موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٣

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٩

فسار وتسلمها بلا نزاع ، وقتل شاه منصور مع أتباعه وأرسل بشارة الفتح إلى والده حسن بيك وهو بمشتى قم ، فأقطعها له (١).

وتفصيل الخبر كما جاء في ديار بكرية :

«كان حسن بيك قد حاصر بغداد ـ كما تقدم ـ وحاكمها پير محمد الپاوت فأوصل البغداديون الخبر إلى حسن بيك بأن حسن علي قد خلف والده في السلطنة بتبريز ، ودخلت الممالك في حوزته ، والخزائن في تصرفه ، فإذا ظهرتم عليه وظفرتم به ، فنحن لا نتخلف عن الطاعة ، ولا ننحرف عن الإذعان ...

ومن ثم توجه السلطان إلى أنحاء أذربيجان ... وأودع الموصل إلى خليل آغا التواجي ، وعهد إلى شاه علي حاجي لو بإربل وهما من قرا قوينلو ، ليكونوا ولاة هناك ويستولوا على تلك الأنحاء ، ومن هؤلاء خليل آغا بالرغم من وجود پير محمد التواجي ببغداد قد تصرف بإربل ، وبسط نفوذه إلى نواحي أخرى منها قلعة فرعون ، وكركوش وتون ... وتمكن من التسلط على من ناوأه مثل أمير ذي النون ومحمد سارلو في قلعة خفتان ...

وفي هذه الأثناء سار السلطان مقصود ميرزا إلى خليل آغا واتصل به من أنحاء سهل علي الذي هو مصيف ، وباتفاق سائر الأعوان ضرب ولاية خفتان ، وغنم أموالا كثيرة ...

أما بغداد فإن واليها پير محمد قد توفي في هذه الأيام ، واختار الأهلون خلفا له وهو حسين علي بن زينل البراني ، ونصبوه حاكما ، وهذا صهر پير محمد ، تزوج حسين على بنته وكان في خلال حكمه قد أساء المعاملة مع الناس ، جمع أقوات البلدة إلا أنه لم يطل أمد بقائه ،

__________________

(١) جامع الدول.

٢٤١

فمات بعد قليل ، فقام أخوه شاه منصور مقامه. وفي مدة نحو ستة أشهر مات عدة من الحكام مما أدى إلى تيسير مهمة حسن بيك ونجاحه في الاستيلاء فسلم الأهلون للقضاء ، وراعوا سبيل الطاعة لما رأوا من استبداد حاكمهم هذا ، وتسلطه ... وتولى بغداد الأمير مقصود وكان شابا.

وعلى هذا وصلت البشائر إلى حسن بيك ، وكان بعد أن فتح شيراز قد أقام في أنحاء قم ولا يزال بها حيث بلغه الخبر ... ا ه (١).

وهذا جاء مكملا لما في الغياثي الذي هو من الوثائق المعاصرة.

والملحوظ أن الديار بكرية أوسع من الغياثي في بسط وقائع الحكومة بصورة عامة ، والغياثي أوسع في تفصيل حوادث بغداد ، ومن المؤسف أن نرى ديار بكرية تقف عند حوادث بغداد هذه ، وتمضي إلى ما يتعلق بإيران مما لا نرى ضرورة لنقله أو التعرض له ... والنسخة فيها نقص ، فلم ينته الكتاب إلى آخره ، وإنما يحتوي على ٤٢١ صفحة وكل صفحة ١٩ سطرا ، والظاهر أن النقص قليل ، ولا يتجاوز بضع صحائف ومن مقابلة الحوادث ومراجعتها ، ومشاهدة اطراد مباحثها نقطع في أن (جامع الدول) يعتمد (ديار بكرية) رأسا أو بالواسطة ...

ومن هذا الأثر نعلم درجة عناية حسن بيك بالعلماء ، وبالمطالب الدينية وبالثقافة ، فقد مالت إليه قلوب العلماء ، وقصدوه من كل صوب ، فاجتمعوا عنده ، وعقد لهم مجالس كما أنه جاءته الوفود من كل مكان. وأبدى له المجاورون الإخلاص والطاعة ... فكان لفتوحه هذه دوي ، وولدت رعبا ورغبة في الراحة ...

ولنعد إلى وقائع بغداد ، وتوالي أزمنتها أيام هذه الحكومة ...

__________________

(١) ديار بكرية ص ٤٠٤.

٢٤٢

بقية حوادث سنة ٨٧٤ ه‍ ـ ١٤٤٧ م

والي بغداد الأمير مقصود :

في يوم الاثنين ١٤ جمادى الآخرة سنة ٨٧٤ ه‍ كان قد دخل بغداد مقصود بيك ابن الأمير حسن الطويل. وكان قد أخبر والده بما جرى من فتح ، فولاه منصب بغداد وجعل معه من الأمراء خليل آغا الملقب ب (كور خليل) وقور خمس بيك (قورقماز ومعناه الجريء) (١).

هذا. وقد انقضت أخبار الحروب في بغداد ، وذهب البؤس بأمه.

