موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

ضجيجهم فقال ما هذه الجلبة قيل له العسكر يطلب إجازة. فقال : ألم أقل لهم ارحلوا من أمس فرحلوا ومكث قاعدا في خيمته مع أولاده ومعه نحو ألف من الأمراء ... وحسن بك خلف الجبل جالس بالمرصاد والجواسيس تنقل الأخبار إليه. فأخبر بأن العساكر رحلوا ولم تبق إلا شرذمة قليلة وأنت قادر على نهبهم وأخذهم ...

فتوجه حسن بك بعسكره إليهم ولم يعلم أن جهان شاه فيهم ولو علم لم يتهجم عليه. وهم غافلون. وما أحس جهان شاه إلا والعسكر قد أحاط بهم فتراكضوا نحوه فانكسروا وجاءوا إلى باب الخيمة. كل هذا وجهان شاه نائم لا يجسر أحد على إيقاظه.

وكان جهان شاه يلقب (بالملك النوام) ولم يكن كثير النوم ولكنه كان ينام نهارا وينتبه ليلا. وقد اعتاد ذلك منذ سنين ولم يترك عادته ينتبه فيأكل ويشرب ... ويسكر وينام فينتبه وهكذا كان على هذه الوتيرة منذ أربعين سنة. لم يذكر الله بشفة ولا لسان ولم يسجد لله يوما لا في خلوة ولا في عيان. ويا ليته كان على هذا الحال من غير ظلم وجور ولكن ظلمه وفجوره وفكره الفاسد أخرب البلاد وأباد العباد ...

فلما انكسر العسكر ورجعوا إلى خيمة جهان شاه ودخل ولده محمدي أيقظه وقال له : قم وفر بنفسك. لا يسعك إلا الهرب وقص له القصة فطلب الفرس وركب. ومر على رأسه لا يعلم أين يتوجه ، وأوقفوا أولاده وبقي العسكر لم يزل يحارب حتى قتل من قتل وهرب من هرب وقبض على محمدي ميرزا ، وميرزا يوسف. وجاؤوا بهم إلى حسن بك فسألهم عن أبيهم جهان شاه وهل كان في هذا العسكر أم لا فذكروا له أنه كان وركب فرسه وانهزم ...

أما جهان شاه فإنه لما فر ولم يغن عنه ماله وما كسب التقى

١٨١

بفارس من أحسن القوم غلام الغلمان. وسمعت بماردين أنه كان غلام طباخ ثم خدم الأسفاهية فضربه بالسيف ضربة ألقاه من الفرس فلما سقط على الأرض أتاه ليحز رأسه قال له لا تقتل أنا جهان شاه فعصب جرحه وأراد أن يركبه على الفرس فلم يستطع ورأى أنه يموت فحز رأسه وجعله في مخلاة وركب فرسه وأخذ سلبه وتوجه وإذا الجماعة من جماعة جهان شاه واصلين إليه فهرب من قدامهم فوقع الرأس منه وهو راكض فلم يلتفت إليه ومر هاربا حتى لحق بعسكر حسن بيك.

وأما حسن بيك فإنه لما سأل أولاد جهان شاه وذكروا أنه كان حاضرا وفر أمر بالتفتيش عنه. وبينما هم في ذلك إذ مر ذلك الشخص الذي قتل جهان شاه وهو راكب فرسه فقال محمدي ميرزا هذه فرس أبي فجيء به وسئل عنه فأخبر أنه قتله وإن الرأس سقط منه فأرسل صحبته جماعة ليدلهم على الرأس والجثة. فلما رأوها اختلفوا فيها لما رأوا فيها من الشعر الكثيف ... فأرسلوا الجثة إلى تبريز لتدفن هناك في مدفن له وأرسلوا الرأس إلى سلطان مصر.

وكنا في حلب لما جاؤوا بالرأس وهو في علبة وأدخل الرأس إلى حلب يوم السبت ٧ جمادى الأولى سنة ٨٧٢ ه‍ ...

وجرت هذه الأمور ونحن بحلب فلذلك حصل لنا الوقوف عليها. وفرسه كانت خضراء صغيرة الجرم رهوال. وكانت عنده كل فرس تقدر بمملكة ... وكان قد قتل جهان شاه يوم الاثنين ٥ ربيع الأول سنة ٨٧٢ ه‍ ...» ا ه ما جاء في تاريخ الغياثي وهو قريب العهد بالوقعة كما يستفاد من فحوى كلامه بل شاهد بعض ذيولها ...

ترجمة جهان شاه :

لا نرانا في حاجة إلى تكرار ما تقدم من أحواله فهي كافية في بيان ترجمته لمعرفة علاقته وارتباطه بالسياسة والحروب ... وبعض

١٨٢

خصوصياته لا تخلو من تفسير أوضاعه وأعماله ... إلا أننا لا نمضي دون أن نستنطق مؤرخين عديدين عنه ...

