موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

مكتوبة باللغة التركية الأذرية (١) مما تيسرت معرفته. وكلها لا تخرج عن مختصرات في التعريف بهذه الطريقة أو بيان مناقب الأئمة ولكنها لا تخلو من غلو أو تغال.

توفي رأس هذه الطريقة الشيخ صفي الدين في ١٢ المحرم سنة ٧٣٥ ه‍ في أردبيل ودفن بدار الإرشاد التي قام بتأسيسها ابنه الشيخ صدر الدين موسى. وإن الشاه إسماعيل هو ابن حيدر بن جنيد بن إبراهيم ابن الشيخ علي ابن الشيخ صدر الدين موسى المذكور.

والملحوظ هنا أن أصحاب هذه الطريقة والمنتسبين إليها قد تفادوا في سبيل نصرة مرشديهم وأولادهم حتى نالهم ما نالهم في حبهم ، لحد أن قسما كبيرا منهم تجاوز في الحب ، وغلا في الاتباع ... ولا أمضي دون أن أذكر بعض النصوص لتعرف درجة ما ساقت الحزبية إليه ، وما أدت المفاداة بسببها ... فصار ينعت صنف من الناس من أصحاب هذه الطريقة (بالقزلباشية) ، ويقولون بمراعاة هذه الطريقة بحيث صاروا اليوم لا يعلمون من العقائد والدين سوى ظواهر الطريقة ، ودخلهم الغلو ، وتجاوزوا حدود الشريعة بل أهملوها ، وظنوا النجاح في الدار الآخرة في اتباع مراسم هذه الطريقة وأنه كاف وواف بالغرض ، بل صار يقطع في أنه الموصل إلى النجاة ...

خلفه في الإرشاد ابنه صدر الدين موسى وهكذا توالوا في طريق الإرشاد إلا أن هؤلاء قد دخلتهم أفكار جديدة أيام الشيخ جنيد ، فقد كان هذا يحمل فكرة السلطنة والتسلط استفادة من نفوذه الديني ومكانته في المشيخة من مريديه وأتباعه .. ولما شعر جهان شاه بذلك طرده وأتباعه من مملكته ، فذهبوا إلى حلب ، ثم إلى ديار بكر وهنا نالوا

__________________

(١) من هذه المخطوطات حسنية كتبت بالعربية وترجمت إلى الفارسية والتركية وعندي نسخها المخطوطة.

٣٤١

احتراما من حسن الطويل ، فأكرمهم وأعزهم ... وتصاهر معهم ، فنالوا مكانا أكبر .. وذلك للخلاف بين جهان شاه والسلطان حسن الطويل ، فأراد أن يستفيد من مريديه (١) ..

وكان الشيخ جنيد أيام وجوده في أنحاء حلب ـ على ما جاء في كنوز الذهب (٢) ـ يرمى بأنه شعشاعي المذهب (كذا. والصواب مشعشع) ، وأنه تارك للجماعة ، ونسبت إليه أشياء أخرى ... وقد سكن كلز (كلس) وبنى فيها مسجدا وحماما. وللناس فيه اعتقاد عظيم بسبب أبيه وجده ، ويأتمرون بأمره ولا يغفلون عن خدمته ، ويثابرون على لزوم بابه ، ويأتيه الناس من الروم والعجم وسائر البلاد ، ويأتيه الفتوح الكثير. ثم سكن جبل موسى عند أنطاكية هو وجماعته وبنى به مساكن من خشب. وفي الجملة كان على طريق الملوك لا على طريق القوم.

وإن ما نسب إليه دعا أن خرج إليه الناس إلى الجبل ، فاقتتلوا ، وأسفرت الوقعة عن قتلى من الفريقين ، فانسحب من الجبل إلى جهة بلاد العجم وأقام هناك ثم خرج على بعض ملوكها فقتل. (وأراد هنا (بالشعشاعي) محمد بن فلاح الذي ظهر بالجزائر) وقتل الناس وحملهم على الرفض وترك الجماعات ونكاح المحارم ويعرف بالشعشاع (٣).

__________________

(١) لب التواريخ ص ٢٣٨.

(٢) كنوز الذهب مخطوط منه نسخة في مكتبة أحمد تيمور باشا وجزء في مكتبة كامل الغزي وهو ذيل در الحبب تأليف الشيخ الإمام المحدث موفق الدين أبي ذر أحمد بن برهان الدين إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي الشافعي سبط ابن العجمي وتوفي سنة ٨٨٤ ه‍ بحلب ويعد من معاصري الشيخ جنيد (راجع أعلام النبلاء).

(٣) أعلام النبلاء بتاريخ الشهباء ج ٣ ص ٥٦ والتفصيل هناك نقلا عن كنوز الذهب راجع وصفه في ج ١ ص ٢٦ وج ٣ ص ٩ وفيه بحث مهم عن نسيمي راجع ج ٣ ص ١٥.

٣٤٢

وقد مرّ ذكر الشيخ جنيد وأخلافه ، ومن هنا علمنا أن فكرة السلطنة تولدت من هذا التاريخ ومن النصوص التالية ما يتوضح أن الغلو حصل من الأتباع ، وكان الشاه إسماعيل لم يرض به ... وفي (تاريخ عاشق باشا زاده) (١) كلام لبعض رجاله مما يدل على الغلو فيه ... في حين أنه حارب الغلاة مثل المولى المشعشع وسنتعرض لترجمته في تاريخ وفاته ، ونعين ما قيل فيه ...

