موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

وهي قصيدة عامرة ..

ولما ورد الشاه بغداد مدحه الأستاذ الزهاوي بقصيدة فارسية أيضا تتضمن الترحيب بقدومه ، أولها :

هزاران شكر كز فضل وعطاي ايزدمنان

شد أز تشريف شه بغداد رشك جمله بلدان

إلى آخر الأبيات. رأيت القصيدتين في (ديوان ناظم) المخطوط مكتوبتين على غلافه ، وأبيات أخرى بخطه أيضا. وعندي مخطوطته.

وهذه الزيارة بيّنها ناصر الدين شاه في سياحة خاصة ، طبعت وفيها تفصيل لما أجري له من الاحتفالات والتكريمات.

وكان الاحتفال بالشاه باهرا ، استقبله الجند من خانقين بأبّهة فائقة واتخذت له الحديقة النجيبية مسكنا ، وهي المعروفة (بالمجيدية) كانت بستان نجيب باشا ، فصارت (حديقة الأمة) أو كما يقولون (حديقة البلدية). جعلها مدحت باشا (حديقة عامة).

ثم صارت مستشفى أيام رجب باشا. جعلها مستشفى الجيش ، وبقيت إلى آخر أيام الترك العثمانيين تعرف بالمستشفى العسكري. وهي اليوم (المستشفى الملكي التعليمي).

دامت سياحة الشاه نحو ثلاثة أشهر في خلالها زار العتبات في النجف وكربلاء وسامراء ، وكانت إرادة السلطان عبد العزيز أن يكون مدحت باشا في صحبته. وكان في هذه السنة قحط وغلاء ، فحدثت صعوبات جمة وكان في خدمة الشاه جماعة كبيرة ذكورا وإناثا ، ومعهم أكثر من ١٥ ألف دابة. فكانت الحكومة تقوم بتدارك ما يلزم للكل .. وبلغت جميع المصاريف لسياحة الشاه ولما اتخذ له من إنشاءات ومفروشات لقصره ما يزيد على ثلاثين ألف ليرة عثمانية. بذلت الدولة ما يليق من احترام عظيم ، وأبهة لائقة بمقامه.

٢٨١

بين إيران والعراق :

اتخذ الوالي فرصة وجود الشاه في بغداد ففتح باب المفاوضات عن المسائل المعلقة وكان قد ورد قدري بك لهذا الغرض ..

١ ـ إن نقود إيران لم تطرد ، ولم تقف عند سعر معين ، وتتداول بصورة متحولة بين خمسة قروش وثلاثة وربع فأقنع الوالي الإيرانيين بأنها تتداول كسائر نقود الأجانب بقيمة القران الحقيقية وهي ثلاثة قروش وربع القرش ٢٥ لا تزيد على ذلك ، وأعلن للعموم ، والزيادة تابعة للرغبة.

٢ ـ الدفنية. في العتبات العالية مما تضر بالصحة العامة من جراء التعفنات ، فلزم أن يدفن الميت في موطن موته ويبقى مدة سنة ، وبعد مرور السنة تنقل عظامه ورممه فيحصل الغرض فتمت هذه وغيرها من القضايا المعلقة (١) ..

معاون الوالي ومحرر الزوراء :

معاون الوالي رائف ذهب إلى استنبول هو والأستاذ (أحمد مدحت) محرر جريدة الزوراء. وهذا كان له بعد ذلك شأن في عالم الأدب والتاريخ ، فاشتهر كثيرا بما نشر من مؤلفات.

الأراضي العراقية

في أيام مدحت باشا سارت الحكومة في قضية العقر على نهج معين ، وأعلنت مدة لإثباته ، فلا تسمع الدعوى بعد ذلك حذرا من أن تحدث مشاكل بعد تفويض الأراضي بالطابو للراغب فيها.

وهذا ما جاء في جريدة الزوراء :

__________________

(١) تبصره عبرت.

٢٨٢

«كانت الأراضي ولا تزال تعطى بالالتزام وأن صاحب الأرض يعلم يقينا أنها ليست ملكه فلا يغرس فيها ، ولا يراعي إصلاحها الدائم لتكون المنفعة مستمرة .. وهذا الحال مشهود ..

وهذا كان يأتي بالنفع للحكومة من جراء إعطائه بالالتزام ، إلا أن أضراره كبيرة من جراء ما يأخذه الملتزمون ، وما يقسرون الأهلين على أخذه زيادة عما تطلبه الحكومة بأمل الاستفادة والمقادير متفاوتة بين الخمس والثلث أو أكثر ..

وآمال الحكومات اليوم ليس المراد بها سلب الأهلين ما عندهم ، وإنما همّها مصروف لزيادة الثروة العامة ، ومراعاة نفع الأهلين .. والتجارة عندنا منحطة ، فلا طريق للاستفادة إلا من ناحية الزراعة ..

والزارع لا يملك مزرعته ، ولا يد له في التصرف بها .. فإذا أخذ الميري حصته ، والملتزم حصل على نصيبه فلا يبقى بيد الفلاح إلا الربع أو الخمس أو أقل .. فاقتضى سوقه إلى أن يكون مالكا لينال رفاها ..

فاختارت الدولة التفادي في سبيل منفعة هؤلاء ..

ومن ثم ابتدأت في أن تجعل الأراضي طابو وتفوضها بالمزايدة لطالبها أو لزارعها .. كما هو الشأن في الأراضي في البلدان الأخرى ..

وقد شوهد ما يعارض هذا التصرف من الدعاء بالعقر ، وهو واحد من عشرين أو من خمسة وعشرين أو من ثلاثين وهذا الحق مشهود بعضا وثابت قطعا ، وبعضهم صار يدعي به بلا وجه حق ..

