موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

عند هذا الحد ، وقد ذاقوا حلاوة التغلب ، فلا يفيد معهم تدبير ، ولا يجدي تفاهم إلا السيطرة المكينة التي تنتصر للضعيف وتعدل بين الجميع .. والأسباب الظاهرية يتمسك بها كثيرون لتحقيق آمالهم المكتومة ..

وذكر هذه الواقعة السيد عبد الغفار الأخرس (١) ويحاول كتّاب اليوم أن يكسبوها صبغة سياسية من إيران أو أنها دينية. وجل ما هنالك أن المتنفذين استبدوا بها استفادة من ضعف الدولة لا أكثر ولا أقل.

وجاء ذكر هذه الواقعة في كتاب هداية الطالبين لكريم خان الكرماني ، وبين أن الجيوش كانت تحترم بيوت الشيخية ، وكل من التجأ إليهم كان آمنا على نفسه وماله ، ولم يقتل أحد من أصحاب السيد كاظم الرشتي مع أن الذين التجأوا إلى المشاهد قد قتلوا بلا رحمة ، ويقولون إن الباشا دخل بجواده في المكان المقدس. وفي تاريخ نبيل المعروف (نبيلي) من البهائية تفصيل وتعيين لوجهة نظرهم وبين أنها جرت في ليلة عرفة من ذي الحجة سنة ١٢٥٨ ه‍ ـ ١٠ كانون الثاني سنة ١٨٤٢ م وفيها قتل ٩ آلاف شخص وسلب ما في الجوامع من نفائس.

وجاء أن محمد شاه كان مريضا فلم يشأ رجال دولته إخباره ، فلما علم حنق ، وعزم على أخذ الثأر إلا أن التدخل السياسي من روسيا وبريطانيا هدأه ..

وفي كتاب قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق وبين النهرين تأليف محمد رشيد السعدي أن الواقعة جرت في التاريخ المذكور قال : جاهر أهل كربلاء بالعصيان فأرسل والي بغداد محمد نجيب باشا عليهم

__________________

(١) ديوان الأخرس ص ١٦٨.

٨١

الجنود المظفرة العثمانية فانتصروا على العصاة وقتلوا رؤساءهم وعاد الأمن والسكينة» اه (١).

وفي تاريخ الشاوي جاء تفصيل أيضا إلا أنه لم ينسبها للعصيان من الأهلين ، بل بيّن أن بنتا من شهزادات الدولة القجرية قد تعرض بها العصاة. واختطفوها وفعلوا ما فعلوا بها. وفي نتيجة المخابرات السياسية اضطرت الدولة على القضاء على عصيان هؤلاء اتخذت هذه الحادثة وسيلة أنذرهم الوالي أن يسلموا الأشقياء تنفيذا للإرادة السلطانية فأبوا. ومن ثم ضربهم. وفصل ذلك (٢) ... والحال أن ما ذكره كان أيام داود باشا.

ولا يهمنا تفصيل الواقعة بأكثر من هذا ولكننا لا نعلم الحاكم الذي عينه الوزير لإدارتهم ، ومهما يكن فلا يفترق عمن ذكروا. وعندي كتاب لأهل كربلا ذكروا فيه تفاصيل الواقعة أيام داود باشا وكان مبدأ العصيان سنة ١٢٤١ ه‍ ودام إلى المحرم سنة ١٢٤٢ وهو المسمى (نزهة الإخوان في واقعة بلد المقتول العطشان). لم يعرف مؤلفه. ومنه نسخ عديدة. عندي نسخة منها. أولها : الحمد لله الذي نصب أولياءه الخ. ويعين مبادئ العصيان ورجاله وحروبه في وقائع. وهذا يفسر ما جرى مؤخرا أيام نجيب باشا. وقد أشرت إلى ما فيه أيام داود باشا في حوادث تلك السنة. إلا أن التاريخ المجهول المؤلف أوضح الحالة وعلاقة الوزراء من أيام داود باشا إلى أيام محمد نجيب باشا وحدوث هذه الواقعة بالاستيلاء على المتنفذين إلا أن هذا الكتاب يعين أشخاص العصيان أيام داود باشا.

__________________

(١) قرة العين في تاريخ الجزيرة والعراق وبين النهرين ص ١٢٥.

(٢) تاريخ الشاوي ص ١٤.

٨٢

حوادث سنة ١٢٥٩ ه‍ ـ ١٨٤٣ م

القرعة في الموصل :

تأسست أيام محمد باشا اينجه بيرقدار. ضيق على الموصل ، فثارت ثائرة الأهلين وعارضوا الجندية فأرسل إليهم الوالي أحد أعوانه قاسم أفندي ليدعوهم بالتي هي أحسن ، فقاموا في وجهه وقتلوه ، فأحضر محمد باشا عشرين مدفعا صوبها على المدينة ، وأرسل بعض الكتائب النظامية ، فدخلوا المدينة ونهبوا أسواقها ، وسفكوا دماء الأبرياء ، وألقي القبض على بعض الوجوه ونفوا إلى البصرة. ومن ثم أذعن الأهلون قسرا ، وقبلوا بالجندية ، ولكنه تجاوز حدود نظامها.