قال في الضوء اللامع : «صاحب العراقين وملك الشرق إلى شيراز وممالك آذربيجان. مات قتيلا فيما قيل بيد أعوان حسن بك ابن قرايلك بالغرب من ديار بكر ، أو موتا سنة ٨٧٢ ه‍ وقد زاد على الستين ونهبت أمواله ، وأرسل حسن بك برأسه إلى القاهرة فعلق وكان من أجلاء الملوك وعظمائها ، لا يتقيد بدين كأقاربه وإخوته مع التعاظم والجبروت وسفك الدماء بحيث إنه قتل ابنه ... وربما احتجب عن رعيته الشهر في انهماكه ، وينسب مع قبائحه إلى فضل في العقليات وغيرها ... وكان مولده في أوائل القرن تقريبا بماردين ولذا قيل إنه كان سمي ماردين شاه ، وإن أباه لما ذكر له ذلك غضب وقال هذا اسم للنسوة وسماه جهان شاه. ونشأ في كنف أبيه ثم أخيه اسكندر ، ثم لما ترعرع فر منه إلى جهة شاه رخ بن تيمور فأرسل إليه من قبض عليه وجيء به إليه فأراد قتله فكفلته أمه ثم بعد يسير فر ثانيا ولحق بشاه رخ فأكرمه وأنعم عليه بعدد ومدد عونا له على قتال أخيه إلى أن انكسر (الأخ) ثم قتله ابن نفسه شاه قوماط (صحيحه قباد) في ذي القعدة سنة ٨٤١ ه‍ وبعث لعمه صاحب الترجمة برأسه ورسخت قدمه حينئذ في مملكة تبريز وما والاها على أنه نائب شاه رخ ، وعظم واستمر في تزايد إلى أن عد في ملوك الأقطار ثم ملك بغداد بعد موت أصبهان ، وكثرت عساكره ، وعظمت جنوده وأخذ في مخالفة شاه رخ باطنا. وحج الناس في أيامه بالمحمل العراقي من بغداد في سني نيف وخمسين ، ولا زال كذلك حتى مات شاه رخ وتفرقت كلمة أولاده ، واستفحل أمره بحيث جمع عساكره ومشى على ديار بكر في سنة ٨٥٤ ه‍ لقتال جهانكير وأخذ منه أرزنكان (أرزنجان) بعد قتال عظيم وأكثره بقلعتها ، وأرسل قطعة من عساكره لحصار جهانكير بآمد ... ثم أرسل قصاده إلى الظاهر بأنه باق على

١٨٣

المودة ، وأنه ما مشى على جهانكير إلا حمية له ورماه بعظائم فأكرم قصاده وأحسن إليهم وأرسل صحبتهم قائم التاجر ومعه جملة من الهدايا والتحف (١) ومثله في المنهل الصافي.

وقال في كنه الأخبار :

«كان من أكابر الملوك سواء في تدابيره الناجعة ، وشجاعته ، ووفرة أمواله وكثرة جيوشه ، وله تهالك وانهماك في سفك الدماء ، كما أنه عارف بعلوم كثيرة وفنون وفيرة وفضائل ... إلا أنه صاحب جبروت وتعاظم ، ومدمن الخمر ، ولا تخلو ليلة دون أن يزيل بكارة امرأة حتى تجاوز الثمانين من عمره فلا يعرف حلالا أو حراما ودامت سلطنته أكثر من ٣٠ سنة» ا ه ص ٣٨.

وفي تاريخ الغياثي :

أنه كان يستعمل الأفيون فهو ذو خيالات فاسدة ، وعديم العقل والتدبير ، فاسد التفكير ... وما كان في قلبه حبة خردل من خوف الله قلع الله تعالى ذريته وأصله في الدنيا ... (إلى أن قال) ما أعمى قلوب هذه الطائفة التي تدعي التسلط على عباد الله بغير حق ، فكلما زادهم الله نعيما زادوا عتوا ونفورا ...» ا ه.

وفي منتخب التواريخ :

«في بعض الكتب أنه عاش سبعين عاما ، نقل جسده إلى تبريز فدفن في المظفرية وكان امرأ لا يعتمد عليه ، أخلاقه رديئة ، ولا يبالي بقتل أمرائه لأدنى وسيلة ، وينتهك حرمات الشرع ، وله إقدام على المنكرات ...» ا ه ص ١٨٣.

__________________

(١) الضوء اللامع ج ٣ ص ٨٠.

١٨٤

وفي جامع الدول :

«كان سفاكا ، سيىء السيرة ، فاسقا ، فاجرا مائلا للإلحاد والزندقة ، لا يراعي الشريعة المطهرة ، فقطع الله دابره ، وكان مبتلى بالسهر يسهر الليالي بالفسق والفجور ، وينام النهار ... ولذلك كان يقال له (شب پره) ويراد به (الخفاش) بالفارسية ، فتولى الملك بعده ولده حسن حسن (١) أياما» ا ه.

