موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

حوادث سنة ١٢٦٩ ه‍ ـ ١٨٥٢ م

الوالي محمد رشيد باشا الكوزلكلي

يدعوه العراقيون (أبا مناظر) (١). وهذا طالت أيامه أكثر من سابقه ، عهد إليه بمنصب ولاية بغداد في ذي القعدة سنة ١٢٦٨ ه‍ ، ودخل بغداد في ٥ ربيع الأول سنة ١٢٦٩ ه‍.

ولما كان الأستاذ محمود الآلوسي في دياربكر ، وواليها آنئذ عبدي باشا (عبد الكريم نادر) وردها هذا الوالي فاستقبله عبدي باشا وجماعة بينهم الأستاذ الآلوسي.

قال الأستاذ الآلوسي في حديقة الورود :

«واتفق أن ألح عليّ بانتظاره والي هاتيك الديار حر الأخلاق ، عبدي باشا ، يسر الله له من الخير ما يشاء ، فلم يمكني إلا الامتثال ، لما أن الوالي المشار إليه على غاية الإفضال ، فبقيت نحوا من ثلاثة أشهر منتظرا له ، مستشرفا حله ومرتحله ، حتى إذا قدم مع بعض الأعيان ، وآل الخبر إلى العيان ، رأيت منه في هاتيك الديار ، ما أنطقني فأنشدت من دون اختيار :

سمعت بوصف الناس هندا فلم أزل

أخا صبوة حتى نظرت إلى هند

فلما أراني الله هندا وزيّها

تمنيت أن قد زدت بعدا على بعد» اه (٢)

وقال في رحلته نشوة المدام ما نصّه :

__________________

(١) المناظر : العوينات في لغة العراقيين مأخوذة من النظر. ويقولون (أبو مناظر) ، والمعروف المتداول (كوزللكي) نعت لهذا الوزير بلفظه التركي.

(٢) حديقة الورود ص ٦٤٨.

١٢١

«وفي اليوم السادس والعشرين من محرم الحرام ، وكان من حيث المطر والهواء أهون الأيام ، ظهر خير خبر ، وأبرّ أثر ، وهو خبر والي الزوراء ، على دخول مدينة آمد السوداء ، وتنوير أرجائها بأنوار طلعته الغراء ، فذهبت مع وجوه البلد ، وهم كأصابع الكف في العدد ، إلى حضرة واليها ، ومن إليه مرجع أهاليها ، فجلسنا عنده على أحسن حال ، ثم قمنا جميعا للاستقبال ، فقعدنا برهة من الزمان في خيمة نصبت عند كشك السريان ، حتى إذا لاح خميس ذلك الوالي ، وأقبل نحونا ركابه العالي ، أسرعنا لاستقباله ، واستكشاف حالي حاله ، فأدركنا ذلك الشهم ، على نحو غلوة سهم ، فإذا هو وال رشيد ومشير مأمون له احتفال برعيته حتى كأنه ينظر إليهم بأربعة عيون ، وقد صحبه سليل الأجلة الأمجاد ، مولانا (محمد عبد الرؤوف أفندي الپرلپه وي) قاضي بغداد ، ورأيناه سجل المفاخر ، قد ورث الفضل كابرا عن كابر ، وكذا جناب ذو الخلق النفيس عبد الله أفندي نائب بدليس ، وكان منتسبا إليه منذ كان مشيرا في إيالة كردستان فيقال إنه جلبه إلى خربوت وتوسط له بالنيابة فملأ من عياب رسومها على الوجه المرسوم إهابه ، وقد أمره برفاقته إلى محل إقامته ، وهو حسب القياس والاستحسان حري بالاستصحاب ، فقد وقع الإجماع على عمله في المصالح المرسلة إليه بالسنّة والكتاب ، وقد جمعنا العشاء مع الموما إليه في بيت المفتي ، فرأيت منه ما يقضي بمزيد نجابته ويفتي ، ولم نزل نجتمع كل ليلة عند الوزير معه ، فنكاد نحيي بحلو السمر الليل أجمعه ، وقد علمت من أمر الوالي ، في هاتيك المعالي أنه لا نظير له بين الوزراء ، ولا نظرت مثله عين الزوراء.

ولما كانت ليلة الخميس سادسة صفر ، صنع المفتي وليمة لم يبق فيها ولم يذر ، فبعد أن رفعت ألوان الطعام ، ونصبت في البين موائد الكلام ، قال : غدا إن شاء الله تعالى عدة سفرة السفر ، فامتلأت آنية

١٢٢

الفؤاد سرورا ، وكنت من قبل بمعتقة الهموم مخمورا ..» اه.

ثم استمر في ذكر أنه أخذ الأهبة للمسير ، وبين المنازل التي ساروها ، والمواطن التي طووها .. حتى وصل إلى بغداد مساء الخميس خامس شهر ربيع الأول سنة ١٢٦٩ ه‍ ـ ١٨٥٢ م.

