موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

يبصر ، فقال له هذا يحتاج إلى أعشاب وأدوية لا يتيسر الحصول عليها في هذه الأنحاء ، وإنما توجد في ماردين ، فأرسل معه الخواجة پير أحمد ، وكان اعتمد أسپان قوله ، فذهبا معا ولم يرجعا ...

قال الغياثي : ثم وردت الأخبار بأنهما استهويا سلطان مصر أيضا ، فبذل أموالا كثيرة ، فلم ينجحا في مسعاهما ، فاستفتى السلطان العلماء في شأنهما ، فأفتوا بقتلهما فقتلا (١) ...

وهذه الحادثة تعين عقلية أولئك الأمراء ، ودرجة تأثير الشعوذة عليهم ، فكان الصوت للتنجيم شائعا ، وله التأثير الكبير على الأمراء في الذهاب والإياب ، والسفر والإقامة ... فمن الأولى أن يغش الأهلون في جزيرة عبادة بهذا وأمثاله من المشعشعين لتمكن الخرافات فيهم .. ولم ينج من ذلك حتى أمير بغداد ووزيرها ...

الأمير اسكندر ـ جوكي :

جاء في الضوء اللامع أن الأمير جوكي بن شاه رخ قد قتل في وقائع جرت بينه وبين الأمير اسكندر ممتلك تبريز آخرها هذه ... فمات في شعبان سنة ٨٣٩ ه‍ وقد مر ذكر أخيه إبراهيم في السنة الماضية ، وعين صاحب الضوء أن وفاة الإخوة الثلاثة كانت في هذه السنة ...

ويلاحظ هنا أن وقائع بغداد لا تزال غامضة ، ولم يتعرض لها المؤرخون في الخارج إلا بصورة مبتورة ، وكانت كثيرة على ما يظهر ... فلم نتمكن أن نعلم أمراء الموصل ، ولا أمراء بغداد والبصرة بالترتيب ولا ما قاموا به من أعمال ...

__________________

(١) الغياثي ص ٢٨٢.

١٠١

حوادث سنة ٨٤٠ ه‍ ـ ١٤٣٦ م

مد وأمراض في البصرة :

في هذه السنة حدث في البصرة موت كثير من عدة أمراض ، ومات خلق عظيم ، وكان يموت كل يوم ثلثمائة نفس ... وسبب ذلك زيادة (المد) حتى علا على وجه الأرض ، وأحاط بالبصرة يومين وليلة ، ثم نقص فظهرت من جراء ذلك الأمراض (١) ...

وفيات

ابن نصر الله البغدادي :

هو عبد الرحمن بن نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي نزيل القاهرة ، وأخو المحب أحمد ... ويعرف بابن نصر الله. ولد في جمادى الآخرة سنة ٧٧١ ه‍ ببغداد ، ونشأ بها ، فأخذ عن أبيه وأخيه وغيرهما ، وانتقل إلى القاهرة. فرقي حتى ناب في القضاء عن ابن المغلي ، ثم عن أخيه بل ولي قضاء صفد استقلالا ... مات يوم الجمعة ٩ شعبان سنة ٨٤٠ ه‍ (٢).

حوادث سنة ٨٤١ ه‍ ـ ١٤٣٧ م

وباء عام في بغداد وغيرها :

وقع وباء عام في بغداد وجميع البلاد المجاورة لها ، أخلاها من الناس ، فخرج الأمير أسپان بعساكره من بغداد ، وذهب إلى بند قريش (٣)

__________________

(١) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية.

(٢) الضوء اللامع ج ٤ ص ١٥٧.

(٣) تعرف اليوم بأراضي الرستمية ، وهي واقعة في زاوية اتصال النهرين المذكورين ، وقد توزعت في هذه الأيام إلى قطع عديدة.

١٠٢

وهو ملتقى نهر ديالى بنهر دجلة ، ثم رحل ، ونزل موطنا آخر ، وبقي على هذه الحالة يتجول إلى أن انقطع الوباء ، ثم رجع إلى بند قريش ، وترك مزيد چوره نائبا عنه ببغداد ، ولم يمت من عسكره أحد. وكاد يقضي الوباء على أهل بغداد ، والأنحاء المجاورة ... ففي الحديثة لم يبق غير سبعة أشخاص فارتاع من ذلك حاكمها واسمه حارث فتوجه في سفينة إلى أسپان في الفرات ... فمات بالسفينة ، وقطع رأسه وجيء به إلى أسپان فاغتاظ من ذلك ، وأنكر هذه الفعلة ...

ثم إن أسپان رحل بعد انتهاء الوباء من بند قريش ، وتوجه إلى الحلة ، فمرض فيها ... وكان قد تحالف ميرزا علي ابن أخي قرا يوسف ، وزاهد ، وقطلو بك العراقي على أنهم إذا دخلوا على الأمير أسپان ليعودوه قتلوه ، وقتلوا الأمير شيخي معه وسلطنوا ميرزا علي ... فأوصل الأمير شيخي الخبر إلى الأمير أسپان فقبض عليهم في تلك الليلة وأحضرهم ... فأمر أسپان بقتل ميرزا علي وأولاده جميعا حتى الأطفال الذين في المهد ، وكانت بلقيس باشا بنت ميرزا علي عند أسپان ، فلما قتلوا بحضرتها بكت بغير اختيار ، وصاحت فأمر بخنقها فخنقت ...

ثم تعافى الأمير أسپان بعد ذلك ، وتوجه إلى بغداد ، وحكم بها مدة ...

والملحوظ أنه لم يقع اتفاق وإنما أراد الأمير شيخي أن يستبد بالحكم بعد وفاة الأمير أسپان فقام بترتيبه هذا ، ولكن لم يفلح نظرا لتحسن صحة الأمير أسپان وشفائه من مرضه ...!

