موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٧

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

أراد من إكمال النواقص (١).

يزيدية سنجار :

إن اليزيدية كانوا قد عصوا على الحكومة من مدة نحو خمس سنوات أو ست ، وتمنعوا في الجبال فتركوا وشأنهم ، بقوا في العزلة والتزموا أن لا يدخل غريب إليهم .. فاستمروا في حالتهم هذه ، وعاشوا على محاصيل الجبل الوافرة ، ومنعوا غيرهم من الاستفادة فاستأثروا بها ..

ولم يهدأ هؤلاء في مواطنهم ، وإنما كانوا يعيثون بالأمن ويضرون بالغادي والرائح .. ومن ذلك أن قصابين كانا قد ذهبا إلى قبائل شمر وعنزة لشراء الأغنام. فلما وصلا إلى قرب الجبل لقيهما بعض اليزيدية ، فأخبروهما بوجود أغنام في الجبل أرخص وأنفع من غيرها ، وأطمعوا بالربح الزائد ، فأخذوهما إلى الجبل ، وحيل بينهم وبين ما يأملون الحصول عليه فقتلوهما ، وسلبوا ما عندهما من نقود.

وافق ذلك ورود الوزير مدحت باشا إلى الموصل ، فعلم بما جرى وطلب من اليزيدية بيان أسماء القاتلين ، وأن يسلموهم إلى الحكومة ، فتمكنوا ، ولم يقوموا بأمر نحو العتاة ومن ثم رأى هذا الأمر من أهم ما يجب أن تلتفت إليه الحكومة ، وتتخذ الوسائل للقبض على هؤلاء الجناة بأي وجه كان. ولزوم تأديب مثل هؤلاء الأشرار ..

وعلى هذا ، وفي الحال جمعت العساكر الموجودة في الموصل وماردين وشهرزور فبلغوا مقدار ثلاثة أفواج ، وسريتين من الخيالة ، وأربع قطع مدافع ، ومقدار من الجند الموظفة .. أدخلوا تحت إمرة أحمد بك الزعيم الموجود في الموصل ، مع ضيا باشا متصرف لواء الموصل ،

__________________

(١) كذا عدد ٢.

٢٠١

أمروا بالذهاب إلى سنجار ، وزوّدوا بالتعليمات اللازمة ..

فلما وصل الجيش إلى سنجار ، اضطرب اليزيدية ، وارتدوا إلى الوراء في المسالك الصعاب التي لا يمكن اجتيازها وكانوا يظنون أن العسكر سوف يهجم عليهم وينهب أموالهم ويقتلهم ويحرق زروعهم ، ويستولي على نسائهم .. ولكنهم ما لبثوا أن علموا أن المقصود أهل الشقاوة القاتلين ، فأفهموا بأن المقصود أولئك القاتلون العصاة لا غير ، فجاؤوا بهم فألقي القبض عليهم وحدهم .. وجاء الأهلون بعنوان الدخالة .. واكتفى بالجناة .. وبمقتضى التعليمات أخذ للعسكرية جماعة من أهل الجبل بطريقة القرعة وأن يحصّل ما تراكم بذمتهم من الأموال الأميرية ، فعاينوا الأفراد وفرقوا من يصلح للخدمة العسكرية ، ومن جهة أخرى حصلوا الأموال الأميرية ، فتم ذلك كله. ولأجل إكمال المدة المعينة للخدمة في الجندية تركوا في بيوتهم عشرين يوما وأمرت الحكومة بوضع ضابطة دائمة مرابطة بناحية تلعفر ، ولزوم إنشاء دائرة حكومة مناسبة وأن تحول (ناحية تلعفر) إلى (قائممقامية) .. وأن يكون بناء دار الحكومة رصينا محكما ، وباشروا بعمل ما يقتضي ..

ومن ثم سهل القضاء على غائلة سنجار ، وأقام فوجا من العسكر للتأكد من الوضع. ورجع الباقي وأما القاتلون فأودع النظر في دعواهم إلى المحكمة في الموصل ، وبذلك تمت الواقعة .. وكذا تم ما معها من لواحق. جرى ذلك في ١٢ ربيع الأول (١).

الأوزان والمقاييس الأخرى :

حاول مدحت باشا التعديل في الأوزان وتوحيدها فأمر أن تعتبر الحقة ٤٠٠ درهم ، وأن تجعل كل ١٠ حقات منّا واحدا ، وأن تكون

__________________

(١) الزوراء عدد ٢.

٢٠٢

عشرة أمنان وزنة واحدة. وعد كل ١٠ وزنات تغارا. وذلك في ١٠ ربيع الأول (١). فلم يتم كما رغب. والغرض لم يكن موجها إلى إبداع موازين عشرية. وإنما الغرض التعامل العالمي إلا أنه لم يتم له ذلك.

ثم أصدرت الدولة القانون المؤرخ ٢٠ جمادى الآخرة سنة ١٢٨٦ ه‍ في المقاييس الجديدة. وطبع باللغة العربية في المطبعة العامرة في ٣ ذي الحجة سنة ١٢٨٦ ه‍ ومنع بموجبه استعمال المقاييس القديمة اعتبارا من آذار سنة ١٢٩٠ رومية أي بعد سنتين. وفي خلالهما الاختيار للأهلين. والحق بذلك نظام في طريقة التطبيق (٢).

