موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

رجال الوزير علي رضا باشا

يهمنا هنا أن نذكر بعض المشاهير من رجال الوزير علي رضا پاشا ممن كان له مكان أو عرفت له علاقة كبيرة بالعراق. وبذلك يتوضح اتصاله :

١ ـ الملا علي الخصي :

هذا اشتهر بالظلم والقسوة كثيرا. بلغ حد التواتر ، ولا تزال تتردد على الأفواه وقائعه القاسية. وقال فيه الأستاذ الآلوسي في مقاماته «أعجوبة الأمم ملا علي كتخدا الحرم ...».

قال صاحب التاريخ المجهول :

«هذا ـ علي پاشا ـ كانت خاصته يغصبون أموال الخلق منهم بعلمه كملا علي ، وهو رجل من قبيلة يقال لها (سرمرية) .. قبيلة أذل جميع القبائل .. لا ينتمون إلى قبيلة معلومة (١) .. ومبدأ أمره كان كاتبا في قرية الخالص .. رجلا ذميم الخلقة وجهه وجه الخصي ، منهم من يدعي أنه خصي .. وجهه ينبىء أنه خصي ، وله زوجة ، لم تلد منه ، ووجهه أمرد ، مهول ، كوجه القرد ، بل أسوأ حالا من القرد والخنزير ..

فالمذكور قدمه الوزير ، وجعله بمنزلة قائد الجيش ، وجعل بيده جمع ميري العشائر. ويقال له (الخانة) (٢) وتسمى القلم (القلمية). وهي

__________________

(١) السورمرية من الفيلية. فإذا كانت هي المقصودة فهي قبيلة معروفة من الكرد منتشرة في مواطن كثيرة من العراق لا سيما في لواء ديالى في خانقين في قرى عديدة وفي المقدادية. والذين في القرى العربية بسبب اختلاطهم بالعرب يتكلمون اللغة العربية. ويقولون إنهم من ربيعة. منهم في أبي جسرة (با جسرا) وأنحاء كثيرة من لواء ديالى ولم تكن ذليلة بل ذات مكانة. وصاحب التاريخ المجهول تكلم عليها ليذم الملا علي الخصي.

(٢) تعرف بالبيتية. ضريبة على بيوت العشائر.

٦١

مثل الجزية عند رأس كل سنة يأخذون من بعض العشائر من كل رجل له زوجة ٦٠٠ قرش وليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (١٥٠٠) قرش ، وليس بالسوية حيث بعضا منهم يأخذون من الرجل (١٥٠٠) قرش ، وأقلّهم (٣٠٠) قرش.

وهؤلاء المسلمون مظلومون ، حيث سابقا كان يعطى الرجل خمسة عشر قرشا والذي ضاعفها هذا الكلب ملا علي الخصي ، يسمى في أول أمره ، وآخر أيامه سمي علي أفندي ، بل غصب أموال الناس أكثر من حاج أفندي (أسعد ابن النائب) .. وهذان الظالمان لو تحرر جميع ما هم عليه لأدى إلى تكذيب المؤرخين ، ولكن علم الله وكفى طالعت جمّا من كتب التواريخ فلم أجد أجرأ من هذين الباغيين فإن ابن النائب كان يجرم خفية ، وهذا الكلب الخصي يغصب عيانا مجاهرة ، ويفتخر بفعله والوزير علي باشا مطلع بذلك ولم يعارضه ، ولا ينهاه .. فالخصي المذكور كان مقدما عنده ، وكان يظهر إلى خارج البلد ، وينهب سواد العراق وهم أعراب ، فلاحون ، يزرعون لهم أراضيهم ، ويؤدون الخانة (البيتية) المذكورة ، يأخذ أغنامهم ، وجميع مالهم من الدواب ، ويبيعونها على جزّاري بغداد غنمهم والبقر يرمونها على أهالي البساتين ، ويحسبونها عليهم ، الدابة التي تباع بمائة يأخذون منهم ثلاثمائة ، وأمثال ذلك ، حتى أنهم إذا مات شيء من هذه الدواب يقطون أذناها (كذا) ويجرونها بثمن دابة حيّة قبل تسليمهم إياها ، ولزيادة طغيانه يحبس الناس في بيته ويضربهم أشد ضرب ، ولا يطلقهم حتى يأخذ منهم مالا ، لا يستطيعون أداءه ، ويبيعون أملاكهم ، وهم مسجونون عنده في بيته.

ومع هذا الظلم الفاحش من هذا الكلب يتصدق على فقراء الناس من مال الناس ، وأن أعجاما تبعة إيران قطّانين يبيعون القطن رمى عليهم جاموسا ، ويأخذ أضعافا عن أثمانهن مضاعفة ، وعلى بياعي الحطب يرمي عليهم جاموسا ، ويأخذ كما يأخذ من المذكورين.

٦٢

والحيرة أن الأعاجم الذين ذكرناهم مساكنهم لا تدخل فيه الجمس ، وهم حايرون في بيعها ، ويدورون بها في الطرق ، لا مأوى لها عندهم ، ويدور في نفسه في الميدان ، فكلما رأى فرسا جيدة غصبها من مالكها قهرا ، وأخذ خيلا من أصحابها من شيوخ العرب وسائرهم بهذه الصورة ، والناس يخافون من سطوته وجوره.