وجاء في السلوك لدول الملوك : «كان في هذه السنة حاكم بغداد أصبهان ابن قرا يوسف وقد خربت بغداد ، ولم يبق بها جمعة ولا جماعة ، ولا أذان ، ولا سوق ، وجف معظم نخلها ، وانقطع أكثر أنهارها بحيث لا يطلق عليها اسم مدينة بعد أن كانت سوق العالم ...» ا ه.

١٠٣

الأمير اسكندر

١ ـ وفاته :

إن الأمير اسكندر كان قد اغتاله ابنه قباد ، قتل ليلة الأحد ٢٥ شوال سنة ٨٤١ ه‍ كذا في منتخب التواريخ ، وفي جامع الدول ذكر سبب قتله في حوادث سنة ٨٣٧ ه‍ ، وجاء في الغياثي أنه قتل في ذي القعدة سنة ٨٤١ ه‍ فخلفه الأمير جهان شاه ، وصفا له الأمر في أذربيجان ... ومثله في الضوء اللامع ...

٢ ـ ترجمته :

كان قد ولي بعد والده قرا يوسف ، وعرف بالشجاعة ، ولم يكن في طائفته من يدانيه في الإقدام إلا أن دولته كانت مضطربة ، مفرقة الأوصال ، جاءها بهذه الحالة ...

كان عند وفاة والده في الكرخيني (١) عصى أوامر والده قبل وفاته ، وأن أسپان وجهان شاه توجها إلى شاه محمد ببغداد ، وأبو سعيد مضى إلى جصان في سنة ٨٢٤ ه‍ فوصلت الحكومة إلى اسكندر يوم السبت ٢٨ رجب سنة ٨٢٤ ه‍ ، واشتبك بالمعركة مع شاه رخ في موضع يقال له بخشلي (بخشي) في حدود الشكر ، وكانت الحرب طاحنة ، واستمرت ثلاثة أيام وكان هولها عظيما. وفي اليوم الثالث فر الأمير اسكندر من وجه عدوه ، وجاء إلى حدود الفرات ... وإن شاه رخ بعد هذه الحروب الطاحنة عاد إلى خراسان ، فرجع الأمير اسكندر إلى تبريز وجلس على سرير الحكم هناك ، واستولى على أذربيجان.

وفي سنة ٨٢٧ ه‍ قتل عز الدين شير ملك الكردي في أردبيل. وفي سنة ٨٢٨ ه‍ قضى على ملك أخلاط الأمير شمس الدين. وفي سنة ٨٣٠ ه‍ سار إلى شيروان ، وأضر بشماخي كثيرا ، وخرب تخريبات

__________________

(١) هي كركوك. راجع معجم البلدان.

١٠٤

عظيمة ... وفي سنة ٨٣٢ ه‍ أخرج رجال شاه رخ من السلطانية واستخلصها ، وفي السنة نفسها وافى إليه شاه رخ للمرة الثانية فتقدم إلى أذربيجان ليقطع دابر الأمير اسكندر ، عازما عزما أكيدا على إنهاء غوائله ... وفي ذي الحجة من هذه السنة تحاربا في ظاهر سلماس فدام القتال يومين متتابعين ، فلم يطق الأمير اسكندر صبرا ، لما رأى من وقع ، فانسحب فارا إلى الروم ، كما أن شاه رخ عاد ثانية إلى خراسان ... وفي سنة ٨٣٤ ه‍ عاد اسكندر الكرة إلى أذربيجان فاستولى عليها ، وقتل أخاه الأمير أبا سعيد المنصوب من جهة شاه رخ على أذربيجان ، وفي سنة ٨٣٧ ه‍ هاجم الأمير اسكندر شيروان للمرة الأخرى ، وأغار عليها فقتل فيها تقتيلا عاما. وفي سنة ٨٣٨ ه‍ سار شاه رخ عليه مرة أخرى ، وتقدم نحو أذربيجان فوصل الري ، وحينئذ جاء إليه الأمير جهان شاه أخو الأمير اسكندر ، وعرض له الطاعة وذلك في منتصف ذي الحجة من السنة المذكورة ، فأعزه وقربه ، وكذا وافى إليه سائر التركمان أمثال الأمير علي ابن الأمير شاه محمد بن قرا يوسف ، والأمير بايزيد وكانوا من متميزي رجال التركمان ، مالوا إليه والتحقوا به ... وحينئذ نهض شاه رخ متوجها نحو أذربيجان ولما لم تكن للأمير اسكندر قوة تستطيع الحرب ، وتقابل عدوها ترك أذربيجان وفي أثناء هزيمته صادف قرا عثمان البايندري في طريقه فحاربه وقتله في حدود الروم سنة ٨٣٩ ه‍.

وما جاء في القرماني من أنه قتل سنة ٨٠٩ فغير صحيح ، وقال : إنه انهزم فوقع في خندق بأرض أرزن الروم فمات ودفن هناك ، ثم أخرجه الأمير اسكندر من قبره بعد ثلاثة أيام وحز رأسه ، وأرسله إلى القاهرة فنصب رأسه على باب زويلة وفرح أهل مصر بذلك لأن الناس كانوا في خوف من جهته لكثرة حروبه وشدة فتكه (١) ...

وفي الغياثي : «لما انهزم الاسكندر إلى أرزن الروم أرسل خلفه

__________________

(١) أخبار الدول للقرماني ص ٢٣٦.

