موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

الأربعاء النصف من جمادى الآخرة سنة ٨٤٤ ه‍. وهو قاضي القضاة محب الدين أبو الفضائل (أبو يوسف) أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي ، ثم المصري الحنبلي شيخ الإسلام ، وعلم الأعلام ، المعروف ب (المحب ابن نصر الله) ، شيخ المذهب ، ومفتي الديار المصرية ... ولد ببغداد يوم السبت في ١٧ رجب سنة ٧٦٥ ه‍ ونشأ بها ، وقرأ على والده الفقه والأصول والعربية والحديث وغير ذلك ، ورحل من بغداد إلى البلاد الشامية سنة ٧٨٨ ه‍ ، وكان قد سمع ببلده على العلامة زين الدين أبي بكر بن قاسم البخاري ونور الدين علي بن أحمد المقري ، وشمس الدين الكرماني وقرأ على المجد صاحب القاموس ، وعلى جماعة في الشام وغيرها ، وولي إعادة المستنصرية ببغداد ، وأذن له بالإفتاء والتدريس ببغداد ، وتردد إلى بغداد بعد قدومه إلى القاهرة ، ثم استوطن القاهرة كان قد أخذ من مشايخها ومنهم زين الدين العراقي ، وسراج الدين البلقيني ، وابن الملقن وآخرين ... وأقام بها ، فصار فقيه الحنابلة ، وعالمهم ، ثم ولي قضاء القضاة الحنابلة في ٢٧ صفر سنة ٨٢٨ ه‍ ، وكانت كتابته على الفتوى لا نظير لها ، يجيب عما يقصده المستفتي ، فهو فقيه ، محدث ، نحوي ، لغوي ، انتهت إليه رياسة الحنابلة بلا مدافع في زمانه ، وذلك بعد موت علاء الدين بن مغلي ...

وقد أطنب صاحب الضوء اللامع في ترجمته وقال : «المترجم سبط السراج أبي حفص عمر بن علي بن موسى بن خليل البغدادي البزاز إمام جامع الخليفة والمعيد بالمستنصرية ، وأحد المصنفين في الحديث والفقه والرقائق (١) ... وفصل الكلام على أسرته.

نشأ ببغداد على الخير ، والاشتغال بالعلوم على اختلاف فنونها ، وكانت له ثروة وكلمة ، وكان والده شيخ المستنصرية ، اشتغل عليه ...

__________________

(١) تاريخ العراق ج ٢ وهنا ترجمة موسعة أكثر.

١٢١

قال في الضوء : وأظن شيخ الحنابلة ببغداد في وقته ، ومدرس مستنصريتها الشمس محمد ابن القاضي نجم الدين النهرماري المتوفى في حدود سنة ٧٧٠ ه‍ ، والشرف ابن يشبكا أحد أعيان الحنابلة ببغداد والمتوفى في حدود سنة ٧٨٠ ه‍ ممن أخذ عنهما الفقه وممن قرأ عليه أحد شيوخ أبيه الشمس الكرماني ، وأجاز له في سنة ٧٨٢ ه‍ وهو في عنفوان شبابه وأخذ على المجد الشيرازي صاحب القاموس ، وسمع على المحدث أبي الحسن علي بن أحمد بن إسماعيل الفوي قدم أيضا عليهم ببغداد سنة ٧٧٧ ه‍ أو قريبها ، وعلى النجم أبي بكر عبد الله بن محمد ابن قاسم البخاري ، وعلى الشرف حسين بن سالار محمود الغزنوي المشرقي شيخ دار الحديث المستنصرية ، وأجيز في بغداد بالإفتاء والتدريس سنة ٧٨٣ ه‍ وولي بها أعادة المستنصرية وارتحل فسمع بحلب سنة ٧٨٦ ه‍ وببعلبك ، والشام من جماعة وقدم القاهرة سنة ٧٨٧ ه‍ بعد زيارة بيت المقدس فأخذ بها عن جماعة ، ومنها ذهب إلى الإسكندرية ، ثم إلى الحج ، ثم قطن مصر ... ولما استقر بمصر (القاهرة) استدعى والده فقدم عليه سنة ٧٩٠ ه‍ وامتدح الظاهر برقوق بقصيدة ، وعمل له أيضا رسالة في مدح مدرسته فقرر في تدريس الحديث بها في محرم السنة بعد وفاة مولانا زاده ، ثم في تدريس الفقه بها سنة ٧٩٥ ه‍ ثم صار هو ووالده يتناوبان فيهما ، ثم استقل بهما بعد موت والده سنة ٨١٢ ه‍. وكذا ولي المحب تدريس الحنابلة بالمؤيدية ، وبالمنصورية ، وبالشيخونية بعد العلاء بن المغلي ... وقد أطنب صاحب الضوء في نعته وإطرائه ...

وقال في المنهل الصافي بعد أن قص حياته : «وكانت كتابته على الفتوى لا نظير لها ، يجيب عما يقصده المستفتي فهو فقيه ، محدث ، نحوي ، لغوي ، انتهت إليه رياسة الحنابلة بلا مدافع في زمانه ، مات ولم يخلف مثله» ا ه.

