظر : الفصل الرابع.

(٢) انظر : ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٧٩ ، ٩٤ ، ٩٥ ، ٩٨. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٢ ، ٤٠١ ، ٤٠٢.

(٣) من ذلك قول الشاعر أبو الفرج بن السوادي الواسطي :

علام أقالس الأيام عتبا؟

وفيم ألوم دهري؟ ليت شعري

وقد كثرت إساءته ، فما لي

سبيل أن أطالبه بعذر

أجيل الفكر فيه ، ولا أرى لي

سوى صبري عليه وكيف صبري؟

يقدم من تقدمه حرام

على الإطلاق لم يغلط بحر

ويصدق في معاندتي ، كأني

أخو ذحل ، يطالبني بوتر

خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٨٩. انظر أيضا : سؤالات السلفي ، ١٠٧. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٣٤. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٢ ، ٣٧٩ ، ٣٨٢ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٤١٠. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٤ أ ، ب ، ٨٢ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا). ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٢. ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ١٩٩ ب ، ٢٠٠ أ. وفيات الأعيان ، ٢ / ١١٢. ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ٨٢ ، ٢٥٣. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٢ / ٨٣.

٢٩٠

وتبدل أخلاق أبنائه (١) ، وترجع أسباب هذه الشكوى إلى أن أخلاق أفراد المجتمع وسلوكهم غالبا ما تتأثر بظروف ذلك المجتمع وأحداثه.

وشكا بعضهم من غدر الأصدقاء وخداعهم وتنكرهم (٢) وكان بعضهم يسيء الظن بالناس عامة (٣).

ونظرا لتجمع الثروة بأيدي فئة قليلة من أبناء المجتمع وحرمان الغالبية العظمى منهم فإننا نجد بعضهم كان يشكو من الفقر وسوء توزيع الثروة (٤).

وإلى جانب ما تقدم فإننا نجد أبياتا من الشعر يشكو فيها أصحابها من عدم تقدير العلم والعلماء (٥).

وأغلب الظن أن شعر الحكمة بواسط كان قد عكس هو الآخر تردي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المدينة ، فقد وجدنا بعض

__________________

(١) انظر : الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٤.

(٢) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٤٥. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٣ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٧٢ ، ٤٧٣ ، ٤٨٧. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٧ / ٢٢١ ، ١٨ / ٢٥٨. ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ٧ ، ورقة ٨٠. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٣٥٨. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٤ / ٣٩٤. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٠٠ ، ١٦٥. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ١ ، ٢٢٧. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٣ / ١٠٣ ، ١٠٤. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٥٤٣. السبكي ، طبقات الشافعية ، ٤ / ١٩١. الحنبلي ، شذرات الذهب ، ٥ / ١٨٦. اليافعي ، مرآة الجنان ، ٤ / ٩٥.

(٣) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٤ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٧٣. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ٢٦٠. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٥٩ ، ٢٦١ ، ١٨ / ٢٥٨. ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٢. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ٢ ، ٤٥٠. ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ٥ ، ورقة ٢٨٩. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ١١٢ ، ٤ / ٤٥٠. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٤٣. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٢ / ١٠٠. الحنبلي ، شذرات الذهب ، ٥ / ١٢٨.

(٤) نشوار المحاضرة ، ٨ / ١٧٧. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٣٣ ، ٣٣٤ ، ٤٠٥. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٣٤.

(٥) سؤالات السلفي ، ١٠٧. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٦١. القفطي ، المحمدون من الشعراء ، ٦٨.

٢٩١

المقطوعات الشعرية التي كان الشعراء يصورون فيها تجاربهم في الحياة ، ويقدمون النصائح للآخرين (١).