وهذا الحق كان قد منح للفاتحين الأولين ، وبقي أثره إلى اليوم ..

ولا يضر بتصرف المالكين ثم إنه بعد زمان صار يوجه إلى بعض الأشخاص ممن قام بمهمة عسكرية ، أو تعهد بالقيام بها بالوجه المطلوب منه .. والحال أن مثل هذا لم يبق فيه لزوم ، وأن الترقيات الحاضرة تستدعي أن تقوم الحكومة رأسا بمثل هذه الأمور .. وأن القيام

٢٨٣

بخدمات يعوض من ناحية أخرى .. وأن المستخدمين في أعمال الدولة كلهم موظفون.

ومن ثم زاولت الحكومة البت في أمر العقر ، وانتهاجه نحو نهج مرضي .. وأن لا تتولد كل يوم دعاوى في الاعقار ، وتضر بحقوق المتصرفين أو المتفوضين بها .. ومن ثم تكوّن قوميسيون أي لجنة للنظر في مثل هذه الأمور وتثبيتها بالوجه الشرعي .. وأن لا يقبل ما كان فيه شائبة ..

وعلى هذا أعلنت الحكومة بأن الدولة عازمة على تفويض الأراضي بالمزايدة وبعد التفويض لا تسمع (دعوى العقر) ، وأن لجنة تشكلت للنظر في ذلك ، وبهذا تمهل الحكومة بلزوم المراجعة وإثبات العقر إلى غاية أيلول من سنة (١٢٨٦ رومية) وإلا فلا تقبل المراجعة بعدها لئلا يتشوش أمر التفويض ويؤدي إلى اضطراب المعاملات ..» (١) اه.

وهنا يلاحظ أن ما أوردته الزوراء يخالف في تعليله ما جاء في نفس (الفرمان المتعلق بالعقر في القطر العراقي) وهو :

«إن أغلب الأراضي للقطر العراقي تدار بالالتزام ولا تفوض إلى أحد ، ولذا ترى الملتزمين يهتمون بالاستفادة من مدة التزامهم فقط ، ولا يبالون بإعمار الأراضي فلم ترق الزراعة والفلاحة فيها ، وكان من النتائج المضرة لهذه الطريقة أن الأراضي الواسعة للقطر العراقي أصبحت خالية من آثار العمران ولا شك أن تكثر الثروة والعمران في الملك متوقف على تأمين حقوق الأهالي بالتصرف فيه ، ولم يزل إيصال أمر الزراعة والفلاحة في ولاية بغداد إلى الدرجة المطلوبة منها مما ترغب فيه ذاتي الملكية ، وإن إحدى المسائل والأسباب المؤدية إلى ذلك الرقي هو

__________________

(١) الزوراء عدد ٥٠ في ربيع الأول سنة ١٢٨٧ ه‍.

٢٨٤

إصلاح قضية التصرف للأراضي ، ولذلك قرر في البداءة إقطاع الأراضي المذكورة وإحالتها إلى طالبيها ، ولكن الصدمات والتقلبات التي اعترت البلاد مذ مائتي سنة سلبت من السكان القوة المالية ، والقدرة على الزراعة والفلاحة ، فحدث أن أخذت أغلب الأراضي من أصحابها بانضمام موافقتهم ، وسلّمت إلى جانب الميري لتزرع الأراضي وتعمر ويستفيد أصحابها منها ، وهكذا صارت تدار مزرعة تلك الأراضي بواسطة الميري على أن يترك لأصحابها في العشرين وفي الخمسة والعشرين وفي الثلاثين واحد باسم العقر ، ولم تزل هذه المعاملة تجري على الأراضي المذكورة حتى الآن ، ثم انقرض بعد ذلك أصحاب الأراضي الذين كانوا موجودين في ذلك الوقت وأصبح حق التصرف عائدا إلى الميري ، ولم تبق على الأرض إلا الحصة العقرية ولما كان أصحاب العقر لا يتعرضون في المتصرف بالأراضي وتملكها بل يأخذون حصصهم العقرية كما هي ، ولما كانت هذه الحصة تزداد بنسبة عمران الأراضي ورقيها ، فاستفادتهم ستزداد طبعا بالتدابير الإعمارية التي يتصور اتخاذها ، وعليه فقد قرر ما يأتي :

١ ـ يبقى العقر بأيدي أصحابه إذا ثبت تصرفهم فيه بالسندات المعتبرة ، ومن لم يثبت يؤخذ منه ، ومن لم يكن بيده سند وتحقق تصرفه مدة ٤٠ سنة يعامل معاملة المتصرف في السندات المعتبرة.

٢ ـ إن الأراضي العقرية (المعقورة) تعرض على صاحب العقر أولا ببدل المثل الذي يقدره أرباب الوقوف الخالين عن الأغراض وذلك كالمعاملة التي تجري بحق أصحاب الطابو ، فإذا لم يقبلها تعرض بذلك البدل على الأهالي المجاورين. وإذا لم يقبلوا أيضا تعطى لطالبيها.