قال الأستاذ أبو الثناء :

«سرت متوجها معه إلى بغداد. ولم تزل تهبّ عليّ من أنفاسه ما يصدع الرأس ويكرب الفؤاد (ثم ذكر ما أصابه من حمى فقال :)

حتى إذا ذهبت أورثت ضعف العصب. وكم من خبيث أورث الأخبث لما ذهب ... فتركت لذلك كل الأمور. ولزمت بيتي فلا أزار ولا أزور ...

لزوم البيت أروح في زمان

عدمنا فيه مائدة البروز

فلا الوالي يميز قدر فضل

ولست على الحواشي بالعزيز

ولست بواجد حرا كريما

أكون لديه في كنف حريز» اه (١)

وفي هذا اليوم كان ورود الوزير رشيد باشا بغداد .. كما ذكر ذلك الآلوسي ، جاءا معا .. ولا شك أن المعتاد من الاستقبال والاحتفال جرى بالوجه اللائق ... وقد مدحه الفاروقي بقصيدة.

جمع إعانة :

جمع الوزير الأعيان والعلماء ، وبينهم صبغة الله الحيدري والسيد

__________________

(١) حديقة الورود ج ٢ ص ٦٤٩.

١٢٣

محمود الآلوسي المفتي السابق وطلب منهم إعانة على أهل بغداد ، لأنه ورد خبر في شوال من استنبول يفيد أن الارس (الروس) أي المسقوف تحركوا على محاربة السلطان واقترح الوزير من الوجوه أن يقبلوا ما طلب منهم ، وأن يجلبوا الناس على ما أراد ..

وفي ذي القعدة بدأوا يجمعون الدراهم من أهل بغداد ، فجعلوا على المقتدر ألف قرش صاغ ومنهم أكثر ، وبعضهم أقل ، والمتوسط مائة قرش ، والفقير خمسة وعشرون قرشا ، وأهل الفاقة لم يحملوا شيئا ، جعلوا القسمة على كل دار بحسب الترتيب مائة قرش وأسهل الأطراف طرف باب الشيخ ادعوا أن أكثرهم فقراء ، والنقيب تشكى بحال أهل طرفه ، ورقّ لهم الوزير لضعفهم ، ثم إنهم شرعوا في جمعها (١) ..

مشيخة المنتفق :

وفي ذي القعدة من هذه السنة حبس الوزير فارس بن عجيل ، وعزله من مشيخة المنتفق ، وألبس الشيخ منصور بن راشد الخلعة على مشيخة المنتفق ، فصارت الإمارة إليه ، وطلع من بغداد يوم ٢٨ من ذي القعدة هو ووادي بك يريدون أن يسيروا إلى ديرة المنتفق ، وكان صالح ابن عيسى شيخا على المنتفق من أيام نامق باشا ..» اه (٢).

وجاء في كتاب قرة العين :

«وفي سنة ١٢٦٩ ه‍ انتشبت الحرب بين قبائل المنتفق والجنود العثمانية ، وانكسرت الجنود العثمانية عند نهر الفرات بمحل يقال له (المغيسل) وقتل قائدهم (تركي بلمز). قتله مشاري السعدون من مشائخ المنتفق» اه (٣).

__________________

(١) التاريخ المجهول.

(٢) التاريخ المجهول.

(٣) قرة العين ص ١٢٥.

١٢٤

هو مشاري بن عبد الله بن ثامر السعدون. وله من الأولاد بدر ومحمد وعبد اللطيف وعبد العزيز. ولهؤلاء أولاد وأحفاد.

قبيلة عنزة ـ الطارمية :

«في ذي القعدة أغار أعراب عنزة على جمال حول الطارمية للجمّالة عقيل وغيرهم ، فأخذوا منها (٩٠٠) بعير ، وبعد بضعة أيام كان قادما إلى بغداد تسعون حملا من الشام بقية كروان فرآها أعراب عنزة ، ورئيسهم ابن هذال (١) ، فأخذ الحمول والجمال ، وكان داخل الحمول دراهم فضة وذهب ، وأخذوا دوابّ وما أشبه ذلك من درب الحلة ..» اه (٢).

سدة الصقلاوية :

«في يوم ٥ ذي الحجة سنة ١٢٦٩ ه‍ ظهر الوزير محمد رشيد باشا إلى الصقلاوية بقصد أن يسدّها .. وفي المحرم من سنة ١٢٧٠ ه‍ أحكم سدّها أحسن ممن قبله من الوزراء ...» اه (٣).

وجاء في تاريخ الشاوي أن الوزير أمر أن يفتح نهر غير نهر الصقلاوية (غربي الفلوجة من جهة الجزيرة) وأن يجري فيه الماء إلى قرب بغداد وأن يغرس في جانبيه أشجار التوت لتربية دود الحرير (دود القز) ففتح هذا النهر في محل نهر الكنعانية المندرس الذي كان فتحه كنعان آغا وكان حاكما هناك فسمي باسمه ثم نقل إلى قضاء الحي وهو الذي عمر قبّة سعيد بن جبير (رض) ووضع له تاريخا على قبره. وكان القائممقام في الدليم سرّي أفندي فسمي هذا النهر الجديد بـ (السرية).

