واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

الفصل الخامس

الحياة الفكرية

١ ـ المؤسسات التعليمية :

أ ـ المساجد.

ب ـ الكتاتيب.

ج ـ المدارس.

د ـ الربط.

ه ـ الدور.

٢ ـ العلوم الدينية :

أ ـ علم القراءات.

ب ـ علم الحديث.

ج ـ الفقه.

٣ ـ العلوم العربية :

أ ـ اللغة والنحو.

ب ـ الشعر.

٤ ـ العلوم التاريخية :

أ ـ التاريخ.

ب ـ الجغرافية.

٥ ـ العلوم العقلية :

أ ـ الطب والصيدلة.

ب ـ الفلك والنجوم.

ج ـ الرياضيات.

د ـ علوم أخرى.

٦ ـ الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي.

٧ ـ أشهر البيوتات العلمية.

٢٢١
٢٢٢

١ ـ المؤسسات التعليمية

أ ـ المساجد :

لقد تم تدريس العلوم الدينية واللغوية في المساجد الجامعة بواسط قبل نشوء المدارس فيها ، وقد شهدت المساجد نشاطا علميا واسعا في هذا المجال (١) ، وقد ظلت هذه المساجد تؤدي وظيفتها العلمية ، واستمرت في نشاطها العلمي حتى بعد نشوء المدارس وانتشارها في هذه المدينة (٢). ومن الممكن أن ندرك النشاط العلمي الواسع لهذه المساجد من كثرة القراء والمحدثين والفقهاء والخطباء وتلامذتهم بواسط.

لقد أشارت المصادر إلى النشاط العلمي في أول جامع انشئ بواسط الذي أطلق عليه المؤرخون اسم «جامع واسط» (٣) إلا أنه من المرجح أن

__________________

(١) انظر : المقدسي ، أحسن التقاسيم ، ١١٨.

(٢) يقول ابن الدبيثي : «إن أبا شجاع محمد بن منجح بن عبد الله الفقيه الواعظ (ت ٥٨١ ه‍) قدم واسط ووعظ ، وكان ظريفا فسألوه أن يجلس في الأسبوع مرتين ، فكان كلما عين يوما احتجوا بأن القراء لا فراغ لهم فيه إلى أن سمى أيام الجمعة ، ثم أطرق مليا وقال : «لو عرفت هذا كنت جئتكم بيوم من بغداد». المختصر المحتاج إليه ، ١ / ١٤٣ ، ١٤٤.

(٣) انظر مثلا : السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٥٠ أ : ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٣ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٥٩ ، ٢١٠ ، ٢١٥ ، ورقة ١٢٨ (كيمبرج). القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٢٣٧.

٢٢٣

النشاط العلمي لم يكن مقصورا على هذا الجامع وحده ، بل إن المساجد الجامعة الأخرى (١) شهدت نشاطا علميا أيضا غير أن المصادر أمسكت عن الإشارة إليها.

وقد تولى التدريس بجامع واسط عدد من كبار العلماء منهم : أبو الطيب عبد الغفار بن عبيد الله الحضيني الواسطي (ت ٣٦٧ ه‍ / ٩٧٧ م) (٢) الذي اقرأ القرآن الكريم وحدث بجامع واسط (٣). وربما اهتم بتدريس النحو واللغة والشعر لأنه كان من أهل المعرفة الجيدة بعلوم العربية (٤) تتلمذ عليه عدد من الطلاب (٥) منهم أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الرفاعي (ت ٤١١ ه‍ / ١٠٢٠ م) الذي تصدر للإقراء بالجامع بعد وفاة أستاذه (٦) ، وحدث ودرّس في كتاب أبي غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي (٧) ، وأبو القاسم علي بن طلحة بن كردان النحوي الواسطي (ت ٤٢٤ ه‍ / ١٠٣٢ م) الذي درّس النحو وحدث (٨) ، وأبو علي حسن بن القاسم بن علي الواسطي المعروف بغلام الهراس (ت ٤٦٨ ه‍ / ١٠٧٥ م) (٩) ، والشيخ أبو المفضل هبة الله بن محمد بن مخلد الأزدي (ت ٤٨١ ه‍ / ١٠٨٨ م) الذي «لازم الجامع معتكفا يقرىء القرآن ويملي الحديث «كما يقول

__________________

(١) عن المساجد الجامعة الأخرى انظر : الفصل الثاني.

(٢) سؤالات السلفي ، ٢٩. الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٢٧٠. ويجعل ابن الجزري وفاته سنة ٣٦٩ ه‍. غاية النهاية ، ١ / ٣٩٨.

(٣) الذهبي ، معرفة القراء الكبار ، ١ / ٢٧٠.

(٤) السمعاني ، الأنساب ، ٤ / ١٨٧ ، ١٨٨. السيوطي ، بغية الوعاة ، ٢ / ١٠٣.

(٥) راجع عن تلامذته الذين أخذوا عنه بواسط : الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٢٧٠. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٣٩٧.

(٦) سؤالات السلفي ، ٨٣ ، ٨٤. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٦٧ ، ٢ / ٣٤٠. السيوطي ، بغية الوعاة ، ١ / ٤١٣.

(٧) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١ / ١٥٤. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ١٦٨.

(٨) ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٦١. القفطي ، إنباه الرواة ، ٢ / ٢٨٥.

(٩) سؤالات السلفي ، ٦١ ، ٨٢.