وكل ما نقوله هنا أن هذه الطريقة تصوفية في أصلها ، وتعدّ الأئمة الاثني عشر رجال طريقتها وأولهم الإمام علي عليه السلام. وأهلها يسمون ب (القزلباشية). وهؤلاء منتشرون في العراق وغيره ودخلهم الغلو ولا سبب له إلا دخول المبالغات في أشعار المدح للآل ، ثم انتشار شعر الغلاة فتمكنوا في الغلو ، وهم الآن بعيدون عن عقائد المسلمين وفروضها الدينية ، ودخلتهم فكرات غريبة من هؤلاء الغلاة. وقد فصلنا هذه الطريقة في رسالة على حدة تعين أوضاعها ومختلف تطوراتها.

الشاه إسماعيل :

وهذا أقام مدة في لاهجان وتربى هناك ، تلقن مذهب الشيعة وبالرغم من صغر سنه حول وجهته نحو أردبيل فكون جيشا من مريدي أبيه وجده هناك. وبقي في أردبيل وآذربيجان مدة ...

وفي حدود سنة ٩٠٥ ه‍ جمع من العساكر ما كان يأمله وتوجه نحو شيروان فسقى حاكمها كأس المنون فانتقم للشيخ حيدر. وكان ألوند يحرق الأرم على الشاه إسماعيل ، وكان يخشى أن يبطش به فاستعد لحربه في صحراء نخجوان ، وفي هذه الأثناء علم الشاه إسماعيل بما دبر عليه فتوجه إلى تلك الناحية وعند اشتداد المعركة لوى ألوند عنان فرسه

__________________

(١) تاريخ عاشق باشا زاده ص ٢٦٦ وما يليها.

٣٤٣

إلى جهة آذربيجان وفرّ وأصابت جيوشه كسرة هائلة لا رجعة وراءها.

وفي سنة ٩٠٦ وجه عزمه نحو تبريز فافتتحها بلا منازع فجلس على سرير السلطنة وهناك أكمل قواه وأبدل الخرقة والتاج بالحرير والديباج ...

أما ألوند فإنه حاول أن يجمع شمله ويجهز جيوشا من آذربيجان لمناضلة الشاه مرة أخرى فنهض هذا لمقارعته فلم يطق ألوند المقاومة ففر إلى بغداد ومنها إلى ديار بكر وهناك توفي وقد أوضحت وقائعه ...

وبعد أن قضى الشاه إسماعيل على آمال ألوند وأزال غائلته تماما خلال سنة ٩٠٧ لم يبق له معارض فوجه عزمه إلى همذان للقضاء على قوة السلطان مراد بن يعقوب.

وقد ترتبت الصفوف قرب همذان وتقارعت الجيوش وفي المعركة لم يطق السلطان مراد المقاومة ففر من ساحة القتال واختفى. وبهذه الصورة نال الشاه إسماعيل مملكة فارس بلا عناء. ثم استولى على كاشان وأكثر بلاد العجم ونصب فيها حكاما ونوابا عنه.

وفي حدود سنة ٩٠٨ ه‍ استولى على كيلان وفي سنة ٩٠٩ ه‍ جاء إلى آذربيجان بقصد الحصول على مريدين كثيرين. وفي سنة ٩١٢ ه‍ كان السلطان مراد قد فر من ميدان المعركة وتوجه إلى بغداد وبعد أن استراح مدة قليلة سار إلى دلغادر (ذي القدرية) جاء إلى حاكمها علاء الدولة والتجأ إليه بأمل أن ينال مرغوبه وقد صاهره. أما علاء الدولة فقد جمع جيوشا كثيرة ومضى نحو ديار بكر وقد انتزع بعض قلاعها. فسمع الشاه فوافاه نحو البستان فتقابل الجمعان في ساحل النهر فدام الحرب بينهما لمدة يومين وفي اليوم الثالث بعد العصر ولى جيش دلغادر (القدرية) الأدبار وانتصر عليهم القزلباشية.

ومن ثم استولى الشاه على ديار بكر وأودع أمر إدارتها إلى محمد خان الاستاجلو.

٣٤٤

وفي هذا التاريخ ولي بغداد السلطان يعقوب بعد أن تركها السلطان مراد وفي زمانه كان الوالي عليها باريك البايندري فإنها بقيت في حكمه إلى أن استولى عليها شاه إسماعيل سنة ٩١٤ ه‍ بواسطة قائده لالا حسين فافتتحها وأن باريك فرّ إلى حلب فاستقرت بغداد لحكم لالا.

وعقب ذلك جاء الشاه إلى بغداد وخرب مشاهد الأئمة والمشايخ وقتل الكثير من أهل السنة. وبعد ذلك ذهب لزيارة مشهد الحسين ، ومشهد الإمام علي عليه السلام.

وقد مر ذكر النهر الذي حفره عطا ملك الجويني وأجرى ماءه إلى النجف فيما سبق. ولكن النهر قد اندرس بمرور الأيام وتخرب فلم يصل ماؤه. ولذا أمر الشاه بتجديد حفره وإتمامه فاشتهر (بنهر الشاه) وأرصد ريعه لخدام المشهدين الشريفين وقفا عليهم. وكذا باشر تعمير مشهد الإمام موسى الكاظم عليه السلام في هذا التاريخ وأحال ذلك إلى أمير الديوان (خادم بيك). وحينئذ عاد إلى إيران (١). كذا في كلشن خلفا.

وقد نقل نصوصا أخرى عن كتاب (جامع السير) لا يخرج عما تقدم ولم يفصل حادث بغداد بأزيد مما ذكره سائر المؤرخين ولعل الاختصار الذي التزمه حال دون البيان ...

