واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

استمرار هذه المؤسسة الإدارية ، إلا أن هذه المصادر لم تمدنا بأية معلومات عن واجبات المحتسب. ولكن يمكن القول إنه ظهرت في المجتمع الإسلامي كتب تناولت الحسبة بصورة مفصلة فبحثت في شروط المحتسب وواجباته وأعوانه (١). والراجح أن واجبات المحتسب في المدن التي ألفت فيها هذه الكتب لا تختلف بصورة أساسية عن واجباته في مدينة واسط وذلك لأن واجبات المحتسب كانت متشابهة إلى حدّ كبير في كل جزء من أجزاء المجتمع الإسلامي (٢).

لقد أشارت كتب الحسبة هذه أن من واجبات المحتسب تفقد أحوال أهل السوق ومراقبة الموازين والمكاييل والمقاييس ، نظرا لتعددها في الأقليم الإسلامية ، وذلك للتأكد من صحتها (٣) ومراقبة أصحاب الحرف والأصناف وأرباب الصنائع (٤) والحيلولة دون وقوع الغش أو التدليس في المبيعات (٥). وكان عليه مراقبة عمل الدلالين في الأسواق و «يقرّ منهم الأمناء ويمنع الخونة» (٦).

ويلزم المحتسب الخبازين بنظافة أفرانهم وملاحظة أوزان الخبز

__________________

(١) منها : الأحكام السلطانية ، والرتبة في طلب الحسبة للماوردي ، ومعالم القربة في أحكام الحسبة لابن الأخوة ، ونهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام ، ونهاية الرتبة في طلب الحسبة للشيرزي ، والحسبة في الإسلام لابن تيمية.

(٢) د. حسام السامرائي ، المؤسسات الإدارية في الدولة العباسية ، ٣١٦.

(٣) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ٢٥٤. الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ١٥ ، ١٩. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ٨٣ ، ٨٤ ، ٢١٩. الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٢٧ ، ١٨٢.

(٤) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ٢٥٤ ـ ٢٥٦. الرتبة في طلب الحسبة (مخطوطة) ورقة ٧٨ ب. الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٦٧ ، ٧٢ ، ٧٣. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ١٤١ ، ١٤٩. ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ١٠٦.

(٥) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ٢٥٣.

(٦) ن. م ، ٢٥٤. الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٣٤ ، ٦٤. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ١٠٦ ، ١٠٧. ابن الرفعة ، الرتبة في الحسبة (مخطوطة) ورقة ٥٧ ب.

١٦١

ونظافته (١). ويمنع الجزارين من إخراج اللحوم خارج حوانيتهم لئلا تلاصق ثياب الناس ، ويأمرهم ألا

يخلطوا لحوم الماعز بلحوم الضأن (٢) ، كما كان يلزم الصيادلة بعدم غش الدواء (٣).

وكان على المحتسب أن يقوم بملاحظة سعة ونظافة الأسواق والطرق للحيلولة دون مضايقة المارة فيها (٤). ويأمر أصحاب المباني المتداعية بهدمها (٥) وملاحظة نظافة المساجد «ومنع الناس من الاجتماع فيها لغير الصلاة (٦) ومراقبة المعلمين ومنعهم من ضرب الأطفال ضربا مبرحا (٧).

إن كثرة مسؤوليات المحتسب جعلته يتخذ من أهل كل صنعة عريفا يكون مشهورا بالثقة والأمانة ، خبيرا بصناعتهم ، بصيرا بغشهم وتدليسهم ، يشرف على أحوال أهل صنعته ويوصل أخبارهم إلى المحتسب ، وعهد إليه أيضا أن يشرف على البضائع الواردة إلى السوق ويوصل أخبارها وأسعارها إلى المحتسب (٨).

وإضافة إلى هؤلاء كان المحتسب يتخذ له أعوانا يساعدونه في أداء

__________________

(١) الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٢٢. ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ٢١. ابن الرفعة ، الرتبة في الحسبة (مخطوطة) ورقة ٤٨ ب.

(٢) الماوردي ، الرتبة في طلب الحسبة (مخطوطة) ورقة ٤٦ أ ، ٥٨ أ ، ٥٩ أ. الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٢٨. ابن الرفعة ، الرتبة في الحسبة (مخطوطة) ورقة ٥١ ب ، ٥٢ أ ، ٥٢ ب. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ٩٧.

(٣) الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ٤٢ ، ٤٣. ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ٨٥.

(٤) الشيرزي ، ن. م ، ٢٩ ، ٣٧ ، ٤٢ ، ابن الرفعة ، الرتبة في الحسبة (مخطوطة) ورقة ٤٢ ب. ابن خلدون ، المقدمة ، ٢٢٥. ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ١٧. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ٧٨.

(٥) ابن الأخوة ، ن. م ، ٧٩ ، ٩٩. الشيرزي ، ن. م ، ١٤. ابن خلدون ، المقدمة ، ٢٢٥.

(٦) الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ١٢٤.

(٧) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ٢٥٦. ابن خلدون ، المقدمة ، ٢٢٥.

(٨) الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ١٢. ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ١٨.

١٦٢

مهمته (١). كان يجري تهذيبهم وتعليمهم على واجباتهم تحت إشرافه (٢).

لم أجد في المصادر ما يشير إلى من كان يقوم بتعيين المحتسب في هذه المدينة ، إلا أننا نجد إشارات إلى أن هذه الوظيفة كانت تعهد إلى بعض القضاة في هذه المدينة ، فقد ذكر ابن الدبيثي أن القاضي أبا الأزهر علي بن أحمد بن محمد بن علي الكتاني كان محتسبا بواسط ، وأن ابنه القاضي أبا طالب محمد بن علي الكتاني كان محتسبا أيضا (٣) ومن المحتمل جدّا أن هذه الوظيفة كانت تعهد إلى القاضي في أثناء تعيينه بمنصب القضاء (٤).

