واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

فيها (١). والراجح أن هؤلاء كانوا قد استقروا بواسط ومنطقتها وذلك لكي يكونوا بالقرب من إقطاعاتهم ، والدليل على هذا وجود بعض الروايات التي تشير إلى استقرار الديلم بواسط في فترات مختلفة. فابن الأثير يذكر أنه في سنة ٤٠٨ ه‍ / ١٠١٧ م ضعف أمر الديلم ببغداد ، وطمع فيهم العامة فانحدروا إلى واسط ، فخرج إليهم عامتها وأتراكها ودارت معركة بين الطرفين قتل فيها من أتراك واسط وعامتها خلق كثير (٢). فمن المحتمل أن هؤلاء أقاموا بواسط بعد انتصارهم على الأتراك. وفي سنة ٤١١ ه‍ / ١٠٢٠ م سار الديلم الذين كانوا بواسط مع مشرف الدولة والتحقوا بخدمته «فحلف لهم وأقطعهم» (٣) ولعل هؤلاء هم الذين تقدم ذكرهم.

ويذكر ابن الفوطي أنه في سنة ٤٢٦ ه‍ / ١٠٣٤ م أرسل القائد البويهي فخر الجيوش أبو الحجاج سراهنك بن خواجه الديلمي الديلم والأتراك الذين كانوا بفارس والأحواز إلى الديلم الذين كانوا بواسط وبغداد (٤).

وترد آخر إشارة إلى الديلم بواسط في سنة ٤٤٨ ه‍ / ١٠٥٦ م ، فقد ذكرنا في الفصل الأول أنه في هذه السنة خرج والي واسط أبو الغنائم على طاعة الخليفة العباسي القائم بأمر الله وخطب للمستنصر بالله الفاطمي ، فأيده الديلم بواسط ، والذي نراه أن هؤلاء أرادوا إعادة سلطان البويهيين والقضاء على حكم السلاجقة في العراق.

ومن المرجح أن بعضا من هؤلاء الديلم ظلوا بإقطاعاتهم بواسط بعد هذا التاريخ.

وإلى جانب ما ذكرنا من عناصر ، فقد كان يسكن بواسط ومنطقتها

__________________

(١) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٧٥. معجم البلدان ، ٣ / ٤٢٢.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣٠٤. انظر : العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ١٩ ، ورقة ٦٦٢.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣١٨.

(٤) تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٣ ، ١٧٣ نقلا عن تاريخ الصابي.

١٨١

عناصر أخرى منها : النبط (١) وقد سكن هؤلاء بواسط منذ إنشائها إلا أن مؤسسها الحجاج بن يوسف الثقفي أمر بإخراجهم منها ، وبعد وفاة الحجاج في سنة ٩٥ ه‍ / ٧١٣ م عاد هؤلاء وسكنوا واسط (٢) ، إلا أن المصادر أمسكت عن ذكرهم بعد هذا التاريخ ، والراجح أن هؤلاء اندمجوا مع سكان واسط وأنهم استمروا في إقامتهم في هذه المدينة في فترة دراستنا.

وقد وجدنا إشارة عن الزنج بواسط في القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي. فقد ذكر ابن الجوزي أنه في سنة ٢٧٢ ه‍ / ٨٨٥ م ثار الزنج بواسط وكان رؤساؤهم في السجن إلا أن ثورتهم فشلت وقتل رؤساؤهم وصلبوا (٣) ، وأغلب الظن أن هؤلاء سكنوا واسط بعد فشل ثورتهم في سنة ٢٧٠ ه‍ / ٨٨٣ م.

ومن الجماعات التي كانت تسكن منطقة واسط ، الزط ، وأصلهم من بلاد السند كانوا يقومون بتربية الجاموس ، وقد نقلهم الحجاج بن يوسف الثقفي ومعهم جواميسهم من السند وأسكنهم في هذه المنطقة ، وكانوا يشتغلون بتربية الجاموس (٤). وقام هؤلاء بأعمال اللصوصية ، وقد انضم إليهم جماعة من العبيد الهاربين والموالي ، فأخذوا الغلات من البيادر ، وقطعوا طريق البصرة ـ بغداد ، فانقطع عن بغداد «جميع ما كان يحمل إليها

__________________

(١) النبط : هم من الآراميين سكان العراق القدماء ، وكان هؤلاء يسكنون في البطائح ويشتغلون بالزراعة ، ولما فتح العرب المسلمون العراق أبقوهم على أراضيهم ، وأطلقوا على سكان السواد اسم النبط. ابن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، ٨. المسعودي ، التنبيه والأشراف ، ٧ ، ٣٦. المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ١٠٨.

e. i. i, vol. ٢, p. ٢٠٩. streck, op. cit., p. ١٢٣, ٢٢٣.

(٢) الجاحظ ، البيان والتبيين ، ١ / ٢٧٥ ، ٤ / ١٨. ابن الفقيه ، البلدان (مخطوطة) ورقة ٧ ب. معجم البلدان ، ٥ / ٣٥٠. ويذكر بحشل أن سكان السواد سكنوا بواسط بعد سقوط الدولة الأموية ، تاريخ واسط ، ٤٦.

(٣) المنتظم ، ٥ / ٨٥.

(٤) البلاذري ، فتوح البلدان ، ٤٦٢. أما المسعودي فيروي أن هؤلاء قدموا من الهند «لغلاء وقع هناك فتنقلوا في بلاد كرمان وفارس وكور الأهواز إلى أن صاروا إلى هذه المواضع» التنبيه والأشراف ، ٣٥٥.

١٨٢

من البصرة في السفن» (١) ، فوجه إليهم الخليفة المعتصم قائده عجيف بن عنبسة على رأس قوة سنة ٢١٩ ه‍ / ٨٣٤ م واستمرت المعارك بين الطرفين تسعة أشهر ، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة ، وطلب البقية الأمان فأجابهم إلى ذلك وقد قدر الطبري عددهم بسبعة وعشرين ألفا كان المقاتلة منهم اثني عشر ألفا ، وقد نقلهم القائد إلى بغداد ثم نفاهم إلى عدة أماكن (٢).

