موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

تسلطهم عليه. وكان الناس يتخذون كل الوسائل للتهرب من الجندية ...

وتشكلت في بغداد (المشيرية) وهي قيادة الجيش. وكانت تابعة في الأغلب للوالي تجتمع القوة العسكرية والإدارة الملكية في شخص الوالي إلا أنها انفصلت أحيانا. وكانت الدولة توجس خيفة من الولاة وحوادث (تپه دلنلي علي باشا) ، و (داود باشا) ، و (محمد علي باشا والي مصر) لم يكونوا بعيدين عن سمعنا.

وفي الغالب تحدث مشادة وتشوشات من أجل الجندية كما في (نامق باشا) و (وجيهي باشا) وأيام (مدحت باشا) ، ومرّت بنا حوادثها.

٥ ـ القضاء :

اختل أمره كثيرا. وللولاة صلة بالقضاة أو سيطرة. وربما استغلوا الولاة. وبين هؤلاء قضاة أكابر. وأول قاض بعد المماليك جاء به الوزير علي رضا باشا هو تقي الحلبي.

وأن التنظيمات الخيرية أثرت على القضاة وزاحمهم القضاة المدنيون ومن أهم من عرف حكام الجزاء ، وحكام التجارة. ثم تكاملت المؤسسات المدنية لما شوهد في القضاء من خلل سواء في نفسية القضاة أو في الأصول المتبعة.

وهذا العهد أيام اضطراب. ولم تنظم أمور القضاء إلا في العهد التالي وقائمة القضاة متعينة في سجلات المحكمة الشرعية لهذا العهد.

وأن التشكيلات المدنية في الأمور القضائية لا تزال في بدء التكوين وأنها ناقصة قطعا. ولم تتكامل إلا بعد هذا العهد. وكانت نواة أو بدء تشكيل. ووضع قانون التجارة ، وقانون الأراضي ، ونظام الطابو ولكن لا تزال الإدارة القضائية معتلة.

٣٢١

تكلمنا على التنظيمات الخيرية وأنها لم تؤسس من حين إعلان الفرمان ولكن قررت الدولة الإصلاح وأتبعته بفرامين. وهذا احتاج إلى وقت طويل. والعراق لم ينل من هذا التجدد أو الإصلاح شيئا في هذا العهد إلا بعض التشكيلات وما فيها من نقص. وتكلمنا في (تاريخ القضاء العراقي) ما يوضح الحالة. ولا مجال للتفصيل.

٦ ـ المجلس الكبير :

تكوّن بعد إعلان التنظيمات الخيرية بكثير. وكان تشكيله في بغداد سنة ١٢٦٧ ه‍ ولكنه لم يكن مستكمل الأوصاف. وإنما كانت سلطة الوالي مسيطرة. ويعوزه ثقافة الأعضاء. فهم في الغالب أشبه بالأميين. ولذا نعته الأستاذ أبو الثناء بما نعته ، فعيّن حالته بل ذمّ الشورى من أجله لما احتوى من عناصر.

والشورى أو الحكم الديمقراطي لا يذم لذاته. وإنما يندد به للوسائل المتخذة للتوصل إلى ترتيبه بانتخاب جهال أو موافقين لرغبة الإدارة وما إلى ذلك. وكان تشكيله عندنا بعد إعلان التنظيمات بمدة أي في رمضان سنة ١٢٦٧ ه‍ ـ ١٨٥٠ م. وهكذا لم ينتظم أمره مدة. وكان مقدمة افتتاح (مجلس الأمة). ويأتي الكلام عليه.

٧ ـ العشائر :

ألصق بالإدارة للعلاقة ولكنها أكثر استعصاء عليها. والسياسة العشائرية من أصعب ما يزاول الإداري. وقد مرّ بنا ذكر عشائر كثيرة. وربما كانت أكثر من العشائر الأخرى المبينة في المجلدات السابقة. وما ذلك إلا لتوضح العلاقة بالدولة وبالحكومة وظهور قوتها. والعشائر مبسوطة في كتاب (عشائر العراق).

ومن أشهر من تردد اسمها في هذا التاريخ المنتفق ، والخزاعل ،

٣٢٢

وكعب ، وزبيد ، وبنو لام ، وربيعة ، والعبيد ، وعشائر عربية عديدة. وأما الكردية مثل الهماوند والأورامان ، والسنجاويين ، والفيلية ، والجاف فهذه مرّت ...

