موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

حوادث سنة ٨٦٦ ه‍ ـ ١٤٦١ م

عودة الأمير پير بوداق :

كان هذا الأمير قد ذهب إلى شيراز ، وبقي خارج العراق عشر سنوات ، قضاها في الحروب ... وذلك اعتبارا من وفاة السلطان محمد بن بايسنقر بن شاه رخ في ١٥ ذي الحجة سنة ٨٥٥ ه‍ وقتله أخوه ميرزا باير ، فتوجه الأمير نحو جهة ، ووالده جهان شاه نحو أخرى. فسخروا فارس وبلاد عراق العجم ، وكانت تحت سلطة ميرزا محمد بن بايسنقر المذكور ... كما أنه حينما توفي باير في ٢٦ ربيع الثاني سنة ٨٦٢ ه‍ سار جهان شاه إلى هراة فاستولى عليها ... وعلى هذا تحرك أبو سعيد (١) من سمرقند ومضى لمقاومة جهان شاه ... وهذا لم يسعه إلا تسليم هراة والصلح مع أبي سعيد على إنكار في ١ صفر سنة ٨٦٣ وخرج جهان شاه هاربا وألقى في الطريق أثقاله ... وبعد ذلك عصت على جهان شاه مدينة أصفهان فدخلها قهرا ودمرها ... ثم منحها إلى ابنه محمدي ميرزا كما أنه جعل شيراز في قبضة ابنه پير بوداق وأعطى كرمان لابنه الآخر يوسف ميرزا. ويزد أودعت إدارتها إلى امرأته ...

وهكذا اقتسموا مملكة إيران فمضى الأمر على هذا مدة ...!

ثم حدثت منافرة بين الأمير جهان شاه وابنه پير بوداق بسبب ساتلمش (صاتلمش) الشيرجي فأرسل إلى ابنه پير بوداق يطلب منه فلم يلتفت إليه وحينئذ كتب إليه إما بغداد وإما شيراز وإلا أخذهما قهرا ... وتوجه جهان عليه فلما علم پير بوداق خرج من شيراز بعسكره وأتباعه مع جماعة من أهل شيراز من صناعها وكتابها وأرباب الحرف والصنايع منها ... ومضى إلى كريوة ماهين وتنك براق وصنع سورا وتأهب

__________________

(١) هو ابن ميرزا محمد بن ميران شاه بن تيمور.

١٦١

للحرب ... فلما حضر جهان شاه سار پير بوداق إلى تستر وأعطى جهان شاه شيراز إلى ابنه يوسف ميرزا وأقام پير بوداق في تستر وأرسل پير قلي وصيفه إلى بغداد فدخلها يوم الخميس ٢٧ رمضان سنة ٨٦٤ ه‍.

ثم إن پير قلي هذا كتب إلى پير بوداق يحثه على الخروج من تستر واللحاق به ، فلم يستطع مخالفته فسار من هناك إلى بغداد ، فدخلها يوم الاثنين ١٨ ربيع الأول سنة ٨٦٦ ه‍.

وفي هذه المدة كانت النفرة بينه وبين والده تزيد يوما فيوما بل اشتدت الفتن ... ولما دخل بغداد طرح على الأهلين ألفا وثمانمائة تومان ، فلم يستطيعوا الأداء فأهان الناس بالضرب والتعذيب ، ونالهم منه ما لم يروه من قسوة وشدة ...

وفاة السيد محمد المشعشع :

توفي السيد محمد هذا يوم الأربعاء ٧ شعبان سنة ٨٦٦ ه‍ فخلفه في إمارته ابنه المولى محسن (١).

ترجمته :

في كتب كثيرة نرى ترجمته وقد مضى الكلام على ظهوره وتاريخ مناضلاته مع العراق والحويزة. والآن ننقل ما عرف عنه من النصوص الأخرى ... منقولة من مجموعتنا الخطية المسماة بالأنوار قال في كتاب إيجاز المقال في علم الرجال ما نصه :

«قال مؤلفه الجليل العالم العلامة النسابة الشيخ فرج الله بن محمد ويسمى أحمد بن درويش بن محمد بن حسين بن جمال الدين بن أكبر مجرد الجيلي من بلاد الجبل أصلا الحويزي مولدا الجزائري نشأة

__________________

(١) الغياثي ، الضوء اللامع ج ٨ ص ٢٨٠.

١٦٢

المزرعاوي نسبة في الجلد الثاني منه هكذا (محمد كالأول في ست ابن فلاح بالفاء واللام والألف والحاء السيد الموسوي ولكنه مخلط) انتهى كلامه. قوله (كالأول) يعني كالاسم الذي تقدم ضبطه بميمين بينهما حاء وبعدها دال مهملة. قوله (في ست) يعني سأذكره في الخاتمة في الفائدة التي تشتمل على فهرست ما عثرت عليه من أصل أو كتاب. ولا يخفى أن الذي نقلته وأنقله ... عن هذا الكتاب من كتاب الأصل خط المؤلف وهو عندي ... وقد وجدت بخطه الشريف مكتوبا بالحمرة على ترجمة السيد محمد بن السيد فلاح هذا هكذا (جد بيت المهدي) انتهى. أقول وذلك أن السيد محمد يلقب بالمهدي ... ولا يخفى أنه بعد أن ذكر السيد محمد في الفهرست قال : ومحمد هذا هو المهدي المشهور بالحويزة قد طلب العلم بمدرسة الحلة وتلمذ على الشيخ الجليل أحمد بن فهد المجتهد المشهور. وفي تاريخ الغياثي : كان عالما بجميع العلوم المعقول والمنقول وكان عارفا بعلم التصرف وصاحب رياضات ولذلك كان يخبر بما يكون من ظهوره وقيل اعتكف في مسجد الكوفة سنة كاملة بشيء قليل من دقيق الشعير وقد ظهر منه تخليط في ابتداء ظهوره سنة ٨٤٠ ه‍ حتى أمر أستاذه ... بقتله وله كتاب رأيته يميل به إلى الحلولية معدن تخليط وزخارف غلب على عقول بعض الناس ...» ا ه (١).