تفصيل حادثة بغداد :

قص علينا صاحب حبيب السير أن الشاه إسماعيل أثر استيلائه على كيلان سمع أن السلطان مراد من ملوك آق قوينلو لم يستقر في بغداد ولحق بعلاء الدولة ملك ذي القدرية (دلغادر) وهذا زوج ابنته من السلطان مراد. فاتفقا على مقارعة الشاه ولزوم مناضلته فتوجها بجيش جرار لتسخير ديار بكر فاشتعلت نيران الفتنة في تلك الديار واضطرب

__________________

(١) كلشن خلفا.

٣٤٥

الأمن ... وعلى هذا جهز الشاه جيشا لجبا للقضاء عليهم وجعل وجهته آذربيجان. ولما علم علاء الدولة بذلك انسحب من تلك الأنحاء ومن ديار بكر فاستولى الشاه عليها ومزق جيش علاء الدولة وعين محمد بيك استاجلو حاكما على تلك الأنحاء. فانهزم علاء الدولة إلى البستان ورجع الشاه إلى مدينة خوي.

ثم إن علاء الدولة نهض مرة أخرى إلا أن محمد بيك استاجلو انتصر عليه وفرق جيشه وهرب هو إلى ديار الروم (الأناضول). وكانت لعلاء الدولة غضاضة مع سلطان الروم. وهذا أرسل عليه جيشا فقتله.

وفي خريف سنة ٩١٤ ه‍ كان الشاه في همذان. وكان حاكم بغداد (باريك) وهذا بقيت بغداد بيده وكان المتولي عليها بعد ذهاب السلطان مراد ولحوقه بعلاء الدولة ... وهذا الوالي كان شجاعا ، ينزع إلى السلطنة والاستقلال في بغداد ولم يخضع لنفوذ الشاه ...

أما الشاه فإنه فكر في أمر تسخير بغداد وأرسل لهذه المهمة أحد قواده المشهورين خليل بيك (يساول) وهو من متميزي رجاله والمعترف بمقدرته فانتدبه ووجه به إلى بغداد بصفة رسول ...

ولما علم صاحب بغداد بقدوم رسول الشاه أرسل جماعة من خيرة رجاله فاستقبلوه في غاية الاحترام والأبهة وجاؤوا به إلى بغداد فاجتمع بالوالي (باريك) في بستان پير بوداق وأدى الوالي مراسم التبجيل والترحيب للسفير الموما إليه وأظهر الخضوع والانقياد للشاه وأرسل أحد أمرائه وهو أبو إسحاق الدباس (السيره جي) فذهب هذا مع خليل بيك الرسول إلى الشاه فجاؤوه في همذان فقدم أبو إسحاق واجب الإخلاص مع الهدايا من سيده لجانب الشاه ...

ولما كان الشاه يأمل أن يأتي باريك بنفسه لم يلتفت إلى الهدايا وأبدى لأبي إسحاق لطفا وكرما وأذن له بالانصراف وأن يبلغ سيده بأن الشاه في

٣٤٦

غنى عن هداياه وإنما كان يأمل أن يأتي بنفسه ويظهر طاعته فإن فعل نال كل عطف ، وإن أبى وتوسل بالخداع فسينال جزاءه. فانصرف أبو إسحاق راجعا من جانب الشاه. واجتمع بباريك وعرض عليه مطالب الشاه.

أما باريك فإنه أبدى ظاهرا طاعته للشاه. وبعد مدة أخذ يعد القوة ويستعد للطوارىء ببناء القلاع وجمع المؤونة. وضرب على الأهلين ضرائب ثقيلة في بغداد وحواليها وأخذ ما عندهم من حبوب وأطعمة (شعير وحنطة) وكانت هذه تكفي لإعاشة جيشه لمدة ثلاث سنوات.

وكان من أشراف بغداد آنئذ نقيبها (نقيب النجف) السيد محمد كمونة وكان قد ورث هذا المقام الجليل أبا عن جد. وكان متهما بإخلاصه للشاه وتحزبه له. فأمر باريك بالقبض عليه وزجه في جب مظلم ...

أما الشاه فإنه لما انصرف منه أبو إسحاق الدباس عزم على فتح بغداد. وعين لهذه المهمة أحد قواده حسين بك لالا (لاله) فجعله مقدما على جيش كبير ثم تحرك هو متأخرا عنه ولما سمع باريك اضطرب أمره ولم يقر له قرار ففضل الفرار على الكفاح وعبر على ظهر جواده من جسر بغداد ليلا وتوجه إلى مدينة حلب.

وعند الصباح اجتمع الأهلون ببغداد وجاؤوا إلى الجب الذي سجن فيه السيد محمد كمونة فأخرجوه منه وكان نحيفا ضعيفا من ظلمة السجن وسلموا إليه مقاليد الأمور ببغداد وبهذا أبدوا طاعتهم للشاه.

وفي هذه الأثناء ظهرت طلائع الجيش الإيراني. وفي يوم الجمعة قارب الطلائع بساتين بغداد. وقد صعد السيد محمد كمونة المنبر في أول جمعة وخطب خطبة باسم الشاه إسماعيل وأدى كمال الإخلاص والطاعة. وبعد أداء الجمعة ذهب الأهلون إلى خارج المدينة لاستقبال لاله بيك والترحيب به.

٣٤٧

أما لاله بيك فإنه راعى غاية التعظيم والتكريم للسيد محمد كمونة وعطف عليه خير عطف. وذهب السيد محمد كمونة وحسين بك لاله معا إلى الشاه إسماعيل وبشروه بفتح بغداد. وسلمت إدارة المدينة وقيادتها إلى خلفة بيك.

وهذا أمير عادل. أتى بغداد قبل ورود موكب الشاه.

