اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

بالباء لأنّه إزماع على الغدر والغدر يتعدّى بالباء فأعطى الإزماع عليه حكمه. أو أراد بالإزماع على الغدر نفس الغدر.

فعلى الأوّل يكون الضمير عائداً على « ما » أو الغدر.

وعلى الثاني يكون عائداً على مولاهم ، فإن كانت موصولة قدّر لها ضمير ، أي « به » أو « له » ثمّ إنّ « حتّى » بما في حيزها إما غاية ل‍ « ظلّ » بما في حيزها ، أو لما في حيزها حتى يكون أيضاً ممّا في حيزه ، أو لذلك ولما قبله من قوله : فاتّهموه إلى تمام البيت.

أو غاية ل‍ « ظلّ » وحده إن كان فعلاً تامّاً ويكون مجموع ما بعد قوم صفة لهم ، أي : أقاموا حتّى إذا واروه. الخ.

أو قائم مقام خبر « ظلّ » إن كان ناقصاً ، أي : وظلّ قوم من صفتهم كذا عازمين على الخلاف مخفين له مقيمين عليه حتّى إذا واروه أبدوا ذلك وفعلوا ما فعلوا.

المعنى :

ظلّوا كذا حتّى ، أو ظلّوا غائظين لفعله حتّى ، أو ظلّوا مشبهين بهم إذا جدعت آنافهم حتّى ، أو فاتّهموه وكذا وكذا حتى ، أو أقاموا حتى ، أو ظلّوا غارمين على الخلاف مخفين له مقيمين على النفاق حتّى لما ستروه.

أو حتّى أنّهم لمّا ستروه في قبره ورجعوا عن دفنه أهملوا أو أهلكوا ما قاله يوم الغدير أو قوله يوم الغدير وما أوصى به من التمسّك بأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه والاقتداء والإئتمام به ، أو إيصاءه بذلك في ذلك اليوم أو ضيّعوا ذلك في زمان ستروه في قبره ورجعوا عن دفنه واستبدلوا حالة السوء ، أو ما يضرّهم أو

٤٢١

الإضرار بهم بما ينفعهم أو ينفعهم وبالغوا أو أكثروا في قطع أُولي قراباته ، أو قطع قراباته بالنسبة إليهم ، أو إلى أُولي القرابات ، فسوف يقابلون بما يكفيهم يوم القيامة بتقطيعهم أو بالتقطيع الذي أوقعوه وأثبتوا عزمهم على الغدر بمولاهم خسراناً وهلاكاً ؛ لإزماعهم ذلك أو على ذلك أو لما أزمعوه وأزمعوا عليه من الغدر ، أو لما بسببه أزمعوا على الغدر وهو الكفر والنفاق.

أو غلبة الهوى وآيثار الدنيا على العقبى ، أو الغيظ لأمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وعداوته ، أو لما أزمعوا أو إزماعهم غدراً بمولاهم ، أو هلاكاً وخسراناً لهم لأجل ما كان به أزمعوا.

ثمّ إنّ من الظاهر عند المتتبّع أنّ المذكور في كتب الأصحاب وغيرهم أنّهم بادروا إلى الخلاف واجتذاب الخلافة بعضهم من بعض قبل دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والّذي ينصّ عليه النظم أنّ ذلك وقع بعد الفراغ عن الدفن.

وأيضاً فلم يذكر في شيء من الكتب أنّ أُولئك الغاصبين ومن تبعهم كانوا حاضرين في دفنه حتى يتحقّق منهم انصراف عنه ، فلعلّه أراد أنّ تمام ذلك وكماله إنّما حصل بعد الدّفن وانصراف قوم منهم عن الدفن فإنّ كثيراً من النّاس لم يبايعوا أبا بكر إلاّ بعد الانصراف عن الدفن ، وأيضاً إنّما حصلت البيعة الفاسدة بعد طول مشاجرة ومقاولة لم تنته إلاّ بعد حصول الفراغ عن دفنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : التعبير عن الزمان الماضي ب‍ « إذا » الموضوعة للمستقبل ، لإظهار كراهة ما وقع فيه من التضييع أو الدفن أو كليهما والدّلالة على شدّة فظاعته

٤٢٢

وغرابته حتّى أنّه لا يجوز أن يكون قد وقع ، وللدلالة على أنّ التضييع وإن كان أثراً قد مضى وانقرض لكن أثره باقي لا يزول إلى يوم القيامة وثبوت الشيء وظهوره بثبوت أثره وظهوره ، فكأنّه نفسه باقي لا يزول.

الثانية : تقديم الظرف أعني « إذا » بما في حيّزها على عامله ، أعني « ضيعوا » إن كانت « إذا » ظرفية محضة ، للتوجيه والدلالة على الحصر ، أي أنّهم إنّما ضيعوا في ذلك الزمان لا في زمان بعده ، أي لم يؤخّروا أو التضييع عن ذلك.