وفي أحسن التواريخ :

«كان ظالما جبارا وفرعونا قاسيا ... وله من الأولاد پير بوداق ، وحسن علي وأبو القاسم ، وفرخزاد. ومن آثاره مسجد في تبريز ...» ا ه.

ولا يسع المقام إيراد كل ما جاء في التواريخ عنه وأرى في هذا كفاية ...

سلطنة حسن علي بن جهان شاه

سلطنته ـ بغداد في أيامه :

لما قتل جهان شاه كان حسن علي مقبوضا عليه بقلعة يقال لها قهقهة من أعمال آذربيجان كذا في الغياثي وفي منتخب التواريخ أنه كان سجينا في قلعة بادكوبة وأنه طال سجنه فيها ٢٥ سنة وفي غيره (في قلعة قهستان) ... وكان قد نجا من وقعة جهان شاه جماعة كثيرة مقدمهم : (شاه علي) و (إبراهيم شاه) فجاؤوا إلى حسن علي وأخرجوه من القلعة المذكورة. وكان في قلعته بعض الخزائن فجلس بتبريز. وتولى جميع آذربيجان واجتمع إليه خلق كثير. وقسم أموالا عظيمة وجمع مائتي ألف فارس وأسرف في الانفاق وأخرج الخزائن وصرفها عليهم (٢).

__________________

(١) الظاهر حسين علي بن اسكندر لما سيتوضح من النقل من جامع الدول نفسه.

(٢) الغياثي.

١٨٥

محاصرة بغداد :

بعد وفاة الأمير جهان شاه سار حسن بيك الطويل إلى بغداد وحاصرها في ٢٠ رجب سنة ٨٧٢ ه‍ وكان پير محمد (١) الطواشي حاكما فيها من قبل جهان شاه فلم يطعه وحاصره وكان أخو الطواشي عنده فجيء به إلى قرب السور وقالوا له سلم بغداد وإلا قتلنا أخاك فلم يفعل فقتلوا أخاه وبينما هو مشغول في التضييق والحصار على بغداد إذ وردت إليه الأخبار أن زوجة جهان شاه حينما علمت بوفاة زوجها تحصنت في قلعة النجق (النجا) وكان فيها جملة خزائن مالية فأرسلت من ذلك خزانة مال لحسن بك المذكور وأرسلت إليه قصادا تستحثه على المجيء لتسلمه الخزائن ولتنجو من شر حسن علي ميرزا فوقعت الخزانة والقصاد الذين كانوا قاصدين حسن بك بيد حسن علي فقتل القصاد وأخذ الخزانة ثم جاء إليها إلى قلعة النجق وحاصرها فلم يقدر عليها. لأنها في غاية الحصانة.

فأرسل إلى حراس القلعة والموكلين بها وقال لهم : لأجل امرأة واحدة تصدون عني وقد أخذت الدنيا بأسرها. فعند ذلك قبضوا عليها وسلموها إليه وسلموا الخزائن والقلعة فأخذ الخزانة إلى تبريز وصلب الزوجة بثديها. وبعد ثلاثة أيام ماتت. فأنزلوها ودفنوها ...

فلما سمع حسن بك الطويل بهذه الواقعة وأنه أرسلت إليه تدعوه قبل أن ينالها ما نالها تقول له : إن حسن علي قد أحاط بجميع مملكة جهان شاه وقد جمع عسكرا عظيما وأنت مشغول ببغداد! إلى متى! المصلحة تقضي أن ترحل عن بغداد وتفكر فيما هو الأهم!

فعند ذلك ترك بغداد يوم الجمعة ١٥ رمضان سنة ٨٧٢ ه‍ ورحل

__________________

(١) ورد پير محمد الپاوت في ديار بكرية وفي أحسن التواريخ وفي جامع الدول وفي بعض النسخ محمد اليادت ، والپادت ، والمشهور الأول.

١٨٦

أهل ضياعها إلى ديار بكر. ولم يترك أحدا فأسكنهم هناك ومات منهم خلق كثير وتوجه هو إلى تبريز (١).

استعادة الحلة :

بعد أن رفع الحصار عن بغداد سار الطواشي إلى الحلة فانتزعها من المولى محسن المشعشع المذكور وقد أشير إلى ذلك فيما مر.

حوادث سنة ٨٧٣ ه‍ ـ ١٤٦٨ م

حروب حسن بك وحسن علي ميرزا :

كان حسن علي قد علم بتوجه حسن بك الطويل نحوه فجهز جيشا عظيما نحو مائتي ألف فارس وأنفق عليه مالا عظيما يريد به مقابلة حسن بيك والقتال معه ليأخذ منه بالثأر. فتلاقى مع حسن بيك حوالي مرند وكان الأمراء قد نفروا منه لما كان عليه من الفسق والفجور والأفعال الخبيثة والتعرض بالنساء.