ومن الجدير بالذكر هو أن أحد الباحثين المحدثين يذكر في كتابه أن الأكراد حاربوا بجكم التركي في مدينة واسط (٣) ، وقد اعتمد في كلامه هذا على رواية جاءت عند المسعودي (٤) ، وعند رجوعنا إلى المسعودي وإلى جميع المصادر التي ذكرت هذه الحادثة (٥) ، وجدنا أن القتال الذي دار بين بجكم والأكراد كان بالقرب من نهر «جور» (٦).

ويذكر نفس الباحث في مكان آخر أن الأكراد سكنوا بين واسط والبصرة (٧) ، وقد اعتمد في كلامه هذا على رواية لابن الجوزي (٨) ، وعند رجوعنا إلى كتاب ابن الجوزي لم نجد ما أشار إليه الباحث الفاضل في كتابه.

إن كل ما وجدناه عن الأكراد في منطقة واسط هو بعض من الإشارات جاءت عند العماد الأصبهاني عن بعض المقطعين في هذه المنطقة (٩).

__________________

(١) البلاذري ، فتوح البلدان ، ٤٦٢. المسعودي ، التنبيه والأشراف ، ٣٥٥.

(٢) تاريخ الطبري ، ٩ / ٨ ـ ١١. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٦ / ٤٧٢ (مطبوع مع كتاب العيون والحدائق ج ٣ ، المؤلف مجهول).

(٣) عبد الجبار ناجي ، الإمارة المزيدية ، ١٨٠.

(٤) مروج الذهب ، ٨ / ٣٧٥.

(٥) الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ١٩٦ ، ١٩٧. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٩ ، ٢٠. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١٢١ ، ١٢٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٧١. أبو الفدا المختصر في أخبار البشر ، ٣ / ١١١. ويذكر المسعودي أن القتال الذي دار بين بجكم والأكراد كان بناحية واسط. مروج الذهب ، ٨ / ٣٧٥.

(٦) نهر جور : بين الأحواز وميسان ، معجم البلدان ، ٥ / ٣١٩.

(٧) الإمارة المزيدية ، ١٨٠ حاشية ٤٤.

(٨) المنتظم ، ٨ / ٦٠.

(٩) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٢١ ـ ٤٢٤.

١٨٣
١٨٤

الطوائف الدينية

أ ـ المسلمون :

يؤلف المسلمون الغالبية العظمى من سكان مدينة واسط ، وبما أن هذه المدينة أنشئت في الأصل لسكنى الجند الشامي في العراق ـ كما سبق أن أشرنا ـ فإن سكان واسط طيلة فترة العصر الأموي كانوا من السنة. وبعد أن انتقل الحكم إلى العباسيين نجد ما يشير إلى وجود أنصار للعلويين بمنطقة واسط ، فقد ذكر ابن الأثير أنه في سنة ٣٠٣ ه‍ / ٩١٥ م ، ظهر رجل بالجامدة (١) ادعى أنه علوي وكان معه جماعة فقتلوا عاملها ونهبوها وأخذوا من دار الخراج أموالا كثيرة ، إلا أن حركته فشلت بعد ظهوره بفترة يسيرة وقتل مع قسم من جماعته وأسر الباقون (٢).

وفي نفس هذه السنة ثار رجل من الطالبيين ـ في منطقة واسط وانضم إليه جماعة ، وبعد أن فشلوا في الاستيلاء على ثلاث شذوات (٣) كانت مرسلة من قبل صاحب فارس والأحواز والبصرة إلى بغداد ، هاجموا مدينة

__________________

(١) الجامدة : قرية كبيرة من أعمال واسط بينها وبين البصرة. معجم البلدان ، ٢ / ٩٥.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٩٥ ، ٩٦.

(٣) الشّذا : هي ضرب من السفن الحربية التي كانت تابعة للجيش العباسي. انظر : حبيب زيات ، معجم المراكب والسفن في الإسلام ، مجلة المشرق ، ج ٣ ، ج ٤ ، السنة ١٩٤٩ ، ص ٣٤٢ ، ٣٤٤.

١٨٥

«عقر» (١) و «أوقعوا بأهلها وأحرقوا مسجدها واستباحوا الحرم» ، فلما علم صاحب الخراج بواسط حامد بن العباس وجّه إليهم صاحب المعونة على رأس قوة ، فتمكن من قتل الطالبي وعدد من أتباعه ، وأسر منهم نحو مائة صلبوا على جسر واسط (٢).

وقد أشارت المصادر إلى وجود محدثين وقراء ومفسرين وأدباء وشعراء بواسط كانوا من الشيعة (٣) ، إلا أنه ليس من السهولة وضع تاريخ محدّد لظهور الشيعة في هذه المدينة. والظاهر أن البويهيين كانوا قد لعبوا دورا كبيرا في قيام الفتن المذهبية في هذه المدينة ، لأننا لم نجد ما يشير إلى وقوع فتن وخصومات بواسط قبل عصرهم ، أما في فترة سيطرتهم فقد ذكرت المصادر أنه في كل من سنة ٤٠٧ ه‍ ، ٤٠٩ ه‍ / ١٠١٦ م ١٠١٨ م قامت فتنة بين الشيعة والسنة بواسط (٤).

وقد أشرنا سابقا أنه في سنة ٤٤٨ ه‍ / ١٠٥٦ م خرج والي واسط أبو الغنائم على طاعة الخليفة العباسي القائم بأمر الله ، وخطب للمستنصر بالله ، فأيده الديلم وجماعة من سكان المدينة ، ولما عاد إلى واسط ، بعد أن هزم ، قتل جماعة من سكان المدينة (٥).

__________________

(١) عقر السدن : من قرى الشرطة بين واسط والبصرة ، معجم البلدان ٤ / ١٣٧.

(٢) غريب ، الصلة ، ٥٤ ، ٥٥. وعن أنصار العلويين بمنطقة واسط أيضا انظر : معجم البلدان ، ٣ / ٣٣٤ ، ٤ / ٢٢٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٢ / ١٩٧.