الثالثة : حذف عائد الموصول إن كانت « ما » موصولة اسمية ، للاختصار والوزن والتّوجيه.

الرابعة : في التعبيرعن يوم الغدير بالأمس ما لا يخفى من الدلالة على قرب زمان النقض من زمان العهد.

الخامسة : التعبير عن على بالباء إن كانت الباء في « تبّاً لما كان به أزمعوا » بمعنى « على » للدلالة على لزومهم لذلك والتصاقهم به وعدم انفكاكهم عنه ، أو على أنّه لم يكن مجرّد إزماع بل إزماعاً ترتّب عليه أثره الّذي هو الغدر ، حتى كأنّه نفس الغدر ، وللوزن والتوجيه ، وهي الوجوه في زيادتها إن كانت زائدة.

السّادسة : تقديم « به » على متعلّقه إن تعلّق ب‍ « أزمعوا » للوزن والقافية وتقريب الضمير من مرجعه والتوجيه.

البيان :

استعمال « إذا » في الزمان الماضي إمّا مجاز مرسل ، بأن استعمل في الزمان المطلق ، فيكون استعمالاً لاسم الكلّ في الجزء ثمّ يكون تحقّق المطلق في ضمن ذلك الفرد ، أو استعارة تبعية بناءً على تشبيه الواقع بما لم يقع وزمانه الماضي بالذي لم

٤٢٣

يمض في بعد الوقوع ، واستعمال الاشتراء في الاستبدال إمّا مجاز مرسل من إطلاق اسم الملزوم على اللاّزم ، أو استعارة تبعية على تشبيه الاستبدال بالاستبدال المشترى.

وفي قوله : « قطعوا أرحامه » إمّا استعارة تبعيّة تشبيهاً للهجر وترك البر ، بالتقطيع أو الأرحام ، استعارة بالكناية تشبيهاً لها بالحبل ونحوه ممّا يقبل القطع.

والتقطيع استعارة تخييلية ، بمعنى أنّه ثبت لها شيء شبيه بالقطع للحبل ونحوه.

وفي الأرحام استعارة أُخرى إن أُريد بها ما بينهم وبين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرب دون القرابة نسبة التب إلى ما كان به أزمعوا ، مجازية فإنّ الحقيقة نسبته إليهم.

« الباء » في « به » إن كانت بمعنى « على » كانت استعارة تبعية ، وإن كان المراد بأزمعوا « غدروا » كان مجازاً من إطلاق اسم مبدأ الشيء وملزومه عليه.

٤٢٤

[ ٢٧ ]

لا هُمْ عَلَيْهِ يَرِدُوا حَوضَهُ

غداً ولا هُوفِيهِم يشفعُ

اللغة :

« لا » هي الموضوعة لنفي الجنس ، ويلزمها إذا وليتها معرفة أن ترفع وأن تتكرّر.

أمّا الرفع ، فلأنّ « لا » هذه إنّما كانت تعمل لمشابهتها بـ « أن » لما أنّ « ان » متوغلة في الإثبات فإنّها للمبالغة فيه ، و « لا » متوغلة في النفي لأنّها نفي الجنس فلمّا دخلت المعرفة زال عنها التوغل في النفي فزالت المشابهة.

وأمّا التكرار ، فلتقرب من نفي الجنس الذي هو الأصل في « لا » فإنّ نفي الجنس في الحقيقة نفي متكرّر.

وجوّز الكوفيون بناء الاسم العلم مفرداً نحو : لا زيد ولا عمرو ، أو مضافاً كنيته نحو : لا أبا محمد ولا أبازيد ، فإن كان علماً مضافاً إلى اللّه أو الرحمن أو العزيز أو الرحيم أو نحوها أجازوا أن تعمل فيه « لا » ، فتقول : لا عبد اللّه ولا عبد الرحمن ولا عبد العزيز ، وبعضهم حتموا إسقاط الألف واللاّم من الرحمن والعزيز فيقولون : لا أبا عبد رحمن ، ولا أبا عبد عزيز.

٤٢٥

قال الفرّاء : إنّما أُجيز « لا عبد اللّه » لك لأنّه حرف مستعمل يقال لكلّ أحد ، يعني أنّه كثر استعماله فأُجيز فيه ما لا يجوز في الرحمن والعزيز ونحوهما.

وخالف المبرّد وابن كيسان في وجوب التكرير فأجازا عدمه ، وعند الجمهور لا يجوز إلاّ في الضرورة ولكن إذا كان الاسم الواقع بعدها بمعنى الفعل لم يلزم التكرار نحو : لا سلام على زيد ، فإنّه بمعنى : لا سلام اللّه عليه. ونحو : لا نولك أن تفعل كذا ، فإنّه بمعنى : لا ينبغي لك أن تفعل.