السيد كاظم الرشتي مؤسس الكشفية :

توفي السيد كاظم الرشتي في ٩ ذي الحجة سنة ١٢٥٩ ه‍ ـ ١٨٤٤ م. ذكرته في كتاب تاريخ (عقائد الشيخية والكشفية).

وعقائد الكشفية هي عقائد الشيخية موسعة في شرح المطالب. انتشرت في أنحاء عديدة من العراق وإيران. وآل الرشتي معروفون في كربلاء هم من ذرية السيد كاظم. ومنهم في إيران.

حوادث سنة ١٢٦٠ ه‍ ـ ١٨٤٤ م

وفاة والي الموصل : (محمد باشا البيرقدار)

كان هذا تركي الأصل من مدينة پارطين في قسطموني. خدم الجندية في مصر وغيرها ثم رحل إلى الشام. مكث بها مدة طويلة ، فجمع له أصحابا وأعوانا شخص بهم إلى ديار بكر ، ثم إلى الموصل ، ونزل بظاهر البلد قريبا من باب سنجار ، فخرج عليه الأهلون وطردوه ، ولما أنهي خبره إلى والي بغداد علي رضا باشا اللاز أرسل إليه فاستقدمه

٨٣

سنة ١٢٤٩ ه‍ ـ ١٨٣٣ م وولاه متصرفية كركوك حيث بقي زهاء سنتين وشيّد فيها قصرا منيفا جعله دار الحكومة. بناه على نهر شاطرلي.

ولما عزل محمد سعيد باشا آل ياسين أفندي من الموصل سنة ١٢٥١ ه‍ ـ ١٨٣٥ م فوضت إليه ولاية الموصل. وكانت الولاية مختلة الأمن ، أصابها القلق العظيم من الإمارات المجاورة لا سيما الرواندزي. فتمكن من التغلب على الصعاب ، وتأسيس الراحة والأمن بعد القضاء على إمارة كور باشا الرواندزي وعلى إمارة العمادية ، وأسس القرعة بالوجه المذكور ...

ومن مؤسساته :

١ ـ تعمير دار الحكومة. ألزم التجار والأهلين بالإعانة لها.

٢ ـ تعمير الثكنة العسكرية.

٣ ـ المستشفى.

٤ ـ جامع سوق الحنطة.

٥ ـ جدد مزار دانيال النبي.

٦ ـ نظم أحوال الجند ، وأنشأ لهم الأفران العديدة.

٧ ـ اهتم ببناية معمل لصنع المدافع والقنابل والبارود وغيرها من الأسلحة وجلب صناعا حاذقين فعمل ما يزيد على الثمانين مدفعا ، واليوم يرى منها مدفعان أمام الثكنة العسكرية.

وكان محمد باشا شديدا فيما يرومه ، قاسيا على العصاة ، فظا شرسا مع الأهلين .. توفي سنة ١٢٦٠ ه‍ على ما جاء في تاريخ لطفي ، وفي تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ سنة ١٢٥٩ ه‍ ـ ١٨٤٣ م ، وهو أول وال تركي أعقب إدارة المماليك ولعل شدته كانت لقطع آمال النهضة عليه والقيام ضدّه. ومن ثم انحطت العلوم العربية والمدارس الدينية من

٨٤

جراء زوال من يجيز المؤلفين على التآليف العربية ، والحاجة إلى المعاش بإرضاء الحكومة في معرفة لغتها ، واضطراب إدارة الأوقاف وإهمال شؤونها ، وفتح المدارس الحديثة لاتباع التدريس الحكومي (١).

والملحوظ أن الوزير علي رضا باشا كان استخدمه قائم مقامه في حلب. ومن المستبعد أن يكون مجيئه إلى الموصل بالوجه المنقول كما يفهم مما أوضحنا سابقا.

ولاة الموصل واليزيدية :

بعد وفاة البيرقدار وجهت ولاية الموصل إلى شريف باشا برتبة وزارة. وهذا هاجم سنجار في هذه السنة. ولم تقف حوادثهم عند كور باشا وما أوقع بهم. ولعل أهل سنجار لم تصبهم تلك الحوادث ولم تصلهم بنارها ، فامتنعوا بجبالهم وهكذا أعقبت هذه الواقعة صولة حافظ باشا والي الموصل أيضا ، فجرت مذابح دموية قاسية. وفي سنة ١٢٦١ ه‍ هاجمهم محمد باشا الگريدي والي الموصل أيضا فأفحش في قتلهم. وقبض على زعيمهم الشيخ ناصر. وكان هذا الوالي من أقسى ولاة الموصل عليهم. وهكذا فعل طيار باشا والي الموصل في سنة ١٢٦٢ ه‍. ولم تنقطع وقائعهم ولا هدأت ثوراتهم إلى أيام مدحت باشا (٢).

