اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

« مأمورة » صفة أُخرى ، فإن كانت من الأمر بمعنى طلب الفعل ، قدّر لها متعلّق ، أي مأمورة بالهبوب.

« ذاهبة » صفة أُخرى.

« ليس لها مرجع » إمّا صفة أُخرى لها أو صفة لذاهبة.

المعنى :

معنى البيت الأوّل : أنّ ذلك الحوض حوض له من المقدار أو المسافة أو المساحة ونحو ذلك ما بين صنعاء وأيلة من ذلك ، أو ما هي المواضع التي من صنعاء إلى أيلة ، أو ما من صنعاء إلى أيلة ، أو ما بين صنعاء وأيله وأيلة مبتدأ من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، أو له من المقدار ونحو ذلك مثل ما بين صنعاء! إلخ.

أو فيه من المقدار ما بين أو مثل ما بين والعرض الذي فيه أو معه ، أي عرضه أوسع من ذلك ، أي ممّا بين صنعاء وأيلة.

فالحاصل أنّه حوض له من العرض مثل ما بين صنعاء وأيلة وزيادة على ذلك ، أو معناه أنّ ذلك حوض للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن صفته أنّه (١) أو وهو مثل ما بين كذا وكذا وأوسع.

لا يقال إنّ الحكم بالمماثلة ينافي الحكم بأنّه أوسع.

لأنّا نقول : إنّما يلزم ذلك لو كان المثل وحده خبراً و « أوسع » خبراً آخر وليس كذلك ، بل مجموع المعطوف والمعطوف عليه خبر ، فكأنّه قيل : إنّه مجموع المثل والزيادة ، كما في نحو قولك : هو ذراع ونصف.

ومعنى البيت الثاني : أنّه يقام في أُولئك القوم أو في الخلائق من هو علم للهدى أي يهتدى به ، أو حبل الهدى أي حبل من الهدى ، كأنّه مجسّم عظيم منه أو

__________________

١ ـ كذا.

٤٦١

يعرف به الهدى كما يعرف ما يوضع على الحبل من النّار ونحوها ، أو حبل أهل الهدى أي عظيمهم ، أو راية الهدى أي علامة يعرف بها الهدى ، فإنّ الراية علامة العسكر أو راية أهل الهدى ، أي أهل الهدى كلّهم أتباعه ، فإنّ العسكر تحت الرايات.

وكذا المعنى إن أُريد بالعلم ما يعقد على الرمح ، أو سيّد أهل الهدى ، أو ينصب فيهم لأجل الهدى علم ، والحال أنّ الحوض مترع من ماء له أي من مائه ، أو مترع من ماء لأجل ذلك العلم فإنّه لا يشرب من مائه إلاّ هو وشيعته ، أو مترع من ماء هو ملك لذلك العلم أو مخصوص به أو حقّه.

ومعنى البيت الثالث : أنّ الحوض يسيل فيه ناشئاً من رحمة اللّه تعالى أو لرحمته كوثر ، أي النّهر المعروف حال كونه ، أي الكوثر أو الحوض أبيض كالفضّة بل أخلص بياضاً وأشدّ ، أو أشك في أنّه كالفضّة أو أنصع ، أو أنّ الرائي يتحيّر بين أن يقول إنّه كالفضّة ، وأن يقول إنّه أنصع.

أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو ماء كثير أبيض وهو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو أنّه يسيل على رحمة اللّه أي الحوض كوثر حال كونه أبيض أو موصوف بأنّه أبيض أو هو أي الكوثر أو الحوض أبيض ، أو حال كون رحمة اللّه أي الحوض أبيض أو أبيض أو يفيض كوثر حال كونه من جملة رحمة اللّه.

أو يفيض الحوض أي يسيل من جوانبه من رحمة اللّه تعالى ، أي ناشئاً منها أو لرحمة ، أو حال كونه من جملة رحمته ، وهو أي الحوض كوثر أي ذلك النّهر حال كونه أبيض أو مسمّى بالكوثر موصوف بأنّه أبيض ، أو ماء كثير أبيض أو هو كثير وهو أبيض.

ومعنى البيت الرّابع : أنّ صغار حجارات الكوثر أو الحوض ياقوت ، وصغار من الدّر وكبار منه لم يستخرجها أصبع من الأصداف ، بل إنّما خلقها اللّه تعالى

٤٦٢

وأبدعها فيه كذلك بلا أصداف ، أو كبار من الدرّ وصغار منه ، أو حمر منه وبيض أو بسند ولؤلؤ.

ومعنى البيت الخامس والسّادس : مسيله مسك وأطرافه كذلك حال كونها تتحرك من الغضارة مبتدئاً منها أو فيها أو عليها أو عندها نبات ، أو مكان ، معجب موقع للخلق في الخصب ، أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة وشديد الصفرة ، أو خالص اللّون أصفر ، بل أشدّ صفرة ، أو أخلص صفرة ، أو أشدّ من أن يقال له إنّه أصفر فاقع ، أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء ، بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر ، ومعنى « أو » : « بل » أو « الشكّ » أو « التحيير » كما في السابقة.