__________________

(١) راجع عشائر العراق المجلد الأول ص ٢٦٨.

(٢) التاريخ المجهول.

(٣) التاريخ المجهول.

١٢٥

وفي أيام الوالي عبد الرحمن باشا تبين ضرره على أطراف بغداد والكاظمية وقلّ ماء الحلة فسده سدّا محكما (١). فكانت سدة السرية موجودة قبل ورود سري باشا بكثير.

حوادث سنة ١٢٧٠ ه‍ ـ ١٨٥٣ م

حرب روسيا والدولة العثمانية :

في صفر هذه السنة جاءت الأخبار بانتصار الدولة العثمانية على المسقوف وكانت الواقعة عظيمة ، وقد عرفت درجة العلاقة من جراء الإعانة التي جمعت للدولة ..

وشاع الخبر في بغداد أن شاه العجم ناصر الدين شاه أعان الروس وبعث لهم مهمات وأطعمة .. وأنه اتفق مع الأعداء .. فصعب الأمر عليهم خصوصا أهل خانقين ، وكان القائممقام هناك محمود بك ، فهمّ أن يجمع جيشا تأهبا للطوارئ ومثله الوزير محمد رشيد باشا. جهز عساكر من عقيل ، لعين السبب. فاضطرب أهل بغداد ، واستولى عليهم خوف عظيم ، لقلة عساكر البلد وضعف الناس عن عادتهم الأولى من قلة أموالهم وسلاحهم ، وانهدام سور البلد فغلت الأسعار عن مألوفها. وفي ربيع الأول أتى الخبر إلى قنصل الإنكليز أن الشاه رجع عن الحرب ، وفرق عساكره المجموعة لأجل حرب بغداد ، وأظهر الصلح ، وسببه كان من إمام الجمعة ، وهو رجل كبير ، مسموع الكلام عند الشاه ، وعند جميع أهل إيران ، فطلب من الشاه أن يترك هذه الأمور بداعي أننا إسلام والعثمانيون إسلام ، ويكون الحرب نصرا للكفّار ، وهذا لا يجوز في الشرع ، فترك ذلك.

__________________

(١) تاريخ الشاوي بتلخيص ص ٢٥.

١٢٦

وأما رشيد باشا فإنه همّ بالمسير إلى أطراف كرمانشاه. وكان من الجيش النظامي مقدار ألف نفر في بغداد كانوا خارجين عن الزمرة من سنين. أخرجهم الحكام لعلل في أبدانهم ، لم ينفعوا للحرب على عادة النظام ، فأمر الوزير بترجيعهم إلى العسكرية فجمعوا منهم مقدار أربعمائة نفر. وبورود الخبر عن الشاه أنه ترك الحرب ، أمر الوزير أن يخلّى سبيلهم ، وترك جمع العساكر ، واستراح الناس من هذه الفتنة وفي هذه الحرب اشترك الشيخ شامل اللزكي (١) ..

وبهذا أردنا أن نعرف تلقي العراق لهذا الحادث. وهذه حرب القرم المشهورة. ولا مجال هنا للتوضيح عنها.

مفتي بغداد أبو الثناء الآلوسي :

هو أبو الثناء محمود شهاب الدين الآلوسي توفي في ٢٥ ذي القعدة من سنة ١٢٧٠ ه‍ ـ ١٨٥٤ م. وكان من خير من أنجب العراق في بيان صفحات تاريخية عديدة عنه ، وفي رحلاته وسائر آثاره. أدبه جمّ ، وعلمه وافر ، وقلمه سيّال. اشتهر في مختلف الأقطار في تفسيره ، وعرف برحلاته إلى استانبول ومنها إلى بغداد ، وعرفت في الحقيقة الأسرة به ، وإن كان قد تقدمه بعض الآلوسيين مثل والده السيد عبد الله الآلوسي وكان مدرس الأعظمية نحو أربعين سنة ، ومدرس المدرسة العلية. ولأبي الثناء مؤلفات عديدة وأفردت له كتابا في حياته بعنوان (ذكرى أبي الثناء الآلوسي) بمناسبة مرور مائة سنة على وفاته. وفصلت ما له من مؤلفات وترجمة في مجموعة عبد الغفار الأخرس. وله المكانة العظيمة في التوجيه العلمي والأدبي وفي مؤلفاته ما يكشف عن أحوال العراق السياسية والعلمية والأدبية كما أنه عرف بعلماء الأقطار التي مرّ بها في

__________________

(١) التاريخ المجهول.

١٢٧

رحلته إلى استنبول وكتب (شهيّ النغم) في ترجمة شيخ الإسلام عارف حكمت وترجم أساتذته وبعض معاصريه. وهو لا يزال مخطوطا عندي نسخة مخطوطة منه وله الطراز المذهب في شرح قصيدة الباز الأشهب وكتب عديدة مثل الفيض الوارد ... وله (نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول) ، و (نشوة المدام في العود إلى مدينة السلام) (١). ثم جمع هاتين الرحلتين في (غرائب الاغتراب) (٢). وفي كل من هذه ما لا يوجد في الأخرى ولا في التلخيص وطبعت كلها. وتفسيره مشهور طبع مرات ... ومقاماته غزيرة المادة. وكل مؤلفاته مهمة.