« على » على أوجه : فعل واسم وحرف.

فالفعل : ماضي « يعلوه » أو « يعليه » ، فهو « علا » أي صعده.

والاسم : بمعنى « فوق » وذلك إذا جرّ بـ « من » كقوله :

غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصل وعن قيض بزيزاء مجهل (١)

وخالف الفرّاء ومن وافقه من الكوفيّين ، فزعموا أنّ « على » حرف وإن دخلت عليها « من » ، وإنّ « من » تدخل على حروف الجرّ كلّها سوى « من » و « الباء » و « اللام » و « في » ، وزاد الأخفش موضعاً آخر لاسميّتها وهو ما إذا كان مجرورها وفاعل متعلّقها ضميرين لشيء واحد ، نحو : سويت على قوتي ، وقوله تعالى : ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ) (٢).

وقول الشاعر :

هوِّنْ عليكَ فإنّ الأُمورَ

بِكَفِّ الإلهِ مَقادِيرُها (٣)

__________________

١ ـ ذكره الحموي في معجم البلدان : ٣ / ٣٣٩ ونسبه إلى مزاحم العقيلي والصحاح : مادة « علا ».

٢ ـ الأحزاب : ٣٧.

٣ ـ والشاعر هو الأعور الشَّنِّيّ في الحماسة. ( شرح شواهد المغني : ١٤٦ ، ٢٩٥ ). وفي مغني اللبيب : ٢ / ٤٨٧ بعدها :

فليس بآتيك منهيها

ولا قاصر عنك مأمورها

٤٢٦

لأنّه لا يجوز أن يكون فاعل فعل من غير أفعال القلوب ومفعوله ضميرين لشيء واحد ، ولا يقال ضربتني ولا فرحت لي بل ضربت نفسي وفرحت بنفسي.

وردّ عليه بأمرين :

أحدهما أنّها لو كانت اسماً في هذه المواضع لصحّ إقامة « فوق » مقامها ، وأنت خبير بأنّه يصحّ ولكن بتكلّف في الأخيرين.

وثانيهما : أنّه لو تمّ الدّليل على اسميّتها لكانت « إلى » في قوله تعالى : ( فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ) (١) وقوله : ( وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ ) (٢) وقوله : ( هُزِّي إِلَيْكِ ) (٣) اسماً ، ولم يقل به أحد ، بل إنّما أوّلوها بأحد أمرين : أحدهما أن يقدّر مضاف ، أي إلى نفسك ، أو يقدّر تعلّقها بمقدّر ، كما في نحو : سقيا لك.

وكلّ من هذين الوجهين من التأويل جاري في أمثلة « على » فلا حاجة إلى القول باسميتها. وله أن يقول : إنّهم إنّما ارتكبوا التأويلين في « إلى » لمّا لم يثبت اسميتها ، و « على » بخلاف ذلك فقد ثبت اسميّتها في الجملة فلا حاجة فيها إلى شيء من التأويلين.

ثمّ اختلف في « على » الاسمية أنّها معربة أو مبنية. والحقّ أنّها مبنيّة ؛ لمشابهتها الحرفية صورة ومعنى ، ويخالف عن الاسمية في أنّه لا يلزمها الإضافة كما يلزم « عن » ، قال :

باتَتْ تَنُوشُ الحوضَ نوشاً من علا

نوشاً به تقطع أجواز الفلا (٤)

وأمّا الحرف فقد اختلف في وجوده فالجمهور عليه ، وقيل : بل لا يكون إلاّ

__________________

١ ـ البقرة : ٢٦٠.

٢ ـ طه : ٢٢.

٣ ـ مريم : ٢٥.

٤ ـ ذكر البيت في تاج العروس : ١٠ / ٢٥١ ، ونسبه إلى أبي النجم أو إلى غيلان بن حريث الربعي ، انظر لسان العرب : ٥ / ١٦٤.

٤٢٧

اسماً.

ولـ « على » الحرفية معان ، منها : الاستعلاء إمّا حقيقة وهو الّذي على المجرور حسّاً أوعقلاً ، أو مجازاً ، وهو الّذي على ما يجاوره كقوله تعالى : ( أَوْ أَجِدُ عَلى النّارِ هُدىً ) (١) وهذا المعنى هو أصل معانيها.

ومنها المصاحبة ، كقوله تعالى : ( وَآتَى المالَ عَلى حُبِّهِ ) (٢) وهما المحتملان هنا ، والأوّل هو الأظهر ، إلاّ أنّ المراد المجازي منه أي الورود على ما تقرب منه. وإن أراد الثّاني ، فلا يريد المصاحبة في ابتداء الورود ، بل مجرد المصاحبة بقرب الحوض وإن كانت بعد ورده بأُلوف الأعوام.

