واسط في العصر العباسي

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي

واسط في العصر العباسي

المؤلف:

د. عبد القادر سلمان المعاضيدي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٥٦

١
٢

٣
٤

الإهداء

إلى زوجتي الفاضلة أم أوس التي كانت رفيقة الدرب في أثناء دراستي الماجستير والدكتوراه ، وضحّت بالكثير من أجل حصولي على العلم.

المؤلف

٥
٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

نطاق البحث وتحليل المصادر

المقدمة :

أ ـ نطاق البحث

: لقد تطلبت حركات التحرير والفتح العربية الإسلامية إنشاء مدن يتخذها العرب قواعد عسكرية يقومون منها بحملاتهم العسكرية وفتوحاتهم ، ثم أصبحت هذه المدن فيما بعد مراكز إدارية رئيسة للأقاليم ، وقد سكنتها القبائل العربية منذ إنشائها ، فأصبح تنظيمها الاجتماعي يقوم على أساس النظام القبلي.

إن وجود الأمراء وكبار الموظفين والأغنياء في هذه المدن ، وتوزيع العطاء على مقاتلتها أدى إلى ارتفاع القوة الشرائية لعدد كبير من سكانها ، وارتفاع مستوى معيشتهم ، مما أدى إلى زيادة طلبهم على المواد الاستهلاكية الضرورية منها والكمالية ، فشجع ذلك عددا من الناس على الاشتغال بالتجارة والصناعة لسد حاجة هؤلاء. كما أن الموقع التجاري لبعض هذه المدن ، وتشجيع الدولة للتجارة ، وخصوبة الأراضي الزراعية المحيطة بها ، كل ذلك أدى لأن تصبح هذه المدن مراكز هامة للحياة الاقتصادية ، وقد جذبت حياة المدن عددا كبيرا من الناس من مختلف

٧

العناصر ، اختلطوا بالسكان الأصليين وساهموا في الحياة الاقتصادية في هذه المدن مما أدى إلى ضعف التمييز الاجتماعي الذي كان قائما على العنصر ، وأصبحت الثروة من الأسس الرئيسة التي تحدد مركز الشخص الاجتماعي ، كما أصبحت هذه المدن مراكز للعلم والثقافة ، فقد ظهر فيها عدد من العلماء والقراء والمحدثين والفقهاء والأدباء والشعراء.

وإضافة إلى ما تقدم فإن هذه المدن كانت قد لعبت دورا هاما بسبب وجود مراكز القوى السياسية فيها ومن ورائهم المقاتلة ، القوة الضاربة والفعالة في الأحداث. ومن هذا المنطلق فإن التاريخ العربي هو في حقيقته تاريخ المدن (١).

ومن جانبنا فقد بحثنا إحدى هذه المدن وهي مدينة واسط في مرحلة الماجستير وكان بحثنا آنذاك محاولة لدراسة الأحوال والتطورات الإدارية والاقتصادية في هذه المدينة منذ إنشائها سنة ٨١ ه‍ / ٧٠٠ م حتى نهاية الحكم الأموي سنة ١٣٢ ه‍ / ٧٤٩ م. ومن خلال دراستنا لها واطّلاعنا على أخبارها تأكد لنا أن الحياة في هذه المدينة كانت قد تطورت وتبدلت من جرّاء تبدل الأحوال السياسية ، والاجتماعية والاقتصادية للدولة العربية الإسلامية في الفترة ما بين ٣٢٤ ه‍ ـ ٦٥٦ ه‍ / ٩٥٣ ـ ١٢٥٨ م ، فقد حدث بواسط ومنطقتها في هذه الفترة تطورات خطيرة ، فالتقسيمات الإدارية للعراق كانت قد ألغيت في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ، وحلت محلها تقسيمات إدارية جديدة أعارت أهمية كبيرة للمراكز الحضارية العربية الإسلامية ، فأصبحت واسط إحدى ولايات العراق ، وقد احتفظت بأهميتها الإدارية طيلة هذه الفترة ، حيث كانت تشرف على إدارة منطقة واسعة تضم عددا من المدن والقرى. وقد ساعد موقعها الجغرافي على المشاركة الفعالة في معظم الأحداث السياسية المهمة التي حدثت في

__________________

(١) انظر : صالح أحمد العلي : التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة : ١٧.