وفي مؤلفاته تعرض للحوادث التاريخية فأفصح عما فيها من غموض وبالتعبير الأولى أظهر عظمة في حياته ولا ريب أنه خلد تاريخ العراق وبذلك خلد نفسه بما أبداه من حقائق تاريخية ...

وكانت توجيهاته العلمية والدينية عظيمة وله أكبر الأثر في بيان العقائد الحقة وإيضاح عقائد المتصوفة ونقدها نقدا علميا ... وكتب في اللغة والنحو والبلاغة أيضا. أعقب وأنجب أولادا وأحفادا كان لهم الذكر الجميل في العلوم والآداب وسائر ضروب الثقافة.

حوادث سنة ١٢٧١ ه‍ ـ ١٨٥٤ م

المشيرية والهارونية والدجيل :

عرفنا أن الوزير قام بأعمال مهمة ومن أجلّها (المشيرية) أو (الوزيرية). وهي المقاطعة المعروفة بهذا الاسم. وتتصل ببغداد من جانب الرصافة. اندثرت بعد حين وانقطع الماء عنها. وفتح نهر الهارونية

__________________

(١) طبعت في مطبعة ولاية بغداد الأولى في منتصف ربيع الثاني سنة ١٢٩١ ه‍. والثانية في ٢٧ جمادى الآخرة سنة ١٢٩٣ ه‍.

(٢) طبعت في أواخر ذي القعدة سنة ١٣٢٧ ه‍ في مطبعة الشابندر ببغداد.

١٢٨

في لواء ديالى بالقرب من المقدادية (شهربان). وهذا لا يزال معمورا. ولم يتبين لنا تاريخ القيام بهذا العمل بالضبط. ومن أعماله أنه أمر بكري نهر الدجيل في بلد التابعة لقضاء سامراء (١).

حوادث سنة ١٢٧٢ ه‍ ـ ١٨٥٥ م

أعمال عمرانية :

إن هذا الوزير قام بأعمال زراعية مهمة. أمر بكري نهر النيل ، ونهر الشاه ، والعوادل ، والظلمية ، وأبو چماغ ، والباشية ، والشوملي الكبير ، والشوملي الصغير ، وفتح نهر الجربوعية. وكل هذه في لواء الحلة. ولم يتعين لنا بالضبط تاريخ عملها. وعلى كلّ كانت في أيام هذا الوالي (٢).

البواخر بين بغداد والبصرة :

ومن أظهر أعمال الوزير أنه اشترى باخرتين لنقل أموال التجارة والأهلين بين بغداد والبصرة سمى إحداهما (بغداد) ، والأخرى (البصرة). وهما لم تصلا إلى بغداد في حياته. وإنما وصلتا إلى بغداد بعد وفاته. وصارت تجني فوائدهما (٣).

حوادث سنة ١٢٧٣ ه‍ ـ ١٨٥٦ م

زوبعة هائلة :

هاجت ريح شديدة في أواخر الربيع في رمضان ، فأظلمت الدنيا

__________________

(١) تاريخ الشاوي ص ٢٦.

(٢) تاريخ الشاوي ص ٢٦.

(٣) تاريخ الشاوي ص ٢٧.

١٢٩

وذلك من العصر إلى ما بعد العشاء ، ثم انكشفت ، وقد أرخ ذلك الفاضل عبد الغفار الأخرس بقوله : (لاح الغبار) أو (حان الغبار) ، وهي سنة ١٢٧٣ ه‍.

وفاة الوزير :

في يوم الأربعاء ٢٢ من ذي الحجة توفي الوزير محمد رشيد باشا الگوزلگي ببغداد ومنهم من قال في ٢٢ ذي القعدة ومنهم من بين أنه توفي في ٢٦ ذي الحجة. وجاء عنه في التاريخ المجهول المؤلف :

«.. حسد كل من يتعاطى المعاملة في البيع والشراء حتى إنه أعطى دراهم لأناس يجلبون الأغنام من القرى ، وهو شريك معهم على زيادة الدراهم .. وكان يأتي إلى بيت بعض التجار ، ويسأل كم يملك فلان التاجر ، وكم يملك فلان ، وهو حسود قد فاق .. بالحسد ، ويأتي إلى مخازن التجار ويستكشف عن دفاترهم ، ما تملكون؟ ، وما عندكم من المال؟ .. وقد تحكم به الملل الخارجية كاليهود والنصارى .. ومن حين ورد بغداد إلى أن هلك ما تصدق على فقير بدرهم واحد ، وهو كذوب ، حسود ، قاسي القلب ، بخيل ، ما سمعنا له بخصلة حسنة.