وكل هذه الفعال القبيحة يعلم بها علي باشا الضال حتى أنه جاء إلى الجسر يريد العبور ، فوجد امرأة مارة أمامه أيضا تريد العبور فضربها بعصاة بيده كان يحملها برأسها ضربة شديدة فماتت من ساعتها عامله الله تعالى بعدله وغضبه وسخطه ، فإن له أفعالا تفضي إلى كفره ولا تحصى عدّا لكثرتها. وذكرنا هذا المختصر منها ، لأنه تقدمت أيامه على هذا التاريخ. وكل ما ذكرناه عنه كان بعصرنا مشاهدا لا أخبارا. وهاشميون أدخلهم في (قلم الميري) ، وأخذ منهم (الخانة) ، وجرت العادة الهاشميون ما يعطون ميري الخانة التي تؤخذ من غيرهم من العشائر ..

وهذا الخبيث يأخذ أموال الرعية ، ويتصدق من بعضها على فقراء الناس. ووجوه أهل بغداد لا قدرة لهم عليه ، بل وبعضهم يتأمل من إكرامه فيا تعسا له من زمان .. وجوه بغداد لم يكن أحد منهم يخاطب الوزير في هذا الخبيث ، مع أنه كان يوجد من أرباب العلم وأهل العبادة .. وأما لو نتتبع أمور هذا الخبيث وظلمه مدة وزارة علي باشا وهي اثنتا عشرة سنة لأدى إلى تكذيب الناقل ، وتكون مجلدات ما فعله في بغداد ..» ا ه.

٢ ـ علي آغا اليسرجي :

طاغية آخر من رجال علي رضا باشا اللاز. كان على شاكلة ملا علي الخصي ، وربما تداخلت حوادثهما ..

قال صاحب التاريخ المجهول :

٦٣

«وعلى قدمه (على شاكلة ملا علي الخصي) علي آغا اليسرچي من الترك ، نصبه علي باشا (تفكچي باشي) أيضا جرم أغاسي ، وأخذ أموالهم قهرا ، وكان لا يعرف سياسة الحكومة ، ولا يدرك شيئا. غير أنه يحبس المسلمين ، ويأخذ دراهمهم ، كما أنه كان مولعا بالزنى ، وتزوج امرأة فاحشة مجاهرة ، وجعل يخلو نهاره معها ، وهذا .. كجرأة علي أفندي (ملا علي الخصي) ..» ا ه.

٣ ـ حمدي بك :

هو قريب من سابقه في ظلمه وتعديه ، أخذ من الخلق خفية .. كذا قال صاحب التاريخ المجهول ، ولم يوضح عن أعماله ، وما كان يقوم به ، ولا بيّن وظيفته ولا مهمته ..

وكل ما نعلمه أنه كان خازن الوزير وهو الذي تكلم مع مندوبي الأهلين أيام حصار بغداد ، فأكد لهم عزم الدولة على الفتح ، وكذا بيّن جهود الوزير علي رضا باشا لتحقيق هذا العزم .. نال الوزارة بعد ذلك ، وحصل على المنصب في جملة ولايات كقونية وأرزن الروم ، فصار يدعى حمدي باشا ، وهو ابن السيد علي باشا القپودان. وله صلة قربى بالوزير علي رضا باشا وهو مشهور بالنهب والسلب من أموال بغداد ... وفي محاورته مع الأهلين وثّقهم بأيمان مغلظة (١) .. وفي مرآة الزوراء بين الأستاذ سليمان فائق أنه رآه واستطلع منه بعض حوادث المماليك فدوّنها في تاريخه من جهة داود باشا فاستطلع رأيه ، قال : لم يوافق علي رضا باشا اللاز على قتله ..

وكان هذا تولى التضييق على الناس ، والتعدي على النساء بالضرب

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٣ ص ١٣٨ ، وج ٧ ص ٦٥.

٦٤

والإهانة والتجريد بأمل الحصول على مبالغ للدولة ، ولحكومة بغداد (١) ..

كل هذا دوناه كما هو المنقول. وإن الأستاذ أبا الثناء في رحلته إلى استنبول دعاه إلى أرزن الروم وكان آنئذ واليها فذهب إليه ورحب به والأستاذ أثنى ثناء عاطرا عليه ودعا له. ومدح خصاله وسماه محمد حمدي باشا. قال :

«ورد بغداد في معية ... (علي رضا باشا) ... فنلت إذ ذاك تفضله ... وبقي في بغداد مدة مديدة ... وهو في جميع تلك المدة بدر سماء وزارة ذلك الوزير ... وكان (الوزير) عليه الرحمة ... يهابه. ثم رجع لأمر ما إلى الآستانة العلية ، فخطبته حوراء الوزارة البهية ... وكان بينه وبين المرحوم علي رضا باشا قرابة سببية .. وذلك أنه كان متزوجا بخالته ... وكان هو متزوجا ببنت درويش باشا الصدر الأعظم إلى آخر ما قال» ا ه (٢).

والثناء في الرحلة ينافي ما عرف من ذم.