فهرب منه شاه علي وإبراهيم شاه ومالوا إلى حسن بك بتاريخ ٤ صفر سنة ٨٧٣ ه‍ فقبض حسن علي على أولادهم ونسائهم وقتلهم جميعا وانكسر حسن علي وهرب إلى همذان فلحقه حسن بيك فكر عليه المرة الثانية فقتل من جيوشه ما شاء الله أن يقتل وكانت هذه الحرب مع مقدمة حسن بيك. فلما وصل العسكر الكثير انكسر حسن علي ميرزا وهرب بنفسه منفردا إلى جبل ألوند فساروا خلفه فلما وصلوا إليه وعرف أنه مقبوض عليه أخرج سكينا وذبح نفسه فحملوه ميتا وجاؤوا به إلى همذان واستولى حسن بك على تبريز وأعمالها. كذا في الغياثي. وجاء في منتخب التواريخ أنه قتل نفسه في شوال سنة ٨٧٣ ه‍.

__________________

(١) الغياثي ص ٣٦١ وما يليها.

١٨٧

وذلك أنه في أثناء ذهاب حسن بك إلى أنحاء تبريز سار السلطان أبو سعيد من خراسان ووصل إلى السلطانية فذهب إليه حسن علي ميرزا فأكرمه وأجله ولما قتل أبو سعيد في قرا باغ مال حسن علي ميرزا إلى العراق (عراق العجم) وجمع إليه قبائل التركمان والأحشام وتحارب في همذان مع مقدمة الجيش ، وكان أميره أغورلي محمد بن حسن بيك الطويل فجرى ما مر الكلام عليه ...

فكانت مدة حكم حسن علي سنة واحدة.

ترجمة السلطان حسن علي بن جهان شاه :

مضت قصة وفاته وتاريخ سلطنته ومما نقله الغياثي عن حالته الشخصية أنه كان في غاية الحماقة ومن جملة ذلك أنه أمر بقص أذناب الخيل الكبار وأعرافها حتى أنه لم يكن أحد من عسكره يستجرىء أن يركب فرسا بغير قص ، ومنها أنه أمر النساء أن لا تلبس السراويل ، وأنه من كان مقرون الحاجبين ألزمه أن يحلق ما بينهما من الشعر ليصيرا مفترقين ... وقد مرت وقيعته بزوجة أبيه أم الأمير پير بوداق فلم يقف عند قتلها بل نراه حينما دخل تبريز أمر بالقبض على أقاربها وإخوانها وسائر أهليها فعاقبهم وعذبهم ثم صلبهم ... وتحارب مع حسن بك الطويل ... فقتل نفسه بيده ... وزاد صاحب منتخب التواريخ أنه من جراء السجن قد حصل تخليط في دماغه وخلل فلم يكن له تدبير صائب (١) ... وكذا جاء في لب التواريخ. وجاء في جامع الدول :

«كان لما طرده أبوه من مملكته التجأ إلى حسن بيك ، وبقي عنده مكرما أياما ثم قصد الرجوع إلى أبيه فسار وندم فعاد من الطريق إلى حسن بيك فأكرمه ، ثم ظهر عند حسن بيك فسقه وإلحاده ، فأراد قتله

__________________

(١) ص ١٨٤ منتخب التواريخ.

١٨٨

فهرب حسن علي إلى أخيه پير بوداق ببغداد وكان مثله في الإلحاد والزندقة ، فأكرمه أخوه فبقي عنده إلى أن قتل پير بوداق ، فأسر حسن علي هذا عند ذلك فأعيد إلى الحبس في قلعة بادكوبة. ولما وقعت واقعة أبيه تخلص من الحبس واجتمع إليه جمع من أصحاب والده إلا أنه كان قد اختل دماغه وعقله من طول حبسه إذ كانت مدة حبسه نحو ٢٥ سنة فلم يقدر على تدبير الملك ...

ولما خرج من الحبس توجه إلى تبريز وكانت ابنتا عمه اسكندر آيش بيكم ، وشاه سراي بيكم قد استولتا على تبريز قبل وصوله إليها ، وأقامتا أخاهما حسين علي بن اسكندر ملكا وكان يتزيا بزي أصحاب الفقر والفناء فأخرجته أختاه من ذلك الزي وأجلستاه على سرير الملك ، وبلغ الخبر إلى بيكم زوجة جهان شاه بانية المظفرية بتبريز ، وكانت حينئذ في مشتى خوي ، فلما سمعت الواقعة سارت إلى قلعة جوشين من مراغة وأرسلت أخاها قاسم بيك مع إحدى بناتها مع الجيش إلى إطفاء ثائرة ابنتي اسكندر فسار قاسم بيك وأسرهما وقتل أخاهما حسين بن اسكندر.