(١) المنتفق :

حاولت الدولة القضاء على إمارتها فلم تطق ذلك. وكانت استغلت الخلاف بين أمرائها فتدخلت في (الالتزام) وكان مقطوعا فصارت تريد فيه كل ثلاث سنوات وتقتطع من أراضيها وعشائرها قسما فتلحقه بما تحت سلطتها وأقرب إليها من ألوية لما أوجدت من خلاف بين الرؤساء.

وأن صكوك الالتزام ومقاديره والكثير من حوادث المنتفق مبينة في كتاب (مباحث عراقية) للأستاذ يعقوب سركيس في مجلديه المنتشرين الأول والثاني. وكذا في مقالاته في لغة العرب وفي رسالتي الأستاذ سليمان فائق ومصادر تاريخية أخرى عديدة مما تكلمنا عليه في صفحات سبقت.

ومن هذه نعلم وجوه تدخل الدولة في القضاء على إمارة المنتفق والطرق التي مارستها ، ولكنها لم تقض على الإمارة إلا بعد هذا العهد ويأتي بيانه في حينه. ولكنها خطت خطوة وهي تأسيس بلدة (الناصرية) ، وأن المقتطعات لم تعد إلى المنتفق جميعها. وعشائر المنتفق أوضحت عنها في المجلد الرابع من عشائر العراق. هذا ، وتكونت (الشطرة) في هذا العهد. وجاء التوضيح عنها فيما كتب الأستاذ يعقوب سركيس.

(٢) العشائر الأخرى :

وهذه منها عشائر ربيعة ، وعشائر كعب ، والعشائر الطائية منها ما ذكرت (السياسة العشائرية) فيها في عشائر العراق المجلد الثالث ومنها ما أتناوله في المجلد الرابع.

٣٢٣

ومرّ بنا ذكر عشائر عديدة مما لها علاقة ظاهرة بهذا العهد سواء كانت عراقية أو أنها من العشائر المجاورة فأحدثت بعض المشاكل .. كما يفهم من حوادثها.

وفي هذا العهد حاولت الدولة إسكان بعض القبائل الكردية مثل الجاف فلم تفلح كما أن خير طريق لإسكان العشائر تفويض الأراضي إليهم كما في أيام مدحت باشا في أنحاء (الهندية) ولكن لم يتم ذلك في الأنحاء الأخرى.

٨ ـ خلاصة في التشكيلات الإدارية :

هذا ما يلخص الحالة في التشكيلات. وأكبر شخصية فيها الوالي. والحوادث المارة مما يعين الأوضاع. وللوالي (قائممقام) ينوب عنه عند غيابه لمهمات خارج بغداد. ثم حدث منصب (معاون الوالي) ، فصار يقوم بالمهمة.

والمتصرفيات مصغرة من إدارة الولاة. وهكذا (القائممقاميات) مصغرة من المتصرفيات في قلة تشكيلاتها. وكان للولاة من التشكيلات منصب (باب العرب) للتفاهم مع العشائر. وهو بمقام (مدير عشائر عام). وكثير من الحوادث بصرت بمناصب أخرى مثل (كاتب الديوان) أو منصب (رئاسة الكتاب) ثم صار (المكتوبي). ومثل منصب (المصرف) أو ما يقال لإدارته (مصرفخانه) من فروع المالية. وللجباية موظفون وللإدارة موظفون تالون.

أما الموصل فإنها تختص بولاة. وبينهم وزراء ولكن التشكيلات بمقياس أقل. وفي الغالب جرت على عهودها السالفة إلى ما بعد التنظيمات بمدة ... وراعت القرعة أي التجنيد وجرت عليها قبل بغداد بكثير. ومثلها البصرة ولكن تشكيلات الموصل أكمل. وكذا الألوية الأخرى مثل كركوك ، والسليمانية بعد أن تكونت منها ألوية خاصة بها.

٣٢٤

٣

الإمارات المنقرضة

١ ـ إمارة الجليليين في الموصل. أبعدتهم الدولة عن إمارة الموصل. وكان آخرهم الوزير يحيى باشا نحّته الدولة سنة ١٢٥٠ ه‍ ـ ١٨٣٤ م ولم يعودوا إليها.

٢ ـ إمارة رواندز. انقرضت سنة ١٢٥٢ ه‍.

٣ ـ إمارة بهدينان. وكان القضاء عليها سنة ١٢٥٢ ه‍.

٤ ـ إمارة بابان. قضى عليها سنة ١٢٦٧ ه‍ ، فلم يعودوا إليها.