وفي كتاب مجالس المؤمنين في آخر المجلس الخامس منه في ترجمة الشيخ أحمد بن فهد ما نصه :

«من جملة تلامذته السيد محمد بن فلاح الموسوي الواسطي وهو أول سلاطين المشعشعين ... وكانت أكثر ولايات الحويزة في تصرف هؤلاء ...» ا ه.

__________________

(١) مجموعة الأنوار.

١٦٣

وفي كتاب المجموعة الجامعة الكاملة النافعة تأليف العالم الجليل الشيخ عبد لله بن عيسى بن محمد صالح المشهور بميرزا عبد الله أفندي ... وهي عندي بخطه الشريف وهي كالفهرست لأكثر الكتب الغريبة التي ألفها العلماء الأعلام قال فيها في الثلث الأخير منها هكذا :

«فائدة قد رأيتها في صدر بعض الرسائل لبعض متأخري علمائنا بالفارسية في بيان مناظرات جماعة من علماء الشيعة مع العامة في الإمامة كابن جمهور والأحساوي (الأحسائي) وهشام بن الحكم والشيخ المفيد وغيرهم. وهذا أول الرسالة :

الشيخ العالم الزاهد أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ... ونقل بعض أحوال الشيخ (ره) إلى أن قال : ومن أفاضل تلامذته السيد محمد بن فلاح الموسوي الواسطي أول سلاطين المشعشعين» ا ه.

وفي (كتاب تنبيه وسن العين بتنزيه الحسن والحسين في مفاخرة بني السبطين) قال مؤلفه العلامة النسابة السيد محمد بن علي بن حيدر بن محمد بن نجم وبه يعرف هذا البيت فيقال بيت السيد نجم الحسيني الموسوي في أواسط هذا الكتاب عند تعداد ملوك بني الحسين ... هكذا :

«ومن الممالك الحسينية مملكة المشعشع. قال صاحب النفحة العنبرية المشعشع بضم الميم وفتح الشينين المعجمتين إلى أن قال السيد محمد صاحب هذا الكتاب طاب ثراه ، والذي في زماننا وما قبله إلى قبل التسعمائة استقرار ملكهم في حوزستان (١) بضم الحاء المهملة وكسر

__________________

(١) في معجم البلدان الحوز أهل حوزستان ونواحي الأهواز بين فارس والبصرة وواسط وجبال اللور المجاورة لأصبهان. وحوزستان اسم لجميع بلاد الحوز وعامتهم يتكلمون بالعربية والفارسية غير أن لهم لسانا آخر حوزيا. وفي كورهم من جميع الملل ... وقد أوضح الشيء الكثير عن بلادهم وأهليهم (مادة حوز وحوزستان من المعجم ج ٣).

١٦٤

الزاء المعجمة وسكون السين المهملة كذا ضبطه ابن خلكان وقال هي بلاد بين البصرة وفارس والنسبة إليها حوزي وقد فات هذا صاحب القاموس فلم يذكره وإنما ذكر الحويزة كدويرة وقال قصبة بحوزستان. والحويزة في هذا الزمان مقر ملك هؤلاء السادة مع تملكهم لقطر حوزستان وغيره وهم الآن تحت الطاعة لملوك العجم السادة الصفوية على أن ملكهم سابق على ملك أولهم شاه إسماعيل كذا أخبرني بمكة المشرفة ملكهم الآن السيد الجليل علي بن عبد الله وذلك مقتضى كلام صاحب النفحة العنبرية. وهم عرب كرام أمجاد أبطال أنجاد وتحت ملكهم وطاعتهم من عرب جهتهم ألوف كثيرة فوارس شجعان وقد أخذوا البصرة في حدود عشر ومائة بعد الألف لملك العجم الذي هم في طاعته ثم ردها على السلطان الأعظم ملك الروم والحرمين الشريفين للمعاهدة والمهادنة التي بينهما» ا ه.

وفي كتاب مجالس المؤمنين في المجلس الأول ما هذا لفظه (١) :

الحويزة تصغير الحوزة وأصله من حازه يحوزه حوزا إذا حصله وهو موضع حازه دبيس بن عفيف الأسدي في أيام الطائع لله ونزل فيه بحلته وبنى فيه أبنية وليس بدبيس بن مزيد الذي بنى الحلة بالجامعين ولكنه من بني أسد أيضا. كذا في معجم البلدان. قال : وهذا الموضع (٢) بين واسط والبصرة وحوزستان في وسط البطائح. والبطائح جمع بطيحة بالفتح ثم بالكسر والبطحاء مثلها وتبطح السيل إذا اتسع في الأرض. وبذلك سميت بطائح واسط لأن المياه تبطحت فيها أي سالت واتسعت في الأرض. وهي أرض واسعة بين واسط والبصرة وكانت قديما قرى

__________________

(١) أصله فارسي وقد روجع نقله عن معجم البلدان.