٨

العراق طيلة العصور العباسية المتأخرة ، واتسعت المدينة على جانبي دجلة اتساعا كبيرا ، وظلت محتفظة بازدهار العمران فيها واتساع رقعتها طيلة هذه الفترة ، وقد حدث فيها تطور في الحياة الاجتماعية ، كما أصبحت أحد المراكز الثقافية المهمة في العالم الإسلامي. وبما أن واسط لم تحظ بعناية المؤرخين المحدثين رأينا أن نستكمل دراستنا لها لكي تتضح لدى القارىء العربي عموما والمؤرخ المختصّ خاصة صورة كاملة عنها في عصورها العربية الإسلامية المختلفة.

لقد واجهتنا في هذه الدراسة صعوبات : فالمادة التي جاءت عن واسط مبعثرة ومشتتة وناقصة ، ومن أهم أسباب ذلك هو أن الكتب التي ألفت عنها لم يصل إلينا منها سوى كتاب واحد وهو متقدم على فترة دراستنا. ثم إن المعلومات عن واسط جاءت إلينا من مؤرخي وجغرافيي العصر العباسي وهؤلاء تجنبوا ذكر المعالم والمنجزات الأموية في هذه المدينة. وهناك صعوبة ثانية ناجمة عن عدم إجراء تنقيبات واسعة في هذه المدينة ، فالكشف عن آثارها يساعدنا كثيرا في معرفة جوانب الحياة المختلفة فيها ، ويسد النقص الموجود فيما كتبه المؤلفون عنها ، ولكننا استطعنا التغلب على هذه الصعوبات بعد أن رجعنا إلى مصادر كثيرة ومتنوعة فجمعنا منها النصوص التي تتعلق بواسط ، وقمنا بتنظيمها وتحليلها ومقارنتها فاستخلصنا منها صورة للحياة فيها. أما النقاط التي ظلت غامضة ومبهمة فقد استعنّا لتوضيحها بالمعلومات المتوفرة عن المدن الأخرى ، خاصة الكوفة ، والبصرة ، وبغداد قدر الإمكان دون تحميل النصوص ما لا تحتمل.

لقد جعلنا هذا البحث في خمسة فصول ، تناول الفصل الأول الحياة السياسية بواسط في العصور العباسية المتأخرة ، وقد تتبعنا في هذا الفصل مشاركة واسط في الأحداث السياسية التي وقعت في العراق خلال فترة البحث ثم بينّا الدور الذي لعبه ولاة هذه المدينة في تلك الأحداث. ومع أن هذا الفصل هو تمهيد لموضوع الدراسة إلا أن طول الفترة التي تناولتها

٩

الدراسة والتي تزيد على ثلاثة قرون ، ومشاركة واسط في الأحداث السياسية أدت إلى سعة هذا الفصل.

أما الفصل الثاني فقد خصص لدراسة تخطيط مدينة واسط وتطورها العمراني وقد تناولنا بالبحث أقسام المدينة فتحدثنا عن المحلات ، والشوارع والأسواق والسور ، كذلك تحدثنا عن المنشآت الدينية ودار الإمارة وقد حددنا مواقع هذه الأقسام من المدينة اعتمادا على الإشارات القليلة التي جاءت في المصادر.

أما ما يتعلق بالتطور العمراني بواسط فقد بينا أن هذه المدينة في هذه الفترة كانت قد اتحدت مع مدينة كسكر وأصبحتا مدينة واحدة أطلق عليها اسم واسط ، واتسعت على جانبي دجلة اتساعا كبيرا ، وأنها ظلت محتفظة بازدهارها العمراني طيلة فترة البحث.

ويتناول الفصل الثالث إدارة ولاية واسط ، ويبدأ هذا الفصل بتحديد الولاية ، ثم ينتقل إلى معالجة التقسيم الإداري في الولاية ، وقد بينا أن العرب لم يتبعوا التقسيمات الإدارية الساسانية القديمة في إدارتهم للقسم الجنوبي من العراق ، وإنما ألغوا هذه التقسيمات وأحلوا محلها تقسيمات إدارية جديدة أصبحت بموجبها واسط مركزا لإدارة منطقة واسعة كانت مقسمة إلى خمس مناطق إدارية يطلق عليها «أعمال» تضم كل منطقة منها مجموعة من المدن والقرى. وتضمّن هذا الفصل أيضا علاقة واسط بالسلطة المركزية ببغداد. كما تضمّن الوظائف الإدارية في هذه الولاية ، وقد تحدثنا عن طبيعة هذه الوظائف وصلاحيات وأعمال الموظفين الإداريين ، وكذلك تحدثنا عن وظيفة القضاء والحسبة ، والنقابة واختصاصات كل منها ، وقد ثبتنا ملحقا يشمل قائمة بأسماء هؤلاء الموظفين.