قالوا في معرض مصنفاته : وله عمل كثير في شرح مسلم ، وله

١٢٢

حواش على المحرر حسنة وعلى الفروع وكتابة على الفتوى نهاية ...

وله (مختصر تاريخ الحنابلة) والأصل لابن رجب وهو عبد الرحمن المشهور ، اختصره لنفسه ، وكان فراغه منه يوم السبت مستهل صفر سنة ٨٢٠ ه‍ بالمدرسة المنصورية من القاهرة ، وفي عنوان الكتاب قال : «اختصار قاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين أحمد بن نصر الله البغدادي الحنبلي بخطه إلا مواضع يسيرة بعضها بخط شيخنا قاضي القضاة عز الدين الكتاني وبعضها بخط غيره» ا ه. والنسخة صالحة للمقابلة رأيتها في مكتبة بايزيد العامة ، والكتاب الموجود في المكتبة الظاهرية من طبقات ابن رجب فيه أغلاط كثيرة ، وابتلاع كلمات ، وتشوش في العبارات ... وفي استانبول نسخ عديدة من الطبقات.

ومما قيل في وفاته :

بلاني الزمان ولا ذنب لي

ولكن بلواه للأنبل

وأعظم ما ساءني صرفه

وفاة أبي يوسف الحنبلي

سراج العلوم ولكن خبا

وثوب الجمال ولكن بلي

وله من الأولاد محمد ويوسف وآخرون (١).

٢ ـ ابن دليم :

هو محمد بن يوسف بن أحمد بن محمد القرشي الزبيري البصري ، ويعرف بابن دليم ، وباقي نسبه مذكور في ترجمة عم أبيه عبد الكريم بن

__________________

(١) الأنباء والمنهل الصافي والشذرات ، والضوء اللامع ج ٢ ص ٢٣٨ وج ٧ ص ١١٤ وج ١٠ ص ٢٩٩.

١٢٣

محمد الشهير بالجلال. قدم مكة في ذي القعدة سنة ٨٤٣ ه‍ ، ثم توجه منها إلى طيبة ، ثم عاد فمات في قفوله منها قريبا من ساحل جدة في ذي القعدة سنة ٨٤٤ ه‍ ، وحمل إلى مكة ودفن بمعلاتها ... أرخه ابن فهد (١).

٣ ـ الزين الموصلي :

هو داود بن سليمان بن عبد الله الزين الموصلي ، ثم الدمشقي الحنبلي. ولد تقريبا سنة ٧٦٤ ه‍ ، وسمع بقراءة الشيخ علي بن زكنون علي الجمال بن الشرائحي الشمائل للترمذي .. وكان يذكر أنه سمع علي ابن رجب الحافظ شرحه للأربعين النووية ومجلسا في فصل الربيع من لطائفه ، مع حضور مواعيده ، وأنه سمع على الشهاب ابن حجي صحيح البخاري وكتبا سماها ، وقد حدث ، كتب عنه بعض أصحابنا ، وكان شيخا صالحا فاضلا مات في سنة ٨٤٤ ه‍. أرخه ابن اللبودي (٢).

حوادث سنة ٨٤٥ ه‍ ـ ١٤٤١ م

المشعشع :

لا تزال وقائعه مستمرة إلى هذه الأيام ... وقد مر الكلام عليها لمناسبة اطرادها ...

وفيات

١ ـ حاج ملك (من آل الكواز):

هي ابنة محمد بن حسن بن محمد البصري ، ويعرف أبوها

__________________

(١) الضوء اللامع ج ١٠ ص ٨٨ وأما عبد الكريم المذكور فإنه تاجر توفي سنة ٨٥٥ ه‍ وترجمته في الضوء اللامع أيضا ج ٤ ص ٣١٩.

(٢) الضوء اللامع ج ٣ ص ٢١٢.

١٢٤

ب (الكواز). ماتت بمكة تحت هدم في ليلة الجمعة ١٨ شوال سنة ٨٤٥ ه‍ أرخها ابن فهد (١).

بيت الكواز ـ آل باش أعيان :

والكواز على ما جاء في زاد المسافر للكعبي هو الشيخ محمد ، شيخ طريقة ، وهو ابن حسن بن محمد البصري كما تقدم. و (آل الكواز) المعروفون اليوم بالنسبة إليه لم يكونوا من أسرته ، وإنما كان جدهم الشيخ عبد السلام ابن الشيخ عبد القادر بن ساري بن ضاعن بن أضبع بن عبد السلام قد تتلمذ للشيخ محمد المذكور ، فلذلك نسب إليه فقيل عبد السلام الكوازي ، ثم قيل لأولاده من بعده الكواوزة ... وأولاد الشيخ عبد السلام كثيرون منهم أحمد ، ومحمود ، وطه ، وعلي ، وذو الكفل وصالح ، ومصلح ، والجنيد وغيرهم (٢).