أصل الورود : قصد الماء أو حضوره أو الإشراف عليه للشرب سواء تحقّق الشرب أم لا ، وكثيراً يقصد به الحضور المقرون بالشرب بل الشرب.

ثمّ عمّم الدخول في كلّ شيء وعلى كلّ شيء ، أو الوصول إليه أو الإشراف عليه ، فيقال : ورد بلد كذا ، وورد علي من الأمر كذا.

« الحوض » واحد الأحواض وآلحياض ، من حاض الماء أي جمعه.

« الغد » أصله « غدو » حذفوا اللاّم من غير تعويض ، والنسبة إليه غديّ وغدويّ ، وجاء على الأصل قول السيد :

وما الناسُ إلاّ كالديارِ وأهلُها

بها يَومَ حَلُّوها وغدْواً بَلاقِعُ (٣)

ومعناه اليوم الذي يلي يومك من الأيّام الآتية ، والمراد به هنا يوم القيامة

__________________

١ ـ طه : ١٠.

٢ ـ البقرة : ١٧٧.

٣ ـ ذكره في الصحاح : ٦ / ٢٤٤٢ « غدا » ونسبه إلى لبيد ، وفي النهاية لابن الأثير : ٣ / ٣٤٦ نسبه إلى ذي الرمة وقال : هكذا نسب في الأصل ولم نجده في ديوانه المطبوع ، وقد نسبه في اللسان للبيد وهو في شرح ديوانه : ١٦٩ تحقيق إحسان عباس.

٤٢٨

استقصاراً الأيّام الدنيا وتنزيلها منزلة يوم واحد ، وتنزيلاً لها منزلة يوم واحد في تشابه أجزائها في كثير من الأحوال.

« في » إمّا للظرفيّة أو التعليل ، كما في قوله تعالى : ( فَذلِكُنَّ الّذي لُمْتُنّني فيهِ ) (١) وقوله تعالى : ( فَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) (٢) ، أو زائدة كما قيل في قوله تعالى : ( وَقالَ ارْكَبُوا فيها ). (٣)

وفي قوله :

أنا أبو سَعد إذَا الليلُ دَجَا

يَخالُ في سوادِهِ يَرَنْدَجا (٤)

« الشفاعة » : أن تسأل العفو عن أحد ، شفع له ، كمنع ، شفاعة وشفعة في فلان تشفيعاً : إذا قبل شفاعته ، وكأنّها مأخوذة من الشفع خلاف الوتر ، لما أنّ الشفيع كأنّه يضمّ نفسه إلى من يشفع له لينصره أو يدفع عنه المكروه.

الإعراب :

« هم » مبتدأ وخبره « عليه يردوا حوضه غداً ».

« عليه » متعلّق بـ « يردوا » كلّ من حوضه.

و « غداً » ظرف ليردوا ، ولو لم يتعلّق بالورود عليه لحكمنا بأنّ حوضه مفعول به له ، لأنّ « ورد » بمعنى « وصل » أو « حضر » أو « دخل » ، أو ورده بمعنى أشرف عليه.

ويحتمل أن يكون حوضه مفعولاً به و « عليه » متعلّقاً بـ « يردوا » ، لتضمّنه

__________________

١ ـ يوسف : ٣٢.

٢ ـ النور : ١٤.

٣ ـ هود : ٤١.

٤ ـ تقدم ذكره والتفصيل عنه في ص ٢٨٥.

٤٢٩

معنى الثقل ، نظير « على » في قوله :

كَمْ خالةٌ لكَ يا جَريرُ وعمّةٌ

فَدْعاء قَدْ حَبَلَتْ عليَّ عِشارِي (١)

أو يكون « عليه » متعلّقاً بمقبلين مقدّراً حالاً عنهم ، أي لا هم مقبلين عليه يردوا حوضه ، أو متعلّقاً بكرام حالاً أيضاً ، أو خبراً لهم أي لا هم كرام عليه ، وحذف نون يردوا على ما عدا الأخير للضرورة ، كما في قوله : « واد يغصبوا الناس أموالهم ».

وعليه للجزم لوقوعه جواباً للنفي أي : لا هم كرام لو كانوا كذلك يردوا حوضه.

ثمّ إنّ « يردوا حوضه » إمّا أن يكون من قبيل مجاز الحذف حتّى يكون المراد يردوا قرب حوضه ، أو المراد بالحوض ما قرب منه أو بوروده ورود ما قرب منه.

« هو » : مبتدأ ومابعده خبره.

« فيهم » : إمّا ظرف لتشفع بتقدير « في شأنهم » أو « في حقّهم » ، أو بمعنى يوجِد الشفاعة فيهم حتى يصيروا موصوفين بأنّهم مشفوع لهم أو فيهم ، بمعنى لهم متعلّق يشفع ، أي يشفع لأجلهم ، و « هم » مفعول به ليشفع و « في » زائدة.