يعني أنّ النبات هناك على قسمين : أخضر ناضر ، وأصفر فاقع. والمراد به الزعفران كما مرّ فيما رويناه من حديث الكوثر ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى فيما سنرويه ، أو المعنى : وأطرافه يهتزّ منها مونق. الخ. أو وأطرافه حال كونها يهتزّ منها مونق ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق مربع أخضر ، أو حال كونها يهتزّ منها مونق إلخ. ومنها فاقع الخ.

ومعنى الأبيات الأربعة الباقية : في الكوثر أو الحوض أباريق وأقداح يدفع عنها الناس الرّجل الأصلع المعهود ، أو الكامل من الرجال الأصلح ، والنّاس المدفوعون هم الّذين خالفوه ولم يتّبعوه ، ثمّ بين ذلك الرجل الأصلع فقال : يدفع عنها علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه دفعاً كدفعك إبلاً جربى تدخل في الماء عن الماء لئلاّ يسري جربها إلى سائر الإبل.

وفيه الطيبة والريحان جميع أنواعه أو أنواعهما ذاك كذلك ، أو كما ذكر ، أو الأمر ذاك أو الحوض أو الكوثر ذاك ، الذي وصفته لك أو أحفظ ذاك.

٤٦٣

ويهب عليه أو فيه ، أو والحال أنّه قد هبّت فيه أو عليه محرّكة لما يمرّ عليه من شدّتها ريح ناشئة من الجنّة مأمورة بالهبوب ، أو كثيرة ذاهبة في الهبوب ليس لها رجوع أو زمان رجوع أو مكانه ، أي لا ترجع عمّا أُمرت به ولا تعصي اللّه تعالى.

أو إشارة إلى سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الّذي تهبّ فيه الرّيح رجعت إذا وصلت إلى منتهاها ، إلاّ إذا سكنت ، فكأنّه قال : إنّه لا منتهى لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون ، لا ترجع.

أو إشارة إلى سرعتها ، أو إشارة إلى دوامها لكنّي لا يحضرني الآن ما تدلّ الأخبار على دوام الرّيح وإنّما يحضرني ممّا يدلّ على هبوبها خبر واحد ستعرفه عن قريب ، وإنّما يدلّ على أنّها تهب زماناً دون زمان.

أو والعطر والرّيحان أنواعه أو أنواعهما ذاكية فيه أو بقربه أو عنده ، أو والحال أنّ العطر إلى آخره. أو فيه العطر والحال أنّ الريحان ، أو والريحان أنواعه ذاكية ، أو وفيه العطر والريحان.

ثم ابتدأ فقال : أنواعه أو أنواعهما ذاكية ، أو والحال أنّ أنواعه أو أنواعهما ذاكية. ولنذكر هنا بعض ما حضرنا ممّا رأيناه في كتب أصحابنا رضوان اللّه عليهم من أخبار الحوض والكوثر تصديقاً لمقال النّاظم سلام اللّه عليه ، فنقول :

روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمهم‌الله في « أماليه » ، بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا سيّد الأنبياء والمرسلين وأفضل من الملائكة المقرّبين ، وأوصيائي سادة أوصياء النبيّين والمرسلين ، وذرّيتي أفضل ذرّيات النبيّين والمرسلين ، وأصحابي الّذين سلكوا منهاجي أفضل من أصحاب النبيّين والمرسلين ، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين ، والطاهرات من أزواجي أُمّهات المؤمنين ، وأُمّتي خير أُمّة أُخرجت للناس ، وأنا أكثر النبيّين تبعاً يوم القيامة ولي حوض عرضه مابين بصرى وصنعاء ،

٤٦٤

فيه من الأباريق عدد نجوم السماء ، وخليفتي على الحوض يومئذ خليفتي في الدّنيا.

فقيل : ومن ذاك يا رسول اللّه؟ قال : إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي عليّ بن أبي طالب ، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الإبل عن الماء. (١)

وروى الشيخ المفيد أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطّوسي رضوان اللّه عليهما في « أماليه » ، باسناده عن الأصبغ بن نباته ، عن أبي أيّوب الأنصاري : أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الحوض.

