موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

ومنهم من قال إنه من أمراء (لپ زيرين) (١) في برادوست من أمراء زرزا شنّ غارات عديدة وأوقع وقائع قاسية وقعت أيام داود باشا ، ومنها ما كان على (اليزيدية) أيام علي رضا باشا إجابة لاستغاثة الشيخ يحيى المزوري (٢) المتوفى سنة ١٢٥٢ ه‍. مطالبا بدم عمّه (علي آغا البالطي) (٣). قتله اليزيدية. فأفتى أحد علمائه الشيخ محمد الخطي العالم المعروف جد الأستاذ خورشيد بن عبد الحكيم ابن الشيخ محمد الخطي بقتلهم ما دعا كور باشا أن يقاتلهم. وتوفي الخطي سنة ١٢٥٢ ه‍. بعد القضاء على كور باشا وكان من مشاهير العلماء في أيامه. وعندي له رسالة قدمها إلى داود باشا (في العلم الإلهي). وله مؤلفات أخرى ...

صال كور باشا على اليزيدية (٤) عبر الزاب الأعلى من جهة (ياسين كلك) ، وتعقب أثرهم حتى الموصل ، فقطع أهل الموصل الجسر حذرا منه ، فاعتصم اليزيدية بالنبي يونس عليه السلام وتحصنوا فيه إلا أنه استولى عليهم بعد المحاصرة ودمرهم تدميرا. وكان الأستاذ أبو الثناء رآهم في ياسين كلك بعد تلك الواقعة وذكرهم في رحلته. والظاهر أنهم رأوا

__________________

(١) أصلها (لب زرين) أي ذو الكف الذهبي وهم رؤساء زرزا. وكانت تسميته باسم امرأة عرفت بهذا اللقب تولت الإمارة وانتقمت من أعدائها الذين قتلوا أخاها. ومن ثم لازم هذا اللقب رؤساءها. وصار يحكي الكرد قصصا عن (لب زيرين) تمثل حوادث البطولة كقصة عنترة وأمثالها عند العرب وزرزا ذكرت في عشائر العراق الكردية (ج ٢ ص ٢١٧) ووردت في تاج العروس في مادة كرد ومروج الذهب. وأصلها (ابن الذهب) لا (ابن) الذئب فقد جاء مصحفا لأن زر بمعنى الذهب و (زا) مخفف (زاده) أي ابن والمجموع ابن الذهب ونبه على ذلك الأستاذ (ورنر كاسكل) عند ذكره في مجلة المشرقيات كتاب عشائر العراق الكردية.

(٢) من العلماء المشهورين. توفي ببغداد سنة ١٢٥٢ ه‍ عنوان المجد ، وحديقة الورود والمسك الأذفر ص ١٢٩. ودفن في جامع العادلية الكبير.

(٣) نسبة إلى بالطة قرية بجوار بريفكان على مسافة بضع دقائق منها.

(٤) في تاريخ اليزيدية المعد للطبع أوضحت هذه الواقعة.

٤١

٤٢

ضعفا ، فمالوا إلى أبناء طائفتهم (١) وكان قبل ذلك رآهم نيبور السائح الهولندي وذكر بعض قراهم قبل واقعة كورباشا الرواندزي (٢). رآهم في الجانب الأيمن من الزاب الأعلى. ومثله في رحلة المنشي البغدادي وسميت قريتهم بـ (حسين كفتي). ولعلها نفس قرية (ياسين كلك) (٣). ثم مال الأمير كور باشا إلى العمادية وفعل بها ما فعل. وتوالت حوادثه ، فشغل الدولة ومن ثم اهتمت للأمر خوفا من توسع هذه الإمارة.

عزمت الدولة على القضاء عليه ، وعدت غائلته من أمهات الغوائل ، فجهزت والي سيواس الصدر الأسبق والسردار الأكرم رشيد محمد باشا. اختارته للأمر وعهدت إليه بالمهمة. وأمرت والي الموصل محمد باشا (اينجه بيرقدار) ، ووزير بغداد علي رضا باشا اللاز أن يكونا على أهبة وموعد للتعاون معه وأن يهتما في دفع هذه الغائلة.

قام الكل بما عهد إليهم مجتمعا. ومن ثم وقبل الشروع في حرب كور باشا حذره السردار من العصيان ، وكتب إلى العلماء أن ينصحوه لتقديم الطاعة. وفي الوقت نفسه تعهد له السردار رشيد محمد باشا أن لا يلحقه ضرر ولا يمسّه سوء ، فأبدى انقياده وأذعن للسلطان ، فأخذ إلى استنبول وعفي عنه. ثم صدر الفرمان بقتله في طربزون ومنهم من قال في سيواس ودفن فيها. وفي رجب سنة ١٢٥٢ ه‍ توفي الصدر الأعظم السردار رشيد محمد باشا ولعل لوفاته دخلا في قتله بعد العفو عنه. مات بلا عقب. والباقون اليوم من ذرية أخيه رسول آغا. ومنهم إسماعيل بن سعيد بن عبد الله مخلص قتل قبل بضع سنوات وهو ابن أخي إسماعيل قتل غيلة.

__________________

(١) نشوة المدام في العود إلى مدينة السلام ص ٩٨.

