موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

والي بغداد

عبد الكريم نادر باشا

(عبدي باشا)

مدة وزارته قليلة ، لا تتجاوز ثمانية عشر شهرا ولا يؤمل خير من وال يبقى زمنا كهذا .. ولعل التجارب بصرت الدولة بمراعاة ذلك ، فصارت هي تدربه بالوجه المرغوب فيه لديها ، لا أن يسير بعقله وترتيبه. كأن الشاهد لا يرى ما يرى الغائب. وفي الوقت نفسه تحذر منه وتخشى تمكنه وتغلبه. فأوقعها الخوف في مهالك أعظم ومصاعب أجلّ.

كان فرمانه مؤرخا في أوائل شعبان سنة ١٢٦٥ ه‍ ـ ١٨٤٩ م ويتضمن أن الوزير الحاج محمد نجيب باشا قد انفصل وأودعت مهام ولاية بغداد إليه ، وهو متّصف بالأوصاف المطلوبة ، واقف على أحوال الإيالة ، كان هناك مدة ، فأودعت إليه إيالة بغداد وشهرزور وأن تتولى إدارة البصرة متصرفية ، فأودعت إلى والي طرابلس الغرب السابق المشير الوزير محمد راغب باشا ، وأوصيا بمراعاة المتوطنين والسكان من الأهلين والتبعة ومراعاة وسائل راحتهم ورفاههم ، وأن يلاحظ أمر طاعتهم وانقيادهم والتأليف فيما بينهم ، وأن يكون سلوكهم مرعيا ، ومعاشرتهم بتيقظ وبصيرة وأن تدار شهرزور بقائممقام (متصرف) حسن الإدارة (١).

وأبو الثناء الآلوسي نعته بخير النعوت وأطراه وذكر ما رأى منه من لطف. قال في نشوة المدام :

«حققت أنه لما سمع ـ الأستاذ سليمان فائق ـ بحلولي تلك المعاهد ، وتحقق قرب وصولي مدينة آمد ، رفع الأمر لحضرة فيلسوف

__________________

(١) سجل المحكمة الشرعية.

١٠١

الوزراء ، ومن ابتهجت بوزارته العادلة سابقا الزوراء ، ذي الحسب الزاهر ، والنسب الباهر ، الذي لم يقل السلطان لغيره (عبدي) ، وإن يكن قال فهو نادر ، السيد عبد الكريم نادر باشا الشهير بعبدي باشا ..» اه (١).

إلى آخر ما قال. ومثله بل أكثر ما جاء في غرائب الاغتراب (٢).

أثنى عليه الأستاذ الآلوسي ، وكرر القول في مدحه. رآه في ديار بكر المعروفة بـ (آمد) لما رأى من لطف وحفاوة فمدح أخلاقه النبيلة ..

وكل ما علمنا عنه أنه ذهب إلى (فينّة) من بلاد النمسا للتحصيل ، وفي سنة ١٢٥٦ ه‍ صار رئيس أركان الجيش برتبة مير لواء .. وتقلب في مناصب عديدة ، وفي ربيع الأول سنة ١٢٦٤ ه‍ نال منصب المشيرية للعراق والحجاز برتبة الوزارة ، وفي رجب سنة ١٢٦٥ ه‍ منح ولاية بغداد ، وعزل في صفر سنة ١٢٦٧ ه‍ ، وهكذا استمر في صعود حتى نال السردارية والسر عسكرية (٣) ، ثم نزعتا منه. وفي سنة ١٣٠١ ه‍ مات في رودس (٤). والشاعر عثمان نورس كتب (أثر نادر) من (مجموعة الطرب على لسان الأدب) باللغة التركية. تحوي بعض غزليات الوزير عبد الكريم نادر ، وخصص لها الجزء الأول من مجموعته هذه ، وفيها بعض أشعاره ، والباقي محرراته بقلم نورس .. ويذكر أنه رافقه من سنة ١٢٦٤ ه‍ فرأى منه كل لطف وكرم كما شاهد منه الأدب الجم ، والشجاعة والقدرة ، والحب للعلوم والمعارف وأثنى عليه كثيرا وجعل هذه المجموعة خاطرة وذكرى لتلك الأيام.

__________________

(١) نشوة المدام ص ٤٧.

(٢) غرائب الاغتراب ونزهة الألباب ص ٣٩.

(٣) السردار القائد العام ، والسر عسكر بمقام وزير الدفاع.

(٤) سجل عثماني ج ٣ ص ٣٥٨.

١٠٢

وذكر في الجزء الثاني منها بعض غزليات علي رضا باشا اللاز وجعلها ذكرى أخرى ، وبهذا جمع ما يتعلق بأيام الوزيرين وبعض الغزل.

وفي تاريخ الأدب التركي أوسعت الكلام في الشاعر عثمان نورس ومحرراته. ويأتي الكلام عليه في حينه.