(٢) هو الحويزة وصفه في معجم البلدان وصفا نقله عن أبي الوفاء زاد ابن خودكام (ص ٢٧٣ من المعجم ج). وفي الأنساب ذكر للحويزة وخوزستان ...

١٦٥

متصلة وأرضا عامرة فاتفق في أيام كسرى أبرويز أن زادت دجلة زيادة مفرطة ، وزاد الفرات أيضا بخلاف العادة فعجز عن سدها فتبطح الماء في تلك الديار والعمارات والمزارع فطرد أهلها عنها فلما نقص الماء وأراد العمارة أدركته المنية وولي بعده ابنه شيرويه فلم تطل مدته ثم ولي نساء لم تكن فيهن كفاية ثم جاء الإسلام فاشتغلوا بالحروب والجلاء ولم يكن للمسلمين دراية بعمارة الأرضين فلما ألقت الحروب أوزارها واستقرت الدولة الإسلامية قرارها استفحل أمر البطائح وانفسدت مواضع البثوق وتغلب الماء على النواحي ودخلها العمال بالسفن فرأوا فيها مواضع عالية لم يصل الماء إليها فبنوا فيها قرى وسكنها قوم وزرعوها الأرز ... وتغلب عليها في أوائل أيام بني بويه أقوام من أهلها وتحصنوا بالمياه والسفن وخرجت تلك الأرض عن طاعة السلطان وصارت تلك المياه لهم كالمعاقل الحصينة إلى أن انقضت دولة الديلم ثم دولة السلجوقية. فلما استبد بنو العباس بملكهم ورجع الحق إلى نصابه رجعت البطائح إلى أحسن النظام وجباها عمالهم كما كانت في قديم الأيام قال المؤلف (المجلسي) : وعلى هذا قد ظهر لنا أن متوطني تلك الديار كان بعضهم من أيام الديلم والبعض الآخر من قبيلة بني أسد فاختاروا التوطن في تلك البطائح وكلتا الطائفتين من الشيعة الإمامية ومن المخلصين للسادة العلوية. وفي العصر التاسع للهجرة كان السيد محمد ابن السيد فلاح الموسوي الواسطي من تلامذة الشيخ الأجل أحمد بن فهد الحلي الإمامي ... قد ذهب إلى تلك الأنحاء وأقام مع هذه الأقوام وهؤلاء لما كانت عقائدهم صافية ورأوا أنه على الحق اتخذوه حاكما عليهم وصارت تدعى تلك الجماعة بأتباع المشعشع رباهم كما أراد ولمدة قصيرة تمكن من أن يتسلطن عليهم فاستولى على جميع ولاية خوزستان ، والجزائر وأكثر عرب العراق فتصرف بها وحكمها. ومن ثم انتشر مذهب الإمامية في بلاد خوزستان وتشعشع أمر التشيع في تلك

١٦٦

الديار والأنحاء ولا يزالون حتى الآن مرتبطين بأولاد السيد محمد وأخلافه وهم تحت حكمهم (إلى أيام المجلسي) وسنتكلم على حكومة هؤلاء في هذا الكتاب (١) ...

ملحوظة :

ما فائدة هذا الارتباط بمن اعتقاده ما مر الكلام عليه عند ذكر وفاة المولى علي عام ٨٦١ ه‍.

حوادث سنة ٨٦٧ ه‍ ـ ١٤٦٢ م

العثور على كنز :

مضى على مجيء پير بوداق مدة سنة واحدة وبينما كان الأمير سيدي علي يعمر أرضا برواق عزيز إذ وقع بسرداب فيه مال عظيم من الذهب الأحمر. فأعلم بها پير بوداق ووزنوها فكانت سبعمائة منّ بوزن تبريز (سبع قناطير حلبية) كلها مسكوكة بسكة الخليفة الناصر لدين الله وهي ذهب ابريز تام العيار. من أموال الخليفة الناصر. وقد دفنه وزرع فوقه شجرا حتى لا يفطن إليه أحد.

وكان هذا الخليفة كثير الولع بجمع الذهب وحبه إلا أن جميع ما دفنه استخرجه ولده المستنصر وصرفه على العمارات والمفرجات وأبواب البر ...

أراد سيدي علي أن يجعل تلك الأرض ديوان خانه فبينما البناؤون يحفرون الأساس وقعوا بها ... ومن ثم تكلم الناس فقال بعضهم هذه عناية في حق پير بوداق وقال الغياثي ، أعطي ذلك المال ليكف عن ظلم العباد فزاد في غيه وظلمه وصار نكالا عليه كما أن جهان شاه سمع به

__________________

(١) مجالس المؤمنين : المجلس الأول ص ١٤ ـ ١.

١٦٧

فصمم العزم إليه وقتله وهو أيضا قتل بسببه عدة أناس. ولهذا سمي (حجر القاتول) (١).