وقال إبراهيم فصيح الحيدري : (بيت الكواز) ـ في البصرة ـ وهو بيت مجد رفيع ، وخير وافر ، نشأ فيهم عدة رجال أخيار كرام كأمثال الشيخ أحمد ، والشيخ درويش وكان من أكابر الناس من ذوي الخير والجاه والمال الوافر والصدقات ، وكان جدهم الأعلى الشيخ أنس من الأكابر ، وهو من أولاد عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) ، وبقي منهم بعض الناس ، وقد نزل جدي العلامة الشريف أسعد الحيدري مفتي الحنفية ببغداد في بيت الشيخ أحمد المذكور فاحترمه وأجله وخدمه بما يتحير به الناظر على ما ذكره الفاضل عثمان بن سند في تراجم علماء بغداد. ا ه (٣) ولرجالهم المشاهير تراجم في مختلف الآثار ومنها (سبائك العسجد) لعثمان بن سند المذكور ...

__________________

(١) الضوء اللامع ج ١٢ ص ١٩.

(٢) زاد المسافر ص ٣١.

(٣) عنوان المجد في تاريخ بغداد والبصرة ونجد. مخطوطتي ص ٢٣٢.

١٢٥

والآن يسمون ب (آل باش أعيان) ، وأول من حاز هذا اللقب منهم الشيخ أنس ابن الشيخ درويش في منتصف القرن الثاني عشر بموجب فرمان سلطاني كذا في هامش زاد المسافر للكعبي.

وقد جاء عنهم في زهر الربيع أنه كان في البصرة وإلى الآن جماعة من أهل السنة يأتون بعجائب الأمور مثل قبض الحيات والأفاعي ودخول النار حال الوجد من غير أن يتضرروا بها ، وكان هذا مخصوصا بهم يفتخرون به ... حتى أن تلاميذ الشيخ عبد السلام ... عملوا (ذكرا) في بعض الليالي يشتمل على الوجد والرقص والغناء وضرب الدفوف ودخول النار بحضور بعض أمراء السلطان فلما فرغوا ... أمر أن يصنع (علم) للسلطان وكتب عليه (لا إله إلا الله ، محمد رسول لله ، الشيخ عبد السلام ولي الله). وهذا كان مخصوصا بهم (يريد بذلك أصحاب الطريقة الرفاعية) حتى ظهر في عشر السنين بعد الألف رجل من عوام الشيعة من توابع أعمال الجزيرة ... قام بأعمال مثل هذه (١) ...

ومن هنا نعلم أن آل عبد السلام هم (آل باش أعيان) احتفظوا بمكانتهم في مختلف العصور وأسرتهم مشهورة جدّا ، ولا يزالون من أعيان البصرة ، وسنقدم للقارىء وثائق جديدة عند الكلام على (حكومة آل افراسياب) وعلاقتهم بها ووقائعهم معها ... وبيان مشاهير علمائهم بعد ذلك وإلى هذه الأيام ...

الطريقة الرفاعية

هذه الطريقة معروفة في العراق وغيره من البلاد الإسلامية ، وأهلها صوفية زهاد ينتسبون إلى الشيخ أحمد الرفاعي ، وهو من الصلحاء الأتقياء ، وله الذكر الجميل في العراق وسائر الأنحاء ، ولما وصل ابن

__________________

(١) زهر الربيع ص ٢٧٨.

١٢٦

١٢٧

بطوطة إلى واسط قال : «سنح لي زيارة قبر الولي أبي العباس أحمد الرفاعي وهو بقرية تعرف بأم عبيدة على مسيرة يوم من واسط ... وخرجت ظهرا ... ووصلنا في ظهر اليوم الثاني إلى الرواق وهو رباط عظيم فيه آلاف من الفقراء ، وصادفنا به قدوم الشيخ أحمد كوچك حفيد ولي الله أبي العباس الرفاعي الذي قصدنا زيارته وقد قدم من موضع سكناه من بلاد الروم برسم الزيارة وإليه انتهت الشياخة بالرواق ، ولما انقضت صلاة العصر ضربت الطبول والدفوف وأخذ الفقراء في الرقص ثم صلوا المغرب ، وقدموا السماط وهو خبز الأرز والسمك واللبن والتمر فأكل الناس ثم صلوا العشاء الآخرة وأخذوا في (الذكر) والشيخ أحمد قاعد على سجادة جده المذكور. ثم أخذوا في السماع وقد أعدوا أحمالا من الحطب ، فأججوها نارا ، ودخلوا في وسطها يرقصون ، ومنهم من يتمرغ فيها ، ومنهم من يأكلها بفمه حتى أطفأوها جميعا.

وهذا دأبهم ، وهذه الطائفة الأحمدية مخصوصة بهذا ، وفيهم من يأخذ الحية العظيمة فيعض بأسنانه على رأسها حتى يقطعه ...» ا ه ومن هناك سار إلى البصرة ، وذكر قصة الفقراء المعروفين بالحيدرية في بلاد الهند ، وأنهم لا يختلفون عن هؤلاء في دخولهم النار (١) ...

وهذه الأعمال لم تكن معروفة أيام الشيخ أحمد الرفاعي ، وإنما دخلتهم في أيام المغول جاءتهم بعد دخول هلاكو بغداد ، كما شاعت في العلى اللهية ومر ذكرها في المجلد الثاني وعلى ما سيوضح في المشعشعين عند الكلام على عقائدهم ...

وأنقل النص التالي للدلالة على أن هذه الطائفة كانت في بادىء أمرها حينما تقوم بأعمال (الذكر) لم تكن تعلم ما يفعله أصحاب هذه

__________________

(١) تحفة النظار ج ١ ص ١٠٩.