وفي أيامه :

١ ـ رفع إيرادات بعض المقاطيع الأميرية وهي الشكرخانة ، والمومخانة والمصبغة ، فجعل إيرادهن على الكمرك ، وزاد بعضا من رسومها على الرفتية فصار يعد عمله حسنا.

٢ ـ في أيامه جعل على رأس الغنم عشرين قرشا ، وقبله كان يؤخذ على رأس الغنم ١٣ قرشا.

٣ ـ الإعانة :

(١) أخذها لحرب المسقوف والعثمانيين.

١٣٠

(٢) صار يكرر الأخذ على سياق تلك ليجعلها سنة تؤخذ كل سنة.

(٣) أخذ من جميع سكان بغداد لبناء المسناة الواقعة على شاطئ دجلة المحاذية لقرية الأعظمية ، وهي مسناة قديمة من أيام العباسيين والعادة أنها تبنى إما من أوقاف النعمان أو من مال السلطان (من صندوق الدولة) ، وهو غصبها من الناس ، وأخذ ثلاثة أضعاف ما يجب أن يصرف لها.

٤ ـ أنه كان يضمن بعض الأنهر إلى بعض أولاد وجوه الناس بقيمة زائدة ثم يجبرهم على الأداء.

٥ ـ أنه كان يتراخى في حقوق الناس ، ويتهاون في قضاء حوائجهمورأيه مصروف إلى تحصيل الدراهم ، وفكره مشغول بتدبير الحيل التي يستلب بها أموال العباد.

٦ ـ إنه حفر نهرا في أيامه سمي بـ (المشيرية) وبـ (الوزيرية) أخرجه من تحويلة الخالص ، وجعله نهرا ، وأمر أن لا يزرع أحد الشلب بالخالص لانحياز الماء إلى نهره الجديد ، وبسبب ذلك كانت تغلو أسعار التمن (الأرز) حيث لا يكون جنسه مزروعا إلا في مكان واحد ، وهو بأطراف الشرقية (أنحاء الفرات) بأماكن معلومة في الهندية والدغارة فقط.

والخلاصة أن الكلام على ظلم الوزير محمد رشيد باشا وتجاوزه الحدود مما لا يحصى (١) ..

وهذا التحامل ظاهر من صاحب التاريخ المجهول. ونحن ننقل ما قيل فيه. والأعمال تقدر مكانة الرجل. وصاحب مرآة الزوراء من مادحيه. قال :

«إن هذا الوزير كان قد أكمل التحصيل في فرنسا ، وقضى مدة طويلة

__________________

(١) التاريخ المجهول.

١٣١

هناك ، وكان يعد من دهاة العالم في عصره في فنّ الإدارة الملكية ، وله آراء صائبة .. وفي أيام نامق باشا قامت الثورات والاضطرابات من جراء شدة بطشه ، وكمال صولته ، فعرض وهن على الإدارة واعتراها خلل .. فاتخذ طريق الصفح ، ومراعاة الحكمة في الأمور ..

وهذا الوزير راعى كل حيطة ، وأدرك أحوال العراق ، وعرفها معرفة كاملة وهدأ الحالة كما يرام ، ونظم الأمور .. وشمر عن ساعد الجد في أمر إعمار الملك وتكثير وارد الخزانة ، واهتم للأمر وأخذ له أهبته ، فتوسعت الواردات ، واكتسبت مالية الدولة ترتيبا نوعا ، ووفّى الديون المتراكمة ، وغالب رواتب الفيلق ، وأحيا بعض المقاطعات المندرسة من أيام علي رضا باشا اللاز ، وبذل ما أمكنه في أمر إنعاشها. واستمرت أشغاله هذه ليلا ونهارا لمدة أربع سنوات. وكان المأمول أنه سوف يدرك نتائج أعماله هذه وتظهر آثارها وظواهرها .. إلا أنه اخترمته المنية ، وانقضى أجله المحتوم ..» اه (١).

قام بما يعود لحكومته بالنفع .. ولم يلاحظ أن الموظف المتعصب يضر بالأهلين. ولعل سبب ذلك ما قاله صاحب التاريخ المجهول من التشديد على الأهلين وأبو الثناء الآلوسي يذكر ما تألم به منه في الطريق ، ويقول : لا يميز قدر فضل.

اليهود في أيامه

«من أهم من يصح ذكرهم آل دانيال وهم صالح دانيال وإخوته ، تقدموا عنده ، وكانوا في أيام الشيخ وادي شيخ قبائل زبيد يضمنون بعض الأراضي والبقية يشترونها بالسلف قبل أوان الشلب وحلول موسمه ..

وفي أيام هذا الوزير أيضا قويت كلمتهم ، وامتزجوا معه امتزاج

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٧.