١٠٥

شاه رخ أميره بابا حاجي ولم يبق بينهما إلا مرحلة حتى اجتاز الأمير اسكندر بلاد قرا عثمان فمال عليه ميلة مستميت فكسر ، وقتل من عسكره جماعة كثيرة ، وهرب قرا عثمان فتبعه فجاز القنطرة يريد الدخول إلى المدينة ، فلحقه الأمير اسكندر ، وطعنه فرماه في الخندق بفرسه فقضى نحبه ... ومر اسكندر بجماعته هاربا ، ولم يلتفت إلى أسلاب القتلى حتى نزل بموضع يقال له (كوكجه بلاق) فلما مر بابا حاجي بالقتلى من جماعة قرا عثمان ارتاع لما رأى من هذا المنظر ، وهاله الأمر ، فلم يتجاوز ، ونهب أسلاب القتلى ورجع إلى تبريز ...» ا ه.

أما شاه رخ فقد وصل إلى أذربيجان ، وفوض الحكم فيها إلى الأمير جهان شاه ، فامتد حكمه من حدود الروم إلى حدود الشام ... منحه إدارتها ، ثم عاد سنة ٨٤٠ ه‍ إلى موطنه خراسان ، ولما علم الأمير اسكندر بعودته رجع من بلاد الروم ، وتأهب لحرب جهان شاه في (صوفيان) من تبريز ، فقهر في هذه المرة أيضا ، وانهزم إلى قلعة النجاق (النجا ، النجه) ... وتحصن بها وهناك قتله ابنه (شاه قباد) في ٢٥ شوال سنة ٨٤١ ه‍ وذلك أنه في مدة الحصار اتفق أن ابنه تعشق امرأة يقال لها (كنيز) كانت حظية والده ، فعلم بذلك جهان شاه فأغراهما بقتل الأمير اسكندر فطاوعتهما أنفسهما ، فارتكبا قتله ، وسلمت حينئذ القلعة ، واقتص جهان شاه من الابن القاتل ومن تلك المرأة في سنة ٨٤١ ه‍. وعلى ما جاء في لب التواريخ إنها كانت تدعى (ليلى).

وفي الضوء اللامع أنه «خربت البلاد في أيامه إلى أن مات ذبحا على يد ابنه (قوباط) في ذي القعدة عندما كان محاصرا في قلعة النجباء (النجاق) ... وكان شجاعا مقداما أهوج فاسقا لا يتدين بدين ، ذكره المقريزي مطولا في عقوده ...» ا ه (١) ومثله في المنهل الصافي.

__________________

(١) (قوباط) يريد قباد قلعة النجباء هي (النجاق) ، وفي المنهل (قلعة النجا) ...

الضوء اللامع ج ٢ ص ٢٨٠ وج ٦ ص ٢٢٥ وجاء بلفظ (قوماط) أيضا.

١٠٦

وكانت مدة حكمه ١٦ سنة قضاها بالحروب ، فلم يتم له أمر ، ولا رأى راحة ... وأما العراق فهو بمعزل عنهم تقريبا ، وكفاه ضررا ما أصابه من حكامه ...

ومن أولاه : الوند ، وقاسم بك ، وأسد ، ورستم ، وترخان ملك ، ومحمد ، وشاه علي وله بنات أيضا ، وقد ذهب الأولاد إلى الأمير أسپان في بغداد. وذكر صاحب آثار الشيعة الإمامية من بناته آرايش بيكم ، وأوروق سلطان (١).

وبعد وفاة الأمير اسكندر تمكن الأمير جهان شاه في الإمارة ، وبقي مستقلا ... في إدارته (٢) ...

وفيات

١ ـ ابن فهد الحلي :

هو الشيخ العلامة أحمد بن محمد بن فهد الحلي الأسدي. وله شهرة كبيرة ، ومكانة بين علماء الشيعة سواء في الأصول أو في الفروع ، أو في التصوف. أخذ عن الشيخ مقداد السيوري (مرت ترجمته) ، وعن الشيخ فخر الدين أحمد بن المتوج البحراني (٣) ، وعلي ابن الخازن الحايري (٤) ، والسيد بهاء الدين أبي القاسم علي بن عبد الحميد النيلي النسابة النقيب صاحب كتاب الأنوار الإلهية (٥).

وروى عنه الشيخ علي بن هلال الجزائري ، والشيخ عبد الشفيع بن فياض الأسدي الحلي ، والسيد محمد بن فلاح المشعشع.

__________________

(١) آثار الشيعة الإمامية ج ٣ ص ٤٦ ذكرهما للاستدلال بكتابة خواتمهما على شيعية هذه الحكومة.

(٢) منتخب التواريخ ، والغياثي ، وكلشن خلفا.

(٣) روضات الجنات ص ١٩ و ٥١٨ و ٣٩٨.

١٠٧

ومن تصانيفه :

١ ـ المهذب البارع إلى شرح النافع.

٢ ـ كتاب المقتصر.

٣ ـ شرح الإرشاد.

٤ ـ الموجز الحاوي. وهذا شرحه الشيخ مفلح الصيمري (١).

٥ ـ عدة الداعي. مطبوع ومعروف.

٦ ـ استخراج الحوادث المستقبلة من كلام أمير المؤمنين.

وترجمته في روضات الجنات. وفي كتابه الأخير أودع جملة من أسرار العلوم الغريبة ...

توفي سنة ٨٤١ ه‍ وهو ابن ٥٨ سنة وقال آخرون ولد سنة ٧٥٧ ه‍ وقبره في كربلاء ، ولا يزال معروفا ... (٢)

حوادث سنة ٨٤٢ ه‍ ـ ١٤٣٨ م

الأمير أسپان ـ آق قوينلو :

بعد أن ذهب الوباء ، واستقرت الحالة تراجع الناس ، ومضت مدة اكتسب فيها القطر أوضاعه الاعتيادية ... ومن ثم عزم الأمير أسپان أن يسير إلى أنحاء (البايندرية) وكان أميرهم آنئذ (سلطان حمزة). وهذا خلف والده قرا عثمان ... مضى الأمير أسپان إلى الموصل ، وترك زوجته نكار شاه خاتون ببغداد ، فوصل إليها ، ومنها سار إلى (تل كوكو) ، أراد أن يذهب خفية دون أن يعلم أحد فوصل إلى شيخ كندي ، فشاع

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

(٢) روضات الجنات ص ٢٠ والأنوار ، وآثار الشيعة الإمامية ج ٤ ص ١٩٤.