لم نجد أية إشارة عن دائرة المحتسب بواسط ، ولكن لا بدّ أنه كانت هناك دائرة خاصة به وذلك لحفظ سجله الذي ربما كان يسجل به ، أصحاب الحوانيت وأصحاب الحرف وغيرهم في المدينة ويضع فيها عدته كما كان عليه الحال ببغداد (٥).

نقابة العباسيين :

كان للعباسيين نقيب بواسط يعين من «أجلهم بيتا وأكثرهم وأجزلهم رأيا» (٦) ، كان يتولى النظر في أمور العباسيين في هذه المدينة (٧) ويبدو أن

__________________

(١) الشيرزي ، نهاية الرتبة ، ١٠. ابن الأخوة ، معالم القربة ، ٢٢٠ ، ابن بسام ، نهاية الرتبة ، ١٥.

(٢) ابن الأخوة ، معالم القربة ، ١٢١. ابن الرفعة ، الرتبة في الحسبة (مخطوطة) ورقة ١١٦ ب.

(٣) ذيل (مخطوطة) ج ٢ ، ق ٢ ، ورقة ٢١٠ ، ورقة ١٢٣ ، ١٢٤ (كيمبرج) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٥ ، ٩٦. انظر : سؤالات السلفي ، ٤٧.

(٤) عن تعيين القاضي انظر : القضاء.

(٥) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ٢٢٣.

(٦) الماوردي ، الأحكام السلطانية ، ٩٦.

(٧) ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٦٧. الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٤٠٥.

١٦٣

نقيب العباسيين بواسط كانت تعهد إليه الخطابة والصلاة في المسجد الجامع ، فقد ذكر ابن الساعي أنه في سنة ٦٠٢ ه‍ / ١٢٠٥ م قلد أبو محمد الحسن بن محمد الرشيدي نقابة العباسيين والخطابة والصلاة بواسط على عادة أسلافه في ذلك (١).

كان تعيين نقيب العباسيين بواسط يتمّ بعهد يصدر من الخليفة ببغداد ، ثم يخلع عليه خلعة النقابة في دار الوزارة (٢) ، ويقرأ هذا العهد بالمسجد الجامع بواسط (٣).

ويظهر أن بعض البيوتات العباسية بواسط تولى منها عدة نقباء في هذه المدينة منها بيت الشريف (٤) أبي هاشم إسماعيل بن المؤمل بن الحسين العباسي الرشيدي الواسطي ، فقد ورد في ترجمته أنه من «بيت الخطابة والنقابة بواسط» (٥).

نقابة الطالبيين

إن أقدم إشارة وصلتنا عن نقابة الطالبيين بواسط جاءت عند ابن الجوزي ، فقد ذكر أنه في سنة ٣٦٩ ه‍ / ٩٧٩ م قلد أبو الحسن علي بن أحمد ابن إسحاق العلوي نقابة الطالبيين ببغداد وواسط (٦). ويبدو أنه استناب أبا علي الجواني (كان حيا قبل سنة ٣٧٢ ه‍ / ٩٨٢ م) فقد ذكر

__________________

(١) الجامع المختصر ، ٩ / ١٦٧.

(٢) الغساني ، العسجد المسبوك ، ٥٦٤ (المطبوع).

(٣) ابن الساعي ، الجامع المختصر ، ٩ / ١٦٧.

(٤) الأشراف : هم المنتمون إلى عائلة النبي نسبا أي أهل البيت غير أن هذا اللقب انحصر بالعباسيين والعلويين منذ القرن الرابع. ارندنك. مادة شريف. دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة العربية) ج ١٣ ، ص ٢٦٧ ـ ٢٧٩.

(٥) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٤٠٥.

(٦) ابن الجوزي ، المنتظم ، ٧ / ٩٨. انظر : ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٣ ، ورقة ١٥١ ب.

١٦٤

القفطي في ترجمته أنه كان على نقابة الطالبيين بواسط (١). وكان تعيين نقيب الطالبيين بواسط يتم بعهد يصدر من الخليفة ببغداد (٢).

ويتبين لنا من العهد الذي أصدره الخليفة القائم بأمر الله لتقليد نقيب الطالبيين بواسط يحيى بن ثابت بن حازم الرفاعي أن مسؤوليات النقيب هي رئاسة الطالبيين في هذه المدينة ، والحكم في النزاع بينهم ، والنظر في كافة شؤونهم (٣). كما عهد إلى نقيب الطالبيين بواسط إزالة الفتن الطائفية التي كانت تقع بين السنة والشيعة في هذه المدينة (٤).

ويظهر أن أبناء عائلة يحيى بن ثابت الرفاعي كانوا قد توالوا على نقابة الطالبيين بواسط حتى القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي فقد ذكر ابن الساعي أنه في سنة ٥١٩ ه‍ / ١١٢٥ م كان أبو الحسن علي بن عبد الرحيم الرفاعي نقيبا للطالبيين بواسط (٥).

ويبدو أنه في القرون المتأخرة أصبح نقيب الطالبيين ببغداد هو الذي يختار نقيب الطالبيين بواسط ، فقد ذكر ابن الفوطي أنه في سنة ٦٥٢ ه‍ / ١٢٥٤ م تولى مجد الدين أبو الغنائم هبة الله بن خميس بن علي بن النفيس العلوي الواسطي نقابة الطالبيين بواسط ، وكان قد رتبه إسماعيل بن الحسن ابن المختار (٦) وكتب له عهده من إنشاء عز الدين أبي الفضل ابن الوزير مؤيد الدين العلقمي (٧).

__________________

(١) إنباه الرواة ، ٢ / ٣٤٠.

(٢) ابن الساعي ، مختصر أخبار الخلفاء ، ٨٧ ـ ٨٩.

(٣) ابن الساعي ، مختصر أخبار الخلفاء ، ٨٨.

(٤) ن. م ، ١١٢.

(٥) ن. م ، ١١٢.

(٦) تولى نقابة الطالبيين ببغداد سنة ٦٥٢ ه‍ وتوفي في سنة ٦٥٣ ه‍. العسجد المسبوك ، ٦٠٤ ، ٦١٢ (المطبوع).