طاعون عظيم :

أرادت هذه السنة أن لا تتم براحة ، وإنما أصاب الأهلين في بغداد طاعون عظيم مات فيه خلق كثير حتى أنه مات في يوم واحد ألف وخمسمائة ، ثم وصل الطاعون إلى تكريت وشهرزور وإربل والموصل ، ومات فيه عالم عظيم (٢).

ابن تغري بردي : (المؤرخ)

«وفي ٥ ذي الحجة سنة ٨٧٤ ه‍ كانت وفاة الجمالي يوسف بن الأتابكي تغري بردي اليشبغاوي الرومي نائب الشام ، وكان الجمالي يوسف ... فاضلا ، حنفي المذهب ، وله اشتغال بالعلم ، وكان مشغوفا بكتابة التاريخ ، وألف في ذلك عدة تواريخ منها تاريخه الكبير الموسوم بالنجوم الزاهرة ، والمنهل الصافي ، ومورد اللطافة فيمن ولي السلطنة والخلافة. وله تاريخ آخر في وقائع أحوال على حروف الهجاء في التوفيات ، وله غير ذلك عدة مصنفات ، وكان نادرة في

__________________

(١) الغياثي ص ٣٦٥.

(٢) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية.

٢٤٣

أبناء جنسه. ومولده في سنة ٨١٣ ه‍» ا ه (١).

وفي السخاوي ترجمة مفصلة له ، وكان يسلم له بالبراعة في أحوال الترك ، ومناصبهم وغالب شؤونهم منفردا بذلك ، لا عهد له بمن عداهم ... وينقده نقدا مرا ، ولكنه لا يقر على أكثر ما قاله (٢) ...

وقد رأيت من مؤلفاته الجلد الثالث من المخطوط المسمى ب (البحر الزاخر) ، وهو كتاب جليل ، ومجلد ضخم ... ويعد من نفائس الكتب (٣) ... واعتمدت على كتابه المنهل الصافي في التعريف بأمراء البارانية والبايندرية وهو من أجل الآثار المعاصرة وأوسعها في التعريف بالأشخاص ، وقد مر وصفه ... ولا يضره النقد الموجه إليه من صاحب الضوء ، فهو متحامل فيما كتب ، ولعله يرى أنه كان دونه وإننا لا نستطيع أن نستغني بواحد منهما. والتاريخ في هذه الأيام سلسلة مرتبطة لا يكتفي ببعض حلقاتها ... ومتصلة بالماضي اتصالا وثيقا ، ولكل واحد فضل كبير على تاريخ العراق ، ولا يخلو امرؤ من نقد ... وعلى البعد كانت خدماتهم لتاريخه جليلة ، ولها خير الأثر ...

حوادث سنة ٨٧٥ ه‍ ـ ١٤٧٠ م (٤)

تبدل في أمراء بغداد :

مكث الأمير مقصود بيك وأمراؤه المذكورون مدة سنة كاملة. ثم

__________________

(١) بدائع الزهور في وقائع الدهور : ابن إياس ج ٣ ص ٤٢.

(٢) الضوء اللامع ج ١٠ ص ٣٠٥ وما يليها.

(٣) اقتنته دار الكتب المصرية.

(٤) كتب المؤلف في ملحق الجزء الرابع :

النقود العراقية في أيام دولة آق قوينلو ظهرت نقود أوضحت عنها في (تاريخ النقود العراقية) في عهودها المتأخرة إلا أن بعض النقود اضطربت فيها الأفهام. ـ

٢٤٤

توفي خليل آغا الملقب ب (كور خليل) في ليلة الجمعة ٦ جمادى الآخرة من هذه السنة فأرسل السلطان حسن الطويل مكانه خليل بيك (وكان أخا قور خمس) وهما أولاد محمد بيك ابن قرا عثمان (١) وجعل خليل بيك هذا أتابكا للأمير مقصود بيك ويقال له (دانا خليل) فكان مدبرا لأموره ...

إدارة بغداد أيام هؤلاء الأمراء غامضة لقلة التدوينات عن الحوادث المتعلقة بالعراق وتحول الاهتمام الكبير إلى مراكز الوقائع الجسام وما خلفته من أثر وكل ما علمناه أن السلطان حسن بيك كان قد رأى أن أوغرلي محمد ابنه قد هرب من بغداد ومضى إلى الروم فغضب على ولده مقصود بيك وعلى أتابكه دانا خليل فهرب هذا والتجأ إلى المشعشع وجعل حسن بيك ولده مقصود بيك لدى ولده الآخر السلطان خليل صاحب فارس فبقي عنده ... ولكن السلطان حسن كان قد استمال دانا

__________________

ومن هذه ما جاء فيها ذكر «علي ولي الله والحسن والحسين سبطان (كذا) رسول الله صلى الله عليه وسلّم». وضربت في بغداد وجاء تاريخها غير واضح. ومحل الاشتباه في (الآحاد). وأما العشرات والمئات فهي (٨٧٠). ولا شك أن الاضطراب في بغداد أدى إلى إظهار المسالمة للمشعشعين. وجاءت الحوادث سنة ٨٧١ ه‍ إلى سنة ٨٧٥ ه‍ وما بعدها في تايخ العراق ج ٣ من مؤيدات ذلك. رأيت نقدين من فضة تتعلق بهذه الأيام. وفي المتحفة البريطانية في كتاب نقودها عدها من نقود المغول ، وفي كتاب (مسكوكات قديمة إسلامية فتالوغى) في ص ٤٦٩ وص ٤٧٠ لم يستطع المؤلف أن يعين أمرها ، فزال التردد. أوضحت عنها مفصلا في (تاريخ النقود).