ويبحث الفصل الرابع في الحياة الاجتماعية بواسط ، وقد تحدثنا فيه عن عناصر السكان وأثرهم في الحياة الاجتماعية والسياسية ، كذلك تحدثنا عن الطوائف الدينية والعلاقات بينهم ، وبينّا دور الأجانب في قيام الفتن

١٠

المذهبية في هذه المدينة ، وتناول هذا الفصل كذلك التنظيم الاجتماعي بواسط ، وقد وجدنا أن المجتمع في هذه المدينة كان يتألف من ثلاث طبقات هي : طبقة الخاصة ، والطبقة المتوسطة ، وطبقة العامة ، وقد تحدثنا عن الفئات التي كانت تضمها كل طبقة وأثرهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذه المدينة.

وتناول الفصل الخامس الحياة الفكرية بواسط بالتفصيل ، فدرسنا المؤسسات التعليمية التي ظهرت في هذه المدينة ، ووضحنا دور كل مؤسسة في الحياة الفكرية كذلك درسنا العلوم الدينية ، وعلوم العربية ، والعلوم التأريخية والجغرافية ، والعلوم العقلية ، وأشرنا إلى العلماء الذين برزوا في هذه العلوم ومؤلفاتهم. واستكمالا لهذا الفصل فقد تناولنا بالبحث الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، كما درسنا أشهر البيوتات العلمية التي ظهرت بواسط في هذه الفترة.

ب ـ تحليل المصادر :

قبل ذكرنا للمصادر التي اعتمدناها في هذا البحث لا بد من الإشارة إلى أن واسط كانت قد استرعت اهتمام غير واحد من المؤرخين القدامى فأفردوا لتأريخها مؤلفات خاصة بها وقفت على ذكرها فيما بين أيدينا من مراجع وهي «تاريخ واسط» لأسلم بن سهل الرزاز الواسطي المعروف ببحشل (ت ٢٩٢ ه‍ / ٩٠٤ م) و «التأريخ المجدد التالي لتأريخ بحشل» لأبي الحسن علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجلابي الواسطي المعروف بابن المغازلي (ت ٤٨٣ ه‍ / ١٠٩٠ م) و «تأريخ واسط» لأبي عبد الله محمد بن سعيد ابن يحيى الواسطي المعروف بابن الدبيثي (ت ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) و «عجائب واسط» لابن المهذب (ت قبل سنة ٦٧٤ ه‍ / ١٢٧٥ م) و «تأريخ واسط» للسيد جعفر بن محمد بن الحسن المعروف بالجعفري (لم نقف على سنة وفاته) إلا أن هذه الكتب مفقودة عدا كتاب بحشل وهو متقدم على فترة دراستنا. فكان علينا عند جمعنا لأخبار هذه المدينة أن نرجع إلى مصادر عديدة ومتنوعة

١١

لنكوّن صورة واضحة عن الحياة فيها وهذه المصادر هي : المصادر التأريخية والتراجم والجغرافية والأدبية والفقهية ، ومعظم هذه المصادر تمتاز بمعاصرتها للفترة التي تناولتها هذه الدراسة أو قريبة منها. وسوف نتكلم في هذه المقدمة على الكتب التي كانت ذات قيمة أساسية بالنسبة لهذه الدراسة.