القلعة :

وفي هذه السنة بنيت (القلعة). وتم بناؤها. وفي ديوان الفاروقي أبيات تشعر بعام البناء سنة ١٢٦٥ ه‍. وهذه القلعة تحوي في أيامنا (وزارة الدفاع). وكانت معروفة من العهد العباسي. وفيها أثر لا يزال محل اشتباه الباحثين. ويسمى بـ (القصر العباسي). وفي أوائل العهد العثماني كانت مشغولة ببيوت للأهلين وحمام ومرافق أخرى وفي أيام السلطان مراد الرابع بني فيها جامع القلعة. وكانت فيها دار الضرب وتكية. وذكرها أوليا جلبي ونسب الجامع إلى السلطان مراد الرابع وقبله كان عمره السلطان سليمان في حين أن وقفيته معروفة (١) وتدل على أنه بني حين تأسيسه.

حوادث سنة ١٢٦٦ ه‍ ـ ١٨٤٩ م

لم يظهر فيها من الحوادث ما يستحق الذكر.

حوادث سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥٠ م

عزل الوالي :

في هذه السنة عزل الوالي عبدي باشا وقد مرّ ما يوضح حياته الرسمية.

__________________

(١) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٤ ، والمعاهد الخيرية.

١٠٣

والي بغداد محمد وجيه باشا

(وجيهي باشا)

وهذا الوالي كانت مدة حكمه أقل من سابقه ، فلم يطل مقامه أكثر من عشرة أشهر ، فلا يستطيع أن يتعرف بالشعب ، ولا بإدارته ولا اختيار موظفيه .. ولا شك أنه لم يقع في زمنه ما يستحق الذكر. والظاهر أنه (محمد صالح وجيهي) المذكور بين ولاة الموصل من سنة ١٢٦٤ ه‍ إلى سنة ١٢٦٥ ه‍ (١).

وفي مرآة الزوراء :

«إن وجيهي باشا أودع أمور الإدارة إلى نامق باشا ، ولم يتدخل لا في خيرها ولا في شرها ، وطلب أن يعفى عن هذا المنصب ، وأنهى به إلى نامق باشا بضم مشيرية فيلق العراق إليه ..» اه (٢).

وجاء في سجل عثماني :

«إنه من أهل يوزغاد ، ثم صار رئيس البوابين وفي سنة ١٢٤٣ ه‍ صار قائممقام وال في أدرنة ، وبعدها تولى مناصب عديدة وولايات .. منها ولاية الموصل في ربيع الأول سنة ١٢٦٣ ه‍ (كذا). وهكذا حتى ولي بغداد في صفر سنة ١٢٦٨ ه‍ (كذا). وانفصل في صفر سنة ١٢٦٨ ه‍ (كذا) وهكذا صار في ولايات عديدة بعدها. وتوفي في ١٦ ربيع الآخر سنة ١٢٨٤ ه‍. وكان عارفا بالأمور الملكية ، مدبرا (٣) ، ولم يتم سنة ١٢٦٧ ه‍ فعزل.

__________________

(١) منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء ص ٢٩٥ لياسين بن خير الله الخطيب العمري نشر بتحقيق الأستاذ سعيد الديوه جي.

(٢) مرآة الزوراء ص ١٣٦.

(٣) سجل عثماني ج ٤ ص ٦٠٤.

١٠٤

هذا. مع العلم بأن له ابنا اسمه محمد صالح فهل هو الذي ولي الموصل؟ مع الإشارة إلى أنه نفسه ولي الموصل. ولا شك في أنه كان هو نفسه والي الموصل.

واقعة الوردية ـ الحلة :

وفي تاريخ الشاوي ورد أنه في أيام ولايته كان زعيم الفيلق السادس في بغداد وملحقاتها المشير محمد نامق باشا وقد وقعت بينهما عداوة وبغضاء وأسبابها الوقائع والثورات التي حدثت من عشائر الفرات فأراد الوالي تسكين الفتن سياسة وخالفه المشير ، فكان من رأيه أن يؤدبهم حربا. وجرت المخابرات والمراجعات إلى استنبول فتعهد المشير بضربهم وتأديبهم لتأمين شرف الحكومة ، فوافقت الدولة ، ومن ثم خرج بجنوده ، فضربهم ضربة قاضية ، وأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وأخبر استنبول بذلك فصدر الأمر بعزل الوالي ونصب المشير نامق باشا واليا مع زعامة الفيلق. وتسمى هذه الواقعة بـ (واقعة الوردية). لأن اجتماع العشائر للحرب كان في أراضي مقاطعة الوردية (١). والظاهر أن هذه الواقعة هي التي عرفت بـ (واقعة بني حسن) الآتي ذكرها ... بل لا يوجد غيرها.

عزل الوالي :

في صفر هذه السنة سنة ١٢٦٧ ه‍ عزل الوالي وجيهي باشا. وفي يوم السبت ٥ شهر ربيع الأول سنة ١٢٦٧ ه‍ خرج من بغداد قاصدا استنبول.

__________________

(١) تاريخ الشاوي ص ٢١ ـ ٢٢.