٣ ـ إن الأراضي التي تباع بأيدي أصحابها إذا كانت مربوطة بعقر ، فتعرض أولا على صاحب العقر ، فإذا لم يأخذها تباع للآخرين ، وكذلك

٢٨٥

إذا باع أصحاب العقر حصة عقرهم ، فتعرض على المتصرف بالأرض أولا بشرط أن يدفع حاصلات الحصة العقرية لمدة لا تزيد على خمس عشرة سنة ، وتحسب السنة من معدل حاصلات العقر مدة ثلاث سنين ، فإذا لم يأخذها تباع لغيره ، وإذا كانت الأراضي والعقر معا بيد واحد ، أو بيد أشخاص متعددين يتصرفون فيهما مشتركا ، فيمنع بيع كل من الأراضي والعقر على حدة بل يجب بيعهما صفقة واحدة ، ويجب جعل فراغ العقر وانتقاله بتصديق مدير الدفتر الخاقاني في بغداد وهذه قاعدة يسار بمقتضاها وإعلان كون الأراضي التي تعطى لصاحب العقر أو المجاورين ببدل المثل إن عطلت ولم تعمر مدة ٣ سنين بدون عذر تنزع من أيديهم ، وتفوض إلى طالبها.

وعلى ذلك صدرت إرادتي الملكية في اليوم الثالث والعشرين من شهر شوال المكرم لسنة ١٢٨٧ اه» (١).

ومن هذا نرى أن الحكومة أرادت تفويض الأراضي بالطابو ، وأن تكون سالمة من علاقة العقر ، أو أنها تكون معقورة ، فاتخذت هذا الفرمان كتدبير للمعاملة وسلامتها لا غير .. ومن ثم يزيد نصيبها أو لا يزيد ، وأن مدحت باشا لم يقم بإصلاح كبير في أمر ذلك ، وإنما أراد أن يحصل على مبالغ لدولته ، وهي في ضنك مالي عظيم ، وأن يملك العشائر الأراضي فيتصلون بها فلا يثورون دائما.

كانت أعماله هذه في الأراضي تهدف إلى ما يشير إلى نفع الأهلين أيضا. فكانت عملية تلخص في رغبة الدولة وحاجتها في المال .. فعد من نواحي الإصلاح المهمة ، وإلا فليس هناك ما أبداه الكتاب ذوو

__________________

(١) نشر نصه في الزوراء عدد ١٢٥ وفي ١٩ ذي الحجة سنة ١٢٨٧ ه‍ ومذكور في مؤلفات عديدة.

٢٨٦

العلاقة .. أو صنائع الدولة آنئذ .. وغالب ما نراه أن المقصود به هو أن لا يفاجأ العمل المنوي بمعارضة. وهذا هو الذي حدا بالمتأخرين أن يعدوا ذلك من حسناته. والحق أنه قام بالمهمة ، فرأت قبولا لا مزيد عليه .. وكان الأغنياء وأعيان المملكة مرغمين عليها .. وعدّوها ضريبة .. ثم صارت نتائجها نفعا كبيرا للمتفوضين ، وجاءت بالخير العميم للأهلين ولخزينة الدولة ..

وجل ما نقوله إن الدولة جربت تجارب عديدة للحصول على أقصى حد ممكن من الضرائب وملخص أعمالها أنها كانت تجبى رأسا ، أو بطريق الالتزام المقطوع ، ولا شك أن وارداتها تنغصت بوقائع مؤلمة ، وحوادث ملأت غالب صفحات (تاريخ العراق) .. من جراء أنها لم تجعل علاقة لمالك بها ، بل يتهافت عليها المتزايدون فيقبلها أصحابها بمبالغ كبيرة ، فيعجزون عن الأداء فتحدث الفتن ، كما أن ضرائبها كانت قاسية تقاسم الأهلين في النصف ، أو تأخذ الثلثين ، وإذا رأت نقصا عوضته من ناحية التخمين والتقدير ، وإذا شعرت بضعف وخوف خمنت بالقليل ورضيت به ومشت على رأي القوي وتابعته في تقديره ، وهكذا كانت لا تجري على قاعدة معينة فتعطلت التدابير ، ولم يكن لها قدرة على الإجراء ..

وتلخص أعمال الوزير في أمرين :

١ ـ حصوله على المال.

٢ ـ جعل المتصرف بالأراضي كما يقول القانون (متفوضا) بالأراضي فتبقى رقبة الأرض بيد الميري.

ومن ثم قام بمهمته إلا أن العراق كله أراض وإصلاحه غير متيسر في آن واحد ، بل إن تخريبات العصور لا تعمرها الأيام المعدودة .. ولا يستطيع إيجاد إدارة جديدة في يومين .. والعراق قد دمّرته الفتن وأزعجته

٢٨٧

الحوادث وسوء الإدارة فعاد خرابا .. ومهما يكن فقد زاول الأمر الأول وأما الثاني فهو نتيجته .. ومن حين عودته من الدغارة صار يفكر في قضية الأراضي والاستفادة العاجلة منها. وذلك بتمليكها للآخرين ليتم إعمارها.

رأى الوزير الأراضي العراقية لا تشبه أراضي الممالك الأخرى مثل الأناضول ، والروم إيلي نظرا لطبيعة موقعها ، فإن أكثرها يسقى بماء الأنهار (سيحا) ، والآخر بواسطة الكرود أو تزرع ديما ، وبهذه الوسيلة تختلف أنواعها ، وتتفاوت فوائدها وخيراتها وهناك حقوق أخرى تتعلق بها مما ولدته العصور ، فلا تعتبر أميرية صرفة ، بل بينها ما هو مملوك ، أو موقوف إلى جهة ، أو أنها مرتبطة (بعقر) .. وأمثال هذه من الحقوق ، وتتنوع إلى أقسام .. وحصة الحكومة (الميري) تكون تبعا لذلك مختلفة إلى ضروب ، فتأخذ تارة الثلث ، ومرة النصف ، أو الثلثين وهكذا بالنظر لطبيعة الأراضي قد تأخذ المقطوع.