وفيات

١ ـ حميد الدين النعماني :

هو محمد بن أحمد بن محمد ، حميد الدين أبو المعالي بن تاج الدين النعماني نسة للإمام أبي حنيفة (رضه) البغدادي الفرغاني الدمشقي الحنفي. ولد في ١٧ صفر سنة ٨٠٥ بمراغة من أعمال تبريز ، ونشأ ببغداد ، وتفقه فيها على أبيه ، والشريف عبد المحسن البخاري ، وتحول مع أبيه لدمشق في أواخر ذي القعدة سنة ٨٢١ ه‍ ، ثم دخل القاهرة في التي تليها ، وتفقه فيها بالشمس بن الديري ، والعز عبد السلام البغدادي ، ثم عاد لدمشق سنة ٨٢٤ ه‍ وقطنها وتفقه بها على العلاء البخاري ، والشرف قاسم العلائي فلازمه وأخذ منه علم الشريعة والطريقة وسائر فنون المعقولات ، وولي قضاء الحنفية بدمشق في سنة ٨٥٣ ه‍ ... وحج مرارا وولي تداريس وأنظارا عدة وألف ردا على ابن تيمية في الاعتقادات ، وشرحا للكنز لم يكمل ، وله عدة رسائل في مسائل ، وكان عالما بالنحو والصرف والمعاني والبيان والأصول وغيرها مشاركا في الفقه. ذكره في الأنباء ، وطعن في نسبه.

مات ليلة الأحد ٦ ربيع الأول سنة ٨٦٧ ه‍ بالمدرسة العينية ، ودفن بسفح قاسيون (٢) ومر ذكر حسام الدين عم والده في المجلد الثاني وكذا الكلام على والده.

__________________

(١) الغياثي.

(٢) الضوء اللامع ج ٧ ص ٤٦.

١٦٨

٢ ـ برهان الدين الكيلاني :

في حدود هذه السنة توفي برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن التاج عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي الحنبلي. ولد في ٣ ذي الحجة سنة ٧٩٣ وقرأ على علماء عصره وجد واجتهد حتى صار إماما عالما زاهدا قال في الضوء اللامع نشأ ببغداد وسافر إلى مكة وسمع بها على ابن صديق صحيح البخاري وغيره وقطن القاهرة وحدث فيها وسمع منه الفضلاء وله ابن اسمه علي وهو سبط الشمس محمد بن معروف التاجر المتوفى سنة ٨٨٦ ه‍ (١).

حوادث سنة ٨٦٨ ه‍ ـ ١٤٦٣ م

أحوال العراق :

كان الأمير پير بوداق في هذه السنة وأوائل التي بعدها تتوارد إليه الرسل من أبيه جهان شاه فينا لهم منه كل إهانة وتحقير بل قتل وتدمير ... فلم تحصل ألفة بينهما واستمرت البغضاء وصارت تشتعل نيران الفتن بينهما إلى أن وصلت الحالة إلى ما لا تحمد عقباه وذلك أنه جاء في أحسن التواريخ أن حسن علي مضى إلى بغداد ولقي رعاية من ميرزا پير بوداق وأنه كان يتابعه في إلحاده جماعة من أهل الزندقة ممن يطعن بدين محمد صلى الله عليه وسلم ، ويرى وجوب ترك الصيام ورفع التكاليف الإسلامية ومن ثم رأى السلطان (جهان شاه) أن رسوم الشرع لم تراع وأصابها خلل فسار إلى بغداد بعظمة وكثرة جنود ، ووزع الجيش إلى جهات متفرقة وأراد أن يحيط به من كل صوب ليسد الطرق على پير بوداق ... ولكن هذا اتخذ الأهبة وحاصر (٢).

__________________

(١) الشذرات ج ٧ ص ٣٦ والضوء اللامع ج ١ ص ٧٣ وج ٥ ص ١٥٣.

(٢) أحسن التواريخ.

١٦٩

حيوان بحري :

في هذه السنة (٨٦٨ ه‍) خرج حيوان من البحر من ناحية البصرة على صورة فرس وله جناحان يطير بهما نحو مائة ذراع وإذا لحق ركض على الأرض اسبق من الريح ولم يقدر أحد على قبضه وإذا جن الليل عاد إلى البحر وأقام على ذلك عشرة أيام ثم ذهب ولا يعلم أحد أين ذهب كذا نقل العمري (١).

وفيات

الخريزاتي :

هو علي بن جمعة بن أبي بكر البغدادي خادم مقام الإمام أحمد كآبائه والخريزاتي ولد سنة ٧٥٠ ه‍ أو بعدها ببغداد ونشأ بها وتعلم صنائع ثم ساح في البلاد وطوف في العراق والبحرين والهند وأرض العجم وما وراء النهر ثم حج وطوف في البلاد الشامية ثم قدم القدس وسكن به وبالخليل ونابلس ثم قدم القاهرة وسكنها وطوف في ريفها وارتزق بها من صنعة الشريط وجلس لصنعه بحانوت تجاه الظاهرية القديمة وشاع عنه مما شاهده الثقات في سنة ٨٤٤ ه‍ إن السباع إذا مر بها عليه تأتيه وتتلمس به هيئة المسلمين عليه بحيث يعجز قائدوه عن مرور السبع بدون مجيئه إليه بل وعن أخذه عنه سريعا إلا إن إذن هو له وتكرر ذلك مدة إلى أن مل الشيخ فصار إذا سمع بالسبع من بعد يقوم ويفر إلى المدرسة أو غيرها كل ذلك مع سكينة وكثرة تواضع ... مات في يوم الأربعاء عاشر رمضان سنة ٨٦٨ ه‍ بالقاهرة (٢).

__________________

(١) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية.