١٣٢

١٣٣

الماء مع الخمر ، وانتفعوا انتفاعا بيّنا ، كل ذلك بالتفات الوزير لهم وتبيينهم له وجه المنافع الجارية على غير المعتاد ، بظلمهم على العباد ، إلى أن توغلوا في الأمور ، وتقدموا عنده حتى إنهم أخفوا عليه الحال وأخذوا يأكلون من أموال الميري لتوجهه لهم ، ولم يستيقظ من هذه الغفلة إلا قبل موته بأيام قلائل ، وقد آل أمرهم إلى أن ما كان يزرع في ملحقات بغداد من حنطة وشعير أو رز يشترونه ويحتكرونه حتى تغلو أسعار ذلك ، فيبدأون ببيعه حسب مرامهم. هذا مما ثبت عند الخاص والعام صراحة وإعلانا منهم بينا ، وقد انقطع سبب البائعين والشارين من الأهالي والسكنة ، فصار الطعام محوزا ومدخرا تحت أيديهم ، فأسعار الطعام غالية دائما في بغداد ونواحيها ..

وهؤلاء اليهود هم أساس فساد المملكة يلقون الفتنة بين شيوخ الأعراب والولاة ، فاستقام أمرهم (١٥) سنة بهذه الكيفية إلى مدة انتهاء هذا الوزير .. وهم باقون على هذه الحال ، وقد جمعوا دراهم جمة. ولو أردنا أن نذكر كل ما عملوه لطال التحرير ، وقصر التقرير ، ولكن أوجزنا التسطير في ذكر أصحاب السعير.

وقد وضعوا بدعا في أراضي الهندية لم تكن في الزمن السالف ، ومن ذلك أن موطنا فيه ماء يقال له (أبو بغال) ، جعلوا عليه أعوانا يأخذون من المار إذا كان راكبا أو كان حمل على دابته قوارب (كذا) ثلاثة دراهم ونصف ، فضاعفوه ، وبدأوا يأخذون خمسة عشر قرشا وأحيانا عشرين قرشا ، ومع هذا يضمنونه من الملتزم بثلاثين ألف قران (١)

__________________

(١) القران يطلق على البيشلك. ثم صارت قيمته قرشين صحيحين. وأصله نقد إيراني أوضحت عنه في كتاب النقود العراقية. وذلك أن فتح علي شاه في السنة الثالثة من سلطنته أمر أن يضرب على نقوده الفضية (صاحبقران). وتداول استعماله بتخفيف هذا اللفظ فصار يطلق على النقد المضروب (قرانا) وشاع كذلك.

١٣٤

ويلزم بأيديهم (٠٠٠ ، ٢٣٠) قران وسبب ذلك أن الملتزم لتلك الأراضي لا بد أن يقدم كفيلا ، وهم يكونون كفلاء للضامن بشرط أن يضمّنهم (أبو بغال) المكان المذكور ، فيضطر الملتزم إلى إعطائهم ذلك بثمن بخس ، ويحصل الضرر على الضامن ، وتحصل مغدورية على أموال السلطان» اه (١).

وعميد أسرتهم في أيامنا مناحيم دانيل. توفي في تشرين الثاني سنة ١٩٤٠ م وكانت ولادته في أيار سنة ١٨٤٦ م. وتوفي ابنه العين عزرا مناحيم بلا عقب في آذار سنة ١٩٥٢ م ـ ٦ جمادى الآخرة سنة ١٣٧١ ه‍ وكانت ولادته سنة ١٨٧٤ م.

نظرة في أعمال هذا الوزير

طالت مدة حكمه خمس سنوات. وكان أول ما قام به تحسين الحالة الاقتصادية في البلاد لا سيما الزراعة ، وشجع قسما من العشائر على الاستقرار. أقطعهم أراضي واسعة. وهو أول من استقدم البواخر لنقل البضائع التجارية بين بغداد والبصرة ، واستدعى كبار المتمولين ببغداد ، وفاوضهم في تأسيس شركة كبيرة لهذه الغاية ، فأوصت هذه الشركة المعامل البلجيكية بصنع باخرتين (بغداد) ، و (البصرة). ولكن الوالي مات قبل أن تصلا إلى بغداد أو لم تصل إلا واحدة منهما.

هذا. وإن أسواء الماضي كثيرة ، فتولدت قناعة في أن الولاة كلهم من نوع واحد ، وأنهم لا تمايز بينهم ، فصارت حوادثهم تصرف إلى العكس. ولا شك أن العمل النافع يذكر صاحبه ولو بعد حين.

وأعماله الأخرى المارة مهمة وليس لنا إلا أن ندوّن اختلاف وجهات النظر. فإن صاحب التاريخ المجهول كان ضيق الفكرة. يكتب

__________________

(١) التاريخ المجهول.

١٣٥

ما سمع من التذمرات ، ولم ينظر بعيدا .. وهذه الأعمال لا تنكر ولكن حرصه على منفعة الدولة وإضراره بالأهلين مما جلب النقمة عليه.