وحصلت على وثيقة مؤرخة سنة ٨٨٩ ه‍ جاء فيها بيان عن (نقد غريب) وهو (تنكه) نقد فضي استعمل في الفلوجة من أنحاء بغداد التابعة اليوم للواء الدليم. وفي هذه ما يؤكد أن هذا النقد شاع بلفظه (تنكه) دام تداول اسمه من عهد المغول إلى هذا الحين أو إلى ظهور الدولة العثمانية و (تنكچه) مصغر هذا اللفظ الذي ورد جمعه بلفظ (دناكش) الوارد في المجلد الأول ، فعرفنا الصلة التاريخية بهذا النقد ، وأنها لم تنقطع إلى هذا التاريخ.

(١) الغياثي ص ٣٦٦.

٢٤٥

خليل وفي الغياثي أنه رضي عنه بشفاعة والدته فإنها خالته (١) ... وأقطعه بغداد والعراق قبل وفاته على ما سيأتي.

حوادث سنة ٨٧٦ ه‍ ـ ١٤٧١ م

حروب وفتن :

قال ابن إياس كانت الفتن المهولات في هذه السنة ببلاد فارس والشرق بين حسن الطويل وبين ملوك هراة وسمرقند (٢) ولكن لا نرى في هذا ما يدعو إلى التهويل ، وإنما القوم أصابتهم بهتة فتركوا السلاح وذلوا شأن كل من يترك عزّه ويلجأ إلى حب الحياة المهانة ...

والأمر الأعظم ما كان بين العثمانيين وبين البايندرية وكانت هذه الحكومة مشغولة في تدبير الممالك المفتوحة وتقرير أوضاعها وتعيين ولاتها ... وبينا هي في هذه الحالة إذ استنجد پير أحمد القرماني بملكها حسن الطويل لما أصابه من العثمانيين من اكتساح مملكتهم ... وكان السلطان العثماني آنئذ محمد الفاتح ابن السلطان مراد فالتجأ پير أحمد مستفزعا ووصل بنفسه إلى حدود أذربيجان فأرسل إليه الطويل بالعساكر نجدة له في أواخر شهور سنة ٨٧٦ ه‍ وكان مقدمهم أمير بيك فأخذوا توقات وسيواس وعدة مدن. وكان قد اجتمع عسكر السلطان محمد في أنقرة فأراد أمير بيك أن يرجع فلم يدعه ابن قرمان فتوجه أمير بيك بالعساكر نحو أنقرة وتواقعوا مع جيش السلطان فانكسر عسكر أمير بيك وهربوا.

فلما وصلوا إلى البيرة وطلبوا العبور من الفرات ورموا بأنفسهم إلى بلاد الشام حسب وصية حسن بيك من أن القوم أصحابهم قالوا لهم

__________________

(١) جامع الدول وعالم آراي أميني.

(٢) بدائع الزهور ج ص ٦٩.

٢٤٦

نعبركم جميعا ولكنهم ابطأوا فلما طالبوهم احتجوا بقلة السفن فتعهدوا بتأدية مائة تنكجه (١) عن كل واحد ليعبر. وبعد ذلك جاؤوا بسفينة واحدة وأدخلوا عشرة عشرة وعشرين عشرين ... فحين كانوا يخرجون من السفينة يسلبونهم ويشدون وثاقهم حتى أتوا على آخرهم ثم أرسلوهم إلى حلب وأعلموا بصورة الحال ...

وحينئذ أرسل نائب حلب واسمه قانصوه اليحياوي فأخذوهم إلى حلب وجاؤوا بهم إلى المغارات وذبحوهم بها كالأغنام ولما سمع حسن بيك بهذا الخبر توجه إليهم وعبر الفرات يريد حلب فانكسرت بلاد الشام جميعها وتوجهوا إلى مصر. ومن لم يتوجه أرسل ماله وأهليه فوصل حسن بيك إلى قرب موضع يقال له (الباب) ثم رجع. ولو سار لأخذ حلب فرجع إلى البيرة فنزل عليها وحاصرها من الجانبين فاستولى عليها وأخربها وصعد بعض أهلها القلعة وبعضهم مضوا إلى حلب.

ثم إنه مل المقام هناك وترك خليل بيك عليها ورحل عنها وبعد مدة رحل خليل بيك أيضا (٢).

وفي بدائع الزهور أنه في سنة ٨٧٧ ه‍ تحارب الجيش المصري مع حسن الطويل ، فانتصر عليه وأن حسنا أرسل يكاتب الافرنج ليعينوه على قتال عسكر مصر. وهذا أول ابتداء عكسه لكونه أرسل يستعين بالافرنج على قتال المسلمين (٣) ...