وهذه الأراضي بأنواعها لا يصح عدها بمثابة واحدة أثناء التفويض ، فإذا أخذت الحكومة العشر من الأراضي وفوضتها إلى الآخرين فلا شك أن ما أدى حاصلا أكثر فله قيمة أكبر ، ويجب تفويضه ببدل زائد على غيره ، وهكذا يتفاوت بدل التفويض لتفاوت قيمة الأرض بالنظر لطبيعتها فيما إذا كانت تسقى سيحا أو ديما وهكذا تختلف قيمتها فيما إذا كانت بعيدة من العمران أو قريبة للمدن الكبيرة .. أو أنها قريبة لدجلة والفرات أو بعيدة عنهما أو عن أحدهما .. إلى آخر ذلك من الاعتبارات .. فكانت توضع بالمزايدة ..

ومن جهة أخرى أن البدل لا يستطيع المتفوض أن يؤديه دفعة واحدة ، ولا يستطيع كل أحد القيام بذلك ، ولتسهيل مصلحة الأهلين صار يأخذ عشرين من بدل المزايدة ، والباقي بأقساط لسنين أخرى ، وإذا

٢٨٨

سلم المتفوض خمسة أعشار عن خمس سنوات دفعة واحدة ، فلا تؤخذ منه الأعشار الأخرى ، وتفوض له الأرض رأسا.

وفي الأراضي المعطلة التي لا ينتفع منها يجري التفويض على العشر فقط ، ولا يستوفى من المتفوض أكثر من ذلك .. تأمينا لتقوية المتفوضين وقيامهم بما يلزم من الأعمال وطرق الإعمار .. فتعطى ببدل العشر أثناء المزايدة ، ولا يؤخذ غير ذلك.

وأما أصحاب الديم وأصحاب الكرود فإن الأراضي تعطى لهم بعشرها ، ولا يؤخذ منهم شيء وتسجل بأسمائهم .. كذا قيل وهي ليست جارية على ذلك في الغالب ، وإنما يؤخذ في الغالب المقطوع من أصحاب الكرود .. ولعل هذا لم يجر ليعرف عنه ما ذكره صاحب.

(تبصره عبرت) ..

وأما الحالة في أراضي الهندية وأمثالها فقد قرر أن تبقى زراعتها بيد أهلها ، وتقسم ما بينهم على حساب الدونم والجريب ببدل مناسب (طابو المثل) لا بطريق المزايدة ، فتفوض كذلك ، وفي السنة الأولى فوضت جملة أراض بهذا النمط ، واستفاد المتفوض أمرا مهما وهو أنه أسقط قسما من الرسوم الأميرية .. وذلك أن مدحت باشا في الشهر الثاني من وروده إلى بغداد ذهب بنفسه إلى الهندية ، فعلم أن زراعة هؤلاء خاصة بالأرز (الشلب) ، وأن البذور كانت منهم ، ومع هذا يؤدون للحكومة ٦٦ من مائة من الحاصلات باسم (ميري) ، والباقي تؤخذ منه عوائد الشيوخ والرؤساء وكراء محل جمعها ووزانية ، فلا يكاد يبقى لهم شيء ، الأمر الذي يستدعي قيامهم دائما ، فيضطرون للعصيان ، وغوائل الهندية تتوالى من جراء ذلك .. هذا ما استقاه الوزير من المعلومات محليا ..

ومن ثم أنزل الحصة الأميرية إلى (٥٠) من مائة ، وألغى الكثير من

٢٨٩

العائدات الأخرى والمصاريف ، ووعدهم أنه إذا رأى منهم استقامة وهدوءا أنقص من الميري أكثر من ذلك وجعله ٤٠% وهكذا يمضي في التنزيل كما ينطق بذلك الأمر المعطى من مدحت باشا نفسه .. ويلاحظ أنه لم تمض مدة حتى ثارت ثائرة الدغارة ، وأن الأهلين يبلغون في الهندية نحو خمسة عشر ألف مسلح وكان يؤمل أن يعاونوا أهل الدغارة ويظاهروهم ، ولكنهم بقوا موالين للحكومة ولم ينحرفوا عن الطاعة وعزموا على تأدية الحصة الأميرية بكمال الاستقامة .. فأدوا في السنة التالية المطلوب منهم ، وأن الوالي أنزل الحصة الأميرية إلى أقل ومع هذا كان الحاصل أكثر من السنين السابقة أو أنه كان أكثر من أي سنة مرت برخاء ووفرة حاصلات ..

جرى هذا التفويض في جملة أراض ، وانتفعت الحكومة أكثر من مائة ألف ليرة فكانت منفعة زائدة حصل عليها مدحت باشا ، وكان يخشى أن تتنزل الواردات بتنزيل مقدار الحصة الأميرية إلى (العشر) و (الخمس) ، ولكن المحصولات كانت وافرة في تلك السنة ، فسدت النقص ، ولم يحصل فيها تبدل .. وكذا في السنة الأخرى تجاوز ذلك حدود السنة الماضية .. ومن ثم انتفعت خزانة الدولة من النقود دون أن يطرأ خلل في الميري ..

وإذا كانت إدارة الأراضي من جراء الرسوم الأميرية تجري بطريق (الأمانة) أي تقوم بها الحكومة رأسا ومباشرة ، أو بطريق المقطوع (الالتزام) وهذه تعينت مضراتها فلا شك أن الأصول التي قام بها مدحت باشا تؤدي حتما إلى الإعمار ، وتكون العلاقة بالأراضي مكينة جدا ..