وهذه الإمارات لم تنازع بعدها ولم تسع لاستعادة ما كانت عليه إذ ليس لها قوة أو قدرة للقيام بأمر كهذا ولكن الدولة قرّبت إليها (إمارة الجاف) بأمل قطع دابر (إمارة بابان) فكادت تحلّ محلها إلا أنها عاشت مع الحكومة على الوئام والألفة في حين أن قوة بابان كانت بهذه العشائر وأمثالها ...

٤

الثقافة

يعدّ بحق هذا العهد عهد إغفال الثقافة وإهمال أمرها. ولكنها جرت على ما كانت عليه في عهد المماليك. المدارس معمورة ، والمدرسون من بقايا ذلك العهد ، فلم تتضعضع. وهكذا المثقفون كانوا من تلك البقايا. قاموا بالمهمة. وبهؤلاء ظهر العهد وإن كان ليس للدولة يد في الإيجاد ولا في التغذية العلمية. نهضوا بما لديهم من علم وأدب. وربما كانت المساعي مكينة في إحباط ما بذل في العلم وتقويته فاختل الأمر.

٣٢٥

وعلماء هذه الحقبة :

١ ـ آل الطبقچه لي. ومنهم محمد سعيد المفتي ، وأسعد ، ومحمد ... وهذا الأخير صاحب مدرسة معروفة بـ (مدرسة الطبقچه لي). وكان فيها (خزانة كتب) مهمة ، ولكنها تبعثرت.

٢ ـ عبد الغني بن محمد جميل بن عبد الجليل المفتي. وكان أديبا وعالما. ولي إفتاء بغداد بعد محمد سعيد الطبقچه لي. وآل جميل معروفون. و (كتاب الروض الخميل) يعين ما قيل فيهم من شعر. ويعرف إخوانهم بـ (آل جميل) تغلبا. وهم أولاد عبد الجليل.

٣ ـ أبو الثناء الآلوسي. ترجمه صاحب (حديقة الورود) في حياته. وكان مفتيا ببغداد مدة طويلة. وله مؤلفات نافعة ومهمة من أجلها تفسيره روح المعاني. وكان يعدّ شيخ الأدباء ومرجع العلماء فهو رأس (مشيخة). أو كما نقول (مدرسة). التف حوله جمع من الأدباء وأخذ عنه لفيف من العلماء فشهدت لذلك إجازاته. و (آل الآلوسي) اشتهر كثيرون منهم بالعلوم والآداب.

٤ ـ محمد أمين الزند. ولي الإفتاء بعد أبي الثناء. ثم صار (كهية) فعرف بالكهية ولازمه هذا الوصف. وعرفت أسرته بـ (آل محمد أمين الكهية). وقفت أسرته داره فجعلتها جامعا يسمى بـ (جامع الكهية) ، وكتبه (خزانة كتب) عظيمة في غزارة مادتها وجليل آثارها.

٥ ـ محمد فيضي الزهاوي. ولي الإفتاء بعد الأستاذ محمد أمين الزند (الكهية). وبقي حيا إلى ما بعد هذا العهد. و (آل الزهاوي) أولاده وأحفاده فتكوّن منهم (البيت الزهاوي).

٦ ـ آل الحيدري. عرف منهم في هذا العهد (صبغة الله الحيدري) الثاني. وكان مفتي الشافعية في بغداد. وله (المسائل الإيقانية في الأجوبة على الأسئلة الإيرانية) عندي مخطوطته. وهو أجوبة على الأسئلة

٣٢٦

الإيرانية. وتوفي في ١٢ ربيع الأول سنة ١٢٧٩ ه‍. وابنه إبراهيم فصيح الحيدري عالم ومؤرخ وأديب. ومؤلفاته كثيرة من أهمها (عنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد). و (عنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد). و (المجد التالد في مناقب الشيخ خالد) وكتب كثيرة. وتوفي في ٥ صفر سنة ١٣٠٠ ه‍ ـ ١٨٨٣ م. ومنهم محمد أمين بن عبيد الله الحيدري. توفي في ٢٧ جمادى الأولى سنة ١٢٧٩ ه‍.

٧ ـ عيسى صفاء الدين البندنيجي. عالم ومؤرخ وله معرفة كاملة باللغة التركية وصاحب مؤلفات عديدة من أجلها (كتاب أولياء بغداد) نقله من التركية والأصل لمرتضى آل نظمي. عندي مخطوطة منه كتبت في حياة المترجم. وتوفي في ١٧ رجب سنة ١٢٨٣ ه‍ ـ ١٨٦٧ م.