١٠٥

ولاية نامق باشا الكبير

كان هذا الوالي مدركا للأمور كما نعته بعض المعاصرين من العراقيين ، ومهابا في أعين الناس يتكلم الفرنسية بإتقان ، وكان لا يداهن في أمور الحكومة ، مقداما في الحروب ، عاقلا ، حازما.

أتته الوزارة في صفر ، وفي آخر هذا الشهر جاءه الفرمان من السلطان بالحكومة التامة وأنه وال على العراق من الموصل إلى البصرة ، وأطراف بغداد ، يولي عليها من شاء من قبله لا من قبل الدولة.

وقد هنأه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة.

جاء في تاريخ جودت باشا أنه كان من المعمرين ، وهو في عصرنا من أفاخم مشيري السلطنة. ولد سنة ١٢١٩ ه‍. تقدم في المناصب العسكرية بسرعة حتى نال في ١ شعبان سنة ١٢٦٥ ه‍ منصب المشيرية لفيلق العراق والحجاز. ثم إنه في أوائل سنة ١٢٦٨ ه‍ حصل على منصب الولاية ببغداد فجمعت فيه العسكرية والملكية معا .. فكانت هذه ولايته الأولى في بغداد.

وبقي فيها إلى ٢٩ شوال سنة ١٢٦٩ ه‍ فعين في هذا التاريخ لمشيرية المدفعية العامرة ، فعاد إلى استنبول وهو المعروف بـ (نامق باشا الكبير). ولم يذكر هذا المؤرخ شيئا من أعماله ببغداد (١) ..

نفي وتبعيد

سير مع الوالي المعزول وجيهي باشا سبعة رجال نفوا مقيدين. أرسلوا إلى استنبول ، فكان ذلك باكورة أعماله ، ومن هؤلاء مشايخ العشائر :

__________________

(١) تاريخ جودت باشا ج ١٢ ص ١٩٣ وفيه تفصيل.

١٠٦

١ ـ ظاهر المحمود شيخ زوبع.

٢ ـ كريدي شيخ الخزاعل.

٣ ـ مع كريدي ثلاثة من سادات قومه ، وقيل معه ستة.

قال صاحب التاريخ المجهول : «وهنا ذكر شيء يلزم تحريره وهو أن المنفيين إلى إسلامبول : كريدي الخزاعي ومعه من قومه ، وظاهر المحمود الزوبعي ، فإن ظاهرا قد تكلم مع كريدي على الهزيمة ، وقال له اليوم نحن عرب ، وجنس واحد ، وأنا مقتدر على الفرار هل لك أن تنهزم معي ، فسكت عنه كريدي ، ووشى على (ظاهر) ، فمسكه المبعوثون معهم وهم الجنود ، وضربوا ظاهرا ضربا موجعا. ومن بعد ذلك أيضا انهزم من المأمورين بإيصالهم إلى إسلامبول من فوق الموصل ، وركض عامة ليله ، واختفى وقت الفجر بأشجار سدر ، ورأى رجالا على جمال فصادفوه وعرفوه ، وهم من شمر ، غزو ، فأركبوه معهم وأوصلوه إلى محلهم ، وأرسل إلى أهله ، وتحول من مكانه الأول ، ونجا بنفسه ، وبدا يظهر العصيان ، ويقطع الطريق ، وأخذ بعض الأغنام لرعايا الحكام ، وغار (كذا) مرة ثانية ومعه فضيل أخو نجم الزيدان المحبوس عند الحكام في بغداد ، فأخذوا غنما مقدار عشرين ألف رأس ودواب وخيل ، وكروان أموال أمتعة كان مرسولا إلى هيت بمقدار جسيم ..» اه.

هذا. وقد تكلمت على قبيلة زوبع في (عشائر العراق) في المجلد الأول ، وأن رئيسها ظاهر المحمود علمنا عنه أول واقعة سنة ١٢٦٧ (١).

آل بابان وانقراض إمارتهم :

إن هذه الإمارة دامت مدة طويلة. وأولها رئاسة دينية ، ثم وليت

__________________

(١) التفصيل عن الخزاعل في الجلد الثالث من عشائر العراق.

١٠٧

الإدارة. وفي بادئ أمرها كانت سلطتها قليلة لا تتجاوز شهربازار. بدأت في أواسط القرن الحادي عشر الهجري ، فتوسعت بالسيطرة على العشائر الكبيرة حتى تمكنت. وقد مرّ بنا من حوادثها ما يعين مكانتها.

وغالب وقائع العراق متصلة بها وبإيران معا ، فلم يتيسر للدولة القضاء عليها ولكن شعرت بما يحيط بها من غوائل ، ومثلها إيران فاضطرتا على مراعاة السلم والهدوء بينهما بعد أن علمنا ما علمنا من حوادث محمد علي مرزا. وبعد وفاته تمت المصالحة بينها وبين إيران فعقدت معاهدة سنة ١٢٣٨ ه‍. وسنة ١٢٤٥ ه‍ ، وجرت مفاوضات عديدة لقطع نزاع الحدود من وجوهه المختلفة في أراضيه وإماراته ...