فصلت ذلك في مبحث الأوزان من كتاب النقود العراقية. ولم ينجح هذا المشروع. ودام استعمال الناس ، فلم يخرجوا على معتادهم في العهد العثماني حتى أواخره.

النقود :

وهذه حاول الوزير تمشيتها بوجه مطرد موافق لرغبة دولته فلم ينجح. وأنواع النقود لا يمكن حصرها. وبينها النقود العثمانية والنقود الأجنبية. ولم يلتفت الناس إلى الأوامر المشددة ، فلم تشأ الأمة أن تمضي على خلاف مألوفها وحاجتها الاقتصادية. فإن النقود الإيرانية يتعامل بها بكثرة ومثلها نقود الدولة. وهكذا النقود الأجنبية. وعلاقات العراق بالأقطار تعينها تحولات النقود وكثرة تنوعها وانتشارها.

وهذه تابعة للحالة التي كانت عليها في ذلك الحين. وليس من المستطاع تبديل السعر بصورة كيفية أو إعطاء الأوامر التي لا يستطاع تطبيقها. فكانت كل محاولة غير طبيعية أو خلاف الحاجة فاشلة قطعا.

__________________

(١) الزوراء عدد ٢.

(٢) الدستور القديم ج ١ ص ٧٤٤ ومجلة أمور البلدية ج ٥ ص ٧١٣.

٢٠٣

بقيت النقود على حالتها المألوفة والاقتصادية المتداولة ولم يفلح مدحت باشا ولا من جاء بعده. وفي الوقت نفسه بقي التلاعب بالنقود مستمرا. والقيمة الحقيقية لم تفلت من أيدي الناس ولا من أيدي الصرافين. وبالتعبير الأولى لم يستطع مدحت باشا أن يحل أمر النقود حلا سالما وأن محاولته ذهبت عبثا. وكل منا يعرف نقودنا. تكلمت عليها مفصلا في كتاب (النقود العراقية) (١).

يعسر على المرء الإصلاح في الأمور القليلة الأهمية فكيف بما ألفه الناس. فالنقود أصابها اضطراب إلا أن الأمور الاقتصادية حياتية ومألوفيتها يجعل التمسك بها مكينا فلا تغير بسهولة. والمهم أنه وجب أن يدخلها الإصلاح في منهاج الدولة. أو أن تظهر أمور قاهرة تستدعي قبول غير المألوف. وإلا فحوادث مثل هذه قد تؤدي إلى قلاقل وتذمرات ، لما يلحق من أضرار وعناء واضطراب في الحكومة من جراء العلاقة.

وفي العراق لم تضرب النقود منذ أمد أي من سنة ١٢٦٢ ه‍ ولم تكن في تعاملها على وتيرة ونسبة ثابتة ، بل تعتبر البيشلك (البيشلغ) بخمسة قروش صحيحة ، وفي التداول بستة قروش وعشر پارات ويقابله بالنقد المغشوش (المتاليك) خمسة وعشرون قرشا. وكذا يقال في (الشامي) تعتبره الحكومة تسعة قروش وثلاثين پاره في حين أن التعامل به بين الأهلين بعشرة قروش. والإجحاف بين الأخذ والرد ظاهر.

وهكذا يقال في النقود الإيرانية والتلاعب بأسعارها. كان القران بسعر ثلاثة قروش وثلاثين پارة ولكنه لم يستقر على هذه الحالة (٢).

__________________

(١) كتبت مقالات نشرت في مجلة (غرفة التجارة في بغداد) ثم وسعتها في كتاب.

(٢) الزوراء عدد ٩ وتاريخ لطفي ج ٨ ص ٩١ وكتاب النقود العراقية.

٢٠٤

٢٠٥

والنقود الأجنبية هذا شأنها فإن التعامل بها غير ثابت.

وعلى كلّ إن العراق ليس لديه من النقود العثمانية ما يكفي للتداول ، أو يفي بالحاجة الاقتصادية وقسر الناس على ذلك يضر بالحركة الاقتصادية ويدعو إلى تذمرات كما أن العلاقات الجوارية تستدعي أن تشيع نقود إيران بكثرة بسبب الزيارات والحج والمعاملات التجارية الكثيرة ، فليس من المستطاع أن تزاحم. والنقود الأجنبية الأخرى ليس لها من الأهمية كالإيرانية ولكنها متداولة قطعا. ولا شك أن النقود الأجنبية والإيرانية أبقت أثرا. فإن الدولة فكرت في مزاحمتها ، فلم تستطع. وإن توحيد النقود كتوحيد الأوزان والمقاييس الأخرى باء بالفشل الذريع. وحرمت الدولة ما كانت تأمله من الفائدة من هذا الطريق فلم تلق رواجا ولا نجاحا (١). لم يتم لها الغرض حتى بعد انتهاء المدة المضروبة للمقاييس والنقود. وإنما بقي ما كان على ما كان. نرى الأوامر لا تزال تترى بلا جدوى. فنرى مساعي الوالي مصروفة إلى تنفيذ رغبة الدولة وتطبيق قوانينها ، فلم يفلح.