(٢) الضوء اللامع ج ٥ ص ٢٠٩.

١٧٠

حوادث سنة ٨٦٩ ه‍ ـ ١٤٦٤ م

بغداد ـ جهان شاه :

لم تجد المخابرات ، ولا أفادت الرسل ، وإنما أدت تلك المفاوضات إلى توتر الحالة وإلى الفتن والمقارعات بل الحروب ومن حين ورد (درتنك) تواترت الأخبار بمجيئه ووصلت مقدمة العسكر إلى البندنيجين وعند ذلك قرر الأمير پير بوداق أن يخرب المملكة فعاث فيها الجيش فنهبوا واحرقوا وخربوا وساقوا الدواب والأحشام وعبروها إلى الجانب الغربي ...

أما جهان شاه فإنه وافى إلى مزار الإمام أبي حنيفة وأرسل إليه يقول جئناك فماذا تفعل فقال للقاصد أهلا ومرحبا به فلما قرب العسكر من السور رشقوهم بالنبال فحط بعيدا عن السور وحفر عليه خندقا وأحاطهم بجميع سور بغداد وذلك نهار الاثنين ١٤ جمادى الثانية سنة ٨٦٥ ه‍ (وهذا التاريخ الذي بينه الغياثي غير صحيح وصوابه ٨٦٩ ه‍ لأننا تجاوزنا حوادث هذه السنة).

وانحصر پير بوداق في المدينة وكان عنده عسكر كثير فاختار منهم البعض وأعطى الباقين دستورا (١) فخرجوا من المدينة. ولما طالت المدة أعطى الرعية دستورا وقال من لم يكن له طاقة للحصار فليخرج. فخرج خلق كثير. فقام حسين طرخان وكان أحد أمرائه فقال له : حيث إن الرعية تخرج عنا يجب أن تأخذ أموالهم وتتركهم فقال افعل ما تشاء.

فانتهب مال الكثيرين من الرعايا. فصادر وعذب وأخرج الناس بنسائهم وأولادهم.

عمل الأمير پير بوداق بالناس هذه الأعمال داخل المدينة وجهان

__________________

(١) الدستور : الإذن السلطاني ، أو الأمر بأن يعمل المرء ما يختار.

١٧١

شاه خارج المدينة يعمل أيضا أعماله الرديئة ...

مضى على هذه مدة. ولم يبق في البلد إلا القليل من الناس وحينئذ أراد حسين طرخان وجماعة من الأمراء المخابرة مع جهان شاه فراسلوه وواعدوه على يوم معين تلقي الحرب أوزارها ويسلمون إليه البلد. وذلك أن جماعة بينهم حسين طرخان كانوا يتحدثون في السور تحت بعض الجدران وإذا بصبي يسمع من وراء جدار ولم يشعروا به حتى استوفى جميع ما أسروا وجاء إلى نسيب له من نوكرية پير بوداق وقص عليه القصة ... فذهب من ساعته وأخبر پير بوداق بذلك فركب من ساعته إلى بيت حسين طرخان وأخرجه من بيته وجاء به وأرسل من جاء بأخيه طرخان وقيدهما وسجنهما وقتل من كان قد خامر معهما من الأمراء والنوكرية وتركهما ذلك اليوم حيين وألقى جهان شاه الحرب على بغداد على الوعد الذي كان بينهم وبأمل أن يسلموه البلد ...

فلما رأى پير بوداق أن الحرب قد طالت ضرب أعناقهما وأرمى بها من السور إلى جهان شاه وقيل هذه رؤوس فلان وفلان.

فحين عاين ذلك أبطل الحرب وأطفئت الفتنة.

حوادث سنة ٨٧٠ ه‍ ـ ١٤٦٦ م

الصلح ـ قتلة پير بوداق :

دام الحصار مدة سنة وخمسة أشهر ونصف ثم انبرم الأمر على أن پير بوداق يختار من جماعته مقدار مائة فارس ويخرج من الجانب الغربي فيعطيه جهان شاه خيلا ودوابّ وجمالا ويمر على وجهه أينما شاء ويسلم البلد إلى جهان شاه.

وكان في نيته أن يتوجه إلى شاهسوار ... وبينما هم في هذا الأمر وقد فتحوا أبواب المدينة ودخلوا وأخرج الناس إذ هرب من پير بوداق

١٧٢

دندار ابن عم أولاد طرخان إلى جهان شاه وقال له : إن في نية پير بوداق أن يحاصرك مرة أخرى حيث إنه اكتفى من الغلة والدهن واليرق عند فتح الباب. والآن في نيته العصيان وكان قد جرى ذلك في مجلس الشرب. وقالوا قد اكتفينا فالآن نحاصر مرة أخرى ...

وكان انهزم إليه هذا الشخص وأخبره بهذه الصورة وعند ذلك أمر جهان شاه بقتل پير بوداق فتوجه أخوه محمدي ميرزا وپير محمد التواجي وجماعة ودخلوا المدينة وهو غافل لا يعلم. فما أحس إلا وهم على رأسه فدخل عليه محمدي ميرزا وضربه بالسيف وأتمه الباقون فقضوا عليه وذلك نهار الأحد غرة ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍ وفي لب التواريخ قتل يوم الأحد ٢ ذي القعدة. ومن ثم قامت القيامة في بغداد وجعلوا عاليها سافلها ، وخربوا ما شاؤوا (١).