__________________

(١) استعملت مفردة كما في الغياثي وأما في الحوادث الجامعة فقد ذكرت بلفظ الجمع المكسر دناكش وهي من النقود المتداولة آنئذ من أيام المغول وأيام هذه الحكومة راجع تاريخ العراق (المجلد الأول).

(٢) الغياثي ومنتخب التواريخ والقرماني ومشاهير إسلام إلا أن الغياثي قد غلط في التاريخ.

(٣) بدائع الزهور ج ٢ ص ١٤٤.

٢٤٧

وعن هذه الوقعة قال القرماني :

«في سنة ٨٧٦ ه‍ وصل يوسفجه بيك بعسكر حسن الطويل إلى مدينة توقات فنهبها وخرب أسوارها ثم أتم مسيره إلى بلاد قرمان وكان بها السلطان مصطفى ابن السلطان محمد خان فاتح استانبول فكبسه وظفر به فأسره وقتل غالب عسكره ثم بعث به إلى أبيه السلطان محمد خان» (١) ا ه.

ومن هذا نعلم أن أمير بيك هو (يوسفجة). والتفصيل في وقائع العثمانيين. وقد أفرد صاحب مشاهير إسلام ترجمة خاصة لحسن الطويل. وكل ما نقوله في حسن الطويل إنه لم تكن له رغبة في التوسع ولكنه رأى أن العثمانيين قد اعتدوا عليه وأراد أن لا يدعهم يتسلطون على كافة أنحاء الأناضول. وهؤلاء كان همهم ومهمتهم مصروفين إلى أن يقضوا على القرمانيين وغيرهم مما يشوش أمرهم ويمنع تقدمهم ... ولكل وجهة.

وهذه الحروب دامت إلى السنة التالية وجرى ما جرى ...

حوادث سنة ٨٧٧ ه‍ ـ ١٤٧٢ م

الحج ـ المحمل العراقي :

في ذي الحجة من هذه السنة وصل المحمل العراقي ، ودخل المدينة الشريفة وكان أمير الركب يدعى رستم وصحبته قاض يقال له أحمد بن دحية ، فضيقوا على قضاة المدينة وأمروهم أن يخطبوا في المدينة باسم الملك العادل حسن الطويل ، خادم الحرمين الشريفين. فلما خرجوا من المدينة وقصدوا التوجه إلى مكة كاتب أهل المدينة أمير مكة

__________________

(١) القرماني ص ٣٣٧.

٢٤٨

بما وقع فخرج إليهم الشريف محمد بن بركات ولاقاهم. من بطن مرو قبل أن يدخلوا مكة ، وقبض على رستم أمير ركب المحمل العراقي ، وقبض على القاضي ، وجماعة من أعيانهم ، وأودعهم في الحديد ليبعث بهم إلى السلطان واطلق بقية من كان في ركبهم من الحجاج.

ولما وصل الحجاج إلى مصر وصحبتهم ابن أمير مكة ، وأحضروا رستم أمير الحاج العراقي والقاضي الذي بعث به حسن الطويل ، وصحبتهما كسوة للكعبة ... رسم السلطان بسجن رستم والقاضي في البرج الذي بالقلعة فسجنا. إلا أنه في ربيع الآخر أمر بإطلاقهما وخلع عليهما ، وبعث بهما إلى بلاد حسن الطويل (١) ...

وهذه الأوضاع يوضحها ما سبق من الوقائع ... وحسن بيك كان مسالما للمصريين.

الحروب مع الكرج :

سار السلطان حسن الطويل إلى الكرج عدة مرات فلم يتمكن من اكتساحها والقضاء عليها جميعها ذلك ما دعاه أن يهتم لأمرها والعزم على ضبطها ... وفي هذه السنة (٨٧٧ ه‍) سار بنفسه إلى تفليس فافتتحها ... ومن هناك توغل في المملكة فحاصر ملكها (بكزات) ... وهذا حاول إرضاء حسن بيك بتقديمه هدايا فلم ينجح ولم يقدر أن يصد حركة السلطان الأكيدة وقضائه المبرم ... فحدثت معركة طاحنة لم يدخر فيها أمير الكرج ما في وسعه إلا أنه خذل وفر هاربا وترك ما في يده من بلاد إلى السلطان فكان لهذه المعركة وقع كبير في النفوس فقد بلغ الأسرى ثلاثين ألفا كما أن خزائن بكزات ، وأمواله صارت غنائم ، استولى عليها حسن بيك ...

__________________

(١) بدائع الزهور : ابن إياس ج ٣ ص ٨٤ و ٨٦ و ٨٧.

٢٤٩

٢٥٠

كاد يكون الوحيد في حروبه وانتصاراته ، لو لا أن نالته الضربة من السلطان محمد الفاتح (١) ... فلم تمض أيامه على حالها حليفة النصر والظفر ...