٢٢٤

السلفي» (١) والشيخ أبو القاسم علي بن علي بن جعفر بن شيران (ت ٥٢٤ ه‍ / ١١٢٩ م) الذي كان «مقدّم المصدّرين في جامع واسط للإقراء» (٢) أقرأ القرآن وحدث وتتلمذ عليه عدد من شيوخ المقرئين بواسط (٣). وأبو بكر عبد الله بن منصور بن عمران المعروف بابن الباقلاني منصور بن عمران المعروف بابن الباقلاني (ت ٥٩٣ ه‍ / ١١٩٦ م) كان مسند القراء بالعراق (٤). اقرأ القرآن بجامع واسط وحدث أكثر من (٤٠) سنة (٥) وانفرد برواية القراءات العشر (٦). وأبو الحسن علي بن أحمد ابن سعيد المعروف بابن الدباس الواسطي (ت ٦٠٧ ه‍ / ١٢١٠ م) الذي كان رأسا في معرفة القراءات وعللها وأسانيدها (٧). أقرأ الناس القرآن بجامع واسط صدرا به مع ابن الباقلاني سنين (٨) ، ولما انتقل إلى بغداد خلفه في التدريس ابن أخته الشيخ أبو محمد عبد السميع بن عبد العزيز بن غلاب المقرىء المعروف بسبط ، بن الدباس (ت ٦١٨ ه‍ / ١٢٢١ م) وربما درس الفرائض وقسمة التركات لأنه كان من أهل المعرفة الكاملة بهما (٩).

__________________

(١) ن. م ، ٦٦. الذهبي ، المختصر المحتاج إليه ، ٣ / ٢٢٦.

(٢) السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٥٠ أ ، سؤالات السلفي ، ٤٩. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ١ / ٣٦٨ ، ٢ / ٤٠٠.

(٣) الذهبي ، معرفة القراء ، ١ / ٣٨٦. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٥٥٧. الصفدي ، نكت الهميان ، ٢١٥.

(٤) الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٥٠. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٤٦١.

(٥) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٠٩. المنذري ، التكملة ، ٢ / ٧٨. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٥٢.

(٦) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٠٩. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ج ٨ ، ق ٢ ، ٤٥٤. المنذري ، التكملة ، ٢ / ٧٧. ابن أبي عذيبة ، إنسان العيون (مخطوطة) ورقة ٦٩.

(٧) الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٧٦. ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٥١٩.

(٨) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٢١٤ ، ٢١٥ ، ورقة ١٢٨ (كيمبرج).

(٩) ن. م ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٢١٠ ، ورقة ٧٦ (كيمبرج). المنذري ، التكملة ، ٥ / ٨٤. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٨ / ١٩٩.

٢٢٥

وغيرهم كثير لا يتسع المجال هنا لذكرهم (١).

وأخيرا لا بد من الإشارة إلى أنه جاء في المصادر ذكر عدد غير قليل من أئمة المسجد الجامع بواسط ، وأنهم أسهموا في دراسة القرآن الكريم وعلومه وصنفوا في القراءات وحدثوا مع ذكر لتلامذتهم (٢) غير أن هذه المصادر لا تشير إلى أماكن تدريسهم الذي لا بد أن يكون مكانه ـ في الغالب ـ المسجد الجامع نفسه الذي شهد معظم النشاط العلمي في هذه المدينة.

وإلى جانب المساجد الجامعة ، فإن مساجد المحلات كانت قد شهدت نشاطا علميا أيضا ، إلا أنه ـ على ما يبدو ـ كانت أضيق نطاقا من النشاط العلمي الذي شهدته المساجد الجامعة ، فقد ذكر السلفي أن بدر بن عبد الله الواسطي المقرىء كان له مسجد يقرىء فيه «وقد ختّم خلقا من عباد الله القرآن» (٣) وكان لأبي الحسين عبد الله بن أحمد بن شبح مسجد يقرىء فيه القرآن الكريم (٤) ، ويذكر الإسنوي أن أبا جعفر هبة الله بن علي الواسطي الفقيه (ت ٦٠١ ه‍ / ١٢٠٤ م) كان منقطعا في مسجد الرزازين للفتوى وإقراء العلم والقرآن ورواية الحديث (٥).

__________________

(١) انظر مثلا : السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ٤٣ أ ، ب. سؤالات السلفي ، ٥ ، ١٦ ، ١٩ ، ٢٥ ، ٢٧ ، ٦٦ ، ٦٧ ، ٧٦ ، ٨٠ ، ٨١. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٣ ، ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٧٤ ، ١٥٩ ، ٧٤ ، (كيمبرج) ، ١ / ١١٦ (المطبوع). ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٣ / ٢٦١ ـ ٢٦٣. الذهبي ، المختصر المحتاج إليه ، ١ / ٢ ، ٣. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٣٤.

(٢) انظر : ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٢١٥ أ. المنذري ، التكملة ٢ / ٢٣٠. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٤٣٢ ، ٤٥٢. المختصر المحتاج إليه ، ج ٣ ، ١٧٧. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٣٣. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٣٩٧ (حرف الميم). ابن الجزري ، غاية النهاية ، ١ / ٤١٧ ، ٢ / ٣٧ ، ٤١.

(٣) سؤالات السلفي ، ٤١ ، ٤٢.

(٤) ن. م ، ٧٣.

(٥) طبقات الشافعية ، ٢ / ٥٤٧. وعن مساجد المحلات انظر : الفصل الثاني.

٢٢٦

يتضح مما تقدم أن المساجد الجامعة ومساجد المحلات بواسط لم تكن مجرد دور عبادة تقام فيها الصلاة وتمارس فيها الشعائر الدينية ، وإنما كانت مؤسسات دينية وثقافية ، فقد تم فيها تدريس العلوم الدينية وعلوم العربية ، وربما درست فيها علوم أخرى كانت لها صلة بهذه العلوم ، وأن نشوء المدارس وانتشارها في هذه المدينة لم يؤد إلى تقلص الدراسة في المساجد ، وإنما سارت الدراسة فيهما جنبا إلى جنب.