وفي أثناء ذلك قدم حسن علي بن جهان شاه إلى تبريز فتسلمها من قاسم بيك وضبط الخزائن ، وبذلها على الأوباش والأراذل ، فاجتمع عليهم نحو مائة ألف وثمانين ألف فارس ، فأعطاهم المواجب والمراتب ، وسماهم (چولي) ، وكان أخوه أبو القاسم قد خرج من كرمان وأراد الاستيلاء على أصبهان فلم يتيسر له ، فالتجأ إلى أخيه حسن علي هذا فقتله أخوه ، وكذا قتل زوجة ولده صاحبة الخيرات الكثيرة والحسنات العديدة بيكم بالخنق وضرب عنق أخويها قاسم وحمزة ، فأخذه الله بهذه الدماء الزكية وسائر قبائحه من الفسوق والإلحاد عن قريب الزمان ، حيث توجه إلى دفع حسن بيك وكان قد وصل إلى نواحي خوي فلقيه في هذه الجمعية العظيمة نحو مرند فحفر بأطراف عسكره

١٨٩

١٩٠

خندقا وقاتله من وراء الخندق أياما ، وانحرف منه أكثر الأمراء إلى حسن بيك لسوء سيرته فيهم وميله إلى الأوباش والأراذل.

ولما شاهد ذلك هرب إلى جماعة قرمانلو ببردع ، ثم منها إلى أردبيل ، ثم اتصل بخدمة السلطان أبي سعيد ميرزا لما توجه إلى آذربيجان بواسطة الشيخ جعفر الصفوي فأكرمه السلطان وسار معه في الواقعة. ولما قتل أبو سعيد في قراباغ هرب حسن علي والي العراق (عراق العجم) فاجتمع عليه جمع من الأوباش ، فأخذ يثير الفتنة بهمذان فسير حسن بيك ولده اغرلو محمد في جمع من الجيش إلى همذان لدفع غائلته فسار أغرلو وقاتله بظاهر همذان وكسر عسكره وفرق جمعه ، وأسر حسن علي فقتل صبرا في شوال سنة ٨٧٣ ه‍.

وانقرضت به دولة قراقوينلو من آذربيجان والعراقين» ا ه (١).

وفاة الطواشي (والي بغداد):

يوم الاثنين ٢ رجب سنة ٨٧٣ ه‍ توفي والي بغداد پير محمد الطواشي لمرض أصابه.

ترجمته (ترجمة والي بغداد):

كل ما عرف عن هذا الوالي أنه من قبيلة قراقوينلو ولم يكن من أولاد الأمراء وإنما هو من طائفة الپاوت فكانت مدة ولايته سنتين وثمانية أشهر. قال الغياثي كان عند جهان شاه تواجي ، ولما قتل پير بوداق ولاه جهان شاه بغداد فحكم فيها من ابتداء غرة ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍ ، وبقي حاكما بها إلى أن قتل جهان شاه ، وجاء حسن بيك وحاصر بغداد في ٢٠ رجب سنة ٨٧٢ ه‍ ، ولما جاءت له القصاد تستحثه على المجيء

__________________

(١) جامع الدول ج ٢ ومثله بل أوسع منه في ديار بكرية فإنها تفصل حوادثه بكل سعة.

١٩١

إلى تبريز رحل عن بغداد يوم الجمعة ١٥ رمضان من السنة المذكورة ثم مرض التواجي ومات كما تقدم.

وفي أيامه أرسل الأمير حسن علي بن جهان شاه إلى بغداد خزانة من المال وتملك المشعشعون الحلة ثم بعد ما رحل حسن بك عن بغداد استخلصها منهم واستعادها وقد مرت حوادثها (١).

أمراء قراقوينلو في العراق

ولاية حسين علي بن زينل :

إثر موت الطواشي اتفق الأمراء وبوصية منه اجلسوا حسين علي بن زينل يوم الاثنين ٢ رجب سنة ٨٧٣ ه‍ بعد الزوال بساعة ، وذلك بوصية من الطواشي وكان هذا رجلا عدلا ، حسن السيرة ، رقيق القلب ، ذا شفقة وإحسان على رعيته. وكان صهر پير محمد ، تزوج بنته (٢).

ومن الجملة كان شكا عنده الرعية أن في البلدة جماعة يستوجبون القتل فأمر بقتلهم فقتلوهم. منهم فضيل وناصر مصطفى وخواجه شيخي الدزفولي ويوسف الأسكافي وغيرهم.

الحلة :

ثم أعطى الحلة إلى شاه علي بن قرا موسى فعصى عليه وجاء بشخص يقال له شاه علي بن اسكندر وكان لابسا كپنك (لبدا) دايرا في البلاد وهو درويش فأقامه في الحلة وسلطنه وأقاما جميعا مدة على هذه الحال فأرسل إليهما حسن علي المذكور أخاه شاه منصور وجماعة معه

__________________

(١) الغياثي وجامع الدول. وفي الغياثي ورد حسن علي بن زينل وفي ديار بكرية وجامع الدول هو حسين علي.

(٢) الغياثي ص ٣٢٨.