ترجمة الأمير پير بوداق :

مضت حكومته بالوجه المحرر سابقا وتفصيلها ينبىء أنه لم يكن له عمل غير الظلم والجور كما أن الغياثي نقل أنه منهمك بالفجور والشرب ... ودعاه صاحب الشذرات (پير بضع) هو (پير بوداق) فالمؤرخون متفقون على أن اسمه پير بوداق قال صاحب الشذرات : «إنه صاحب بغداد وتوفي في ٢ ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍» ا ه.

وجاء في جامع الدول :

«كان أقطع ـ جهان شاه ـ فارس ابنه پير بوداق ميرزا ثم بلغه سوء سيرته في أهلها فعزله منها في سنة ٨٦٤ ه‍ ولاه بغداد فأظهر العقوق والعصيان في سنة ٨٦٩ ه‍ فسار جهان شاه إلى دفع غائلته وحاصره ببغداد نحو سنة كاملة ، فخدعه والده بطلب الصلح منه حتى فتح پير

__________________

(١) الغياثي وفي أحسن التواريخ أن ذلك وقع سنة ٨٧١ ه‍.

١٧٣

بوداق باب القلعة وأمن جانب أبيه فغدر به والده فأرسل ابنه الآخر محمدي ميرزا فكبسه وقتله صبيحة يوم الأحد ٢ ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍ واقطع بغداد ابنه محمدي ميرزا وعاد إلى أذربيجان وزادت شوكته وعظمته وانتهت إلى رتبة لم يبلغ أبوه ولا جده عشر معشارها وملك العراقين وفارس وكرمان وسواحل عمان وأذربيجان إلى حدود الروم للشام» ا ه.

وفي كلشن خلفا :

«ولي بغداد. وفي مدة قليلة تخبط دماغه فعق والده. ذلك ما دعا أن يسير إليه بنفسه فحاصر بغداد لمدة سنة ونصف فافتتحها وقضى على ابنه المذكور عام ٨٧٠ ه‍ فلما علم حسن الطويل بذلك انتهز الفرصة لإبداء الخصومة القديمة وجهز جيشا لجبا للوقيعة بجهان شاه ...» ا ه (١).

وبين الغياثي سببا آخر غير توتر العلاقات أثناء المخابرات قال :

«كان پير بوداق عنينا فتفكر جهان شاه أنه إن بقي بعده وهو فتاك سوف يقتل جميع إخوته ... فتنقرض ذريته (ذرية جهان شاه) فرأى أن يقتله فقتله ...» ا ه (٢).

وجاء في الضوء اللامع :

«ناب عن أبيه في شيراز ثم خالفه فقصده أبوه ففر لبغداد فتملكها وحاصره أبوه دون السنتين حتى ملكها وقتله مع خلق كثيرين جدا. وغلت الأسعار بسبب الحصار حتى حكى لي بعض من كان في العسكر أن رأس الغنم بيع بما يوازي مائة دينار مصرية والرطل البغدادي من

__________________

(١) ص ٥٢.

(٢) ص ٣٠٠.

١٧٤

الثوم بنحو خمسة عشر دينارا. قال : وأكلت لحوم البغال والحمر الأهلية ونحوها. وكان شجاعا كريما ، ظهر له كنز كبير قيل إنه اثنا عشر خابية ففرقه على العسكر ، ولم ينظر إليه بل قال : إن أصحابه لم ينتفعوا به فنحن أولى ، هذا مع شيعيته ... وتجاهره بالمعاصي بحيث يأكل في رمضان نهارا على السماط مع كثيرين».

وذكره في موطن آخر من كتابه باسم (پير بضع) قال :

«... صاحب بغداد ، حاصره أبوه فيها زيادة على سنتين إلى أن عجز وسلمها فيما قيل له مع تقادم كثيرة فأقره أبوه عليها وسار إلى بلاده فحسن له بعض أتباعه الاستمرار على مشاققته. وإنه إنما أذعن له عجزا وغلبة فندب إليه ولده الآخر محمدا شقيق هذا وتصادما فقتل صاحب الترجمة ، وجهز برأسه إلى أبيه وذلك في ثاني ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍ وهو في الكهولة وقتل معه من عساكره نحو أربعة آلاف نفس صبرا» ا ه (١).

وذكره مرة أخرى بلفظ (بير شاه بضع بداق) مما يدل على أن المؤلف لم يقطع في صحة تلفظه (راجع مادة جهان شاه).

وعلى كل كانت مدة حكمه ببغداد على ما جاء في الغياثي ١٨ سنة وخمسين يوما مكث فيها ببغداد ثلاث سنوات وخمسة أشهر و ٢٤ يوما ثم توجه إلى شيراز وبقي فيها عشر سنين و ٢٣ يوما ثم عاد إلى بغداد ثانية فأقام فيها ٤ سنوات و ٧ أشهر (٢).

ولاية پير محمد الطواشي :

كان جهان شاه قد قتل ابنه پير بوداق ثم ولى على بغداد پير محمد

__________________

(١) الضوء اللامع ج ٣ ص ٢ ـ ٣ وج ٣ ص ٢٢.

(٢) الغياثي ص ٣٢٤.

١٧٥

الطواشي (١) وذلك في غرة ذي القعدة (أو ٢ منه) لسنة ٨٧٠ ه‍ وبقي هذا حاكما بها ورجع جهان شاه إلى تبريز راحلا عن بغداد ...