أوراق الطمغا :

أحدثت في هذه الأيام الطمغا (التمغا) ، ولم يسبق أن استعملت في المعاملات من بيع وشراء وما ماثل من عقود بأن تكتب بأوراق رسمية ذات قيمة ، وهي المسماة بـ (أوراق الطمغا).

__________________

(١) تاريخ الموصل ج ١ ص ٣١٤ ومخطوطات الموصل ص ١٧ و ٢٠٤ وتاريخ لطفي ج ٧ ص ٨٥.

(٢) تاريخ الموصل ج ١ ص ٣١٨ وتاريخ اليزيدية.

٨٥

ثم إنه صدرت الطوابع ، فصارت تتداول (١).

الباب والبهائية

من مدة طويلة فقد العلماء الدعوة إلى العقيدة وتباعدوا عن الاتصال بالأهلين. وبذلك أهملت عقائد الشعب أو قل الاتصال بها. الأمر الذي دعا أن يتصل دعاة آخرون من المبتدعة. وبذلك كانت لهم العلاقة مكينة بالأهلين.

وكان نادر شاه ضيق على العلماء وأحرجهم كثيرا لما رأى من مخالفتهم سياسته ، ولم يتعاونوا معه. وبعد نادر شاه تنفسوا الصعداء ، ورأوا احتراما من الملوك والأمراء إلا أنهم فاجأتهم عقائد كان سببها إهمالهم العلاقة بالشعب وإرشاده. فظهر الشيخية أتباع الشيخ أحمد الأحسائي ، ثم الكشفية. ثم ظهر في هذه الأيام (الباب) وهو رئيس نحلة (البابية) ومبتدعون آخرون منهم (البهاء) ...

كان ظهور الباب (علي محمد الشيرازي) في إيران بتاريخ ٥ جمادى الأولى سنة ١٢٦٠ ه‍ ـ ١٨٤٤ م ، فمال إليه كثيرون. ولما أعلن دعوته قامت الدولة الإيرانية في وجهه ، وكذا العلماء وأعلنوا تكفيره وعارضوه بشدة إلا أن الكثير من الإيرانيين تابعوه لأسباب سياسية عدا الدعوة ، وأسباب أخرى وآخرون تابعوا العلماء فكانوا شطرين. وانتشرت الدعوة في إيران. وغالب المتصوفة منهم.

وفي هذه السنة كان مقدّمهم في بغداد محمد بن شبل العجمي ويبلغ من معه نحو خمسين أو ستين رجلا وهذا الداعية كان من أتباع السيد كاظم الرشتي. حبسه الوزير نجيب باشا كما حبس المرأة (قرة

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٢.

٨٦

العين) في بيت المفتي (هو أبو الثناء الآلوسي). فوجدها أثناء المباحثة معها كافرة فتركها. وبعد ذلك أطلقوها وسيّروها إلى بلاد العجم ، وسيروا محمد الشبل إلى الدولة (١).

كتب الوزير بخبره إلى استنبول بأن أهل كربلاء والنجف وعلماءها لم يقبلوه فجيء به إلى بغداد ، وكتب محضر من علماء بغداد في أمره بعد أن دوّنوا ما ذكره ، فقدم إلى استنبول. وسجن هو في بغداد فاستطلعوا رأي الدولة فيه. وعلى هذا أرسل ، وسجن في الترسانة العامرة (دار صناعة السفن) وصدرت الإرادة السنية بذلك كما فهم من الأوراق الرسمية (٢).

وغالب من تبعه كان من الكشفية. وإن قرة العين متأثرة بغلاة التصوف. وتعد هذه المطالب من أول ما عرف عنهم. وكان قد ولد الباب في أول المحرم سنة ١٢٣٥ ه‍ ـ ١٨١٩ م وهو متأثر بالكشفية. التف حوله جماعة ناصروا هذه الدعوة. ومال إليه استغلاليون في الدين والسياسة فرأت دولة إيران خطرا فيها يهدد سلامتها. ومن ثم حدثت معارك. وبعدها أمرت أن يقتل هذا الداعية فقتل رميا بالرصاص في تبريز بتاريخ ٢٧ شعبان سنة ١٢٦٦ ه‍ ـ ٨ تموز سنة ١٨٥٠ م ، فلم تطل دعوته أكثر من ست سنوات. وله (كتاب البيان) ، ومجموعة مخطوطة قد حوت غالب رسائله. كتبها كاتبه الخاص محمد حسين بن عبد الله من كتاب وحيه. وعندي هذه المجموعة بخطه. ومن كتاب وحيه ميرزا أحمد القزويني.

ولما قتل عاد الكثير من أشياعه إلى الإسلام لتحقق كذب دعوته ، وأصر آخرون على ما عندهم إلا أنهم تشتتوا. ومن بقي منهم كتم عقيدته

__________________

(١) التاريخ المجهول بتلخيص.

(٢) تاريخ لطفي ج ٨ ص ٨٤.

٨٧

وأظهر التشيع. وآخرون هربوا إلى العراق باسم الزيارة فتركوا أثرا.