ومن جهة أخرى يحصل الارتباط بالأرضين ، وأن أصحاب الأراضي لا يقومون بثورات ضد الحكومة بعد أن يعلموا أنهم أصحاب أراض ، فزاد التوثق من أصحابها .. وصار انتفاعهم كبيرا ، فذاقوا لذة التوطن والاستقرار .. ومن ثم زالت غوائل كانت تتوالى دوما ..

٢٩٠

ومن ذلك كله نعلم ما قام به مدحت باشا وأنه ينوي توزيع الأراضي مثل الهندية وغيرها إلى زراعها باعتبار الجريب والدونم ..

والملحوظ أن التفويض ولو بلا بدل كان نافعا للحكومة من جراء تداول الأيدي ، وتعدد المعاملات من انتقال وتفريغ ورهن وتأمينات ..

وأن إبقاء الأراضي أميرية صرفة لا منطق له ، ولا قيمة في التدبير أو الاحتفاظ .. فلا نعلم إصلاحا لمدحت باشا في الأراضي إلا بفائدة حكومته ، وإلا حدث الاضطراب المتوقع دوما .. وعلى هذا الأساس أصدر فرمان العقر ، وحق القرار.

هذا. وأن حق القرار يفتح على الحكومة بابا يجعلها لا تستفيد من أرض. ولهذا أبطلت الدولة حق القرار في الأراضي ، وأعلنت التفويض .. ولكن هذه الفكرة لم تكن صحيحة ، وأن التجارب أدت إلى بطلانها ، فإن استفادة الدولة في التفريغ والتصرفات الأخرى من انتقال وغيره مهمة عدا كسب العلاقة بالأرضين. لا تريد أن تعطي حقّا ما لتنال غيره وتكتسب تدريجا ما هو مقرر لها من الرسوم ، وهو أضعاف ما أعطته ..

وعلى كل حال كانت مضابط العقر قد جرت موافقة للقانون ، ولا تزال مرعية في المحاكم ، وتسمى (مضابط العقر) بـ (مضابط قوميسون الاعقار) وتعد من الحجج القانونية .. والملحوظ أن العقر كان معلوما قديما ، ولكنه خصص في المتعامل عليه من هذا النوع مما يؤخذ من الحاصل ، وتاريخ تولده لم يكن أيام مدحت باشا ، ولكنه كان معروفا ، فحدد أمره .. وألقي (حق القرار) من العراق مع أنه أمر قانوني من جراء تفويض الأراضي ، وأن لا تحصل عرقلة بسببها. ولم يقبل إلا في بعض المواطن (حق اللزمة).

٢٩١

سد النهروان

قام الوالي بهذا المشروع. اتخذ للنهروان سدا في نقطة (زلي).

محل ملتقى النهروان بنهر ديالى ، وكان معروفا قديما ، فعمل له سدا ، ولكنه لم ينجح ، والمحل المقابل يعرف بـ («أبي عرّوج) .. وحال دون المشروع مواد السد وعدم صلاحها لمقاومة تيار المياه ومجاريها القوية.

وفيات :

١ ـ محمد علي خان نواب.

توفي يوم الثلاثاء ١٤ ربيع الأول سنة ١٢٨٧ ه‍ وكان أحد نواب الهند المقيمين ببغداد ، مرض قبل ستة أشهر فمات. والمعروف أنه سيد ويعرف بسيد علي خان وهذا هو عم أحمد آغا ونادر آغا آل النواب. كان أبوهما وزيرا في دولة (واجد علي شاه) في الهند في لكناهور. وهذا الشاه ابن عم سر اقبال الدولة ابن النواب شمس الدين حيدر ابن سعادة علي خان. أول من ورد بغداد من هؤلاء .. وله زوجة اسمها ثريا بيگم كانت جميلة ومحبوبة للنواب سيد علي خان. اشترى أملاكا في رأس القرية ودارا في جانب الكرخ. وكان يكره أولاد أخيه أحمد آغا النواب ونادر آغا لحد أنه رأى في نظارته أحمد آغا النواب فكسرها فلما سئل عن السبب قال رأيت فيها أحمد آغا النواب ..!

ومما ينقل أن صفية خانم بنت المزرقجي كان اسمها ليلوه فتزوجها وسماها بصفية خانم. وهذه كانت صغيرة فقالت إن هذه الدور ستكون لي. ومن ثم صدقت كلمتها فصارت لها بعد أن تزوجت به. ولما مات ترك زوجتيه المذكورتين وابنا من صفية صغيرا ، فمات بعده. وكان أوصى لزوجته ثريا بكل ما عنده من نقود وأثاث ومجوهرات .. وهذه تزوجها أحمد آغا بعد وفاة زوجها وانقضاء العدة ، كانت ذهبت للزيارة ، فسار إليها في الطريق في المحمودية ، فتزوجها من ليلته ، وأن أخاه نادر

٢٩٢

آغا تزوج أيضا صفية خانم وولدت منه آغا صادق وآغا تقي. ثم بعد وفاة نادر تزوج أحمد آغا صفية خانم حينما توفيت ثريا بيگم ، وولد منها آغا تقي وآغا مصطفى .. ولأحمد آغا زوجة أخرى هندية ولدت له سجاد علي خان وأحمد حسن خان.

ومما يحكى أن النواب أحمد آغا قد استولى على ثروة السيد علي خان ، وأنه قدم فصّا للسيد حسني الحكاك من زمرد كان ختم السيد علي فيه فقال له حكّه ، واكتب اسمي ، فقال له اقلبه لئلا يضيع منه شيء ، فقال امح اسم هذا النجس ولا يهم أن يخفّ الفصّ ، فكانت هذه مثل قضية النظارة ..