١٠٨

خبره ، وحينئذ رجع إلى الخاتونية ، فأخذها ونصب بها الأمير محمدا بن شي لله ، ورجع إلى حدود ماردين ، فنزل بعسكره هناك ، ومنها توجه عيسى بك من أمرائه بعساكره للحصول على غلة لإعاشة الخيول كما أن العسكر قد جاع ، والموسم أول الحصاد فتوجهت الجواسيس وأخبرت السلطان حمزة أن المعسكر خلا من الجيوش ... ومن ثم هاجم أسپان على حين غرة ... ولم يكن معه آنئذ سوى ثلثمائة فارس يقدمهم (سعاد تيار) فتحاربوا إلى وقت الغروب ، وقتل في المعركة سعاد تيار بضربة رمح ، فلم ير أسپان بدا من الهزيمة فهرب الرجال والنساء ، وتركوا الأثقال ، فرجع أسپان متنكرا إلى الخاتونية بشر ذمة قليلة فاقتفى البايندرية أثره ، ففارقها وذهب إلى سنجار والحيال ، فرجعوا عنه من الخاتونية ... جاء الموصل ، وبقي هناك مدة حتى اجتمع الجيش إليه ...

أما عيسى بك وعسكره فقد عادوا ، ولم يروا أحدا ، فانسحبوا إلى ناحية أسپان منهزمين ، وجاؤوا الموصل ...

ثم توجه أسپان إلى بغداد ، ومكث فيها نحو سنة.

وهنا قد بين الغياثي أن هذه الواقعة حدث في ٥ ذي الحجة سنة ٨٤٠ ه‍ مع أنه ذكرها بعد حادثة الوباء. والحال أن السلطان حمزة صار أميرا بعد وفاة والده فمن المستبعد أن تقع قبل الوباء ، فلا احتمال أن تكون في العام الذي عينه الغياثي والظاهر أنها كانت سنة ٨٤٢ ه‍ ...

الانتقام من آق قوينلو :

بعد أن قضى الأمير أسپان نحو سنة خرج من بغداد ، وتوجه إلى إربل ، ومكث بها مدة ثم عزم أن يثأر من البايندرية ، فسار بألف ومعهم ألف جنيب ووصل إلى حدود ماردين. وفي أثناء سيره عثر في طريقه على طائفة من البايندرية يقال لهم (دبانلو) ، وكانوا قد نزلوا على آبار هناك ، يرعون ماشيتهم ، فما أحسوا إلا وقد أحاط بهم جيش الأمير في

١٠٩

منتصف الليل ، وقتلوهم عن آخرهم ، ونهبوا الأموال والنساء والذراري ، ورجعوا إلى أربل ...

ثم عاد الأمير أسپان من إربل إلى بغداد.

وهذه الواقعة لم يعين تاريخها بالضبط ، وعلى كل كانت قبل واقعة المشعشع ... وقد راجعنا تواريخ عديدة فلم نظفر بوقت وقوعها بالضبط ...

حوادث سنة ٨٤٤ ه‍ ـ ١٤٤٠ م

ظهور المشعشع

المشعشع وتاريخ ظهوره :

ذكر مؤرخون كثيرون المشعشع وأخلافه إلا أننا رأينا أكثر من تكلم عليه الغياثي في تاريخه. وهذا نظرا لنقص في النسخة الموجودة وضياع بعض الأوراق منها لم يتيسر الإطلاع على تمام مباحثه فمن الضروري أن نرجع إلى مؤرخين آخرين نستطلع آراءهم ونتحرى النصوص الصحيحة ... ومن المصادر المهمة في هذا الباب (رياض العلماء) وكتب أخرى عديدة تعرضت لهم في أوقات مختلفة وعصور متوالية وآخر من كتب عنهم عبد العزيز الجواهري في كتابه (آثار الشيعة الإمامية) وهذا عول على بعض الكتب فوقع في أغلاط كبيرة وسوف نمحص الأقوال فيهم وأعظم وثيقة تاريخية اعتمدناها (مجموعة خطية) قديمة تنقل عن الغياثي وعن غيره وهي مهمة في بابها ، تصحح ما جاء في الغياثي وتنقل عنه وتوضح ما نقص وتكمل المباحث من غيره ... وهذه أيضا ناقصة الآخر ويكملها ما نقلته عن الكتب الأخرى بمراجعة أصلها كما سيتوضح ... والمهم أن نمضي إلى التعريف به ونعين نهضته وحروبه في الحويزة والجزائر وواسط ، واستيلائه على النجف الأشرف .. والحاصل

١١٠

نبين علاقته بالعراق في مختلف التواريخ ... ونفصل الآن ما يتعلق بتاريخ ظهوره ووقائعه القريبة فنقول :

هو السيد محمد ابن السيد فلاح ابن السيد هبة الله ابن السيد حسن ابن السيد علي المرتضى ابن السيد عبد الحميد النسابة ابن السيد أبي علي فخار ابن السيد أحمد ابن السيد أبي القاسم محمد ابن السيد أبي عبيد الله الحسين ابن السيد محمد بن إبراهيم المجاب ابن السيد محمد العابد الصالح ابن الإمام موسى الكاظم (رض) ومسقط رأسه في واسط (١) ، تخرج على الشيخ أحمد بن فهد الذي هو من أكابر الصوفية وأعاظم مجتهدي الشيعة الاثني عشرية.