الضبطية :

من أصول الولاية المقررة أن يكون في مركز الولاية قائد بصفة (زعيم) وتتوزع للألوية (أفواج) من الضبطية ، فيكون في كل لواء (فوج) إلا أن هذا لم يعهد قبل في بغداد ، فكانت أمور الضبطية مبعثرة ولم تجر على قاعدة. أمر الوالي بتنظيم التشكيلات كما يتطلبه قانون إدارة الألوية. وكان في بغداد نحو ثمانية آلاف من الضبطية المعروفين بـ (باشي بوزوق) وينطق به العامة (باشبوزغ) ، فألغيت وأسست كتيبة خيالة من (٢٤٠٠) وكردوس مشاة يتكون من (٤٠٠٠) ونيف جعلهم مشاة.

__________________

(١) الزوراء عدد ٩ و ٤٢ و ٤٦.

٢٠٦

وقد تأسست بعض سرياتهم في الحال وعيّن لهم ضباط. ونظمت لهم ألبسة وأسلحة (١) ..

ويقال لهؤلاء (الضبطية) الجندرمة. وترتيبهم عسكري فهم بمنزلة شرطة هذه الأيام ، وترتيب الشرطة جاء متأخرا ..

تطوع الجند :

دخلوا الجندية في سنة ١٢٧٨ ه‍ ، وفي هذه الأيام اقتضى تسريحهم ، فأجريت المراسم إلا أن عددا كبيرا منهم تركوا تذاكرهم الرديفية ، وتطوعوا للخدمة ، فأعلن الشكر لهم على لسان الزوراء ، وتكونت (دائرة رديف) ، ويقال لهؤلاء المتطوعة (گوكلية) (٢) .. وكانت القرعة تطلق على (الجندية) وبذلك خففت النفرة ، وقيلت نوعا ولو قسرا.

عزل بعض الموظفين :

كان الوالي يتحقق كل من عرف عنه سوء حالة من الموظفين ليضرب على يده. عزل قائممقام راوندوز بسبب ارتشاء عرف عنه ، وهكذا فعل بمدير ناحية عانة ونائبها. كانوا أخذوا بعض المبالغ باسم الرسوم ، وسيق هؤلاء للمحاكمة ، وصار الموظفون يخشون أن يعبثوا بالأمن ، لما يجري من مراقبة فكان الناس بأمن ، وأن إعلان ذلك خير رادع للموظفين. والنفوس الشريرة لا يفيد معها تأديب أو عبرة (٣) ..

المدرسة العلية ـ مدرسة الصنائع :

رأى الوالي كثرة المدارس ، فظن أن تحويل واحدة منها إلى مدرسة

__________________

(١) الزوراء عدد ٢ و ٣.

(٢) كوكللي متطوع أي من صميم قلبه متطوع.

(٣) الزوراء عدد ٣ و ٤.

٢٠٧

صنائع لا يضر. ولم يدر أن في ذلك اعتداء على حقوق الواقفين وإن أتى بالخير العميم في تعليم الأيتام القراءة والكتابة ، وبعض الصنائع الحيوية لئلا يكونوا عالة على المجتمع ، بل يعودون عناصر فعّالة ونافعة. ولماذا لا تقوم الحكومة بمؤسسة جديدة؟ وهل عجزت عن ذلك؟

تكونت مدرسة الصنائع ممن لا معيل لهم أو ممن لا يتمكن أحد من القيام بأمر تربيتهم ، وهم من أيتام المسلمين. والآمال مصروفة إلى توسيع هذه المؤسسة باستخدام مثل هؤلاء للمعامل ، وللمطبعة كمرتبين ، ولا يترك شأن تعليمهم ، فكانت من خير الأعمال لو رأت حسن رعاية وعناية (١). وكانت مؤسسة من مال الحكومة أو من التبرعات. فلا يبرر الغصب الغاية الخيرية.

استهدفت الحكومة أمر العناية بفقراء المسلمين وتعليمهم الصناعة ، فاتخذت (المدرسة العلية) موطنا لهم ..

وهذه المدرسة وقفها علي باشا الأول من وزراء المماليك من ماله ، وهي على دجلة في أحسن موقع. تأسست سنة ١١٧٦ ه‍ ، وكان قد كتب على جدرانها :

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ...) [آل عمران : ١٠٤] اه.

أوضحنا عنها في كتاب المعاهد الخيرية واحتمل أنها لعلي باشا الكتخدا كان غير صواب. بقيت (مدرسة صنائع) أيام مدحت باشا ودامت إلى احتلال بغداد سنة ١٣٣٥ ه‍ ـ ١٩١٧ م.

في أوائل سنة ١٢٨٧ ه‍ تم افتتاح مدرسة الصنائع وجرى توزيع الطلاب فيها إلى صنوف الحدادة ، والنسج ، وعمل الأحذية .. وبلغوا

__________________

(١) الزوراء عدد ٤ في ٢٦ ربيع الأول سنة ١٢٨٦.