ومن أجل التغلب على المشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها بعض الشعراء فإننا وجدنا بعض القصائد الشعرية التي مدح بها هؤلاء الشعراء ولاة واسط وكبار الموظفين فيها (٢). وقد عرف الشعر بواسط شاعرا كبيرا هو أبو الغنائم الواسطي المعروف بابن المعلم الذي كانت له قصائد عديدة في هذا اللون من الشعر. ومما قاله في مدح زعيم الدين أبي طالب نصر بن علي بن الناقد صاحب الديوان من قصيدة طويلة :

وزر واسطا تلق من أمنه

كسا واسطا ثوب أمّ القرى

نفى جوده الفقر عن أهلها

فعاد المقلّ بها مكثرا

ورد يبيس الثرى بالندى

رطيبا وأغبره أخضرا

فهذا الذي كفّ كفّ الزمان

عنا وعاد به القهقرى (٣)

غير أن الأخبار لا تشير إلى أن ولاة واسط وكبار الموظفين فيها كانوا قد أحاطوا أنفسهم بحاشية أدبية كبيرة كما فعل أمراء الدويلات المستقلة كالحمدانيين وغيرهم (٤). ويرجع السبب في ذلك ـ على ما نظن ـ

__________________

(١) سؤالات السلفي ، ١٠٨. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣١٨ ، ٣٥٦ ، ٣٥٧ ، ياقوت ، معجم الأدباء ، ٥ / ٥٩ ، ١٧ / ٢١٧. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٤ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا).

(٢) انظر : خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٥ ، ٣٦٠ ، ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، ٤٠٩ ، ٤١٠ ، ٤١٢ ، ٤١٣ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٣٦ ، ٤٥٧ ـ ٤٦٠. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ١٠ ، ١١ ، ١٢ ، ١٩ ، ٢٨ ، ٢٩ ، ٩٢ ، ٩٥ ـ ٩٨ ، ١٠٢ ، ١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٢٤ ـ ١٢٦. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٩. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ١ ، ٤٥١. أبو شامة ، الذيل على الروضتين ، ١١. الكتبي ، عيون التواريخ ، ١٢ / ٤٩٢.

(٣) ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ١٠ ـ ١٢.

(٤) عن الأمراء الحمدانيين انظر : فيصل السامر ، الدولة الحمدانية ، ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٩٦.

٢٩٢

إلى أن هؤلاء كانوا يخشون منافسة الخلفاء والوزراء وكبار الموظفين ببغداد ، لأنهم كانوا تابعين لهم إداريا وماليا ، كما أن رواتبهم كانت محدودة فهم غير قادرين على تقديم الأموال الكثيرة لهؤلاء الشعراء في زمن أصبح فيه الشعر وسيلة للتكسب.

وللحصول على مال أكثر وابتغاء للشهرة نجد أن بعض شعراء هذه المدينة في هذه الفترة قصدوا بغداد ومدنا أخرى ، ومدحوا الخلفاء والوزراء والأمراء وكبار الموظفين (١) وأشارت المصادر إلى أن بعض هؤلاء الشعراء سكنوا بغداد وأصبحوا من شعراء الديوان (٢).

وبما أنه لا توجد أية صلة بين هؤلاء الشعراء وممدوحيهم سوى صلة المنفعة المادية فإننا نجد أن أهم دافع كان يدفع شعراء هذه المدينة إلى نظم الهجاء هو الحرمان من المال أو من الجائزة أو تأخرها (٣) ، فالهجاء هو أحد الوسائل التي كان يلجأ إليها الشعراء للحصول على المال آنذاك (٤).

__________________

(١) انظر : سؤالات السلفي ، ٢٣ ، ٢٤. خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٧ ، ٣٢٨ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٢٩. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٢ ، ٣ ، ٣٩ ـ ٤١ ، ٨٨ ، ١١٧ ، ١١٨. المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (مخطوطة) ج ٣ ، ورقة ٣٣ أ ، ب ، ج ٦ ، ورقة ٥٨ ب. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٧٦ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٦٧ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٧٧. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٤ ، ورقة ١٨٧ ب ، ورقة ٤ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا). ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٤ / ٢٤٥. تكملة إكمال الإكمال ، ٢١. المنذري ، التكملة ، ٢ / ٧٨. ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ٥ ، ورقة ٢٨٩ ، الصفدي نكت الهميان ، ٢٠٨. الوافي بالوفيات ، ٢ / ١١٩ ، ٤ / ١٦ ، ٥ / ١٩٩ ، ٢٠٠. فوات الوفيات ، ٢ / ٢٩٨. ابن قاضي شهبة ، طبقات النحاة (مخطوطة) ق ٢ ، ورقة ٣٧٦.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٢٢. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٣ ، ورقة ١٥٠ أ. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٥٣ ، الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١٢ / ٢٢٨.