حوادث سنة ٨٧٨ ه‍ ـ ١٤٧٣ م

حروبه مع العثمانيين أيضا :

في منتخب التواريخ لم يفصل بين الواقعة السابقة وهذه فقال : «في أواخر سنة ٨٧٦ ه‍ قصد الروم وفي حدود آذربيجان تحارب جيشه هناك مع مقدم جيوش الروم (العثمانيين) فانتصروا على العثمانيين وقتلوا خاص مراد الرومي. وبعد ذلك يوم السبت ٩ ربيع الآخر سنة ٨٧٧ ه‍ تقارع مع السلطان محمد ملك الروم فانكسر وقتل ابنه زينل بيك وكان والي قزوين فعاد هو إلى تبريز فلم يعقب عسكر الروم أثره وعاد السلطان محمد إلى بلاد الروم. وبعد قتل زينل بيك فوضت قزوين إلى أخيه يعقوب بيك ...» ا ه. ومثله في لب التواريخ.

وأما القرماني فإنه عدها في السنة التالية قال :

«في سنة ٨٧٨ ه‍ نهض كل من الملكين السلطان محمد خان وحسن الطويل إلى قتال الآخر فالتقى العسكران بقرب مدينة بايبورد فوقع بينهما قتال شديد فكان النصر للسلطان محمد خان فانهزم حسن الطويل وقتل ولده زينل على يد السلطان مصطفى ...» ا ه (٢).

ومهما يكن من تساهل المؤرخين في ضبط التاريخ فقد كان الباعث الوحيد لهذه وسابقتها أن القرمانيين لما رأوا من العثمانيين تضييقا مرّا

__________________

(١) مشاهير إسلام ص ٢١٨.

(٢) أخبار الدول وآثار الأول ص ٣٣٧.

٢٥١

مالوا إلى حسن بيك واستمدوا به لدفع هذا الصائل الذي لم يطيقوا كفاحه ... وطلبوا من السلطان حسن الحماية ... وهذا اهتم للأمر وجهز فيلقا ساقه إلى الممالك العثمانية فتقدم إلى طوقات فأبادها وسار إلى قيصرية وكان ما مر. ثم إن السلطان حسن سار بنفسه وأقام عساكره في نقاط مهمة وتأهب للحرب ...

أما السلطان محمد الفاتح فإنه حينما سمع بهذا الخبر جمع جيشا تبلغ عدته مائة وثمانين ألفا ونهض لمقارعته ... وكان في مقدمة جيشه (خاص مراد) وهذا قد قرب من عدوه فتأهب لمحاربته ولما نالته الصدمة الأولى من جيش حسن بيك وافى الفاتح بسرعة لقراع عدوه في صحراء (ترجان) (١).

إن حسن بيك عهد لنفسه قيادة القلب وجعل القائد على الميمنة ابنه زينل بيك وعلى الميسرة بعض الأمراء ممن اعتقد فيهم الكفاءة ...

وعلى كل بادرت ميمنة العثمانيين وميسرتهم بالهجوم فكانت النتيجة أن اختلت ميمنة الجيش وقتل قائدها زينل بيك فحاول السلطان حسن إعادة النظام إلى الجيش المغلوب بكل جهد فذهبت محاولاته عبثا ولم يفد التشجيع فانحلوا ولم يعد أمر إدارتهم ميسورا ...

هذه الحرب كانت من الحروب العظيمة المعدودة بل هي من أكبر الحروب التي جابهها السلطان حسن ودارت فيها الدائرة عليه فقد قتل فيها ابنه وأسر من جيشه نحو أربعين ألفا ... فكانت مصيبتها كبيرة ونكبتها وبيلة جدا ... فلم يستطع الدخول في الحرب مع العثمانيين مرة أخرى وحاذر أن يناله ما يؤدي إلى ضياع جميع ما بيده فاتخذ التدابير اللازمة للرجعة المنتظمة ...

__________________

(١) في تاريخ تركية أن الحرب كانت في تلال (أو تلق بلي) قرب أرزنجان ص ١٨.

٢٥٢

والحق أن هذه الواقعة سببت توقيف نموه عند حده وكاد يطمع فيه أعداؤه فيستعيدوا مكانتهم ... فكانت قاصمة الظهر فلم ينالوا نجاحا مهما بعد أن أذعنت لهم أمم كثيرة وأرهبوا مصر وكذا أرعبوا العثمانيين وخافوا أن يصيبهم ما أصابهم أيام تيمور لنك فاتخذ السلطان العثماني وسائل لتقوية نشاط الجيش فأكرمه ووعده بإنعامات أخرى ... ونذر أن يعتق عبيده وإماءه ...

وعلى كل حال كان هذا الانتصار العثماني فاتحة عهد جديد ونمو عظيم ... وإن كانوا لم يعقبوا الأثر ولم يقضوا على عدوهم ولكن الانتصار كان كبيرا جدا ...

حروبه مع الكرج :

إن انتصار الترك العثمانيين في الواقعة السالفة مما اطمع أعداء الطويل وهم الكرج من استعادة مكانتهم فعصوا عليه إلا أنه كان قد احتفظ بمقدار كبير من جيشه ورجع رجعته المنتظمة ... فلما رأى هؤلاء قد قاموا في وجهه ساق عليهم جيوشه ونكل بالثائرين منهم والناهضين عليه فقتل فيهم تقتيلا مرا وأعاد النظام إلى نصابه كما كان ثم رجع إلى عاصمته ... كذا في مشاهير إسلام (١).