ب ـ الكتاتيب :

إن الأخبار التي وصلتنا عن الكتاتيب بواسط غير كاملة ، فلم نجد في المصادر أية إشارة إلى عددها أو أماكنها أو المناهج التي كانت تدرّس فيها ، غير أن هناك إشارات إلى وجود المعلمين الذين علموا الأولاد في هذه المدينة منذ العصر العباسي الأول (١) ، وهذا يدل بلا ريب أن الكتاتيب ظهرت بواسط منذ ذلك العصر. وقد استمرت الكتاتيب تؤدي مهمتها التعليمية إلى جانب المؤسسات التعليمية الأخرى في هذه المدينة (٢). إلا أننا لا نعرف أي مرحلة دراسية تمثل الدراسة في كل مؤسسة من هذه المؤسسات ، فهل أن التعليم في الكتاتيب يمثل المرحلة الأولى من مراحل الدراسة حيث ينتقل الطالب بعد إكماله لهذه المرحلة إلى الدراسة في المساجد؟ وعلى هذا يكون التعليم في المساجد يمثل المرحلة الثانية من مراحل الدراسة؟ أم أن الطالب كان يلتحق بالمساجد بدون أن يتعلم في الكتاتيب؟ وأي مرحلة من مراحل الدراسة تمثل الدراسة في مدارس واسط؟

__________________

(١) بحشل ، تاريخ واسط ، ١٠٤ ، ١١٣ ، ١٣٠ ، ١٣٥ ، ١٤٣ ، ١٧٥ ، ٢٤٢. البستي ، مشاهير علماء الأمصار ، ١٧٧.

(٢) انظر : سؤالات السلفي ، ٨ ، ٦٣ ، ٨١. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٤ ، ٣٦٠ ، م ٢ ، ٤٧٠ ، ٤٨٢. ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ١٧١. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٣٥٨. ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٤ / ١٥٢. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٥ ، ٦٣ ، ٦٤. الصفدي ، نكت الهميان ، ٢٣٣.

٢٢٧

إن هذه الأسئلة لا نجد لها جوابا في النصوص المتيسرة لدينا ، ولكن من المرجح أنه لا يوجد نظام معين يحدد اختيار التحاق الطالب بأي مؤسسة تعليمية ، وأن رغبة الطالب وظروفه هي التي تحدد التحاقه في هذه المؤسسات.

أما أماكن هذه الكتاتيب فالغالب أنها كانت إما في بيوت المعلمين أو في مساجد المدينة أو أنها كانت مستقلة كما هو عليه الحال ببغداد (١).

أما المناهج الدراسية في هذه الكتاتيب ، فبما أن معظم المعلمين الذين أشارت إليهم المصادر بواسط هم من المحدثين والفقهاء والأدباء (٢) ، فلا بد أن هؤلاء كانوا يعلمون الصبيان إضافة إلى القراءة والكتابة والقرآن الكريم الأحاديث ومبادىء الدين وشيء من الشعر والأدب.

ونجد في هذه الفترة إشارات إلى المؤدبين بواسط (٣) ولا بد أن هؤلاء كانوا يقومون بمهمة تعليم أولاد الولاة والأعيان وكبار الموظفين في هذه المدينة.

ج ـ المدارس :

إن أقدم خبر وصل إلينا عن مدارس واسط يعود إلى بداية القرن

__________________

(١) عن المساجد التي تعلم فيها الصبيان ببغداد انظر على سبيل المثال لا الحصر : ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٧٧٠ ، ٨٦٩ (حرف الميم). الحوادث الجامعة ، ٣٩٦. أما عن الكتاتيب المستقلة ببغداد فانظر : ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢١٠ ، ٢٩٠ ، ٢٩١. ابن الفوطي ، تلخيص ، ج ٤ ، ق ٣ ، ٦٥ ، ٥ / ٢٠٦ (كتاب الميم).

(٢) انظر : بحشل ، تاريخ واسط ، ١٠٤ ، ١١٣ ، ١٣٠ ، ١٣٥ ، ١٤٣. البستي ، مشاهير علماء الأمصار ، ١٧٧. ابن سعد ، الطبقات ، ج ٧ ، ق ٢ ، ٦١. السلفي ، معجم السفر ، ١ / ٢٣٢ (المطبوع). سؤالات السلفي ، ٨ ، ٦٣ ، ٨١. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٧٠. القفطي ، إنباه الرواة ، ١ / ٣٥٨.

(٣) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٤ ، ٣٦٠ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٨٢. الصفدي ، نكت الهميان ، ٢٣٣.

٢٢٨

السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي (١) غير أنه من المرجح أن نشوء المدارس في هذه المدينة يعود إلى ما قبل هذا التاريخ ، فقد ذكر السبكي أن وزير السلاجقة نظام الملك الطوسي (ت ٤٨٦ ه‍ / ١٠٩٣ م) قام بإنشاء مدارس في أبرز مدن العراق وفارس «ويقال إن له في كل مدينة بالعراق وخراسان مدرسة» (٢).

إن هذا النص يساعد على الاستنتاج بأن نظام الملك ـ في الغالب ـ أقام أحد مدارسه بمدينة واسط التي كانت آنذاك مركزا لإدارة إحدى ولايات العراق المهمة (٣).

وبما أن هدف نظام الملك الرئيسي من تأسيسه لمدارسه هو نشر المذهب الشافعي ومقاومة الدعوات المخالفة ، فقد ظهرت بواسط ومنطقتها منذ بداية القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي جماعة من الشيعة الإمامية والزيدية والمعتزلة والإسماعيلية (الباطنية) (٤) أسهمت في الحركة الفكرية ، فكان منهم القراء والمحدثون والمفسرون والأدباء والشعراء والنحويون (٥)

__________________

(١) انظر : مدرسة الفارقي ، ص.

(٢) طبقات الشافعية ، ج ٣ ، ١٣٧.

(٣) عن أهمية واسط الإدارية ، انظر : الفصل الثالث.