(٣) انظر : الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٢٨ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٨٨. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٣ / ٤٨٢.

(٤) انظر ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٣ / ٤٨٢.

٢٩٣

وأبو الفرج بن السوادي الواسطي يعد أكثر شعراء واسط هجاء ، فقد كان «هجوه موجعا مؤلما» كما يقول الأصبهاني الذي كان معاصرا له (١).

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى الفنون الشعرية الأخرى التي ظهرت بواسط ، فقد ظهر شعر الغزل الذي قيل في المرأة ، وقد نظم فيه معظم شعراء هذه المدينة ، وكثيرا ما يأتي في مطالع القصائد التي تنظم في المدح على عادة الشعراء القدماء ، وقد يأتي مستقلا على شكل قصائد أو مقطوعات شعرية (٢). كما تغزل بعض الشعراء بالجواري (٣).

ومن الفنون الشعرية التي وصلت إلينا الفخر ، إلا أنه جاء قليلا ، فلم يرد في قصيدة طويلة وإنما جاء في مقطوعات شعرية قليلة ، ولم نجد شاعرا

__________________

(١) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٧٠. أما عن دوافع الهجاء الأخرى فانظر : ن. م ، ج ٤ ، م ١ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٣٨٣ ، ٣٨٤ ، ٣٩٣ ، ٣٩٤ ، ٤٠٢ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٨٧. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٣١ ، ٧ / ٢٢٤.

(٢) التنوخي ، نشوار المحاضرة ، ٨ / ١٧٥ ، ١٧٧. الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣٠٤ ، ٣٠٥ ، ٣٢٤ ، ٣٢٦ ـ ٣٣١. الثعالبي ، يتيمة الدهر ، ٢ / ٣٧٣ ، ٣٧٤. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣١٦ ، ٣١٧ ، ٣٤٤ ، ٣٤٦ ، ٣٥١ ، ٣٥٧ ، ٣٥٩ ، ٣٦٢ ، ٣٦٥ ـ ٣٦٨ ، ٣٧٣ ، ٣٧٤ ، ٣٧٨ ، ٣٨٠ ، ٣٨١ ، ٣٩٣ ، ٣٩٩ ، ٤٠٦ ، ٤١٤ ، ٤١٥ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٣٩ ـ ٤٤٩ ، ٤٧٩ ـ ٤٨٤ ، ٤٨٩ ، ٤٩٦. ديوان ابن المعلم (مخطوطة) ورقة ٨ ، ـ ١٢ ، ١٤ ، ٤٥ ، ٤٨ ، ٥٩ ـ ٦١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٩٢ ـ ٩٤ ، ١٠٦ ، ١٠٨ ـ ١١٠ ، ١١٥ ، ١١٦. المنتظم ، ٨ / ٢٥٨ ، ٢٦٠. معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٦١ ، ٢٦٣ ، ١٨ / ٢٥٩. معجم البلدان ، ٣ / ٤٩ ، ٥٠. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٨ ، ٩٩. التاريخ المجدد (مخطوطة) ٤ أ ، ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا) ابن الشعار ، عقود الجمان (مخطوطة) ج ١ ، ورقة ٨١ ، ١٢٦. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ١١١ ، ١١٢ ، ٣ / ٤٨١ ، ٤ / ٤٥٠ ، ٤٥١ ، ٥ / ٦ ، ٧. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٦٥ ـ ١٦٨. فوات الوفيات ، ١ / ٥٧٦ ، ٤ / ١٧٢. الذيل على الروضتين ، ٩. ابن أبي عذيبة ، إنسان العيون (مخطوطة) ورقة ٥٧ ـ ٦٣. ابن تغري بردي ، النجوم الزاهرة ، ٥ / ٨٥.