(٢) رحلة نيبور المنشورة في مجلة (سومر) ج ٩ ص ٢٥٠.

(٣) رحلة المنشي البغدادي ص ٧٧.

٤٣

وكان رشيد محمد باشا من أكابر رجال الدولة نال الصدارة في أوائل شهر رمضان سنة ١٢٤٤ ه‍ ، وفصل عنها في أوائل شهر رمضان سنة ١٢٨٤ ه‍ وولي سيواس في جمادى الآخرة سنة ١٢٤٩ ه‍. وفي ذي القعدة من تلك السنة بمناسبة غائلة الرواندزي أضيفت إليه ولاية ديار بكر لزيادة الاهتمام بالأمر.

وعلى كل حال انقرضت إمارة الرواندزي سنة ١٢٥٢ ه‍ ـ ١٨٣٦ م. قام لها الترك وقعدوا. وقالوا كانت أقلقت راحة الأهلين مدة اضطرب فيها حبل الأمن وسلبت الطمأنينة ... وعلى كل عادت في طيات التاريخ. عاشت في حياة كور باشا وماتت بموته. وكان التشنيع عليه بسبب توسع إمارته ونجاحها في ديار الكرد وحسبوا لها خطرها عليهم. فأرسلوا إليها أحد الصدور العظام بلقب (سردار أكرم). وبهذا كان قد حصل رشيد محمد باشا و (اينجه بيرقدار) وعلي رضا باشا اللاز على إنعامات السلطان من جراء هذا العمل الجدير بالإنعام والتقدير. وإن الشيخ صالح التميمي مدح الوزير علي رضا باشا اللاز بقصيدة على هذا النجاح الباهر.

والملحوظ أن ما جاء في تاريخ الموصل للأستاذ الصائغ من أن قيادة الجيش كانت بيد (مصطفى رشيد باشا) فغير صواب. تسرب إليه الخطأ من سالنامة الموصل. وسماه الأستاذ الدكتور داود الچلبي (رشيد باشا الگوزلكي) ظنا منه أنه وزير بغداد المذكور. وجاء في كتاب (إمارة بهدينان) أنه (محمد رشيد باشا). وقع فيما وقع فيه معالي الأستاذ المرحوم محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الدول والإمارات الكردية) (١)

__________________

(١) (سياحتنامه حدود) ص ٣١٠ ، وتاريخ لطفي ج ٥ ص ٥٧ و ٦٢ وتاريخ الموصل ج ١ ص ٣١١ ـ ٣١٣ وسجل عثماني ج ٢ ص ٣٩١ وسالنامة الموصل لسنة ١٣٢٥ ه‍ ص ١٠٠ ـ ١٠١ وديوان التميمي ص ٥٢ ، ومخطوطات الموصل ص ٢٥٣ وتاريخ الدول والإمارات الكردية ص ٣٩٨.

٤٤

دون أن يصرح بالنقل منه (١).

إمارة العمادية ـ انقراضها :

هذه الإمارة كنت ذكرتها في (عشائر العراق الكردية) وفي الأجزاء السابقة من تاريخ العراق وفي هذا العهد على ما جاء في مجموعة السهروردي أن العمادية كانت بيد إسماعيل باشا ابن طيار باشا (محمد الطيار) وكان أخوه عبد القادر بك رهنا لدى علي رضا باشا. ثم إن إسماعيل باشا هذا خرج على الوزير فأرسل إليه جيشا بقيادة الملا حسين آغا كتخدا ففرق إسماعيل باشا جماعتهم ، فاحتاج الوزير أن ينكل به وينهض عليه بنفسه. وحينئذ عين أخاه عبد القادر بك بلقب باشا أميرا على العمادية. وفي آخر الأمر تغلبوا على العمادية وقبضوا على إسماعيل باشا وأخيه عبد القادر باشا وأتي بهما إلى بغداد حنقا عليهما وولي على العمادية محمد سعيد پاشا من أقاربهما.

ومن ثم عرفنا كيف ولي محمد سعيد پاشا وكيف ابتدأت وقائع أيامه هذه. فكشفت هذه المجموعة عن الحالة وما كانت عليه قبل أمير العمادية محمد سعيد پاشا وكيف صار هو أميرا عليها. وهذا ـ على ما جاء في النصوص الأخرى ـ استولى عليه كور باشا ونصب مكانه (موسى باشا). وكان موسى باشا هذا قد نازع محمد سعيد باشا في الإمارة ولما أيس من بلوغ أمنيته التجأ إلى الأمير كور باشا فنصره وقلده الإمارة

__________________

(١) إمارة بهدينان للأستاذ صديق الدملوجي. طبع سنة ١٣٧٢ ه‍ ـ ١٩٥٢ م. نقل من غيره ولم يصرح بالنقل مع أنه منع أن ينقل منه أو أن يقتبس كأنه كله مشاهد. ويغلب على المؤلف أنه سرح في الخيال وذكر بعض المشاهدات المهمة وغير المهمة إلا أنه لم يذكر المراجع الأصلية التي اعتمدها في غير المشاهد ، فكانت دعواه كبيرة. ويعوزه أن يقول (النقد ممنوع) وإظهار الغلط جريرة. وكتابه بسبب فقدان النصوص لا يعرف خطأه من صوابه. والغريب أنه نقل من ياسين العمري الخطيب وتحامل عليه. ولعله أراد تبرير النقل بسب من أخذ منه.