(٤) انظر : عريب ، صلة تاريخ الطبري ، ٥٤ ، ٥٥. سؤالات السلفي ، ٢٢. ياقوت ، معجم البلدان ، ٣ / ٣٣٤ ، ٤ / ٢٢٩. معجم الأدباء ١ / ١٥٤. المنتظم ، ج ٧ ، ٢٨٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٢٩٥. الذهبي ، العبر ، ج ٣ ، ٩٦.

(٥) انظر : ابن النديم ، الفهرست ، ١٩٨. الطوسي ، الفهرست ، ١٣ ، ٤٠ ، ١٠٣. السمعاني ، الأنساب ، ٢٩٩ ب. سؤالات السلفي ، ١٣ ، ١٦ ، ١٧ ، ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٢ ، ٣٣ ، ٤٠ ، ٨٤. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٧١. ياقوت ، معجم الأدباء ، ١٧ / ٢٢١. ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٧٨ ب ، ٢١١ ب. ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٢ ، ٨٤ ب. الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ٣ / ٤٥٩ ، ٤٦٠. القمي ، الكنى والألقاب ، ١ / ٣٠٦ ، ٣ / ٢٣٨. آغا بزرك الطهراني ، طبقات أعلام الشيعة ، ٤ / ١٥١ ، ١٦٠ ، ١٩٢ ، ٢٧١ ، ٥ / ٢ ، ٨ ، ٥٣ ، ١٤٨.

٢٢٩

وكانت لهم قوة كبيرة بحيث مكنتهم من أن يتمردوا على السلطة وأن يثيروا الفتن والاضطرابات في هذه المنطقة (١).

هذا وسنرى من خلال البحث أن مدارس واسط كانت متأثرة بفكرة المدارس النظامية التي رسمت لها مناهج واحدة ونظام واحد (٢) ، فقد كانت معظم هذه المدارس خاصة بالمذهب الشافعي ومناهج الدراسة فيها تقوم على تدريس القرآن الكريم والحديث والفقه الشافعي وعلوم العربية ، ويقوم أستاذ واحد بتدريس جميع المواضيع المقررة في المدرسة.

مما تقدم يتبين أن نظام الملك عندما انشأ مدارسه فمن المحتمل جدا أنه أقام مدرسة في مثل هذه المدينة إلا أن المصادر أمسكت عن ذكرها.

هذا وقد أنشئت بواسط في هذه الفترة عدة مدارس هي :

مدرسة الفارقي :

وهي أول مدرسة أشارت المصادر إلى إنشائها في هذه المدينة ، وكانت إحدى مدارس الشافعية بواسط ، انشأها القاضي أبو علي الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون الفارقي الفقيه الشافعي (ت ٥٢٨ ه‍ / ١١٣٣ م) (٣) بعد أن تقلد القضاء بواسط سنة ٤٨٥ ه‍ / ١٠٩٢ م (٤) وقد تولى تدريس الفقه الشافعي والحديث فيها (٥) ...

__________________

(١) انظر : عريب ، صلة ، ٥٤ ، ٥٥. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٢٨٣ ، ٨ / ١٧٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٩٥ ، ٩٦ ، ٩ / ٢٩٥ ، ٦٢٤ ، ٦٢٥. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ٧ (طبعة أنقرة).

(٢) عن نظام المدارس النظامية انظر : غنيمة ، تاريخ الجامعات الإسلامية الكبرى ، ٧٥ ـ ٨٠. ناجي معروف ، علماء النظاميات ومدارس المشرق الإسلامية ، ١٩ ـ ٧٦.

(٣) انظر : ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٧٧. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ (نقلا عن السمعاني وابن خلكان) طبقات الفقهاء (مخطوطة) ورقة ٩٤.

(٤) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٦٣.

(٥) ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٣٧. ذيل ، ١ / ١١٥ (المطبوع). ابن خلكان ، وفيات الأعيان ، ٢ / ٧٧. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ٢ / ٢٥٧. طبقات الفقهاء (مخطوطة) ورقة ٩٤.

٢٣٠

وظل هذا الفقيه يدرّس بها حتى وفاته (١). وقد تتلمذ عليه جماعة كبيرة من الفقهاء وتخرجوا به (٢). ويظهر أن نشاط هذه المدرسة قد تضاءل وأنها أهملت بعد وفاة مؤسسها حيث لم تعد تحظ بإشارات المؤرخين بعد ذلك.

مدرسة ابن القارىء :

وهي من مدارس الشافعية ، انشأها الشيخ أبو الفضل علي الواسطي المعروف بابن القارىء القرشي الشافعي (ت ٥٣٩ ه‍ / ١١٤٤ م) (٣) ثم تولى التدريس فيها (٤) وكانت مناهج الدراسة في هذه المدرسة تقوم على تعليم العلوم الدينية (٥).

ومن الذين درسوا فيها الشيخ أبو العباس أحمد بن علي الرفاعي الفقيه الشافعي (ت ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م) (٦) صاحب كتاب «أهل الحقيقة مع الله» الذي كان «من أجلّ مشايخ العراق» (٧).

ويبدو أن مدة الدراسة في هذه المدرسة لم تكن محددة فقد ذكر ابن الساعي أن الرفاعي مكث في هذه المدرسة يتلقى العلوم عشرين سنة (٨).

لا نعلم كم بقيت هذه المدرسة بعد وفاة مؤسسها ، كما أننا لم نجد في المصادر المتيسرة لدينا من مدرسي هذه المدرسة سواه.

__________________

(١) ابن الجوزي ، المنتظم ، ج ١٠ ، ٣٧.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٠٢. المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٠٠ ـ ٢٠٤. الإسنوي ، طبقات الشافعية ، ١ / ٢٦٤. طبقات الفقهاء (مخطوطة) ورقة ٩٤.

(٣) ابن الساعي ، مختصر أخبار الخلفاء ، ١١٣.

(٤) ن. م ، ١١٣.

(٥) ن. م ، ١١٣.

(٦) ن. م ، ١١٣.

(٧) ابن الفوطي ، تلخيص ، ٥ / ٣٥٦ (حرف الميم).