٤ ـ عبد القادر بن زيادة الموصلي :

وهذا لم تتناوله الألسن ولا عرفنا عنه ما يكشف الغطاء عن حالته .. إلا أن صاحب التاريخ المجهول أوضح عنه خبره بتفصيل بما يلي :

«جعله ـ علي رضا باشا ـ على الكمرك ، أتى مع الوزير علي باشا من حلب ، وكذلك فشا ظلمه في بغداد. ومن بعض ظلمه كان يتعاطى التجارة وهو وال على الكمرك ، وتأتيه المكاتيب من الشام وحلب

__________________

(١) مرآة الزوراء. وجاء ذكره في سجل عثماني أيضا.

(٢) غرائب الاغتراب ص ٩٩.

٦٥

وغيرها من شركائه وعمّاله ، ويخبرونه عن أجناس البضاعة ، وعن أسعارها فيرسل ما شاء ، وإذا أراد تاجر من تجار بغداد أن يرسل من ذلك الجنس لم يدعه يرسل ، بل يمنعه من إرساله وهذا دأبه إلى أن وقف أمر التجار.

وفي أيامه يأكل الناس أموال بعضهم بعضا ، ويأتون إليه ، ويرشونه فيساعدهم على أكل أموال عباد الله ، وهذا كان دأبه ، ولا يبالي من أحد ولا من علي باشا ، ولا يخاف من الحكيم العليم .. وكان بخيلا أبخل من كلب بني زائدة ، خمارا لواطا ، يفحش في كلامه وسائر أوقاته خال من الكمال ومآثر السياسة. كان منهمكا بتحصيل الدراهم ، وعاكفا على لذاته ، ومع ذلك أمور الناس موكولة نحوه ، وأمراء العراق ، ومشائخ العرب ، وبيكات الرستاق ، ومضافات بغداد ، وتوابعها قرى ورستاقا ومزارعا وعقارا ، وإيراد داخل بغداد كله من تحت يده ، من يرشوه برشوة وافرة يحكي مع الوزير ، ويأخذ له المنصب من إمارة ومشيخة والتزام ميري ، وضمان وما أشبه ذلك ، ويصك له صكا ، ويكون ذلك الأمير وغيره بطوع عبد القادر بن زيادة.

وجرى على هذه الحالة إحدى عشرة سنة إلى أن أكل جميع إيراد بغداد ، وصار عنده كنوز ، وكثرت أمواله. وكان عنده دائما أربعة غلمان يلوط بهم اثنان مماليكه ، واثنان من أولاد الناس. وكل سبت يطلع خارج البلد ويعمل وليمة ، ويشرب الخمر مجاهرة ، وجعلها وظيفة على جلسائه من التجار كل أسبوع على واحد ، وهو أيضا يوم عليه ، حمله على ذلك البخل وحب المال ، ومنهم ما يودون يعملون الوليمة ، ولكن يعملونها مخافة منه.

ومناقبه أيضا شنيعة جدا حتى أنه تجرأ على رجل من أهل بغداد ، أمر بقتله في مربط خيله ، بسبب أنه متعرض لأحد غلمانه ، قتله ظلما ،

٦٦

ولم يخف من أولياء المقتول ، ولا من الوزير علي باشا.

وله أخوان جعل واحدا واليا على البصرة (١) ، والآخر على الحلة ، ويجلبون الأموال إليه ، ومع هذه الصولة ما تصدق يوما بمائة درهم ، ولا أجاز شاعرا. فحين زاد طغيانه ، وتجرؤه على عباد الله ، ولم يعبأ بالحاكم دمره الله تعالى ، وغضب عليه الوزير ، وأخرجوه من بيته مهانا حافيا ، مسكه اثنان من أوادم الوزير (رجاله) وهو ماش وجر من بيته إلى أن وصل السراي كالمشهور بين عباد الله فحبسه علي باشا ، وأراد منه جرما ثلاثة عشر ألف كيس ، وجاء العزل لعلي باشا فاشتغل عنه بنفسه وأتت وزارة الشام إلى علي باشا فسيره معه إلى الشام ، وجعله كهيته فبقي علي باشا ثلاث سنين في الشام ومات ، وأرسلت الدولة على عبد القادر زيادة ، وقدم إسلامبول وجعلوه حاكما على (كاوور أزمير) (٢) ، وجعلوا إيرادها مضاعفا عن الأول قصدا من الدولة لأن ما يمكن الدولة أن تجرمه حيث ارتفع الجرم في أول سلطنة عبد المجيد خان ، ولكن سلبوا من أمواله بهذه الكيفية ..» ا ه.

ولما ذهب الأستاذ أبو الثناء إلى استنبول شاهده هناك وقال : عبد القادر باشا كمركجي بغداد. وأثنى على ما رأى منه من لطف. قال : ورأيت له قبولا عظيما عند الرجال. وكانوا يحلونه أعلى محل ويجلونه غاية الإجلال. وكان بصدد أن يتسور وزارة بغداد. وقد أرادها له معظم الوكلاء إلا أن الله تعالى ما أراد ...» ا ه (٣).

والملحوظ أن الأستاذ تهرب من بيان ترجمته بقوله زيادة شهرته تغني عن ترجمته.

__________________

(١) هو صالح بن زيادة. يأتي الكلام عليه.

(٢) هي مدينة أزمير. وكانت تسمى بهذا الاسم.

(٣) غرائب الاغتراب ص ٢٠١.

٦٧

وهذه صفحة كاشفة عن آخر من أعوان الوزير.