فقال : أمّا إذ سألتموني عنه فسأخبركم : إنّ الحوض أكرمني اللّه به ، وفضلني على كلّ من كان قبلي من الأنبياء وهو ما بين أيلة وصنعاء ، فيه من الآنية عدد نجوم السماء ، يسيل فيه خليجان من الماء ، ماؤه أشدّبياضاً من اللبن وأحلى من العسل ، حصاه الزمرّد والياقوت ، بطحاؤه مسك إذفر ، شرط مشروط من ربي لا يرده أحد من أُمّتي إلا النقية قلوبهم ، الصحيحة نيّاتهم ، المسلمون للوصي من بعدي ، الّذين يعطون ما عليهم في يسر ويأخذون ما عليهم في عسر ، يذود عنه يوم القيامة من ليس من شيعته كما يذود الرّجل البعير الأجرب من إبله ، من شرب منه لم يظمأ أبداً. (٢)

وروى أيضاً فيه بسند عن أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ الباقر عليهما‌السلام يقول : إذا كان يوم القيامة جمع اللّه الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين عراة حفاة ، فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقاً شديداً وتشتدّ أنفاسهم فيمكثون بذلك ما شاء اللّه ، وذلك قوله : ( فَلا تَسْمَعُ إلاّ

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، ح ٤٧١ ، المجلس التاسع الأربعون.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٢٢٨ ، ح ٥٠.

٤٦٥

هَمْساً ) (١). ثمّ قال : ثمّ ينادي مناد من تلقاء العرش : أين النبيّ الأُمّي؟ قال : فيقول الناس : قد أسمعت كُلاًّ فسمّ باسمه ، فقال : فينادي أين نبيّ الرحمة محمّد ابن عبد اللّه؟ قال : فيقوم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيتقدّم أمام النّاس كلّهم حتى ينتهي إلى حوض طوله مابين أيلة وصنعاء فيقف عليه ، ثمّ ينادي بصاحبكم فيقوم أمام النّاس فيقف معه ، ثمّ يؤذن للنّاس فيمرّون.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : فبين وارد يومئذ وبين مصروف ، فإذا رأى رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يصرف عنه من محبّينا أهل البيت بكى وقال : يا ربّ شيعة علي يا ربّ شيعة علي ، قال : فيبعث اللّه إليه ملكاً فيقول له : ما يبكيك يا محمّد؟ قال : فيقول : وكيف لا أبكي لأُناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النّار ومُنعوا من ورود حوضي ، قال : فيقول اللّه عزّوجلّ يا محمّد قد وهبتهم لك وصفحت لك عن ذنوبهم وألحقتهم بك وبمن كانوا يتولّون من ذرّيتك ، وجعلتهم في زمرتك وأوردتهم حوضك وقبلت شفاعتك فيهم وأكرمتك بذلك.

ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يا محمداه! إذا رأوا ذلك قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا. (٢)

وروى مثل ذلك فرات بن إبراهيم الكوفي في « تفسيره » عن جعفر بن محمد الفزاري عن أبي جعفر صلوات اللّه عليه. (٣)

وروى الشيخ الصّدوق أبو القاسم جعفر بن محمّد بن جعفر بن موسى بن قولويه في كتاب « كامل الزيارات » بإسناده عن مسمع كردين ، عن أبي عبد اللّه

__________________

١ ـ طه : ١٠٨.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٦٧.

٣ ـ تفسير فرات : ٢٥٨ ، ح ٣٥٤.

٤٦٦

جعفر بن محمّد الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً وهو في برد الكافور وريح المسك وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدّمع ، وأذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ويمرّ بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر ّوالياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذّهب والفضّة وألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتى يقول الشارب منه : يا ليتني تُركتُ هاهنا لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً.

أما أنّك يا كردين ممّن تروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلى الكوثر وسقيت منه من أحبّنا ، وآنّ الشّارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا ، وإنّ على الكوثر أمير المؤمنين وفي يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم : إنّي أشهد الشهادتين ، فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ، فيقول : تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره ، فيقول ارجع وراءك فقل للّذي كنت تتولاّه وتقدّمه على الخلق فاسأله إذا كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يردّإذا شفع ، فيقول : إنّي أهلك عطشاً ، فيقول : زادك اللّه ظمأ وزادك اللّه عطشاً.

قلت : جعلت فداك وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره؟

قال : ورع عن أشياء قبيحة وكفّ عن شتمنا إذا ذُكرنا وترك أشياء اجترأ

٤٦٧

عليها غيره ، وليس ذلك لحبّنا ولا لهوى منه لنا ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديّنه ولما قد شغَل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمّا قلبه ؛ فمنافقٌ ودينه النصب وأتباعه أهل النّصب وولاية الماضين وتقديمه لهما على كلّ واحد. (١)

أقول : والظاهر من هذا الخبر أيضاً اتّحاد الحوض والكوثر كما لا يخفى.

وفي « الاحتجاج » للطبرسي عن ابن عباس قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ اللّه عزّوجلّ أعطاني نهراً في السماء مجراه تحت العرش ، وعليه ألف ألف قصر ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، حشيشها الزعفران ، ورضراضها (٢) الدرّ والياقوت ، وأرضها المسك الأبيض ، فذلك خير لي ولأُمّتي وذلك قوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر ) (٣). (٤)

وروى عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثر ) قال : نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن ، وأحلى من العسل ، شاطئاه من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، خصّ اللّه به نبيّه وأهل بيته عليهم‌السلام دون الأنبياء. (٥)

وعن حمران بن أعين عن أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه قال : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى الغداة ثمّ التفت إلى عليّ عليه‌السلام فقال : يا عليّ ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟

قال : يا رسول اللّه أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي ولم أصب الماء فلمّا وليت ناداني منادي : يا أمير المؤمنين! فالتفتُّ فإذا إبريق مملوء من ماء فاغتسلت.