حوادث سنة ١٢٨٨ ه‍ ـ ١٨٧١ م

غلاء وموت :

من حوادث هذه السنة :

١ ـ غلاء.

٢ ـ موت.

فقد أصاب الناس فقيرهم وغنيهم شدة وطأة الغلاء والأمراض ..

فكان الخطر محدق من كل صوب لا في هذه السنة وحدها بل كان في التي قبلها أيضا (١) ، ولم تنجل الغمة وإنما استمرت إلى السنة المقبلة وشق الأمر على الناس ..

أحوال نجد

(فتح الاحساء)

من أعظم الحوادث في هذه السنة اضطراب الحالة وظهور الفتن

__________________

(١) مجموعة كربلاء.

٢٩٣

في نجد بين آل سعود بعد أن دبّت فيهم روح الحياة وانتعشوا في عهد فيصل بن تركي. وكان والده تركي بن عبد الله قد قتل على يد ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن بن سعود سنة ١٢٤٦ ه‍ (١) ، فانتقم منه ابنه فيصل وقتله ، فخلف والده تركيا ، وفي سنة ١٢٥٤ ه‍ ـ ١٨٣٨ م سلم نفسه إلى القائد المصري خورشيد باشا فأخذه أسيرا إلى مصر ونصب مكانه خالدا من آل سعود فلم يذعن له الأهلون.

بقي فيصل في الأسر مدة ثم أطلق سراحه وعاد إلى الحكم سنة ١٢٥٨ ه‍ ـ ١٨٤٢ م فاستعاد ملكه وقويت سلطته وحاول أن يعيد حكم آل سعود كما كان إبان السطوة الأولى.

وفي سنة ١٢٦٣ ه‍ ـ ١٨٤٧ م كان أعلن فيصل قدرته وأبدى سلطته بل قبل ذلك بمدة وصار يتغلب على نجد ويثبت قدمه فيها فرأت الدولة لزوم إرجاعه إلى الطاعة. وعدت ذلك من الأمور الضرورية فكتب السلطان إلى الشريف محمد بن عون شريف مكة يدعوه إلى الهدوء وأن لا يعكر صفو الراحة فذهب الشريف بنفسه إلى نجد ومعه العساكر النظامية فأبدى بها قوة وسطوة وأفهمه بوخامة العواقب فيما إذا أصر على المخالفة.

ومن ثم أرسل الأمير فيصل أخاه عبد الله بن تركي وسائر المشائخ في نجد إلى المعسكر السلطاني وطلب العفو وأعلن اسم السلطان في المساجد كافة في منابرها وخطبها. فزالت الغائلة بسلام دون وقوع معارك.

وعلى هذا أنعم السلطان على الشريف بوسام الوزارة وزاد في راتبه ومنح ابنيه الشريف عبد الله والشريف عليا رتبا (٢).

__________________

(١) ورد في تاريخ العراق بين احتلالين ج ٦ سنة ١٢٤٩ ه‍ سهوا فاقتضى تصحيحها هنا.

(٢) تاريخ لطفي ج ٨ ص ١٤٨.

٢٩٤

أراد الأمير أن يصلح إدارته ويتم سلطته على أنحاء نجد. ولذا عدل عن التعرض إلى ما بيد الدولة فلا يكون سبب الحروب.

وفي سنة ١٢٨٢ ه‍ توفي الأمير فيصل. وفي المصادر العراقية أنه توفي سنة ١٢٨٤ ه‍ ولعله لم يرد الخبر إلى العراق إلا بعد أن حدث انشقاق بين أولاده. وكان النشاط سائدا في أيام فيصل ودخلت الاحساء في حكمه. فلما مات تولد النزاع بين أولاده. وكانت الدولة العثمانية أيام مدحت باشا تسعى في تنظيم الداخل ، والتأهب للاستفادة من الانشاق الحاصل بين أمراء نجد للاستيلاء عليها والقضاء على إدارة آل سعود ، فلا تترك البلاد وشأنها حتى يتغلب أحد المتخاصمين ، بل لم تحرك ساكنا لو لا أن التجأ إليها أحد المتنازعين ..

كان مدحت باشا يرقب الحالة في نجد وصار يجهز جيشا إلى الاحساء ، ويحاول أن يجعلها تحت إدارة الدولة ..

والأحساء كانت من أيام السلطان سليمان القانوني في يد الدولة وبقيت في إدارتها مدة. فصارت بيد بني خالد ، فانتزعها آل سعود منهم.

ومر بنا ذكر ذلك في المجلدات السابقة.

ثم جرى على آل سعود ما جرى. كان قد هاجم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر ربوع نجد ، وخرب الدرعية ، وضبط الأنحاء المجاورة لها ولم تستطع الدولة القيام بإدارتها لضعف مستغلها. ومن ثم دخل في طاعة الدولة الأمير فيصل ، وبقي مسالما لها. منقادا دام على الصفاء حتى توفي. وكان ابنه الأمير (محمد) حاكما على المنطقة الشمالية وابنه الآخر (سعود) أميرا على الخرج والأفلاج ، وابنه (عبد الله) أميرا في الرياض. وكان ولده الصغير الأمير (عبد الرحمن) بجانب أخيه الأمير عبد الله.

ومن ثم تولى الإمارة (عبد الله) إلا أن أخاه سعودا عارضه

٢٩٥

واستولى على الأحساء قبل أن يصل المدد لنصرة أمير الأحساء فأدى الأمر إلى أن نشبت معركة طاحنة بين الأخوين عام ١٢٨٨ ه‍ ـ ١٨٧٠ م وكانت خسارة الطرفين كبيرة لا سيما أضرار الأمير عبد الله.