وفي كتاب للشيخ محسن السهروردي أن أخاه صالح أفندي من مقولة التجار جعله الوزير علي رضا باشا واليا على البصرة. وفي (كتاب شعراء بغداد وكتابها) أن السيد محمد آغا سياف زادة كان قد عين واليا للبصرة وبعد بضعة أشهر توفي بالطاعون هناك. والظاهر أن صالح زيادة صار متسلما بعده.

٥ ـ عثمان سيفي بك :

كان كاتب ديوان علي رضا باشا ، وفي سنة ١٢٦٤ ه‍ صار محصل كوتاهية وقد رآه الأستاذ سليمان فائق سنة ١٢٦٠ ه‍ ، واستطلع منه أخبار فتح بغداد ، رآه في استانبول ، واجتمع به ، ودوّن عنه ما علمه منه (١) ..

وهو الذي عمر بعض التعميرات في جامع الشيخ عمر السهروردي .. وجاء ذكره كثيرا في ديوان عثمان نورس وفي ديوان العمري ، وفي ديوان الأخرس ومن أولاده هاتف بك. وهذا وقف وقفية بتاريخ ٦ جمادى الآخرة سنة ١٢٧٧ ه‍ على الذرية. وتقع البستان التي وقفها مجاورة لشارع الزهاوي في طريق بغداد ـ الأعظمية قطعة ١٠ من مقاطعة ٦ شريعة نجيب باشا. ولهاتف بك من الأولاد فخري وكامل وفاطمة.

ومن أولاد عثمان سيفي مير شعبان حامي بك تردد ذكره كثيرا ، وعندي رسائل كتبها له الأستاذ عيسى صفاء الدين البندنيجي. وجاء في ديوان عبد الباقي العمري ذكر ولادة محمد وحيد بن مير شعبان سنة ١٢٦٦ ه‍ وعثمان سيفي يعد من أدباء الترك ذكرته في (تاريخ الأدب التركي في العراق). وله صلات أدبية بالشاعر الأستاذ عبد الباقي العمري وبالشاعر عثمان نورس.

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ٨٧.

٦٨

حوادث سنة ١٢٥٧ ه‍ ـ ١٨٤١ م

تسيير البواخر الإنكليزية :

طلبت الحكومة الإنكليزية من الدولة العثمانية رخصة لتسيير باخرتين من البواخر النقلية في نهر الفرات ، فأذنت لها في أواخر شعبان سنة ١٢٥٠ ه‍ الموافقة كانون الأول سنة ١٨٣٤ م ، وهذا الإذن تحول إلى شركة المراكب التجارية في نهري الفرات ودجلة لشركة لنج للبواخر ودام عملها من سنة ١٢٥٧ ه‍ وهي هذه السنة. وكان الإذن قد صدر في أيام علي رضا باشا في السنة المذكورة وصورة الفرمان المنقول إلى العربية :

«حكم لوزيري علي رضا باشا والي بغداد والبصرة حالا.

قد طلبت حكومة إنكلترا لتسهيل التجارة رخصتنا العلية في تسيير باخرتين مناوبة في نهر الفرات الواقع في جانب بغداد وذلك بواسطة مرخصها فوق العادة السفير الكبير (لورد بونسويني) ختمت عواقبه بالخير النازل الآن في دار سعادتنا ، وقد وقع لسدتنا المسعودة تقريرا رسميا بهذا الطلب وقد حررنا للاستعلام عن ذلك من وزارتكم ، وحيث للآن لم يرد منكم الجواب قد كررت السفارة الطلب بأن الحكومة المشار إليها لم تزل منتظرة إنهاء الأمر فبناء على إفادته الواقعة ما دامت المنافع مشاهدة ومحققة للجانبين وما لم يستلزم ذلك محذورا قد صدرت من لدنا الرخصة لهم بتسيير باخرتين مناوبة في النهر المذكور ، وبذلك أعطينا للدولة المشار إليها رخصة رسمية ، وأعطيناها أمرين شريفين خطابا لمن يجب خطابه ممن على جانبي النهر المذكور يمينا وشمالا لتبرز لهم عند الاقتضاء. وقد جرى تسطير أمرنا العالي ليطبق العمل والحركة بموجبه فعليه أن الأمر قد صار معلوما لدى درايتكم المسلمة ، فيجب العمل بمقتضاه حسب

٦٩

رؤيتكم المشهودة مع بذل الجهد في المحافظة عليه ..» ا ه (١).

وقد رأيت نص الفرمان باللغة التركية. وهو عين ما نقل إلى العربية. رأيته في ثروت فنون عدد ٩٦٥ وتاريخ ذي القعدة سنة ١٣٢٧ ـ تشرين الثاني سنة ١٩٠٩ م. وهذا الفرمان قبل تكوّن شركة لنج.

وعلقت عليه جريدة الرقيب بأنهم اتخذوا أول الأمر باخرتين سيروهما في الفرات ، فغرقتا فيه ، ثم اتخذوا باخرتين أخريين سيروهما في دجلة ، ولم يحصل لهم مانع حتى أن أوراق الشحن التي تستعملها شركة لنج تحرر عليها :

(شركة المراكب البخارية في نهري الفرات ودجلة).

إلى آخر ما قالت.

ولم تبق اليوم قيمة لما أبدته جريدة الرقيب من المطالعة.