وبذلك تمت معاهدة سنة ١٢٦٣ ه‍ المذكورة. وهذه المعاهدة في الحقيقة تعد السبب في القضاء على إمارة بابان وانقراضها بعد جدال عنيف ونضال بالغ الحد. وباقي الأسباب من أهمها خمول طرأ على البابانيين أو شعروا بمجاري الأحوال فأذعنوا رهبة أو رغبة. ولم يخالفوا ما حدث من تبدل من جراء أن الدولة اتخذت التدابير وكانت عزمت عزما أكيدا في القضاء على الإمارات في العراق. وشجعها ما حدث من الوقيعة بالرواندزي وبأمراء العمادية.

قامت بتدابير تمهيدية من حين عقد المعاهدة مع إيران أو قبلها إبان المفاوضات واستمرت في تدابيرها إلى أن تم لها ما أرادت. وفي خلال المدة وتأمينا لمطلوبها عزلت (نجيب باشا) ، وجعلت عبدي باشا (عبد الكريم نادر) مشيرا ثم واليا ونامق باشا كذلك مشيرا ثم واليا ، فاختارت أكابر رجالها للمهمات مع توقع ما يحدث سواء في بابان أم في المنتفق من حوادث ...

وكلامنا في بابان. وكنت كتبت كتاب (شهرزور ـ السليمانية) أوضحت فيه عن هذه الإمارة وانقراضها وهنا أقول :

١٠٨

إن الدولة عزلت أحمد باشا بن سليمان باشا من إمارة بابان سنة ١٢٦٤ ه‍ ـ ١٨٤٧ م ودعته إلى استنبول ومنحته مناصب مهمة. وجعلت أخاه الأصغر منه عبد الله باشا مكانه ، وليها بصفة قائممقام (وهو بمعنى المتصرف في هذه الأيام) وهذا عزل سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥٠ م وذهب إلى استنبول سنة ١٢٦٨ ه‍ وتقلب في مناصب عديدة.

ثم حلّ محله عزيز بك من آل بابان. وكان نامق باشا اعتمده في أول وروده إلا أنه بعد مدة قصيرة عزله إذ قطع بأن آل بابان عادوا لا يصلحون للحكم. وبالتعبير الأولى أرادت الدولة إقصاءهم عن الإدارة فانتزعت منه الإمارة سنة ١٢٦٧ ه‍.

وفي الحقيقة كان انقراضهم من تاريخ المعاهدة المعقودة مع إيران سنة ١٢٦٣ ه‍. وأول قائممقام عرف للسليمانية من غير البابانيين إسماعيل باشا فهو أول متصرف من العثمانيين.

وقد أثنى عليه أبو الثناء الآلوسي وبيّن أنه كان صادق الخدمة لدولته ، وأنه ممن صحبه زمن المرحوم علي رضا باشا وقد خدم أحسن خدمة في حادثة السليمانية فأنست به استنبول ، وأنه رأى فيها من حسن معاملته فوق المأمول (١).

وفي عشائر العراق الكردية (ص ٩٨) وفي كتاب لواء شهرزور ـ السليمانية تفصيل أكثر.

الحلة في أيامه :

قال الشاوي : كان الوالي نامق باشا شجاعا حقودا على العصاة ، فكل من يخرج عن طاعة الحكومة يقدم له السيف لا السياسة ... وكان الموظفون في أيامه يخافون بطشه ويبذلون كل جهد لينالوا رضاه ...

__________________

(١) غرائب الاغتراب ص ١٦٠.

١٠٩

وكان قد عين لقائممقامية الحلة خلف آغا إلى آخر ما قال (١). وحكى ظلم خلف آغا.

مشيخة المنتفق

في ٢٣ شهر ربيع الثاني سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥١ م تغلب شيخ المنتفق منصور بن راشد (ابن ثامر السعدون وهو منصور باشا) من مشائخ المنتفق على فارس بن عجيل (٢) ، وصار شيخا بالسيف بدل فارس المذكور ، وكلاهما قبل هذه المادة ساد قومه مرتين ، الواحد يغلب الآخر ، ولم ينقطع القتال بينهما إلى أن آل الأمر في هذه الواقعة إلى الشيخ منصور ... وهو من أمراء المنتفق ... وفارس كان أبوه شيخا في وزارة داود باشا وانتصر عليه الشيخ منصور ، فانتدب للشيخ منصور الشيخ وادي شيخ زبيد ، سار من طريق الحلة ، وقصد الفزعة لمنصور ، فوقف الفريقان طوائف المنتفق قسمين ، قسم مع فارس ، وقسم مع منصور وزبيد معهم ، فأولا كان الغلب لجماعة فارس ، ومن بعد صارت الهزيمة على فارس وقومه ، وقتل عبد الله أخو فارس وكان شجاعا معدودا أشجع من فارس المذكور ، ومسك جماعة وادي فارسا وأبقاه وادي عنده محجورا عليه» اه (٣).