٤٥

ورجع إلى رواندز فتعصب الأهلون عليه فطردوه وأعادوا محمد سعيد باشا. وحينئذ أقبل الرواندزي على العمادية فأقام على حصارها ثلاثة أشهر حتى نفدت مؤن الأهلين ولم يبق لهم صبر على المقاومة فطلبوا الصلح وسلموا إليه (محمد سعيد باشا). ومن ثم دخل القلعة فغدر بالأهلين فنهبهم وقتل رؤساءهم ، فأقام عليهم أخاه (رسول آغا) واليا. دامت في يده إلى أن ولي الموصل محمد باشا اينجه بيرقدار.

ثم إن إسماعيل باشا كان يأمل أن محمد باشا اينجه بيرقدار يعيده إلى العمادية فطلب أن يوليه مملكته فلم يجبه فمال إلى الجزيرة وراسل أكابر رجال العمادية يفاوضهم حتى انقادوا له وسلّموا إليه العمادية. وإثر ذلك جرت حوادث بين البيرقدار وبينه. وهذه الحوادث منها ما جرى في (عين توثة). وكذا حوادث الرواندزي مما شغل الدولة فقطعت بلزوم القضاء عليهما معا لا سيما بعد أن ربحت قضيتها في بغداد على يد علي رضا پاشا.

جهزت الصدر الأسبق رشيد محمد باشا على الرواندزي فقبض عليه. ثم مال الجيش إلى العمادية وشدد الحصار عليها أياما ، فاضطرت إلى التسليم. افتتحها ، وقبض على إسماعيل باشا ، فأرسل مكبلا إلى الموصل. ومن هناك أبعد إلى بغداد. بقي فيها إلى أن مات عقيما في شوال سنة ١٢٨٩ ه‍ ـ ١٨٧٢ م (١). وما جاء في (تاريخ الدول والإمارات الكردية) من أن إسماعيل باشا توفي سنة ١٢٥٩ ه‍ ـ ١٨٤٣ م فغير صواب.

وبهذا الاستيلاء انقرضت (إمارة بهدينان) وهي إمارة العمادية وصارت تابعة مدينة الموصل هي والعقر (عقرة) إلى سنة ١٢٦٥ ه‍. ثم

__________________

(١) الزوراء عدد ٣٠٩ و ٢٣ شوال سنة ١٢٨٩ ه‍.

٤٦

انفصلت عن الموصل وصارت تابعة إلى لواء حكاري من ألوية (وان) ولم تعد إلى الموصل إلا بعد أكثر من أربعين سنة.

والملحوظ أن ما جاء في (تاريخ الموصل) من أن إسماعيل باشا عاد إلى العمادية سنة ١٢٥٨ ه‍ ـ ١٨٤٢ م فغير صحيح لما عرف من تاريخ الانقراض (١).

كان الأستاذ الصائغ اعتمد كتابا خطيّا في تاريخ العمادية فتسرب إليه الخطأ منه ، وهذا المخطوط موجود عند أحد أشراف قرية زيروا من قرى العمادية. ذكره في تاريخ الموصل. ولم يظهر لحد الآن.

هذا. وكنت نشرت مقالات في العمادية في جريدة النداء للمرحوم الأستاذ نور الدين داود. ثم كتبت كتابا في (تاريخ العمادية) لا يزال مخطوطا أوضحت فيه تاريخ تكونهم ، ودوام إمارتهم مدة ، وانقراضهم ... وهكذا بينت نطاق الإمارة وحالة الأهلين ... أما كتاب (بهدينان) للأستاذ صديق الدملوجي فإنه لا يصلح أن يكون مرجعا لخلوه مما يعتمد من مراجع تاريخية.

ومما يصح التنبيه عليه أنه جاء في كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) المنقول إلى اللغة العربية في الطبعة الأولى منه ص ٣٠٧ أن رشيد پاشا الصدر الأعظم ووالي سيواس الأسبق استولى على (ماردين) واعتقد أنها (العمادية) فجاء ذلك سهوا من الأصل أو من النقل ، فاقتضت الإشارة إلى ذلك إذ لا محل لذكر ماردين ولا لفصلها من الموصل.

__________________

(١) عشائر العراق الكردية ص ١٩١ ، وتاريخ العراق بين احتلالين ج ٤ ، وتاريخ الدول والإمارات الكردية ص ٣٩٨ وتاريخ الموصل ج ١ ص ٣١١ و ٣١٣ ...

٤٧

وفيات :

١ ـ توفي العلامة الشيخ يحيى المزوري. من أكابر علماء الأكراد. أخذ عنه الأستاذ أبو الثناء فهو من أساتذته. وهو الذي حضّ الأمير كور پاشا الرواندزي على قتل اليزيدية مطالبا بدم عمه البالطي. والأشهر أنه توفي في هذه السنة (سنة ١٢٥٢ ه‍). ورثاه الأستاذ عبد الباقي العمري بقصيدة مذكورة في ديوانه.