__________________

١ ـ كامل الزيارات : ٢٠٥ ح ١ ، باب ٢٣.

٢ ـ الرضراض : ما دقّ من الحصى.

٣ ـ الكوثر : ١.

٤ ـ الاحتجاج : ٥٦.

٥ ـ بحار : ٨ / ٢٥ ح ٢٣ ، عن بشارة المصطفى.

٤٦٨

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي أمّا المنادي فجبرئيل ، والماء من نهر يقال له : « الكوثر » عليه اثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة وستون غصناً ، فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح ، فما من شجرة ولا غصن إلاّ وهو أحلى صوتاً من الآخر ، ولو أنّ اللّه تبارك وتعالى كتب على أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحاً من شدّة حلاوة تلك الأصوات ، وهذا النّهر في جنّة عدن وهو لي ولك ولفاطمة والحسن والحسين ، وليس لأحد فيه شيء. (١)

أقول : فهذه الريح هي الّتي أشار إليها الناظم رحمه‌الله.

وفي المناقب للشيخ الإمام رشيد الدّين أبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني رحمه‌الله ، عن أنس قال : دخلت على رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : قد أُعطيت الكوثر ، فقلت : يا رسول اللّه وما الكوثر؟ قال : نهر في الجنّة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب لا يشرب أحدٌ منه فيظمأ ولا يتوضأ أحد منه فيشعث ، لا يشربه إنسان أخفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي ، النبي يذود عليّ عنه يوم القيامة من ليس من شيعته ، ومن شرب منه لم يظمأ أبداً. (٢)

فلنكتف بهذا القدر فإنّ ذكر الجميع لا يفي به المقام.

بقي الكلام في التقديرات المختلفة الواقعة في الأخبار على تقدير الحكم بصحّة الجميع. وللجمع بينها وجوه :

منها : أنّ هذه التقديرات كلّها راجعة إلى معنى واحد هو المبالغة في السعة كما أنّ « السبعين » مبالغة في الكثرة ، في نحو قوله تعالى : ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ). (٣)

__________________

١ ـ شرف الدين الحسيني : تأويل الآيات : ٢ / ٨٥٨ ، ح ٤ ، ورواه الخوارزمي مع أدنى تغيير.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٢.

٣ ـ التوبة : ٨٠.

٤٦٩

ومنها : انّه يجوز أن يختلف عروضه باختلاف الأمكنة كما يشاهد في أنهار الدّنيا وحياضها فيكون عرضه في بعض المواضع كذا وفي بعضها كذا.

ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض في بعضها أقصر الامتدادات المفروزة وفي بعض آخر امتداد آخر أكبر من ذلك وهكذا.

ومنها : أنّ لكلّ من المؤمنين فيه نصيباً مفروضاً فيجوز أن يكون المراد عرض ما لكلّ منهم وهو يختلف باختلاف مراتبهم في الفضل.

ومنها : أنّه يجوز أن يكون المراد بالعرض الجانب ، ويكون له جوانب شتى متفاوتة.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : حذف ما بنى عليه حوض ، للاختصار وللوزن ولشدّة الاهتمام بذكر الحوض ووصفه.

الثانية : تنكير « حوض » للتعظيم والدلالة على أنّه ليس من جنس ما يمكن أن يعرف ، والأمر كذلك لأنّه ليس من جنس حياض الدنيا.

الثالثة : العدول عن « في » إلى « اللاّم » إن كانت بمعنى « في » ؛ للدلالة على مزيد الاختصاص أو الاستحقاق والتوجيه والوزن.

الرابعة : تقديم الظرف إن كان ما بعده مبتدأ للوزن وتقريب الضمير من مرجعه ، والعائد الّذي هو وصلة إلى الوصف من الموصوف وأهميّته ، لأنّ الكلام في ذكر ما للعرض والدلالة على الاختصاص من بين الحياض.

الخامسة : حذف المضاف من ما بين صنعاء ، للإيجاز والوزن والاحتراز عن

٤٧٠

صورة التمثيل المؤذن بانحطاط مرتبة المشبه عن مرتبة المشبه به.

السادسة : حذف المبتدأ إن كان ما خبراً لمبتدأ محذوف لجميع ما ذكر في مبتدأ حوض مع التوجيه.