المصادر التأريخية :

يعتبر كتاب «تجارب الأمم» لمسكويه (ت ٤٢١ ه‍ / ١٠٣٠ م) في مقدمة الكتب التي اعتمدناها في الكتابة عن مشاركة واسط في الأحداث السياسية في الفترة ما بين ٣٢٤ ـ ٣٦٩ ه‍ / ٩٣٥ ـ ٩٧٩ م فقد قدم لنا معلومات وافية من تطلع البريديين إلى واسط واستيلائهم عليها مرات عديدة والصراع الذي دار بينهم وبين السلطة المركزية ببغداد على هذه المدينة ، وإقامة بعض أمراء الأمراء بواسط ، كما تحدث عن استيلاء البويهيين على واسط ، والصراع الذي حدث بينهم وبين الخلافة على هذه المدينة. كما قدم لنا معلومات واسعة عن تمرد عمران بن شاهين في منطقة واسط واتخاذ هذه المدينة قاعدة لإدارة العمليات العسكرية ضد هذا التمرد ، وتعرض إلى النزاع الذي حدث بين أبناء البيت البويهي على السلطة ، والدور الذي لعبه ولاة واسط في هذه النزاع واستيلادء الأمراء المتنازعين على هذه المدينة مرات عديدة ، وإقامة بعضهم فيها واتخاذها قاعدة لإدارة العمليات العسكرية ضد بغداد والمشرق. أما في دراسة الحياة الاجتماعية بواسط فقد انفرد هذا المصدر في التحدث عن إقامة الديلم والأتراك في إقطاعاتهم بمنطقة واسط ، ووصف لنا حالة الفلاحين والزراع في ظل النظام الإقطاعي ، ولا نجد ذكرا لهذه المعلومات في كتب التأريخ المعاصرة الأخرى. كما زودنا بمعلومات ألقت الضوء على التنظيمات الإدارية بواسط. أما كتاب «ذيل تجارب الأمم» لأبي شجاع (ت ٤٨٨ ه‍ / ١٠٩٥ م) فهو يحتوي على أحداث عشرين سنة ابتداء من سنة ٣٦٩ ه‍ حتى سنة ٣٨٩ ه‍ / ٩٧٩ ـ ٩٩٨ م وتليه قطعة من

١٢

تأريخ هلال الصابي إلى ٣٩٣ ه‍ / ١٠٠٢ م وقد رجعنا إليه في دراسة مشاركة واسط في الأحداث السياسية خلال هذه الفترة ، وقد انفرد بذكر الدور الذي لعبه والي واسط أبو علي التميمي في النزاع الذي حدث بين أبناء البيت البويهي سنة ٣٧٦ ه‍ / ٩٨٦ م.

ويعد كتاب «أخبار الراضي بالله والمتقي لله» لأبي بكر الصولي (ت ٣٣٥ ه‍ / ٩٤٦ م) والذي هو جزء من كتابه «الأوراق» من المصادر المهمة التي رجعنا إليها في دراسة الفترة ما بين ٣٢٤ ـ ٣٣٣ ه‍ / ٩٣٥ ـ ٩٤٤ م ، فقد أمدّنا بأخبار عن استيلاء البريديين على واسط ، والنزاع الذي قام بينهم وبين السلطة المركزية ببغداد حول هذه المدينة ، وإقامة أمير الأمراء بجكم بواسط واتخاذها قاعدة لحكمه ، واستيلاء سيف الدولة الحمداني على واسط وإقامته بها كما قدم لنا معلومات عن الحياة الاجتماعية والإدارية بواسط. ومع أن مسكويه وابن الأثير تناولا بالكتابة الفترة نفسها إلا أن الصولي يمتاز عليهما بأنه كان معاصرا لهذه الفترة وشاهد عيان للأحداث من جهة وأنه جاء بمعلومات فريدة عن واسط من جهة أخرى ، فهو يذكر مثلا أن النزاع الذي حدث بين توزون وسيف الدولة بواسط كان بتحريض من الخليفة المتقي بالله لأنه أراد أن يتخلص من الحمدانيين. ومما يؤخذ على الصولي أنه لم يدون بعض الأخبار المهمة عن واسط في هذه الفترة مثل استيلاء البويهيين على واسط سنة ٣٢٨ ـ ٣٣٣ ه‍ / ٩٣٩ ـ ٩٤٤ م.

ومن المصادر المهمة التي اعتمدناها في هذا البحث كتاب «المنتظم في تاريخ الأمم والملوك» لابن الجوزي (ت ٥٩٧ ه‍ / ١٢٠٠ م) وقد دون الأحداث على السنين ، وهو ينتهي بنهاية سنة ٥٧٤ ه‍ / ١١٧٨ م. وقد قدم لنا معلومات عن مشاركة واسط في الأحداث السياسية خلال هذه الفترة ، وعلى الرغم من أن معلوماته هذه مختصرة إلا أنها مهمة لأنه كان معاصرا لفترة البحث وأقام فترة بواسط.