حوادث سنة ١٢٥٣ ه‍ ـ ١٨٣٧ م

واقعة المحمرة :

خرج علي رضا باشا اللاز على قبيلة كعب ، فأخذ المحمرة ، ونصب حاكما من قبله في الفلاحية يقال له (عبد الرضا) بعد أن نكل بهم تنكيلا مرا ، ونهب وأسر. جرت هذه الواقعة في شعبان سنة ١٢٥٣ ه‍ (١).

والمحمرة في الجانب الشرقي من شط العرب وتبعد عن كردلان جنوبا نحو ثماني ساعات. وتقع على يمين نهر كارون بالقرب من مصبه. وبقربها أطلال قرية بهذا الاسم وفيها مقاطعات على هذا النهر في اليسار تمتد نحو ساعتين وفي اليمين منه نحو أربع ساعات. وهذه البلدة حديثة العهد بنيت نحو سنة ١٢٣٦ ه‍ وتم بناؤها نحو سنة ١٢٤٠ ه‍. وتليها جزيرة الخضر وتمتد إلى ساحل شط العرب حتى الخليج وهي محصورة بينهما بين نهر بهمشر وكارون. وفي غربي هذه الجزيرة (جزيرة المحلة) في نفس شط العرب. وكلها كانت للعراق فصارت إيران تطالب بها من جراء أن هذه العشيرة تريد أن تكون بنجوة فإنها تميل تارة إلى إيران وأخرى إلى العراق فكلما رأت تضييقا من جانب صارت إلى الآخر.

__________________

(١) ديوان عبد الباقي العمري ص ٢٣٩ ، (والآلوسي السيد محمود شهاب الدين) في حديقة الورود.

٤٨

وقبيلة كعب قديمة ، ومعروفة. كانت في العراق فمالت إلى أنحاء المحمرة وجزيرة الخضر وجزيرة المحلة والفلاحية. ولا تزال منها مجموعات كبيرة في العراق. قامت على أطلاق المشعشعين ، وحلّت محلّهم في الحكم على الحويزة. انقادت لإيران أو أن إيران اكتفت منها بالقليل.

ومحل إمارتها الفلاحية. والإمارة كانت للشيخ جابر. وكانت إمارة كعب قبله بيد (البو ناصر) إلا أن نشاطها في أيام جابر هو الذي مكن إمارتها. وتوفي سنة ١٢٩٨ ه‍ فخلفه الشيخ مزعل. وتوفي سنة ١٣١٥ ه‍ ، فخلفه الشيخ خزعل وطالت مدة إمارته واكتسبت استقرارا. وإن دولة إيران سخطت عليه وعلى أمراء آخرين فانتزعت الإمارة منه في ٢٠ نيسان سنة ١٩٢٥ م وبقي في حجر إيران إلى أن توفي في ٢٦ مايس سنة ١٩٣٦ م.

ومن أهم فروع كعب المحيسن وهي فرقة الإمارة ، ومن فروع كعب الدريس والنصار ولا محل لتفصيل فروعها الآن. بسطت القول عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق.

وفي ١٢ شعبان سنة ١٢٥٣ ه‍ كتب علي رضا باشا اللاز كتابا بتوقيعه (علي الرضا محافظ بغداد والبصرة وشهرزور) إلى مفتي بغداد السيد محمود الآلوسي. ينطق بانتصاره على أهل المحمرة ، وقمع غائلتها وتسخير حصونها ، وذكر في كتابه أن عبد الباقي العمري نظمها في قصيدة أرسلها إليه للاطلاع على منطوياتها ، ثم إعطائها إلى الشيخ علي الهروي ليثبتها في (تحفة الرضا) (١) ...

__________________

(١) نص الكتاب في مجموعة السيد عبد الفتاح الأدهمي الواعظ وفي حديقة الورود. والهروي لم نعرف عنه شيئا ولا وقفنا على مدوناته في وقائع علي رضا باشا. ولا شك أنه مؤرخ رسمي وسمي كتابه (تحفة الرضا) باسم الوزير. ولو كنا وقفنا عليه لتوضحت لنا وجهات النظر في بسط الوقائع.

٤٩

وكتب الوزير إلى الأستاذ السيد محمود المفتي جوابا لكتابه المرسل مع أحمد آغا الكتخدا السابق أنه عازم على زيارة مشهد الحسين رضي الله عنه أثناء عودته. والقصيدة مثبتة في ديوان العمري. وفي حديقة الورود تفصيل.

وممن ذكر هذه الواقعة عبد الجليل البصري في ديوانه المطبوع في بومبي ... وكذا جاء في (تاريخ الشاوي) بعض الإيضاح إلا أنه مزج بين هذا الحادث وبين واقعة (تحديد الحدود) بين إيران والعراق المتأخرة عنها وهذا ناجم من اضطراب المحفوظ أو تداخله.

وهذه الواقعة بلا ريب فتحت بابا للمفاوضات بين إيران والدولة العثمانية ودامت إلى سنة ١٢٦٣ ه‍ ، فأدت إلى عقد (معاهدة أرضروم) فطالت نحو إحدى عشرة سنة فانتهت بتلك المعاهدة وبتحديد الحدود أثر انعقادها بلا فاصلة. ولا تزال لم تحسم قضية الحدود. ويستفاد كثيرا من كتاب (سياحتنامه حدود) ، ومن تقرير درويش پاشا لمعرفة الاتجاه والأدلة التاريخية.