أصل المنتفق

قال : «وهؤلاء المنتفق ذكر مؤرخو البصرة عنهم ، ومنهم السيد إبراهيم الرفاعي وكان عالما فاضلا (قال) : إن قبيلة المنتفق أصلها حسنية

__________________

(١) تاريخ الشاوي ص ٢٢.

(٢) منهم اليوم الشيخ علي بن ناصر بن فارس العجيل. وعجيل هذا أخو سعدة بن محمد بن ثامر السعدون.

(٣) التاريخ المجهول.

١١٠

من أولاد الحسن رضي الله عنه. لا جميعهم بل رؤساؤهم ، وما عداهم من قبائل متفرقة ، وذكر عنهم أن وجودهم في هذا المكان سنة الستمائة بعد الهجرة ، سكناهم في أراضي البصرة ، ولهم أراض مزارع ونخيل تبلغ لكوك يأكلونها ، وجعل (يريد الرفاعي المذكور) لهم تاريخا مستقلا مختصرا ، وعدّ أمراءهم به مفصلا ، هذا طالعت به ، ووجدته عند واحد من أهل البصرة ونقلت منه هذين السطرين لأجل اللازم» اه (١).

وفي هذا ما يؤيد أن الأمراء سادة حسنية ، وذكرت في تاريخ العراق أصلهم وزمن ورودهم بنصوص قطعية ولم نجد ما يؤيد وجودهم قبل عهد المغول وفي النص المنقول ذكر للمبالغة في القدم (٢).

وكنت تكلمت في أصلهم في تاريخ العراق بين احتلالين ج ٢ وفي كتاب الأنساب للسيد ركن الدين الحسني ما يوضح عن تاريخ ورودهم العراق ومن تفرع منهم مما أوضحناه في عشائر العراق (ج ٤). وحوادثهم مبينة في المجلد الثالث من تاريخ العراق فيما بعده.

المجلس الكبير في بغداد :

كانت صدرت الإرادة السنية بتأليف هذا المجلس في رمضان سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥٠ م ، وكان تأليفه في بغداد استنادا إلى (خط كلخانه) المعلن بوقته (٣) .. وصار يعد أول خطوة لقبول الإدارة القانونية .. وأن يكون الحكم بيد الأمة أو أن تشترك الأمة في أعمال الحكومة. وقد تكلمت على ذلك فيما سبق.

__________________

(١) التاريخ المجهول.

(٢) تاريخ العراق بين احتلالين ج ٢ وج ٦ في حوادث كثيرة. وفي عشائر العراق المجلد الرابع بحث في أصلهم.

(٣) مجلة لغة العرب ج ٥ ص ٢٧ ومباحث عراقية ج ص وخط كلخانة هو فرمان التنظيمات الخيرية.

١١١

قبيلة بني حسن :

ذكر الأستاذ أبو الثناء أنه في جزيرة ابن عمر سمع بواقعة للوزير نامق باشا تدل على انتصاره على (عشائر بني حسن). ورد إليه كتاب يخبر بما جرى. ذكرها الأستاذ (محمد أمين العمري الكهية) في قصيدة. وفي ذيلها أبيات في تاريخ هذا الانتصار كما سطر الأستاذ الشاعر عبد الباقي العمري بعض أبياتها (١).

ولم نر فيها تفصيلا للحادث. والظاهر أنها كانت أيام وجيهي باشا وعلى يد نامق باشا. وكان ممن حاربه بنو حسن القبيلة المعروفة.

رحلة الأستاذ أبي الثناء إلى استنبول :

كان الأستاذ أبو الثناء قد ضاق به الحال بسبب العزل وتجريده من الوظائف المهمة مثل (تولية أوقاف مرجان). فذهب إلى استنبول (فروق). خرج من بغداد في غرة جمادى الآخرة سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥١ م وفي سفرته هذه كتب ما شاهد وذكر من لقي حتى وصل إلى استنبول. وسمى رحلته هذه (نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول). ثم عاد إلى بغداد فدوّن ما مرّ به في طريقه وكان رجوعه إلى بغداد في ٥ شهر ربيع الأول سنة ١٢٦٩ ه‍ ـ ١٨٥٢ م وكتب بذلك رحلة دعاها (نشوة المدام في العود إلى مدينة السلام).

ثم إنه بعد عوده سنة ١٢٦٩ ه‍ ـ ١٨٥٣ م كتب ما جمع فيه بين الرحلتين وزاد توضيحا في رحلته المسماة (غرائب الاغتراب ونزهة الألباب) فكانت أبدع ولم يستغن عن الرحلتين الأخريين. ففي كل واحدة من هذه الرحلات الثلاث ما ليس في الأخرى فكانت خزانة معرفة.

__________________

(١) نشوة الشمول ص ٤٨ والأشعار في هذه الحادثة مذكورة في هذه الرحلة.