(٧) تلخيص مجمع الآداب ، ٥ / ٢٦٦ (حرف الميم).

١٦٥
١٦٦

الفصل الرابع

الحياة الاجتماعية

١ ـ عناصر السكان :

أ ـ العرب.

ب ـ الفرس.

ج ـ الأتراك.

د ـ الديلم.

ه ـ النبط.

و ـ عناصر أخرى.

٣ ـ طبقات المجتمع :

أ ـ الطبقة الخاصة.

ب ـ الطبقة المتوسطة.

ج ـ الطبقة العامة.

٢ ـ الطوائف الدينية :

أ ـ المسلمون.

ب ـ أهل الذمة.

١ ـ النصارى.

٢ ـ اليهود.

٣ ـ الصابئة.

١٦٧
١٦٨

عناصر السكان

أ ـ العرب :

لقد أنشئت مدينة واسط في الأصل لسكنى الجند الشامي في العراق (١) ففي بداية إنشائها سكنتها القبائل والعشائر العربية التي رافقت الحجاج بن يوسف الثقفي في أثناء قدومه العراق (٢). كما سكنتها جماعة من القبائل العربية في العراق (٣). ثم قدم قسم من أهل الحجاز إلى هذه المدينة وسكنوا فيها (٤). ومع أن المصادر لا تشير إلى التنظيم الاجتماعي الذي كان قائما بواسط في هذه الفترة ، إلا أنه يمكن القول بأن المجتمع بواسط كان يتكون من تجمع عدد من القبائل مع مواليها فإن نظام العشائر كان أساسا للتنظيم الاجتماعي في هذه المدينة كما كان عليه الحال في الكوفة (٥) ...

__________________

(١) عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ١١ ، ١٢.

(٢) عن القبائل والعشائر العربية التي سكنت واسط في العصر الأموي ، انظر : واسط في العصر الأموي : ملحق رقم (١).

(٣) بحشل ، تاريخ واسط ، ٤٤. ابن قتيبة ، الإمامة والسياسة ، ٢ / ١٢٧. البستي مشاهير علماء الأمصار ، ١٧٦ ، ١٧٨. ابن الجوزي ، المنتظم ، (مخطوطة) ج ٦ ورقة ٨٦ أ.

(٤) بحشل ، تاريخ واسط ، ٤٧. ابن حوقل ، صورة الأرض ، ١ / ٢٣٩. الدينوري ، الأخبار الطوال ، ٣٧٥. ابن عبد ربه ، العقد الفريد ، ٢ / ١٧٩ ، ١٨٠.

(٥) عن التنظيم الاجتماعي للعرب في الكوفة ، انظر : الزبيدي ، الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة ، ٤٠ ـ ٥٤. ماسنيون ، خطط الكوفة ، ١٠ ، ١١.

١٦٩

والبصرة (١) في هذه الفترة.

أما في فترة دراستنا فقد سكن واسط جماعة من العباسيين (٢). كما سكنها جماعات من العلويين (٣). وتشير المصادر إلى وجود عدد من الأسر العربية بواسط (٤).

وعلى ما يبدو فإن نفوذ العرب كان قد ضعف بواسط في هذه الفترة فلم نعد نسمع أنه كان لهم دور واضح في الحوادث السياسية التي وقعت بواسط ومنطقتها طيلة العصر العباسي. ومن الممكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب منها :

١ ـ إن اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأخرى التي استوطنت هذه المدينة وتفاعل هذه العناصر بعضها مع البعض الآخر عن طريق التزاوج فيما بينها ، والتعاون في المجالات التجارية والصناعية والزراعية ، واختلاط عاداتهم وتقاليدهم أدى إلى إضعاف الروابط القبلية التي كانت قائمة بين العنصر العربي في السابق ، فنتج عن ذلك اختفاء الشعور بتفوق هذا العنصر على بقية العناصر الأخرى في هذه المدينة.

__________________

(١) عن التنظيم الاجتماعي للعرب في البصرة ، انظر : صالح أحمد العلي ، التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ، ٤٦ ـ ٦٢.

(٢) انظر : الفصل الثالث.

(٣) انظر : الفصل الثالث. وانظر أيضا : ابن طباطبا ، منتقلة الطالبية ، ٣٤١ ـ ٣٤٥. الحسيني ، بحر الأنساب (مخطوطة) ورقة ١ ، ١٠٨.

(٤) انظر : ابن طباطبا ، منتقلة الطالبية ، ٣٤١ ـ ٣٤٥. السمعاني ، الأنساب ، ١ / ٣٢٢ ، ٣ / ٣٠١ ، ٣٠٢. السلفي ، معجم السفر (مخطوطة) ورقة ١٤٣ أ ، ب ، ١٦٥ ب ، ١٩٣ أ ، ب ، ٢٢٩ أ. سؤالات السلفي ، ٤ ، ٤١ ، ٨٧. ابن الجوزي ، المنتظم ، ١٠ / ١٠١. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٥ ، ١٧٦ ، ٢١٨ ، ٢٦٢ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٥٤ ، ١٦٧ ، ورقة ١٤٢ ، ١٥٢ ، ١٦٠ ، ١٨٤ (كيمبرج). ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ورقة ٤ أ ، ب. المنذري ، التكملة ، ٢ / ٨٦ ، ٣ / ١١٦ ، ١٣٢ ، ٤ / ١٣٤ ، ١٣٥ ، ٦ / ٨٤ ، ٢٣٢. السيوطي ، طبقات المفسرين ، ٤٣. الداودي طبقات المفسرين ، ٢ / ٣٦٤.

١٧٠

٢ ـ إن الدين الإسلامي يدعو إلى الأخوة والمساواة بين المسلمين بصرف النظر عن أصلهم أو جنسهم ، فأدى ذلك إلى إيجاد روابط جديدة تربط بين معتنقيه ، مما أثر على نظرة الناس الاجتماعية في هذه المدينة ، وقد زخر المجتمع الواسطي بعدد من العلماء والقراء والمحدثين والفقهاء والزهاد والمتصوفة (١) الذين كانوا من مختلف العناصر ، وقد صار هؤلاء طبقة اجتماعية كان لها أثر كبير في الحياة الاجتماعية بواسط.