المعنى :

لا أُولئك القوم يردون على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حوضه أو قرب حوضه أو في حوضه أو في قرب حوضه ، أو لا هم مقبلين أو كراماً عليه يردون حوضه ، أو لا هم كرام عليه حتّى يردوا حوضه يوم القيامة ولا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّهم أو شأنهم يشفع أو فيهم يوقع الشفاعة أو يشفع لهم أو شفّعهم.

__________________

١ ـ البيت للفرزدق يهجو جريراً ، ديوانه : ٢٦٤ ، وفي الأصل « عمة » مكان « خالة » وبالعكس.

٤٣٠

ثمّ إن كان « عليه » حالاً فالمراد بالنفي : نفي القيد والمقيّد جميعاً لا القيد وحده.

ويحتمل على الأخير أعني تقدير كراماً ، أن يريد نفي القيد وحده إذا كان المراد بورود الحوض مجرّد الإشراف عليه أو قصده أو حضوره أو الوصول إليه غير أن يتحقّق شرب كما هو الأصل في معناه ، فإنّ غايتهم أن يحضروا الحوض ويصلوا لكن لا يكونون كراماً على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يسقيهم منه ، بل يطردهم أو تطردهم الملائكة عنه.

ويؤيده أنّه روى البخاري فيما أخرجه من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب أنّه كان يحدّث عن بعض أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يرد علي الحوض رجال من أُمّتي فيحلؤون عنه فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ؛ إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى. (١)

وأخرج أيضاً من حديث الزهري عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة أنّه كان يحدّث أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يرد علي الحوض يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول : يا ربّ أصحابي ، فيقول إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك ؛ إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى. (٢)

ثمّ إنّ ما قال به الناظم رحمه‌الله من حرمانهم الحوض والشفاعة من الظهور وتواتر الاخبار به من الخاصّة والعامة ودلالة البراهين القاطعة عليه ، ممّا لا حاجة إلى الإطناب فيه ، مع أنّه لا يسعه ولا شطراً منه مثل هذا الكتاب ، ثمّ إنّ الظاهر من البيت أنّه اخبار.

__________________

١ و ٢ ـ صحيح البخاري : ٧ / ٢٠٨ ، دارالفكر ، بيروت ١٤٠١ هـ ق.

٤٣١

ويحتمل أن تكون جملتين دعائيتين أي ولا وردوا عليه الحوض ، أو لا كانوا عليه كراماً حتى يردوا الحوض ولا نالهم شفاعته.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : تقديم « عليه » على « يردوا » إن تعلّق به ، للتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه ، وتعظيم الضمير باعتبار مرجعه والتشرّف والتبرّك به لرجوعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثانية : التعبير بالغد عن يوم القيامة ، للدلالة على قصر زمان الدنيا. وفيه دلالة على انهماك القوم في الغفلة والضلال حيث آثروا العاجل على الآجل ؛ والدّلالة على مخالفة شأن يوم القيامة لأيّام الدنيا وأنّهم لا يهملون ولا يتركون فيها كما تركوا في الدنيا.

الثالثة : التعبير عن اللام بفي فيمن يشفع له حتّى يتمكّن أثرها فيه ويقوم به ، وكذا إن كانت زائدة.

الرابعة : تقديم « فيهم » على « يشفع » ؛ للوزن والقافية والتوجيه ، وتقريب الضمير من مرجعه ، وإفادة الحصر ، وزيادة التطبيق بين الجملتين المتعاطفتين.

البيان :

« لا » الموضوعة لنفي الجنس إذا استعملت في نفي المعارف الّتي لا يراد بها النكرة ، كانت استعارة تشبيهاً للنفي المتكرّر فيها بالنفي المتعلّق بالجنس المتكرر حقيقة.

إن كان المراد بالحوض : ما قرب منه ، كان الحوض مجازاً من إطلاق اسم

٤٣٢

أحد المتجاورين على الآخر.

وإن كان المراد بوروده الورود بقرب منه ، كان إمّا تمثيلاً للورود بقرب منه بوروده ، أو إطلاقاً لاسم أحد المتجاورين ، أعني : وروده على الآخر ، أعني : المورود قربه ، أو تجوزاً في إيقاع الورود عليه.

« غدا » استعارة ليوم القيامة.

« في » إن كانت بمعنى اللاّم كانت استعارة.

جملة البيت إن أُريد بها الدعاء كانت مجازاً باعتبار وضعها النوعي ، فإنّ للمركّبات وضعاً نوعيّاً كما للمفردات وضع شخصي ولبعضها أيضاً نوعي.