وقال في منتخب التواريخ : «إن السلطان حسن ذهب إلى بلاد الكرج في أوائل سنة ٨٨١ ه‍ وأخذ معه السادات والمشائخ وأرباب الأقلام فافتتح بلادا كثيرة من كرجستان وغنم غنائم وافرة فأنعم على المذكورين من هذه الغنائم بإنعامات كبيرة ... جرت هذه الواقعة بعد حروبه مع العثمانيين. وكذا في لب التواريخ. وأيد تاريخ الوقعة ما جاء في (تاريخ عالم آراي أميني) من أنه غزا الكرج في هذه السنة وهي سنة

__________________

(١) ص ٢٢٠.

٢٥٣

٨٨١ ه‍. وهو الصحيح فإن هذا التاريخ من الوثائق المعاصرة لنفس هذه الحكومة.

أعماله بعد عودته :

إن السلطان حسن بيك لم يضع تدبيرا فإنه مضى في سبيل إدارة المملكة وضبط أمورها وبنى القلاع الواجب بناؤها. وأنشأ استحكامات مهمة وزاد في قوة الجيش إلى غير ذلك مما تقضي به الحيطة وتوقع الحوادث وتدارك نقاط الضعف ... وكان في أمل أخذ الثأر والانتقام من العثمانيين بالهجوم عليهم مرة أخرى ... فحال دون ذلك مرضه ثم وفاته ... فلم يطل أمد حياته ...

حوادث سنة ٨٧٩ ه‍ ـ ١٤٧٤ م

وما يليها إلى غاية سنة ٨٨١ ـ ١٤٧٦ م

مرض حسن بيك :

أصاب السلطان مرض. وكان عصى عليه ولده أوغرلو محمد في واقعة الروم ، فلما سمع بمرض والده توجه من الروم إلى بلاد أبيه ، وجاء إلى أنحاء بغداد طمعا فيها ، وترقبا لما يحتمل وقوعه ، فلم يوافقه خليل بيك ، فمضى إلى حدود عراق العجم. وفي هذه المدة شفي والده حسن بيك مما أصابه ، فأرسل إلى ولده بياندر وأمره بقتله ، فقتله في سنة ٨٨٠ ه‍ (١).

جراد وغلاء :

في هذه السنة هجم الجراد النجدي على الموصل ، وأكل الزرع

__________________

(١) الغياثي ص ٣٦٦.

٢٥٤

وحصل الغلاء ثم رحل الجراد إلى شهرزور ، وعاث في غلاتها فحدثت منه أضرار أيضا (١)

ولاية بغداد ـ وقائع أخرى :

ثم إن دانا خليل بيك خاف من حسن بيك من جهة ما اغتابوه في أنه كان السبب لمجيء أوغورلو محمد إلى بغداد ولذلك أرسل السلطان شاه علي بيك حاكما مكانه وأعطاه الحلة فدخل شاه علي بغداد يوم الجمعة ٦ رمضان بعد الصلاة سنة ٨٧٩ ه‍ ومضى خليل بيك إلى الحلة. وكان ذلك قبل قتلة أغورلو محمد ...

وفي غرة جمادى الأولى سنة (٢) ٨٨٠ ه‍ أرسل حسن بيك جماعة لإلقاء القبض على خليل بيك فانهزم من الحلة إلى المولى محسن المشعشع وتفرقت عساكره عنه وتبعه القليل.

وفي ٧ جمادى الأولى سنة ٨٨٠ ه‍ أقام القائم (كذا) متطلعا الأخبار. وفي ٢ جمادى الثانية أرسل المشعشع إليه سفنا وحملوه إليه وسيروا دوابه من طريق البر.

وأرسل حسن بيك إلى الحلة حمزة حاكما عوضا عن خليل بيك. ومكث خليل عند المشعشع سنة وثمانية أشهر حتى رضي عنه حسن بيك بشفاعة والدته فإنها خالته كما تقدم. فأرسل في طلبه فتوجه إليه من عند المشعشع بتاريخ ذي الحجة سنة ٨٨١ ه‍. وقتل السلطان وزيره شاه علاء الدين لسوء ظن حدث.

__________________

(١) الآثار الجلية في الحوادث الأرضية.

(٢) جاء في الغياثي سنة ٨٨٩ وهو ظاهر الغلط ومجرى الحوادث يستدعي أن يكون ما ذكرنا.

٢٥٥

حوادث سنة ٨٨٢ ه‍ ـ ١٤٧٧ م

ولاية بغداد ـ تبدلات :

إن شاه علي كان قد مكث في بغداد ثلاث سنوات إلا شهرين فعزل ونصب إبراهيم الوزير في أوائل رجب سنة ٨٨٢ ه‍. ثم أرسل عوضه الأمير شيخ حسن حاكما ببغداد فدخلها يوم الاثنين ١٧ شعبان سنة ٨٨٢ ه‍ (١).