١٢٨

الطريقة مؤخرا من الأفعال المارة ... قال الذهبي في تاريخه المسمى بالعبر ما لفظه :

«في هذه السنة ـ ٥٧٨ ه‍ ـ توفي أحمد الرفاعي الزاهد القدوة أبو العباس بن علي بن أحمد ، كان أبوه قد نزل البطائح بالعراق بقرية أم عبيدة فتزوج بأخت الشيخ منصور الزاهد ، فولد له الشيخ أحمد في سنة ٥٠٠ ه‍ وتفقه قليلا على مذهب الشافعي ، وكان إليه المنتهى في التواضع والقناعة ، ولين الكلمة ، والذل والانكسار ، والإزراء على نفسه ، وسلامة الباطن ، ولكن أصحابه فيهم الجيد والرديء ، وقد كثر الدغل فيهم ، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذ التتار العراق من دخول النيران ، وركوب السباع ، واللعب بالحيات ، وهذا لا عرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه ، فنعوذ بالله من الشيطان» ا ه (١).

وكل طريقة لا تخلو من النوعين الصلحاء وغيرهم. ومن ثم عرف أن هذه دخلتهم أيام المغول.

وأصحاب هذه الطريقة تخلصوا من التورط في المآزق الحرجة ، والعقائد الزائغة مثل الآراء الفلسفية المستندة إلى الأفلاطونية الحديثة وغيرها من القول ب (وحدة الوجود) ، و (الحلول) و (الاتحاد) وأمثال ذلك مما شاع بين أهل الأبطان ... من حروفية وغيرهم ... وكادوا يدخلون صفوفهم ... ولو لا الشعوذات المذكورة أعلاه لكانت طريقة زهد ... وقد أكد لي العالم الجليل الشيخ إبراهيم الراوي أن الطريقة الرفاعية لم يدخلها شيء من العقائد المارة ... من وحدة وغيرها ...

وفي هذه الطريقة مؤلفات عديدة وبينها الغث والسمين ، والأعمال المذكورة قد شاركهم فيها آخرون بل لم تكن من أصل الطريقة ... وعلى

__________________

(١) تاريخ العبر المخطوط في مكتبة بايزيد باستانبول.

١٢٩

كل حال إن العقيدة والأعمال الدينية إنما تؤخذ من مشرعها ... والرجوع إلى الأصل فيما اختلف فيه ضروري لتصحيح الوجهة ومن اللازم اتباع ما جاء به الإسلام رأسا والأخذ بنصوصه القاطعة التي لا ريب فيها ولا نزاع في قبولها ... والآن قل الاهتمام بالطرق وسارت إلى الزوال دون حاجة إلى إلغاء رسمي كما وقع في الجمهورية التركية ، وبالتعبير الأصح أن العرب يميلون إلى البساطة فلا يرغبون أن يزيدوا على الرسوم الدينية أمورا جديدة بلا تشريع إلهي ولا كتاب مبين ...

وعلى كل حال تأسست هذه الطريقة من أيام الرفاعي في أواسط القرن السادس الهجري ولا تزال إلى اليوم ولها تكايا وزوايا كثيرة في العراق ...

حوادث سنة ٨٤٦ ه‍ ـ ١٤٤٢ م

المشعشع :

لا تزال وقائعه لم تنقطع ، وقد مرت فلا حاجة للعودة إليها وتكرارها مرة أخرى ...

وفيات

١ ـ قاضي الأقاليم البغدادي :

هو عز الدين أبو البركات عبد العزيز ابن الإمام العلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن العز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا ، ثم المقدسي الحنبلي ، الشيخ الإمام العالم المفسر ، ولد ببغداد سنة ٧٧٠ ه‍ واشتغل بها وتفقه على شيوخها ، سمع من العماد محمد بن عبد الرحمن بن عبد المحمود السهروردي شيخ العراق ، ثم بعد سنين سمع من ولده أحمد ، وكلاهما ممن يروي عن السراج القزويني ...

١٣٠

قدم دمشق ، وأخذ الفقه عن ابن اللحام ، واعتنى بالوعظ وعلم الحديث وأفتى وله مصنفات منها مختصر المغني سماه (الخلاصة) ، وشرح الشاطبية ، وجمع كتابا سماه (القمر المنير في أحاديث البشير النذير) ، وشرح الخرقي في مجلدين ، واختصر الطوفي في الأصول ، وعمل عدة الناسك في معرفة المناسك ، ومسلك البررة في القراءات العشرة ، وجنة السائرين الأبرار ، وجنة المتوكلين الأخيار تشتمل على تفسير آيات الصبر والتوكل في مجلد ، وشرح الجرجانية وغير ذلك.

ولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللنك ، وطالت مدته ، وجرى له فصول ، ثم ولي المؤيدية بالقاهرة ، ثم قضاء الديار المصرية في جمادى الآخرة سنة ٨٢٧ ه‍ ثم ولي قضاء دمشق في دفعات مجموعها ثماني سنوات. وكان يسمى (قاضي الأقاليم) لأنه ولي قضاء بغداد نحو ثلاثة سنوات ، وبيت المقدس ، ومصر ، والشام وكان فقيها دينا ، متقشفا عديم التكلف في ملبسه ومركبه ، له معرفة تامة ، وكانت جميع ولاياته من غير سعي.