ومن هؤلاء حسين علي بن عباس النوري ورد العراق في غرة المحرم سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥٠ م كان استأذن في مبارحة طهران للتوجه إلى العتبات بقصد الزيارة فبقي في بغداد. وكان يختلف إلى السليمانية. ومنها إلى جبل سرگلوا ويعود إلى بغداد. وبالنظر إلى المخابرات الرسمية وشكوى إيران في أنهم لم يهدأوا من إلقاء بذور الفتن. قررت الدولة العثمانية تبعيده ومن معه بعد أن أقام ببغداد إحدى عشرة سنة وبضعة أشهر في خلالها درس ابنه عباس أفندي المسمى أخيرا بـ (عبد البهاء) العربية على العلامة عبد السلام الشوّاف.

وفي سنة ١٢٧٩ ه‍ أظهر دعوته في بغداد إبان نفيهم وجمعهم في (الحديقة النجيبية) وتسمى اليوم بـ (المجيدية) أعلن أنه ناله الظهور أي صار (إلها) ووضع (عقيدته الجديدة) بزعم أن الباب بشر به. وهي لا تختلف عن عقيدة أهل الحلول والاتحاد والوحدة أو أعاد إلى الذاكرة دعوة أهل الإبطان عينا في تعطيل الصفات أي أنهم عندهم الباري ليس له وجود بالمعنى المعروف ولا صفات وإنما يظهر ذلك في الأشخاص ، وأن عقيدة الباطنية على هذا بل إن هذه لا تختلف عن تلك. قبلها عينا باسم جديد. وسمى نفسه (البهاء). ومنه اشتقت البهائية. وصار ابنه بعده يدعى عبد البهاء.

وعقيدتهم تلخص في عبادة الأشخاص أو عقيدة التجلّي الناجمة من وحدة الوجود ومن أصول عقائدهم قيام قائمهم ومتابعة دعوته. وفي عدم التقيّد بالرسوم الدينية أو (التكاليف الشرعية) وهي (عقيدة الباطنية). و (غلاة التصوف) على هذه العقيدة فلا يختلفون في عقيدة عن هؤلاء. فالعقيدة هي عين عقائد الإسماعيلية والباطنية الآخرين من غلاة وغيرهم. وهكذا كان بدعوته يريد أن يحقق ما قيل في المهدي من أنه

٨٨

يأتي بدين جديد وهو على العرب شديد. نفي إلى استنبول ومنها إلى أدرنة وصلوا إليها في ٢٨ جمادى الثانية سنة ١٢٨٠ ه‍ ومن ثم انفصل منه (صبح الأزل). وكان اختاره الباب ليكون داعية. وهو أخو البهاء فعارضه البهاء ، وصرف الدعوة إلى نفسه بداعي أنه كان مستودع الأمر ، وأن مستقر الدعوة هو البهاء ، دون صبح الأزل ، فاستغلها لنفسه.

ومن ثم حصلت بينهما مشادة فأبعدوا من أدرنة في بداية سنة ١٢٨٥ ه‍ ـ ١٨٦٨ م. فجعل صبح الأزل واسمه (ميرزا يحيى) في ماغوسه من (جزيرة قبرص). وأما البهاء وأتباعه فقد نقلوا إلى (عكا) فأقاموا بها. والبهاء مالت إليه الرغبة لقرب اتصاله بإيران واستمر في دعوته. وتابعه الباطنية وقسم كبير من الكشفية. والغربيون حاولوا الاستفادة من هذا الانشقاق فناصروهم. وكانت الإشادة بذكرهم تأييدا لسياسة التفريق. فظن الناس أنه جاء بعقيدة جديدة. وهي قديمة جدا لا تختلف عن عقائد الإسماعيلية وغلاة التصوف.

توفي البهاء في ٢ ذي القعدة سنة ١٣٠٩ ه‍ ـ ١٦ ـ أيار سنة ١٨٩٢ م وله مؤلفات منها (الإيقان) و (جواهر الأسرار) ، و (الأقدس) ، و (الطرازات) ، و (الإشراقات) ، و (الألواح) ، و (الكلمات المكنوتة) وغير ذلك. ويشك كل الشك أن يكون كتب هذه الكتب كلها. وإنما كتب له ابنه (عباس أفندي). وكان خلفه. وسمى نفسه (عبد البهاء). وهو أقدر من أبيه بكثير بل هو الذي أوجد والده وأذاع شهرته. وغير دعوته وعدّل فيها فجعلها عامة بعد أن كانت تهدف الانفصال عن العرب بدين جديد.

أظهر عبد البهاء مؤلفات عديدة له. وفي أيامه اكتسبت نشاطا بما أذاع عن والده وعلى لسانه. وتوفي في ٢٨ تشرين الأول (نوفمبر) سنة ١٩٢١ م فخلفه شوقي وهو المعروف بـ (الرباني). ابن ضيائية خانم بنت

٨٩

عبد البهاء. ووالده ميرزا هادي أفنان الشيرازي. من نفس أسرة حسين أفنان. وهذا جاء بعد الاحتلال البريطاني إلى بغداد وشغل مركزا مهما ، وبسببه انتشر البهائيون في بغداد. وحسين أفنان بن فروغية خانم بنت البهاء.