وكان يوجه اللوم على الوزير علي رضا پاشا من جراء أنه لم ينظم إدارة المحمرة ويجعلها منقادة للبصرة مما أدى إلى دوام النزاع ... وكل ما كانت تفسر به هذه الواقعة أنها غزو ونهب وعودة كما تفعل بالعشائر الأخرى. وهي أيضا عشيرة بل عشائر لا تستقر ولا يتسلط عليها حكم فمن الصعب تأسيس إدارة لها.

والي شهرزور ـ تبدلات في المناصب :

كانت شهرزور ملحقة ببغداد ، وفي هذه الأيام انفصل واليها أشقر باشا (١). وكان استخدم في بغداد بخدمات أخرى اقتضت ... فلزم تعيين

__________________

(١) ورد بلفظ عشقر باشا أيضا وهو علي أشقر باشا. ولي الموصل سنة (١٢٦٥ ه‍ ـ ـ ١٢٦٦ ه‍) وهو من موالي بيت السلطنة قال أبو الثناء الآلوسي جاء صحبة الوزير علي رضا باشا وصار واليا على شهرزور مع مكثه في بغداد معينا لهذا الوزير وكان إحدى يديه في الحضر وقائممقامه إذا خرج للسفر. وكان يظهر الصلاح وتقلب في مناصب فتغير على ما سمع الأستاذ وشاهد منه في استنبول ذلك التغير انتهى بتلخيص من غرائب الاغتراب ص ١٥٩.

٥٠

فريق إلى هناك ، فاختير لهذا المنصب عزت بك آل قپوجي باشي وكان ويودة (يني ايل). ومن ثم نصب فريق آخر مكانه للعساكر ببغداد وكذا نصب للدفترية عارف أفندي خليفة المخلفات.

والملحوظ أن هذا الفريق كان مستقيما ، عدلا. جرى تعيينه فريقا من جهة أنه من أقربي علي رضا باشا. قال لطفي في تاريخه : توفي قبل سنوات. ومدح خصاله وأثنى عليه كثيرا (١) ..

حوادث سنة ١٢٥٤ ه‍ ـ ١٨٣٨ م

ومما حدث :

١ ـ أبدل لقب (صدر أعظم) ، بـ (رئيس الوكلاء) في ٤ المحرم من هذه السنة.

٢ ـ جواز السفر ، قرّر لزوم مراعاته في وزارة الخارجية. وبهذا تابعت الدولة ما هو معروف لدى دول الغرب .. وكان معروفا قديما.

٣ ـ الحجر الصحي. أسس الحجر الصحي في الدولة العثمانية.

٤ ـ المكاتب الرشدية. تكونت في عاصمة الدولة (استنبول) إلا أنها لم تعم الولايات .. ولم يؤسس في بغداد المكتب الرشدي إلا بعد أكثر من ثلاثين سنة (٢).

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٥ ص ١١٠.

(٢) تاريخ لطفي ج ٥ ص ١١٠ ـ ١٣٧.

٥١

حوادث سنة ١٢٥٥ ه‍ ـ ١٨٣٩ م

خط كلخانه ـ التنظيمات الخيرية :

في ٢٦ شوال أعلنت التنظيمات الخيرية (خط كلخانه) المؤرخ ٢٦ شعبان. قررت فيه الدولة لزوم الإصلاحات العدلية ، والنظامات اللازمة لتهدئة الرأي العام الأوروبي الهائج على الدولة وأملها أن تجلب ودّ الدول الغربية وقررت لزوم تشكيل سفارات في باريس ولندن وعزمت على إصلاح التشكيلات الإدارية وقبول النظم المالية. قرئ خط كلخانة بصوت جهوري بمحضر من العلماء والوزراء والأعيان وسائر رجال الدولة في (ميدان كلخانة) في القصر العالي بحيث فهمه الكل .. وأعلن أيضا في سائر البلاد العثمانية ومنها بغداد .. فأجريت له الاحتفالات الكبيرة وأطلقت المدافع .. وتلته التنظيمات الخيرية ..

وهذا الفرمان يصرح أن الدولة كانت تراعي الأحكام الشرعية فبلغت قمة المجد ، ومنذ مائة وخمسين سنة أهملت الإدارة الشرعية بسبب الغوائل ، وما عرض من الحوادث .. فاقتضى مراعاة ما يجب لوضع قوانين جديدة لانكشاف القابليات في الأهلين ، وحفظ نفوسهم ، وأموالهم وأعراضهم ، وأن تقوم بحسن الإدارة ، وتعيين الضرائب ، وتحديد مدة الجندية وتأكيد الثقافة ، فأوضح المنهج للعمل ، وهدد المخالف بأعظم العقوبات وأمر أن يرتب (قانون عقوبات) .. وأن يكون الإصلاح عاما شاملا فلا يقتصر على ناحية دون أخرى (١).

والحق أن الدولة كانت بيد المتنفذين والينكچرية فبلغ سوء الإدارة

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٦ ص ٦٠ وما يليها نص هذا الخط .. والدستور القديم التركي والعربي ج ١ ص ٢ وفيه نصه العربي وكتاب (تركيا وتنظيمات) تأليف سفير فرنسا (اد. انكله لهارد) نقله إلى التركية المؤرخ علي رشاد في تاريخ الإصلاحات في الدولة العثمانية. طبع سنة ١٣٢٨ ه‍.