٢٠٨

١٤٤ طالبا وضعوا في مخيم إلى أن تتم الأبنية في المدرسة. زارهم الوالي وأحمد باشا رئيس أركان الفيلق السادس ، واهتم الوالي بهم كثيرا واختير بعضهم أن يكونوا مرتبين في المطبعة.

اشترك الأهلون في التبرع لهذه المدرسة من بغداد والبصرة ومواطن العراق الأخرى .. ولو كان الولاة بعد مدحت باشا قاموا بالمهمة لأدت إلى نتائج مرضية ، جمعت مبالغ طائلة من التبرعات ، وكان من بين المتبرعين محمد آل جميل ، والخواجة يوسف الركوكي ، وآخرون ، ثم تبرع إقبال الدولة ، وناصر باشا السعدون وسليمان فائق ، فكان لتبرعات إقبال الدولة وناصر باشا أثر مشهود .. وهكذا استمرت الحكومة في جمع التبرعات لتكون مؤسسة مفيدة ، وآلة خير لا للفقراء ، بل لكل من يرغب في صنعة ..

مضت السنون ، وتوالت الأيام ، ولا تزال المدرسة في حالة ابتدائية ، ولم تخط خطوة نحو الإصلاح. وإذا كان قد ظهر بعض المتعلمين منها ، فما ذلك إلا لأن هؤلاء جدوا لأنفسهم ، واجتهدوا .. لا أن نظم التعليم تحسنت ، والآن اتخذت مجلس الأمة.

تنظيم البلدية ـ الطرق :

إن الحكومة التفتت إلى ما في البلد من عدم انتظام ، وما يضر به من أوحال وما يصيب الناس من عناء أيام الأمطار خاصة .. وكان من جملة ما يجب أن يهتم له أمر تنظيفه وتحسينه مما يؤدي إلى رعاية صحته لا سيما أمر تبليط شوارعه .. وقد شرعت الحكومة في تبليط سوق البلانجية للتجربة ويسمى اليوم (شارع المأمون) ، ومن ذلك الحين صار يقال له (عقد الصخر) .. ووقف التبليط عنده ..

وهكذا كانت النية تنظيم الطرق بين الألوية. فلم يتحقق شيء.

٢٠٩

عنزة وشمر :

الشيخ ساجر الرفدي من رؤساء عنزة قد غزا شمر في ١٢ ربيع الأول بخمسين مردوفا (١) وثلاثمائة فارس ، وأراد أن يعبر الفرات من قرب الرمادي في محل يقال له (طوي) ، فسمعت الحكومة ، فمنعته ، بسوق جيش إليه ، فعاد قسم من رجال غزوه وبقي الشيخ يتجول بثلة كانت معه بين حديثة وعانة ومن هناك عبر ، وهاجم شمر .. ولم يعرف ذلك إلا بعد وقوع الحادث .. وبمهاجمته هذه قد صادف قبيلة عبدة من شمر فلم يقاتلها وإنما اكتفى بنهب (١٥٠) بعيرا منها وعاد إلى ما بين هيت وجبّة مجتازا من المعابر ومضى إلى قبيلته ..

ثم إنه لم يكتف بهذه الواقعة ، بل تلتها غيرها ففي ٢٤ جمادى الأولى سنة ١٢٨٦ ه‍ غزا بـ (٥٠٠) خيال ومثلها من المراديف ، فعبر الفرات بين هيت والدليم ، وهاجم شمر الجرباء ، فلما علمت الحكومة حاولت منعه إلا أنها لم تظفر به ، والبرية واسعة ، وليس لها طريق معينة (٢).

الأراضي الأميرية في البصرة :

نشر قانون الأراضي ، وأنظمة الطابو في ١٤ صفر سنة ١٢٧٦ ه‍ ، ثم جرت التعديلات عليهما ، فأعلن نصهما (٣). ولكن هذه القوانين لم يجر العمل بها ، ولا تأسست دائرة طابو بصورة صحيحة.

ثم أصدر الوزير أمرا بتفويض الأراضي الخالية بحساب الدونم ، وأن المغروس يؤخذ عنه عن كل دونم من الأراضي المعمورة ٣٠ قرشا

__________________

(١) المردوف الذي يشترك مع آخر في ركوب بعير.

(٢) الزوراء عدد ٧ و ١٣ وفي عشائر العراق ج ١ تفصيل عن شمر وعنزة.

(٣) الزوراء عدد ٥.

٢١٠

سنويا ، وأما غير المغروس ، وما هو صالح للزراعة فيؤخذ منه العشر. وما يغرس جديدا يعفى من الرسوم لمدة ست سنوات ، ثم يؤخذ منه المقطوع فحسب.

وتعد هذه خطوة في الإصلاح ، لاستفادة الحكومة عاجلا في عملية البيع ، واستيفاء العشر لتوحيد المعاملات واطرادها. فكان لذلك مكانة مقبولة من نفوس الأهلين ، ومن ثم انقطعت تدخلات الموظفين في أمر البساتين مما يؤخر الإعمار ، فجاء مسهلا طريق استغلال الأراضي الأميرية ..