١٣

وقدم لنا هذا المصدر كذلك معلومات مهمة تتعلق بالحياة الاجتماعية والفكرية والتنظيمات الإدارية بواسط.

ولابن الأثير (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) أهمية خاصة في دراسة هذه المدينة فكتابه «الكامل في التاريخ» من المصادر الأساسية التي رجعنا إليها ، على الرغم من أنه استقى معلوماته من مسكويه وابن الجوزي ، وترجع أهمية هذا المصدر إلى أنه يستمر في رواية الأحداث إلى سنة ٦٢٨ ه‍ / ١٢٣٠ م. وقد أورد معلومات واسعة ووافية ودقيقة عن مشاركة واسط بالأحداث السياسية من سنة ٣٢٤ ـ ٥٦٢ ه‍ / ٩٣٥ ـ ١١٦٦ م ودور ولاتها في هذه الأحداث. وقد أفدنا من ابن الأثير بشكل أساسي في دراسة خروج والي واسط ابن فسانجس على طاعة الخليفة العباسي القائم بأمر الله ، وإقامة البساسيري بواسط واتخاذها قاعدة لحكمه. وفي دراسة العلاقة بين واسط وكل من الإمارة المزيدية بالحلة والبصرة والأحواز. كما قدم لنا معلومات واسعة عن دور ولاة واسط في الصراع الذي حدث بين السلاجقة والخلفاء العباسيين. والجدير بالذكر أن رواياته عن علاقة واسط بالقوى المجاورة لها لا نجد لها ذكرا في كتب التاريخ المعاصرة الأخرى. وقدم لنا هذا المصدر كذلك معلومات مفيدة تتعلق بالحياة الاجتماعية والفكرية والتنظيمات الإدارية بواسط.

أما كتاب «العيون والحدائق» للمؤلف المجهول ، فقد رجعنا إليه في دراسة مشاركة واسط في الأحداث السياسية من سنة ٣٢٤ ـ ٣٥١ ه‍ / ٩٣٥ ـ ٩٦٢ م. وعلى الرغم من أن المؤلف تناول الفترة نفسها التي كان قد تناولها مؤرخون آخرون لكن الظاهر أن هذا المؤلف كان قد استمد معلوماته من مصادر تختلف عن مصادر غيره من المؤرخين ، فقد قدم لنا عن واسط معلومات تاريخية جديدة لم ترد في غيره من المصادر التي تبحث في هذه الفترة. ومثال ذلك ما ذكره عن احتلال واسط من قبل أحمد ابن بويه ، وإقامته بها سنة ٣٣٤ ه‍ / ٩٤٥ م. ويذكر هذا المصدر أن عمران

١٤

ابن شاهين كان من قبيلة سليم العربية ، فألقى بذلك الضوء على طبيعة التمرد الذي قام به في منطقة واسط.

وقدمت لنا مخطوطة «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» لبدر الدين العيني (ت ٨٥٥ ه‍ / ١٤٥١ م) وهي مرتبة حسب السنين ، ومحفوظة بدار الكتب المصرية أخبارا مفصلة عن مشاركة واسط في الأحداث السياسية طيلة العصور العباسية المتأخرة ، والدور الذي لعبه ولاتها في تلك الأحداث ، وعلى الرغم من أن المؤلف نقل معلوماته عن واسط من مؤرخين عديدين منهم : ابن الجوزي وابن الأثير وسبط ابن الجوزي وابن خلكان وابن كثير ، غير أن معلوماته ساعدتنا على مقارنة وتدقيق المادة التاريخية التي جاءت في المصادر التي نقل عنها. وتظهر أهمية هذا المصدر للبحث ليس فقط فيما يقدمه من معلومات مفيدة تتعلق بالأحداث السياسية ، بل كذلك فيما قدم لنا من معلومات مفيدة تتعلق بالحياة الاجتماعية والتنظيمات الإدارية والخطط في هذه المدينة.