وفي تحفة الأزهار لابن شدقم : أنه وجد في النسخ التي حصل عليها اختلافا من زيغ الأقلام ، ومن عدم الاعتناء بحفظ الأنساب ونقل ما أورده كل واحد ، وبين أوجه الاختلاف وكان ذلك في أجداد السيد محمد بن فلاح ، ولكنه عين أنه من أولاد موسى الكاظم عليه السلام وأورد فروعه (٢) ...

وكان للشيخ أحمد هذا كتاب في العلوم الغريبة. ولما حضرته الوفاة أعطى الكتاب إلى خادمته لتطرحه في الفرات وأن السيد محمد المترجم ـ بحيلة ـ تمكن من الحصول عليه. وأنه أجرى بعض المخاريق والنيرنجات على الأعراب الساكنين في حدود خوزستان فتابعوه واعتقدوا صحة ما أظهره. وكان يلقن المتخرجين عليه والمتتلمذين له أن الذكر ينطوي ضمن تعليم اسم (علي) وبالنظر لهذا كانوا ينطقون بالذكر باسم علي ، ويتلقفون من السيد محمد أعمالهم وهي (كيفية التشعشع) وحينئذ كان يتحجر بدنهم ويرتكبون أمورا خطيرة في هذه السبيل ، كانوا يضربون

__________________

(١) في جامع الدول أنه ولد ببغداد.

(٢) تحفة الأزهار ج ٣ ص ١١٢.

١١١

بطونهم بالسيوف فتخرج من ظهورهم دون أن يصيبهم أذى وكان يلقي هو شيئا ثقيلا في نهر عميق أو ماء فيرسب إلى عمقه ، ثم يناديه فيطفو ، ويخرج على وجه الماء وما ماثل ذلك من شعوذة ونيرنجات.

هذا ما دعا أن ينتشر أمرهم ويأخذ به الإعراب ويزداد كل يوم ، وصاروا ينعتون هذا القائم (بالمهدي). وكان ظهوره عام ٨٢٧ ه‍ ، فوصل به الأمر إلى أن استولى على جميع خوزستان مثل شوشتر ودزفول والحويزة.

وتفصيل أحواله قصها الغياثي في تاريخه ، فقال بدأ ذكره وظهر عام ٨٢٠ ه‍ وادعى المهدوية وفي تلك السنة حدث القران فدل على ظهوره ، ومن تأثير هذا القران طلب اسپند (أسپان) ميرزا بن قرا يوسف التركماني فقهاء الشيعة وكان آنئذ والي العراق (١) للمناظرة مع فقهاء بغداد والمباحثة معهم فتغلب فقهاء الشيعة في هذه المباحثة فاختار الميرزا المذكور مذهب الشيعة وضرب السكة باسم الأئمة الاثني عشر. والمترجم (السيد محمد) من أولاد عبد الله (٢) بن موسى بن جعفر ... وفي مبادىء أحواله اشتغل بطلب العلوم ودخل في خدمة الشيخ أحمد بن فهد الحلي وكان مجتهد الشيعة آنئذ ، دخل المدرسة هناك واستفاد منه ، وفي تحفة الأزهار أن أستاذه أحسن تربيته ، وكان قد مات والده وهو طفل فتزوج الشيخ أحمد بوالدته وأن هذا الشيخ قد زوجه إحدى بناته ... وعند بلوغ أستاذه الأجل دفع الشيخ إلى إحدى إمائه كتابا محتويا على فوائد عجيبة ، وغرائب خفية طريفة ، وأمرها بإلقائه في شط الفرات ، فعارضها محمد المهدي ، فطلبه منها فمنعته عنه لبلوغ مرامها

__________________

(١) لم يكن أسبان في هذا الحين والي العراق وإنما وليه في سنة ٨٣٦ ه‍ كما مر ، والظاهر أن هذه العبارة مضافة مؤخرا.

(٢) مر أنه من أولاد محمد بن موسى بن جعفر.

١١٢

منه فمناها بالمحال قاصدا الأزدبان بطائفة خفاجة ، فسألها الشيخ عن الكتاب فقالت ألقيته ، فقال ما رأيت؟ قالت ما رأيت شيئا. وكان في علم الشيخ أنها إذا ألقته يضطرب الشط ، ويخرج منه دخان عظيم ، يعلو إلى أفق السماء ، فلزم عليها أن تصدقه ، فقالت دفعته لمحمد المهدي ، فأرسل خلفه فوجده مزدبنا خفاجة فطلبه منه فأنكر محمد ، واحتج بأن الشيخ قد خرف من المرض ، وأنه سني المذهب وأني إمامي المذهب ... فمنعوا الرسول عنه ... ولما جن الليل مضى عنهم هاربا ... فشغف بمطالعته ... وذهب إلى الحويزة ، وهناك أظهر خوارق عديدة ذكرها وكانت الحويزة آنئذ تابعة للعبادي ومضى إلى ذكر وقائع سنة ٨٤٤ ه‍ (١).

قال الغياثي : «وفي ذلك الأوان كان يجري أحيانا على لسان السيد محمد قوله (سأظهر ، أنا المهدي الموعود) وهذه الكلمات نقلت إلى الشيخ فأنكرها على السيد وزجره أن يفوه بها وذلك لأنها مما يخالف مذهب الشيعة الاثني عشرية.

إن هذا السيد كان جامع المعقول والمنقول ، وصوفيا صاحب رياضة ومكاشفة وتصرف وكان يخبر عن ظهوره لما يتجلى له من المكاشفة ... ومن الرياضات التي يقوم بها أنه اعتكف مرة في جامع الكوفة لمدة سنة كاملة وصار يقتات بشيء قليل من دقيق الشعير ، وقد ظهر منه تخليط في ابتداء ظهوره في سنة ٨٤٠ ه‍ (٢) حتى أمر أستاذه بقتله.