كربلاء ـ المنتفق في أيامه :

كان أمله مصروفا إلى الاحتفاظ بالحالة ، ومن ثم تعرف درجة ضعفه فلا يرغب أن يحرك ساكنا .. فرضي من كربلاء بمبلغ سبعين ألف قران وهكذا كان أمره مع المنتفق. رضي منهم بـ (٧٠) حصانا ، و (٧٠) ألف شامي (٢). ويقدر ذلك بمبلغ سبعة آلاف ليرة تركية.

__________________

(١) ثروت فنون عدد ٩٦٥ نقلته إلى اللغة العربية جريدة الرقيب البغدادية بعدد ٨١ وتاريخ ٥ المحرم سنة ٣٢٨ ه‍.

(٢) الشامي عشرة قروش صحيحة إلا أنه تحولت قيمته ، واختلف سعره ، والقران نقد إيراني قيمته قرشان صحيحان. ذكرتهما في كتاب النقود العراقية.

٧٠

حوادث سنة ١٢٥٨ ه‍ ـ ١٨٤٢ م

عزل الوالي علي رضا باشا :

لم نقف على أسباب عزله ، وكل ما علمناه أنه سخطت عليه دولته ولعل الحوادث الماضية وأوضاع رجاله وشيوع أعمالهم مما كان يكفي لعزله والضرب على يده إلا أنه لما كان أنقذ بغداد من المماليك وجعلها تابعة لدولته رأسا ، لم يضره ما فعل بعد ذلك ... والقول بأن الأهلين يملّون الأوضاع ويضجرون من الحالات المستمرة عليهم ، لم يكن ذلك من دواعي عزله ، وربما كان عزله من جراء أنه لم يستطع أن يقوم بعوائد الدولة. ذلك ما جلب عليه السخط. والصواب أن الدولة لا تشتري النفرة العامة من الأهلين ولا تقصد إساءتهم ولكن مثل هؤلاء الوزراء جلبوا لها سوء السمعة فصار كل عمل ينسبونه إليها أو أن النقمة تتوجه عليها رأسا.

جرى تحويله إلى الشام وهو كاره. وكان خروجه من بغداد إثر ورود الوالي الجديد نجيب باشا في شعبان هذه السنة.

وحسبنا أن نعرف من ترجمته تاريخ حوادثه في العراق ، ورجاله الذين استخدمهم لمهمة الإدارة ، وكانت بئس الإدارة ، وكأن الدولة جعلتها منحة له مدة ، وكل ما يقال فيه إن حالة بغداد ساءت في أيامه ونرى مؤرخينا أبدوا كناية وتصريحا أعماله ، وأنها كانت أضر على العراق من إدارة المماليك. ضجر الأهلون من تلك الإدارة ، وملّوها ، فوقعوا بما هو أتعس وأسوأ .. فعلموا أن إدارة المماليك كانت أهون الشرين من هذه الإدارة الجائرة ، وكانوا يأملون خيرا فصاروا في مشكلة لا يستطيعون التخلص منها.

ولا يكفي التألم للمصاب ، أو العويل لما وقع. ولنستنطق أقوال المؤرخين ، ونورد ما أمكن إيراده ، ندون ما كتب عن صفحة ، أو

٧١

صفحات مختلفة. من مجموعها تظهر ترجمة الرجل ، وحالته في العراق خاصة بوضوح ..

قال في مرآة الزوراء :

«.. وعلي رضا باشا كان من أرباب الذكاء ، ومن الوزراء المخلصين لدولتهم ، كان كريما جوادا ، وحليما ، خلوقا ، بلغ به الإفراط في السخاء أنه كان مبذرا ، لدرجة أنه صار لا يبالي وتهاون في الأمور ، فأودعها إلى جماعة ممن لا خلاق لهم من الجهال ، أو الذين بلغ بهم الصلف والحمق ، أن جلبوا النقمة عليه ، وأفسدوا ما بينه ، وبين دولته. فقد كان يرسل أيام المماليك إلى استنبول مبلغ ألفي كيس سنويا في أيام داود باشا ، وبقدرها هدايا ، فلم يستطع هو القيام بذلك ، وخرجت العمارات ، وزالت بهجتها سواء للأهلين أو للأجانب وعاد الأغنياء في حالة يرثى لها بحيث انحطت تجارتهم ، وصاروا لا يملكون شروى نقير .. ولا فلسا أحمر .. دامت هذه الحالة حتى عزل من بغداد ...» ا ه (١).

وهذا منتهى الذم من صاحب المرآة ، وفي حديقة الورود يذكر نص كتاب منه إلى المفتي السيد محمود يبدي فيه تشوقه إلى العراق ويتألم لفراقه ، ويقول :

«فهل لي إلى دار السلام بنظرة

يغاث بها ظمآن ليس بسالي ..» اه

وفي سجل عثماني كان من أهل طربزون ، من متعلقات أحمد باشا اللاز ، ولي مناصب عديدة حتى صار كتخدا والي حلب رؤوف باشا في

__________________

(١) مرآة الزوراء ص ١٣٥ وجاءت المخابرات الرسمية المدونة في مجموعة عندي تؤيد ذلك رأيت فيها الكتب العديدة والرسائل المشعرة بالعلاقة ، وتقديم الهدايا المعتادة أيام داود باشا حتى أواخر أيامه ، وكذا ما جرى قبله مما يوضح الحالة.