(٣) انظر : الفصل الخامس.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٢٨٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٢٩٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧. الذهبي ، العبر ، ٣ / ٩٦. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ١٩ ، ورقة ٦٦٦.

(٥) انظر الفصل الأول. ويبدو أن الفتن المذهبية التي كانت تقوم ببغداد في هذا العصر كانت تمتد إلى واسط. فقد ذكر ابن الأثير أنه في سنة ٤٠٩ ه‍ كانت الفتن المذهبية قائمة ببغداد وواسط. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣٠٦ ، ٣٠٧.

١٨٦

فالبويهيون عندما حكموا العراق استأثروا بالسلطة دون الخلفاء (١) ، وحاولوا القضاء على الخلافة العباسية (٢) ، فلما شعر هؤلاء أن للخلفاء العباسيين نفوذا دينيا في أوساط الناس اتبعوا سياسة مذهبية قائمة على تأييد المذهب الشيعي (٣) ، وذلك لتكوين جماعة تناصرهم في تحقيق هذا الهدف من جهة ، وغرس بذور التفرقة بين أبناء الشعب الواحد لإضعافهم ، لكي يضعفوا سيطرتهم عليهم وبقاءهم فترة أطول من جهة أخرى.

أما في العصر السلجوقي فإننا لم نجد ما يشير إلى قيام فتنة مذهبية في هذه المدينة ، ومن المرجح أن السياسة التي اتبعها السلاجقة ، والتي كانت قائمة على نشر المذهب الشافعي هي التي أدت إلى القضاء على هذه الفتن (٤).

وفي العصر العباسي الأخير يبدو أن كبار المماليك ببغداد في سبيل الحصول على الامتيازات لجأوا إلى اتباع سياسة مذهبية قائمة على مناصرة مذهب على حساب مذهب آخر (٥) ، فقد ذكر ابن الأثير أن مقطع واسط الأمير يزدن التركي كان متشيعا ، فلما مات سنة ٥٦٨ ه‍ / ١١٧٢ م جلس الشيعة بواسط للعزاء ، فوقعت بسبب ذلك فتنة مذهبية (٦). والظاهر أن الفتن المذهبية في هذه المدينة كانت قد استمرت بعد هذه الفتنة ، فقد ذكر ابن الأثير أنه في سنة ٦٢١ ه‍ / ١٢٢٤ م وقعت فتنة مذهبية بواسط على جاري

__________________

(١) عن العلاقة بين الأمراء البويهيين والخلفاء العباسيين انظر : الزبيدي ، العراق في العصر البويهي ، ٣٤ ـ ٤٤.

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٢.

(٣) انظر مثلا : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ١٥. الذهبي ، العبر ، ٢ / ٢٩٤.

(٤) انظر : الفصل الخامس.

(٥) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٢٤٢.

(٦) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٩٥.

١٨٧

عادتهم (١). وكان غالبا ما يرافق هذه الفتن الكثير من القتل ، والنهب والحرق والتخريب (٢).

وهكذا نجد أن الأجانب في هذه الفترة كانوا قد اتبعوا سياسة قائمة على تفرقة أبناء الشعب لكي يحكموا فترة أكثر. فكانوا يناصرون مذهب على حساب مذهب آخر ، فأدى ذلك إلى قيام الفتن والخصومات بين أصحاب المذاهب المختلفة وإضعافهم وبالتالي إلى استمرار السيطرة الأجنبية عليهم.

ومما هو جدير بالذكر هو أن السنة ـ على ما يبدو ـ كانوا يمثلون أكثرية السكان بواسط ، وأن السيادة المذهبية كانت لهم ، فالمدارس كانت مخصصة لتدريس الفقه الشافعي والحنفي (٣) ، كما أن القضاة والغالبية العظمى من الفقهاء والعلماء والقراء والمحدثين والأدباء والشعراء كانوا ينتمون إلى المذهب السني (٤) ، وكان غالبية العامة يدينون بهذا المذهب (٥).

ويظهر أن الشيعة بواسط كانوا قد تجمعوا في بعض المحلات من المدينة ، فقد ذكر ابن الجوزي أنه عندما وقعت الفتنة بين السنة والشيعة سنة ٤٠٧ ه‍ / ١٠١٦ م ، نهبت وأحرقت محلات الشيعة والزيدية (٦). إلا أن المصادر لم تزودنا إلا باسم محلة واحدة هي محلة الزيدية (٧) التي لا يعرف

__________________

(١) ن. م ، ١٢ / ٤٢٤.

(٢) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٢٧٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٣٩٥. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ١٩ ، ورقة ٦٦٦.

(٣) انظر : الفصل الخامس.

(٤) ن. م.

(٥) انظر : المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ١٢٦. سؤالات السلفي ، ٨٣ ـ ٨٨. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٦٧ ، ١٦٨.

(٦) المنتظم ، ٧ / ٢٨٣.

(٧) سؤالات السلفي ، ٨٣. ياقوت ، معجم البلدان ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة في إنباه النحاة ، ١٦٨.

١٨٨

موقعها من المدينة ، ولكن يبدو أن الشيعة كانوا قد تجمعوا في الجانب الشرقي من واسط. فقد ذكر ياقوت أن محلة الحزامين كانت تقع في الجانب الشرقي من واسط ، وكان فيها مشهد عليه قبة عالية يزعمون أنه قبر محمد بن إبراهيم بن الحسن بن أبي طالب (١) ، ولعل سكن هؤلاء بالجانب الشرقي من المدينة يرجع إلى أنهم أرادوا أن يستبعدوا عن سكان الجانب الغربي الذين كانوا من أهل السنة سكان المدينة الأصليين.