قال في كتاب إيجاز المقال ، في علم الرجال : له كتاب رأيته يميل به إلى الحلولية معدن تخليط وزخارف ، غلب على عقول بعض الناس

__________________

(١) تحفة الأزهار ج ٣ ص ١١٤.

(٢) وهذا يكذب حادث القران المذكور فإن ظهوره كان سنة ٨٤٠ ه‍.

١١٣

في التاريخ المذكور ، وقد نقل الغياثي أن ولده المولى علي حكم في زمانه وقتل بسهم في حصاره لقلعة بهبهان سنة ٨٦١ ه‍ وبقي السيد محمد أبوه بعده يتولى الأمور. ومات يوم الأربعاء ٧ شعبان سنة ٨٦٦ ه‍ (١) وتولى بعده ولده المحسن. ووطنه الأصلي واسط وقد أقام في الحلة مدة وقد أوضح ذلك في بعض الأبيات من قصيدة له :

إقامتنا بأرض العراق بواسط

مدينة أهل العلم والبر

كان يصاحب الأمراء هناك ويراهم يتمرنون على ضرب النشاب فيدعونه ليزاول معهم الرمي فكان يجيبهم أنه سيقوم بالرمي ، وسيتراكض الناس خوفا وهلعا ... وهكذا توطن مع أهليه وعشيرته وأقام مدة وكان يقول لهم سأفتح العالم ، وأنا المهدي الموعود ، وسأقسم البلاد والقرى بين أصحابي وأتباعي فوصلت كلماته هذه إلى الشيخ أحمد بن فهد الحلي أيضا فأفتى بقتله وكتب إلى الأمير منصور بن قبان بن إدريس العبادي يحثه على قتله واستحلال دمه ... فلما وصل الكتاب ألقى القبض على السيد المذكور وعزم على قتله فدافع عن نفسه قائلا : «أنا سني ، صوفي ، وهؤلاء الشيعة أعدائي ، يتطلبون قتلي. وأخرج المصحف المجيد وحلف لتوثيق الأمير وتكلم بكلام آخر وعلى هذا اطلق الأمير منصور سبيله وفك قيوده فنجا وانسحب لموضع يقطنه (المعادي) وهم الجماعة الأولى التي التفت حوله وانضمت إليه ويقال لها (عشيرة بني سلامة) فكانت خير فأل له ، فاتحة خير وسلامة ، ثم جاءته طوائف أخرى من العرب من الرزنان ، والسودان (٢) وبني طيىء ممن يقطن ساحل

__________________

(١) في ابن فهد أنه توفي سنة ٨٧٠ ه‍ كما جاء في الضوء اللامع وفي تحفة الأزهار أنه توفي في شعبان سنة ٨٥٤ ه‍ ج ٣ ص ١١٤.

(٢) قبيلة عدنانية تشترك في النخوه مع بني أسد ب (عامر) وتقيم الآن في أنحاء العمارة وليست من القبائل الكبيرة.

١١٤

البثق وحوالي الغاضري من الأنهار المتفرعة عن دجلة فنزلوا هناك وتجمعوا عليه ، وعند ذلك ادعى المهدية. وظهرت على يديه بعض الخوارق ثم رحل من هذا المكان إلى محل يقال له شوقه وهو من قرى جصان فلما سمع حاكم ذلك المكان خرج عليهم وقتل فيهم كثيرا وأخذ أسرى ...

وهذه الواقعة جرت أوائل سنة ٨٤٤ ه‍. وبعدها عادوا إلى مواطنهم الأصلية وهي البثق والنازور والغاضري. وبعد مدة ارتحلوا إلى الدوب وهو محل نزول طائفة المعادي بين دجلة والحويزة فاستقروا هناك. أما ابنه السيد علي المعروف (بالمولى علي) فإنه بناء على طلب أصحابه الذين كانوا معه في البثق والنازور والغاضري قد عزم على الرحيل وذهب لخدمة والده مع الطوائف التي كانت معه وفي طريقه قضى على بعض القبائل المعادية فجاء إلى أبيه بمال كثير ورجال عديدين. وفي هذه الأثناء أمر طائفة المعادي المشهورة باسم (نيس) أن تبيع ما لديها من بقر وجاموس وتشتري أسلحة حرب وهؤلاء قد باعوا كل بقرة بسيف وعشرة دراهم ، فلما تمت أسلحتهم ساروا إلى ناحية أبي الشول وهي قرية من قرى الحويزة فوصلوا إلى هناك يوم الجمعة ٧ رمضان لسنة ٨٤٤ ه‍ وفي ذلك اليوم قتل خلق كثير من أهل الحويزة والجزائر وذلك أن حاكم الجزائر الأمير فضل بن عليان التبعي الطائي كان قد حدثت بينه وبين إخوته نفرة فجاء هذا من الجزائر إلى الحويزة ونزل قرية أبي الشول وكان من رجاله من هم من أهل الجزائر ومال إليه جمع كثير وصار في معاونة أهل الحويزة. فالسيد محمد لم ير مصلحة في بقائه هناك فعاد إلى الدوب ...

وبعد مدة وجد أن قد ظهر في قومه ضيق وقحط فساق جيوشه نحو واسط وما والاها وهناك تحارب وقتل نحو أربعين من المغول وفر وهناك مال السيد محمد إلى العشائر الرحل فأغار عليهم واستولى على

١١٥

غلاتهم وأموالهم لدفع ما أصاب عشائره من جوع واضطراب ، وهذه الحادثة وقعت في ١٣ شوال من السنة المذكورة.

وبعد هذه الواقعة بمدة يسيرة سار السيد محمد بجيشه نحو الجزائر وذلك أنه كانت لا تزال المخالفة بين رؤساء الجزائر قائمة ، وأن بعض رؤسائهم وهو المسمى بشحل قد جاء إلى السيد بأصحابه ودخل في خدمته. وهذا نصبه حاكما في الجزائر ...