١١٢

ربح هذه الرحلات وإن لم ينجح في مسعاه وما ذهب من أجله فالطغيان لم يكن من الولاة كما توهم. وإنما كان ذلك مقصود الدولة فخاب أمله وعاد بالخذلان ، إلا أنه ترك لنا ثروة أدبية وعلمية وتاريخا ناطقا. وكان يعلم ما كان ينوشه من افتراء وتدليس وبيّن أنه لا يخلو هناك من مناضل يذب عنه ولكن تغلب أهل الشقاوة فقضي على آماله.

حوادث سنة ١٢٦٨ ه‍ ـ ١٨٥١ م

نفي وإبعاد :

في يوم الخميس سلخ شهر ربيع الآخر سنة ١٢٦٨ ه‍ نفى نامق باشا مقدار مائة رجل من أهل الجنايات إلى البصرة. كانوا في السجن ، وأكثرهم لم يستوجب النفي ، ولكن نفاهم عملا بقواعد التنظيمات التي هي مدار أحكامهم وسياستهم (١).

صالح العيسى شيخ المنتفق :

في غرة جمادى الثانية قدم إلى بغداد الشيخ صالح بن عيسى (٢) من أمراء المنتفق وكان أبوه شيخا على المنتفق ، أرسل عليه الحكام ، ونزل خارج البلد ، في باب المعظم. وقصد الحكام يسيّرون معه عساكر إلى بلاده ويجعلونه شيخا عوض الشيخ منصور بن راشد. وفي ثالث يوم قدومه عبّروه دجلة من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي ونزل (باب الحلة) ، وسمع أن عرب زبيد مرامهم يغتالونه فطلب من الوزير نامق باشا أن يسير إلى بلاده من الجانب الشرقي لئلا يظفر به

__________________

(١) كذا قال صاحب التاريخ المجهول. وكان من الناقمين.

(٢) الشيخ صالح بن عيسى بن محمد بن ثامر السعدون. وهو الذي بنى قلعة صالح بين العمارة والقرنة. والآن هي قضاء. وكان والده عيسى الحريق شيخا على المنتفق.

١١٣

١١٤

أعراب زبيد ، فما أذن له الوزير بالمسير مما رامه المذكور فعند ذلك أغارت أعراب زبيد ومعهم أخو وادي فحل ، وابن أخيه سمرمد وأخذوا من سواد العراق أغنامه وأمواله ، وقطعوا طريق الحلة وأخذوا بعض الخانات ، وتبيّن وجه تعدّيهم ، وخلع الطاعة ، وبان صريحا أنهم يريدون أن يغتالوا الشيخ صالح العيسى ، فعند ذلك أذن الوزير له بالمسير على الجانب الشرقي من بغداد على طريق جسّان وبدرة وألحقوه بمدد بعض العسكر من أعراب نجد راجلين ، وهم من عقيل وكان ظهوره يوم ١٣ من جمادى الآخرة» اه (١).

غارات زبيد :

«في أوائل جمادي الآخرة كثرت الغارات من أعراب زبيد حتى أنهم وافقوا في دجلة خمس سفن محمّلات أموالا للتجار ، فعاقوها عن المسير ، وهؤلاء هم أعراب وادي. ومع هذه الغارات الجمّة يسمع الوزير ولم يرسل عسكرا لقتال هؤلاء الباغين ، وذلك بعكس عادة الوزراء الماضين في العراق ، فإنهم إذا سمعوا بأن أعرابا أخذوا ، ركبوا بأنفسهم ، أو أرسلوا من يقوم مقامهم لأجل فك أموال الناس من المعتدين.

وهذا الوزير جمع العساكر في الديوانية ، ولم يحارب هؤلاء المتجاسرين والذي أحوجهم إلى خلع الطاعة بطشه بهم ومماشاتهم على غير المعتاد ، فإنه قد ذكرنا في تاريخنا هذا أنه سيّر إلى إسلامبول مقدار عشرين رئيسا من رؤساء العرب ، وبعضهم محبوسون بالقلعة مهانين ينقلون الأحجار والتراب على ظهورهم ، وهم من كرماء العرب

__________________

(١) التاريخ المجهول. وفي عشائر العراق ج ٣ ص ٣٥ بيان عن وادي الشفلح وإخوته ، والملحوظ أن سمرمدا هو ابن حمد أخي وادي ، ورئيس زبيد اليوم مزهر ابن سمرمد.

١١٥

وشجعانهم. وهذا الفعل مباين لعادة الملوك الماضين» اه (١).

المسيب وأطراف بغداد :

ثم قال «وفي ١٤ جمادى الآخرة في يوم الأحد أتى الخبر أن أعراب زبيد أتباع وادي أخذوا المسيب ، ونهبوا ما فيها من الأهالي ، ونهبوا الطعام الذي هو مخزون للناس ، وأن ما حول بغداد من الأعراب خافوا على أموالهم وأنفسهم وجعلوا منزلهم قرب المدينة ، وبقيت أمور الناس معطلة وجميع الطرق مخوفة ، ولا يمكن لأحد أن يطلع من البلد ، ويسير مقدار ساعتين إما ينهب أو يقتل كما وقع مرارا.