وإلى جانب ، ما تقدم فقد أشارت المصادر إلى وجود مؤيدين للإسماعيلية (٢) بواسط فقد روى ابن الساعي أنه في سنة ٥١٩ ه‍ / ١١٢٥ م قدم نقيب الطالبيين بواسط السيد علي الرفاعي إلى بغداد ، وطلب من الخليفة المسترشد بالله أن يقمع فتن الباطنية والغلاة بواسط ، إلا أن الخليفة لم يستجب لطلبه ، لأنه كان منشغلا بالحرب مع السلطان محمود السلجوقي (٣). ويذكر ابن الأثير أنه في سنة ٦٠٠ ه‍ / ١٢٠٣ م قصد جماعة من أهل واسط دار محمد بن طالب بن عصية رئيس الباطنية ، وكان مجتمعا بعدد من أصحابه فقتلوا من فيها ، وقتل كل من كان ينتمي إلى هذا المذهب بواسط (٤). ويبدو أن جماعة من أهل واسط كانوا قد أيدوا هؤلاء ، فقد ذكر ابن الأثير أنه بعد قتل الباطنية بواسط قامت فتنة ، فلما بلغ الخبر إلى بغداد

__________________

(١) معجم البلدان ، ٢ / ٢٥٢ ، ٣١٨.

(٢) الإسماعيلية : نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهم فرقة من الشيعة تعتقد أن الإمامة بعد النبي (ص) انتقلت بالنص إلى علي ، ثم إلى ابنه الحسن ثم إلى أخيه الحسين ، ثم تنقلت في بني الحسين إلى جعفر الصادق ، ثم يدعون انتقال الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه إسماعيل ، ثم تنقلت في بنيه ، صبح الأعشى ، ١ / ١١٩ ، ١٢٠.

(٣) مختصر أخبار الخلفاء ، ١١٢.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٢ / ١٩٧. انظر : ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ١٢١ ب. الجامع المختصر ، ٩ / ١١٨ ، ١١٩. ـ

١٨٩

انحدر فخر الدين بن أمسينا الواسطي لإصلاح الحال وتسكين الفتنة (١).

كما جاء ما يشير إلى وجود مؤيدين للإسماعيلية في منطقة واسط أيضا (٢) ، ولعل قرب منطقة واسط من المشرق موطن الإسماعيلية (٣) وبعدهم عن السلطة ببغداد لانتشارهم في البطائح هو الذي شجع دعاة هذا المذهب إلى قصد هذه المنطقة وبث دعوتهم فيها.

أما علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الأديان الأخرى فيبدو أنها كانت حسنة ، فإننا لم نجد ما يشير إلى وقوع مصادمات بينهم سوى إشارة واحدة جاءت عند ابن الجوزي ، فقد روى أنه في سنة ٤٣٧ ه‍ / ١٠٤٥ م توفي أحد النصارى فسار في جنازته جماعة من الأتراك ، فثار بعض العامة ورموا الجنازة بدجلة وساروا إلى دير واسط ونهبوه ، وقد دافع الأتراك عن الدير ولكن دون جدوى (٤). ولعل ما قام به العامة هو احتجاج على مسيرة الأتراك مع الجنازة وليس على النصارى.

أما مهن المسلمين بواسط فيظهر من ثنايا البحث أنه كان منهم كبار الموظفين والجند ، كما احترف بعضهم التجارة والصيرفة والصناعة والزراعة والتعليم في المؤسسات التعليمية المختلفة.

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٢ / ١٩٧.

(٢) معجم البلدان ، ٣ / ٣٣٤ ، ٤ / ٢٢٩.

(٣) لقد استطاع داعي الدعاة المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي (ت ٤٧٠ ه‍ / ١٠٧٧ م) أن ينشر الدعوة الإسماعيلية في بلاد فارس والعراق. سيرة المؤيد في الدين داعي الدعاة ، ٤٣. وفي سنة ٤٢٥ ه‍ أرسل الخليفة الظاهر الفاطمي بعض دعاته إلى العراق لنشر الدعوة الفاطمية فاستجاب لدعوته الناس. المقريزي ، الخطط ، ١ / ٣٥٥.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٢٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢٠ ، ورقة ٤٠.

١٩٠

ب ـ أهل الذمة :

١ ـ النصارى :

أقام النصارى في مدينة واسط منذ العصر الأموي (١) ويظهر أن هذه الطائفة جاءت إليها من المدن والقرى المحيطة بها ، فقد جاء في المصادر أن المسيحية انتشرت في منطقة كسكر منذ القرن الأول الميلادي ، نشرها (مار ماري) المتوفى سنة ٨٢ م (٢) ، وترجح المصادر أن أسقفية كسكر كانت أقدم أسقفية في العراق (٣). فكان أسقف كسكر يحل محل البطريرك في المدائن في أثناء إجازته (٤) ، كما كان المجلس الكنسي في المدائن لا يوافق على انتخاب البطريرك الجديد ما لم يحظ بتأييد أسقف كسكر (٥). وقد تولى بعض أساقفة كسكر منصب البطريرك في المدائن (٦).

ومع أن النصارى في منطقة واسط كانوا قد لاقوا اضطهادا كثيرا من قبل ملوك الفرس الذين حاولوا تغليب المجوسية على ديانتهم (٧) ، إلا أن هؤلاء استطاعوا أن ينشروا ديانتهم فأصبحوا يشكلون عنصرا هاما من عناصر السكان في هذه المنطقة (٨) ، مما أدى إلى تشييد عدد من الأديرة والكنائس

__________________

(١) عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ١٥٨.

(٢) ماري بن سليمان ، أخبار فطاركة كرسي المشرق : عمرو بن متى ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ٤ ، ٧٠ ، ١٢٦. الكلداني ، ذخيرة الأذهان ، ١ / ٣٨ ، ٣٩ وما بعدها.

fiey, op. cit., p. ٧٥١.

انظر :

e.i.i ,vol.٢ ,p.١٠٨

(٣) fiey ,po.cit.,p.١٥١.

(٤) e.i.i ,vol.٢ ,p.١٠٨.fiey ,op.citl.,p.١٥١.

ويقول كريستنسن : إن أسقف كسكر كان بمثابة وزيرا للكهنوت في طيسفون ، إيران في عهد الساسانيين ، ٢٥٨ ، ٣١٥. انظر : e.i.i ,vol.٢ ,p.١٠٨.