وفاة حسن الطويل

وفاة السلطان حسن :

في ٢٧ رمضان سنة ٨٨٢ ه‍ توفي السلطان حسن الطويل كذا في الغياثي ، وجاء في منتخب التواريخ أنه توفي ليلة عيد الفطر من هذه السنة ، وفي الشذرات والضوء اللامع أنه توفي في جمادى الآخرة أو رجب ، ودفن في المدرسة النصرية التي انشأها في يستانه بجوار تبريز ، فكانت مدة حكمه على ما جاء في منتخب التواريخ ١١ سنة ، وفي الغياثي أنه حكم بعد جهان شاه عشر سنوات .. والعملية حسابية صرفة خصوصا بعد تعين زمن سلطنته ...

ملحوظة :

رأيت في متحفة الأوقاف الإسلامية باستانبول فرمانا يعود لزاوية ماردين وهي زاوية الشيخ كمال الدين أصدره هذا السلطان ، وإمضاؤه الواثق بالله الرحمن حسن بن علي بن عثمان ، كتب باللغة الفارسية ، مؤرخا في ٧ المحرم سنة ٨٧٢ ه‍ وخطه قريب من الديواني ، ولم أتمكن من قراءته لقدمه وتشوش خطه.

__________________

(١) الغياثي ص ٣٦٧.

٢٥٦

ترجمة السلطان حسن الطويل :

كاد يبلغ هذا السلطان ما بلغه أكابر الفاتحين في اكتساح الممالك. وله مزايا يفوق بها غيره وهي رأفته بالأهلين ، وعفوه عند المقدرة واعتداله فيما يحرص الآخرون في الانتقام من أجله. وأعماله المعقولة مراعاة الحكمة من جهة والسطوة من أخرى ...

نعته مؤرخون كثيرون بخير الأوصاف ونسبوا إليه أحسن الأفعال قال في حبيب السير هو أبو النصر حسن بيك توفي سنة ٨٨٢ ه‍ وكان من وزرائه شمس الدين محمد بن سيدي أحمد وبرهان الدين عبد الحميد الكرماني ومجد الدين إسماعيل الشيرازي. فقاموا بتقرير العدل ـ كما رغب السلطان ـ خير قيام. وكان في أيامه من أهل التأليف المولى أبو بكر الطهراني كتب تاريخا في وقائع أيامه وفي أحواله إلا أنه لم يعثر عليه (١).

وفي منتخب التواريخ :

كان ملكا عالما وقاهرا صاحب شوكة. محبا لرعاياه وعدله ورأفته قد بلغا النهاية. وأما هيبته وسياسته فإنهما ما لا كلام فيهما ولا يزال (قانونه) مرعيا لحد الآن في استيفاء المال والحقوق وكان يتوصل في مهماته وأحكامه إلى نهج العدل والحق. وإن الشرع قد نال في أيامه رواجا عظيما. واكتسب عظماء الإسلام المكانة اللائقة والتوقير التام. وكان يجالس العلماء والفضلاء ويتباحثون بمحضره في التفسير والحديث والفقه. ولم يقصر في توفير السادة والمشائخ وما يترتب من تكريمهم ويعطي الجوائز والمنح. وقد عمل المساجد والمدارس والرباطات ...

وفي أوائل دولته انتصر في حادثين مهمين على ملكين شهيرين

__________________

(١) راجع هذا الكتاب في وصف ديار بكرية.

٢٥٧

أحدهما جهان شاه ... والآخر السلطان أبو سعيد ... وكان لحسن بيك سبعة أولاد منهم أوغورلو محمد توفي في أوائل سنة ٨٨٢ ه‍ والسلطان خليل. ويعقوب. ومسيح. ويوسف. ومقصود بيك. وهذا قتل بفرمان من السلطان خليل آخر وفاة أبيه. وزينل كان قد قتل في حرب الروم (١) ا ه.

وجاء في نظم العقيان في أعيان الأعيان للسيوطي أن حسن بيك ... يعرف بالطويل ، سلطان العراقين وآذربيجان وديار بكر وما والى ذلك. وقال : أنشدني شاعر العصر شهاب الدين المنصوري لما وجه السلطان الملك الأشرف .. عساكره إليه لقتاله حين خرج وبغى :

هذا الذي ظن الخروج فضيلة

هل تعرفونه باسمه وصفاته

قالوا اسمه حسن فقلت هلاكه

قالوا الطويل فقلت ليل شتاته (٢)

مما يشير إلى أيام الخلاف بين مصر وبين السلطان حسن المذكور وقد طويت غالب أخباره عنا وغابت صفحات كثيرة منها ويهمنا أن نبين أن السلطان حسن قد راعى المجاورين كثيرا خصوصا المصريين فإنه في سنة ٨٧٣ ه‍ أرسل قاصدا إلى مصر يحمل هدية للسلطان ومكاتبة تتضمن تملكه العراقين ومعه مفاتيح لعدة حصون وقلاع مبينا أن كل ما ملكه من البلاد هو زيادة في ممالك السلطان وأنه النائب عنه فيها. وهكذا فعل مع العثمانيين. وفي سنة ٨٧٩ ه‍ أرسل قاصده إلى سلطان مصر ومعه مكاتبة تتضمن الاعتذار عما كان وأن ذلك لم يكن باختياره فأظهر السلطان العفو (٣) ...