السّابعة : أبهم أوّلاً أنّ ما هو مثل ما بين صنعاء وأيلة من ذلك الحوض أي امتداد له طوله أو عرضه ، ثمّ بيّن أنّه العرض بقوله : « والعرض به أوسع » على طريق الكناية لا التصريح فقد أتى بطريقين في بيان المطلوب بليغين في الغاية.

الثامنة : في إبهام ما بين الموضوعين للتعبير عنه بها دلالة على التفخيم والتعميم وتوجيه لاحتمال « ما » الموصولة والموصوفة.

التاسعة : العدول عن « الواو » في أيلة إلى « إلى » للتبنيه على شرافة صنعاء بالنسبة إلى أيلة ، فينبغي أن يبتدى الماسح منها ، لما روي في الأخبار من فضل اليمن ، وقد روي أنّ الكعبة يمانية والإيمان يماني.

وروى الشيخ الجليل أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي في كتاب « كنز الفوائد » عن الشريف أبي محمد الحسن بن محمد الحسيني ، عن علي بن عثمان المعمر الأشبح قال : حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبّ أهل اليمن فقد أحبّني ومن أبغضهم فقد أبغضني (١). والتنبيه على أنّها أقرب إلى الناظم رحمه‌الله وذلك لأنّه يماني واليمن أقرب إلى ذهنه وإن كان في غيره.

والوجهان جاريان فيما إذا كان إلى ايلة حالاً وكان معادل صنعاء محذوفاً ، وحينئذ ففي حذف المعادل مع الإيجاز توجيه.

العاشرة : في التعبير عن عرضه بقوله : « العرض به أوسع » ما لا يخفى من

__________________

١ ـ كنز الفوائد : ٢٦٦.

٤٧١

الإيضاح بعد الإبهام للتفخيم.

الحادية عشرة : العدول عن « له » إلى « به » مع أنّه الظاهر ، فإنّ عرضه بمعنى عرض له ، فإذا فكت الإضافة صار العرض له للمبالغة في الوصف بالسعة ، فإنّه إذا قيل : إنّ عرضه أو العرض له أوسع ، دلّ على أنّ تمام عرضه أوسع ، وأمّا الآن فيدلّ على أنّ فيه أو معه من العرض ما هو أوسع ، وفيه دلالة على أنّ تمام عرضه أوسع ممّا حكم عليه بأنّه أوسع.

الثانية عشرة : تقديم الظرف ، أعني : فيهم ، على الفاعل لتقريب الضمير من مرجعه والوزن ، ولأنّه لو أُخّر عنه لتوهّم أنّه من صفاته وأنّ ذلك العلم من جملتهم وليس كذلك.

الثالثة عشرة : تنكير « علَم » للتفخيم والإيضاح بعد الإبهام وآلتوجيه.

الرابعة عشرة : حذف المضاف إلى الهدى إن كان مضافاً إليه لمقدّر ، للوزن والاختصار والتوجيه ، وإن لم يكن له مضاف محذوف وآريد به أهل الهدى مجازاً كان لجميع ما ذكر مع المبالغة المتضمّنة للمبالغة في وصف العلَم.

الخامسة عشرة : تقديم « من ماء » على « مترع » ، للوزن والقافية.

السادسة عشرة : تنكير « ماء » للتعظيم والتوجيه والإبهام ثمّ التفسير إن كان « له » صفة له وهو أيضاً للتعظيم.

السابعة عشرة : تقديم « من ماء » على « له » إن كان « له » ظرفاً ل‍ « مترع » والضمير عائداً على « علَم » للوزن والتوجيه.

الثامنة عشرة : تقديم « له » على « مترع » إن كان متعلّقاً به ، للتوجيه والوزن والقافية وإفادة الحصر.

التاسعة عشرة : تقديم « من رحمته » على « كوثر » إن كان فاعلاً ل‍ « يفيض » ، أمّا

٤٧٢

إن كان حالاً منه فلزيادة التخصيص لذي الحال والتوجيه والوزن وزيادة الاهتمام بذكر الرحمة ، وإن تعلّق ب‍ « يفيض » فلجميع ذلك عدا الأوّل ، ولتقريب العائد إلى المعود عليه إن كان رحمته اسماً ظاهراً قائماً مقام المضمر المكمل.

العشرون : لا يخفى ما في إقامته المظهر مقام المضمر في قوله « من رحمته » إن كان ، وكذا في « كوثر » إن كان ، من الدلالة على صفة أو اسم له بأخصر وجه والتوجيه.

الحادية والعشرون : تنكير كوثر إن كان منكراً للتفخيم إمّا تفخيم ذاته ، أو من جهة كثرته ، أو للتكثير ، أو لهما معاً ، كما قيل في قوله تعالى : ( وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ) (١) ، أو لنكارته عنده لأنّه ليس من قبيل مياه الدنيا.

الثانية والعشرون : التعبير عن « بل » ب‍ « أو » إن كانت بمعناه للتوجيه.