(٥) fiey ,op.cit.,p.١٥١ ,٧٥١ ,٨٥١.

(٦) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ١٢ ، ١٦٢.fiey ,op.cit.,p.٢٦١ ,٠٧١.

(٧) fiey ,po.cit.,p.٣٥١.

(٨) ibid ,p.٣٥١ ـ ٧٥١.

١٩١

والمدارس (١) وقد كونت هذه المؤسسات مظهرا بارزا من مظاهر الحياة الجتماعية والثقافية في منطقة واسط ، إلى جانب كونها مؤسسات دينية (٢).

وعندما فتح العرب المسلمون العراق تمتع النصارى في هذه المنطقة بقسط وافر من الحرية والتسامح الديني ، وكان من مظاهر التسامح الديني تجاههم هو السماح لهم بتشييد وتجديد عدد من الأديرة والكنائس والمدارس (٣). فأدى ذلك إلى ازدهار المسيحية في هذه المنطقة (٤).

ويظهر أن أسقفية واسط (٥) كانت قد احتفظت بأهميتها طيلة العصر العباسي ، فقد ذكرت المصادر أنه في حالة وفاة الجاثليق ببغداد كانت القوانين الكنسية تنص على أن أسقف واسط هو الذي يتولى نظارة الكرسي إلى حين انتخاب جاثليق جديد (٦) ، وكان هو الذي يستدعي المطارنة لعقد

__________________

(١) عن هذه المؤسسات انظر : يشو عدناح ، الديورة في مملكتي الفرس والعرب ، ٥٨ ، ٦١ ، ٧٤ ، ٧٩ ، ١٠١. الكلداني ، ذخيرة الأذهان ، ١ / ٥٠ ، ٥٦ ، ٩٢ ، ١٨٧ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٢٧١ ، ٢٧٥. أدي شير ، تاريخ كلدو وآشور ، ٢ / ٢٦٢ ، ٢٦٤ ، ٢٨٢. أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٥ ، ٧ ، ٢٨. رفائيل بابو إسحاق ، مدارس العراق قبل الإسلام ، ٩٦ ـ ١٠٢. المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ٦٦ ، ٦٧.fiey ,po.cit.,p.٧٥١ ,٣٦١. يقول ياقوت : «الدير بيت يعبد فيه الرهبان ، ولا يكاد يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحارى ورؤوس الجبال ، فإن كان في المصر كانت كنيسة أو بيعة. معجم البلدان ، ٢ / ٤٩٥.

(٢) رفائيل بابو إسحاق ، مدارس العراق قبل الإسلام ، ٩٦ ـ ١٠٢.

(٣) fiey ,op.cit.,p.٤٦١ ,٠٧١.

عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ٦٧ ـ ٧٠.

(٤) fiey ,po.cit.,p ٤٦١.

(٥) بعد بناء مدينة واسط واندماجها بمدينة كسكر أخذت المصادر تطلق على أسقف كسكر اسم أسقف واسط. انظر : fiey ,po.cit.,p.٠٨١.

(٦) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٦٧ ، ٧٣ ، ٧٨ ، ٩١ ، ١٠٤. ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ٧٨ ، ٨١ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٨٥ ، ٩٠ ، ١٠٦ ، ١١٣ ، ١١٩ ، ١٢١ ، ١٢٦ ، ١٢٧. ذخيرة الأذهان ، ١ / ٣٩٦ ، ٤٢٦ ، ٤٥٥.

١٩٢

المجلس الكنسي لانتخاب الجاثليق الجديد (١) ، وكان لا يتم تنصيب الجاثليق إذا لم يحظ بتأييد أسقف ونصارى واسط (٢). أي أن أسقف واسط كان بمثابة نائب الجاثليق في العراق. هذا وقد تولى عدد من أساقفة واسط منصب الجاثليق ببغداد (٣).

وفي فترة دراستنا أشارت المصادر إلى وجود أديرة بواسط ومنطقتها منها : «دير واسط» (٤) الذي شيده الراهب «مارسبر يشوع» في منتصف القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي (٥). وهذا الدير كما جاء في كتاب الديارات كان يقع شرقي مدينة واسط على بعد فرسخ منها عند القرية المعروفة ببرجوني (٦) ، وقد وصف الشابشتي هذا الدير فقال عنه إنه «عمر كبير عظيم حسن البناء محكم الصنعة. حوله قلايات (٧) كثيرة ، كل قلاية منها لراهب ... ويحيط بالموضع بساتين كثيرة فيها الشجر والنخل وسائر الثمار. فكل ذي ظرف يطرقه وكل ذي شجن يتسلى به» (٨).

__________________

(١) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٦٦. ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ٨١ ، ١٢٦ ، ١٢٧.

(٢) fiey ,po.cit.,p.٣٧١ ,٤٧١ ,٥٧١ ,٩٧١ ,٢٨١.

(٣) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٧٢ ، ٧٣ ، ٩١ ، ٩٤. ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ٨١ ، ٩٨ ، ٩٩ ، ١٠٦. الكلداني ، ذخيرة الأذهان ، ١ / ٤٢٦.

(٤) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٦٢.

(٥) يشو عدناح ، الديورة في مملكتي الفرس والعرب ، ٦١. الكلداني ، ذخيرة الأذهان ، ١ / ٢٥٧.

(٦) لقد أصبحت هذه القرية فيما بعد إحدى محلات واسط. انظر : الفصل الثاني.

(٧) القلايات : واحدتها قلاية ، (cell) الصومعة ينفرد فيها الراهب ، الديارات ، ص ١٧٧ ، حاشية (١) ويقول ياقوت : القلاية بناء كالدير. معجم البلدان ، ٤ / ٣٨٦.

(٨) الديارات ، ٢٧٤. انظر : معجم البلدان ، ٤ / ١٥٤.