ثمّ شرع في وصف الحوض بما وردت عليه النّصوص فقال :

٤٣٣

[ ٢٨ ـ ٣٧ ]

حوضٌ لَهُ ما بينَ صَنعاء إلى

أيلةَ والعرض به أوسَعُ

يُنْصَبُ فيهِم عَلمٌ للهُدى

والحوضُ مِن ماء لَهُ مُتْرَعُ

يفيضُ من رحمتِهِ كَوثَرٌ

أبيَضُ كالفِضَّةِ أو انصعُ

حصاهُ ياقُوتٌ ومَرْجانَةٌ

ولؤلؤٌ لم تَجْنِهِ إصبَعُ

بطحاؤه مسكٌ وحافاتهُ

يَهْتَزُّ مِنها مُونِقٌ مَرْبَعُ

أخْضَرُ ما دونَ الوَرى ناظرٌ

وفاقِعٌ أصفرُ أو أنصَعُ

فِيهِ أباريقُ وقِدْحانَه

يَذبُّ عنها الرَّجُلُ الأصلَعُ

يذبُّ عنها ابنُ أبي طالب

ذَبَّكَ جُربى إبل تشرعُ

والعِطْرُ والرَّيحانُ أنواعُهُ

ذاك وقَدْ هَبّتْ بِهِ زَعْزَعُ

رِيحٌ مِنَ الجَنَّةِ مأمورةٌ

ذاهبةٌ ليسَ لهَا مَرْجِعُ

اللغة :

« اللام » للاختصاص ، أو الاستحقاق ، أو الملكية ، أو شبه الملكيّة ، أو الظرفيّة.

٤٣٤

« ما » موصولة ، أو موصوفة ، والمراد بها المقدار أو المسافة أو نحوهما.

« بين » اسمٌ وضع للخلالة بين شيئين أو أشياء ، وأصله من بان كذا : إذا انفصل فظهر منه ما كان كامناً. قال الراغب : ولمّا اعتُبر فيه معنى الانفصال والظهور استُعمل في كلّ واحد منفرداً حتّى قيل للبئر البعيدة القعر : بَيُونٌ ، لبعد ما بين َالشفير والقعر لانفصال حبلها من يد صاحبها. وبان الصبح : ظهر (١).

ثمّ إنّ الغالب في « بين » أن يكون ظرفاً. وقد يتصرّف فيه ، فيقال : بعيد بين المنكبين ، ونقي بين الحاجبين ، وقال تعالى : ( مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ ) (٢) وقال : ( لَقَدْتَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ). (٣)

وزعم الفرّاء أنّه لا يستعمل إلاّمفتوحاً وإن تصرّف فيه برفع المحل أو جرّه ، ولذلك سوّغ في قوله : « فأدبرن كالجذع المفصل بينه » أن يكون بينه صلة ل‍ « ما » محذوفة ، وأن يكون قائماً مقام الفاعل للمفصل ، ولا يجوز حذفه إذا كان بعد « ما » خلافاً لبعض الكوفيين فإنّهم يجوّزون أن يقال : « مطرنا ما زبالة فالثعلبية » (٤) بمعنى ما بين زبالة ، وعليه (٥) حملوا قوله :

يا أحسنَ الناسِ ما قَرناً إلى قدمِ

ولا حِبالَ مُحِبّ واصِل تَصِلِ (٦)

وقوله تعالى : ( مَثلاً ما بَعُوضَة فَما فَوقها ). (٧)

__________________

١ ـ مفردات غريب القرآن : ٦٧.

٢ ـ العنكبوت : ٢٥.

٣ ـ الأنعام : ٩٤.

٤ ـ شرح الرضي : ٤ / ٣٨٥ وهو من قول العرب.

٥ ـ أي على جواز حذف « بين » بعد « ما ».

٦ ـ ذكره في شرح شواهد المغني : ١ / ٤٦٤ الشاهد ٢٥٦ ولم ينسبه. وفي تفسير القرطبي : ١ / ٢٤٣ قال : وأنشد أبوالعباس ـ وذكر البيت وقال : ـ أرا ما بين قرن ، فلما أسقط « بين » نصب.

٧ ـ البقرة : ٢٦.

٤٣٥

و قوله :

قِفا نَبكِ من ذِكرى حَبيب ومنزل

بسِقْطِ اللِّوى بينَ الدَّخُولِ فَحَوْملِ (١)

ثمّ إنّه لا يضاف إلاّ إلى متعدّد إمّا لفظاً ومعنى نحو : بين زيد وعمرو. أو معنى فقط نحو : بين النّاس ، ولذا قيل : إنّ الفاء في « فحومل » بمعنى الواو ، وقيل : إنّ التقدير بين مواضع الدخول فمواضع حومل. وأما تأويل ما في البيت ونحوه ، فلا يصحّ بنحو ذلك كما لا يخفى إلاّ أن يجعل المضاف إليه مجموع « صنعاء إلى أيلة » ، بمعنى ما بين المواضع المبتدئة من « صنعاء » إلى « أيلة » بمعنى أنّ له مقدار كلّ ما بينهما من المواضع.