الهماوند ـ السنجاوية :

ويقال (هموند) أو (حمه وند). عشيرة كردية معروفة بشجاعتها ، وبقطع الطرق والإخلال بالأمن منذ سنين بحيث صار يضرب المثل بها ، تتعرض للمارة ، وتعيث بالأمن. ومن رؤسائها (جوامير) ، يقال فيه (فلان صاير جوامير).

كانوا ثلاثمائة فارس أو أربعمائة وبسبب القتال لم يبق منهم في هذه الأيام إلا نحو سبعين فارسا أو ثمانين. ذهبوا إلى أنحاء زهاب (زهاو) فصاروا يهاجمون الأطراف المجاورة بعشرين أو ثلاثين منهم فيسلبون وينهبون وكان لهم من الرؤساء :

١ ـ محمد ميكائيل :

٢ ـ جوكل (جامير).

٣ ـ بچه شيرين.

٤ ـ بچه أمين.

إن فرقة محمد ميكائيل في أنحاء السليمانية كانت قد ساقت عليها الحكومة جيشا قتل منه (رئيس) وجنديان ، وأصيب محمد ميكائيل

٢١١

بجرح. ولما عاد من إيران توفي. وأما بچه شيرين فقد تعقبته فرقة عسكرية.

ولم تنته قضية الكرد بين إيران والعراق ولا يزال هؤلاء يعيثون بالأمن ويزعجون الحدود. فكانت هذه القضية من جملة ما جرت المفاوضات عليها بين إيران والعراق لا سيما (الهماوند).

وهؤلاء إذا طاردتهم الحكومة مالوا إلى إيران أو إذا طاردتهم إيران عدلوا إلى الأنحاء العراقية وهكذا ...

وأما العشائر الإيرانية ، فإن السنجابيين (السنجاويين) (١) منهم يشتون في الأنحاء العراقية ولا يخلون بوجه من وقائع ضارة بالأهلين ، فلا يهدأون بل لا يقلون عن الهماوند ..

ذلك ما دعا أن يتفق العراق وإيران على أن لا تؤي دولة أشقياء الأخرى. وإذا طاردتهم حكومة ، وجب على الأخرى المعاونة في القضاء عليهم أو تأديبهم .. فكان لهذا الاتفاق حسن الأثر بين الدولتين ، ولكن الإيرانيين لم يشأ أمراؤهم أن يبقى الهدوء سائدا وأن تقتطف ثمراته ، فلم يوافقوا على صورة حل. بقوا على آرائهم القديمة .. وإن الموافقة بين رجال الدولتين لا تكفي دون أن يرى أثرها مشهودا فعلا ، فلم يقم الإيرانيون بما يؤدي إلى نتائج مرضية بسبب المتغلبة والأمراء هناك ..

أما مدحت باشا فإنه اتخذ قلاعا على الحدود ، والممرات وجعل فيها قوة محافظة لمنع مثل هذه الأعمال ، ولم تقم إيران بمثل ذلك ..

__________________

(١) من عشائر الحدود. وأغلبهم (على اللهية). وبينهم سنة وشيعة. ولا ينكر الانتفاع منهم تجاريا عند ورودهم الأنحاء العراقية. وتفصيل أحوالهم في مجلة (يادكار) للأستاذ عباس إقبال.

٢١٢

وكانت هذه القلاع قد اتخذت في أنحاء زنگباد ، وفي هذه المرة ألقي القبض على اثنين من رجال الهماوند ومال الباقون إلى إيران فنجوا.

ثم ظهرت فرقة بچه أمين على قافلة بأطراف خانقين فسلبتها ما عندها ، فعلم هؤلاء أن اثنين من المسلوبين كانوا من الإيرانيين فأعادت إليهم أموالهم المنهوبة ، وأخذوا ما يعود للعرب .. فلما سمعت الحكومة بالأمر ، وعلمت بواسطة البرقيات من شهربان (المقدادية) وقزلرباط (السعدية) أن قد غاب هؤلاء من البين. ومنذ أربعة أيام أرسلت وراءهم عسكرا لتعقيبهم من خانقين ومن قزلرباط ، وكذا أرسل وراءهم خيالة من العشائر ، فأحاطوا بهم فحصلت معركة بين الطرفين ، فجرح عبد الله بك رئيس العسكر في قزلرباط برجله ، وسويلم من عشيرة ربيعة أصيب بصدره ، وقتل العسكر رئيس هؤلاء وهو بچه أمين واثنين من أعوانه وألقى القبض على اثنين آخرين بأسلحتهم وهما محمد رش ومحمد صالح ، واستولى العسكر على ستة من خيولهم اغتنموها منهم ، واستردوا المنهوبات وسيق المقبوض عليهم إلى المحاكمة.

وهذه الوقائع تعين ضعف الحكومة وعجزها عن مطاردة مثل هؤلاء وإنما استعانت برجال العشائر.

ثم أجريت محاكمتهم ، فاعترفوا بالجرائم التي أوقعوها ، ومن ثم حكم عليهم بالإعدام (١). وهذه العشيرة فصلنا أحوالها في كتاب (عشائر العراق الكردية) (٢).