وأعراب وادي نازلون بالوردية وهو مكان قريب من الحلة مقدار نصف فرسخ والعساكر بالنزيزة وهو مكان طرف بلد الحلة بل هو من الحلة ، وحاصروا البلد ، ولم يقدر أحد أن يذهب خارجها ، وانقطع الخبر من بغداد إلى الحلة وغلت الأسعار بالحسين (كربلا) وبالمشهد (النجف) والحلة. والمزارع التي حول بغداد آن حصادها ولم يمكنهم أن يحصدوها مخافة الطريق وبقي أمر الخلق مضطربا فلم يجدوا ملكا يصون أموالهم. ولم يتفق بالعراق انحلال واختلال كما في هذه الأيام.

ثم إن الوزير نامق باشا يوم ٢١ رجب أطلق سمير الزيدان من مشايخ شمر ، وكان مسجونا» اه (٢).

الوالي في نظر الغربيين :

لا ينظر الغربيون إلا إلى مصالحهم. قالوا :

كان في حكمه مشهورا بتعصبه على المسيحيين والأجانب ، وذكروا له حادثة اتخذوها دليل ذمّه ، وذلك أن شاميا من تبعة فرنسا كان صيرفيا

__________________

(١) التاريخ المجهول.

(٢) التاريخ المجهول.

١١٦

يمثل بعض البيوت التجارية في بيروت ، ركب يوما حصانه ، فأدى به طريقه إلى سوق الهرج ، وفي هذه الأثناء كان نامق باشا ذاهبا إلى الصلاة يوم جمعة وموكبه مؤلف آنئذ من فرسان الجندرمة يتقدمهم ضابط كبير ، وجاء القواصون بعدهم يتقدمهم رئيسهم (قواص باشي) ، ثم كبار موظفي الدولة ، والوالي يأتي بعدهم راكبا حصانه ، ويتبعه الكهية ثم الإمام ، وعدد كبير من رجال الدين.

وكان قد اعتاد الناس أن يبقوا واقفين عند مروره ، كما أنه إذا مرّ خيّال بهذا الموكب ترجّل احتراما إلى أن يمضي الموكب. أما الشامي فيظهر أنه كان يجهل التقاليد ، فلم يترجّل ، فلما شاهده نامق باشا بهذه الحالة عدّ ذلك سوء أدب أو صلافة منه لا سيما بعد أن علم أنه نصراني فأمر الجندرمة بإنزاله عن حصانه فأخذ هؤلاء يوجعونه ضربا مبرحا بمؤخرة بنادقهم (قونداق) حتى أسالوا منه الدماء ، وبقي طريح الفراش بضعة أسابيع. أما القنصل الفرنسي فقد احتج احتجاجا شديدا على هذه الفعلة القاسية ، كما أن السفير الفرنسي باستنبول قدم احتجاجا مماثلا للباب العالي طالبا تعويضا ماليا للمعتدى عليه (٣٦٠٠٠) فرانق فكانت النتيجة أن استدعي نامق باشا إلى استنبول بعد أن حكم مدة (٩) أشهر (١).

يعزو الغربيون عزله إلى هذا الحادث. وأعتقد أن اضطراب الحالة كانت السبب الرئيسي.

عزل نامق باشا :

مما مرّ عرفنا الحالة السياسية ، والأوضاع الحكومية أيام نامق باشا ، فكانت الأمور مرتبكة ، والناس في ريب من أوضاعهم. علا

__________________

(١) كتاب بغداد وسكة حديدها باللغة التركية ، وكتاب بغداد لنجيب شيحة بالعربية والفرنسية.

١١٧

صوت المتنفذين وصارت الأموال غير مصونة ، والطرق مختلة فالعراق أصابه انحلال واختلال لم ير مثلهما في عصوره الماضية. فعزل هذا الوالي.

وجاء في مرآة الزوراء :

«إن نامق باشا عهدت إليه إيالة بغداد ومشيرية فيلق العراق ، فترك المشار إليه راحته ليل نهار ، وسعى جهده لمصالح الإيالة وتدبير أمورها ، وتنسيق إدارتها. قام بذلك بنفسه ، فاتصل بالإصلاح من أصله .. ولكنه من جراء التداوي المتوالي قد بدت فيه الأمراض المكتومة ، والعلل العارضة ، فظهرت القلاقل ، وتوالت المحن .. نهض أهل الشقاوة من كل صوب ، فتوالت إقداماته وبرزت العلائم المبشرة بقرب التنظيم والتوجيه .. إلا أن ذلك أدى إلى أن رجال الدولة صاروا لا يرون بقاءه فعزل ..» اه (١).