١٩٢

فوصلوا إلى قلعة بابل فرأوا قراول (قراغول ، حراس) شاه علي بن قرا موسى فتلاقوا معهم واصطلحوا وعاب القراول على أميرهم وقالوا لهم الجسر منصوب نمضي على غفلة. فما شعر أولئك إلا والعسكر عابر على الجسر والناس يظنون أنه القراول الذي أرسله ...

ومضوا إلى أن وصلوا إلى دار السلطان فأحاطوا بها. وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة وهم عرايا فأخذوهم وقتلوا ابن قرا موسى. وأما ابن اسكندر فألقى بنفسه إلى صاحب الزمام وقال كنت درويشا وهذا جاء بي قهرا وطلب الأمان فلم يفد قوله هذا وضربوا رقبته وحزوا رأسه وأرسلوه إلى بغداد فأعطى حسن علي الحلة لأخيه شاه منصور.

ثم مرض حسن علي فأرسل خلف أخيه وجاء به من الحلة وكان في بغداد خمس إخوة من أكابر الپاوت قد تحالفوا على قتل حسن علي. فلما وصل أخوه شاه منصور حكى له صورة الحال فقام شاه منصور وسيدي أحمد جمال وجمعوا الخمسة بالحيلة وقتلوهم وارموهم في الميدان.

ثم بعد ذلك مات حسن علي يوم الأحد ٢ ربيع الآخر سنة ٨٧٤ ه‍ وكانت مدة حكمه تسعة أشهر.

شاه منصور بن زينل :

لما أن توفي أخوه تولى. وكان ظلوما غشوما جاهلا على خلاف ما كان أخوه متصفا به. وقتل أناسا كثيرين من أكابر العسكر من جملتهم مظفر بك وشاهسوار وولي بك وأولاد الأمير عبد الله وجماعة كثيرة من غير جريرة ولا ذنب. وجمع نساء كثيرة وبقي طول نهاره وجملة ليلة يشرب الشراب ويأكل الحشيش بغير قاعدة على طريقة الإسراف ، ويفسق بالنساء. ويركب أكثر نهاره فيضرب له بالطبل والزمر.

١٩٣

بقي على هذا العمل مدة شهرين. وكان كورخيل ومقصود بك بن حسن بك بالموصل فتوجها إلى كركوك ودقوقا وآلتون كپري وحطوا هناك.

وأرسلوا قاصدا إلى شاه منصور يقول له :

ما تقول؟ جئناك!

قال : إن البلد بلد حسن بك تعالوا استلموه ، توجهوا!

فلما وصلوا إلى قرب دوخلة خرج شاه منصور من البلد فالتقى بهم فوصلوا وقت العصر إلى برية بين دوخلة والجديدة فحط بعسكره وحط خليل بك بعسكره فقال شاه منصور قد طبخنا طعاما كلوا منه وغدا باكرا توجهوا.

وفي تلك الليلة عاب عليه جميع عسكره ونواكره وانضموا إلى خليل فلم يبق سواه في الخيمة. فلما انتبه من نومه لم ير عنده أحدا ولا ركابدارا فاستولوا على خيله ومعداته وجميع ما كان معه فلم يبق له شيء وأخذوا الفرس التي تحته. وحينئذ اعطوه كديشا (أكديشا) لا يتحرك من موضعه فأركبوه وجاؤوا به إلى بغداد فخاف أهل بغداد ولكن لم ينهبوا أحدا ولا أهاجوا امرأ.

وتوجه شاه منصور إلى داره. وكان قد أخلى لهم دار السلطنة ، وبقي مقدار سبعة أيام أو ثمانية يروح ويجيء إلى الديوان فاشتكى عليه النساء اللاتي قتل أزواجهن فقال خليل احضروا القضاة لننظر القضية طبق الأحكام الشرعية فكان حكم القضاة أن النفس بالنفس فحكموا عليه بالقتل فقتلوه وقتلوا أخاه بيرام بيك وطرحوه في الميدان فأكله الكلاب ودفنوا عظامه بمقبرة مجاورة قنبر علي وذلك يوم الاثنين ١٤ جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ وقتلوا في ذلك اليوم ذا النون الدرويش وكان رجلا كريما. قيل إنه كان في تكية بكردستان يذيع بأن حسن بيك مات وقتل

١٩٤

عبد الله الأسود وكان أيضا رجلا درويشا وكان قد أحبه شاه منصور وألبسه الثياب النفيسة وجعله جليسه. فقالوا لخليل إن هذا كان يعلم شاه منصور الأفعال الخبيثة فقتله (١)

وكانت مدة حكمه شهرين و ١٢ يوما وهذا آخر من حكم من دولة قراقوينلو ... ومن ثم ابتدأ حكم آق قوينلو.

سلاطين قراقوينلو في العراق :

١ ـ قرا يوسف (سلخ ربيع الآخر سنة ٨١٣ : ٧ ذي القعدة سنة ٨٢٣).