وفي هذه الأيام جاء الشاه إسماعيل إلى بغداد. وقد فرح السواد الأعظم بقدومه وكان ينتظر بفارغ الصبر. وأخذ الأهلون يقدمون القرابين والذبائح إكراما له واحتفالا بوروده وبتاريخ ٢٥ جمادى الثانية سنة ٩١٤ نزل الشاه بستان پير بوداق والتجأ الناس إلى عدله وزاد في رتبة السيد محمد كمونة وأعلى مقامه.

وبذلك تم (فتح بغداد).

ما جرى بعد الفتح :

وفي اليوم التالي ذهب الشاه لزيارة كربلا المشرفة فأدى الزيارة وأنعم على مجاوري الروضة المطهرة بإنعامات جزيلة. وأمر بعمل أنواع الزينة والزركشة الذهبية ، وبصنع الصندوق المذهب للحضرة وأن ينقش ببدائع النقوش وقد وقف الشاه في الحضرة ١٢ قنديلا من ذهب. وفرش رواق الخضرة بأنواع السجاد الثمين واعتكف ليلة هناك.

ثم رجع إلى الحلة. ومنها ذهب إلى النجف الأشرف للزيارة أيضا. وقدم للحضرة هدايا جزيلة ونوادر فاخرة وأكرم سكان المدينة المشرفة وأنعم عليها بوافر العطايا.

ثم رجع إلى الحلة. ومنها توجه إلى البادية إلى (أعراب غزية) فأخضعهم ورجع إلى بغداد إلى آخر ما مر بيانه ...

٣٤٨

نصوص موضحة ـ وقعة بغداد :

ولا نمضي دون بيان أعمال الشاه في بغداد ووقعتها ونقدم النصوص فقد جاء في كلشن خلفا :

«في سنة ٩١٤ أرسل الشاه إسماعيل جيوشا لا تحصى تحت قيادة لاله حسين للاستيلاء على بغداد فهرب باريك منها إلى أنحاء حلب فدخلها اللاله وفي عقبه وافى الشاه وهذا خرب المدينة التي هي مهد مراقد أئمة الدين والمشايخ المصطفين ، وقتل في أهل السنة وأتقياء الأمة ومن ثم توجه لزيارة النجف وكربلا وأمر بحفر النهر وتجديده وهو النهر الذي حفره وأتمه عطا ملك إلا أنه بمرور الأيام قد اندثر فجدده الشاه ومن ثم سمي بنهر الشاه ووقف ريعه على خدام المشهدين الشريفين ، وفي هذه السنة شرع في بناء حضرة الإمام موسى الكاظم (رض) وفوض حكومة بغداد إلى أمير الديوان خادم بيك وعاد هو إلى إيران ...» ا ه (١).

وفي منتخب التواريخ قال :

«وفي سنة ٩١٤ ه‍ عزم الشاه على السفر إلى عراق العرب وكان والي بغداد آنئذ باريك بيك برناك فلما سمع بورود رايات الشاه فر إلى حدود الروم والشام فافتتحت بغداد وسائر بلاد العراق العربي ودخلت تحت حوزتهم وقضى على الكثير من المخالفين في تلك الديار بسيوف الغزاة فجرت دجلة بدمائهم بدل الماء ، وصالت الجيوش العظيمة على أعراب البادية فانتهبوهم وتسلطوا عليهم فحصلوا على غنائم وفيرة وإبل كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وإن الإيالة والحكومة في العراق العربي دخلت بتوابعها وملحقاتها في حوزة العجم وفوضت إدارتها إلى خادم

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٥٥ ـ ٢.

٣٤٩

بيك أمير الديوان ولقب هذا بخليفة الخلفاء ، وأنقذ السيد محمد كمونة من أكابر السادات والنقباء من الجب الذي كان قد ألقاه فيه باريك بيك پرناك ونال توجها وإنعاما وأودعت إليه إدارة بعض الولايات وتولية النجف الأشرف وأحسن إليه بعلم وطبل. وبعد أن استولى الشاه على الديار تشرف بزيارة المشاهد المقدسة لحضرات الأئمة الأطهار ... وعين لها حفاظا ومؤذنين وخداما وقدم أنواع القناديل من ذهب وفضة والمفروشات اللائقة ، والصناديق .. وأنعم بالذهب والفضة على سائر الناس ... ثم توجه نحو خوزستان وافتتح تستر والحويزة ...» ا ه (١).

وفي تحفة الأزهار وزلال الأنهار في نسب السادة الفاطمية الأطهار لابن شدقم ما يؤيد تدوينات مؤرخي الأتراك عن شاه إسماعيل قال ما نصه :

«فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور. ثم توجه إلى الأهواز وخوزستان وشوشتر ودزفول وقتل من فيهم من المشعشعين والغلاة والنصيرية واستأسر منهم خلقا كثيرا. ثم في سنة ٩١٤ توجه إلى شيراز ... الخ» ا ه (٢).

ونظرا لما أصاب الأهلين نرى الأسرة الكيلانية هربت من الجور وتفرقت قال صاحب قلائد الجواهر عن هذه الوقعة وأثرها في النفوس.

«ـ بعد أن عدد ذرية الشيخ عبد القادر ـ قال ـ وببغداد جماعة بمقام الشيخ عبد القادر يدعون أنهم من ذريته. ولهم جاه وحرمة عند الخاص والعام. ولهم رزق ومرتبات برسم الفقراء والمترددين على

__________________

(١) منتخب التواريخ ص ٢١٠.

(٢) تحفة الأزهار ص ٢١٧.

٣٥٠

الزاوية. ولما ملك بغداد الشاه إسماعيل سلطان العجم خرب الزاوية وشتت شملهم وتفرقوا في البلاد وحضر جماعة منهم أنزلناهم بمنزلنا» إلى آخر ما جاء.