__________________

(١) منتخب التواريخ ص ١٨٧ وحبيب السير.

(٢) كذا راجع صحيفة ١٠٤ وفيها غلط في تاريخ الوفاة وأسماء الأجداد.

(٣) بدائع الزهور وج ٢ ص ١٥٠ ج ٣ ص ٢٥.

٢٥٨

ومن هذه يظهر أنه مسالم بالرغم مما رأى من النواب التابعين لمصر وأنه يرغب في تقرير الإدارة وتثبيتها ... ولكن المصريين حملوا فعله على التملق .. وهكذا كانت آمال العثمانيين طامحة كثيرا فلا ترضى بالتوقف ...

وفي مشاهير الإسلام :

«أنه كان شديد الحرص على بث العلوم والفنون فدعا إليه علماء العراق وإيران وأدباءهما فجعل تبريز مركزا للكمالات والآداب المختلفة والمنوعة ... وفتح المدارس العديدة لتحصيل العلوم وضروب المعرفة وجعل الوظائف للمدرسين وقرر لهم المرتبات .. (إلى أن قال) وكان عاقلا ، عادلا ، شجاعا ، تقيا ، محبا للعلماء ، صاحب خيرات وكثير الحسنات. وقد بلغ من العمر ٥٤ سنة فتوفي عام ٨٨٢ ه‍ ...) ا ه.

وجاء في تاريخ الغياثي :

«كان عادلا ، خيرا أراد أن يبطل التمغات من أصلها في جميع بلاده فلم يوافقه امراؤه فجعلها درهما من كل عشرين درهما على النصف وأقل مما يأخذه السلاطين قبله. وأبطل بيت اللطف (كذا) وتوابعه من الخمر والميسر في جميع بلاده ، وأطلق خارج (كذا) المال الذي كانوا يأخذونه من جميع بلاده (الضرائب) وكتب (قانوننامه) في الشكاوى والتخاصم مما يقع بين الناس ويستدعي عقوبة فاعله بالتعزير والتجريم وغير ذلك وأرسلها إلى جميع بلاده ليعملوا بموجبها ... ولم يغادر من أمور العدل شيئا يقدر على فعله .. وكان يحب العلماء والأدباء ويعامل أهل البلاد المفتوحة بأنواع الرأفة والعدل» ا ه ص ٣٦٨.

وفي الضوء اللامع أنه انتزع مملكة بني أيوب بقتله زين العابدين الملقب بالصالح وأخويه بني علي بن محمود بن العادل سليمان وذلك في سنة ٨٦٦ ه‍. ومات في جمادى الآخرة أو رجب سنة ٨٨٢ ه‍.

٢٥٩

وفي تاريخ تركية لأحمد حامد ومصطفى محسن : «إن آخر ملوك طرابزون داود قومنن كان قد صاهر حسن الطويل فكان يحاول أن يحميه ولكن تشبثاته ذهبت سدى. ونقل في الهامش عن هامر الألماني أن الأميرة زوجة حسن الطويل هي كانرينة بنت جان أخي داود والمتولي قبله ...» ا ه (١).

وقال في بدائع الزهور :

«كان ملكا جليلا عاقلا سيوسا كثير الحيل والخداع اقتلع ملك العراق .. وقتل عمه الشيخ حسن ، وانقرضت دولة بني أيوب على يده ، ثم قوي على جهان شاه وحاربه حتى قتله وشتت أولاده ، وملك تبريز والعراقين ، وبلغ مبلغا لم يصل إليه أحد من أجداده ولا من أقاربه وقد تحرش بابن عثمان ملك الروم .. فما قدر عليه ثم تحرش بسلطان مصر ، وجرى له مع الأشرف قايتباي أمور يطول شرحها. وكان الأشرف يخشى سطوته ، فلما مات عد ذلك من جملة سعده». ج ٣ ص ١٤٤.

والحاصل كان حسن بيك من أكابر ملوك الشرق الأدنى وأعاظم الفاتحين وبوفاته بلغت فتوحه مبلغا عظيما من السعة يحير العقول ويبهر الفحول .. ويدل على مقدرة وهمة كبيرة وإقدام وروية .. أذعن له من الأقطار ما يصلح كل منها للقيام بحكومة مستقلة ، ولو طال به الأمد لتجاوز حد المعقول وفاق أكابر الفاتحين أمثال تيمور في سعة الممالك .. هذا في حين أنه لا يقاس بغيره من أصحاب العسف والجور فهو لم يعدل عن طريق الإنصاف ، ولم يتجاوز المألوف مع أكبر أعدائه وخصومه لمجرد حقن الدماء ، وافق أن يترك للسلطان أبي سعيد بلادا كثيرة فعاند في قبول الصلح ولما قتل أسف عليه حتى أنه اشترك مع أمه

__________________

(١) تركية تاريخي ص ٩.

٢٦٠