الثالثة والعشرون : تنكير « ياقوت » للتعظيم أو التكثير أو لهما معاً ، أو لنكارته عنده لأنّ من المعلوم أنّه ليس من جنس يواقيت الدنيا ، وكذا الكلام في لؤلؤ ومسك وأباريق وريح.

الرّابعة والعشرون : إضافة « المرجان » إليه لأنّه لمّا كان المرجان عبارة عن صغار الدرّ ، دلّ على أنّ المراد به صغار الدرر التي فيه ، وإن كان أكثر بكثير من كبار درر الدنيا ، وكذا إن كان المرجان عبارة عن كبار الدرر ، فقد دلّ على أنّ المراد كبار الدرر التي فيه لا الكبار من نحو درر الدنيا ، وإن كان عبارة عن السند فقد دلّ على أنّه ليس بهذا الماء والصّفاء الذي عليه بسند الدنيا ، إذ ليس له كثير ماء ودواء.

__________________

١ ـ فاطر : ٤.

٤٧٣

وللإضافة وجهان آخران يعمّان جميع الاحتمالات في المرجان :

أحدهما : الدلالة على أنّه ممّا يكون فيه.

والآخر : الدلالة على أنّه جنس مخصوص به ليس في غيره مثله وليس من جنس ما في الدنيا.

الخامسة والعشرون : العدول عن كله ونحوه بقوله : « ما دون الورى » لأنّ المبالغة فيه أكثر وللدلالة على سعة المكان جدّاً.

السادسة العشرون : توسيط التأكيد بين « أخضر » و « ناضر » لزيادة الاهتمام به.

السابعة والعشرون : إنّ إضافة « القدحان » إلى ضمير « الحوض » ، أو « الكوثر » لمثل ماله أُضيف المرجان إلى ضميره من الدلالة على أنّها ليست من قبيل قدحان الدنيا لا ذاتاً ولا صفة ولا عدداً فإنّها كما عرفت من الأخبار بعدد نجوم السماء أو أكثر.

الثامنة والعشرون : تقديم « عنها » على فاعل يذبّ ، للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه ، ولطول الفاعل بالصفة.

التاسعة والعشرون : تعريف الرّجل باللام العهدية للدلالة على أنّه معروف عند كلّ أحد المتمم (١).

الثلاثون : وصفه بالأصلع لزيادة التعريف والإيضاح وللمدح ، لما عرفت من الخبر ولما أنّه صلوات اللّه عليه قد أُثبت في كتب الأوّلين بأصلع قريش كما يظهر من الأخبار والآثار ، ففيه إيماء إلى هذا الفضل أيضاً.

__________________

١ ـ كذا في الأصل.

٤٧٤

الحادية والثلاثون : لا يخفى ما أثره من الإبهام ثمّ التفسير ثمّ ما أثره في التفسير من تفسير جملة يذبّ عنها الرّجل الأصلع ليتكرر ذكر « الذبّ » فيفيد التأكيد.

الثانية والثلاثون : عدم التصريح باسمه صلوات اللّه عليه للتعظيم والدلالة على معلوميّته من غير حاجة إلى الذكر.

الثالثة والثلاثون : نسبة ذبّه صلوات اللّه عليه إلى الأباريق والقدحان للمبالغة فإنّه إذا ذبّ عنها فهو بالطريق الأولى يذبّ عن أصل الحوض والكوثر.

الرابعة والثلاثون : تذكير « ذاك » إن كان اسم فاعل من « ذكا » للإشارة إلى أنّ كلّ فرد من أفراده ذاكي وإن لم ينضم إليه غيره ، فإنّه لو قيل : ذاكية لربّما احتمل أن يكون ذكا الرائحة من اجتماع الكل.

الخامسة والثلاثون : التعبير عن هبوب الزعزع بلفظ الماضي ، للدلالة على تحقّق وقوعه.

السادسة والثلاثون : لا يذهب عليك ما فعله من إبهام الزعزع ثمّ تفسيره.

السابعة والثلاثون : تقديم النعت الأوّل ، أعني « من الجنة » على الثاني أعني « مأمورة » للاهتمام والوزن ولأنّه لو أُخر لتوهّم تعلّقه بالأمر ولطول الثانية ، لأنّ المصراع الأخير بمنزلة التأكيد لها.

البيان :

إن أُريد ب‍ « اللاّم » في « له » معنى « في » كانت استعارة تبعية وكذا إن كانت لشبه الملكية ، وإن أُريد بما بين الموضعين مثله كان استعارة النصب يحتمل أن يراد به معناه الحقيقي ، وأن يراد رفع الرتبة أو الجعل فيما بأُمورهم تشبيهاً لارتفاع الرتبة

٤٧٥

بالارتفاع الوضعي الذي للقائم على القعود ، أو لحال القيّم بأُمور الناس من التسلّط عليهم والقدرة على الأفعال بحال القائم ، ولحالهم من العجز والضعف عن التصرّف بحال القعود ، فيكون على التقديرين استعارة تبعية.