(٣) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٤٥ ، ٣٤٨ ، ٣٧٨ ، ٣٧٩ ، ٣٨٢ ، ٣٩٦ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٠ ، ٤٩١.

٢٩٤

برز في هذا اللون من الشعر ، وهو لا يقوم على التفاخر بالأنساب والقبائل وغير ذلك مما نراه في شعر القدماء ، وإنما نجد الشعراء يفخرون بالعلم وإعارة كتبهم للآخرين (١) ، ومساعدتهم (٢) ويرجع السبب في ذلك إلى نشاط الحياة العلمية في هذه المدينة ، ثم إن المجتمع الواسطي في هذه الفترة كان مجتمعا غير قبلي ، فالقبائل العربية التي سكنت واسط منذ إنشائها امتزجت مع أجناس أخرى وذابت الفروق الجنسية «فالشاعر الذي يعيش في بيئة حضرية امتزجت فيها الدماء وذابت الفروق الجنسية غير الشاعر الذي يعيش في بيئة بدوية تهتم بالنسب وتقاليد البداوة وعاداتها» (٣).

أما الرثاء فإن ما وصل إلينا منه كان قليلا ، وقد قيل في رثاء الأقارب (٤) ، ورثاء الأساتذة (٥).

٤ ـ العلوم التاريخية والجغرافية :

أ ـ التاريخ :

أنجبت واسط عددا من كبار المؤرخين في العراق ، صنف أغلبهم كتبا في تاريخ هذه المدينة ، وصنف البعض منهم في تراجم الرجال ، إلا أننا لم نجد ما يشير إلى أن المؤرخين بواسط كانوا قد صنفوا في التواريخ العالمية والعامة التي كان قد صنف فيها المؤرخون ببغداد مثل اليعقوبي (ت ٢٨٤ ه‍ / ٨٩٧ م) والطبري (ت ٣١٠ ه‍ / ٩٢٢ م) ومسكويه (ت ٤٢١ ه‍ / ١٠٣٠ م) وهلال الصابي (ت ٤٤٨ ه‍ / ١٠٥٦ م) وغيرهم. من المرجح أن ذلك يعزى إلى عاملين :

__________________

(١) انظر الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٧١.

(٢) ن. م ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٧٣.

(٣) عبد الكريم توفيق ، الشعر العربي في العراق ، ٣١٤.

(٤) انظر : الباخرزي ، دمية القصر ، ١ / ٣١٧. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٣١٨ ، ٣١٩. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٢ / ٨٣.

(٥) الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ٤ / ١٤٢.

٢٩٥

الأول : إن بعض المؤرخين ببغداد كانوا قد تقلدوا مناصب هامة في الدولة فكانوا على صلة وثيقة بالخلفاء من جهة ، أما من الجهة الأخرى فإن هؤلاء المؤرخين كانوا قريبين من الوثائق التاريخية التي تكون موجودة عادة في عاصمة الخلافة (١). بينما لم نجد من المؤرخين بواسط من تقلد منصبا هاما في الدولة ، فاقتصرت مؤلفاتهم على التواريخ المحلية والتراجم. أما العامل الثاني ، فهو أن المؤرخين بواسط كانوا من المحدّثين والفقهاء وهؤلاء كانوا يعتبرون التاريخ هو تراجم للفقهاء والمحدّثين والقراء والزهاد والعلماء (٢) وأنه من العلوم المساعدة لعلمي الحديث والفقه (٣).

إن أول مؤرخ أشارت إليه المصادر بواسط هو أبو الحسن أسلم بن سهل بن أسلم الرزاز الواسطي المعروف ببحشل (ت ٢٩٢ ه‍ / ٩٠٤ م) مؤلف كتاب «تاريخ واسط» (٤) وهذا الكتاب هو أقدم تاريخ وضع لهذه المدينة ، وأقدم ما وصلنا من تواريخ المدن (٥). ويعتبر من أهم مصادر دراسة مدينة واسط منذ تأسيسها حتى أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الهجري.