٣ ـ إن العرب في هذه الفترة كان قد ضعف شأنهم وفقدوا كثيرا من امتيازاتهم (٢) ، كما تسلط الأتراك والبويهيون والسلاجقة ، وأصبحوا هم أصحاب السيادة والنفوذ في العراق ، مما أدى إلى انصراف العرب إلى الاشتغال بالتجارة والمهن الحرة (٣) ، واشتغل بعضهم بالعلوم الدينية (٤) وتولى قسم منهم وظائف دينية كالقضاء (٥) والنقابة والخطابة (٦) وإمامة المساجد (٧).

__________________

(١) انظر : الفصل الخامس.

(٢) لقد اعتمد الخلفاء العباسيون على عناصر غير عربية ، وقد ازداد ذلك في عهد الخليفة المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ ه‍ / ٨٣٣ ـ ٨٤١ م) الذي استكثر من استخدام الأتراك في الجيش والإدارة. المسعودي ، مروج الذهب ، ٤ / ٥٣. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ١٠ / ٢٩٧. ثم أمر والي مصر بإسقاط العرب من ديوان الجند. المقريزي ، الخطط ، ١ / ٩٤. وربما أمر ولاة آخرون بإسقاطهم أيضا.

(٣) الدوري ، تاريخ العراق الاقتصادي ، ٣٣.

(٤) انظر مثلا : السلفي ، معجم السفر ، (مخطوطة) ورقة ١٤٣ أ ، ب ، ١٦٥ ب ٢٢٩ أ ، ب ، سؤالات السلفي ، ٤ / ٤١ ، ٨٧. ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ٢ ، ورقة ١٦٥ ، ١٧٦ ، ٢١٨ ، ٢٦٢ ، ج ٢ ، ق ١ ، ورقة ٥٤ ، ورقة ١٤٢ ، ١٨٤ (كيمبرج).

(٥) الخطيب ، تاريخ بغداد ، ٥ / ١١٨ ، ١٢ / ١٠٣. السلفي ، معجم السفر ، (مخطوطة) ورقة ١٦٥ ب ، ذيل (مخطوطة) ج ١ ، ق ١ ، ورقة ٩٥ ، ج ٦ ، ق ١ ، ورقة ١٦٧ ، ورقة ١٤٢ ، ١٥٢ (كيمبرج). ابن النجار ، التاريخ المجدد (مخطوطة) ج ١٠ ، م ٤ ، ورقة ٢١٤. ابن نقطة ، إكمال الإكمال (مخطوطة) ورقة ٢٢٥ ب. المنذري ، التكملة ، ٤ / ١٣٤ ، ١٣٥.

(٦) انظر : الفصل الثالث.

(٧) سؤالات السلفي ، ٤١.

١٧١

أما أماكنهم من المدينة فالراجح أنهم ظلوا في خططهم القديمة في الجانب الغربي من واسط.

ومن الجدير بالذكر هنا هو أن المصادر كانت قد أشارت إلى وجود عدد من القبائل العربية في العراق في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي وما بعده (١) إلا أننا لم نجد ما يشير إلى وجود قبائل عربية استوطنت منطقة واسط في هذه الفترة ، ولعل سبب ذلك هو أن نظام الأراضي في هذه المنطقة كان قائما على الإقطاع المدني والعسكري (٢).

فكانت هذه القبائل تتحاشى الاصطدام مع المقطعين في هذه المنطقة (٣).

ب ـ الفرس :

سكن الفرس بواسط منذ العصر الأموي (٤) ومن الممكن أن نرجع وجود هذا العنصر في هذه المدينة إلى عدة عوامل منها :

١ ـ الانتصارات العظيمة التي سجلتها الجيوش العربية الإسلامية في المشرق بعد بناء واسط سنة ٨١ ه‍ / ٧٠٠ م والتي أدت بمقاتلة هذه المدينة أن يغنموا عددا من الأسرى (٥).

__________________

(١) عن القبائل العربية في العراق في هذه الفترة انظر : الإصطخري ، مسالك الممالك ٢٢. ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ١٩٨ ، ٢٤٥ ، ١٠ / ٢٠٦ ، ٢٢٢ ، ٢٧٢. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ١٦٥ ، ١٧٠ ، ٢٣٥ ، ١٠ / ١٢ ، ٣٩٦ ، ٤٤٧ ، ٤٤٨ ، ٦١٠.

(٢) انظر : الفصل الثالث.

(٣) يذكر ابن الأثير أنه في سنة ٥١٦ ه‍ وجه أمير الحلة المزيدية دبيس بن صدقة جماعة من أصحابه إلى إقطاعهم بواسط فلما وصل هؤلاء منعهم أتراك واسط فأعد دبيس جيشا أسند قيادته إلى مهلهل بن أبي العسكر الكردي وأرسله إلى واسط ، فدارت بين الفريقين معركة انتهت بهزيمة قوات دبيس وأسر قائدهم مهلهل. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٦٠٠. انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٣٧.

(٤) عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ١٥٤.

(٥) عن المعارك التي خاضتها الجيوش العربية في المشرق في هذه الفترة ، انظر :

١٧٢

ومع أنه ليست لدينا أخبار واضحة عن هؤلاء الأسرى ولكن الراجح أنهم كانوا قد استخدموا للخدمة في بيوت المقاتلة أو العمل في الصناعة (١) والتجارة (٢) والزراعة (٣) في هذه المدينة.

ومن المحتمل أن كثيرا منهم كانوا يقطنون في خطط عشائرهم (٤) ، فهم من الناحية الإدارية والاجتماعية مرتبطون بالعشيرة كما كان عليه التنظيم الاجتماعي الذي كان قائما في البصرة (٥) ويظهر أن عددا من هؤلاء الأسرى كان قد أسلم وتعلم اللغة العربية فقد جاء ما يشير إلى وجود عدد من المحدثين بواسط كانوا من الموالي (٦).