وهؤلاء نددوا طبعا بحكم الشاه وذموا أفعاله وحكوا ما نالهم وهذا يعد من دواعي غزو بغداد من قبل السلطان سليمان القانوني.

وكذا يقال عما فعله في مشهد الإمام أبي حنيفة رض وانتهاكه حرمة مقابر المسلمين ومشاهدهم مما أدى إلى كرهه أكثر. وإنما فعل ما فعل تقوية لسياسته في حينه (١)

ونحن نقول هنا أن الداعي لهذه الأعمال من تعمير مراقد الأئمة عليه السلام وتخريب مشاهد الآخرين لا يقصد به إلا تفريق الأمة العراقية وأضعاف قوة مقاومتها ولم يكن غرضه الحرمة الدينية والخير للأمة.

وهنا نرى أن لا معنى لارتكاب فظائع لمجرد المخالفة في العقيدة وسفك هكذا دماء مع الاعتراف بأن العراقيين سلموا له ، وأن الأمة تركت السلاح واحتفلت بدخوله .. فكان عمله مما لا يأتلف والأخلاق الفاضلة ولا مع روح الإسلام في القرآن الكريم .. ويوضح ذلك بصورة قاسية القتل العام في ذرية خالد بن الوليد (رض) لمجرد انتسابهم إليه دون جريرة ارتكبوها أو مخالفة قاموا بها وذلك عام ٩١١ ه‍ (٢).

ولا يهمنا بيان أمثال هذه بأنواعها والتفصيل عنها مما لا يخص وقائع العراق وفي الإشارة ما يكفي ، والعراق ابتلى ببلاء عظيم بين ناري حكومتين تتنازعان السلطة هذا مع العلم بأن العثمانيين راعوا عين الطريقة في القتل والطعن بنسب هؤلاء ، أو الفتوى بقتلهم ، أو حرق

__________________

(١) تاريخ بچوي ج ١ ص ١٨٥.

(٢) منتخب التواريخ ص ٢٠٧.

٣٥١

موتاهم بعد نبشهم قبور موتاهم ما عدا الشيخ صفي وما ماثل من الفظائع (١) .. فلا يعذر هؤلاء أيضا سواء كان ذلك بطريق المقابلة بالمثل أو ابتداء إلا أن هؤلاء كانوا أوسع صدرا من غيرهم في الحرية المذهبية .. وأكثر تساهلا ..

والمعروف عن الاثنين الحرب للملك والاستقلال به فاتخذ الدين ذريعة بل آلة للوقيعة بالآخر والقضاء على سطوته فمحا الواحد قوة الآخر إلى أن هلكا معا .. والعراق ينتصر مرة لهذا وأخرى لذاك ، فصار مسرحا لمطامع الطرفين.

هذا ولم يعلم عن الإدارة وما أجراه الشاه فيها من تغيير في حكومة العراق ، ونصب الوالي لا يعني ماهية الإدارة .. فصارت بغداد تابعة لإيران منقادة لها وحال البلاد دول .. كان الأهلون يأملون الراحة ولذا لم يحرك لهم ساكن. ولا ثاروا استفادة من ضعف الحكومة السابقة وهجوم الحكومة الجديدة .. ولا يفسر هذا إلا بما نالهم من ضعف وما أصابهم من قسوة .. فعادوا يخضعون لكل قائم .. ويذعنون لكل ثائر .. ظنوا في هذا خيرا فنالهم منه ما نالهم.

توجه الشاه إلى الحويزة :

قال في حبيب السير : «ثم توجه الشاه إلى جهة الحويزة فالأعراب القاطنون هناك وفي باديتها تسمى إمارتهم بإمارة المشعشع وكانوا قائلين بألوهية علي بن أبي طالب عليه السلام والمنقول عنهم أنهم ـ حين اشتغالهم بالعبادة ـ يرتلون أذكارا خاصة تجري على ألسنتهم هي (علي الله) (٢).

وفي أكثر الأوقات كان يترأسهم سادات يعرفون بالموالي وكان

__________________

(١) كنه الأخبار ص ٦ ركن ثالث جزء ثالث.

(٢) مر البيان عن عقائد العلي اللهية وعلاقة هؤلاء بهم ...

٣٥٢

رئيسهم أثناء فتح بغداد (السلطان محسن». وعند توجه الشاه إسماعيل إلى جهتهم أتاه خبر وفاة السلطان محسن وجلوس ابنه «السلطان فياض» مكانه.

وكان سلاطينهم يعتقدون بألوهية علي وينادون بنسخ الشريعة المحمدية ويسلكون سبل الضلال.

فلما سمع الشاه بهذا تهيأ لدفعهم وإيصالهم إلى طريق الهداية والصواب ، ولما كان الشاه في منتصف الطريق أتاه خبر حاكم لورستان (الملك رستم (١)) أنه لم يذعن بالطاعة فأرسل عليه نجم الدين مسعود وبيرام بيك القرماني وحسين بيك لاله وجهز معهم نحو عشرة آلاف جندي وسيرهم لإخضاعه.

أما هو فتوجه بنفسه إلى الحويزة مقر المشعشع فسمع السلطان فياض أمير آل المشعشع وحينئذ استعد للقتال فرتب الشاه جيوشه إلى ميمنة وميسرة. وصار يقود القلب فوقعت معركة دامية وهائلة أسفرت عن اندحار المشعشعين. وتم الاستيلاء على الحويزة. ونصب الشاه أحد أمرائه حاكما (لم يسمه) ثم توجه نحو دسفول فأبدى له حاكمها الطاعة وجعل أحد معتمديه هناك فصار حاكما عليها ثم اكتسح شوشتر ، فتم له الاستيلاء على قطر خوزستان جميعه.