٨ ـ آل الشواف. منهم عبد الرزاق الشواف وعبد العزيز الشواف وهذا الأخير من أساتذة أبي الثناء الآلوسي. عاش في عهد المماليك ... وتلاهما جماعة من آل الشواف.

٩ ـ عبد الفتاح الشواف. من فرع آخر من آل الشواف. وهو صاحب (حديقة الورود) أديب كامل مات في مقتبل العمر وترك أثرا خالدا. وهو الحديقة. ترجم بها أستاذه أبا الثناء الآلوسي وذكر علاقاته بمعاصريه وبين الأدب العربي في أيامه زيادة على ترجمته فأظهر قدرة كبيرة ، وصار صفحة مجيدة في الشعر والنثر. وأخوه العلامة (عبد السلام الشواف) اختصر الحديقة وعاش إلى ما بعد هذا العهد. ومن عقبه الأساتذة محمود عزت ومصطفى عزت. والدهما عزت ابن الأستاذ عبد السلام.

١٠ ـ آل الواعظ. هم آل الأدهمي. تغلب عليهم نعت الوعظ. ومن أجل من ظهر منهم في هذا العهد محمد أمين الواعظ. كان عالما جليلا وأديبا وخطاطا معروفا. وآل الواعظ توالى فيهم العلم. وكتب

٣٢٧

السيد مصطفى الواعظ ابن الأستاذ محمد أمين كتابا في أسرتهم علق عليه صديقنا الأستاذ إبراهيم الواعظ ابن المؤلف ونشره فكان صفحة وافية في التعريف بهذه الأسرة وعندي مخطوطة أصلية من هذا الكتاب وهو (الروض الأزهر في آل جعفر).

١١ ـ آل الراوي. اشتهر منهم في هذا العهد السيد محمد ابن السيد حسين آل عبد اللطيف الراوي. وكان عالما فقيها. ولي التدريس في مدرسة مرجان مدة. فهو من العلماء البارزين. ومن ذريته الأساتذة محمد سعيد وأحمد ابنا السيد عبد الغني ابن السيد محمد المذكور. والتفصيل في التاريخ العلمي.

١٢ ـ آل الروزبهاني. منهم محمود الروزبهاني توفي في ١٧ جمادى الأولى سنة ١٢٦٩ ه‍. وابنه عبد الرحمن الروزبهاني توفي في المحرم سنة ١٢٧٠ ه‍.

١٣ ـ الحاج رسول الكردي. توفي في ١٢ رجب سنة ١٢٧٦ ه‍.

١٤ ـ السيد أحمد الموالي خطيب الأعظمية. توفي في ١٦ رجب سنة ١٢٧٦ ه‍.

وظهر علماء كثيرون ولكنهم لم يشتهروا اشتهار هؤلاء. وفي الموصل والبصرة والنجف ظهر علماء آخرون.

وفي العراق حدث ما حدث من انقراض المماليك ، ومن طاعون كاد يبيد معالم العلم. وكان هؤلاء من بقاياهم إلا أن المأمول في الدولة أن تنهج بالعراق نهجا جديدا لتحبب نفسها وتؤسس مؤسسات نافعة استفادة من الإصلاحات التي عزمت على مراعاتاها في فرمان التنظيمات الخيرية المعروف بـ (خط كلخانه) فلم تفعل.

ولكنها أخطأت المرمى بل لم تقدر أن تؤسس مؤسسات قويمة

٣٢٨

وصالحة في أصل مملكتها أو في عاصمة دولتها ، فبقي العراق محروما من التجدد العالمي واقتباس الحضارة ، وأن فتح قنال السويس لم يجعل للعراق علاقة بثقافة وإنما اقتصر على التجارة. ولو لا اتصال العراق بالهند وبمصر وبإيران والمملكة التركية والبلاد العربية الأخرى لبقي على خموله وجفوته أو أنه اقتصر أمر الثقافة فيه على مدارسه وخزائن كتبه.

ومن أدباء هذا العهد جماعة جاء نظمهم ونثرهم صفحة كاشفة عن الأدب العربي. ومن أدباء العرب في العراق في هذه الحقبة.

١ ـ محمد أسعد ابن النائب.

٢ ـ عمر رمضان.

٣ ـ عبد الباقي العمري.

٤ ـ قاسم الحمدي.

٥ ـ محمد أمين العمري الكهية.