__________________

فتوح البلدان ٤١٢ ـ ٤١٥ ، ٥١٤ ، ٥١٦ ، ٥١٧ ـ ٥١٩ ، ٥٢٥ ، ٥٣٤ ـ ٥٣٧. تاريخ خليفة بن خياط ، ١ / ٣٠٤ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٠٩ ، ٣١٠ ، ٣٢٠ ، ٣٥١ ، ٢ / ٣٤٩. الطبري ٦ / ٣٩٧ ، ٤٢٤ ، ٤٢٩ ـ ٤٣١ ، ٤٣٩ ـ ٤٤٢ ، ٤٤٥ ، ٤٤٧ ـ ٤٥٤ ، ٤٥٥ ، ٤٦٩ ، ٤٨٠ ، ٤٨٣ ، ٤٨٤ ، ٥٠٠ ، ٥٣٢ ـ ٥٤١ ، ٧ / ٧ ، ٨ ـ ١٠ ، ١١ ، ٢١ ، ٢٨ ، ٤٠ ، ٤١ ، ١٢٤ ، ١٣٥ ، ١٧٥ ـ ١٧٨ ، ١٩٢.

(١) لقد أشار بحشل إلى عدد من أصحاب الصنائع والحرف بواسط في العصر الأموي فمن المحتمل جدا أن معظمهم كان من الموالي وذلك لانصراف العرب آنذاك إلى القتال. انظر : فئة العمال في هذا الفصل.

(٢) يذكر بحشل أن قاسم بن أبي أيوب مولى بني أسد كان يبيع الطعام بواسط. تاريخ واسط ، ٨٦.

(٣) انظر : صفي الدين الحلي ، العاطل الحالي ، ١٣٤. الزبيدي ، تاج العروس ١٠ / ٤٠١.

(٤) كان يزيد بن عبد الرحمن بن أبي عاصم الدالاني ينزل في بني دالان بواسط.

بحشل ، تاريخ واسط ، ٩٨. انظر : خليفة بن خياط ، كتاب الطبقات ، ٢ / ٣٢٦.

(٥) انظر : صالح أحمد العلي ، التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة ، ٧٩.

(٦) بحشل ، تاريخ واسط ، ٤٧ ، ٦٨ ، ٧٤ ، ٧٧ ، ٨٤ ، ٨٦ ، ٩٢ ، ١٠١ ، ١٠٢ ، ١٠٦ ، ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٢٦ ، ١٢٧ ، ١٢٨ ، ١٥١ ، ١٥٢ ، ١٥٤ ، ١٥٨ ، ١٦٩ ، ١٧٢ ، ٢٤٦. ابن سعد ، الطبقات ، ج ٧ ، ق ٢ ، ٥٩ ـ ٦٣. خليفة بن خياط ، كتاب الطبقات ، ٢ / ٣٢٦ ، ٣٢٧. ابن حبان ، مشاهير علماء الأمصار ، ١٧٦ ـ ١٧٨. الخطيب ، تاريخ بغداد ، ١٢ / ٢٤٧ ، ١٣ / ٢٦٤ ، ٤٦٠. السمعاني ، الأنساب ، ٥٠٥ ب ، ٥٠٦ أ. ابن الجوزي ، صفة الصفوة ، ٣ / ١١ ـ ٢٠.

١٧٣

٢ ـ إن الفرس كانوا يعيشون في منطقة واسط قبل تمصرها فلا بد أن عددا منهم قد جذبتهم حياة المدينة فانتقلوا إليها واستقروا فيها ، وربما جاء بعضهم من الكوفة والبصرة وذلك للاستفادة من ظروف المدينة الجديدة التي أصبحت لها أهمية إدارية وسياسية واقتصادية منذ إنشائها ، بينما نجد أن هاتين المدينتين فقدتا مركزهما الإداري وتضاءلت أهميتهما منذ أن أنشئت مدينة واسط (١).

٣ ـ إن مدينة كسكر التي أصبحت فيما بعد تكون الجانب الشرقي من واسط (٢) هي مدينة فارسية قديمة كان يسكنها الفرس (٣).

وقد وردت آخر إشارة إلى الفرس بواسط عند اليعقوبي وهو من أهل القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي فقد ذكر أن سكان هذه المدينة في زمنه كانوا من العرب والعجم ومن كان من الدهاقين فمنزله في المدينة الشرقية (٤) ، ولا شك أن هؤلاء هم أحفاد الموالي بواسط ومن بقي بمدينة كسكر من الفرس ، ولا بد أنهم كونوا نسبة كبيرة من سكان الجانب الشرقي ، لأن كسكر مدينة فارسية قديمة كما ذكرنا. أما الموالي منهم فإن محلات سكناهم ظلت على الأكثر في الجانب الغربي مع خطط عشائرهم لكي يكونوا قريبين من الأسواق التي يزاولون فيها صناعاتهم وحرفهم.

أما في فترة دراستنا فإننا لم نجد أية معلومات عنهم وقد يرجع هذا إلى اندماجهم بالعناصر الأخرى وإلى طغيان أخبار الديلم والأتراك الذين استوطنوا هذه المدينة في هذه الفترة.

__________________

(١) انظر : عبد القادر المعاضيدي ، واسط في العصر الأموي ، ١٢.

(٢) انظر : الفصل الثاني.

(٣) e. i. i, vol. ٢, p. ٨٨٠ ـ ٨٠١. streck) m (., die altehand schaft ـ babylonien nachden arabischen geographen, p. ١٢٣, ٢٢٣.

ويذكر ياقوت أن المكان الذي اختاره الحجاج لبناء واسط كان يعود إلى أحد الدهاقين. معجم البلدان ، ٥ / ٣٤٨.

(٤) البلدان ، ٣٢٢. انظر : بحشل ، تاريخ واسط ، ٢٩.

١٧٤

لم نجد ما يشير إلى أنه كان للفرس دور سياسي بواسط أو منطقتها ، ولعل سبب ذلك يرجع إلى قلة عددهم من جهة ، وتسلط الأتراك والديلم والسلاجقة على واسط من جهة أخرى ، مما أدى إلى ضعف شأنهم.