٥٢

أقصى حدود الظلم. ومرّ بنا من الحوادث ما يعين الحالة ، فالدولة بعيدة عن الإصلاح ومن الصعب إرضاء الشعب بوجه. فالتذمر بلغ غايته ... سواء في عاصمة الدولة أو في الولايات التابعة لها.

والعراق كان نصيبه أقل الأقطار من الإصلاح لما يوجس الأهلون خيفة أن يؤدي ذلك إلى تقوية سطوة الدولة وكان بنجوة نوعا. رأت الدولة لزوم القضاء على الإمارات العراقية ورعاية التجنيد ، وما ماثل مما يؤدي إلى التمكن من السيطرة فكان عملها بطيئا لم تنل من العراق حظا إلا بعد جهود تكبدتها ودماء أهرقتها ، وأموال طائلة بذلتها .. وقف العراق في وجهها ، وعارض آمالها ، وفي الوقت نفسه كانت لا تستطيع أن تضغط كثيرا حذرا من إيران بل راعت الصلح مع إيران وعملت لأن يكون صحيحا.

وهكذا تولدت تيارات ضد الغربيين لما ظهر من نوايا التدخل في المملكة ، والضغط من طريق الانتصار على الشرق ، ودعوى حماية النصارى ، وأمثال ذلك من الأوضاع العديدة.

قال الأستاذ أبو الثناء الآلوسي :

«كنت أرى أمر الإفتاء أمرّ من مر القضاء حيث مزقت (الشورى) إذ ذاك أديمه ، وأسقمه (أعضاء المجلس) ذوو الآراء السقيمة أعضاءه السليمة فلم يكد يختاره إلا ذو جهالة قد جعل ... دينه لدنياه حباله. وحاشاني أن أكون كذلك ...» ا ه (١).

والشورى لا تذم لذاتها. ولكن جهل الأعضاء مما يفسد معناها. والآراء السقيمة تطوح بالمملكة وتقضي على الآمال ... والنقمة كانت مشهودة. ذكرها الأستاذ في مجموعته الكبرى. وهكذا قال الشيخ رضا الطالباني في عهد المشروطية :

__________________

(١) مقامات الآلوسي.

٥٣

قانون إلهي وارايكن يعني شريعت

باقي هذياندر ، چه أساسي چه سياسي

يقول إذا كان القانون الإلهي موجودا وهو الشريعة فالباقي هذيان سواء كان سياسيا أم أساسيا.

وهكذا كانت النفرة راسخة في الأذهان ، ولا تزال خشية التسلط ملحوظة. وهذا لم يمنع قبول الصواب والإدارة الحقة ولا تلقي العلوم والفنون ، وسائر ما يؤهل للحياة العملية الدنيوية مما لا يتصور منه ضرر على الدين ، بل هو من دعائمه .. وكانوا يخشون ما وراء ذلك.

ثم أصدرت الدولة قوانين عديدة وسارت نحو الإدارة الغربية لتنال قوة ، وتتمكن من الإصلاح وترضي الغرب فأعلنت بعده عدة فرامين منها الفرمان المؤكد لزوم تشكيل المجلس سنة ١٢٦٧ ه‍ ومنها الفرمان المؤرخ ١٢٧٢ ه‍ ثم أصدرت القانون الأساسي وهو الدستور المؤرخ سنة ١٢٩٣ ه‍ ، فأعيد العمل به في أيام المشروطية. فكانت المشية بطيئة جدا.

جرت على سنة التطور بمقدار ما تمكنت من مراعاة الإدارة الديمقراطية وتمكينها في المملكة كما لاحظت المعارف ، وأسست المدارس للقيام بالإصلاح الثقافي .. والعراق حصل على مقدار ضئيل ، ولكن تبدل العصر أدى إلى قبول العلوم الغربية ، والتوسع في الثقافة ، ولا يزال الأمر ماضيا في طريقه .. ولكن بمقياس ضعيف ..

غرق بغداد :

في كل بضع سنوات يستولي الغرق أو الفيضان على بغداد ، وطغيان دجلة والفرات لم ينقطع في وقت إلا قليلا ، فكم استولت المياه وخربت ديارا ومحت أموالا ولكن هذا الحادث كان كبيرا .. قال الأستاذ الآلوسي :

«شاهدنا جورها ـ جور المياه ـ مرارا ، وأعظم ما شاهدناه بعد

٥٤

حادثة الطاعون ما وقع سنة ١٢٥٥ ه‍ ، فإن دجلة طغى ماؤها ، حتى تساوى من بغداد أرضها وسماؤها ، وغيرت جدران بيوتها بين ساجد وراكع ، وخاضع وخاشع ، ومبطون أضرّت به علّة الاستسقاء ، ومحموم استلقى على ظهره يتفكر في ملكوت السماء ، وباك قد استغرق بالبكاء ليله ونهاره ، وتفجرت منه العيون فتلا وإن من الحجارة ، والملائكة تتيمّم في سماها بغبار البيوت وتنادي يا أهل الأرض عزاء فبيوت العنكبوت كثير على من يموت ، والألباب أمست لفرط البلبال حيارى ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، وكم من مخدرة أراقت ماء المحيا ، وسخت بما يعزّ عليها لنجاة نفسها ولم تك وحياتك بغيّا ، وبالجملة لقد فار التنّور ، وأمست الأرجاء كالبحر المسجور ، وعادت ـ لا أطيل ـ حادثة الطوفان ، وكان والأمر لله تعالى ما كان .. وقد أشار الشاعر عبد الباقي العمري إلى بعض ذلك ببيتين شطرهما الفاضل الأديب أمين العمري المعروف بـ (الكهية) قال :