وقال الأستاذ الآلوسي :

«وكنت سمعت عن والي باشا في الاجه خان خبرا يتلوّن تلوّن الحرباء في قبوله الأذهان وهو عزل الوزير ، الذي لحضرة السلطان حسن ظن به ، والمشير الذي لا يستشير سوى غضبه ، ذي المهابة التي حفظت بغداد عن أن تنتهبها يد أهل البغي والفساد وصدت مفسد العشائر عن تخريب المنابر والمناير ، عالي الهمة محمد نامق باشا ، زاده الله تعالى بالأنظار الخاقانية انتعاشا ، ونصب الوزير الذي ندر مثله فيمن استوزر والمشير الذي فخر عقله بما انطبع فيه على مرآة الإسكندر ، حضرة ذي العزم الجلي ، رشيد باشا الشهير بالگوزلگلي ، فلم يطمئن قلبي بهذا الخبر ، وحسبت راويته جاء بالصقر والبقر ، حيث إن الوالي الأول من

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٦.

١١٨

نظرة حضرة السلطان بأعلى محل ، وقد اطلعت على اتفاق معظم الوكلاء على السعي في عزله ، لما اطلعوا على اضمحلال العراق ، واختلاف أهله ، وأن بغداد بعد أن كانت شجرة لا يبلغ الطير ذراها :

قد تراخى الأمر حتى أصبحت

هملا يطمع فيها من يراها

وأنه لا يستطيع الطير أن يطير ، ولا الأسد الوثاب أن يسير ، ما بين باب حلّتها وبصرتها ، بل ما بين باب كرخها ومقبرتها ، وتعذر على الساعي الخريت ، الذهاب من باب الكاظم إلى هيت وتكريت ، حيث كثر القتل والنهب في جهاتها الأربع ، فغدا كل من اشتمل عليه سورها يفتت مما عراه اليرمع ، فلم يلق حضرة السلطان لهم سمعا ، وعلموا منه أنه يحب المشير المشار إليه طبعا ، فتركوا لما أيسوا العراق على ما فيه ، ولم يعبأوا بانقطاع ما كان يسيل من الذهب والفضة من واديه ، حتى إذا وصلت إلى آمد رأيت الخبر أظهر من أن يجحده جاحد ، فقلت سبحان مقلب القلوب ، الشاهدة أفعاله بأنه الرب المتصرف وما سواه مربوب ، وملأ التعجب من قلبي أركانه وإن كنت تحققت أنه رفع الله تعالى قدره نصب مشير الطوبخانة ، وكان هذا النقض والإبرام في أول ذي القعدة الحرام (١) ، فنسأل الله تعالى شأنه أن يوفق كلّا فيما نصب له ، ويزيل عن العراق ما أسال عرق القربة ، ويسيل عليه فضله» اه (٢).

وجاء في حديقة الورود :

«ولما دخلتها ـ فروق ـ جعل سمعي يفت حنظل أخبار بغداد ،

__________________

(١) في تاريخ جودت باشا أنه عزل من بغداد وعين إلى المدفعية في ٢٩ شوال سنة ١٢٦٩.

(٢) نشوة المدام. مخطوطتي رقم ٧٥. والمطبوعة ص ٤٩.

١١٩

ويتجرع ما أجرى الله تعالى على يد واليها من سموم الأكدار والأنكاد ، وذلك أنه أفسد البر ، وحلف ليكثرن فيه الهرج والمرج فبرّ ، فعصفت بي عواصف الغيرة ، فقذفتني في بيداء الحيرة ، ومقلتني في بحار التشويش ، فجعلت أتشبث بكل حشيش ، وشرعت أغري على طلب وزارتها كل من أراه ، وإن كنت أعلم أنه لا يصلح أن يكون واليا على خراه ، ولم أدر ما أودع في بطون الأقدار ، وما ينتجه إيلاج الليل والنهار ، فأصبح يطلبها منك (فنك) ذباب وهو لعمري أقذر من الطلياء وأهون من معباه القحاب. لم يزل ماله في زيادة وهو مع ذلك أبخل من كلب بني زائدة ... وانقضت الأيام والأمر بين نقض وإبرام.

ولما خرجت سمعت في الطريق بأن الوالي قد عزل على التحقيق ، وأنه قد نصب بدله من لم يكن يخطر ببال ، ولم يمكن أن يرى برصد الفكر في سماء الخيال ، وهو المشير العديم النظير الوزير رشيد باشا الگوزلگلي ـ لا رأته المكاره ـ بدر بنيها الواضح الجلي ، حتى إذا دخلت ديار بكر ، سمعت من زيد وعمرو مزيد الثناء عليه ، وأنه المشير المشار ببنان التعظيم إليه (إلى أن قال :) ثم سرت متوجها معه إلى بغداد ...» اه (١).

ولعل في هذا ما يعين أوضاع بغداد ، ودرجة الأمن ، وفي ذلك تأييد لما جاء في التاريخ المجهول. تألم الأستاذ الآلوسي لحالتها ، فلم يقصر ببيان. وذكر عن وادي شيخ زبيد ما يؤيد. وهذا لم ير مسيطرا فتسلط وإن الأستاذ سليمان فائق أيد اضطراب الحالة ، وإن كان حاول التوجيه ، وهو الكاتب البليغ القدير والسياسي الماهر.

__________________

(١) حديقة الورود ص ٦٤٨.

١٢٠