أما معلوماتنا عن تأثير الفرس في المجتمع الواسطي فهي قليلة وغير واضحة ، بحيث لا تمكننا من تحديد أو توضيح دورهم بدقة ، إلا أننا نجد إشارات إلى بعض المظاهر الاجتماعية بواسط ذات تأثيرات فارسية ، وربما كانت من تأثير عناصر أخرى أيضا كمجالس الغناء (١) والشراب (٢) وعادة اللهو والمجون (٣) وحب الغلمان والتولع بهم (٤). كما نجد إشارات إلى ألبسة فارسية الأصل كالسراويل (٥) والقلانس (٦) والجوارب (٧)

__________________

(١) التنوخي ، نشوار المحاضرة ، ١ / ١٠١. يقول المسعودي : وكان الفرس والروم أولع الأمم بالملاهي والطرب وبعدها العرب. مروج الذهب ، ٤ / ٨٥.

والجدير بالذكر أنه تردد في المصادر ذكر بعض المغنيين والمغنيات بواسط.

انظر : ابن الزبير ، الذخائر والتحف ، ١٨٩ ـ ١٩١. ديوان ابن المعلم الواسطي (مخطوطة) ورقة ٨٠ الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٥. سجل البعثة العراقية لحفريات واسط : ج ٢ ، ٣٨ رقم التسلسل ٤٢٧ سنة ١٩٣٧ ، ج ٣ ، ٣٨ رقم التسلسل ٤٦ سنة ١٩٣٩ ، ج ٥ ، ٣٨ رقم التسلسل ٩٩ ، سنة ١٩٤١. وجاءت أسماء الآلات الموسيقية التي كانت مستعملة بواسط. انظر : الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٣ ، م ١ ، ١٠٦ ، ١٠٧ ، ج ٤ ، م ١ ، ٤١٧ ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩٥. سجل البعثة الذي تقدم.

ويذكر صفي الدين الحلي أن أول من غنى في «المواليا» هم الموالي الذين كانوا يشتغلون في الزراعة في منطقة واسط «فكانوا يغنون في رؤوس النخيل وعلى سقي المياه ويقولون في آخر كل صوت مع الترنم» يا مواليا «إشارة إلى سادتهم». العاطل الحالي والمرخص الغالي ، ١٣٤. انظر : الزبيدي ، تاج العروس ، ١٠ / ٤٠١.

(٢) انظر : الفصل الخامس (علوم العربية).

(٣) الفصل الخامس (علوم العربية).

(٤) الفصل الخامس (علوم العربية).

(٥) بحشل ، تاريخ واسط ، ١٨٥.

(٦) خريدة القصر ، ج ٤ ، م ١ ، ٣٥٢ ، ٤٠٨.

(٧) بحشل ، تاريخ واسط ، ٨٨ ، ١٧٩ ، ١٩٦ ، ٢٣٤ ، ٢٩٢. الخطيب ، تاريخ بغداد ، ١١ / ٣١٤.

١٧٥

وإشارات إلى لعبة النرد (١).

ولا بد أن سكان هذه المدينة كانوا يشاركون الفرس بالاحتفال بعيدي النوروز والمهرجان اللذين هما من الأعياد الفارسية كما كان عليه الحال في بغداد (٢).

ومن المعلوم أن الفرس كانوا قد تأثروا بالعرب فأخذوا منهم العلوم اللغوية ، والدينية.

ج ـ الأتراك :

سكن الأتراك مدينة واسط منذ تأسيسها ، فقد روى البلاذري أن عبيد الله بن زياد سبى خلقا من أهل بخارى ... فأسكنهم البصرة ، فلما بنى الحجاج مدينة واسط نقل كثيرا منهم إليها (٣). ويذكر الأصفهاني أن الحجاج أقطعهم سكة بواسط سميت باسمهم (٤) ولا بد أن هؤلاء كونوا لهم وحدة جنسية متميزة ، إلا أنه ليست لدينا أية معلومات عن تنظيماتهم الداخلية ، ولكن يبدو أن بعض هؤلاء أسندت إليهم حراسة الأمير بواسط ، فقد ذكر الطبري أنه بعد أن تم الصلح بين أبي جعفر المنصور ويزيد بن هبيرة الفزاري أمير واسط ، خرج يزيد إلى أبي جعفر في ألف وثلاثمائة من البخارية (٥).

أما في العصر العباسي (٦) فإن أقدم ما وصلنا عن إقامة الأتراك

__________________

(١) الأصبهاني ، خريدة القصر ، ج ٤ ، م ٢ ، ٤٩١. ابن الفرات ، تاريخ ، ج ١ ، م ٤ ، ١٩٠ ، ١٩١.

(٢) عن الاحتفال بعيدي النوروز والمهرجان ببغداد ، انظر : مليحة رحمة الله ، الحالة الاجتماعية في العراق ، ١٧.

(٣) فتوح البلدان ، ٤٦٣. انظر : الأصفهاني ، الأغاني ، ٢٢ / ٤٥٢.

(٤) الأغاني ، ٢٢ / ٤٥٢.

(٥) تاريخ الرسل والملوك ، ٧ / ٤٥٤. ويذكر البلاذري أن هؤلاء كانوا في زمنه في واسط. فتوح البلدان ، ٤٦٣.

(٦) كثر عدد الأتراك في العراق منذ عهد الخليفة المعتصم (٢١٨ ـ ٢٢٧ ه‍). مروج الذهب ، ٤ / ٥٣ ، النجوم الزاهرة ، ٢ / ٢٣٣.