(٨) مختصر أخبار الخلفاء ، ١١٣.

٢٣١

مدرسة ابن الكيال الواسطي :

وهي مدرسة للحنفية كما يفهم من مذهب منشئها ، فقد أنشأها ودرس فيها الفقيه أبو الفتح نصر الله بن علي بن منصور بن علي الواسطي المعروف بابن الكيال (ت ٥٨٦ ه‍ / ١١٩٠ م) (١) الذي تولى القضاء بواسط سنة ٥٨٤ ه‍ / ١١٨٨ م (٢).

لا توجد أية إشارة إلى تاريخ بناء هذه المدرسة أو موقعها ، ولكن يفهم من كلام القرشي أنها بنيت في النصف الأول من القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي ، فقد قال القرشي عندما ترجم لمؤسسها إنه «قدم بغداد في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وهو شاب يطلب العلم ... ثم عاد إلى واسط ودرّس بها في مدرسة تعرف به» (٣).

وتشير المصادر إلى أن ابن الكيال أقرأ القرآن الكريم وحدث ودرّس الخلاف بواسط وبغداد (٤) واهتم بالأدب والنحو واللغة (٥). فلا بد أن مناهج الدراسة في هذه المدرسة كانت تقوم على تعليم العلوم الدينية والعربية.

ومن الذين درّسوا في هذه المدرسة قاضي واسط ومشرف ديوانها الفقيه أبو المحاسن عبد اللطيف بن نصر الله بن الكيال (ت ٦٠٥ ه‍ /

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٩٨.

(٢) الذهبي ، المختصر المحتاج إليه ، ٣ / ٢١٠. المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٤٩. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٩٨.

(٣) الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٩٨.

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٨٥. الذهبي ، معرفة القراء ، ٢ / ٢٠٥. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٩٨.

(٥) المختصر المحتاج إليه ، ٣ / ٢٠٩. المنذري ، التكملة ، ١ / ٢٤٦ ، ٢٤٨. القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٩٨.

٢٣٢

١٢٠٨ م) الذي تصدر للتدريس فيها بعد وفاة والده سنة ٥٨٦ ه‍ / ١١٩٠ م (١). ويذكر ابن الدبيثي أن هذه المدرسة كانت عامرة سنة ٦٠٥ ه‍ / ١٢٠٨ م (٢) ولكننا لا نعلم عنها شيئا بعد هذا التاريخ.

مدرسة خطلبرس :

تنسب هذه المدرسة إلى مقطع واسط «خطلبرس» الذي أنشأها في أثناء إقامته بواسط (٥٥٠ ـ ٥٦١ ه‍ / ١١٥٥ ـ ١١٦٥ م) (٣) فتكون هذه المدرسة معاصرة لمدرسة ابن الكيال الواسطي وكانت تقع في الجانب الشرقي من واسط في أعلى البلد وعلى مقربة من دجلة (٤). وقد أشار ابن الدبيثي إلى أن هذه المدرسة كانت قائمة سنة ٦١٠ ه‍ / ١٢١٣ م (٥) ولعلها استمرت في نشاطها إلى ذلك التاريخ.

هذا ويرى أحد الباحثين المحدثين أن هذه المدرسة هي المدرسة البرانية بواسط التي بقيت التدريسات فيها قائمة إلى ما بعد سنة ٧٣٨ ه‍ / ١٣٣٧ م (٦) وقد اعتمد في رأيه على نص ورد في كتاب «ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد» لابن الدبيثي ، غير أننا لا نتفق مع ما ذهب إليه الكاتب وذلك لأن ابن الدبيثي بين أن موقع المدرسة كان في أعلى الجانب الشرقي من المدينة على دجلة (٧). بينما النصوص التي وردت فيها ذكر المدرسة

__________________

(١) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠. الذهبي ، تاريخ الإسلام ، م ١٨ ، ق ١ ، ١٩٥ (المطبوع).

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ١٦١. ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ٢٨٠.

(٣) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١١ / ٢١٢ ، ٣٢٣. ابن خلدون ، العبر ، ٣ / ٥١٩ ، ٥٢٠ ، ٥٢٤ ، ويذكره مصحفا باسم «فضلو ابواس ، خلطو براس ، خلطو برس».

(٤) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٩٧.

(٥) ن. م ، ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٩٧.

(٦) يوسف يعقوب مسكوني ، مدارس واسط ، مجلة الكتاب ، ج ٣ ، م ٣ ، ١٩٤٧ ، ص ٤١٨.

(٧) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ٢٩٧.

٢٣٣

البرانية لا تشير إلى الجانب الذي كانت تقع فيه المدرسة (١) ، ثم إن النص الذي ورد في كتاب ابن الدبيثي هو نص متقدم يتعلق بخبر يعود إلى سنة ٦١٠ ه‍ / ٢١٣ م.

مدرسة الغزنوي :

هذه المدرسة منسوبة إلى الفقيه أبي الفضل محمود بن أحمد بن عبد الرحمن الغزنوي (ت ٥٦٣ ه‍ / ١١٦٧ م) وكانت تقع بمحلة الوراقين بواسط (٢). وقد كانت مخصصة للمذهب الحنفي (٣) ، لم نجد إشارة إلى من درّس في هذه المدرسة ولكن يمكن القول إن الغزنوي كان أول من تولى التدريس فيها نظرا لما كان يتمتع به من مكانة علمية بارزة. فقد ذكر القرشي نقلا عن ابن النجار أنه صحب أبا الفتوح أحمد بن محمد الغزالي وأخذ عنه علم الوعظ ، وقدم بغداد سنة ٥٥٧ ه‍ / ١١٦١ م وعقد مجلس الوعظ بجامع القصر ، وحدث بكتاب «تفسير الفقهاء وتكذيب السفهاء» لأبي الفتح عبد الصمد بن محمود بن يونس الغزنوي عن ولده القاضي يحيى بن عبد الصمد عن أبيه ، ثم انتقل إلى واسط واستوطنها إلى حين وفاته (٤).