٧٢

سنة ١٢٤٤ ه‍ ، وفي سنة ١٢٤٥ ه‍ صار واليا لحلب برتبة الوزارة ، وفي سنة ١٢٤٦ ه‍ صار والي ديار بكر ، فأرسلته الحكومة إلى بغداد ، فأخرج داود باشا منها ، وقام بخدمة الدولة فحصل على منصب الوزارة في بغداد ، وفي المحرم سنة ١٢٥٣ ه‍ أضيفت إليه إيالة شهرزور ، وفي سنة ١٢٥٦ ه‍ انضمت إليه ولاية جدة ، وفي ربيع الأول سنة ١٢٥٨ ه‍ صار واليا في الشام ، وفي ذي القعدة سنة ١٢٦١ ه‍ انفصل منها ، وفي رمضان سنة ١٢٦٢ ه‍ توفي ، وكان عاقلا ، كاملا ، وشاعرا ، مدبرا ، وغيورا ، وأبرز خدمة لا تنسى في القضاء على المماليك (١).

وجاء في تاريخ لطفي :

«طال أمد بقائه في بغداد ، وكانت له خبرة سابقة عن ولاية سورية ، وهو في الأصل من أهل اللياقة والوقوف كما أن بغداد مهمة بالنظر لموقعها وإدارتها ، فاقتضى نصب وال لها من أهل الكفاية واللياقة ، فأجري التبديل بين والي الشام نجيب باشا ووالي بغداد علي رضا باشا» اه.

ثم علق بأنه كان تحويله ناجما من طول بقائه. وعلى كل حال كانت الحكومة تبدي سببا من هذا النوع ، وإلا فإن امتداد المدة مما يقتضي أن يتبصر أكثر بعمارة المملكة وتحسين الإدارة وتزايد تكاملها (٢) ...

وهذه بمنزلة أن يقول سيئ السيرة ، وضجر منه الأهلون ، فبدلته الحكومة ، وانتحلت معذرة أنها لم تستغن عنه بل حولته وإلا كان الواجب عليه أن يعتني بالمملكة ، ويتبصر في نقائصها ، ويراعي رغبات

__________________

(١) سجل عثماني ج ٣ ص ٥٦٩.

(٢) تاريخ لطفي ج ٧ ص ٣٩.

٧٣

الأهلين الحقة ، فيحبّب نفسه إليهم بكل وسيلة ، ويظهر بمظهر مقبول لدولته وللأهلين ..

وفي تاريخ لطفي عند تدوين خبر وفاته :

«علي رضا باشا كان والي بغداد ، وكان في بغداد كما كان في الشام لا يبالي في إدارة أموره ، وإنما كانت بيد المتميزين لديه ، فلا يستطيع الخروج عما يقومون به .. فعزل عن الشام على أن يقيم في ديمتوقة. توفي في الشام. والمشهور أنه قال لا نعزل من الشام ، فأثبت أنه رجل حافظ على قوله ..» اه (١).

وزاد عبد الرحمن شرف في التعليق :

«كان قد اشتهر بالسخاء والجود لحد الغاية ، وتدور على الألسن حكايات كثيرة عنه ، فمن ذلك أنه لم يقصده أحد ، ورجع خائبا .. ومما يحكى أنه كان قد طلب من كتخذاه بعض الدراهم لينفقها على من قصده ، فقال له وراء المخدة كيس فيه دراهم ، فأجابه أننا أنفقناه قبل هذا .. ومما يحكى أنه كان لابسا كركا ، فمنحه لبعض قاصديه وبقي بلا كرك فألحه البرد .. وهذه وإن كانت تدل على كرم طباعه ، وعلو أخلاقه إلا أنه أفرط فيها ، وخرج عن المعقول .. وإن إدارته اختلت لهذه الغاية ، فأصابته الديون التي لا تحصى .. وعلى كل كان رجلا فاضلا (٢) ..

ولعل في هذه ما يغني عن التوضيح أكثر ، وهي من معاصرين متعددين وبينهم أمثال هؤلاء الرسميين ، فظهرت ترجمته واضحة ..

وقال في حديقة الورود :

«تم المجلد الرابع (من روح المعاني) .. فصادف ذلك عزل الوزير

__________________

(١) تاريخ لطفي ج ٨ ص ٧٤.

(٢) هامش تاريخ لطفي المذكور ص ٧٤.

٧٤

السابق من الزوراء ، الفائق بجوده وحلمه على الوزراء ، بل من اتخذ السماحة غطاء وفراشا ، حضرة أفندينا علي رضا باشا (١) ..

وفي هذا ما يؤكد خصاله التي بينها عبد الرحمن شرف ، فهو مشهور بجوده وحلمه ، وكفى .. وهكذا نعته سائر المؤرخين .. ولكن الأمر الشخصي غير الإدارة الحقة في تدبير مالية الدولة ، فقد اختلت كاختلال مالية الوزير ، ولم يجد معها تدبير. وكذا لم يتمكن من إدارة المجتمع إدارة حقة.

وعلى كل حال أن المدح للوزير ، والثناء عليه ، وكثرة القصائد في مدحه من شعراء عديدين أمثال العمري ، والتميمي ، وعمر رمضان ، وعثمان نورس والشيخ عبد الحسين محيي الدين وغيرهم لم يمنع أن يدون عنه المؤرخون ما دونوا ، ويسجلوا ما سجلوا مع تحاشي الكثيرين واستسلامهم للقوة والصبر على المكاره ، وعلى ما حصل من مصاب ..