٦ ـ عبد الغفار الأخرس.

٧ ـ الشيخ صالح التميمي.

٨ ـ عبد الحسين محيي الدين.

٩ ـ قاسم الهر.

١٠ ـ محمود أبو الثناء الآلوسي.

١١ ـ عبد الغني آل جميل.

اشتهر هؤلاء بالشعر. ومن الأدباء الناثرين أبو الثناء ، وعبد الفتاح الشواف وجماعة مما سنوضحه في التاريخ الأدبي ونعين النثر الفني ...

وأدباؤنا لم يظهروا تجددا كبيرا في الشعر وإن كانوا نشروا بعض

٣٢٩

المقطوعات والقصائد الأدبية المهمة في جرائد استنبول مثل الجوائب وكنز الرغائب فهذه نشرت الكثير من شعر العراقيين. ولم يظهر فيه ما يتعلق بالمطالب القومية أو الوطنية وما شابه من الأغراض الاجتماعية إلا قليلا رأيناه في شعر عبد الغني جميل ، ونثر الآلوسي وآخرين يعدون على الأصابع.

والتكايا والطرق اشتهرت بكثرتها في هذا العهد ، ونشطت منها الطريقة (النقشبندية) وكادت تتغلب على الطرق الأخرى ولكن قطع الأمل من عودة نشاطها كما ظهر الخلل في صفوف النقشبندية. وكانت تتميز في أنها تحث على العلم والأخذ به إلا أنها لم تتمكن أن تستعيد القوة. وأكبر نشاط لها في ربوع الكرد. تكاثرت تكاياها ... وكادت تتغلب على المساجد.

ومن مشاهير هذه الطريقة :

عثمان طويلة.

وعبد الفتاح العقراوي.

وإسماعيل البرزنجي. وتوفي ٥ شوال سنة ١٢٧٩ ه‍.

والسيد طه الكيلاني. وعنه أخذ البارزانيون الطريقة.

ولا تنكر خدمات هذه الطريقة للثقافة.

وربحنا الثقافي لهذا العهد أن نحتفظ بما عندنا من تراث علمي ومعرفة أدبية ، فرعينا المدارس العلمية وخزائن الكتب ولم تنشأ عندنا المدارس الجديدة إلا المدرسة الرشدية كانت في آخر هذا العهد ، ولم نشاهد إلا مدرسة اليانس الإفرنسية تأسست سنة ١٢٨١ ه‍ ـ ١٨٦٥ م وكانت فائدتها محدودة في بادىء أمرها إذ إنها لم تدرس إلا الفرنسية فاقتصرت عليها. وبعض المدارس الدينية في الكنائس لم تعمّ المعرفة فيها.

٣٣٠

ومرّ بنا تاريخ تأسيس المدرسة الرشدية. ولم تظهر إلا في آخر هذا العهد وكانت بوضع ضعيف جدا. وكان تأسيس أمثالها في الدولة سنة ١٢٦٢ ه‍ ومن ثم يعرف أنها عندنا متأخرة جدا. ولم تظهر المدارس المهمة والمنظمة إلا بعد إعلان الدستور.

وكان العراق متأهبا للمعرفة الجديدة مترقبا لتطورها من أيام أبي الثناء الآلوسي فحالت دون ذلك حوائل كما لقيت معارضة من آخرين. وهذا الاحتكاك في الآراء مما نبّه إلى العلوم الفلكية والطبيعية وأمثالهما. والتفصيل في التاريخ العلمي.

٥

العلاقات بالمجاورين

وهذه تهمنا أكثر من غيرها للصلات المباشرة. نريد أن نتوسع فيها بقدر ما نتمكن. ولعل في الحوادث المارة ما يوضح ...

١ ـ العلاقات بإيران :

كانت الدولة القجرية على وفاق مع الدولة العثمانية من تاريخ عقد معاهدة سنة ١٢٣٨ ه‍ ، وسنة ١٢٤٥ ه‍. وفي هذا العهد عقدت معاهدة أرضروم سنة ١٢٦٣ ه‍ وتوالت الإلفة بين الدولتين. وزار ناصر الدين شاه مشاهد الأئمة في العراق فتوثقت الصلة والتقريب.

وهذه قائمة بأسماء شاهات القجرية :

١ ـ فتح علي شاه. توفي في جمادى الثانية سنة ١٢٥٠ ه‍ ـ ١٨٣٤ م وعندنا تداول من نقوده ما يسمى بـ (الفتّه) وهي مخفّف (فتح علي شاه) وكذا (القران) وهو مخفّف (صاحبقران) فشاع نقده بـ (قران). وكان ضربه في السنة الثالثة من حكمه.