٢ ـ الأمير اسكندر (٢٤ رجب سنة ٨٢٤ : ٢٥ شوال سنة ٨٤١).

٣ ـ الأمير جهان شاه (٢٥ شوال سنة ٨٤١ : ٥ ربيع الأول سنة ٨٧٢).

٤ ـ حسن علي ميرزا (شوال سنة ٨٧٢ : شوال سنة ٨٧٣).

ولاة بغداد وأمراؤها :

١ ـ الأمير شاه محمد بن قرا يوسف (٥ المحرم سنة ٨١٤ : ١٨ شعبان سنة ٨٣٦ ه‍).

٢ ـ الأمير اسپان (١٨ شعبان سنة ٨٣٦ : ٢٨ ذي القعدة سنة ٨٤٨ ه‍).

٣ ـ فولاذ ابن الأمير اسپان (٢٨ ذي القعدة سنة ٨٤٨ : ١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍).

٤ ـ محمدي ميرزا بن جهان شاه (١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ : ١١ رمضان سنة ٨٥٢ ه‍).

__________________

(١) الغياثي.

١٩٥

٥ ـ الأمير پير بوداق بن جهان شاه (١١ رمضان سنة ٨٥٢ : ٢ ذي القعدة سنة ٨٧٠ ه‍).

٦ ـ پيرمحمد الطواشي بن زينل (٢ ذي القعدة سنة ٨٧٠ : ٢رجب سنة ٨٧٣)

٧ ـ حسن علي بن زينل (٢ رجب سنة ٨٧٣ : ٢ ربيع الآخر سنة ٨٧٤ ه‍).

٨ ـ شاه منصور بن زينل (٢ ربيع الآخر سنة ٨٧٤ : ١٤ جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ ه‍).

النقود

في عهد هذه الحكومة ظهرت نقود عديدة في مختلف المتاحف ، ولكنها غامضة من جهات ، وغالبها لا يحتوي على تواريخ ضربها ولا مواطنها .. ونرى في أحد وجهيها (أبو بكر) في الأعلى ، و (عمر) في اليسار ، و (عثمان) في الأدنى و (علي) في اليمين وفي الوسط لا إله إلا الله محمد رسول الله. وفي الوجه الآخر (النويان الأعظم) في سطر ، و (ضرب) في السطر الثاني ، و (جمال الدين يوسف) في الثالث و (بغداد) في الرابع و (خلد الله ملكه) في الخامس وبين هذه المسكوكات ما هو مضروب في الحلة ، وفي الموصل باسم (پير بوداق) وفي بعضها قيل (پير بطاق) ، وفي أيام جهان شاه ضرب في بغداد بعض النقود. وملوك قراقوينلو الآخرون لم يعرف لهم من النقود العراقية شيء ، كما أنه ليس لولاة بغداد وأمرائها نقود مضروبة.

ومن أراد التفصيل عن نقود هذه الحكومة فليرجع إلى كتاب (مسكوكات قديمة إسلامية قتالوغي ـ قسم رابع) تأليف أحمد توحيد. طبع باستانبول سنة ١٣٢١ ه‍ صحيفة (٤٤٦ ـ ٤٦٧).

١٩٦

بقايا قبيلة قراقوينلو

(البارانية)

هؤلاء لم يبق منهم بعد انقراض حكومتهم إلا القليل ، وتكاد تكون مائتة بموت حكومتها ، وبقاياها اليوم لا تتناسب أوضاعها مع تلك السطوة والقسوة ... وإنما تنحصر في قرى ضئيلة في مكانتها ، ضعيفة في قدرتها ، هادئة ، وديعة ... وغالبها ذاب في قبائل التركمان ، أو تفرق في المدن الكبيرة ، أو تبع مراكز القوة ...

وهذه أشهر قراهم الموجودة اليوم :

١ ـ قراقوينلو العليا.

٢ ـ قراقوينلو السفلى.

٣ ـ جمالية.

٤ ـ رشيدية.

٥ ـ قاضية.

٦ ـ بعويزة.

٧ ـ ديرچ.

٨ ـ چنجي.

٩ ـ باريمه.

١٠ ـ فاضلية.

١١ ـ أورته خراب.

١٢ ـ تلاره (تل ياره).

١٩٧

١٣ ـ عمر قابچي.

وهي تابعة ناحية تلكيف ، ولا نقطع في أنها كلها من قراقوينلو سوى القريتين الأوليين ، وسائرها مختلط ، أو هم تركمان ، بينهم قراقوينلو ، عاشوا معا بكامل الألفة ... وفي بعض هذه القرى عرب وكرد.

تنبيه :

سنذكر الحكومات المعاصرة في آخر الكتاب.