توفي بدمشق ليلة الأحد مستهل ذي القعدة ، وفي الضوء اللامع في مستهل ذي الحجة ، ودفن عند قبر والده بمقابر (باب كيسان) ... وفي الضوء تحامل عليه ، ونقد لبعض المؤرخين في إيراد نسبه وتفصيل لترجمته (١) ...

حوادث سنة ٨٤٧ ه‍ ـ ١٤٤٣ م

هذه السنة وما بعدها قضاها الأمير أسپان في حرب المشعشع أيضا ... وليس لدينا ما نزيده هنا ...

__________________

(١) الشذرات ج ٧ والضوء اللامع ج ٤ ص ٢٢٢.

١٣١

حوادث سنة ٨٤٨ ه‍ ـ ١٤٤٤ م

وفاة الأمير أسپان :

في هذه السنة يوم الثلاثاء ٢٨ ذي القعدة توفي الأمير أسپان وذلك بعد أن عاد من أنحاء الحويزة ، فقد مكث في بغداد ستة أشهر ؛ فمرض بالقولنج ومات ، ودفن داخل المدينة على جانب دجلة في البستان المسمى (عيش خانه) وقد شعر بالموت قبل وفاته بقليل ، وقد وزع جميع ذلك البستان عينا ، وكان قد علق في القبة بصندق (١).

وفي جامع الدول : «الأمير أسپان قيل اسمه أسبهان فخفف ، أخذ بغداد والعراق وبقي مستبدا بحكومتها نحو اثنتي عشرة سنة حتى توفي حتف أنفه ... واتفق أن يوم وفاته كان قران النحسين في برج السرطان» ا ه.

ترجمته :

مر أنه ولي بغداد في ١٨ شعبان سنة ٨٣٦ ه‍ ، وأخرج واليها محمد شاه ، فذهب إلى الموصل وإربل ، وفي نتيجة محاربات شاه محمد له قتل هذا على يد أمير حاجي الهمذاني يوم السبت ١٨ ذي الحجة سنة ٨٣٧ ه‍ وخلص له الحكم في العراق ، واستمر حكمه إلى أن توفي ...

وهذا الأمير وإن كان عفيف الذيل ، ولم يطع شهواته إلا أنه جار على الأهلين وأرهقهم ظلما (٢) ... ولم تعرف له علاقة بسلاطين قراقوينلو ، أو جهة ارتباط بهم في الإدارة أو في الجيش ، أو في أي سلطة من شأنها أن تتدخل الحكومة الأصلية بحكومة بغداد ... وقد تمكن من التسلط على كافة الأنحاء العراقية ، ولو لا المشعشع لاستولى على الحويزة.

__________________

(١) منتخب التاريخ ، والغياثي ص ٢٧٨.

(٢) الغياثي ص ٢٧٨.

١٣٢

ولم يكن له من الأولاد سوى (فولاذ) من زوجته بنت منصور بن قبان المذكور سابقا ، وقد اختير للإمارة بعد والده ...

حوادث سنة ٨٤٩ ه‍ ـ ١٤٤٥ م

اضطراب الحالة ـ الأمير ألوند :

إن الأمير أسپان حين شعر بالموت جمع الأمراء وهم شيخي بك وحسن أمير آخور (أمير الاصطبل) ، ومزيد چورة ، والأمير محمد بن شي الله ... وقال لهم إن فولاذ صبي صغير ، وسوف يطمع جهان شاه فيكم ، فالرأي أن تأتوا بألوند وتسلطنوه ، ولم يكن ألوند حاضرا حينذاك بل كان قد أرسله أسپان في حال حياته مع عيسى بك وجماعة من الضباط ... والأعوان إلى نهب (أكراد الجزيرة) وتسخير بلادهم (١) ...

فلما مات أسپان اجتمع الأمراء ، وتشاوروا ، فقالوا إن ألوند امرؤ صعب ، ونخشى منه أن يتحكم فينا ، فالرأي أن نسلطن فولاذ والخزائن بحمد الله مملوءة من الأموال ، وعساكرنا كثيرة واليراق (٢) والذخائر ما عليهما مزيد ، ونحن عصبة ، ونرجو من الله الإعانة على العدو ...!

سمع ألوند بموت أسپان ، وإن الأمراء سلطنوا فولاذا وتركوه ، وليس لهم به رغبة ، وحينئذ التف حوله العسكر الذي كان معه ، وصاروا نواكره (٣) ، فتوجه إلى كركوك ، وكانت أولكته (٤) ، فمضى منها إلى آلتون كپري (القنطرة الذهبية وتسمى القنطرة) ، وإربل ، والموصل فأخذها عيسى

__________________

(١) هم اليزيدية ... وقد سبق أن عرج بقراهم ...

(٢) آلة جارحة مثل الخنجر أو القامة ، أو الأسلحة ، والمعدات الحربية ...

(٣) نوكر تعني الضابط ، والخادم أو أيا كان من الأعوان.