وأما الجيوش التي أرسلت لإخضاع (حاكم لرستان) فإنه حين سمع بمجيئهم أحس بضعفه فهرب مع بعض ملازميه وتحصن بجبال منيعة. أما الأمير نجم الدين مسعود فإنه رجع بناء على الأمر الوارد إليه من جانب الشاه واهتم القائدان الآخران في إخضاع حاكم لورستان ...

وبعد العناء والجهد الجهيد لم ير بدا من التسليم فسلم نفسه وأتى

__________________

(١) هو أمير الفيلية.

٣٥٣

لجانب الشاه. ولما رأى اضطراب حالته عفا عنه وشمله بلطفه ...

وبقي مدة ملازما الموكب الشاهي إلى أن نال حاكمية لرستان بطريق الوراثة وبذلك أكمل الشاه فتوح هذه النواحي وتوجه إلى شيراز». انتهى (١).

وفاة المولى محسن بن محمد المهدي : (المشعشع)

في أثناء وجود الشاه في بغداد جاءت الأخبار بوفاة المولى محسن المشعشع (سنة ٩١٤ ه‍).

وفي آثار الشيعة الإمامية أن المولى محسن توفي عام ٩٠٥ ه‍ ولم يعين سندا لهذا القول في حين أن صاحب حبيب السير يذكر أن وفاته حدثت حين فتح بغداد. وقد مضى البحث عن حوادثه مع العراق مفصلا وما جاء في كتاب آثار الشيعة الإمامية أن صاحب كتاب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب قدم مؤلفه إليه فغير صحيح لما جاء في مقدمة نفس الكتاب (٢).

وقال عنه ابن شدقم : إن المولى محسن ولي بعد أخيه (المولى علي) وكان ذا جأش وقوة ، بنى البلدة المعروفة بالمحسنية فسكنها. وهي الآن (عام ١٠٨٣ و ١٠٨٥) مسكن نسله وبها حصار مصون تنزله القزلباش من عسكر الشاه سلطان العجم (٣) ... ونقل عن الشيخ عبد علي بن فياض بن عبد علي عن الشيخ محمد بن يحيى الحلي ما نصه :

«كان بيني وبين المحسن صحبة وعشرة ومودة من الصغر وألفة فأصابني عسر وشدة فمضيت إليه ، وتمثلت بين يديه وهو جالس وحوله

__________________

(١) حبيب السير. وفي تاريخ الفيلية استوفيت الكلام عليه.

(٢) عمدة الطالب.

(٣) تحفة الأزهار ج ٣.

٣٥٤

جماعة جلوس فسلمت عليهم فلم يجبني أحد منهم قط بسلام ولا أمرت بالجلوس فحزنت لذلك وندمت على فعلي ولم أزل واقفا على أقدامي ... حتى بلغ الديوان ثمانمائة من ولد الشيطان وهو يحدثهم ثم ضربوا بالدفوف ، ولم يوقنوا بالمحشر والوقوف ، ويضعون سيوفهم في بطونهم وإذا رموها أو غيروها في الشط قالوا لها بسر علي عودي عودي فتعود إليهم. فلم يزالوا هكذا وهكذا حتى أخذتهم سكرة ، فلم يزالوا في غفلة إلى أن أتتهم سفرة الطعام فأكلوا وانتشروا عن المحسن وانصرفوا فلم أزل واقفا انتظر من الله سرعة الفرج وأنا حزين كئيب إذ أتتني أمة وهمزتني من خلفي قائلة لي اتبعني فقلت ما الاسم ومن الطالب فقالت سر وعليك أمان أبي طالب فلزمت أثرها على غير درب معهود وبالصرايف مسدود وهي تشق صريفة بعد أخرى حتى انتهت بي إلى المحسن فرأيته جالسا على سرير ولم يكن عنده مؤانس وبين يديه حوض مأنوس وهو في أثناء خلع الملبوس فقال لي مبتدئا وعليك السلام يا شيخ محمد بن يحيى تحية الكرام. فقلت وما هذه الحالة المغيرة لتلك الجلالة فقال قف لعلي أتطهر وأخبرك وما يجب لك علي أوفيك فأخذ فوطة واتزر بها ونزل الحوض وتطهر ولبس غير تلك الثياب ثم صلى بتضرع وخشوع فلما كمل صلاته أقبل علي وعانقني وبإزائه أجلسني ولم يزل بالرفق يحدثني وعن الأصحاب يسألني فقلت له ثانيا وعما رأيت منه سائلا لقد خالفت أسلافك وارتكبت ما نهت عنه أجدادك اخترت الدنيا الدنية ولفظت الآخرة السنية. فقال والله أصبت ومن الخوف منهم وافقت ولو يقع الفرار لفررت وأنا كما روى الحديث من لا تقية له لا إيمان له ثم إنه أمر تلك الأمة أن تحضر معرضا معلوما وتأتي بما فيه فمضت عنا هنيهة وأتت بإناء مختوم فأمرها بدفعه إليّ جميعا فقال بعد القسم إنه لم يجد من الحلال سواه وهو ثمن النخل الفلاني الذي باعه والده فإنه قد منحني إياه. ثم أمرني بالانصراف وأكد علي عدم البيات خوفا علي من

٣٥٥

هؤلاء الغلاة المنكرين وحدانية الإله سبحانه وأمر الأمة معي بالتسيار بعد مضي نصف النهار فركبت مسرعا في الحال» ا ه.

قال : وله من الأولاد : (فلاح) ، و (فرج الله) ، و (صالح) ، و (بدران) ، و (داود) ، و (حسن) ، و (حسين) ، و (ناصر) ، و (حيدر).