وحينئذ يئس الأمير عبد الله من النجاح فمال إلى الوزير مدحت باشا والي بغداد فأرسل معه جيشا بقيادة نافذ باشا فاحتلها وصارت طعمة سائغة للدولة العثمانية. ورجع الأمير عبد الله بصفقة خاسرة ووقائع الأحساء ونجد متصلة بالعراق من تاريخ ظهور المبدأ الوهابي (عقيدة السلف). وتوالت الأحداث إلى أن تم الاستيلاء على الأحساء (١).

استفادة الدولة من النزاع فاستعانت بأحد الطرفين للتدخل في أمور الأحساء ، فكان هذا الحادث قد وقع أيام مدحت باشا.

قالوا : حاول سعود أن ينال إدارة نجد ، فذهب إلى الهند ، وبمعاونة من الانكليز فقام الأمير عبد الله الفيصل في وجه أخيه سنة ١٢٨٦ ه‍ ، فتغلب سعود عليه ، وضبط الأحساء وما والاها ، فتمكن جيشه في الهفوف والمبرز (الأحساء) ، وفي القطيف ، وفي المواطن الأخرى ، وتوجه نحو الرياض. ولم نر ذكرا للإنكليز في المصادر السعودية عن هذه المعاونة. والظاهر أنها دعاية وتشنيع.

وبقي عبد الله الفيصل بلا نصير ، فكتب إلى مدحت باشا يطلب المساعدة ، والأخبار الواردة تنبىء أن سعود الفيصل كان مدبرا وشجيعا لا يوازيه أخوه.

وفي الوقت نفسه كشف الوزير عن الحالة ، وما يقتضي

__________________

(١) تقرير تاريخي في نجد وملحقاتها ص ١٧ مخطوط عندي نسخة منه بخطي. ولم أقف على اسم مؤلفه.

٢٩٦

لاستطلاعها مما جعل الأمر لازما للوقوف التام ، والتحقيق بخفاء عما تجب معرفته. ومن ثم قام الوزير بتجهيز خمسة أفواج من الفيلق السادس ومقدارا من المدفعيين والخيالة فرتب فرقة كاملة العدة بتجهيزاتها جعلها تحت قيادة الفريق نافذ باشا ، وأعد المراكب لهذا الغرض ، وتحركت من البصرة في أول سنة ١٢٨٧ ه‍ ، ورافق هذه الحملة العسكرية منصور باشا ، والسيد محمد سعيد نقيب البصرة ، وأن الكويت تطوعت في الخدمة ، ورافقت الجيش ، وسارت الجيوش بأرزاقها في سفن تبلغ نحو ثمانين بين صغيرة وكبيرة ، وكانت هذه بإمرة قائممقام الكويت (عبد الله الصباح). قام بإدارتها بنفسه ، وتعهد بالخدمة مجانا بلا مقابل ..

وهذه الفرقة سارت توّا نحو رأس التنورة ، فأنزلت ومن ثم سارت برا إلى القطيف ، وكانت هناك قوة ابن سعود فلما أطلقت المدافع عليها لم تقو على المقاومة فتفرقت وانهزمت من خوفها ، ودخلت الجيوش قصبة القطيف بلا عناء ولا كلفة في ٩ ربيع الأول سنة ١٢٨٨ ه‍ ثم سارت إلى الهفوف والمبرز ، وقبل الوصول إليها ترك أعوان ابن سعود هذه المواطن وفروا .. ومن ثم استولت الحكومة على الأحساء.

وبذلك تم الغرض في قضية نجد بقوة عسكرية وبسهولة ، فبقي أمر آخر يهم الدولة هو دفع ابن سعود ، والخلاص من أخطاره في المستقبل ، وأن تكون البلاد بنجوة من تعرض الأجنبي مادة ومعنى ، فأراد الوزير تأمين ذلك فتأهب بنفسه وذهب إلى هناك لإكمال المهمة .. وفي تلك الأثناء ظهرت غائلة شمر فعاقته مدة وأخرت منهاجه ..

ومما قاله السيد أحمد الرشدي من علماء الكشفية من قصيدة في ذلك جاء تاريخها :

لقد جاء نصر الله يزهر بالفتح

٢٩٧

ثم ذهب مدحت باشا إلى هناك وشكل إدارة فيها فجعلها لواء من ألوية العراق (١).

أعمال مدحت باشا

١ ـ حديقة البلدية : إن هذا الوزير قام بأعمال أخرى منها أنه اتخذ متنزها للعموم ، وهي (حديقة البلدية) ، وكانت تسمى (بستان نجيب باشا) أو (النجيبية) ثم صار يقال لها (المجيدية). شاعت كذلك على لسان الناس.

٢ ـ جلب مكائن للطحن وللأرز وللغزل والنسج (٢).

إن الألبسة الجديدة لم يعد في الإمكان تداركها ، والأعمال اليدوية لا تأتي بالحاجة ولم تكتف أمة من الأمم أو تتدارك احتياجاتها الكبيرة بمثل هذه .. فاقتضى جلب معامل لعمل الألبسة والخيام وما ماثل ما عدا (الطربوش) .. وذلك أن الجيش تكاثر ، وصارت احتياجاته كبيرة ، فقد كان موجود الفيلق أيام مدحت باشا سبعة آلاف جندي ، وبسبب القرعة والمتطوعين تجاوز عدد الاثني عشر ألفا فمثل هذا العدد لا يتيسر سد حاجته من طريق الأهلين وأعمالهم اليدوية ، فصعب الأمر .. فأسس معمل النسيج ، فصار يعمل يوميا ٣٠٠ متر من الأقمشة الصوفية (الجوخ) و (٤٠٠) متر من القماش القطني السميك ، ويسمى المعمل بالعباخانة كما أن المحلة يقال لها العباخانة وكذا كانت تسمى (القاطر خانة). وأما معمل الطحين فكان يعد يوميا ألفي قية من الدقيق ويخبزها .. فجلب مدحت باشا معامل لهذه الغاية من أوروبا بقوة ٧٠ حصانا بكافة ما تحتاجه من أدوات ، أوصى إليها من فرنسا بألفي ليرة ، وأرسل مهندسا يراقب العمل (٣) ..