وكل ما نقوله هنا إن هذه العشيرة في أيام مدحت باشا لم تقف عند ما مر من الوقائع ، وإنما عادت مرة أخرى. ففي أنحاء كركوك

__________________

(١) الزوراء عدد ٦ و ٧ : ١٠ و ١٧ ربيع الآخر سنة ١٢٨٦ ه‍.

(٢) عشائر العراق ج ٢ ص ٧٧.

٢١٣

سلبت قافلة فجهزت الحكومة عليها جيشا ، فألقى القبض على ثلاثة من رجالها تبين أن واحدا منهم كان ضابطا ، ففرّ والتحق بها واسمه (زاله) ، والآخران اعترفا بالجرائم فسيقا للمحاكمة (١) ..

عشائر أورامان :

ويقال (هاورمان) سميت باسم المحل. قسم منهم للعراق والآخر لإيران .. وهذه من القبائل الكردية المهمة ، والقسم الإيراني من توابع سنندج (سنة) وقسم العراق تابع للواء السليمانية ، في مواطن جبلية صعبة المرور (٢) ..

وهذه لم تهدأ من قتال ونضال بينها وبين إيران ، ولها أمير يختار من بينها ، يدعى (سلطانا) ، وكان قبل سنة قد دعا حاكم (سنة) فرهاد ميرزا أحد رؤسائهم حسن سلطان ، فقربه إليه ثم قتله غيلة .. وعلى هذا ثارت قبيلته وهاج أولاده على هذا الاعتداء. فأرسل إليهم فرهاد ميرزا (٣) قوة. فبيتتهم هذه العشيرة ليلا فأوقعت بهم الوقيعة القاسية. الأمر الذي أدى أن تهتم حكومة إيران اهتماما كبيرا ، وتبعث قوة للتنكيل بهم ، والانتقام من فعلتهم هذه ..

وهذه القوة أحاطت بالجبل بقصد ضربهم الضربة القاضية .. إلا أن الجيش الإيراني لم ينل غرضا منها .. ولكن الدولة الإيرانية لم تهدأ. ولا تزال تبعث بالجيوش ، وتشن غاراتها عليهم فينالها الإخفاق .. وفي هذه المرة قتلت الدولة الإيرانية فتاح بك وأفرادا آخرين منهم ، فتفرقت العشيرة .. ثم سيرت إليهم جيشا تحت قيادة كريم خان في طريق (بازلة)

__________________

(١) الزوراء عدد ٨ في ٢٤ ربيع الآخر سنة ١٢٨٦ ه‍.

(٢) الزوراء عدد ٥.

(٣) من أسرة شاهات إيران القجرية. عمر مشاهد الكاظمين سنة ١٢٩٨ ه‍. وتوفي سنة ١٣٠٥ ه‍. وله من المؤلفات قمقام ، وجام جم.

٢١٤

مع عساكر (بانه) و (ساقز) إلا أن الجيش قد هلك منه ثمانية أفراد ، ثم جهزت الحكومة قمر علي خان بنحو خمسة آلاف نفر ، فحدثت معركة في (دزلي) فدامت ست ساعات قتل فيها ٣٢ من الجند الإيرانيين ، وأثخن الآخرون بجروح ، ونال الأورمانيون بعض الأسلحة ، وكذا حصلوا على عربات مدافع ، وعتاد حربية ..

هذا ما جاءت به أخبار السليمانية ، ولم يعين ما أصيبوا به ، وما حدث فيهم من تلفيات (١) ..

ومن المعلوم أن هذه العشيرة تبلغ أكثر من عشرين ألفا. أراضيها صعبة المرور ، إلا أنها لم يكن في وسعها مقاومة إيران .. فلم تطق الوقوف في وجه الدولة الإيرانية .. فجاءت الأخبار بعد ذلك بانهزامها.

أرادت إيران إخضاعها ، فناضلوا إلا أنهم لم يستطيعوا الدوام على الحرب ، وإن كانوا قد أصابوا الإيرانيين بأضرار .. وبسبب المخالفة المذهبية حنقوا عليهم حنقا زائدا ، وقسوا فيهم .. فلما دخل الإيرانيون الجبل حاولوا أن يقتلوهم قتلا عاما ، وشرعوا يحرقون القرى ويقتّلون فيه تقتيلا شنيعا فلم يتركوا طفلا ولا امرأة .. ومنهم من قطعوا أيديهم وأرجلهم ، مما زاد في توحش الأهلين ونفرتهم منهم ، فمالوا إلى العراق ، طلبوا الدخالة ، وقدم رؤساؤهم وأمراؤهم محاضر عامة بينوا فيها حالتهم والجور الذي لحقهم.

والدولة العثمانية كانت تلتزم حقوق الجوار ، وفي مثل هذه تعد من واجبها أن تراعي حالة الاثنين لأداء الخدمة بصورة مرضية ، فاختارت تأليف البين والتقريب ، فأوعزت إلى موظفي الحدود أن يراعوا المصلحة في ذلك.