وعلى كل لم تكن عقيدتهم جديدة بل تستند إلى (الأفلاطونية الحديثة) وتسمى الإشراقية. وهي مادية صرفة تعتقد بأن العالم هو الله.

والباطنية وغلاة التصوف على هذه العقيدة. وكل ما دعوا إليه مذكور في كتب غلاة التصوف.

وأهم مباديهم الوحدة والاتحاد والحلول وإنكار التكاليف ونفي صفات الباري وأنها لا تظهر إلا في التجلي أو الإشراق في الأشخاص ومن هنا نشأت (عبادة الأشخاص) فلا تختلف عن أهل الإبطان بوجه. وافترقوا عن الشيخية في أن الحلول والإشراق لا يستدعي أن يكون في الأئمة بل يصح أن يكون في غيرهم. وبذلك قبلوا فكرة التصوف دون الشيخية. وكلها (عبادة أشخاص). واعتقاد الألوهية فيهم. وأن الباري لا يظهر ولا يعرف إلا في أمثال هؤلاء الأشخاص.

كتبت رسالة في عقائدهم وتاريخ ظهورهم وتطور معتقداتهم. وهنا ذكرت العلاقة والأثر والتأثير في حينه بالقطر العراقي.

حوادث سنة ١٢٦١ ه‍ ـ ١٨٤٥ م

الطبقجه لي ومدرسته :

آل الطبقچه لي من الأسر العلمية المعروفة ببغداد. منهم السيد أحمد الطبقچه لي كان مفتيا ببغداد ، وله شرح كلمة التوحيد والأجوبة الحكمية على الأسئلة الهندية. توفي سنة ١٢١٣ ه‍. وإن ابنه السيد محمد كان من العلماء أيضا وله شرح على كتاب والده في كلمة

٩٠

التوحيد. وجعل داره مدرسة للعلوم وجعل المتولي عليها والمدرس فيها الشيخ داود رأس أسرة آل الشيخ داود. تكلمت عليها في كتاب المعاهد الخيرية. وتوفي السيد محمد سنة ١٢٦٥ ه‍ بعد وقف المدرسة بسنة واحدة. ولم يعقب. وسيأتي الكلام على السيد محمد سعيد المفتي.

حوادث سنة ١٢٦٢ ه‍ ـ ١٨٤٥ م

الوباء :

في هذه السنة سنة (١٢٦٢ ه‍) وقع الطاعون ببغداد ، وفي كثير من الأنحاء العراقية.

وفيات

وذكر في حديقة الورود من وفيات هذا الطاعون :

١ ـ عبد الفتاح الشواف. وهو مؤلف حديقة الورود في مدائح أبي الثناء شهاب الدين السيد محمود الآلوسي. كتبها في حياة الأستاذ أبي الثناء. وهي أول كتاب كتب في حياته وتعد من خير المراجع في تاريخ العراق الأدبي والسياسي. وغالب الوقائع في أيامه ذات علاقة به. فجلا السيد عبد الفتاح صفحة من هذا التاريخ. توفي في شوال هذه السنة رحمه الله تعالى.

هذا. ووقفت الحديقة عند ما كتب فأتمها الأستاذ أبو الثناء. ثم إنه لم يستطع الدوام عليها فأكملها أمين الفتوى إبراهيم بن بكتاش واستمر فيها قليلا فتم المجلد الأول من هذا الكتاب الجليل.

ثم إن السيد نعمان خير الدين الآلوسي ابن أبي الثناء ألحقه بمجلد ثان جاء صفحة متمّمة لأدب عصر أبي الثناء الآلوسي وفيه بيان صلاته بالعلماء الأفاضل والأدباء الأكابر. واختصر الحديقة الأستاذ عبد السلام

٩١

الشواف أخو عبد الفتاح الشواف وجد الأساتذة محمود عزت ومصطفى عزت.

أوسعنا البحث في (التاريخ الأدبي في العراق) ، وفي كتاب (ذكرى أبي الثناء) بمناسبة مرور مائة سنة على وفاته.

٢ ـ العلامة السيد إبراهيم القزويني في كربلاء. توفي في الوباء في هذه السنة. وله ذكر في حديقة الورود.

حوادث سنة ١٢٦٣ ه‍ ١٨٤٧ م

في هذه السنة :

١ ـ أنعم السلطان على الوزير نجيب باشا بسيف مرصع ، ثمين لما قام به من خدمات ، تلطيفا له. أرسله مع أحد القرناء (الندماء) وهو راغب آغا (١) ..

٢ ـ قدمت لمراقد الأولياء الكرام ستائر تغطّى بها المشاهد. أرسلت إلى بغداد مع ابن الوالي نجيب باشا وهو جميل بك (٢) .. ويلا حظ أن نجيب باشا له ابن آخر هو أحمد شكري بك (٣).