وفي تاريخ الشاوي أن الوالي علي رضا باشا كان بكتاشي الطريقة. وبهذا يفسر ما جرى بينه وبين السيد محمد سعيد المفتي الطبقچه لي والسيد محمود الآلوسي من مباحث في أبي طالب وإسلامه بحيث أدى ذلك إلى عزل الطبقچه لي عن الإفتاء. ولعل هذا سبب ظاهري لإجراء التعديل والتدخل في المناصب ، وكذا يفسر ما شاع عنه من تهاونه بالفروض الشرعية المفروضة وتأثير عقيدة البكتاشية فيه (٢) ..

هذا ، وفي التاريخ الأدبي ذكرنا من الأشعار ما له علاقة بوقائع العراق في أيامه.

__________________

(١) حديقة الورود.

(٢) تكلمت على الطريقة البكتاشية في كتاب (التكايا والطرق في العراق) عند ذكر تكاياها في العراق.

٧٥

وزارة محمد نجيب

في شعبان ورد بغداد الوالي الجديد ، وبعد قدومه بأيام قلائل خرج علي رضا باشا. وخلص أمر العراق للوالي الجديد ، فاستقر في منصبه (١) .. فتنفس الناس الصعداء ، وكانوا قد ظنوا أن قد صارت بغداد ملكا لعلي رضا باشا ، وأنه لن يزول ملكه ، أعطيت له طعمة جزاء الفتح .. فأخذوا راحة نوعا ، وتوسموا خيرا في الوالي الجديد. وقد حدثت في أيامه أحداث عديدة ومهمة.

ويهمنا هنا أن ندوّن عن حالة القطر إلى هذه الأيام ليكون كتمهيد لما جرى في بغداد أيامه ، ولعلها تكون مفسرة ، وبعض حالات الولاة قد عرضت نوعا على المحك الأدبي والسياسي في بغداد ، ونكتفي بأقرب نص من معاصر يعين مزايا القطر أو قيمته بما فيها من خير أو شر ..

قال في حديقة الورود : «أشرقت إذ ذاك أنوار العدل على الرعية ، ولمعت في العالم بوادر السيرة العمرية ، بطلعة حضرة الوزير النجيب ، المخصوص من الورع والتقوى بأوفر نصيب ، الحاج محمد نجيب باشا ...» اه.

وجاء في تاريخ الشاوي أنه تركي الأصل وكان برتبة وزير ، وهو من نفس أهالي استنبول ومن أشرافها القدماء أبا عن جد ، وهم ذوو قدر وحشم ، وكانوا ممتازين على أهالي استنبول لشرفهم. وكانت سلاطين آل عثمان تزورهم. يأتون إلى محلهم في الشهر مرتين أو أقل أو أزيد ولا يزورون غيرهم من الوزراء والأشراف والسكنة. إلى أن قال :

«كان ذا عدالة ومتانة وشجاعة يأخذ بحق المظلوم ولا تأخذه في الله لومة لائم» اه (٢).

__________________

(١) التاريخ المجهول.

(٢) تاريخ الشاوي ص ١٤.

٧٦

٧٧

قتلة سليمان الغنام :

هو باني المسجد المعروف باسمه. قتله الوزير محمد نجيب باشا سنة ١٢٥٨ ه‍ ورثاه السيد عبد الغفار الأخرس بأبيات. ولم نعرف سبب قتله.

واقعة كربلاء

كان التغلب في كربلاء قد استمر من أيام داود باشا ، إلى آخر عهد علي رضا باشا اللاز ، ولما ورد محمد نجيب باشا وعلم بذلك جهّز جيشا في ذي القعدة سنة ١٢٥٨ ه‍ فحاصر البلدة. وفي ١١ ذي الحجة سنة ١٢٥٨ ه‍ استولى عليها. وجاء تاريخ ذلك (غدير دم).

وجاء في التاريخ المجهول :

«بلدة كربلاء كانت عاصية على وزراء بغداد ، فسيّر نجيب باشا العساكر إليها ، وحاصرها وكان بها السيد إبراهيم الزعفراني (١) ، أصله عجمي ، وترأس على أوباشها وسفهائها ، وأطاعه أراذل البلد والمفسدون وهم يتولون الحرب ، وعامتهم من أيام داود باشا كانوا عاصين إلا أنهم يؤدون شيئا قليلا عوض خراجها ، وكل من يعمل مفسدة من العراق ، أو يأكل أموال الناس ، يذهب إلى كربلاء ويجار بهؤلاء الأراذل حتى اجتمع عندهم مقدار عشرة آلاف مقاتل من أجلاف الناس وعصت أيام داود باشا ، وزمان علي باشا أيضا ، فهم عصاة ، بغاة ، يؤذون ... في كربلاء حتى أنهم أمسكوا مرة على أحد مجتهديهم السيد إبراهيم القزبيني (القزويني) (٢) ليلا ، ولم يطلقوه حتى أدى لهم أربعة آلاف قران من سكة

__________________

(١) من زعماء كربلاء ومن مناضلي الكشفية ، من خدمة كربلاء في الروضة الحسينية ، ولا تزال بقايا ذريته معروفة.