__________________

(١) الزوراء : ١٠ ربيع الآخر سنة ١٢٨٦ ه‍.

٢١٥

إن الإيرانيين لم يجيبوا رغبة الدولة ، ولم يلتفتوا إلى ما أبداه الموظفون بل استمروا في القتل والنهب والتخريب ، وتوغلوا في إفناء هؤلاء ، فمال الرؤساء والأمراء إلى العراق ، ثم تبعهم الأهلون من أطفال ونساء وعجزة فطلبوا المعاونة ، وقبول الدخالة بتهالك وإلحاح لما نالهم من قسوة ، فلم يتمكن الموظفون من رد عدد كبير يبلغ السبعة آلاف نسمة ، فقبلوا دخالتهم ، وأبدت الحكومة الرأفة والعطف لما رأته في هؤلاء من نكبة ، ومن ثم أسكنتهم بعض المواطن من أنحاء السليمانية ، واتخذت التدابير لمحافظتهم ، والإنفاق عليهم وإعاشتهم (١) ..

وجاء في تبصره عبرت أن الخلاف قد أدى إلى أن تقوم إيران بتأديبهم ، فأرسل الشاه موظفا يخبر الحكومة ، ويرجو منها أن تمنع دخولهم العراق ، وكذا ورد من الباب العالي أمر بهذا المعنى ، ولما أجرت حكومة بغداد التحقيقات علمت أن هؤلاء من أهل السنة ، شافعيو المذهب الأمر الذي دعا إلى أن يختلفوا ، وكذا كانت إيران تظلمهم وتضيق عليهم ..

وفي هذه الحالة حارت إيران في أمرها لا تستطيع أن تخالف الباب العالي ، وأن الأهلين في جبل أورامان يبلغون العشرين أو الثلاثين ألف نسمة ، وأكثرهم موصوفون بالشجاعة ، فأرسلت الحكومة تنفيذا للأمر أربعة أفواج أو خمسة .. وبعد مضي مدة قليلة دخلت حكومة إيران الجبل ، فالتجأ الأهلون كافة إلى المملكة العراقية ، فلم يسع الجيش أن يمنعهم ، جاؤوا بنسائهم وأطفالهم ، وكان عددهم أكثر من عشرين ألفا ، فمضوا إلى لواء السليمانية ، فاتخذت الحكومة التدابير المقتضية

__________________

(١) الزوراء : ٦ و ٧ و ١٢ في ربيع الآخر وجمادى الأولى سنة ١٢٨٦ ه‍.

٢١٦

لإعالتهم ، والقيام بما يحتاجون إليه ثلاثة أشهر ، وحينئذ استحصلت الدولة العفو عنهم من حكومة إيران ، وتأكد أنهم سوف لا يمسهم سوء ، بل نالهم العفو العام. فذهبوا إلى ديارهم مرفهين (١).

ثم إن إيران وافقت أن يقيم الرؤساء المتقدمون في ديار الكرد أو في آذربيجان بأن لا يعودوا إلى مواطنهم وهم بضعة أشخاص من الرؤساء (٢) ..

ضباط المدرسة الحربية :

في هذه السنة تخرج طلاب من المدرسة الحربية فكانت حصة العراق منهم ستة ضباط ، فتوزعوا في الفيلق السادس ببغداد ..

عشيرة الحيادر :

كانت قد مالت هذه العشيرة إلى أنحاء الحويزة وفي هذه المرة عادت إلى العراق ، وتبلغ نحو مائتي بيت ، فسكنت أنحاء العمارة ، ولا يزال باقي أفرادها يتواردون .. وهذه العشيرة من آل أزيرج (أزيرق). ويقال لها (بيت حيدر) أيضا (٣).

إحصاء بغداد :

بغداد وفي ضمنها الكاظمية والأعظمية تبلغ (١٨٤٠٧) بيوت ونفوسها من تبعة الدولة ٦٣٢٧٢ من الذكور من هؤلاء :

__________________

(١) الزوراء عدد ١٢ وما يليها.

(٢) عشائر العراق الكردية ج ٢ ص ٨٥ وكتاب السليمانية ـ شهرزور. والزوراء عدد ١٤.

(٣) الزوراء عدد ٨ في ١٤ ربيع الآخر سنة ١٢٨٦ ه‍. وعشائر العراق ج ٣ ص ٧٥ وج ٤ في مواطن عديدة.

٢١٧

٥٢٦٨٩

مسلماً

٩٣٢٥

يهودياً

١٢٥٨

نصرانياً

وأما الأجانب فهم ٢٤١١ منهم :

٢١٢٦

إيرانياً

٢٦٥

إنكليزياً

١٤

روسياً

٣

نمساويين. والآن منهم (بيت زفوبده).

لا نعرف درجة صحة هذا الإحصاء بل لم يكن متقنا (١). ويصح أن نقول إنه لا نصيب له من الصحة.