وفي سجل عثماني أنه مملوك حسن باشا. وكان أحد ضباط الجيش ، أرسل إلى أوروبا للتحصيل ، ولما عاد عهد إليه بالمدفعية العامرة ، ثم صار فريقا هناك ، وهكذا تقلب في مناصب كبيرة حتى إنه في ذي القعدة سنة ١٢٦٧ ه‍ (كذا) ولي منصب بغداد ومشيرية العراق والحجاز. وفي المحرم سنة ١٢٧٤ ه‍ (كذا) توفي. وكان ماهرا في الفنون ، قديرا في أمر الإدارة ، اكتسب صيتا حسنا ببغداد. وكان له ابن صاحب ثراء» (١).

والأستاذ أبو الثناء الآلوسي تذمّر من هذا الوالي. وبين أنه لا يميز قدر فضل فكان أبلغ وصف. ولعل السياسة خذلته ، فكان آلتها الفتاكة فأهملت شأن مثل الأستاذ أبي الثناء. ولم يكن أول سار غرّه قمر. لقنت الدولة تلقينات سيئة فحرمته من كل ما كان يأمل ، وسلبته وظائفه الدينية ...

مفتي بغداد الأسبق

(الطبقچه لي)

في شوال هذه السنة توفي مفتي بغداد الأسبق الأستاذ السيد محمد سعيد الطبقچه لي. وهو ابن العلامة الشيخ محمد أمين. من بيت علم ومن أبناء عمه الأعلى الأساتذة السيد محمد ووالده المفتي الأسبق أحمد المفتي. وكان المترجم ولي الإفتاء ببغداد في أول مجيء الوزير علي رضا باشا اللاز. وبعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل وبعد عزله رضا باشا اللاز. وبعده ولي الإفتاء الأستاذ عبد الغني جميل وبعد عزله

__________________

(١) سجل عثماني ج ٢ ص ٢٩٣.

١٣٦

عاد إلى الإفتاء ثم خلفه الأستاذ أبو الثناء الآلوسي. ويعد من أفاضل المدرسين. وكان من أساتذته والده وعبد الرحمن الروزبهاني. وله مؤلف في تقسيم العلم قدمه إلى الوزير داود باشا وعندي مخطوطته. ومن أولاده السيد محمد نافع والد الأستاذ صاحب المعالي فخري الطبقچه لي ووالد الأستاذ عطا الطبقچه لي. وللمترجم أخ هو محمد أسعد من أفاضل العلماء وابنه جابر وأولاده في الحلة. وآل القيارة وآل مصطفى الخليل من أولاد أعمامهم (١).

حوادث سنة ١٢٧٤ ه‍ ـ ١٨٥٧ م

الوزير

السردار الأكرم عمر باشا

قدوم الوزير الجديد :

في يوم وفاة الكوزللكي كان من الموجودين آنئذ من رجال الدولة السيد مصطفى فائق الدفتري المرسل من جانب الدولة ، وخيري باشا المنصوب على الجيش النظامي (٢) وكلاهما عاجز عن سياسة الحكومة ، فاستحسن وجوه البلد والرؤساء وغيرهم ممن له يد بالحكومة أن يكون الدفتري قائممقاما إلى أن يأتي الوالي الجديد إلى بغداد من جانب الدولة وقام بأمور العسكرية خيري باشا ، ولا يتعاطى الحكومة وإنما تعهد (بالنظام) الجيش النظامي ، والاثنان لم يقطعا في أمر مهم ، وبعد شهرين انتشر الخبر في البريد وجاء إلى بغداد أن حضرة السلطان أنعم على عمر باشا السردار الأكرم بوزارة العراق مع انضمام ديار بكر والموصل

__________________

(١) المسك الأذفر ص ٩٦ وهناك ترجمة والده محمد أمين وأخيه محمد أسعد.

(٢) المعروف أنه (النظام) مخففا من الجيش النظامي.

١٣٧

وكركوك وإربل وما حولها من قرى الأكراد ومن بغداد والمشاهدة إلى البصرة.

نزل من هناك في مركب دخان (مركب بخاري) وقدم حلبا ، ومنها مرّ بالسنجك (قضاء عانة) وصل إلى عانة ، ولم يعبر منها حتى توجه إلى هيت ، فعبر قبل أن يصل إليها ، وجاء على طريق الجزيرة إلى الصقلاوية ، ودخل بغداد من الجانب الغربي من باب علاوي الحلة ، ومعه العساكر النظامية والسوارية أي (الفرسان الخيالة) والهايتة ويزيدون على الأربعة آلاف.

وكان دخوله بغداد يوم الخميس الساعة الخامسة (عربية) نهارا في ٤ من شهر رجب سنة ١٢٧٤ ه‍ ولما دخل بغداد عبر الجسر (١) ...

والصواب أنه دخل بغداد يوم الخميس ٤ شهر رجب الموافق ١٨ شباط سنة ١٨٥٨ م.

وقال الأستاذ سليمان فائق إنه دخل بغداد في ٥ رجب ، وفي اليوم السابع قرىء الفرمان بالوزارة وهنأه بها الرفيع والوضيع ..