يبدأ المؤلف بذكر أسباب بناء واسط (٦) ، ...

__________________

(١) انظر : جب ، دراسات في حضارة الإسلام ، ١٥٨ ، ١٥٩.

(٢) ن. م ، ١٦٠.

(٣) بشار عواد معروف ، مظاهر تأثير علم الحديث في علم التاريخ عند المسلمين ، مجلة الأقلام البغدادية ، عدد ٥ ، السنة ١٩٦٥ ، ص ٣٤.

(٤) السمعاني ، الأنساب ، ٥٧٦ ب. سؤالات السلفي ، ٩٠. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٥٦. الذهبي ، تذكرة الحفاظ ، ٢ / ٦٦٤. الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١ / ٤٧ ، ٩ / ٥٢. العسقلاني ، لسان الميزان ، ١ / ٣٨٨. السخاوي الإعلان بالتوبيخ ، ٦٥٤. حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ١ / ٣٠٩. إيضاح المكنون ، ١ / ٢١٨. وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق كوركيس عواد ببغداد سنة ١٩٦٧. أما في ترجمة المؤلف فانظر : السمعاني ، الأنساب ، ٥٧٦ ب. سؤالات السلفي ، ٩٠. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٥٦. ميزان الاعتدال ، ١ / ٢١١. تذكرة الحفاظ ، ٢ / ٦٦٤.

(٥) روزنثال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ٢٢٨.

(٦) تاريخ واسط ، ٣٥ ، ٤٣.

٢٩٦

وخططها (١) ، وتكاليف إنشائها (٢) ، وبعض أخبارها (٣). ثم يذكر رواة الحديث الذين ولدوا ونشأوا بواسط ، والقادمين إليها الذين تربطهم به سلسلة متصلة من الرواة وذلك حتى أواخر القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي.

وقسم هؤلاء الرواة حتى طبقة شيوخه إلى أربعة قرون (٤) معتبرا القادمين إلى مدينة واسط من الصحابة من خدم الرسول (ص) ورآه ونقل حديثه ، وسمع كلامه ، ومن روى عنهم من أهل واسط هم أهل القرن الأول ، وقد ذكر لكل رجل منهم حديثا أو أكثر (٥).

أما تابعو التابعين فقد اعتبرهم من أهل القرن الثاني ، وقد ذكر لكل رجل منهم حديثا ، وكان يذكر الرواة من أقارب الرجل معه (٦). ومن بعد هؤلاء إلى طبقة شيوخه اعتبرهم من أهل القرن الثالث (٧). أما طبقة شيوخه فقد اعتبرهم من أهل القرن الرابع (٨).

ومن الملاحظ أن بحشل عندما ذكر رواة الحديث لم يذكر تراجمهم أو أخبارهم ، وإنما كان يذكر الرجل ثم يذكر من روى عنهم ومن رووا عنه

__________________

(١) ن. م ، ٤٥ ، ٤٦.

(٢) ن. م ، ٤٣.

(٣) ن. م ، ٣٥ ـ ٤٦.

(٤) القرن هو الجيل : ابن منظور ، لسان العرب ، ١٣ / ٣٣٤. الزبيدي ، تاج العروس ، ٦ / ٤١٤ كما استعمل بحشل الطبقة في مؤلفه. انظر : ص ١٢٢ ، ١٣١. والطبقة : عشرون سنة. ابن منظور ، لسان العرب ، ١٠ / ٢١١. الزبيدي ، تاج العروس ، ٦ / ٤١٤. ولمعلومات أوسع انظر : أكرم العمري ، بحوث في تاريخ السنة ، ١٧٤ ـ ١٨٥. روز نثال ، علم التاريخ عند المسلمين ، ١٣٣.

(٥) تاريخ واسط ، ٤٧ ـ ٨٤.