٢ ـ محمد شاه ابن عباس ميرزا المتوفي في حياة والده ابن فتح

٣٣١

علي شاه. خلفه. وكان ولي العهد. وتوفي سنة ١٢٦٤ ه‍ ـ ١٨٤٧ م.

٣ ـ ناصر الدين شاه ابن محمد شاه. توفي ١٧ ذي القعدة سنة ١٣١٣ ه‍ ـ ١٨٩٦ م.

ملّ هؤلاء الحروب كما مل العثمانيون فركنوا إلى المصافاة حبا في الطمأنينة والراحة للنظر في الشؤون الداخلية.

٢ ـ العلاقات بإمارة ابن سعود :

هذه الإمارة شغلت الدولة العثمانية في حروبها في الحجاز وفي العراق. وأكبر قوة لها مناصرتها المذهب الوهابي (مذهب السلف) وهو معتقد الشعب. وكان قضى عليها والي مصر تنفيذا لأمر السلطان محمود إلا أن أرباب هذه العقيدة كانوا يميلون إليها ويحبونها حبا جما ، فاستعادت بعض سلطتها من طريق الدين فتوسعت. ولكنها حاولت أن تمس بلاد الدولة فحصل التفاهم معها فكفت يدها والدولة العثمانية كانت في ريب من أمر هذه الإمارة. توجس خيفة منها أن تعود إلى سلطتها الأولى. ومن أشهر أمرائها في هذا العهد (فيصل بن تركي). ولي الإمارة بعد والده سنة ١٢٤٦ ه‍. وبعد ذلك أسر ثم استعاد قوته بعد العفو عنه. وحاول الاستيلاء على جميع ما كان في سلطة آبائه وأجداده ولكن الدولة هدّدته. ومن ثم رأى أن لا نتيجة وراء النضال. وأن اهتمامه بإصلاح داخله أكبر وأعظم.

وبوفاته سنة ١٢٨٢ ه‍ حدث نزاع بين أولاده على الإمارة ، فاستغلت الدولة الحادث ، كما استغل ابن الرشيد ذلك. ومن ثم ركن الأمير عبد الله بن فيصل إلى العراق ، فكانت العاقبة أن استولى مدحت باشا على الأحساء وحازها لدولته ، فطمعت فيها ، وبقي أولاد فيصل مبعثرين.

٣٣٢

ولو لا مناصرة الشعب لهذه الإمارة واتصاله بعقيدتها لما دام لها حكم لا سيما وقد نهض ابن الرشيد للقضاء عليها فلم يفلح للسبب عينه.

وهذه قائمة أمرائهم :

١ ـ تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود. توفي سنة ١٢٤٦ ه‍ ـ ١٨٣٠ م.

٢ ـ فيصل بن تركي. توفي سنة ١٢٨٢ ه‍ ـ ١٨٦٥ م.

٣ ـ سعود بن فيصل. توفي سنة ١٢٩٢ ه‍ ـ ١٨٧٥ م.

٤ ـ عبد الله بن فيصل. وهو الذي استعان بالدولة العثمانية. وتوفي سنة ١٣٠٧ ه‍ ـ ١٨٨٩ م.

٥ ـ محمد بن فيصل. بقي تحت سلطة ابن رشيد إلى أن توفي.

وهؤلاء داموا في نضال فيما بينهم وإدارتهم مبعثرة.

٦ ـ عبد الرحمن بن فيصل. هلك إخوته وبقي متحيرا مدة يلتمس الملك المغصوب ويترقب الفرص ليعود إلى الإمارة.

يدعم هؤلاء الشعب يميل إليهم ينتظر ظهور زعيم منهم ، ويودّ أن يعود لهم الحكم ليناصره بلا قيد ولا شرط لما ملّ من الفتن. فكان هذا نصيب (عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل). وصل إليه الحكم بعد جدال عنيف وجهود عظيمة ومخاطرات ومجازفات فلم يترك اليقظة ولا الانتباه حتى نال مقصوده وظفر ... مما هو موضوع عهد تال ...