١٩٣

وقد كان يسمى هذا الدير باسم «عمر كسكر» (١) وقد قصده الشاعر أبو جعفر محمد بن حازم بن عمرو الباهلي وقال فيه :

بعمر كسكر طاب اللهو والطرب

والبازكارات والأدوار والنّخب

وفتية بذلوا للكأس أنفسهم

وأوجبوا لرضيع الكأس ما يجب

وأنفقوا في سبيل القصف ما وجدوا

وأنهبوا مالهم فيها وما اكتسبوا

فلم نزل في رياض العمر نعمرها

قصفا وتعمرنا اللذّات والطرب

والزهر يضحك والأنواء باكية

والنّاي يسعد والأوتار تصطخب

والكأس في فلك اللذات دائرة

تجري ونحن لها في دورها قطب (٢)

وقد تردد ذكر هذا الدير في حوادث ثورة الزنج (٣) وفي سنة ٢٧٩ ه‍ / ٨٩٢ م نهب دير الجاثليق ببغداد فذهب الجاثليق يوحنا بن نرسي إلى واسط وأقام بدير واسط خمس سنين (٤). كما ذكر عمرو بن متى أن الخليفة المطيع لله (٣٣٤ ـ ٣٦٣ ه‍ / ٩٤٥ ـ ٩٧٣ م) عندما ذهب لقتال أبي الحسن البريدي نزل في هذا الدير (٥). ويذكر صاحب كتاب ذخيرة الأذهان أن «يوانيس» الذي أصبح جاثليقا ببغداد سنة ٣٩٢ ه‍ / ١٠٠١ م كان قد ترهب بهذا الدير (٦). ويذكر ابن الأثير أن هذا الدير كان قائما سنة ٤٩٥ ه‍ / ١١٠١ م (٧) ،

__________________

(١) الشابشتي ، الديارات ، ٢٧٤. ياقوت ، معجم البلدان ، ٤ / ١٥٤. الكلداني ، ذخيرة الأذهان ، ١ / ٤٥٠. وقد تحرف اسمه في مسالك الأبصار إلى «عمر عسكر» كما تحرفت لفظة قرية «برجوني» إلى «برخوي». العمري ، مسالك الأبصار ، ١ / ٣١١.

(٢) الشابشتي ، الديارات ، ٢٧٥. ياقوت ، معجم البلدان ، ٤ / ١٥٤ ، ١٥٥. العمري ، مسالك الأبصار ، ١ / ٣١١ مع اختلاف بألفاظ بعض الكلمات. يادكارة : لفظة فارسية بمعنى الذكرى. الديارات ، ٧٣ ، حاشية ٢٢.

(٣) الطبري ، ٩ / ٥٥٩ ، ٥٦٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٧ / ٣٣٩.

(٤) عمرو بن متى ، أخبار فطاركة كرسي المشرق ، ٧٥.

(٥) ن. م ، ٩١. ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ٦٩ ، ٩٨.

(٦) الكلداني ، ١ / ٤٠٥.

(٧) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٤٠.

١٩٤

وجاء في المصادر أن أسقف واسط كان يقيم في هذا الدير (١).

وكان للنصارى بواسط كنيسة كانت تقع في محلة الحوز في الجانب الشرقي من المدينة (٢). وكان في منطقة واسط ديران أحدهما هو «دير مافنه» الذي كان يقع إلى الشمال من مدينة واسط (٣) ، والآخر هو «دير العمال» الذي كان يقع إلى الجنوب منها (٤). إلا أنه ليست لدينا أية معلومات عن تاريخ بناء هذين الديرين ، أو تاريخ اندثارهما.

أما محلات سكناهم ، فالراجح أنها كانت في الجانب الشرقي من واسط في أمكانهم القديمة بمدينة كسكر (٥) قريبا من الدير والكنيسة.

أما علاقة المسلمين بالنصارى فقد كانت حسنة كما ذكرنا ، وترد إشارات إلى مشاركة المسلمين في تشييع جنائز النصارى (٦) ، وأن بعض المسلمين كانوا يشاركون النصارى في أعيادهم (٧) مما يدل على اشتراكهم في المشاعر.

أما المهن التي اشتهروا بمزاولتها النصارى بواسط فهي : الطب (٨) والكتابة (٩) والصيرفة (١٠) والجهبذة ، والصناعة (١١).

__________________

(١) الديارات ، ٢٧٤. ياقوت ، معجم البلدان ، ٤ / ١٥٤. وقد أطلق هذان المصدران على الأسقف اسم (المطران).

(٢) ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ١٢٦. ويذكر هذا المصدر أن هذه الكنيسة كانت قائمة سنة ٤٦٤ ه‍.feiy ,op.cit.,p.٤٨١.

(٣) ابن رسته ، الأعلاق النفيسة ، ١٨٧.

(٤) الطبري ، تاريخ ، ٩ / ٥٦٣. ابن خرداذبة ، المسالك والممالك ، ٥٩.

(٥) انظر : e.i.i ,vol.٢ ,p.١٠٨.fiey ,op.cit.,p.١٥١.

(٦) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٢٨.

(٧) ابن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات ، ٢ / ٣٣١.

(٨) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٨.

(٩) ن. م ، ٤٨٩.

(١٠) ماري بن سليمان ، أخبار بطاركة كرسي المشرق ، ١٢٤.fiey ,op.cit.,p.٣٨١.

(١١) الحوادث الجامعة ، ٦٦ ـ ٦٨.

١٩٥

٢ ـ اليهود :

لقد أقام اليهود في مدينة واسط من إنشائها (١) ومن المحتمل جدا أن هؤلاء قدموا من نواحي واسط (٢) ، ومن أماكن أخرى ، وذلك لمزاولة الأعمال التي كان يحتاج إليها المجتمع الجديد. وقد أشارت المصادر إلى وجود اليهود بواسط في العصر العباسي (٣) أما تعدادهم بواسط فإننا لم نجد إلا إشارة واحدة جاءت في رحلة الرحالة اليهودي بنيامين بن بونه التطيلي الأندلسي الذي زار هذه المدينة بين ٥٦١ ـ ٥٦٩ ه‍ / ١١٦٥ ـ ١١٧٣ م ، وذكر أن فيها نحو عشرة آلاف يهودي (٤).