(٦) ن. م ، ٨٥ ـ ١٥٠.

(٧) ن. م ، ١٥١ ـ ٢١٧.

(٨) تاريخ واسط ، ٢١٨ ـ ٢٩٢.

٢٩٧

ثم حديثه ، ثم أخبارا قليلة عنه أحيانا. وذلك لأن هذا المؤرخ كان محدثا.

وأن عنايته بعلم الحديث هي التي أدت إلى تصنيفه لهذا الكتاب ، إلا أنه كان لهذا الكتاب أهميته التاريخية ، فقد تضمن معلومات تاريخية مفيدة لم نجدها في غيره من الكتب ألقت بعض الأضواء على الحياة الفكرية والاجتماعية والإدارية والخطط في هذه المدينة.

ومع أن هذا الكتاب ألف في فترة متقدمة عن فترة دراستنا ، إلا أننا ذكرناه هنا لأن المؤرخين الذين أرخوا لمدينة واسط فيما بعد كانوا قد ساروا على طريقته من حيث الشكل والفكرة في تأليفهم لكتبهم ، كما أن كتبهم ـ فيما نرجح ـ كانت تكملة لهذا الكتاب.

أما أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجلابي المعروف بابن المغازلي الواسطي (ت ٤٨٣ ه‍ / ١٠٩٠ م) فقد صنف كتاب «التاريخ المجدد التالي لتاريخ بحشل» (١) وقد جعله ذيلا على «تاريخ واسط» السالف الذكر ، إلا أنه فقد. ويبدو من المقتطفات التي وردت في الكتب التي أخذت عنه أنه كان تراجم للعلماء والفقهاء والقراء والمحدثين والأدباء الواسطيين والذين لهم صلة بواسط (٢).

وبالإضافة إلى كتابه هذا فقد أشارت المصادر إلى أنه كان قد صنف كتبا أخرى في التراجم هي : «أصحاب شعبة» (٣) و «أصحاب يزيد بن

__________________

(١) سؤالات السلفي ، ٣٣ ، ٣٤. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ، ورقة ١٨ أ ، ١٩ ب (نسخة مكتبة الدراسات العليا) وتسميه مصادر أخرى «ذيل تاريخ واسط». السمعاني ، الأنساب ، ٣ / ٤٤٦. ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ١٨٤ أ ، الصفدي ، الوافي بالوفيات ، ١ / ٤٧. السخاوي ، الإعلان بالتوبيخ ، ٦٥٤. حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ١ / ٣٠٩ ، إيضاح المكنون ، ١ / ٢١٢. الزبيدي ، تاج العروس ، ١ / ١٨٦ وقد ذكر وفاته خطأ في سنة ٥٤٣ ه‍.

(٢) انظر : ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ١٧٠ ب ، ١٨٤ أ ، ٢٠٥ ب ، ٢٠٦ أ. التقييد (مخطوطة) ورقة ١٠٨ ب. السمعاني ، الأنساب ٣ / ٤٤٦.

(٣) سؤالات السلفي ، ٣٤. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ١٩ أ (نسخة

٢٩٨

هارون» (١) و «أصحاب مالك» (٢) و «مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب» (٣) وقد كان للكتاب الأخير عدة نسخ بواسط ومدن أخرى (٤).

وصنف أبو العباس أحمد بن بختيار بن علي بن المندائي الواسطي (ت ٥٥٢ ه‍ / ١١٥٧ م) (٥) كتابين ، الأول هو كتاب «تاريخ الحكام وولاة الأحكام بمدينة السلام» (٦) وهو من المراجع المهمة للمؤرخ أبي عبد الله محمد بن سعيد بن الدبيثي في كتابه «ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد» (٧) ويبدو من المقتطفات التي وردت في كتاب ابن الدبيثي أن هذا الكتاب كان تراجم لمن تولى منصب قاضي القضاة ببغداد ، والشهود الذين قبل قاضي القضاة شهادتهم. وهو يبدأ بذكر صاحب الترجمة ، ثم يذكر شيئا من

__________________

مكتبة الدراسات العليا) شعبة : هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد الواسطي ، سكن البصرة وكان أحد شيوخ المحدثين في عصره (ت سنة ١٦٠ ه‍). ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٤٦٩ ، ٤٧٠.