ومن المصادر التي أفدنا منها كتاب «الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير» لابن الساعي (ت ٦٧٤ ه‍ / ١٢٧٥ م) وهو كتاب كبير مرتب على السنوات إلا أنه لم يصل إلينا منه غير الجزء التاسع وهو يحتوي على حوادث اثنتي عشرة سنة ابتداء من سنة ٥٩٥ ه‍ حتى سنة ٦٠٦ ه‍ / ١١٩٨ ـ ١٢٠٩ م وقد رجعنا إليه في دراسة الحياة الفكرية والتنظيمات الإدارية بواسط.

التراجم :

لعل مخطوطة «ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد» لابن الدبيثي (ت ٦٣٧ ه‍ / ١٢٣٩ م) تأتي في مقدمة المصادر التي اعتمدناها في هذا البحث ، فالمعلومات الموجودة فيما يتعلق بواسط في هذه المخطوطة مهمة جدا ودقيقة ، وذلك لأن المؤلف من أبناء هذه المدينة ، وهو معاصر لفترة

١٥

البحث ، وألف كتابا كبيرا لتاريخ واسط ـ كما أشرنا سابقا ـ فلا بد أنه كان مطلعا على أخبار واسط اطلاعا كافيا. لقد رجعنا إلى هذا المصدر في دراسة المؤسسات التعليمية ، وكذلك في دراسة العلوم الدينية والتاريخية والعقلية ، والصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، وأشهر البيوتات العلمية في هذه المدينة ، وقد قدم لنا معلومات واسعة في هذا الجانب ، كما قدم لنا معلومات مهمة عن التنظيمات الإدارية وتخطيط المدينة. والجدير بالذكر أن البعض من معلوماته كان فريدا لم ترد في غيره من المصادر التي اعتمدناها في هذا البحث مثل ذكره لبعض المؤسسات التعليمية.

أما كتاب «سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط» للسلفي (ت ٥٧٦ ه‍ / ١١٨٠ م) فقد رجعنا إليه في دراسة المؤسسات التعليمية والعلوم الدينية وعلوم العربية وكذلك في دراسة الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، وأشهر البيوتات العلمية ، كما قدم لنا معلومات مفيدة عن الإدارة والحياة الاجتماعية وتخطيط المدينة ، وترجع أهمية هذا المصدر في أنه قدم لنا معلومات واسعة ودقيقة ، لأن مؤلفه قدم واسط بعد سنة ٥٠٠ ه‍ / ١١٠٦ م وأقام فيها مدة وسأل أحد كبار علمائها وهو الحافظ خميس الحوزي عن رجال من أهل واسط بلغ عددهم (١٢٦) رجلا عدا من ورد ذكرهم في ثنايا تراجم هؤلاء الرجال ، وقد انفرد بذكر أخبار بعض القراء والمحدثين والفقهاء من أبناء هذه المدينة وكذلك في النشاط العلمي لمساجد المحلات.

كذلك رجعنا إلى كتاب «معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار» للذهبي (ت ٧٤٨ ه‍ / ١٣٤٧ م) في دراسة القراء بواسط ، والقراءات التي اعتمدوها والكتب التي صنفوها في علم القراءات ، وزودونا بمعلومات مفيدة عن المحدثين وعن الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، ومع أن المؤلف نقل معلوماته عن واسط من السمعاني والسلفي وابن نقطة

١٦

وابن الدبيثي وابن النجار. إلا أن أهمية هذا المصدر ترجع إلى أنه أمدّنا بمعلومات نكاد لا نجدها في سواه من المصادر ، فقد انفرد بذكر القراءات التي اعتمدها القراء بواسط ، وبعض الكتب التي صنفت في علم القراءات ، كما حفظ لنا الأخبار التي لم تصل إلينا من الأجزاء التي فقدت من كتاب ابن الدبيثي وابن النجار.