(٢) ترجمته في قصص العلماء ، وهو ابن السيد محمد باقر معلم محمد علي ميرزا ابن محمد علي شاه وهو عم والد السيد حسن ابن السيد آغا مير ، ابن السيد مهدي ابن السيد محمد باقر المذكور ، وترجمته في روضات الجنات أيضا.

٧٨

محمد شاه .. وكانوا مفسدين ، ذوي جرأة على أعراض الناس ، وأهل البلد يهابونهم ، ويخافون على أنفسهم ، لأنهم متى أرادوا ، هجموا على بيت أحدهم ونهبوه ، والحاكم الذي هو من أهل البلد طوع أيديهم ولا يعارضهم بما يفعل هؤلاء الباغون الفجرة.

وفي أيام علي باشا حاصرها وخرج إليه سادات البلد ، وعلماؤهم ، وتكفلوا له بزيادة الإيراد ، فارتحل عنهم ، وكان ذلك الوزير لا يبالي بعصيانهم ، ومرامه الدراهم ، وقد أدّوا له سبعين ألف قران المثل اثنين عما يؤدونه إلى داود باشا ، فرضي وتركهم.

وهذا الوزير محمد نجيب باشا حاصرها ثلاثة وعشرين يوما ويوم الجمعة التالي في الثاني من عيد الأضحى (١) جاء البشير إلى بغداد بفتحها عنوة (مبينا) صورة الفتح ، وكان قد تولى أمر العساكر فريق النظام كرد محمد باشا ، وبدأ يرمي الأطواب (المدافع) من جهة واحدة ، فلم يستقر أحد يقابل الأطواب إلى أن ثلم ثلمة من سور البلد (من محلة باب النجف) ، ودخل العسكر من تلك الثلمة ، فانهزم البرطازية (٢) عسكر البلد وخرجوا منه ، وشرذمة قليلة وأكثرها من أهل البلد دخلت حضرة العباس وبدأوا يرامون العساكر السلطانية ، فوقف العساكر النظامية أمامهم ، ورموهم دفعات بالتفك (البنادق) فتساقط أكثر الذين في الحضرة من الباغين من سكنة البلد وفقراء الناس ، ونهب الجيش البلد مقدار أربع ساعات ، ونادى منادي الأمان ، والتجأ أكثر الناس إلى بيت السيد كاظم

__________________

(١) فتحت أول يوم من عيد الأضحى أو الثاني منه.

(٢) البرطازية. وردت في التواريخ الأخرى البلطاسية أيضا وهم نوع جند من الترك كانوا يستخدمون في أيام الدولة العباسية ، والآن يطلقون على البلوش أو من كان على شاكلتهم ، ولا يشترط أن يكونوا من القوم الذين تكوّنوا منهم في بادىء الأمر ، وبنادقهم تسمى (شمخال) ، ويعدون جيشا وكان أرسلهم محمد شاه القجاري لمحافظة كربلاء.

٧٩

الرشتي المجتهد العالم المخالف لأصول مذهب الشيعة ، ولقب مذهبه (بالكشفي) ، أو (پشت سري) كما أن مذهب الشيعة الذين هم أقدم منهم يسمى بـ (البالاسرية) (١) ، وهم الشيعة الأصولية ، وكان بين الفريقين هؤلاء مقلدي السيد كاظم والشيعة الذين هم مقلدي الشيخ محمد حسن البالا سري (٢) عداوة شديدة ظاهرة ..

والذي قتل من ولاية كربلاء مقدار أربعة آلاف نفس ، ومن العسكر مقدار خمسمائة نفر ، ومن بعد فتحها أمسكوا السيد إبراهيم الزعفراني (٣) ، وجاؤوا به إلى بغداد ، والسيد صالح من كبار البلد وكم واحد ، فالسيد صالح نفوه إلى كركوك ، وترجاه قونصلوص الإنكليز ، وابن الزعفراني بقي أياما قلائل في بغداد ، وتمرض بالدق ومات. وبعضهم عفا عنهم الوزير محمد نجيب باشا ، وجعل عليهم واليا واحدا ...» اه (٤).

ومن هذا يعلم أشخاص الواقعة ، وعواملها ومن أهمها ضعف الحكومة ، وتسلط المتغلبين ... وهذا شأن الحكومات الضعيفة .. ولا يزال الناس هناك إلى اليوم يرغبون في حكم صارم لتكون يد الحكومة أقوى من الكل ، وسلطتها نافذة على الجميع .. فلم تقف حوادث هؤلاء

__________________

(١) البالاسرية ، يطلقون على الأصولية ، وأصل تسميتهم من المير السيد علي الطباطبائي كان يصلي قرب رأس الإمام الحسين عليه السلام وأن الكشفية يصلون في ما وراء الرأس فقيل لهم (بشت سرية). فغلب لقب بالاسرية على الشيعة الأصولية.

(٢) الشيخ محمد حسن البالاسري صوابه الشيخ محمد حسين صاحب الفصول. وهذا العالم وكذا السيد إبراهيم القزويني كانوا يكفرون الكشفية وهم المعاصرون لهم. ولي كتاب (عقائد الشيخية والكشفية) لا يزال مخطوطا.

(٣) كان ممن تعهد قيادة أهل البزارة في واقعة داود باشا السيد مصطفى بن الزعفراني ، ولا أدري صلة هذا بذاك ...

(٤) بياض في الأصل فلم يتم البحث.

٨٠