١٧٦

بواسط ما قدمه مسكويه ، فقد ذكر أنه في سنة ٣٤٧ ه‍ / ٩٥٨ م (١) أعطى معز الدولة للجند الأتراك أراضي بمنطقة واسط ليأخذوا عطاءهم من واردها ، فاستأثروا بالوارد وأقاموا هناك وامتلكوا الأراضي عن طريق الإلجاء (٢) وغيره ، واشتغلوا بالتجارة «واستطالوا على العمال ، وحاموا على التجار ومن اعتصم بهم فضعفت أيدي العمال واستعبدوا الناس» ويضيف مسكويه المتوفى سنة ٤٢١ ه‍ / ١٠٣٠ م أن الإقطاع العسكري هذا استمر حتى زمانه وزاد عما كان عليه سابقا (٣).

ويذكر مسكويه أنه في سنة ٣٥٦ ه‍ / ٩٦٦ م أعطى بختيار للأتراك إقطاعات عسكرية في نواح مختلفة من العراق (٤) ، وبما أن منطقة واسط هي

__________________

(١) لقد وردت إشارات إلى وجود الأتراك بواسط قبل هذا التاريخ فقد ذكر الصولي أنه في سنة ٣٢٣ ه‍ عندما قتل الأتراك مرداويج صاحب بلاد الجبل ساروا إلى بغداد فكاتبوا الخليفة الراضي بالله فأذن لهم ودخلوا بغداد ، فكاتبهم ابن رائق وهو بواسط فجاؤوا إليه وجعل رئيسهم بجكم ، وأمره بمكاتبة من في الجبل من الأتراك والديلم فكاتبهم وجاء عدد كبير منهم إلى واسط فخلع عليهم ابن رائق وأغدق الأرزاق عليهم. الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٦٢. انظر : مسكويه ، تجارب الأمم ، ١ / ٣٣١ ٣٣٢. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٩٣. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٠٣. وفي سنة ٣٢٦ ه‍ أقام بجكم مع عسكره بواسط. مسكويه ، تجارب الأمم ، ١ / ٣٧٩. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٢٧. وعندما أصبح بجكم أميرا للأمراء سنة ٣٢٨ ه‍ أقام مع جنده بواسط. مسكويه ، تجارب الأمم ، ١ / ٤١٣. الهمداني ، تكملة ، ١ / ١١٦. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٦٢ وفي سنة ٣٢٩ ه‍ مضى وجوه الأتراك ببغداد إلى البريديين بواسط. الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٠٠. وفي سنة ٣٣٠ ه‍ مضى ألف من الأتراك البجكمية (نسبة إلى بجكم) إلى البريدي بواسط. المصدر السابق ، ٢٢٢ ، ٢٢٣. وفي سنة ٣٣٢ ه‍ انحدر صافي (غلام توزون) مع جماعة من الأتراك والديلم إلى واسط المصدر السابق ، ٢٤٥. ولكن الراجح أن هؤلاء كانوا يقيمون بواسط فترة من الزمن ثم ينتقلون إلى أماكن أخرى حسب حاجة الدولة والبريديين لهم.

(٢) الإلجاء : هو «أن يلجىء الضعيف ضيعة إلى قوي ليحامي عليها» الخوارزمي مفاتيح العلوم ، ٤١.

(٣) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ١٧٣ ـ ١٧٥.

(٤) ن. م ، ٢ / ٢٣٧.

١٧٧

منطقة زراعية فمن المحتمل جدا أن قسما من الأراضي الزراعية في هذه المنطقة أعطيت لهؤلاء.

ويبدو أن الأتراك صاروا يكونون عنصرا هاما من عناصر السكان بواسط ، كما أصبحوا يشكلون قسما مهما من جند واسط فقد تردد في المصادر وجود الأتراك في هذه المدينة في أزمنة مختلفة (١) وجاء في المصادر بعض الأخبار التي توضح نشاطهم السياسي في فترة دراستنا ، فقد ذكر ابن الأثير أنه عندما ضعف أمر الديلم ببغداد سنة ٤٠٨ ه‍ / ١٠١٧ م انحدروا إلى واسط للإقامة فيها ، فخرج إليهم أتراك واسط ودارت معركة بين الفريقين قتل فيها عدد من الأتراك (٢) ، وعندما حدث نزاع بين مشرف الدولة وسلطان الدولة سنة ٤١١ ه‍ / ١٠٢٠ م انضم أتراك واسط إلى مشرف الدولة (٣).

وفي سنة ٤٤١ ه‍ / ١٠٤٩ م اقطع الملك الرحيم نور الدولة دبيس بن مزيد أمير الحلة نهر الصلة ونهر الفضل بواسط وهما من إقطاع الأتراك الواسطيين. فلما علم الأتراك بذلك كتبوا إلى دبيس يحذرونه ويطلبون منه التخلي عنهما ، فأجابهم دبيس إلا أن الواسطيين لم يقتنعوا بجوابه وساروا إليه لقتاله فاشتبك الفريقان في معركة هزم فيها الواسطيون وقتل وأسر وجرح عدد كبير منهم وعادوا منسحبين إلى واسط (٤).

وعندما سار أمير البصرة في سنة ٤٩٥ ه‍ / ١١٠١ م على رأس جيشه للاستيلاء على واسط دافع الأتراك والعامة عن المدينة وقتلوا وأسروا عددا

__________________

(١) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٨ / ١٢٨ ، ٩ / ١٥٦ ، ١٠ / ٣٧٧. ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ١٣٣ ، ٣٧٤ ، ٤٠٨. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ٧ ، ١٠٦ (طبعة أنقرة).

(٢) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٣٠٤.

(٣) ن. م ، ٩ / ٣١٨.

(٤) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٥٥٧ ، ٥٥٨. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ١ ، ج ٢٠ ، ورقة ٧٠.

١٧٨

من جيشه مما أدى إلى فشله وعودته إلى البصرة (١). ويذكر ابن الأثير أنه في سنة ٥١٦ ه‍ / ١١٢٢ م أمر دبيس بن صدقة أمير الحلة جماعة من أصحابه بالمسير إلى إقطاعهم بواسط ، فلما وصل هؤلاء منعهم أتراك واسط ، فأرسل دبيس جيشا إلى واسط فدارت بين الفريقين معركة انتهت بهزيمة قوات دبيس وأسر قائدهم. وقد واصل أتراك واسط السير لمحاربة جيش مزيد والاستيلاء على ممتلكاته فأوقعوا بهم هزيمة أخرى عند «النعمانية» واستولوا عليها وأقاموا بها (٢).