ويمكن أن يقال : إنّ أصل الكلام فيه : ما بين صنعاء وأيلة : مبتدئاً من صنعاء منتهياً إلى أيلة ، ثمّ استغنى عن الابتداء بذكر الانتهاء ، ثمّ استغنى عن الانتهاء بذكر المنتهى مقروناً ب‍ « إلى » الدالّة عليه صار ما بين صنعاء وأيلة إلى أيلة ثمّ حذف « وأيلة » لدلالة المذكور عليه.

أو يقال : إنّه ضمن بين معنى الابتداء والانتهاء فأبدل الواو في خبره ب‍ « إلى ».

« صنعاء » ـ بالمدّ ـ قصبة اليمن.

« أيلة » قال في القاموس : جبل بين مكّة والمدينة قرب ينبع وموضع بين ينبع ومصر. وإيلة ـ بالكسر ـ : قرية بباخرز ، وموضعان آخران. (٢)

__________________

١ ـ مطلع معلّقة امرئ القيس المعروفة ؛ المعلّقات العشر : ٥٩.

٢ ـ الفيروزآبادي : القاموس المحيط : ٣ / ٤٨٦.

٤٣٦

وفي شرح التوربشتي (١) لكتاب المصابيح للفرّاء البغوي الملقّب عند العامة ب‍ « محيي السنّة » أنّ أيلة بالياء المجزومة : بلدة على الساحل من آخر بلاد الشام ممّا يلي بحر اليمن.

وفي النهاية لابن الأثير فيه ذكر أيلة وهو بفتح الهمزة وسكون الياء : البلد المعروف فيما بين مصر والشام. (٢)

وفي المعجم أيلة ـ بالفتح ـ : مدينة على ساحل بحر القلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام ، ـ قال ـ : قال أبو زيد : أيلة مدينة صغيرة عامرة ، بها زرع يسير ، وهي مدينة اليهود الذين حرّم عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير ، وبها في يد اليهود عهد لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وقال أبو المنذر : سميت بأيلة بنت مدين بن إبراهيم صلوات اللّه عليه. وقال أبو عبيدة : أيلة مدينة بين الفسطاط ومكّة على شاطئ القلزم تعدّ في بلاد الشام (٣). انتهى كلام المعجم بألفاظه.

وما في هذه الكتب الثلاثة هو الموافق لما ورد في بعض الروايات التي في بيان عرض الحوض من أنّه ما بين صنعاء إلى بصرى ، فإنّ بصرى كحبلى : بلد بالشام (٤).

« الواو » للعطف ، أو الحال.

« الألف واللاّم » للجنس.

__________________

١ ـ وفي أعلام الزركلي : ٥ / ١٥٢ : التوربشتي : فضل اللّه بن حسن أبوعبداللّه شهاب الدين ، فقيه حنفي له « مطلب الناسك في علم المناسك » و « الميسّر في شرح مصابيح السنة للغنوي » ( توفّي سنة ٦٦١ هـ ).

٢ ـ النهاية في غريب الحديث : ١ / ٨٦.

٣ ـ معجم البلدان : ١ / ٢٩٢.

٤ ـ المصدر نفسه : ٥ / ٣١.

٤٣٧

« العرض » هو الامتداد الذي هو أقصر من الطول.

« الباء » للظرفية أو للمصاحبة.

« السعة » كالدعة والمقة : خلاف الضِيق.

« نصبه » ينصبه نصباً أي أقامه.

« العلم » ما ينصب في الطريق ليُهتدى به ، والجبل أو الطّويل منه ، والراية وما يعقد على الرمح ، وسيّد القوم.

« اللاّم » للاختصاص أو التعليل.

« الهدى » مصدر كالسرى والبكا ، هو فعل قليل في المصادر يختصّ بالمعتلّ ؛ هداه يهديه هدى وهدياً وهداية ، وهدية بكسرهما ، وكثر استعمال هدى بمعنى ما يُهتدى به ، ومعنى هذا التركيب : الإرشاد والدلالة على الشيء إمّا مطلقاً أو بشرط الإيصال والإفضاء إلى المقصود على الاختلاف المشهور.

واستدلّ الأوّلون بنحو قوله تعالى : ( وأمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الهُدى ). (١)

وأُجيب بأنّه مجاز عن إفاضة أسباب الهداية والتقريب من الاهتداء حتّى كأنّه هداهم ، أي دلّهم وأوصلهم إلى المقصود.

وردّ بأنّ الأصل الحقيقة.