ثم قال وولي بعده ولده فلاح. وهذا قتل أخاه حسنا في حياة والده وانهزم إلى الجزائر وأخذ أهلها وقتل عبادة سنة ٩١٣ ه‍. وفي سنة ٩١٤ سار الشاه إلى المشعشعين وقتلهم. ففلاح خلف بدران. وهذا ولي بعد والده ولبدران هذا : (سجاد ، وعامر ، وهاشم ، ومطلب ، ومناف).

هذا ملخص ما جاء فيه ولا يطمئن القلب ببياناته وذلك أنه قال في حبيب السير إن الشاه بعد فتح بغداد توجه إلى جهة الحويزة وكانت بيد السيد علي والسيد أيوب أولاد السلطان محسن وذلك بتحريك من مير حاجي محمد وشيخ محمد رعناش اللذين كانا ابني مدرس أولاد السيد محمد فنهض نحوهما ، وأن السيد علي كان قد تظاهر بالتشيع ولكن ادخلوا في فكر الشاه أنهما في غلو وإلحاد فقتل الأخوين مع أعيان طائفتهما سنة ٩١٤ المذكورة واستولى الشاه على الحويزة وتستر (شوشتر) وسائر أنحاء خوزستان ودخلت في تصرف رجال دولته وهذا المؤرخ معاصر للصفويين وهو مدون وقائعهم لهذا الحين ... ونرى ابن شدقم لم يعدّ هذين الولدين في قائمة أسماء أولاده.

وعلى ما جاء في مجالس المؤمنين أن السيد فلاح ولي الحويزة بعد أن نهض الشاه من تستر إلى فارس فتصرف بالحويزة وأرسل التحف اللائقة لحضرة الشاه وحينئذ فوض إليه إيالة الحويزة ...

ويلاحظ هنا أيضا أن الشيخ علي بن حسن السنباني كان قد شرح قصيدة والده حسن بن علي السنباني بلدا ، المالكي مذهبا ، الحميري قبيلة التي مدح بها السلطان أيمن بن السلطان الملك عبد الحسين ابن الملك

٣٥٦

المحسن ملك الديار الفارسية وصاحب الحويزة والزكية. ومالك الأقاليم المحسنية ... وسمى شرح هذه القصيدة (كتاب بغية المفيد وبلغة المستفيد في شرح القصيد) وقال : لما كانت القصيدة التي نظمها سيدي ووالدي ... مدح بها سليل الطينة الطيبة الهاشمية ... وذكر الملك الآنف الذكر حتى قال : أحببت أن أضع لها شرحا لطيفا يوضح من الألفاظ غوامضها ... فرغ من تأليفه في ١٧ رمضان لسنة ٩٩٣ ه‍ ومن بيانه يفهم أن الملك عبد الحسين من أولاد الملك المحسن وهذا لم يعد في قائمة أسماء أولاده الذين ذكرهم ابن شدقم وفي هذا ما يستدرك عليه ... كما أنه قال :

السلطان أيمن هو السلطان الممدوح بالقصيدة ... ومسكنه مدينة الحويزة على شاطىء نهر لطيف هناك يقال له شط كارون. وفيما يقابل مدينة الحويزة المذكورة مدينة أخرى يقال لها الحويزة أيضا تشبه الأولى في الوضع والهيئة بها سلطان يقال له (علي بن بركة) ذو قوة وشدة يعتقد ما تعتقده طائفة المشعشعين من قولهم إن عليا كرم الله وجهه هو الله ... إلا أن ابن بركة المذكور ليس بعلوي وتسليمه الأمر للملك أيمن مع أنه أشد منه قوة وأكثر جمعا إنما هو لكونه علويا ويشبه أن يكون شريكا في المدينتين المذكورتين وتوابعهما من القرى والضياع. وأكثر أهل تلك الأرض شيعة كاعتقاد ملكهم أيمن المذكور لا يحبون من الأصحاب العشرة إلا عليا وآل البيت فقط رضوان الله عليهم أجمعين ... والموجب لمدحه إنما هو لحسن صنيعه ومعروفه الذي أوصله إلى والدي ولا غرو أن مدح مثله بما هو فيه وإن كان فيه ما فيه ...» ا ه.

حوادث سنة ٩١٥ ه‍ ـ ٩١٩ ه‍ (١٥٠٩ ـ ١٥١٣ م)

العراق ـ الحالة العامة :

كان الشاه إسماعيل وأمراؤه في حالة غليان ونشوة فتوح وأمل

٣٥٧

اكتساح لكافة المعمورة فتراهم في جدال مع المجاورين وحروب لا تنقطع واستيلاء على ممالك وحصول على ظفر إثر ظفر وانتصارات متوالية .. ظن ذلك اعتمادا على قوته وشجاعة رجاله من جهة ، ومن جراء إذاعاته عن المذهب الجعفري وتعصبه له من أخرى ، فنكل تنكيلا مرّا بمن علم منه أنه مخالف له في العقيدة وتجاوز الحد ولم يدر أن الضعف المستولي على الإمارات. وسلوكها الشائن ، وملل الناس من الظلم وسوء الإدارة .. هو الذي سهل له مهمته وكاد يربح قضيته لو لا طيشه وظلمه ونكايته .. فاشتد الأمر وضاق الحال بالناس ، وذلك ما أوجد رد فعل فاستغل العثمانيون هذا الوضع بالانتصار لجماعة السنة وأساسا توغل المذهب الشيعي في الأناضول على يد من يسميه الترك (بشيطان قولي) أي عبد الشيطان والمعروف عند العجم (بشاه قولي) أي عبد الشاه روجه هناك بقسوة .. مما دعا أن يهتم القوم للأمر فيخلعوا سلطانهم السلطان بايزيد ويقيموا ابنه (ياوز سلطان سليم) فيتأهب لحرب الشاه بلا توان ولا تراخ وصار شغله الشاغل.