الحلة ـ المشعشع :

قبل وفاة جهان شاه كان قد استولى المولى محسن المشعشع على الحلة وبقيت بيده إلى سنة ٨٧٢ ه‍ ولم نعثر على تاريخ ضبط هذه البلدة من قبل المشعشع لهذه المرة وعلى كل حال كانت أيام ولاية الطواشي أو قبلها ... ودامت في أيديهم إلى أن عدل حسن بك الطويل من حصار بغداد وسار إلى تبريز على ما سيجيء ...

المولى محسن المشعشع (٢) :

وهذا المولى كان خلف أبيه السيد محمد كما ذكر ذلك في حينه وقد نال مكانة أسمى مما كان عليه والده وأخوه المولى علي وتمكن من الاستيلاء على ولاية الجزائر وأكثر أنحاء بغداد فصارت في حوزته وأن الكرد البختيارية. والكرد الفيلية أذعنوا له بالطاعة وأبدوا الانقياد ... وكان كريما ، ومحبا للفضيلة ، وأن علماء الشيعة قد كتبوا الكتب والرسائل من الأنحاء الأخرى وبعثوا بها إليه ... ومن هؤلاء المولى شمس الدين محمد الاسترابادي كتب حاشية على رسالة إثبات الواجب وقدمها إليه ووسمها باسمه حينما رأى ميرا قد كتب حاشية جديدة قدمها إلى السلطان بيلديرم بايزيد العثماني. والملا قدم حاشية إلى السلطان

__________________

(١) ورد في تاريخ الغياثي بلفظ تواجي والظاهر أنه الطواشي وهو بمعنى رئيس الخدم. وقد مر بيانه.

(٢) مدفون على ضفة نهر الكرخة في محل الحميدية المعروفة قديما ب (العلة) ، وكان فيها قصر كبير وضخم للشيخ خزعل ، وللمولى محسن مرقد له قبة ويزار من الموالي ، وكانت قد ضربت النقود في أيامه باسمه ، شاهدها بعض الأصدقاء.

١٧٦

يعقوب البايندري وكان شمس الدين محمد المذكور معاصرا لصدر الدين محمد الشيرازي والمولى جلال الدين الدواني ... وقد ترك المولى محسن ولدين هما السيد علي والسيد أيوب. انتهى ما جاء في مجالس المؤمنين ملخصا من أواخر المجلس الثامن منه.

وستأتي باقي حوادثه في حينها فقد استمرت إلى ما بعد هذا التاريخ وقد جاء في حبيب السير أنه ورد خبر وفاته إلى بغداد حين فتحت من جانب الشاه إسماعيل الصفوي بتاريخ ٢٥ جمادى الثانية سنة ٩١٤ ه‍ وأن الحويزة انتزعت من ولده السيد فياض ...

وفي كنز الأديب عند ذكر السيد علي خان جاء أن للمولى محسن من الأولاد السيد حيدر أيضا من أجداد السيد علي خان المذكور كما يفهم من سلسلة نسبه ...

قبيلة طيىء :

في هذه السنة (٨٧٠ ه‍) خرجت عرب طيىء على الركب العراقي ، فقاتلوهم وقتل بعضهم ، وتفرق جمعهم وسلم الركب من أيديهم ... (١).

حوادث سنة ٨٧١ ه‍ ـ ١٤٦٦ م

وفاة أمير زاده :

في هذه السنة مات أمير زاده بن محمد شاه ... في ذي القعدة بالقاهرة وقد زاد على الثلاثين ، وشهد السلطان الصلاة عليه ، وكان قد أحضره حواشي أبيه من العراق في صغره أيام الظاهر جقمق خوفا عليه من عمه أصبهان (أسپان) ابن قرا يوسف متملك بغداد. فأقام كأحد أبناء الأمراء إلى أن مات. ولم يتعرض لذكره المؤرخون الآخرون (٢) ...

__________________

(١) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية.

(٢) الضوء اللامع ج ٢ ص ٣٢٢ وفيه غلط في الاسم ولعله أحمد.

١٧٧

حوادث سنة ٨٧٢ ه‍ ـ ١٤٦٧ م

قتلة جهان شاه :

اضطربت كلمة المؤرخين في سبب قتلة جهان شاه واختلفت آراؤهم في تفسيرها ... ونذكر بعض النصوص الواردة في أشهر التواريخ قال في كلشن خلفا :

«كان للسلطان حسن الطويل خصومات مع جهان شاه متأصلة. فلما سمع بوفاة پير بوداق أظهر السرور الزائد وأبدى أن العدو كان شابا فهرم ... وعندئذ وصل لمسامع جهان شاه ما أظهره السلطان حسن الطويل فهاج غضبه وتحركت نخوته فجهز نحو خمسين ألفا من المحاربين وهاجم الطويل فلم يطق هذا صبرا على ملاقاته فصار يهرب من وجهه يمينا ويسارا ويختفي من النظر إليه ... وبهذا أراد أن يعجز جهان شاه من مطاردته في المواطن الجبلية والأراضي الوعرة. وبعد المشاورة مع أمرائه قرر لزوم تأخير السفر إلى السنة القادمة فأجاز جهان شاه عساكره ولم يبق معه سوى خمسة آلاف أو ستة فمضى بهم جانبا للاستراحة لما أصابه من التعب والعناء ... وكان عدوه يترقب الفرص ولم يكن غافلا عما جرى من تسريح الجيش فانتهز الفرصة ، واغتنم هذه الغفلة ، عرف بالحالة فمضى مسرعا غير متوان فقضى على جهان فذهبت مقارعاته في أيامه الطويلة هباء وصارت أتعابه كأن لم يقع منها شيء وماتت حكومته كأن لم تغن بالأمس فخلفتها (حكومة آق قوينلو)» ا ه (١).