(٤) أولكة تعني الإقطاع ، أو المنطقة التي تحت حكم المرء ونفوذه ويراد بها المملكة ...

١٣٣

بك ، وكان قد فارقه وتحصن بقلعة بطيطة ، فأرسل بطلبه ، فلم يقبل أن يجيء إليه ، وماطله مدة ، ثم جاء إليه ، فلما وصل قابله بالإعزاز والإكرام ، وقال له أنت تكون أكبر أمير عندي ، وشاوره في التوجه إلى بغداد فلم يشر ... وقال له أرى أن تصبر مدة حتى تقوى ، ثم تسير فلم يسمع منه ، ومضى إلى بغداد.

وحينئذ هرب عيسى بك منه وتوجه إلى جهان شاه بتبريز ، فلما وصل ألوند إلى ضيعة من ضياع الخالص يقال لها (القلعة) (١) توجهت نحوه عساكر بغداد ، ومقدمهم كچل عبد الله ، ويار أحمد بن شي الله ، فوصلوا إليه ليلا ، وكان قد صدمهم فانكسروا وفر الأمير عبد الله ، ولم يقف إلا عند باب بغداد ، وباقي العساكر هناك كانوا في حيرة وارتباك ...

أما ألوند فإنه حينما كسر العسكر اطمأن وظن أنه أمن الغوائل ، فنصب الصيوان ونام هناك بلا خوف ولا وجل ... ولما وصل الأمير كچل عبد الله إلى قرب بغداد ، وسمع أن العسكر انكسر رجع إليهم ، ولمّ شعثهم ، وألوند نائم غارق في غفوته فدقه ليلا ، فانكسر ألوند وهرب برأسه ، وانضم جميع من كان معه إلى عسكر بغداد وتبع يار أحمد بن شي الله أثر ألوند ، فارتد إليه وطعنه ، فقضى نحبه ، وتوجه العسكر إلى بغداد ومضى ألوند إلى كركوك ، ومن ثم قبض شيخي بك على العساكر التي كانت مع ألوند ، وضمها إلى عسكره ودخل بغداد ، ولكنه قتل من هؤلاء إسماعيل الجغتاي ، وولده ، وأولاد شيخ ، وقليلون غيرهم ...

بغداد وجهان شاه :

وإثر هذه الواقعة جاءت الأخبار بأن جهان شاه قد سار إلى بغداد ،

__________________

(١) قرية لا تزال معروفة في أنحاء الخالص ...

١٣٤

ومن ثم راسل أمراء بغداد ألوند ، وجاؤوا له من الحلة ، فوصل إلى الجانب الغربي ، ونزل بقلعة مير أحمد علي ، فأرادوا أن يؤمروه ، فلم تطاوعهم أنفسهم ، وتفرقت آراؤهم بينهم ، وعادوا إلى تأمير فولاذ ، فرجع ألوند إلى الحلة ، وتوجه جهان شاه إلى بغداد وحاصرها نهار ١٢ شهر رمضان سنة ٨٤٩ ه‍ ، وحضر هو بنفسه في ١٧ منه ، ودام الحصار لمدة ستة أشهر كاملة ، فلم يتم له الأمر ودخلت سنة ٨٥٠ (١).

حوادث سنة ٨٥٠ ه‍ ـ ١٤٤٦ م

بقية حوادث بغداد ـ جهان شاه :

وفي هذه السنة فتح شيخي بك الخزائن ، وقسم الأموال على العساكر حتى صارت الدراهم بسعر الفلوس في بغداد ، وبلغ رأس الغنم بألف دينار ، وما كان ذلك من قلة الغنم واللحم بل كان للناس غنم ودجاج كثير ، ولكن من كثرة الدراهم ، وكان ببغداد غلال وخيرات وأجناس لا حد لها ولا حسابا بحيث تقدر بغداد أن تحاصر لمدة عشر سنوات.

وكان ألوند في الحلة ، فعمل يرقا لهربه من جهان شاه إلى الشام ، فأرسل جهان شاه إليه يطلبه ، ويطيب قلبه ، وقال له أنت ولدي ، وأقسم أن لا يؤذيك أحد أبدا ، فتوجه إليه ، وأعطاه الجانب الغربي. وحاصر جهان شاه الجانب الشرقي ومكث مدة لم يعبر إلى الجانب الغربي.

كان الجسر منصوبا والناس يعبرون عليه ، فلما أعطي إجازة للعسكر أن يعبر من الجانب الغربي ، فأول ما عبر جماعة توجهوا ليلا فكمنوا تحت عمارة الأمير أحمد ، وعند طلوع الفجر فتحوا باب القلعة وهم غافلون ، فساقوا على الباب فأخذوه ، وساقوا على الجسر وكان

__________________

(١) تاريخ الغياثي وهو أوسع المراجع المعروفة ...

١٣٥

منصوبا تحت القلعة ، فأخذوا الجسر ، وساروا عليه إلى أن وصلوا إلى كرسي الجسر ، وبقي بينهم وبين البلد سفينتان ، وكان الشندواني الملاح وأصحابه واقفين في رأس الجسر ، فصدوهم بالنشاب حتى لحق العسكر من بغداد يقدمهم رستم طرخان فأرسلوا حيدرا الجسار إلى رأس الجسر من الجنب الغربي فخرق السفينة وأغرقها فبقي عسكر جهان شاه على الجسر واقفين من غربهم الماء ومن شرقهم السيف ، فهلكوا جميعا منهم من قتل ، ومنهم من غرق ومنهم من قبض عليه ...