ذلك ما جعل الشاه أيضا يهتم للأمر ويجمع أطرافه ويتنصب لمقارعة السلطان والأمر كان دائرا بين أحدهما .. ولم نسمع في خلال هذه المدة سوى الفتوح أو التبدل في الأمراء ، أو قتل بعضهم ، واكتساح بعض الممالك إلا أن العراق كان هادئا ولم يستفد من هذا الانشغال وتناطح الحكومتين وتنازعهما السلطة فيما بينهما ..

وعلى كل في سنة ٩١٩ ه‍ ولد للشاه ابن سمي (طهماسب) فأجريت له المراسم والاحتفالات فرحا بقدومه إلا أن تقدم العثمانيين للقراع وتقربهم للحدود مما نغص هذا الفرح ... وحينئذ جمع الشاه أطرافه ودعا قواده وجيوشه وبين هؤلاء والي العراق الملقب (خليفة الخلفاء) ومعه السيد محمد كمونة ... وهناك المفاداة وإظهار الإخلاص وصار الناس على أبواب الحرب ، وينتظرون الطلقة الأولى .. ولم تكن

٣٥٨

للعراق علاقة بها سوى ميل بعض العراقيين لجانب الشاه لا بأمل استقلال العراق وإنما كان بالإخلاص للشاه وإظهار الحب له .. ولم يدخل في فكر العراقي آنئذ حب الاستقلال والنزوع للحكم الذاتي .. والتاريخ في صفحاته يعين أن الأمة متى تفرقت ، وتحكمت فيها الطائفية الممقوتة انحل كيانها وأضاعت استقلالها ، وفاتتها الفرص. فبينما كان الواجب على العراق أن يتأهب ليوجد له مركزا ويكون حكومة صار يسير بعض أبنائه لمساعدة الأغيار والتفادي في سبيل مصلحتهم.

وفيات

(قاضي بغداد):

في سنة ٩١٧ تقريبا توفي المولى قوام الدين يوسف العالم الفاضل الشهير (بقاضي بغداد) كان من بلاد العجم من مدينة شيراز وولي قضاء بغداد مدة فلما حدثت فتنة ابن أردبيل (ابن الأردبيلي وهو الشاه إسماعيل) ارتحل إلى ماردين وسكن بها مدة ثم رحل إلى بلاد الروم فأعطاه السلطان أبو يزيد (بايزيد) سلطانية بروسه ثم إحدى الثمانية.

وكان عالما متشرعا ناقدا وقورا. صنف شرحا عظيما على التجريد وشرحا على نهج البلاغة وكتابا جامعا لمقدمات التفسير وغير ذلك (١).

حوادث سنة ٩٢٠ ه‍ ـ ١٥١٤ م

وقعة جالديران :

لم يكن للناس حديث سوى التطلع إلى ما سيقع ، وما يتولد من النتائج فكانت التأهبات والاستعدادات للحرب بلغت النهاية من الاهتمام .. ولم تمض مدة إلا وجاءت الأخبار بوقوع الحرب في أوائل

__________________

(١) الشذرات ج ٨ ص ٨٥.

٣٥٩

شهر رجب من هذه السنة وتمت بانتصار العثمانيين على الصفويين وبهزيمة الشاه من وجه عدوه وقتلة السيد محمد كمونة ، ووالي بغداد وأمراء كثيرين ومن العرب نحو عشرة آلاف .. وتفصيل الخبر مدون في أكثر كتب التاريخ ولا يهمنا سوى أن ننظر إلى نتائجه فهو الذي أمن الحاكمية للعثمانيين في الأقطار العربية كسورية ومصر وديار بكر وما والاها وفي الحقيقة هذه الحرب قضت على النفوذ الإيراني وأضعفت شأنه وخيبت آماله حتى أنها من بواعث اختلال إدارة العجم في العراق وتزعزعها إلى أن صارت للعثمانيين. فهي من الحروب الكبرى التي كانت قد ترتبت عليها مقدرات الحكومتين وسميت الوقعة بهذا الاسم لحدوثها في موقع معروف ب (جالديران) في أنحاء تبريز .. وبعد مدة يسيرة عاد السلطان سليم إلى مملكته بالفوز والنصر.

وفي هذه الحرب استولى السلطان على خزائن الشاه وأمواله وخيمه ونسائه كذا في القرماني (١). وجاء في تاريخ أحمد راسم أن السلطان استولى على مخيم الشاه وزوجته تاجلي خانم وعلى تخته وخزانته وأخذ أسرى منه كثيرين ، وإن هذه الحرب أدت إلى ضبط تبريز وعدا الغنائم التي أخذت اختير من أرباب الصناعة نحو ألف أستاذ سيرهم معززين إلى استانبول (٢) ...

ثم إن الشاه أرسل هدايا ثمينة مع أربعة من رسله وطلب إطلاق زوجته تاجلي خانم من الأسر ولكن السلطان حبس السفراء ، وزوج امرأته من جعفر چلبي قاضي العسكر قال أحمد راسم المؤرخ التركي : وهذه المعاملة غير لائقة جدا (٣) وأساسا نرى آمال العثمانيين مصروفة للاستيلاء وحقارة المقابل بكل شدة واستحصال الفتاوي في قتاله

__________________

(١) ص ٣١٤.

(٢) عثمانلي تاريخي ج ١ ص ١٩٠.

(٣) ج ١ ص ١٩٢.

٣٦٠