ومن المصادر التي اعتمدناها في هذه الدراسة مخطوطة «إكمال الإكمال» لابن نقطة (ت ٦٢٩ ه‍ / ١٢٣١ م) وهي محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني بلندن ، ولها نسخة مصورة عن مخطوطة لندن محفوظة في المكتبة المركزية بجامعة بغداد. وهي في تراجم العلماء والقراء والمحدثين والفقهاء والأدباء ، مرتبة على حروف المعجم ، وتحوي تراجم لعدد من رجال واسط ، والمخطوطة ذات فائدة كبيرة حيث أمدتنا بمعلومات قيمة عن العلوم الدينية بواسط وعن الصلات العلمية بينها وبين العالم الإسلامي ، وأشهر البيوتات العلمية. ومما يزيد في قيمة المعلومات التي أوردها ابن نقطة هو أن هذا المؤرخ كان قد زار واسطا مرتين والتقى كبار المحدثين فيها وسمع الحديث وكتبه ورواه عن عدد منهم. أما كتابه الآخر «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» فهو مخطوطة محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني بلندن ، وهي في تراجم المحدثين مرتبة على حروف المعجم وتحوي تراجم لعدد من كبار المحدثين بواسط ، وقد زودتنا بمعلومات مفيدة عن علم الحديث ، وأشهر البيوتات العلمية بواسط. والصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي.

ورجعنا أيضا إلى كتاب «التكملة لوفيات النقلة» للمنذري (ت ٦٥٦ ه‍ / ١٢٥٨ م) وهو مرتب على سني الوفاة ، يبدأ بوفيات سنة ٥٨٢ ه‍ / ١١٨٦ م وينتهي بوفيات سنة ٦٤٢ ه‍ / ١٢٤٤ م ويورد هذا الكتاب مجموعة من التراجم لعلماء وقراء ومحدّثين وفقهاء من أهل واسط. وعلى الرغم من أن المعلومات التي قدمها عن هذه المدينة هي مختصرة وأنه نقلها من مخطوطة

١٧

«ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد» لابن الدبيثي وكتب أخرى دون أن يشير إلى ذلك (١) ، إلا أن أهمية هذا الكتاب ترجع إلى أن مؤلفه كان ثقة وأنه حفظ لنا المعلومات التي لم تصل إلينا من الجزء الذي فقد من كتاب ابن الدبيثي ، كما قدم لنا معلومات لم نجدها عند ابن الدبيثي لأنه متأخر عنه ، وأفادنا كذلك في مقارنة وتدقيق الأخبار التي جاءت عند ابن الدبيثي والمصادر الأخرى التي تناولت الفترة نفسها وهذا الكتاب قدم لنا معلومات قيمة عن العلوم الدينية ، والعلوم العقلية وعن الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، وأشهر البيوتات العلمية بواسط.

المصادر الأدبية :

لا يمكن الاستغناء عن كتب الأدب العربي في كتابة التأريخ لأن هذه الكتب تقدم لنا مادة جيدة عن الأحوال الاجتماعية ، والاقتصادية ، والإدارية والفكرية ، كما نجد فيها الكثير من الحقائق التأريخية التي أهملتها المصادر الأخرى ، وأهم المصادر الأدبية التي لها علاقة بهذا البحث هو : كتاب «خريدة القصر وجريدة العصر» للعماد الأصبهاني (ت ٥٩٦ ه‍ / ١١٩٩ م) وهذا الكتاب في تراجم الشعراء ، وقد خصص المؤلف قسما منه لتراجم شعراء واسط ونتاجاتهم الشعرية. وكتابه يحتوي على أطول قائمة وصلت إلينا عن شعراء هذه المدينة. وإن قسما ممن تحدث عنهم من الشعراء لا يرد لهم ذكر في بقية المصادر المعاصرة له مثل أبي الفرج بن الدهان الواسطي ، وأبي الفرج العلاء بن علي بن السوادي الواسطي وغيرهما.

وتمتاز المعلومات التي قدمها عن الشعراء ونتاجهم الشعري بالشمول والدقة. ولا شك في أن لمعلوماته أهمية كبيرة باعتبار أنه كان قد أقام بواسط سنوات عديدة ناظرا في أعمال الوزير ابن هبيرة ، فنقل معلوماته عن الشعر والشعراء في هذه المدينة من الشعراء أنفسهم أو بأخذها من الآخرين

__________________

(١) انظر : بشار عواد معروف ، المنذري وكتابه التكملة : ٢٣٧.

١٨

من أبناء هذه المدينة ، ولا بد أنه كان قد اطلع على أخبار الشعراء اطلاعا كاملا. وقدم لنا هذا الكتاب معلومات فريدة عن الحياة الاجتماعية بواسط لا نجدها في سواه من المصادر فقد ذكر عددا من الجواري والغلمان وأجناسهم ومهنهم ، ووصف مجالس الشرب والغناء وموارد الشعراء والأدباء. أما في التنظيمات الإدارية فقد انفرد بذكر بعض المدن ، والموظفين الإداريين فيها.