٣ ـ أبطل بيع الرقيق والأسير بفرمان سلطاني (٤).

٤ ـ بدرهان بك متسلّم قضاء الجزيرة التابع للموصل كان قد عاث بالأمن ، وتجاوز على الأهلين ، ولم يلتفت إلى النصائح ، ولا أصغى للتنبيهات .. فاقتضى تأديبه ، فساقت إليه الحكومة قوة عسكرية بقيادة

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٣٢.

(٢) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٣٣.

(٣) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٣٧.

(٤) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٣٣.

٩٢

عثمان باشا .. فقضى على غائلته. وكان متحصنا في مواطن منيعة جدا ..

معاهدة أرضروم

(بين إيران والعراق)

هذه المعاهدة عقدت بين دولة إيران (الدولة القجارية) أيام محمد شاه وبين الدولة العثمانية أيام السلطان عبد المجيد في أرضروم وكانت في ١٣ جمادي الآخرة من سنة ١٢٦٣ ه‍ ـ ١٨٤٧ م (١). وقد غلط من قال كانت سنة ١٢٦٤ هجرية. وتستند إلى معاهدة ١٩ ذي القعدة سنة ١٢٣٨ ه‍ ـ ١٨٢٣ م المعقودة في أرضروم أيضا بين إيران (الدولة القجارية) أيام فتح علي شاه وبين الدولة العثمانية أيام السلطان محمود الثاني وهذه تستند أيضا إلى معاهدة ١٧ شعبان سنة ١١٥٩ ه‍ ـ ١٧٤٦ م أيام نادر شاه. وفيها تقرير الحدود كما كانت أيام السلطان مراد الرابع بموجب المعاهدة المعقودة في أوائل شوال سنة ١٠٤٩ ه‍ ـ ١٦٤٠ م.

والمعاهدة الأخيرة غيرت كثيرا في حدود (زهاب) أو (زهاو) ووردت في المعاهدة بلفظ (ذهاب) غلطا (٢) فجعلت شرقيها البلاد الجبلية لجهة إيران وغربيها للعراق كما منحت (المحمرة) وميناءها لإيران وكذا (جزيرة الخضر) و (لنگرگاه) والسواحل الشرقية من شط العرب ابتداء من المحمرة إلى مصب شط العرب في البحر. وتركت الأراضي المذكورة بعشائرها لإيران كما أن إيران تركت كل دعوى في لواء السليمانية

__________________

(١) معاهدات عمومية مجموعة سي ج ٣ ص ٥.

(٢) زهاب بمعنى الماء العذب أو المفيد. كانت قرية صغيرة في صحراء بالقرب من جبل بانزرده من جبال درتنك بناها أحد أمراء زهاو نحو سنة ١١٨٠ ه‍ أو ١١٩٠ ه‍ وبنى فيها جامعا ودار حكومة واتخذها مقر إمارته فصارت لواء زهاو بدل (لواء درتنك). وإليها ينسب آل الزهاوي.

٩٣

وبلدتها وتعهدت بأن لا تتدخل في تملكها في ذلك ولا تتعرض به. وقرر فيها أن يشرع عقب عقد المعاهدة بأمر (تحديد الحدود). وأما العشائر فمنع كل تجاوز يقع منها ، وأن دولتها مسؤولة عنه. وأما العشائر الذين لا تعرف تابعيتهم فيخيرون في اتخاذ موطن ، وأن يكونوا تابعين إحدى الدولتين.

وباقي المطالب إقرار لما جاء في المعاهدات السابقة من ألفة وأخوة ورعاية للحقوق الجوارية ومن مراعاة زوّار واتصال تجاري ... وما ماثل.

وهذه المعاهدة تمت بعد مخابرات سياسية لسنين عديدة. وعندي جملة كبيرة من هذه المخابرات لا تزال مخطوطة.

وبهذه المعاهدة رفع النزاع المستمر من أجل بابان ومن أجل عشائر كعب وعشائر الحدود الأخرى بل كانت السبب في القضاء على بعض الإمارات المتغلبة بين الطرفين بل إن الدولة العثمانية استغلتها للقضاء على غائلة بابان. ولكن إيران لم تتمكن إلا بعد حين.

تحديد الحدود

(بين إيران والعراق)

إن تحديد الحدود شرع فيه بعد تصديق المعاهدة المذكورة أعلاه مباشرة. وتكونت لجنة لهذا الغرض وكانت العشائر والإمارات المجاورة تحدث القلاقل بلا علم من الدولتين بسبب النزاع على المراعي أو لضرورة كانت تراها ، فتحدث معارك.