وجاء في كنه الأخبار :

«في سنة قتلة ابنه (في ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍) سار على أبي النصر حسن الطويل بأمل اكتساح ديار بكر وهذا ركن إلى التدابير

__________________

(١) كلشن خلفا ص ٥٢ ـ ١.

١٧٨

الصائبة فمال عن وجهه فاستولى جهان شاه على غنائم وافرة ومضى لحاله فارغا عن الشواغل وحينئذ فاجأه حسن الطويل ليلا فقتل في المعركة أكثر أعوان جهان شاه وقتل هو أيضا معهم في ساحة الحرب إلا أنه لم يعرف لحد الآن القاتل ...» ا ه (١).

وجاء في لب التواريخ :

«أن جهان شاه بعد أن قضى على غائلة ابنه ... عاد إلى تبريز وقد بلغ من العظمة والشوكة المرتبة العلية حد أنه لم يصل الخيال إلى عشر معشاره فتملك عراق العرب بتمامه ، وكذا عراق العجم وفارس وكرمان وسواحل البحر وآذربيجان إلى حدود الروم والشام ، ثم إن دولته أخذت بالانحطاط ... وفي سنة ٨٧٢ ه‍ وعزم على الوقيعة بحسن بك وكان حاكم ديار بكر فذهب إلى جهته فوافاه الشتاء فأراد العودة ولكنه لم يراع الحيطة فيها ، فذهب الفيلق أمامه وبقي هو وراءه ، وكان نائما في موضع للاستراحة وبأمل أن يسير في عقب جيشه. أما جسن بك فإنه اغتنم هذه الفرصة وعلم أن الجيش ذهب في الأمام ، وأن جهان شاه لا يزال باقيا في موطنه وحينئذ هاجمه على غرة بثلاثة آلاف فارس فلم يسع جهان شاه أن يقاوم وإنما ركن إلى طريق الهزيمة فقتل أثناء ذلك وألقي القبض على كل من ابنيه محمدي ميرزا وأبي يوسف ميرزا فكحلهما ... وهذه الوقعة حدثت في ١٢ ربيع الثاني من السنة المذكورة» ا ه (وفي الغياثي في ٥ ربيع الأول) وقد أورد صاحب المنتخب تاريخ وفاته في بيتين من الشعر الفارسي وفيها صراحة في أنه توفي بالتاريخ المذكور.

وفي جامع الدول :

«في ١٠ شوال سنة ٨٧١ ه‍ توجه ـ جهان شاه ـ إلى ديار بكر

__________________

(١) كنه الأخبار جزء ثاني ركن ثاني ص ٣٨.

١٧٩

لأخذها من يد صاحبها حسن بك البايندري ، ولم يظفر بشيء ... وعاد يتلهى بالصيد ففاجأه حسن بك وقتله وأسر ولديه محمدي ميرزا ، وأبا يوسف ميرزا فكحلهما ، وقتل في هذه الوقعة جماعة من أعاظم أمراء قراقوينلي مثل الأمير پير زاده البخاري ورستم بك راس الطواشية (تواجي باشي) وصفر شاه ، وقاسم بك پروانجي بن شيخ علي بك صاحب طارم وقومشي بك وحسين الدين أغلي وغيرهم ، وكان يادكار محمد ميرزا بن سلطان محمد بن بايسنقر بن شاه رخ في الوقعة فأسر وأطلقه حسن بك وأكرمه فبقي عنده إلى أن جعله واليا على خراسان بعد وقعة أبي سعيد. وكانت وقعة جهان شاه في ١٢ ربيع الآخر سنة ٨٧٢ ه‍ ... وكان مولده في مدرسة ماردين في حدود سنة ٨٠٨ ه‍ ونقل جسده إلى تبريز ودفن بالمظفرية» ا ه.

وفي تاريخ الغياثي :

أن جهان شاه كان في برية من براري آذربيجان أيام الربيع مصاقب بلاد حسن بك (الطويل) وقد تفرق العسكر عنه وحواليه شرذمة قليلة وإذا بآت أتى إليه وذكر له أن حسن بك كان عازما أن يكبسك في هذا الموضع فصدق ذلك وأرسل إلى حسن بك يقول له ما هذه الفعال وهذا التهجم الذي كنت تريد أن تقوم به ... فأقسم له بالله أنه لم يخطر ذلك بباله ولم يكن ليفعله ...!

فلم يصدقه وسار عليه فنزل ببرية موش وتحصن منه حسن بك بالجبال فمكث في تلك البرية إلى قبيل الشتاء ووقوع الثلج وكانت أرض جبال رديئة صعبة المسالك فاغتاظ على الدليل وقال له سلكت بنا طريقا رديئة. وقال لأمرائه نرجع هذا الشتاء ونجيء في الربيع القادم فاستصوبوا ذلك وأعطى العسكر إجازة الرحيل من الليل فمضت الأثقال وجاء الأسفاهية إلى باب الخيمة يطلبون دستورا (اذنا) مرة أخرى فسمع

١٨٠