واستدلّ الآخرون بوجوه : منها : أنّ الضلالة تقع في مقابلة الهداية وعدم الوصول إلى المطلوب معتبر فيها.

ومنها : أنّه يمدح الإنسان بكونه مهدياً ولو كانت الهداية عبارة عن مجرّد الدلالة لم يصلح لأن تكون منشأ للمدح ، بل ربّما كانت منشأ للذمّ.

__________________

١ ـ فصّلت : ١٧.

٤٣٨

ومنها : أنّ « اهتدى » مطاوع « هدى » والمطاوعة : حصول الأثر عن تعلّق الفعل بالمفعول ، فإنّما الفرق بين الأصل والمطاوع أنّ الأصل تأثير والمطاوع تأثّر والوصول هنا معتبر في المطاوع ، فلابدّ من أن يكون معتبراً في الأصل.

ومنها : نحو قوله تعالى : ( إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (١)

والحقّ أنّ الاستعمال وارد على كلّ من المعنيين ، فيحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو مجرّد الدلالة إلاّ أنّ التأثير لما لم يعتدّ به إلاّ إذا حصل أثره ، شاع استعماله في التأثير المقارن لحصول الأثر.

ويحتمل أن يكون المعنى الحقيقي هو التأثير المقرون بالأثر إلاّ أنّه استعمل في مجرّد التأثير من باب استعمال لفظ الكلّ في جزئه ، أو تنزيلاً لتأثير الحاصل في ذلك المقام منزلة المقرون بالأثر لقوّته إلاّ أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة إلاّ أن يمنع من ذلك مانع ، فالظاهر أن يكون مشتركاً بين المعنيين.

ثمّ إنّه ربما يستعمل متعدّياً إلى المفعول الثاني ب‍ « إلى » ، كقوله سبحانه : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراط مُسْتَقيم ). (٢)

وقد يستعمل متعدّياً إليه باللاّم كقوله تعالى : ( إِنَّ هذا القُرآن يَهْدِي للَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ). (٣)

وقد يستعمل بلا حرف جرّ ، فقيل : إنّه محذوف كما حذف في نحو قوله تعالى : ( وَاخْتارَ مُوسى قَومَهُ ) (٤) فإنّه بمعنى من قوله أو لقومه.

وقيل : بل هو أيضاً أصل وقد يفرّق بينه وبين الأوّلين في المعنى بأنّه بمعنى

__________________

١ ـ القصص : ٥٦.

٢ ـ الشورى : ٥٢.

٣ ـ الإسراء : ٩.

٤ ـ الأعراف : ١٥٥.

٤٣٩

الإيصال والأوّلين بمعنى مجرّد الدلالة. ولكن يدفعه ما مرّ من قوله تعالى : ( مَن يَشاءُ إِلى صِراط مُسْتَقيم ).

« الواو » للحال. « الألف واللاّم » للعهد الخارجي من الابتداء.

« الماء » معروف ، وأصله موه ، قلبت الواو لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ألفاً ، ثمّ شبّه الهاء بحرف اللين لخفائها ، فكأنّها واواً وياءً واقعة طرفاً بعد الألف الزائدة فقلبت ألفاً ثمّ همزة. والدّليل على هذا الأصل : تصغيره على مويه ، وتكبيره على مياه وأمواه ، وقد جاء في تكبيره « أمواء » قال :

وبلدة قالصة أمواؤها

تستن في رأد الضحى أفياؤها (١)

« اللاّم » للاختصاص ، أو الاستحقاق ، أو التملّك ، أو شبه التملّك ، أو التعليل.

« حوض » ترع بفتحتين ، أي ممتلئ وقد ترع يترع كعلم يعلم ، وأترعته أي ملأته.

« فاض » الماء يفيض فيضاً وفيوضاً بالضم والكسر وفيضاناً وفيضوضة : كثر حتى سال ، كالوادي ، وأرض ذات فيوض إذا كانت فيها مياه تفيض.

« من » إمّا للابتداء ، أو التبعيض ، أو التعليل ، أو بمعنى « على » كقوله تعالى : ( وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوم ) (٢) على ما قيل.

« الرّحمة » إذا نسب إلى اللّه سبحانه كانت بمعنى لازم الرّحمة ، وهو الإنعام والإفضال لامتناع نسبة معناها الحقيقي إليه فإنّه انفعال وتأثّر. وربما أُريد بها

__________________

١ ـ ذكره في شافية ابن الحاجب : ٣ / ٢٠٨ ، وفيه : ان هذا الشاهد من الرجز المسطور ولم يتيسر الوقوف على قائله ، وذكره في تاج العروس : ٩ / ٤١٤. وقال : حكاه ابن جني قال أنشدني أبو علي ...

٢ ـ الأنبياء : ٧٧.

٤٤٠