أما مخطوطة (ديوان ابن المعلم الواسطي) (ت ٥٩٢ ه‍ / ١١٩٥ م) فقد قدم لنا معلومات قيمة عن الحياة الاجتماعية بواسط ، وعن الأغراض الشعرية في هذه المدينة ، كما قدم لنا معلومات عن الولاة وكبار الموظفين ، وتمتاز معلومات هذا الشاعر بالدقة لأنه من أبناء هذه المدينة.

ويعتبر كتاب «معجم الأدباء» لياقوت الحموي (ت ٦٢٦ ه‍ / ١٢٢٨ م) من المصادر المهمة التي رجعنا إليها في هذه الدراسة فقد قدم لنا معلومات مفصلة عن الأدباء والشعراء والنحاة بواسط ، كذلك أمدّنا بمعلومات مفيدة عن الصلات العلمية بين واسط والعالم الإسلامي ، ومع أن هذا المؤلف نقل معلوماته عن واسط من كتاب «سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط» للسلفي ، وكتاب «ذيل تاريخ مدينة السلام بغداد» لابن الدبيثي ، إلا أننا نجد أن المعلومات التي قدمها فيها تفصيلات أكثر مما يدل على أنه نقل كذلك من مصادر أخرى أو أنه أخذها من أبناء المدينة لأن ياقوت كان قد زار واسط مرات عديدة (١) ، فلا بد أنه اتصل بعلماء هذه المدينة واستقى منهم.

المصادر الجغرافية :

في كتب الجغرافية معلومات قيمة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية ، وعن تخطيط هذه المدينة. ومن أقدم ما وصل إلينا من هذه

__________________

(١) انظر : معجم البلدان ، ٥ / ٣٥٠.

١٩

الكتب كتاب «البلدان» لليعقوبي (ت ٢٨٤ ه‍ / ٨٩٧ م) الذي قدم لنا معلومات عن موقع المدينة ، والمدن والقرى والأنهار في منطقة واسط ، كما تضمن معلومات عن سكان هذه المدينة.

أما كتاب «الأعلاق النفيسة» لابن رسته (كان حيا سنة ٢٩٠ ه‍ / ٩٠٢ م) فقد أمدنا بمعلومات قيمة عن موقع وتخطيط المدينة ، كما تضمن معلومات عن المدن والقرى والأنهار وطرق المواصلات في منطقة واسط.

أما ابن الفقيه الهمداني (ت في حدود ٣٤٠ ه‍ / ٩٥١ م) فقد قدم لنا في مخطوطة «البلدان» معلومات مهمة انفرد بها من بين الجغرافيين المعاصرين عن تخطيط المدينة ومساحة المسجد الجامع ودار الإمارة. كما أفادنا في دراسة الحياة الاجتماعية والإدارية.

وقدم لنا المقدسي (ت ٣٧٥ ه‍ / ٩٨٥ م) في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» معلومات قيمة عن موقع وتخطيط المدينة ، كما قدم لنا أوسع قائمة عن المدن والقرى في منطقة واسط ، ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى أن المعلومات التي قدمها المقدسي عن مدن واسط وقراها تعتبر فريدة مثل قرقوب والطيب ونهر تيري ودر مكان وقراقبة وسيادة ولهبان والبسامية وأودسة. وكذلك انفرد بذكر التقسيمات الإدارية الجديدة في العراق في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي والتي أصبحت واسط بموجبها مركزا لإدارة ولاية مهمة من ولايات العراق ، وقد أفادتنا هذه المعلومات في دراسة التقسيم الإداري لولاية واسط ، وكذلك في دراسة تحديد الولاية. كذلك قدم لنا معلومات مفيدة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بواسط.

أما ياقوت الحموي (ت ٦٣٠ ه‍ / ١٢٣٢ م) في «معجم البلدان» فعلى الرغم من أن رواياته عن واسط منقولة مما أوردته المصادر المتقدمة خاصة ما أورده ابن الفقيه الهمداني في مخطوطة «البلدان» غير أنه قدم لنا

٢٠