وفي هذه الأيام صار يهاجم السيد محمد المذكور كل يوم القبائل المعادية له ويقتل فيهم حتى لم يبق في الجزائر غير من كان قد أخلص له أو توافق معه ... وقضى على من خالفه ...

وعلى حين غرة سير نحو ثلاثة آلاف محارب إلى واسط وأن حاكمها قد كسر لأول مرة ثم عاد الكرة فانتصر وقتل ثمانمائة من المشعشعين وهلك منهم أثناء الهزيمة الكثيرون وهذه ولدت في المشعشع فتورا وانهكت قواه بسبب امّحاء غالبهم ... ومن ثم رحل من الجزائر إلى الحويزة وخرب القرى هناك وقتل كل من صادفه ...

وهذه الواقعة جرت في أول رمضان سنة ٨٤٥ ه‍ وكان الحاكم هناك الشيخ جلال الدين ابن الشيخ محمد الجزري وهو منصوب من السلطان عبد الله بن ميرزا إبراهيم بن شاه رخ. فكتب حالا بما وقع وبسط تفصيل الوقعة للسلطان عبد الله وحينئذ سير السلطان أحد أمرائه مير خدا قلي برلاس فجاء إلى الحويزة وكذا وصل في أثره الشيخ أبو الخير فجمع العساكر الكثيرة من شوشتر ودزفول والدورق وهؤلاء أقاموا في الحويزة لمدة شهر واحد وأن السيد محمد أقام في أبي الشول.

وفي هذه الأثناء قتل الشيخ أبو الخير بعض رؤساء تلك الأنحاء بلا جريرة أو جرم فنفرته قلوب الأهلين هناك فتفرقوا منه ... أما السيد محمد فإنه لما علم بالخبر أمر بالتأهب وعاجل في الاستيلاء فأمر النساء

١١٦

أن يلبسن عمائم في رؤوسهن ، وجعل البقر وراء رجاله فرتبهم على مراتب فسلوا السيوف وتقدموا متوجهين نحو أصحاب الشيخ أبي الخير. وهذا رأى الكثرة فهالته واضطرب منها هو ومن معه فلم يستطيعوا البقاء ففروا من وجه المشعشع وجيشه ... وبعد ذلك اتفق مير خدا قلي وأصحابه والجم الغفير من أهل الحويزة فخرجوا من البلد وهربوا ... وعند ذلك اطلع السيد محمد على الأمر فعقب أثرهم إلى أن ورد ولاية (مشكوك) فقتل كل من ظفر به منهم وعاد إلى الحويزة وزاول حصارها وصار يحاول أخذها ...

وفي هذا الحين جاء الخبر بمحاصرة الحويزة إلى الأمير اسبند (أسپان) ابن قرا يوسف حاكم بغداد فجمع جيوشه وتوجه نحو الحويزة فوصل واسطا وحينئذ وافى إليه أمير طائفة مزرعة ، وأمير بني مغيزل وطلبوا منه أن يمدّهم ، وأن ينقذ بلد الحويزة من يد المشعشع ...

ذلك ما دعا الأمير أسپان أن يسير مع هؤلاء إلا أنه أمر أن يذهبوا أمامه إلى (الجوير) وقال لهم إني سأصل في أثركم. وفي هذه الأوقات ألف الشيخ أبو الخير مقدارا من الجيش الذي تمكن من جمعه ليتقدم إلى الحويزة فلما سمع بخبر الأمير أسپان عاد إلى شوشتر وجاء جيش الأمير أسپان حوالي الحويزة وهؤلاء تقاتلوا مع مقدمة جيش السيد محمد فكسر عسكر السيد محمد فلما سمع السيد محمد رحل عن أراضي الحويزة وانسحب إلى موقع يقال له (طويلة) ووصل الأمير أسپان إلى الحويزة ودخل جيشه المدينة فنزلها وحصل على أموال كثيرة. ولم يطل أمد بقائه حتى سار على عجل إلى ناحية طويلة وقتل جموعا كثيرة من المشعشع ...

أما السيد محمد فإنه بعث بقاصد إلى الأمير أسپان وقدم إليه هدايا وتحفا كان قد استولى عليها من الشيخ أبي الخير واعتذر له وكتب كثيرا

١١٧

وبإلحاح لإقناعه وقبول هداياه ... فرضي عنه الأمير أسپان وحمل السفن أرزا وسيرها نحو ناحية السيد محمد فرحل أكثر الأهلين في الحويزة من طريق (شلوه) إلى جهة البصرة ...

ولما رجع الأمير أسپان عاد السيد محمد إلى الحويزة وأغار على من تخلف من جماعة الأمير أسپان في الحويزة ولم يكتف بهذا وإنما استولى المشعشعون على سفن الأمير أسپان التي سيرها من أنحاء البصرة إلى واسط وفيها من الرخوت وأنواع المأكولات وقتلوا من فيها وحينئذ سمع الأمير أسپان بالخبر فجاء من البصرة إلى بغداد وفي هذا الأوان جهز السيد محمد جيشا على واسط حاصر قلعة (بندوان) لمدة ثلاثة أيام وهذه من محدثات الأمير أسپان فلم يفد الحصار إلا أنه بعد هذا انضمت إلى السيد محمد المذكور قبائل كثيرة من تلك الأنحاء من قبيلة عبادة (١) وبني ليث ، وبني حطيط (٢) ، وبني سعد ، وبني أسد فاتصلوا به فزادت قوته وكثر أعوانه لحد أنه سير جيشه على البصرة فلم ينجح واستولى على الرماحية فتصرف بها وهناك بنى قلعة (٣) ...

وهكذا استمرت وقائعه إلى ما بعد عودة الأمير أسپان إلى بغداد مما سيأتي في حينه ...