ويبدو أن اليهود كانوا قد تمتعوا بكثير من الحرية والتسامح الديني ، فقد ذكر بنيامين التطيلي أنه كان لهم قاض بواسط (٥). ويذكر ياقوت أنه كان بمحلة الحزامين قبر يزعمون أنه قبر عزرة بن هارون بن عمران يزوره المسلمون واليهود (٦). أما محلات سكناهم في المدينة فإننا لم نجد أية معلومات عنها.

أما المهن التي كان يزاولها هؤلاء فقد كان منهم الصيارفة (٧) والجهابذة والعطارين والأطباء وأصحاب الحرف والصناع (٨).

__________________

(١) عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ١٥٨.

(٢) fiey ,op.cit.,p.٦٨١.

(٣) ابن خرداذبة ، المسالك والممالك ، ٤٢. معجم البلدان ، ٢ / ٢٥٢. الحوادث الجامعة ، ٢١٧.

(٤) رحلة بنيامين التطيلي ، ١٤٩. وقد أضاف مترجم الكتاب أن يهود واسط في أيام رحلة بنيامين كانوا يتبعون مثيبة سورا ويؤدون لعلمائها إتاوة سنوية قدرها ١٥٠ دينارا. نفس الصفحة.

(٥) رحلة بنيامين التطيلي ، ١٤٩.

(٦) معجم البلدان ، ٢ / ٢٥٢.

(٧) ماري بن سليمان ، رحلة بطاركة كرسي المشرق ، ١١٦. الحوادث الجامعة ، ٦٦ ـ ٦٨ ، ٢٥٥.

(٨) الحوادث الجامعة ، ٦٦ ـ ٦٨.

١٩٦

٣ ـ الصابئة :

لقد سكنت هذه الطائفة في منطقة واسط (١) ولم نجد في المصادر المتيسرة لدينا ما يشير إلى أنهم سكنوا في منطقة أخرى من العراق طيلة فترة دراستنا ، وقد هاجر هؤلاء إلى هذه المنطقة من مدينة حران وكانوا قبل ذلك في فلسطين (٢).

وقد سكن الصابئة هذه المنطقة قبل الفتح العربي الإسلامي ، فقد جاء في إحدى كتبهم (٣) أن وفدا منهم قد ذهب لمقابلة القائد العربي وعرض عليه أمرهم ، فأقرهم القائد على دينهم فأكسبهم ذلك التسامح الديني كأصحاب كتاب وبقوا بين المسلمين يؤدون الجزية (٤).

ويبدو أن سبب إقامتهم في هذه المنطقة يعود إلى ما في ديانتهم من فريضة الاغتسال والتغطيس في المياه الجارية (٥) حتى أطلق عليهم بعض المؤرخون العرب اسم «المغتسلة» (٦) وأطلق عليهم البعض الآخر اسم «الصابئة البطائحية» (٧).

__________________

(١) أبو يوسف ، الخراج ، ١٢٣ ، ١٢٤. معجم البلدان ، ٤ / ٥٣. ابن سعيد المغربي ، بسط الأرض ، ٩٢. المسعودي ، التنبيه والأشراف ، ١٦١. مروج الذهب ، ١ / ٢٢٣. الحوادث الجامعة ، ٦٩ ، ٧٠.

(٢) دراور ، الصابئة المندائيون ، المقدمة ، ١٣ ، ١٤ نقلا عن كتاب «حران كويثا» وهو أحد كتب الصابئة.

(٣) اسم الكتاب «حران كويثا».

(٤) دراور ، ن. م ، ١٤ ، ١٥. انظر : المسعودي ، مروج الذهب ، ١ / ٢٢٣. ياقوت ، معجم البلدان ، ٤ / ٥٣.

(٥) انظر : دراور ، ن. م ، ١٨ ، ١٩.

(٦) ابن النديم ، الفهرست ، ٣٤٠.

(٧) ن. م ، ٣٤١. عيون الأنباء في طبقات الحكماء ، ٣١١. أما الصابئة فإنهم يطلقون على أنفسهم اسم «المندائيين» دراور ، المقدمة ، ٨.

١٩٧

وجاء في المصادر أن قسما من هؤلاء أقام بواسط وسكنوا بدرب خاص بهم سمي «درب الصاغة» كان يقع في الجانب الغربي من المدينة (١) ، وأن بعضهم دخل في الإسلام. واشتهر منهم بيت أطلق عليه اسم «بيت المندائي» وكان قد ساهم في الحياة العلمية بواسط (٢) ، إلا أنه ليست لدينا معلومات عن تعدادهم وأحوالهم في هذه المدينة.

ومع أن صابئة واسط كانوا قد هاجروا من مدينة حران وسكنوا هذه المنطقة كما ذكرنا إلا أنهم كانوا ـ على ما يبدو ـ يختلفون عن صابئة حران وذلك لأن صابئة حران فرقة وثنية كانت تعبد الكواكب (٣) ، وقد اتخذ هؤلاء الصابئة أسماء لهم بعد مجيء الإسلام ليضمنوا لأنفسهم الأمان الذي منحه الإسلام لأهل الكتاب (٤). أما صابئة واسط فيبدو أنه نتيجة لتجاورهم مع أصحاب الأديان الأخرى من مسلمين ونصارى ويهود ومجوس الذين كانوا يسكنون في هذه المنطقة ـ كما تقدم ـ كانوا قد تأثروا بتعاليم هذه الأديان ، مما أدى إلى وجود نقاط تشابه واشتراك بين شعائرهم وشعائر أهل هذه الأديان (٥). غير أن سرية ديانتهم ، وقلة من يعرف لغة كتبهم الدينية (٦) وكتمانهم لها أدت إلى اختلاف رأي الفقهاء فيهم ، فالفقيه أبو يوسف اعتبرهم من أهل الذمة وتؤخذ منهم الجزية (٧) ، إلا أن الخليفة القاهر بالله

__________________

(١) انظر : الفصل الثاني.

(٢) انظر : الفصل الخامس.