التحقيق :

إنّ « العَلَم » حقيقة العلامة ، والمعاني الأُخر كلّها مجازيات ، وإطلاقه عليها إطلاق لاسم اللازم على الملزوم فإنّها لزمها عادة أن تكون علامات وإطلاقه على السيّد استعارة ، تشبيهاً بالجبل في العظم والاشتهار ، أو بالراية ، أو الذي يعقد على الرمح في الظهور ، أو في اتّباع النّاس له.

إن أُريد بالهدى أهل الهدى كان مجازاً من إطلاق اسم ملابس الشيء على الشيء.

« من » في « من رحمته » إن لم يرد بها معناها الأصلي كانت استعارة ، وكذا التي في منها.

إطلاق الرّحمة على النّعمة مجاز ، من قبيل إطلاق الهدى على أهله.

إن كان « يهتزّ » مسنداً إلى الحافّات أو كان المراد ب‍ « المونق » المكان المونق ؛ كان الإسناد مجازياً على أحد الوجهين كما عرفت.

الياقوت والمرجان واللؤلؤ وآلمسك ، استعارات على وجه كما عرفت.

استعمال الحصى في استخراج اللؤلؤ من الصدف ، استعارة.

إطلاق الأمر على إرادة اللّه تعالى وقضائه على شيء أن يخلقه ، استعارة.

إطلاق الذهاب على الامتثال والرجوع على تركه ، استعارتان تشبيهاً للمأمور به ، بمكان يمكن فيه الذهاب وعنه الرجوع ولامتثاله بالذّهاب فيه ولتركه بالرجوع عنه.

٤٧٦

[ ٣٨ ـ ٤٠ ]

إذا دَنََوا منه لِكَيْ يَشْرَبُوا

قيلَ لَهُمْ تَبّاً لَكُمْ فَارْجِعُوا

دُونَكُمْ فالْتَمِسُوا مَنْهلاً

يرويكُمُ أو مَطْعَماً يُشبعُ

هذا لمَنْ والى بني أحمدا

و لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُمُ يُتْبَعُ

اللّغة :

« إذا » إمّا ظرفية محضة ، أو متضمّنة لمعنى الشرط.

« دنا » دنواً ودناوة : قرب كأدنى وحقيقة القرب في المكان ، ثمّ استعمل في الزمان وفي الرّتبة.

« من » للتعدية.

« اللام » للتعليل.

« كي » على وجهين : اسم مخفف « كيف » قال :

كي تجنحون إلى سلم وماثئرت

قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (١)

وحرف ينتصب بعده المضارع فسيبويه على أنّه النّاصب والخليل والأخفش على أنّ الناصب « أن » مقدّرة.

__________________

١ ـ مغني اللبيب : ١ / ١٨٢ ، رقم ٣٠١ ، ومجمع البحرين : ٤ / ٨٧.١.

٤٧٧

ثمّ إنّ سيبويه والأكثرين على أنّه قد يكون حرفاً جارّاً للاسم والكوفيّون على أنّه يختص بالفعل فلا يكون جارّاً أبداً ، وقيل : إنّه لا يكون إلاّ جارّاً وهو رأي الأخفش ، فالذين قالوا : إنّها قد تكون ناصبة وقد تكون جارّة قالوا : إنّه قد تتقدّم « اللاّم » نحو ( لِكَيْلا تَأسَوْا ) (١) فحينئذ لابدّ من أن تكون ناصبة ، بمعنى أن « لا » جارّة بمعنى « لام » التعليل والاسم يدخل عليها « لام » التعليل وما في البيت من هذا القبيل ، وقد يكون بعدها « أن » المصدرية الناصبة فلابدّ من أن تكون بمعنى « لام » التعليل.

وكذلك إذا انتصب بعدها الفعل وليس هناك « لام » ولا « أن » وكذلك إذا كان بعدها « ما » الاستفهامية فيقال : « كيمه » بمعنى « لمه » ولا يجرّ الاسم الصريح إلاّهنا وأمّا نحو : « كي لتقضيني ، فاللام عندهم زائدة مؤكّدة ل‍ « كي » ، أو بدل منها ، كما أنّ « أن » في نحو قولهم : لكنّما أو كيما أن أفعل تأكيد أو بدل ، لكون « كي » هنا بمعنى « أن » وآبدال الحرف من الموافق له في المعنى واقع ، كما قيل في قوله : « فثمّ إذا أصبحت أصبحت عادياً ». (٢)

إنّ ثمّ بدل من الفاء ، والّذين قالوا إنّها لا تكون إلاّ جارّة يعتذرون في نحو ما في البيت بزيادة اللام. واعتذر الكوفيّون النافون لكونها جارّة عن نحو « كيمه » بأنّها ناصبة لمقدّر ، كأنّه قال القائل فعل كذا لكذا ، فقال : كيمه؟ أي : كي تفعل ماذا؟ ولا تتصرّف تصرّف « أن » فلا تقع مبتدأ ، ولا فاعلاً ، ولا مفعولاً ، ولا مجروراً إلاّ باللام ، ويجوز تأخير معلول ما بعدها عنها فتقول : كي أزورك جئتك.