٦

العلاقات بالأجانب

كانت هذه محدودة قبل فتح قنال السويس. ومع هذا كانت

٣٣٣

العلاقات مشهودة ومقررة في معاهدات. فإن قناصل الإنكليز ، وقناصل فرنسا لا يزالون يتوالون. وكان يسمى القنصل بالمقيم (رزدنت) ، و (باليوز) وهذا اللفظ إيطالي وشاع عندنا (١) ، ثم تكونت القنصليات أو تحول اسمها إلى قنصلية وشاع كذلك في هذا العهد.

ويصعب بيان العلاقات. فإنها كانت ضعيفة إلا أن الإنكليز تعهدوا سير البواخر ، والاتصال بالهند بخطوط البرق ، وبعض الخصوصات وكانت تجري بهدوء. وللقنصليات اتصال بالحفريات أيضا.

والعلاقات بالدولة العثمانية بواسطة سفراء قديمة. مرّ بنا في المجلدات الأولى للعهد العثماني بيان بعض المعاهدات. وهي خير ما يعين الصلات ، وهذه تخص تاريخ أصل الدولة. وفي الولايات مثل بغداد كان المقيم (رزدنت) ويقال له (باليوز) أيضا. ولم يجلب العراق انتباه الأجانب في مثابة واحدة ودرجة متساوية. وإنما تفاوتت العلاقات. وكان في هذا العهد النفوذ للقنصليات الإنكليزية والفرنسية. ونرى التزاحم بينها كبيرا إلا أن الإنكليز يراعون الجهة العملية والاستفادة من استغلال الأوضاع ، والفرنسية تريد الأبهة ، وأن ترى الاحترام الرسمي. وآثار الإنكليز مشهودة كما أن الفرنسيين أخفقوا في قضية الطريق البري بين الشام وبغداد وشرعوا في العمل ، فلم تدعهم الدولة ولم تفسح لهم في العمل وأن قرب فتح قنال السويس مما أحبط المشروع تماما. ويرى تدخل الدولتين مشهودا. ولم نشاهد لغيرهما أثرا. وكان مندوب الروس والمندوب البريطاني في قضية تحديد الحدود بين إيران والعراق ذوي تأثير كبير ...

__________________

(١) لفظه الأجنبي Baylos كما في مباحث عراقية ج ١ ص ٣١ الهامش. وفي رحلة المنشي البغدادي باليوز ومقيم وورد في دوحة الوزراء بهذا اللفظ (باليوز). وتاريخ العراق بين احتلالين ج ٦. وفي قاموس شمس الدين سامي (باليوس) أو (باليوز) وضبطها Balioz balios من الإيطالية Balio.

٣٣٤

وكان الوالي عبدي باشا يميل بالتوجه إلى القنصل الفرنسي. وأن الترك متصلون بالفرنسيين من قديم الزمان ولعل التدخل الفعلي للإنكليز مما جعل الوالي يرتاب من سطوة الإنكليز وتدخلاتهم فينظر إليهم بحذر فيؤثر الفرنسيين. ولا شك أن الوالي كان يرقب الأحداث بحذر ولكن ذلك زال بزواله واكتسب الإنكليز النفوذ التام وتقلص نفوذ القنصل الفرنسي.

ويهمنا أن السفارات في عاصمة الدولة. والعلاقات بها أمكن. وأنها المرجع في كل نزاع أو حدوث خلاف. وتعرف الأوضاع من صلات الدولة في معاهداتها بالدول الأخرى. والحق أن العلاقات بالعراق قليلة. وقد مرّ بنا ذكر أوائل العلاقات بالبرتغال ثم بغيرهم. والتجارة محدودة. وبعد الدول عن العراق وعدم وجود الصلات بوسائط كافية مما قلل من هذه العلاقات. وفي الغالب يمثل الإنكليز الدول الأخرى بوكالات قنصلية فانفردوا تقريبا للصلات بالهند بحرا بواسطة الإنكليز ...

وأقدم قنصلية في العراق (القنصلية الفرنسية). تأسست سنة ١٧٤٢ م. ومن ذلك الحين أخذ قناصل فرنسا يتواردون إلى بغداد.

وأما القنصلية الإنكليزية فيرجع تاريخها إلى سنة ١٧٩٧ م فقد عينت لها قنصلا في البصرة وآخر في بغداد. وهذا يلقب بـ (المقيم). ويقال له عندهم (رزدنت). ومن أشهر رجالها المستر رچ. ذكرناه في المجلد السابق وفي رحلة المنشي البغدادي ص ٧ تفصيل أكثر عن تأسيس القنصليات الإنكليزية عندنا. وهذه القنصلية تتمتع بامتيازات عظيمة لم يبلغها غيرها. فلها ١٢ (قواسا) وعدد من الجنود المسلمين يبلغون (٦٠) جنديا ولكن هؤلاء تبدل قسم منهم بالجنود البريطانيين. وكان تحت تصرف هذا القنصل باخرة صغيرة يقال لها (كوميت) Comet تلازم القنصلية دوما.