وربما كان بعض هذه بإيعاز عند اشتداد حالة التوتر بين إيران والعراق فاشتدت الحروب وكادت تقضي على الدولتين دون جدوى مما أدى إلى ضعفهما ولما رأت الدولتان أن ذلك مضرّ بصالحهما تقاربتا لما

٩٤

عرفتا من نتائج وخيمة إلا أن محمد علي ميرزا حاول أن يعيد إلى الأذهان وقائع نادر شاه أو حوادث عباس شاه ... فلم يفلح. وبعد وفاته سنة ١٢٣٧ ه‍ ـ ١٨٢١ م هدأت الحالة وتم الصلح بين إيران والعراق سنة ١٢٣٨ ه‍ ـ ١٨٢٢ م. وأكد هذا الصلح بمعاهدة سنة ١٢٤٥ ه‍ ـ ١٨٢٩ م (١).

عزمت الدولتان على تحقيق الصلح بعد مخابرات سياسية كثيرة (٢) فعقدتا المعاهدة على أن يجري تحديد الحدود فورا ، وأن يبدأ من خليج فارس ويمضي التحديد حتى يصل إلى أرضروم (أرزن الروم) فوقع ذلك فعلا واختار العثمانيون الفريق درويش باشا وبصحبته خورشيد بك كاتبا وأوعز إلى الأخير منهما بتدوين ما يعرض من مواطن ومن سكان وأحوال اجتماعية وصناعة وعشائر وما ماثل. واختارت إيران أحد رجالها وعهد إلى أحد رجال الروس وأحد رجال الإنكليز فقاموا فعلا وأجروا التحديد إلا أنه لم يتم لما حدث من أوضاع وحالات طارئة.

وإن الفريق درويش باشا كتب تقريرا بالتحديد طبع عدة مرات إلا أنه مختصر بالرغم مما حوى من فوائد. وإن خورشيد بك صار (باشا) كتب (سياحتنامه حدود). فجاء كتابه هذا مكملا لذلك التقرير ولم نقف على مثلهما في إيران فكانا خزانة معلومات في أحوال العراق لم يترك فيهما شاردة ولا واردة فيما كان عليه العراق وما هو عليه في أيامهما. أما ما حدث بعد ذلك فمعلوم. ولعل علاقة خورشيد بك بالعراق دعت إلى هذا التفصيل.

أدركنا الوضعين نزاع الحدود وماهيته ، وحالة القطر ، فكشفا ما لم

__________________

(١) رحلة المنشي البغدادي ص ٩ وتاريخ العراق بين احتلالين ج ٦.

(٢) عندي مجموعة خطية باللغة التركية مشتملة على هذه الوثائق والمخابرات السياسية.

٩٥

٩٦

يكن معروفا ، وعينا تاريخ النزاع ومولداته ، فعلمنا صفحات كثيرة عن العراق ، وأدركنا أن لا أمل في توسيع الحدود أو الاشتغال بأمر لم يؤد إلى نتيجة صالحة.

دام تحديد الحدود إلى نهاية سنة ١٢٦٨ ه‍ ـ ١٨٥١ م. من أيام نجيب باشا إلى أيام نامق باشا الكبير ومن ثم اشتدت الحالة فحدثت الحرب مع روسيا فوقف العمل ولم يتقرر الحد بين إيران والعراق. وقبيل الحرب العامة الأولى أي في سنة ١٩١٣ م أعيد النظر في التحديد فلم يسفر عن نتيجة حاسمة.

وإذا كانت الحدود لم تحسم لحد الآن فقد ترك لنا هؤلاء الأفاضل معلومات جمة لما يتعلق بالقطر في مختلف أوضاعه إلى أيامهما. وهذه لم تظهر في حينها. وإنما كشفت عنها الأيام. وحبذا مثل هذه ولم نر إلا القليل من نوعها.

ومن جهة أخرى جلت عما يجاور الحدود العراقية من أصقاع وعشائر بحيث لم يبق خفاء وزال الإبهام ومن ثم عرفنا الأوضاع فانكشفت انكشافا تاما.

وفي أيام الدولتين الحاضرتين تم التفاهم من طريقه وجرت محاولات لتحديد الحدود وأن ينهي أمرها ، فلا يبقى نزاع أو ما يسمى بالنزاع فقد ترك الفريقان الآمال أو لم يجدا ما كان يشعر به من كان قبلهما فحصل التفاهم. ولم يشأ أحد أن يعيد التجربة.

وهل رأينا من كتب مثل ما كان كتب في تقرير درويش باشا وخورشيد باشا بأمل اتصال المعرفة إلى أيامنا؟ لم نقف على شيء من ذلك أو لم يظهر. ومن جهة أخرى لم نعثر على ما كتبه الإيرانيون في تحديد الحدود لتعرف وجهات النظر ، أو ما توسع فيه كل فريق كما أنهم لم يكتبوا عما جرى في هذه الأيام.

٩٧

والملحوظ أن عشائر الحدود وإمارة بابان وكعب كل هذه كانت تثير القلاقل. ويعرف هذا من وقائع العراق وحوادثه في مختلف الأزمان. ومن ثم تتعين الأوضاع.