__________________

١ ـ الحديد : ٢٣.

٢ ـ شطر بيت نُسب إلى زهير كما جاء في ديوانه : ١٠٦ وكامله :

أراني إذا ما بتُّ بتُّ على هوىً

و أنّي إذا أصبحت ُ أصبحتُ غادياً

وقال الإصمعي : ليست لزهير ، وقيل : هي لصرمة الأنصاري ولا يشبه كلام زهير.

٤٧٨

« الشّرب » : بالحركات الثلاث والضمّ أشهر : تناول كلّ مائع ماءً كان أو غيره. شرب يشرب كعلم يعلم وأشربته أنا.

« اللام » : للتبليغ ، وقيل : للتعدية ، كما عرفت.

« الفاء » إمّا زائدة على القول بجواز زيادتها كما في قوله :

لا تَجْزعي إن مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ

فإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكِ فَاجْزِعِي (١)

أو فصيحة ، أي هي بما في حيزها جواب لشرط مقدّر ، أي إذا طردتم عن الحوض فارجعوا.

أو للاستئناف على ما قيل من إتيانه لذلك كقوله : « ألم تسأل الربع القواء فينطق ».

أو للعطف على مقدّر ، أي ارجعوا فارجعوا ، كما قيل في قوله : « أنت فانظر لأي ذاك تصير » إنّ التقدير انظر فانظر.

« دونكم » إمّا اسم فعل وهذه الصيغة من اسم الفعل جاء متعدّياً ، يقال : دونك زيداً ، أي خذه ، وجاء لازماً أي تأخّر ، والأمران هنا محتملان ، أو ظرف متعلّق ب‍ « التمسوا » المذكور بعده وتكون الفاء زائدة كما في « فعند ذلك فاجزعي » أو متعلّق ب‍ « التمسوا » مقدّراً ، أي (٢) دونكم التمسوا فالتمسوا.

« التمس » الشيء طلبه ، وأصله طلب الشيء والفحص عنه باللّمس.

« النهل » ـ محرّكة ـ : الشرب الأوّل ، نهلت الإبل كفرحت نهلاً ومنهلاً ، والمنهل : المورد والموضع الّذي فيه المورد.

__________________

١ ـ البيت للنمير بن تولب يجيب فيها امرأته وقد لامته على التبذير. شرح ابن عقيل : الشاهد : ١٥٧ ، التبيان للطوسي : ٥ / ١٧٤.

٢ ـ في المخطوط : « أين » ويحتمل وقوع الخطأ أثناء النسخ. والواضح أنّ المقصود ما أثبتناه لعدم استقامة المعنى بالأُولى.

٤٧٩

« روي » كرضي ريّاً ، وروي أي شرب ما يكفيه ، وكذلك ارتوى وتروّى وهو ريّان وهي رياء ، وارويته ورويته ، أي جعلته ريّان.

« الطعم » والطعام : تناول الغذاء ، طعمه كسمعه ، والمطعم اسم مكان له قيل : وقد يستعمل في الشرب ، كما في قوله تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّي ). (١)

« الشبع » كعنب ضدّالجوع ، شبع خبزاً أو من الخبز كسمن وأشبعته أنا.

« اللام » للاختصاص أو الاستحقاق أو الملكية.

« من » موصولة أو موصوفة.

« تولّى » فلاناً وتوالاه ووالاه ، أي اتّخذه وليّاً أي محباً أو قيّماً بأُموره وأولى به من غيره أو أحبّه أو أتبعه.

« غير » اسم لازم الإضافة وربّما حذف ما أُضيف إليه لفظاً وهو منوي إذا تقدمه « لا » أو « ليس » فيقال : عندي درهم لا غير أو ليس غير ، بالضم فيهما تشبيهاً له بالغايات ، خلافاً للأخفش فإنّه يقول : إنّها ضمة إعراب ، وقد يقال : ليس غيراً وليس غيرٌ بالتنوين ، وقد يقال : ليس غيرَ ـ بالفتح من غير تنوين ـ بجعله خبر ليس منوياً معه المضاف إليه ، وله معاني :

أحدها : أن يكون بمعنى مغاير وحينئذ يكون صفة غالباً ، نقول : جاءني رجل غير زيد.

ومنها : أن يكون بمعنى « إلاّ » كقولك : جاءني القوم غير زيد.

ومنها : أن يكون بمعنى « لا » كقوله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغ ) (٢) وقولك : عندي زيد غير عمرو ، وعليك بالحركة غير السكون ، وأنا زيداً غير

__________________

١ ـ البقرة : ٢٤٩.

٢ ـ البقرة : ١٧٣ والأنعام : ١٤٥ والنحل : ١١٥.

٤٨٠