خلاصة

عرف مما تقدم أن أمراء قراقوينلو دامت حكومتهم في العراق مدة وكان يقوم بإدارة بغداد في خلالها ولاة من أبناء الملوك بصورة مستقلة تقريبا ، لم تكن تابعة آنئذ إلى إيعاز الحكومة الأصلية وأوامرها وإنما فكت روابطها منها في أكثر الأحيان وعاشت مستقلة نوعا خصوصا أيام محمد شاه وأيام أسپان وپير بوداق إلى ١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍. وبعد ذلك صارت بأيدي الأمراء التابعين إلى انقراض هذه الحكومة بل بقيت إدارتها في أيدي طائفة قراقوينلو إلى ١٤ جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ ه‍ وفي هذا التاريخ ماتت وبقيت أعمالها في طيات التاريخ ... وصار الحكم لطائفة أخرى من التركمان يقال لها (آق قوينلو) أو البايندرية.

وهذه المدة لم ير العراق فيها راحة من هذه الحكومة ولا من بقايا الجلايرية وإنما كانت تناصبهم العداء وتميل العشائر إليها ثم قام آل المشعشع وزعزعوا الأوضاع أكثر واستمر نزعهم إلى أواخر أيام هذه الحكومة ومالت إليهم عشائر كثيرة ... ثم ظهرت حكومة آق قوينلو فغطى سيلها على الكل واستولت على بغداد بالوجه المار ...

والشعب المتحضر من أهل المدن كان في بلاء عظيم ، ومصيبة لا

١٩٨

توصف. والعشائر استفادت من ضعف الحكومة ومالت للقوي من الجلايرية وآل المشعشع وإلى معاكستهم أخرى ... والناس كانوا قد احترقوا بنيرانهم ونيران من مالوا إليه أو انتصروا له ... وقيمتهم السياسية أكبر من الحربية وفي هذا الأوان يخطب الكل ودهم ... والتدوينات عنهم لا تكاد تذكر ، وأخبار الأنحاء العراقية الأخرى سواء في البصرة أو في الموصل أكثر غموضا وأقل مادة ... لقلة التدوين من عراقيين وارتباك حالة الناس أو ضياع الوثائق. ولو دون جميع ما كان لزاد في الإيضاح عن حوادث هذه الأزمنة وأضاف مظالم أكثر وقسوة وانتهاك حرمات وتقويض مدنية وعمارة ... فالبلاد تركها هؤلاء خاوية ليس لها رونق حياة ، ولا أمل انتعاش ... بل لو زادت الحوادث لما أفادت إلا تعداد أمثلة ، أو تكرير وقائع متماثلة في الظلم والتعدي ...

وفي حالة سياسية وحربية كهذه نرى دائما الحكومة في ضعف ... لا يؤمل منها بقاء حضارة ، ولوازم مدنية ... ولو لا المدارس وموقوفاتها ... لما بقي للعلم أثر أو للحضرة علاقة ... ومع هذا نرى أكابر النابغين من العلماء لا يطيقون صبرا على هذا المصاب فنراهم يتبعون مواطن الرزق ، وأماكن الراحة والطمأنينة والأمان والرغبة العلمية والحضارة ... وقد عددنا جملة صالحة منهم ممن اشتهر خارج القطر ... ونال منزلة رفيعة ... ونجدهم قلوا عمن سبق أيام الحكومات الماضية ... مما يشعر بتناقص الثقافة ... والحكومة لم تبال بثقافة ولا تذكر في هذا العهد آثار عمارة لمدارس ولا لغيرها ، ولا تعمير مساجد ، ولا قيام بأمر من شأنه أن يشوق للعلم أو الترغيب فيه ...

كل هذا ونرى المؤسسات السياسية قد رسخت والإدارة استقرت نوعا والعنصر الغالب من أرباب السلطة هم التركمان ، شكلوا لهم كيانا على حسابهم ودافعوا عن حوزتهم فلم يستطع حسن بك بصولته القاهرة آنئذ أن يستولي على بغداد ... مما يدل على شدة التمسك بالسلطة

١٩٩

والقدرة على ضبط الأهلين ودرجة الضغط عليهم ... ذلك ما دعا إلى التهالك في الدفاع واضطرار حسن الطويل على العودة ... ومهما يكن من الأمر فالشؤون العراقية مضطربة ، والأمة منهوكة القوى ، والشعب عاجز والعنصر الحاكم متغلب ... فلا قدرة للشعب أن ينهض لحسابه ويشكل إدارة ذاتية معتزة الجانب أو يقوم بثورة ضد هؤلاء الحاكمين كما أنه لم يستطيع رد صولة الصائل ومعارضة هجومه للاحتفاظ بما لديه ... وأكبر سبب أن العناصر الأخرى لم توحد جهودها مع العرب ... فكان أعظم بلاء ، وأجل خطأ ارتكبه العراق في حياته الاجتماعية والسياسية للاعتزاز بكيانه فسهل اكتساحه والتحكم فيه وسلب خيراته ... ولعل في حوادث الماضي ما يبصر ، ويرجع إلى الصواب ، وقد انجلى الغبار ، وعرفت الحالة ... ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.

٢٠٠