حوادث سنة ١٢٦٤ ه‍ ـ ١٨٤٧ م

غلاء وقحط :

قلّت الغلال وارتفعت الأسعار في هذا العام. وفي سواد العراق من باع أولاده لزيادة القحط (١) .. ولا يستغرب وجود غلاء وقحط ، فالوسائط النقلية والمخابرات الخارجية تكاد تكون مفقودة ، ومثل هذه لا تؤدي إلى سد الخلل .. وكثيرا ما يقع أمثالها في ممالك عديدة حتى في العراق الوافر الخيرات والمزارع.

فيلق العراق والحجاز :

في هذه السنة تأسس فيلق باسم (فيلق العراق والحجاز) وجعل (مشيره) عبدي باشا ناظر المدارس العسكرية ، ودعي إلى استنبول حمدي باشا فريق بغداد ، وأرسل مكانه عزمي باشا برتبة فريق (٢) ..

حوادث سنة ١٢٦٥ ه‍ ـ ١٨٤٨ م

البصرة ـ الأسطول :

في هذه السنة أمرت الدولة بلزوم إصلاح الأسطول في البصرة من جديد ، وبعثت بـ (پير بك) من أمراء البحرية ، مع بعض الضباط الموظفين للشروع بالعمل (٣) ..

__________________

(١) المسك الأذفر ص ١٣٦.

(٢) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٦٥.

(٣) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٧٧.

٩٨

عزل الوالي محمد نجيب باشا :

يوم الجمعة ٢٢ شعبان سنة ١٢٦٥ ه‍ عزل الوالي عن بغداد ومنهم من قال كان عزله في رجب. وقد مرّ من حوادثه ما يبصر بما قام به من الأعمال إلا أن الوثائق ليست كافية للقطع بما هو معروف عنه من الحوادث ، الأمر الذي اضطرنا أن ننقل ما قاله المؤرخون فيه. جاء في مرآة الزوراء :

«خلف علي رضا باشا اللاز في ولاية بغداد وكان والي الشام. وهو قادر على إيقاع ما هدد. وله المهارة الكافية في ضبط الإدارة وتمشية الأمور فهو من الوزراء الذين اختارتهم الدولة للمهمة. مآثره لا تنكر .. ولكنه كان قد بلغ في أيامه الظلم والعسف بالأهلين حدّا فائقا ، تجاوز طوره .. وكان يحمل أفكارا بالية. الأمر الذي جعل الدولة لا تنتفع منه ، وكذا الأمة ..» اه (١).

ويريد أن يقول إن تمسكه بالطريقة القادرية تمسكا قويا صده عن النظر في أمور الدولة ومال بكلّيته إلى نقيب الأشراف السيد علي الكيلاني. تعلق به تعلقا كبيرا .. والحق أنه ساعد على تنظيم أمور الوقف القادري ، فنهج السيد علي نهجا مقبولا ، فصار ينتفع آل الكيلاني من هذا الوقف إلى اليوم. ومن الغريب أن يشير الأستاذ سليمان فائق إلى ذلك في حين أننا نراه يميل إلى (النقشبندية) كثيرا. وقد قبلت القادرية.

وفي سجل عثماني أنه من الگرج ، تخرج من الأقلام ، وتولى الدفترية وغيرها .. وتقلّب في مناصب عديدة. وبعد أن ولي منصب الشام مدة وجّه إليه منصب الوزارة ببغداد في ربيع الأول سنة ١٢٥٨ ه

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٥.

٩٩

وعزل في رجب سنة ١٢٦٥ ه‍ ، وتوفي في رجب سنة ١٢٦٧ ه‍ ودفن بأبي أيوب ، وكان مدبرا قديرا ، ذا ثروة (١).

وفي هذا بيان حياته الرسمية ، وفيه ما ينافي قول الشاوي عن أصله ... وكان مدحه عبد الباقي العمري بقصائد في مناسبات عديدة. وكذا مدح ابنه.

مما عرف به :

١ ـ النجيبية. حديقة من مؤسساته ، وتدعى اليوم (المجيدية) ، وفي أيام مدحت باشا اتخذت حديقة ، ثم شيد فيها قصر لناصر الدين شاه ليقيم فيه مدة بقائه في بغداد .. وتطورت حتى صارت (مستشفى) وهذه البستان يعدها (البهائية) من المواطن المقدسة. لأنها حينما نفي (البهاء) سكنها بخيامه مع المنفيين معه مدة ١٠ أيام أو ١٢ يوما إلى أن جرى سوقهم وتبعيدهم وأن البهاء فيها أعلن الوهيته. ومن جراء ذلك صار يعد من الأماكن المحترمة عندهم. ويأتي الكلام على المستشفى في حينه.

٢ ـ سقاية نجيب باشا. أنشأها سنة ١٢٦١ ه‍ في المنطقة (براثا) وللعمري (عبد الباقي) قصيدة هنأ بها الوزير. اندرست هذه السقاية ولم يعرف تاريخ خرابها (٢) ..

٣ ـ شريعة نجيب باشا. اسم محلة في الأعظمية عرفت باسمه. ولا تزال.

__________________

(١) سجل عثماني ج ٤ ص ٥٤٦.

(٢) تاريخ مساجد بغداد ص ١٣٧ والمعاهد الخيرية.

١٠٠