__________________

(١) هذه القبيلة قديمة لا تزال تسكن المنتفق وقبيلتهم تعتبر اليوم من قبائل الأجود وقد أصابتها صروف شتتت شملها وبعثرت قوتها وتفرقت في أنحاء مختلفة. وصار يضرب بها المثل فيقال (يوم رخصت عبادة وباعت شنان) ومعناها يوم ذلت عبادة وباعت مملوكها شنانا ومنها من يقيم في مقاطعة الناصرية (بجوار ناحية المحاويل التابعة للواء الحلة) وفي كربلا جماعة منهم يقال لهم النصاروة (أهل الناصرية) والكل نخوتهم (عبادة). وفي أنحاء البصرة وشرقيها من أنحاء إيران لا تزال قبيلتهم تعرف بهذا الاسم ...

(٢) في أطراف المحمرة يدعون البو حطيط.

(٣) المخطوطة المسماة بالأنوار نسخة خطية موجودة عندي تتكلم عن رجال الشيعة وتفصل القول عن المشعشع وفيها نقول فارسية.

١١٨

وملخص القول : إن العقائد لا ينكر تأثيرها في تسيير الجماعات والأفراد. ولم يكن ليعرف في غالب الأحوال أن للسخافة ذلك التأثير فتقبل الدعوة (عبادة الأشخاص) وتعتقد بالخرافة وتعدها حقيقة خصوصا بعد انتشار الإسلام وإعلان أن زمن الأساطير والخرافات قد مضى ولا يقبل غير الحق. ولا يعول إلا على الصدق ، ولا يعبد غير الله تعالى. والملحوظ أن هؤلاء كانوا في نجوة ، بل بعد عن التعاليم الإسلامية فتمكن أن يؤثر عليهم مثل هذا إلا أنه لا يستبعد ما وقع من قوم بلغ بهم الجهل مبلغا عظيما ... ذلك ما أدى إلى ظهور (المشعشع) فجرى في أيامه ما جرى وفي تاريخ وفاته سنعين ماهية عقيدته بالنقل عن مؤرخين عديدين ...

ملحوظة :

ما جاء في (آثار الشيعة الإمامية) (١) من أن القائم (المشعشع) هو السيد فلاح بن محمد وأنه أولهم ، ظهر عام ٨١٤ ه‍ ، وتوفي عام ٨٥٤ ه‍ ، خلفه ابنه السيد محمد الملقب بالمهدي ... فغير صحيح ولم يكن مستندا إلى نص يعتمد عليه بالرغم من تعداده بعض المراجع والظاهر أنه أخذ لا عن الأصل ... وهكذا يقال عمن عول على تاريخ الغياثي وحده نظرا لنقصه الموجود فتم النقص بالوجه المشروح ويكمل هذه الحوادث ويراعي تسلسلها واتصالها (تاريخ جهان آرا) للغفاري فقد راعى حوادثهم بصورة مطردة إلى سنة ٩٧٣ ه‍ ثم تأتي التواريخ الأخرى مما لا محل لاستيفائه هنا.

وفي الحوادث الأخرى ، ما يوضح أمر المشعشعين أكثر ...

__________________

(١) بالفارسية للفاضل عبد العزيز الجواهري وهو المجلد الرابع طبع في إيران عام ١٣٠٧ شمسية هجرية وله مجلد آخر في العربية وهو المجلد الثالث طبع سنة ١٣٤٨ ه‍ والكتابان يتعرضان لحوادث آل المشعشع بالنقل عن كتب إيرانية.

١١٩

وتأييدا لما ذكرنا ننقل من كتاب (آثار الشيعة الإمامية) القسم العربي منه النص التالي :

«آل المشعشع دولة عربية ملكت الأهواز والحويزة وأكثر بلاد خوزستان من سنة ٨٠٤ ه‍ تقريبا إلى سنة ١٠٢٤ ه‍ ، ثم ضعفت سلطنتهم ... كانوا أمراء للملوك الصفوية ، أول من ملك منها فلاح بن محمد المتوفى سنة ٨٥٤ ه‍ ، وكان بعض أولاده معروفين بالغلو في المذهب ، والبراعة في الشعوذة والنيرنجات ... (ثم ذكر فلاحا وقال :) هو أول من ملك الحويزة من الموالي قبل أن تخطط ...» ا ه (١). وهكذا مضى ... ولم يعرف لفلاح ذكر في التاريخ ... والمعروف أنهم دامت إمارتهم إلى أواسط القرن الثالث عشر الهجري ... ونرى بين النص الفارسي المذكور أولا ، وبين النص العربي هذا اختلافا أيضا مما يدل على أنه لم يتوثق من الحوادث وصحتها ... فلم يشتهر أمر فلاح ، ولا حكم الحويزة سنة ٨٠٤ ه‍ أو سنة ٨١٤ ه‍ ... ويطول بنا تعداد ما هناك من مخالفات تاريخية. ولكن هذه لا تمنع الاستفادة من هذا الأثر المهم من نواح أخرى ...

ومن أهم الكتب في هذا الموضوع (تاريخ پانصد ساله) (٢) أي تاريخ خمسمائة سنة في خوزستان ، وهو كتاب نفيس ، يعتمد على الغياثي وغيره ، ويعد من المراجع المهمة ... وغالب نصوصه صحيح ...

وفيات

١ ـ المحب أحمد بن نصر الله البغدادي :

ترجمه كثيرون ، والمتحصل مما دون عنه أنه توفي صبيحة يوم

__________________

(١) آثار الشيعة الإمامية ج ٣ ص ٥٨ والنص الفارسي ج ٤ ص ١٩٦.

(٢) طبع في مطبعة مهر بإيران سنة ١٣١٢ شمسية هجرية. تأليف السيد أحمد الكسروي.

١٢٠