مدرسة ابن ورام :

تنسب هذه المدرسة إلى شرف الدولة محمد بن ورام (٥) ، وكانت من مدارس الشافعية (٦) ولا يعلم من هو ابن ورام هذا المنسوبة

__________________

(١) السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٦ / ٢٥٠. ابن حجر العسقلاني ، الدرر الكامنة ، ٤ / ٤١٩.

(٢) القرشي ، الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٥٤.

(٣) مصطفى جواد ، معجم مواضع واسط ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، م ٨ ، ١٩٦١ ، ١٥٩. ناجي معروف ، مدارس واسط ، ١٧.

(٤) الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٥٤ ، ١٥٥.

(٥) بحشل ، تاريخ واسط ، ٢٩٥. السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٤ / ٢٠٩.

(٦) السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٤ / ٢٠٩.

٢٣٤

إليه (١) ، ومتى أسست هذه المدرسة ، ولكن يمكن القول إنها كانت موجودة قبل سنة ٥٧٣ ه‍ / ١١٧٧ م فقد ورد ذكر هذه المدرسة في كتاب «تاريخ واسط» بصدد سماعه ، فقد جاء فيه «سمع جميع هذا الكتاب وهو تاريخ واسط لبحشل ... بواسط في مدرسة شرف الدولة محمد بن ورام ، نوّر الله ضريحه ، في مجالس آخرها الاثنين رابع عشرين ذي القعدة من سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة» (٢).

وممن تولى التدريس في هذه المدرسة هو أبو علي الحسن بن أحمد ابن عبد الله الواسطي (ت ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م) (٣).

المدرسة الشرابية :

وهي من أعظم المدارس الشافعية بواسط ، تنسب إلى شرف الدين أبي الفضائل إقبال بن عبد الله الشرابي الشافعي (ت ٦٥٣ ه‍ / ١٢٥٥ م) الذي أمر ببنائها للشافعية (٤) ، وكانت تقع في الجانب الشرقي من المدينة على دجلة (٥) ، وقد افتتحت هذه المدرسة سنة ٦٣٢ ه‍ / ١٢٣٤ م (٦) وكانت لهذه المدرسة أهمية خاصة ، وتأتي أهميتها من كونها تحت رعاية الشرابي فقد ذكر صاحب كتاب «الحوادث الجامعة» أن الشرابي خلع على مدرسيها والمعيدين بها وعلى طلابها والحاشية الذين رتبوا لخدمتها (٧) ويذكر ابن

__________________

(١) يرى الدكتور مصطفى جواد أن هذه المدرسة منسوبة إلى شرف الدولة محمد بن ورام الكردي الجاواني الشافعي أخو الأمير سيف الدولة أبو النجم بدر بن ورام الكردي الجاواني المتوفى سنة ٤٧٢ ه‍. انظر : مجلة المجمع العلمي العراقي م ٤ ، ج ١ ، ١٩٥٦ ، ص ٩٨ ، ٩٩ ، م ٨ ، ١٩٦١ ، ص ١٥٨.

(٢) بحشل ، تاريخ واسط ، ٢٩٥.

(٣) السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى ، ٤ / ٢٠٩.

(٤) الحوادث الجامعة ، ٧٦ ، ٧٧ ، ٢٥٤ ، ٣٠٨.

(٥) ن. م ، ٧٦.

(٦) ن. م ، ٧٦.

(٧) ن. م ، ٧٦ ، ٧٧.

٢٣٥

الفوطي أنه «وقف عليها الوقوف الجليلة» (١) وعهد إلى أبي حفص عمر بن أبي بكر إسحاق الدورقي أن يتولى هو وأولاده من بعده النظر في أوقافها والإشراف على شؤونها (٢).

ومما لا شك فيه أن هذه الوقوف جعلها الشرابي إيرادات ثابتة لمدرسته وذلك لتأمين رواتب مدرسيها وطلابها (٣) ومن يقوم بخدمتها من خزنة وبوابين وفراشين وغيرهم.

ويظهر أن مناهج الدراسة في هذه المدرسة في السنين الأولى اقتصرت على تدريس الفقه الشافعي وربما العلوم العربية ، فقد ذكر صاحب كتاب الحوادث الجامعة أنه رتب بها مدرسا ومعيدين واثنين وعشرين فقيها (٤).

إن أول مدرس رتب في هذه المدرسة هو أحمد بن نجا الواسطي (ت بعد ٦٣٢ ه‍ / ١٢٣٤ م) وكان معه معيدان (٥) وفي سنة ٦٤٨ ه‍ / ١٢٥٠ م رتب الشرابي عماد الدين أبو ذي الفقار محمد بن الأشرف ذي الفقار بن أبي جعفر المرندي (ت ٦٨٠ ه‍ / ١٢٨١ م) (٦) الذي كان قد تلقى علومه الفقهية في المدرسة المستنصرية ببغداد منذ سنة ٦٣١ ه‍ / ١٢٣٣ م (٧) وولي التدريس فيها أيضا قاضي واسط عماد الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن محمود

__________________

(١) تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، م ٣ ، ٢٦٨.

(٢) الحوادث الجامعة ، ٧٧.

(٣) يقول النعيمي نقلا عن ابن كثير عن المدرسة الشرابية ببغداد «ورتب فيها خمسة وعشرين فقيها لهم الجوامك الدارّة في كل شهر والطعام في كل يوم والحلوى في أوقات المواسم والفواكه في زمانها» الدارس في تاريخ المدارس ، ١ / ١٦٠.

(٤) الحوادث الجامعة ، ٧٦.

(٥) ن. م ، ٧٦.

(٦) ن. م ، ٢٥٣. وجاء في منتخب المختار للسلامي ، ص ٥٥ إنه توفي سنة ٦٨٥ ه‍.