التجارة ـ الطرق البحرية :

كانت تجارة الهند قديما من طريق البصرة ، ومصر ، ولكن الأوضاع تبدلت فصارت من طريق رأس الرجاء الصالح ومنها إلى أوروبا (٢). ثم فتح قنال السويس في ١١ شعبان سنة ١٢٨٦ ه‍ ـ ١٦ تشرين الثاني سنة ١٨٦٩ م فغير الوضع أكثر ، وتباعدت التجارة الهندية ، فصارت لأيدي الأجانب واضطررنا إلى التعامل معهم.

ومن ثم أوجدت الحكومة سفنا بخارية في خليج البصرة ، وبعض السفن الشراعية. وهذه لا تفيد أكثر من محافظة السواحل ، وفي السويس لم تكن توجد إلا سفن الأجانب .. في حين أن الحاجة للتجارة وللحج تستدعي أن تؤلف سفن للنقل .. وأن المبالغ التي تعطى للأجانب كبيرة لا يستهان بها .. الأمر الذي دعا أن توصي

__________________

(١) الزوراء ـ ٩.

(٢) تاريخ العراق ج ٤.

٢١٨

الدولة بعمل مراكب بحرية لهذا الغرض (١) ..

ومن ثم اشترت الدولة مركبا دعته (بابل بقوة (٣٥٠) حصانا ، وسعته ١٧٠٠ طن ، وفيه منام ٢٨٠ من الركاب ، اشترته الحكومة بمبلغ ٣٣٥٠٠ ليرة وقد اختبرته نظارة الحربية الإنكليزية .. وكذا عزمت على شراء آخر مثله ، وهو على وشك إنهاء المعاملة ولا يختلف عن سابقه .. وهذا تحمّل فيه المعامل الموصى بها والمطلوبة للدولة ، لتأتي بها عند فتح قنال السويس وإنهاء عمله ، وأن المسافة بين البصرة والسويس ٣٣٢٢ ميلا وهي أربعة أضعاف المسافة بين استانبول والإسكندرية .. وسيعلن خبر سفرها ، وتاريخ مرورها في كل شهر من باب المندب ومخا وحديدة وجدة وأمثالها مما تمر به في طريقها ..

وهكذا تقرر أن يؤخذ مركب آخر من نوع ما سمي بـ (مدحت باشا) الذي كان يسير في (الدانوب) ويستخدم للسير بين القرنة والبصرة والكويت وبندر أبي علي شبر (٢) (كذا) والبحرين.

وفتح قنال السويس لم تكن فائدته مقصورة على الدول الغربية ، وإنما فائدته للدولة العثمانية أكثر ، فمن واجبها أن تضع أسطولا هناك ، وأن تترقب الحوادث السياسية والاقتصادية .. وكل سواحلها عادت متصلة بسبب هذا القنال.

إن الأراضي في منتوجاتها وتداول ثروتها تحتاج دوما إلى هذا التداول وتأمين اتصاله بالخارج فكانت الضرورة تدعو إلى وسائط النقل ، لئلا تبقى المحاصيل في أماكنها حتى تهلك دون أن تجد ما يسهل نقلها بلا كلفة.

__________________

(١) الزوراء عدد ١٠ و ٨ جمادى الأولى سنة ١٢٨٦ ه‍.

(٢) يعرف اليوم بندر بوشهر فسمي أخيرا بندر شابور.

٢١٩

ومن هذه الوسائط البواخر وكان الانكليز قبل هذا قد حاولوا تشغيل بعض البواخر ، فاشتغلت بضعة أعوام (١) فأصابها العطب كما أن نهر دجلة لا يصلح لسير البواخر في شمال بغداد ، وإنما يجري تشغيل البواخر فيما بين بغداد والبصرة .. وفي أيام نامق باشا أوصى بجلب أجزاء ثلاثة بواخر ومنها اثنان ركبا في بغداد ، فهيئتا للعمل إلا أنها لم تبدأ.

أما مدحت باشا فإنه نصب المركب الثالث أيضا ، وشرع بتشغيل المراكب فكانت منافعها للتجارة وللمنفعة العامة كبيرة جدا ، وأذن بالصرف لهذه المراكب مبلغ خمسة عشر ألف كيس سنويا ، وأن مدحت باشا أبلغ عدد هذه المراكب إلى ثمانية .. وكذا شكل إدارة نهرية ، ونظم المعمل الذي اتخذ ببغداد سابقا ، وأتى بلوازمه فعهد إليه بتركيب المراكب وتعميرها وسائر احتياجاتها ..

فتح طريق السويس البحري ، وصارت السفن تتوزع بكثرة ، وتنتهج جميع السواحل وعادت لا تكفي الوسائل القديمة بين بغداد والبصرة ، وتحققت الحاجة إليها بقدر الحاجة إلى تنظيم وسائل النقل فتوسعت بالسفن البحرية أكثر .. وبهذا يكون المخرج للمواد العراقية ، فاكتسب مكانة مقبولة ، وصار العراق يتصل بمواطن بعيدة جدا ..

ذلك ما دعا الحكومة آنئذ أن تشتري ثلاثة مراكب بخارية :

١ ـ مركب بابل. وهو مركب جسيم.

٢ ـ نينوى.

٣ ـ نجد.

__________________

(١) راجع أيام علي رضا باشا.

٢٢٠