__________________

(١) التفصيل في تاريخ نجد وعلاقته بالعراق وقرة العين ومؤلفات عديدة.

(٢) الزوراء عدد ١٤٥ و ٣٠ صفر سنة ١٢٨٨ ه‍.

(٣) الزوراء عدد ١٨ و ٦ رجب سنة ١٢٨٦ ه‍.

٢٩٨

ولما كان ذلك قد صادف أيام الحرب بين فرنسا وألمانيا (حرب السبعين) تأخر أعمال تلك المعامل ، فبقيت ضرورة إلى ما بعد انفصال مدحت باشا. ثم جاءت من طريق البصرة ، ولكنها لم تجد لها رجلا يتمكن من إشغالها لتقوم بالمهمة ، وأهملت حتى أكلها الصدأ.

وفي أيام حسين فوزي باشا حينما كان مشيرا للفيلق السادس جلبها إلى بغداد ، واتخذ لها الأبنية ، فصارت تشتغل .. هذا ما علم من أمرها (١).

معاونية الوالي :

وجهت معاونية الولاية إلى شاكر بك متصرف المركز ، ووجهت متصرفية المركز إلى حسن بك. وهذه المعاونية لم تكن من التشكيلات الأصلية وإنما جعلت لمدحت باشا خاصة (٢) ..

متصرف البصرة :

إن متصرف البصرة خليل بك قد استقال ، وعين مكانه سعيد أفندي معاون متصرف الحلة (٣).

حادثة شمر :

لا تزال هذه العشيرة تشق عصا الطاعة ، فعظمت غائلتها بسبب رئيسها الشيخ عبد الكريم ، وأما الرئيس الرسمي الشيخ فرحان فلم يتمكن من ضبطها (٤) .. وهؤلاء كانوا قد عاثوا في الأمن إبان عزم الوالي على الذهاب إلى البصرة ونجد.

__________________

(١) تبصره عبرت ص ٩٥ وهذه جاء ذكرها في سنة ١٢٨٦ ه‍ إلا أن (تبصره عبرت) أخر بحثها.

(٢) الزوراء عدد ١٩١ في ١٤ شعبان سنة ١٢٨٨ ه‍.

(٣) الزوراء عدد ١٥٧ في ١٢ ربيع الثاني ١٢٨٨ ه‍.

(٤) الزوراء عدد ١٦٢ في ١٩ رمضان ١٢٨٨ ه‍.

٢٩٩

وجاء عن هذه الحادثة في (تبصره عبرت) :

«إن هؤلاء عاثوا بالأمن في المواطن المسماة بـ (الجزيرة) المعروفة بـ (بين النهرين) في المواطن بين حلب وأورفة وديار بكر والموصل ، وخربوها ، فصارت ميدان نهب وسلب يتجولون فيها كما شاؤوا .. ورئيسهم آنئذ الشيخ عبد الكريم ، فهو شيخ مشايخهم ، وقد اعتمد على قوة عشائره وشجاعتها وكثرتها كما أنه كان قد اكتسب وجها من الحكومة ، فأغمضت العين عنه إلا أنه طمع .. فكان يحمل آراء غريبة وانصرفت آماله إلى أن يكون حاكم تلك الأصقاع ..

اتخذ واقعة الدغارة فرصة ، فجاء إلى ما يقرب من بغداد بجيش عظيم من الخيالة ، وصادف أن قد تمت الغائلة ، فرجع .. وفي هذه المرة رأى واقعة الأحساء ، ووجد أن قد خلت البلاد من الجيش ، فنهض بجيش كبير متكون من عشائره بين خيالة ومراديف ، ويبلغون أكثر من ثلاثين ألفا ، فأول ما عمله أن هاجم القرى في أورفة وسيورك وماردين والموصل ، فانتهبها وخربها ، وقتل فيها الكثير من النفوس ثم هاجم بغداد بهجوم قاس من حيث لا يأمل الوزير ..

وهذا الحادث شغله ، وصده عما كان ينويه من الأعمال نوعا ، فاقتضى أن ينصرف له ، ويهتم به ، ولم يكن يدور في الحسبان وقوعه .. مما دعا الوزير أن يأخذ له عدته .. وكان الشيخ عبد الكريم في أنحاء ديار بكر ، وواليها آنئذ (قورت إسماعيل باشا) وهذا بدوره أراد أن يعقبه حتى الموصل ، فتهيأ للحركة ضده ، فكتب مدحت باشا برقية أن يلتحق بالمشار إليه فوجان من الجيش وتكون تحت قيادته .. ومن بغداد أيضا قد أعد ما يلزم من جيش تحت قيادة الفريق أشرف باشا فجهزه الوزير ، وسارت الجيوش على طول دجلة والفرات ، وطريق شهرزور ، واتخذت التدابير المقتضية ، وسارع الوزير للحادث ، وأعاره من الاهتمام ما يقتضي ..

٣٠٠