(لا تعجبوا من نهر دجلة إذ جرى)

وهو الفرات كمعظم الطوفان

وطغى على الزوراء كل منهما

(حتى انتهى لحضيرة الكيلاني)

(هو للحقيقة والطريقة بحرها)

وبه نرى البحرين يلتقيان

آوى إليه الماء معتصما به

(والبحر مأوى جملة الخلجان) (١)

والملحوظ أنه مرت بنا في (تاريخ العراق بين احتلالين) حوادث غرق كثيرة فلم تهدأ حوادثه ، ولم تقل مضاره ومصائبه في غالب السنين.

__________________

(١) الطراز المذهب في شرح قصيدة مدح الباز الأشهب. الأصل لعبد الباقي والشرح للأستاذ أبي الثناء طبعت بمصر وعندي نسخة منها بخط الأستاذ.

٥٥

السنة المالية :

إن الدولة العثمانية اعتبرت سنة ١٢٥٥ هجرية سنة مالية وبدأت بآذار. وجرى العراق في معاملاته المالية على هذه السنة. والمالية لم تبدأ من أول الهجرة. وإنما بدأت من هذه السنة اعتباطا. وتوالى الاختلاف على غير اطراد. وتسمى هذه السنة المالية بالرومية. وكان الاختلاف على هذا قديما. نوضحه بما يلي :

التاريخ الهجري والرومي

التاريخ الهجري قمري. وضعه عمر رض سنة ١٧ ه‍. وأول السنة الهجرية يوافق ١٦ تموز سنة ٦٢٢ م. وكانت تواريخ غير المسلمين مرعية فيما بينهم. ثم شعر المسلمون أيام الأمويين والعباسيين بلزوم الأخذ بالسنة الشمسية لحاجة الخراج لتعيين مواعيد الجباية ، فاستعملوا (السنة الخراجية). وللتوفيق بين التاريخين في السنة الخراجية والسنة الهجرية اتبعوا طريقة (الازدلاق) ، ويسمى (الازدلاف) بإرجاع ثلاث سنوات كل مائة سنة ففي ال (٣٣) سنة الأولى حذفوا سنة ، وفي الثانية أسقطوا سنة أخرى. وفي التالية لهما تركوا سنة من ٣٤ سنة. وهكذا فعلوا على هذه الطريقة في كل مائة سنة.

وأشهر السنين المستعملة (السنة الجلالية) أو (الملكشاهية) أيام السلجوقيين. بدأت سنة ٤٧١ هجرية واعتبرت السنة الأولى جلالية. وكان قبلها استعملت سنين خراجية أشهرها (السنة اليزدجردية). ثم إن المغول أيام السلطان محمود غازان اعتبروا (السنة الايلخانية) سنة ٧٠١ ه‍. قامت مقام (السنة الخراجية). وهي مستعملة في الأمور المالية. واعتبرت السنة الأولى الايلخانية.

ومضت الدولة العثمانية على هذا. فأصدر السلطان محمد الرابع

٥٦

فرمانا في ٤ صفر سنة ١٠٨٨ ه‍ أمر فيه أن تعد (السنة المالية) من سنة ١٠٨٧ ه‍ قمرية وتمحى سنة كل ٣٣ سنة وأخرى مثلها سنة أخرى في ٣٣ سنة ثم في مدة ٣٤ سنة بعدهما تسقط سنة أيضا. فيسقط في كل مائة سنة ثلاث سنوات بالوجه المذكور. ويقال لهذا الازدلاق عندهم (سويش). ويحتفظ بمراعاة السنين الهجرية والمالية معا. ويقال لهذه السنين السنون المالية أو السنون الرومية.

ثم اعتبروا سنة ١٢٠٥ ه‍ مالية واتبعوا (التاريخ الأورثوذوكسي أصلا وبدأوا من آذار. وخالفوا التاريخ الغريغوري ثم اعتبروا سنة ١٢٥٥ ه‍ مالية ودام العمل بها كذلك. وفي أيام السلطان عبد العزيز سنة ١٢٨٨ ه‍ كان موعد الازدلاق فلم يفعلوا لغفلة فحدث اختلاف بين الهجري والمالي ، وتزايد حتى احتلال بغداد سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م. ثم نسخ عندهم بالتاريخ الميلادي المتداول. وبهذا انفصل التاريخ الهجري عن الشمسي الميلادي بسبب إهمال علم الميقات من مباحث الفلك.