(٧) ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٢ ، ٨١٩.

٢٣٦

الأنصاري القزويني (ت ٦٨٢ ه‍ / ١٢٨٣ م) ولد بقزوين سنة ٥٩٨ ه‍ / ١٢٠١ م وكان ينتمي إلى أسرة عربية من سلالة أنس بن مالك الأنصاري (١) برز فيها عدد من الفقهاء (٢) رحل إلى دمشق والموصل وبغداد واتصل بالعلماء وأخذ العلم عنهم (٣). ويظهر أن دراسته للفقه قد مكنته أن يتولى منصب القضاء ، فقد تولى القضاء بالحلة سنة ٦٥٠ ه‍ / ١٢٥٢ م ثم نقل إلى القضاء بواسط سنة ٦٥٢ ه‍ / ١٢٥٤ م وأضيف إليه التدريس بالمدرسة الشرابية ، ولم يزل على ذلك حتى وفاته (٤).

وصفه المؤرخون بأنه كان عالما فاضلا (٥) ، حسن السيرة عفيفا (٦) ، ويقول عنه كراتشكوفسكي : «والقزويني ككاتب يتميز بالوضوح في الأسلوب الذي يبلغ به في واقع الأمر درجة رفيعة ، وهو بلا ريب نابغة كمبسط للمعارف يفرض مادته العلمية في كثير من المهارة بحيث لا تنفر القارىء ، ولديه مقدرة فائقة في تبسيط أكثر الظواهر تعقيدا وذلك بطريقة جذابة واضحة ... ويكاد يكون أكثر الكتاب العرب قاطبة قربا إلى الجماهير» (٧).

__________________

(١) تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٢ ، ٧٢٥ وذكر أن كنيته (أبو عمرو). عجائب المخلوقات ، ٢٦. والجدير بالذكر هنا هو أن هناك مجموعة كبيرة من العلماء العرب انتسبوا إلى المواطن الأعجمية بسبب سكنهم في المشرق الإسلامي. انظر تفصيل ذلك في كتاب «عروبة العلماء المنسوبين إلى البلدان الأعجمية» للدكتور ناجي معروف ، ١ / ١٣ وما بعدها.

(٢) عجائب المخلوقات ، ٢٦.

(٣) كراتشكوفسكي ، تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ١ / ٣٦١. القزويني ، عجائب المخلوقات ، المقدمة ، ١٩ ، ٢٠.

(٤) الحوادث الجامعة ، ٤٣٣. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ج ٤ ، ق ٢ ، ٧٢٦.

(٥) القمي ، الكنى والألقاب ، ٣ / ٥٣.

(٦) الحوادث الجامعة ، ٤٣٣.

(٧) تاريخ الأدب الجغرافي العربي ، ١ / ٣٥٩ ، ٣٦٠.

٢٣٧

صنف أربعة كتب ، الأول هو كتاب «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» (١) وقد تكلم فيه عن مختلف علوم عصره (٢). ولأهمية هذا الكتاب فإننا نجد له نسخا خطية مبعثرة في مكتبات العالم (٣) ، وطبع مرات عديدة (٤) وترجم إلى لغات مختلفة (٥). أما الكتاب الثاني فهو «آثار البلاد

__________________

(١) الحوادث الجامعة ، ٤٣٣. القمي ، الكنى والألقاب ، ٣ / ٥٣.

(٢) سوف نتكلم عنه فيما بعد.

(٣) للكتاب مخطوطتان في مكتبة جامعة كوتا بألمانيا تحت الرقمين : ١٥٠٦ ، ١٥٠٧ وله مخطوطة بميونخ تحت رقم ٦٤٦ ، بروكلمان ، الملحق ، ١ / ٨٨٢. وفي المكتبة الوطنية بباريس مخطوطتان تحتويان على مختارات من هذا الكتاب تحت رقم ٢١٨٣ ، ٢٤١٩.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨.

(٤) نشر الكتاب في عدة طبعات عربية وأجنبية : فقد حققه وستنفلد وطبعه في غوتنجن سنة ١٨٤٨ م وطبع على حاشية كتاب «حياة الحيوان الكبرى» للدميري في القاهرة في السنوات ١٣٠٥ ، ١٣٠٩ ، ١٣٣٠ ه‍.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨. وطبع الكتاب لوحده في القاهرة سنة ١٣٣٠ ه‍. وفي سنة ١٩٧٣ م نشرته دار الآفاق الجديدة ببيروت. كما نشرت ترجمته إلى الفارسية في لكناو سنة ١٢٨٣ ه‍ وإلى الفرنسية في باريس سنة ١٨٠٥ م. عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ، المقدمة ، ١٣ (نشر دار الآفاق الجديدة ، بيروت ١٩٧٧ م).

(٥) ترجم الكتاب إلى اللغة التركية مرات عديدة ، فقد قام بترجمته أحمد المعروف ببيجان يازجي أوغلو سنة ٨٥٧ ه‍ / ١٤٥٣ م وسماه «عجائب المخلوقات». كشف الظنون ، ٢ / ١١٢٧. ومن هذه الترجمة مخطوطتان : الأولى في «كوتا» ، والثانية في «برلين». بروكلمان ، الملحق ، ١ / ٨٨٢. وترجمه المولى الغنائي سنة ٩٦٥ ه‍ / ١٥٥٧ م. كشف الظنون ، ٢ / ١١٢٧. وترجمه سروري (ت ٩٦٩ ه‍ / ١٥٦١ م) ومن هذه الترجمة مخطوطة في المتحف البريطاني. وترجمه أيوب بن خليل سنة ٩٧٧ ه‍ / ١٥٧٠ م وسماه «تذكرة العجائب وترجمة الغرائب» ومن هذه الترجمة مخطوطة في فينا. كما توجد ترجمات مجهولة المترجمين في المتحف البريطاني وبرلين ، بروكلمان ، الملحق ، ١ / ٨٨٢.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨.