(١) سؤالات السلفي ، ٣٤. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ١٩ أ (نسخة مكتبة الدراسات العليا) أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت الواسطي ، كان من كبار المحدثين بواسط (ت ٢٠٦ ه‍). الخطيب ، تاريخ بغداد ، ١٤ / ٣٣٧ ـ ٣٤٧.

(٢) سؤالات السلفي ، ٣٤. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ١٩ أ ، (نسخة مكتبة الدراسات العليا).

(٣) ابن نقطة ، التقييد (مخطوطة) ورقة ١٠٨ ب ويسميه الذهبي «مناقب علي» معرفة القراء ، ٢ / ٤٥١.

(٤) الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٥١.

(٥) ولمعلومات أوسع عن هذا المؤرخ انظر : البيوتات العلمية.

(٦) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٢. وورد في المنتظم ، ١٠ / ١٧٨ ، ومعجم الأدباء ، ٢ / ٢٣١ ، وطبقات الشافعية للسبكي ، ٦ / ١٤ ، وعقد الجمان (مخطوطة) ق ٢ ، ج ٢١ ، ورقة ٢٩٢ بعنوان «القضاة». وفي التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ١ ، ورقة ٧ بعنوان «تاريخ القضاة والحكام».

(٧) انظر على سبيل المثال لا الحصر : ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٤٥ ، ٩٩ ، ١٤٤ ، ١٧٠ ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٢ ، ١٦٠ ، ٢١٠ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٥٢ ، ٧٨ ، ١٠٠.

٢٩٩

أخباره ، ومن روى عنهم ورووا عنه وحديثه إن كان محدثا ، ومؤلفاته إذا كان المترجم مؤلفا ، ثم تاريخ وفاته ، وتاريخ ولادته أحيانا ، وينتهي الكتاب بسنة ٥٤٣ ه‍ / ١١٤٨ م وهي السنة التي انتهت فيها ولاية قاضي القضاة أبي القاسم علي بن الحسين الزينبي (١).

أما كتابه الثاني فهو «تاريخ البطائح» (٢). ولا نعرف اليوم خبرا لهذين الكتابين.

ومن مؤرخي واسط أبو طالب عبد الرحمن بن أبي الفتح بن عبد السميع الهاشمي الواسطي (ت ٦٢١ ه‍ / ١٢٢٤ م) الذي كان من كبار المحدثين في هذه المدينة (٣) ، صنف كتاب «المنتخب من مناقب الدولة العباسية ومآثر أئمتها المهدية» ألفه للسيد علاء الدين أبي طالب هاشم بن علي بن المرتضى البغدادي صدر واسط (٤). ولا نعلم عن مصير هذا الكتاب شيئا. ويظهر من كتاب «تاريخ الخلفاء» للسيوطي الذي نقل منه في ترجمته الخليفة المقتفي لأمر الله أن هذا الكتاب هو في أخبار الخلفاء العباسيين (٥).

وأعظم من أنجبتهم واسط من المؤرخين الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن سعيد بن يحيى المعروف بابن الدبيثي الواسطي (ت ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) الذي يعتبر من أعظم مؤرخي العراق في عصره ، وشيخهم

__________________

(١) انظر : ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ١ / ١٤١ (المطبوع) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٠٤.

(٢) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٧٨. ياقوت ، معجم الأدباء ، ٢ / ٢٣١. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٤ ، ٦٢٣.

(٣) انظر في ترجمته : ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٢٧. المنذري ، التكملة ، ٥ / ١٧٠. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٨٧. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٣٧٧.

(٤) ابن الفوطي ، تلخيص مجمع لآداب ، ج ٤ ، ق ٢ ، ١١٠٨.

(٥) السيوطي ، تاريخ الخلفاء ، ٤٤١.

٣٠٠