ثم اضطرت الدولة العثمانية إلى اعتبار التفاوت بين (التاريخ الرومي والميلادي المستعمل) فأبقت السنة على حالها وجعلت يوم ١٦ شباط من سنة ١٣٣٢ اليوم الأول من آذار سنة ١٣٣٣ بموجب القانون المؤرخ ٢٨ ربيع الآخر ١٣٣٥ و ٨ شباط سنة ١٣٣٢ رومية. وهذا لم يعمر كل الغلط ، ثم وجدوا أسهل طريقة قبول التاريخ الميلادي. لم يستندوا إلى أمر علمي وتوالى الغلط حتى تركوا الماضي وما أحدثوا فيه من أغلاط وأهملوا العلم ومنطوياته أو اشتغالات العصور في الفلك.

وفي إيران حذف من السنة الميلادية ما قبل الهجرة ٦٢٢ سنة فما بقي صار هجريا شمسيا إلا أنهم جعلوا النوروز أول يوم من السنة ،

٥٧

واعتبروا الأشهر الإيرانية أسماء فارسية ، فاختلفت عن الميلادية في الشهور وفي مبدأ السنة. ويتوقع أن يحدث عندهم مثل ما حدث في الجمهورية التركية.

وإن الحكومة المصرية بدأت في ٢٩ رجب سنة ١٢٩٢ ـ ١ أيلول سنة ١٨٧٥ باستعمال التاريخ الغربي الغريغوري. وتعد أسبق بلاد الدولة العثمانية إلى قبول هذا التاريخ (١).

وعندنا حدث عين ما حصل للعثمانيين إلى سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م. ففي أول يوم من الاحتلال قبل التاريخ الميلادي عينا وفي أيام الدولة العراقية استعمل معه التاريخ الهجري. ولا يزال إلى اليوم. وكان الأولى أن يستعمل التاريخ الهجري الشمسي مع الاحتفاظ بأسماء الأشهر وأوائلها وأول السنة الميلادية لدى الأمم دون تغيير وأن تعد السنة (خراجية) وباقي معاملاتنا الدينية والتاريخية هجرية قمرية دون أن نشوش تواريخنا (٢) ، وأن يقرن بها التاريخ الشمسي فلا نرى الاضطراب.

ويهمنا بيان أن الدولة العثمانية بدأت بإصلاح التاريخ المالي في هذه السنة فأهمل ولم يراع حكمه في لزوم مراقبة الحالة في التجدد فوقعت الدولة في الغلط. والأسباب الموجبة في كل تبدل تعين وجهات النظر. وهكذا جرى عند الغربيين من التحولات في التاريخ الميلادي نفسه قبل الإصلاح الغريغوري ، وتغير أول السنة الشمسية كثيرا ، فاستقر في أن صارت السنة الميلادية أو الشمسية تبدأ بأول يوم من كانون الثاني. ولا تزال الآراء سائرة على قبول متجددات عصرية.

__________________

(١) التوفيقات الإلهامية : محمد مختار باشا ص ٦٤٦.

(٢) كاه شماري : حسن تقي زادة : في مختلف صفحات منه وتاريخ جودت باشا وتقاويم عديدة. وهذا البحث منقول من كتاب علم الفلك وتاريخه عندنا في أيام المغول والتركمان والعثمانيين إلى آخر أيامهم إلى سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م.

٥٨

٥٩

حوادث سنة ١٢٥٦ ه‍ ـ ١٨٤٠ م

آل بابان :

في هذه السنة لم يحرك الوزير علي رضا پاشا ساكنا فمضت الحالة بهدوء. وبالتعبير الأولى لم يتعرض بالخارج من عشائر فلم يقع ما يستحق الذكر إلا ما وقع من العفو عن محمود پاشا البابان عفت عنه الدولة عما سبق منه من تعنت أثناء ولايته. فألبسه الوزير الخلعة. وهو أخو سليمان باشا. ولما علم أمير السليمانية أحمد باشا انحاز بأتباعه إلى جانب وفي هذه الأثناء ظهر (علي بك) ابن محمود باشا مطالبا وناصرته إيران باعتبار أن أمه منهم. فاحتل جيشها السليمانية وقبض على أحمد پاشا ونهب جيش محمود پاشا فاضطر إلى الانسحاب إلى ناحية قره حسن من كركوك.

ومن ثم عين الوزير علي رضا پاشا جيشا قوامه خمسة أفواج من عسكر النظام جعل رئيسهم إبراهيم پاشا أمير اللواء. وعزم الوالي أن يذهب بنفسه. وحذّر أن تقع فتنة بين الدولتين فأشير عليه بالبقاء. وفوض هذه الأنحاء إلى معتمده راشد آغا ، فذهب إليها أيضا وجعل معه علي آغا اليسرجي (١) إلا أنه لم تعرف نتائج ذلك.

وإنما رأينا عودة أحمد پاشا وإبقائه أميرا على ديار الكرد إلى أن أزاحته الدولة سنة ١٢٦٤ ه‍ بأخيه عبد الله پاشا فصار قائممقاما. وفي سنة ١٢٦٧ ه‍ عزل وصارت إدارة اللواء للدولة فانقرضت (إمارة بابان).

والملحوظ أن سليمان پاشا بابان توفي سنة ١٢٣٩ ه‍ ـ ١٨٢٣ م. وهو والد أحمد پاشا وأخو محمود پاشا. ذكره الأستاذ أبو الثناء في مجموعته.

__________________

(١) مجموعة السهروردي.

٦٠