وإن الذين قبض عليهم كانوا فرمان بك وعلي زلال وكوريكه ، وساروا بهم على والد أمير بايزيد جاكيرلو. فلما أحضروهم عند شيخي بك أمر بقتلهم فقالوا له لا تقتلنا ونكون نحن السبب في ارتحال جهان شاه عن بغداد وإلقاء الصلح بينكم فلم يقبل وقتلهم جميعا.

فلما مضى على ذلك مدة ستة أشهر غاب جماعة من العسكر وهم رستم طرخان وأمير انشاه وأمير شيء الله ودوه بك وكان السبب في ذلك امرأة تسمى سلجوق خاتون حماة رستم طرخان كاتبت جهان شاه وأعلمته أن فلانا وفلانا قد ارتدوا وضربوا موعدا للحرب ، سيروا إلى رستم طرخان جماعة وأمير انشاه وأمير شيء الله فكسروا باب اقچه قبو فدخل العسكر وأخذوا بغداد وذلك نهار الخميس ١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍.

أما شيخي بك والأمراء فقد جاء الأمير كچل عبد الله ليلة الأحد إلى شيخي بك وعدد له الجماعة الذين خانوا وعلم بصورة الحال فإنه كان قد أخبره بعضهم وقال إن لم يقتلوا في هذه الليلة فرط الأمر ولم يستدرك. وكانوا يشربون. فقال ماذا يصير في هذه الليلة ، غدا من بكرة سوف نحضرهم ونقبض عليهم ونقتل من نكره منهم فقال له المصلحة تقضي أن لا تمهلهم فلم يسمع منه فكان لتهاون شيخي بك الذي كان إذا

١٣٦

شم رائحة أو تخايل خيال قتل من أجله أعز عزيز ، فأجرى مثل هذه الحركة وتماهل في أمرها ...

فلما أصبح وقد قضي الأمر أخبر الأمير شيخي فتوجه بعسكره ومعه الأمراء إلى آقچه قپو فأخذهم النبل والنشاب فرجع إلى الوراء وألقى نفسه إلى جانب الشط والأمراء معه فجلسوا في ورجيه (١) وانحدروا في الشط ، فقال بعض لبعض ننحدر إلى واسط. وكان الرأي لو فعلوا. وقال الآخرون بل نخرج إلى جهان شاه فإنه صاحب مروءة ، ولم يكن عنده منها وزن خردلة فإنه في حق ولده لم تكن له مروءة وقتله فكيف في حق من عصوا عليه وقتلوا خيار رجاله وأمرائه ... فخرجوا من السفينة في مثل هذا الطوفان العظيم ، وآووا إلى معدن الظلم والجور ليعصمهم ... وسعوا بأرجلهم إلى حتفهم ، فتوجهوا نحو الأردو ، وليس فيه غير النساء ، فجلسوا في خيمة ينتظرون الموت ... وفي المدينة يفتشون عليهم ... فلما جاؤوا قبضوا عليهم ، فأمر جهان شاه بقتلهم ...

وإن شيخي بك قرن مع ابن العرية الجلاد ، وأسلما إلى نساء الأمير بايزيد فسجنهم على الشوك ، وقطعن لحومهم بالسكاكين حتى ماتوا ... قتلوهم وباقي الأمراء شر قتلة ... وأمر جهان شاه بنهب البلد فنهبوه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالي ، قسوا فيها وعذبوا ، ومات أناس كثيرون في التعذيب ...

وبعد ذلك أمر بالقبض على الإسفاهية وقتلهم ... فقتلوا منهم مقدار عشرة آلاف أو أكثر ، وقتل بسبب ذلك خلق كثير ... وهذه القتلة لم تكن بأقل من قتلة تيمور (٢).

__________________

(١) ورجيه نوع سفينة.

(٢) الغياثي ص ٢٩٦.

١٣٧

وجاء في أحسن التواريخ أن أسپان توفي سنة ٨٤٧ ه‍ ، وفيه أن الأمراء اختاروا ابن أصفهان ، فعاجل جهان شاه ، وسار توا إلى بغداد بجيش عظيم ، ومال إليه رستم طرخان من أمراء أسپان ... ووقعت حرب عظيمة في أعلى الجسر ، وفي هذه الواقعة قتل أمراء كثيرون ، وأن ابن أصفهان سلم مع جماعة الأمراء ولكن جهان شاه لم تكن له رأفة فأمر بقتلهم ، وخرب البلد ، وكان معمورا ، فارتكب معاصي لا تحصى ولم يبق أثرا من آثار العمارة ... ونصب ابنه محمدي ميرزا واليا ، وجعل أمر الحل والعقد إلى عبد الله الكبير ، ومنح الموصل إلى ابن أخيه ألوند رستم ، وقفل راجعا (١) ...