(٣) ابن النديم ، الفهرست ، ٣٢٠. ابن حوقل ، صورة الأرض ، ٢٠٤. الشهرستاني ، الملل والنّحل ، ٢ / ١١٢. القفطي ، تاريخ الحكماء ، ٣١١. دائرة المعارف الإسلامية ، ٧ / ٣٥٤ (الترجمة العربية).

(٤) حتي ، تاريخ العرب ، ٢ / ٤٣٨.

(٥) دراور ، الصابئة المندائيون ، المقدمة ، ٢٠.

(٦) إن كتب الصابئة مكتوبة باللغة المندائية التي هي إحدى فروع اللغة الآرامية ، دراور ، المقدمة ، ٥.

(٧) كتاب الخراج ، ١٢٣.

١٩٨

(٣٢٠ ـ ٣٢٢ ه‍ / ٩٣٢ ـ ٩٣٣ م) عندما استفتى الفقيه أبا سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري في حقهم افتاه بقتلهم «لأنه تبين له أنهم يخالفون اليهود والنصارى» وأن لا تؤخذ منهم الجزية (١).

أما الفقيه أبو عبد الله محمد بن يحيى بن فضلان (ت ٦٣١ ه‍ / ١٢٣٣ م) فقد كتب إلى الخليفة الناصر لدين الله (٥٧٥ ـ ٦٢٢ ه‍ / ١١٧٩ ـ ١٢٢٥ م) يقول : «الصابئة قوم من عبدة الكواكب يسكنون البلاد الواسطية لا ذمة لهم ... وهم اليوم لا جزية عليهم ولا يؤخذ منهم شيء وهم في حكم المسلمين» (٢).

إلا أننا لم نجد ما يشير إلى أن الخلفاء كانوا قد مارسوا أي اضطهاد على هؤلاء. أما تأثيرهم في المجتمع الواسطي فيظهر أن قلة عددهم وعدم مخالطتهم لغيرهم ، وسرية عاداتهم وتقاليدهم أدى إلى عدم مشاركة أهل الأديان الأخرى لهم في أعيادهم (٣) ومناسباتهم الأخرى. أما المهنة التي اشتهر بمزاولتها الصابئة بواسط فهي مهنة الصياغة (٤).

__________________

(١) السبكي ، طبقات الشافعية ، ٣ / ٢٣١.

(٢) الحوادث الجامعة ، ٦٩ ، ٧٠.

(٣) أعياد الصابئة أربعة هي : العيد الكبير وهو عيد رأس السنة ويطلقون عليه اسم «دهفة ربه» أو «نوروز ربه» وتسميه العامة «عيد الكرصة» ومدته يومان يبدأ في ٧ آب. ويبقى فيه الصابئة في بيوتهم يقظين ويلعبون الألعاب لمدة ٣٦ ساعة ، والعيد الصغير ويسمونه «دهفة حنيتة» أو «دهفة طرمة» ومدته يوم واحد ويقع في ١٨ أيار ويكثر فيه الصابئة من أعمال البر والإحسان وإقامة الأفراح ، وعيد الخليقة ويسمونه «بروانايا» أو «البنجة» ومدته خمسة أيام ويقع في العشرة الأولى من نيسان ، وهو عيد ديني أكثر منه عيد بهجة وأفراح ، وعيد ميلاد يحيى ، ويسمونه «دهفة ادايمانه» ومدته يوم واحد ويقع في الثامن أو التاسع من حزيران. دراور ، الصابئة المندائيون ، ١٤٥ ، ١٤٦ ، ١٥٠ ـ ١٥٣. عبد الرزاق الحسني ، الصابئون في حاضرهم وماضيهم ، ١١٩ ـ ١٢٥.

(٤) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٢ / ٣١٧.

١٩٩

طبقات المجتمع (١) :

ذكرنا سابقا أن مدينة واسط في بداية إنشائها سكنتها القبائل العربية مع مواليها فتكون المجتمع فيها من تجمع عدد من القبائل. فكان نظام العشائر هو أساس التنظيم الاجتماعي ، وقد ظلّ هذا النظام قائما في هذه المدينة طيلة العصر الأموي (٢).

أما في العصر العباسي فقد سكن واسط إلى جانب العرب عناصر أخرى اختلطت مع مرور الزمن بالعرب ، وأبعد العرب في هذه المدينة عن تولي المناصب الإدارية وفقدوا امتيازاتهم لأنهم كانوا من شيعة الأمويين ، وأسقطت أسماؤهم من ديوان الجند ، ثم تسلط الأجانب من بويهيين وسلاجقة ، وقد شهد المجتمع نموا اقتصاديّا في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة ، كل هذه العوامل أدت إلى ضعف التمييز الاجتماعي القائم على العنصر أو القومية ، وأصبحت الثروة هي الأساس الذي يحدد مركز الشخص الاجتماعي ، فأصبح المجتمع الواسطي ينقسم إلى ثلاث طبقات هي : طبقة الخاصة ، والطبقة المتوسطة ، وطبقة العامة ، وكانت كل طبقة تضم في صفوفها عدة فئات.

فالخاصة هم : الولاة وكبار الموظفين وقادة الجند والملاكون وكبار التجار والصرافون والأشراف. أما الطبقة المتوسطة فهم : القضاة وكتّاب الدواوين والأطباء والفقهاء والعلماء والقراء والمحدثون والأدباء والشعراء.

أما العامة فهم : الخدم والعمال والباعة والزرّاع والفلاحون وفئات أخرى.

__________________

(١) لقد رددت المصادر ذكر «الأعيان» و «العامة» بواسط وهذه المفاهيم تدل على وجود التمايز الطبقي في هذه المدينة. انظر : رسائل الصابي ، ٣٥٥. مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٣٣٤. سؤالات السلفي ، ٤٧ ، ٥٦ ، ٥٨ ، ٦٦ ، ٨٦ ، ٨٧ ، ١٠٥. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٢٨ ، ٩ / ١١١. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣٠٤ ، ٦٢٤ ، ١٠ / ٣٤٠.

(٢) انظر : عناصر السكان في هذا الفصل.

٢٠٠