وإلى جانب ما ذكرنا فقد جاء في المصادر ذكر لأحداث سياسية أخرى شارك فيها جند واسط ، فمن المرجح أن الأتراك شاركوا فيها لأنهم كانوا يشكلون قسما مهما من جند واسط كما ذكرنا (٣).

وهكذا يتضح أن الأتراك كانوا من ملاك الأراضي في منطقة واسط ، وأنهم اشتغلوا في التجارة ، وساهموا في الفتن والأحداث السياسية التي قامت في هذه المنطقة. لأنهم كانوا يشكلون قسما مهما من جند واسط (٤).

__________________

(١) ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ١٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠.

(٢) ن. م ، ١٠ / ٦٠٠. انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٣٧. العيني ، عقد الجمان (مخطوطة) ق ٤ ، ج ٢٠ ، ورقة ٨٠٨.

(٣) انظر : ابن الجوزي ، المنتظم ، ٩ / ٢٠٤ ، ١٠ / ٣٠ ، ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٩ / ٤٥٣ ، ٤٥٤ ، ٥١٧ ، ١٠ / ٣٣٠ ، ٣٣١ ، ٣٥٧ ، ٦٠٩ ، ٦٧٩ ، ١١ / ٤١ ، ٧٨ ، ١٢٢ ، ١٣٣ ، ٢١٢ ، ٣٢٣. التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية ، ٥٢. البنداري ، دولة آل سلجوق ، ٢٠٢.

(٤) مما شجع على استخدام الأتراك في الجيش هي شجاعتهم ، فقد قال عنهم الجاحظ : التركي يرمي الوحش والطير والبرجاس والناس. ويشير إلى حذقهم في الرماية بقوله : للتركي أربعة أعين ، عينان في وجهه ، وعينان في قفاه. مناقب الترك ، ٤٥ ، ٤٨ ، ٤٩ ، انظر أيضا : ابن حسول ، تفصيل الأتراك ، ٤٥. ويقول بن حسول مشيرا إلى شجاعتهم وطموحهم ، وليس يرضي التركي إذا خرج من وثاقه إلا بزعامة جيش أو التوسم بحجية أو الرئاسة على فرقة ، والأمر والنهي على عصبته وهذه حالهم في كل مكان. تفصيل الأتراك ، ٤٢.

١٧٩

أما تأثيرهم في المجتمع الواسطي فإننا لم نجد أية إشارة لذلك.

د ـ الديلم (١) :

إن أقدم ما وصلنا عن الديلم بواسط ما قدمه مسكويه ، فقد ذكر أنه في سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٥ م (٢) شغب الديلم على معز الدولة فأقطعهم الأراضي السلطانية (٣) وأراض أخرى في السواد (٤). وقد استحوذ قسم من هؤلاء على أراضي أخرى في منطقة واسط عن طريق الإلجاء وأقاموا

__________________

(١) تشمل بلاد الديلم المنطقة التي تقع بين طبرستان والجبال وجيلان وبحر الخرز ، وقسم من أذربيجان وبلاد الران. الإصطخري ، المسالك والممالك ، ١٢١. المقدسي ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ٣٥٣.

(٢) لقد وردت إشارات إلى وجود الديلم بواسط قبل هذا التاريخ فقد ذكر الصولي أنه في سنة ٣٢٣ ه‍ أمر ابن رائق بجكم بمكاتبة من في الجبل من الأتراك والديلم فكاتبهم وجاء عدد كبير منهم إلى واسط وأغدق الأرزاق عليهم. أخبار الراضي بالله ، ٦٢. انظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٣٠٣. ويذكر مسكويه أنه في سنة ٣٢٦ ه‍ انحدر الديلم إلى واسط لا حقين ببجكم. تجارب الأمم ، ١ / ٤٠٣ ، ٤٠٤. ويذكر الصولي أنه في سنة ٣٣٠ ه‍ أمر أبو الحسين البريدي الديلم بالمسير إلى أخيه بواسط ، فسار أكثر رؤسائهم إلى واسط ، وفي سنة ٣٣٠ ه‍ أراد قسم من الديلم قتل سيف الدولة الحمداني بواسط إلا أنه استطاع أن يقبض عليهم ويرسلهم إلى بغداد. وفي سنة ٣٣١ ه‍ اتهم سيف الدولة جماعة من الديلم بواسط وأرسلهم إلى بغداد. وفي سنة ٣٣٢ ه‍ انحدر صافي في جماعة من الديلم من بغداد إلى واسط. الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ٢٢٦ ، ٢٢٩ ، ٢٣٨ ٢٤٥. غير أن هذه المصادر لا تشير إلى استقرارهم بواسط. والراجح أن مدة إقامة هؤلاء بواسط كانت بقدر ما يتعلق الأمر بواجباتهم العسكرية.

(٣) الأراضي السلطانية : وهي الأراضي التي صادرها العباسيون من الأمويين. قدامة ، الخراج ، ٢٤١. الجهشياري ، الوزراء ، ٩٠. أما عن الأراضي السلطانية بواسط ، انظر : الصولي ، أخبار الراضي بالله ، ١٤٥. قدامة ، الخراج ، ٢٤١. الصابي ، الوزراء ، ١٥٠ ، ١٥١. الهمداني ، تكملة ، ١ / ٣٣. معجم البلدان ، ٥ / ٢٤٥ ، ٣١٧ ، ٣٢١. سبط ابن الجوزي ، مرآة الزمان ، ٨٧ ، ٢٠٠ (طبعة أنقرة). جرجي زيدان ، تاريخ التمدن الإسلامي ، ٢ / ١١١ ، ١١٥.

(٤) مسكويه ، تجارب الأمم ، ٢ / ٩٦ ـ ١٠٠. انظر : ابن الأثير ، الكامل في التاريخ ، ٨ / ٤٥٦.

١٨٠