وترجم الكتاب إلى اللغة الجغتائية ، والمخطوطة في مكتبة لنينغراد.

e. i. i. vol. ٢. p. ٢٤٨.

وترجم الكتاب إلى اللغة الفارسية ، ومن هذه الترجمات ثلاثة مخطوطات.

كراتشكوفسكي ، ٣٦٢. منها «تحفة الغرائب» في فينا.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨. ومخطوطة في مكتبة الكونكرس الأمريكي بواشنطن كتبت سنة ٩٦٠ ه‍ / ١٥٥٢ م.

٢٣٨

وأخبار العباد» (١) ويسمى أيضا «عجائب البلدان» (٢).

وهذان الكتابان حملا (الدومييلي) aldo ـ mielli على القول إن القزويني صنف دائرة معارف مشهورة بالعربية جعلته جديرا بلقب «بليناس» القرون الوسطى ، وهي مجموعة ذات أهمية (٣).

وقال كراتشكوفسكي : إن القزويني «وضع مصنفا تركيبيّا يجمع كل معارف عصره» (٤) كما صنف كتابين آخرين هما : «خطط مصر» (٥) و «الدر المنضود في عجائب الوجود» (٦).

__________________

كوركيس عواد ، المخطوطات العربية في دور الكتب الأميركية ، مجلة سومر ، م ٧ ، ج ٢ ، ١٩٥١ ، ص ٢٤٣. وقد ترجم جلال الدين الأسفرائيني (ت ٨٦٦ ه‍ / ١٤٦١ م) الجزء الثاني من الكتاب باختصار شعرا وسماه «عجائب الدنيا» ومنه مخطوطتان : الأولى في البولديانا بأكسفورد ، والثانية في المكتب الهندي بلندن. بروكلمان ، الملحق ، ١ / ٨٨٢.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨. كما توجد للكتاب موجزات ومختارات بالفارسية ، كراتشكوفسكي ، ١ / ٣٦٢ ، ٣٦٣. وترجم ايتيه ethe الجزء الأول من الكتاب إلى الألمانية وطبعه في ليبزك سنة ١٨٦٨ م كراتشكوفسكي ، ١ / ٣٦٦. كما ترجم روسكاruska القسم الخاص بالأحجار إلى الألمانية سنة ١٨٩٦. د. عدنان جواد الطعمة ، يوليوس روسكا والعلوم عند العرب ، مجلة المورد ، م ٦ ، عدد ٤ ، ١٩٧٧ ، ص ١١٨.

(١) وقد ترجم الكتاب مرات عديدة إلى الفارسية وله مختصرات في اللغة التركية ، كراتشكوفسكي ، ١ / ٣٦٥.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨.

وقد حققه وستنفلد وطبعه في غوتنجن سنة ١٨٤٨ م. وفي سنة ١٩٦٠ م نشرته دار صادر ببيروت. وسوف نتكلم عن الكتاب فيما بعد.

(٢) كشف الظنون ، ١ / ٩ ، ١١٢٦.e.i.i.vol.٢.p.٢٤٨.

(٣) العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي ، ٢٩٦. انظر : غوستاف لوبون ، حضار العرب ، ٤٨٥.

(٤) تاريخ الأدب الجغرافي ، ١ / ٣٦٠.

(٥) الزركلي ، الأعلام ، ٣ / ٨٠. كشف الظنون ، ١ / ٩.

(٦) بروكلمان ، الملحق ، ٢ / ٨٤٣.

٢٣٩

د ـ الربط :

لقد تحدثنا عن الربط التي أقيمت بواسط في أثناء الكلام عن التطور العمراني الذي حدث في هذه المدينة ، وسوف نتحدث هنا عن الدور التعليمي للربط وذلك لأن الربط في هذه المدينة لم تكن مقصورة على التعبد والتزهد بل كان لها دور في حركة التعليم حيث كانت أماكن للدراسة وخاصة فيما يتعلق بالعلوم الدينية ، فقد كانت تتخذ ملجأ للفقراء والصوفية والزهاد ، ومنازل للعلماء والطلاب الراحلين إلى واسط لطلب العلم أو نشره ومكانا لتعليم القرآن والحديث والوعظ (١).

ولعل من المفيد أن نستعرض أهم ما ورد عن النشاطات العلمية في الربط لنتفهم دورها في حركة التعليم في هذه المدينة.

يذكر ابن الدبيثي أن الشيخ أبا الفتح محمد بن إبراهيم بن عبيد الله الواعظ من أهل بروجرد قدم بغداد وحدث بها ثم سكن بواسط سنة ٥١٠ ه‍ / ١١١٦ م ونزل رباط النوى وحدث به ووعظ إلى حين وفاته ، وسمع منه جماعة من أهل واسط (٢).

وكان للشيخ أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبيد الله الآمدي الواسطي (ت ٥٧٨ ه‍ / ١١٨٢ م) رباط بواسط ، وقد أورد ابن الدبيثي وهو معاصر معلومات عن نشاطه ودوره العلمي فقال : «شيخ من أهل القرآن والتصوف والحديث .. سمعنا منه بواسط كثيرا وكتبنا عنه ، وكان صحيح السماع له سمة الشيوخ» (٣) غير أنه لم يذكر المكان الذي سمع عليه الذي هو ـ في الغالب ـ الرباط.

__________________

(١) انظر : السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٥٩ أ ، ب ، ١٦٢ ب ، ١١٧٧. ابن الدبيثي ، ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٣٦. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٩٠. ابن الساعي ، مختصر أخبار الخلفاء ، ١١٣. الحوادث الجامعة ، ٢٥٤. ابن الفوطي ، تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٣٥٧.

(٢) ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٢٣ ، ٢٤.

(٣) ن. م ، ج ١ ، ق ١ ، ورقة ١٢.

٢٤٠