وفي الغياثي : ثم ولى بها ولده محمدي ميرزا وكان صغيرا ، وأعطي تدبير المملكة بيد الأمير عبد الله فمكثوا مدة سنتين ونصف (٢) ...

ترجمة فولاذ بن أسپان :

ولي بغداد بعد أبيه ، اجتمع الأمراء ، وأقاموه ، فوقع الهرج والمرج وكان ذلك على خلاف رغبة أسپان ، وتواترت الفتن في بلاد العراق ، فوصل خبر ذلك إلى ميرزا جهان شاه فطمع فيها ، وسار إليها ، فحاصر بغداد نحو ستة أشهر ، ولم يظفر بها حتى استمال أمراء بغداد بالمواعيد فمال إليه قسم ، وفتحوا إليه الأبواب فدخلها وملكها في يوم الخميس ٢٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍ وحبس الأمير فولاذ ، فكان آخر العهد به ، وكانت مدة ملكه نحو سنتين.

ولم يستقل بعد ذلك أحد بحكومة العراق وبغداد من آل قراقوينلو

__________________

(١) أحسن التواريخ.

(٢) الغياثي ص ٢٩٧.

١٣٨

(البارانية) لأن جهان شاه يستنيب بها أحد أمرائه ، وتارة يستخلف عليها أحد أولاده حتى انقرضت دولتهم (١) ...

ومن ثم صارت بغداد تابعة رأسا لحكومة قراقوينلو ، وليس لها كيان خاص.

حكومة جهان شاه في العراق

ـ ١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍ ـ

جهان شاه ـ بغداد :

كان جهان شاه هذا قد جاء بغداد بعد وفاة والده قرا يوسف ، وكان واليها آنئذ شاه محمد ، فلم يطب له المقام ، فتوجه إلى تبريز ، وانضم إلى الأمير اسكندر. ثم إن هذا تنكر عليه فجاءه معتذرا فقبل عذره ...

ولما تكرر مجيء شاه رخ إلى تبريز ، وانهزم اسكندر منها مال إلى شاه رخ في منتصف ذي الحجة سنة ٨٣٨ ه‍ فأعزه وأكرمه ، ومن ثم قوي أمره ، وكان قد تجمع التركمان عليه ، فحصل على مكانة ، ولما قتل الأمير اسكندر تقررت حكومة أذربيجان له ، وعاد شاه رخ إلى هراة آمنا من الغوائل ، واستمر جهان شاه في حكمه ... وصارت تقوى سلطته يوما فيوما ، وصفا له الجو بقتلة أخيه اسكندر. وفي سنة ٨٤٤ ه‍ غزا كرجستان ... ولما توفي أخوه أسپان خلص له العراق العربي في ١٤ ربيع الأول سنة ٨٥٠ ه‍ وكان انضم إليه عيسى بك من أمراء أسپان فجاء به إلى بغداد وحاصرها ، فافتتحها ، وتم له أمرها ... فولى ابنه محمدي ميرزا وكان صغيرا فأودع تدبير المملكة إلى الأمير عبد الله ورجع إلى تبريز.

__________________

(١) جامع الدول ج ٢.

١٣٩

هذا. وفي يوم الأحد ٢٥ ذي الحجة سنة ٨٥٠ ه‍ توفي شاه رخ ، فصار جهان شاه حاكما مستقلا بلا حماية ولا وصاية ، وتولدت فيه فكرة الاستيلاء على ما في يد شاه رخ خصوصا عندما علم باضطراب الحالة استفادة من تبدل الوضع ، ومن الاختلاف الواقع بين أمراء الجغتاي من أحفاد تيمور ، ونزاعهم على السلطة والسلطنة (١) ...

ترجمة شاه رخ :

هو ابن تيمور لنك ، وقد مر من الحوادث ما يعين علاقاته بالعراق من أيام والده إلى أن توفي ، وفي الضوء اللامع بيان علاقاته بمصر ... وقال : كا عدلا دينا ، خيرا ، فقيها متواضعا ، محببا في رعيته ، محبا لأهل العلم والصلاح ... وكان يعرف الضرب بالعود بحيث كان ينادمه الأستاذ عبد القادر بن الحاج غيبي ويختص به ... كل ذلك مع حظ من العبادة ... وفي أيامه كتب ذيل جامع التواريخ المذكور في الجلد الأول ص ٢٠ وقدم إليه فلم يعرف مؤلفه وقد ذكر بعضهم أنه لمسعود بن عبد الله ، وأنه انتهى منه في رجب سنة ٨٣٧ ه‍ ولكن ليس لدينا سند نعول عليه في التعريف بمؤلف هذا الكتاب. وأخبار شاه رخ في الجلد الثاني. خلفه ابنه ألوغ بك صاحب الزيج المعروف (٢).

وفيات

عمر بن محمد النجم النعماني :

هو منسوب إلى أبي حنيفة النعمان ، بغدادي ، ثم دمشقي ، كان قد رحل إلى القاهرة سنة ٨٥٠ ه‍ وبيده حسبة دمشق ، ووكالة بيت المال ،

__________________

(١) الغياثي ومنتخب التواريخ ص ١٩٨.

(٢) الضوء اللامع ج ٣ ص ٢٩٨ وتاريخ العراق ج ٢.

١٤٠