٣٣٥

هذا ، وإن مراجعة (المسألة الشرقية) يعين درجة نفوذ الدولة وتدخلها وتاريخ هذا التدخل. وفي كتاب (بغداد وسكة حديدها) ما يعين الآمال. ولا يهمنا التوغل إلا بقدر العلاقة بالعراق في بعض الحوادث المارة.

ولم نر أثرا مشهودا أو صلة ظاهرة لقناصل الدول الأخرى إلا ما شوهد من علاقة المنتدبين من الإنكليز والروس في تحديد الحدود بين إيران والعراق بالوجه المبين.

خلاصة وصفوة

تحصل لنا من المطالب المارة والمشاكل المهمة التي عاناها العراق أن الدولة كان همها أن تقطع دار المماليك ، وتجعل بغداد كسائر البلاد التابعة لها رأسا ، فلم تفلح في هذه المحاولة ، ولم تحسن الإدارة ، فتعمل للتشويق عليها أو الترغيب فيها.

قام الولاة في سبيل تحقيق ذلك بأعمال جائرة ، وأن الأهلين لم يروا بدّا من المجاهرة بالخلاف ، فتولدت مشاكل من أهمها (التجنيد) ، والقضاء على (المنتفق) وأمثالهما مما مرّ بيانه ، فاستعصى الأمر ، وشمس الأهلون ...

وكل ما يقال إن هذا العهد بدء انتقال ، فلم يهدأ في أحواله. ضيقت الدولة فوجدت معاكسة ، وخففت من جهة وشددت من جهة أخرى ، فكانت المصيبة أعظم والخطر أكبر. ولا شك أن الأمور لم تتوضح. ولعل للمعاهدات مع إيران دخلا في هذا التضييق. وتحقق للدولة القضاء على بعض الإمارات. ولم تفلح في الأخرى.

وهكذا من نتائج المسالمة مع إيران أرادت القضاء على المنتفق ، وربحت (الأحساء). وغوائل العراق كثيرة وكبيرة. وأن ولاة بغداد لم

٣٣٦

ينجحوا ، وأن مدحت باشا كاد يخفق في مساعيه لو لا همته ومواهبه في حروب الدغارة وتساهله مع المنتفق.

ومن المشاكل التي زاولتها الدولة معاهدة أرضروم (أرزن الروم) وما جرى بعدها من تحديد الحدود. وبهذه ثبتت قدم إيران في المحمرة وأنحائها فتركت عشائر كعب إلى إيران مقابل قطع منازعاتها بإمارة بابان ... فكانت الصفقة خاسرة.

وفي مطالب الثقافة أهملت (المدارس العلمية) مع ضعف التشكيلات الجديدة فكانت الخسارة كبيرة لا في العراق وحده بل في مختلف ممالك الدولة. وكأن هذه المدارس العلمية لا تصلح للثقافة ولا يمكن إصلاحها بوجه على قاعدة (وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر). أرادت إهمال الماضي أو خافت أن تتعرض بالعلماء حذر الإخلال بمشروع الإصلاحات وأن لا تكرر ما جرى أيام السلطان سليم الثالث من غائلة. وكأن (خط گلخانه) يهدف أمرا غير التعرض بالمدارس والعلماء وإصلاح أمرهما.

وعندنا لم يكن أثر للثقافة الجديدة إلا أيام مدحت باشا بتأسيس المدرسة الرشدية وهي ابتدائية. وسنتعرض في التاريخ العلمي والأدبي إلى التوضيح.

هذا ما جرى في هذا العهد بنظرة أخيرة. ولا ننس أن الحاضر نتاج الغابر فلا نطيل القول بأكثر من هذا. والله وليّ الأمر.

٣٣٧
٣٣٨

الفهارس العامة

١ ـ فهرس الأعلام

٢ ـ فهرس الشعوب والقبائل والنحل

٣ ـ فهرس المدن والأماكن

٤ ـ فهرس الكتب

٥ ـ فهرس الألفاظ الدخيلة والغريبة

٦ ـ فهرس الصور

٧ ـ فهرس الموضوعات

٣٣٩
٣٤٠