أخبرني الفاضل الأستاذ (فيتولد ريكوفسكي) المستشرق الپولوني أن عمر باشا هذا أصله مجري (هنغاري). ومثله في تاريخ الشاوي. دخل الجيش التركي مسلما وكانت له المكانة في الجيش. وصحبه إلى بغداد ضباط پولونيون منهم (إسكندر باشا) وهذا جرح في فتن الحلة في طويريج.

وكل ما علمته منه أن إسكندر باشا أصل اسمه (إيلي نيسكي) وكان متزوجا ببنت اسمها فاطمة من بوسنة. وبعد أن جرح عاد إلى استنبول

__________________

(١) في الأوراق نقص لما بعد ذلك ، فبقي بياضا .. ولعله بيان الاحتفال الذي أجري له. التاريخ المجهول.

١٣٨

وكان قائد فرقة فمات سنة ١٨٦١ م وجعلت الدولة تقاعدا لبنته أمينة ...

وهذا الوالي جعل نصب عينيه أمر تشكيل الجيوش النظامية ، واتخاذ أساس لها يعول عليه ولتأمين ذلك قام بأعمال من شأنها أن أفسدت عليه أمره ، فلم يراع حسن الإدارة أو السياسة المقبولة. ويتعين هذا مما جرى من وقائع أيامه ، فخابت آمال حكومته فيه ، ولم يقم بالأمر بوجه صحيح. ولا دارى الأهلين بحكمة وتدبير ..

قال في مرآة الزوراء :

«السردار الأكرم عمر باشا (١) ولي بعد وفاة رشيد باشا الگوزلگلي. ذاع صيته ، وولد رعبا في الأوساط والأهلين .. وفي ثالث يوم وروده هدم القلاع في أنحاء الديوانية والهندية دفعة واحدة ، وأمر بإخراج (الهايتة) من الجيش وهم المعروفون بـ (باشى بوزق) دون تريث ، وطلب من جميع الجهات الجندية في المدن والعشائر ، وسارع في الأخذ. ذلك ما ولّد اضطرابا في الأهلين والعشائر ، فرأوا هذا الحادث أشد من وقع الصواعق ولكن الوزير كان تأثيره كبيرا. أصابهم الخوف منه ، فلم يستطيعوا أن ينبسوا ببنت شفة. ملأ الرعب قلوبهم.

وفي خلال بضعة أيام تمكن من أخذ خمسمائة نفر من بغداد وحدها ، وسارعت القرى المجاورة في الإرسال .. وجاء الخبر من قائممقام خراسان (٢) ينبىء أن الأهلين والعشائر تركوا مزارعهم وهربوا من أوطانهم وكذا ظهرت ثورات وقلاقل من جراء ذلك في العشائر والمواطن المختلفة .. فزادت الاضطرابات في كل موطن ، وأدت الحالة

__________________

(١) في مجموعة الآلوسي رقم ٢٥٩١ سماه عمر لطفي باشا. وجهت إليه وزارة بغداد في المحرم سنة ١٢٧٤ ه‍.

(٢) يقال له خراسان وخريسان والأصل طريق خراسان فخفف. والآن يسمى (لواء ديالى). ونهر خريسان هو النهر الذي يسقي القرى. وأصله نهر طريق خراسان.

١٣٩

إلى وقوف الأعمال ولكن عزم الوزير لم يصبه فتور ، وصار يبعث بالجيوش متوالية لإسكان الفتن ... واستمر في أخذ الجندية من الحلة والنجف وكربلاء وما جاورها من الأنحاء الفراتية ولم يطرأ خلل على همته .. حتى إنه تولى قيادة الجيش بنفسه لعشائر الشامية والهندية فأبدى القدرة والكفاءة في إدارة الجيش فعلا ، وبرهن على تغلبه على الغوائل بأدنى همّة .. إلا أنه رأف بالناس ، وأمهل أمر تجنيد الجيش النظامي (١) .. من أعماله :

١ ـ هدم القلاع :

كان الگوزلگلي قد عمر سبع قلاع في أنحاء الهندية ، وأطراف سوق الشيوخ ، فأمر بهدمها ، وسرّح من فيها من الهايتة. ولا نزال نشعر بضرورة بقائها ، أو بناء قلاع جديدة .. فلما عاين الأعراب في أنحاء الهندية ذلك عادوا لا يعبأون بالوزير ولا يخافونه.

٢ ـ الهايتة :

يشتغلون في الجيش براتب فسرحهم هذا الوزير. وكان لهذا الأثر السيىء بأطراف الهندية وغيرها .. وأمله أن يأتي بالجيش النظامي محله. إلا أن الموانع من تشكيله كانت كثيرة.

٣ ـ إكرامية :

كان هذا الوالي يظن أنه إذا أكرم وجوه البلد وأنعم عليهم ببعض المنح يأمن كل غائلة ، ويتمكن من تنظيم الجيش الجديد ، فلا يجد معارضا .. فأكرم القاضي والنائب والمفتي والنقيب والسيد أحمد الموالي وأعضاء المجلس كل شخص خمسة آلاف قرش صاغ ، وللنقيب

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٨.

١٤٠