اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

وقد يؤكّد بالنون فيقال : أحسنن بزيد.

وقد يحذف معموله اذا علم ، كقوله تعالى : ( أَسمِع بِهِم وَأَبصِر ) (١).

والجملة التعجبية في البيت اعتراض او حال عن فاعل « رافعها » ومفعوله ، أو عن « الكفين » ان كان رافعها حالا عن كفه ، وذلك بالتأويل الى الاخبار ، اي مقولا في شانهما كذا ، أو متعجبا من شأنهما.

« يقول » اما خبر ل‍ « قام » او حال اخرى عن فاعل يخطب ، او بيان ل‍ « يخطب » على ان يكون المراد بالخطبة مطلق الكلام ، او حال اخرى عن فاعل « قام » ان كان فعلا تامّاً و « يخطب » حالا عن فاعله ، أو حالا أولى عنه ان كان ناقصاً و « يخطب » خبره او خبر بعد خبر ل‍ « قام » او معطوف على « يخطب » وقد حذف العاطف.

وقد حكى ابو زيد : اكلت خبزاً لحماً تمراً ، وأبو الحسن : أعطه درهماً درهمين ثلاثة.

وقد خرج على نحو ذلك ( وُجُوهٌ يَومَئِذٍ ناعِمَةٌ ) (٢) ، و ( إِنَّ الدَّينَ عِندَ الله الإسلام ) (٣) على قراءة فتح « أن » ، ( ولا على الذّيِنَ إذا أتوكَ لِتَحمِلَهُم قلت لا أَجِدُ ) (٤) أي وقلت.

وقوله :

إِنَّ امرَأَ رَهطُهُ بالشامِ مَنزِلُهُ

بِرَملِ يَبرِينَ جاراً شَدَّ ما اغتَربا (٥)

وقد نصّ جماعة منهم الفارسي وابنا مالك وعصفور على جواز ذلك ،

__________________

١ ـ مريم : ٣٨.

٢ ـ الغاشية : ٨.

٣ ـ آل عمران : ١٩.

٤ ـ التوبة : ٩٢.

٥ ـ من أبيات للحطيئة يهجو فيها الزبرقان. ( ديوانه : ١٤ )

٣٤١

وعن ابن جنّي والسهيلي المنع من ذلك. وللمانعين تأويلات لامثال تلك الأمثلة مناسبة للمقام ؛ فيحملون المحكيين على الأضراب والآية الأولى على الفصل والثانية على البدل ، ومن أن الأولى مع صلتها أو من القسط.

والثالثة على أن « قلت » هو الجواب وقوله « تولوا » استئناف بياني ، والبيت على أن الجملة الثانية صفة.

« الأملاك » مبتدأ.

« من حوله » ظرف مستقر خبره ، والجملة حال من فاعل « يقول ».

جملة : « والله فيهم شاهد » إما حال أخرى عن فاعل « يقول » او حال عن ضمير « الأملاك » المستكن في « من حوله » أو معترضة أو معطوفه على الجملة الأولى الحالية.

« الله » مبتدأ و « فيهم » إما خبر و « شاهد » خبر أخر ، أو « شاهد » خبر و « فيهم » متعلق به ، أو حال عن الله أو عن ضمير الذي في « شاهد » وعلى الثاني لا يكون « شاهد » إلاّ بمعنى حاضر. وعلى البواقي تحمله وأن يكون ، بمعنى متحمّل للشهادة ؛ وعلى هذا الاحتمال يكون له متعلّق مقدّر ، أي شاهد عليهم أو شاهد بما قاله ، وان كان الجملة معترضة يحتمل أن يكون « شاهد » نازلا منزلة اللازم بمعنى « عالم » أي من شأنه العلم ، أو بمعنى متحمل للشاهدة ، وعلى هذا يكون كل منه ومن فيهم خبراً.

« يسمع » ان أُبقي على التعدي كان مفعوله مقدراً ، أي : يسمع ما قاله ، وان نزل منزلة اللازم كان بمعنى « سميع » اي ذو العلم بالمسموعات ، وهو على التقديرين خبر آخر للمبتدأ أو صفة لشاهد.

وعلى الأول يحتمل ان يكون حالا عن ضمير « شاهد » أو عن « الله ».

وعلى الثاني أيضا يحتمل الحالية لكنها تكون من الاحوال الثابتة.

٣٤٢

جملة : « مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا لَهُ مَولى » مقول القول ، وفي الحكاية أدنى تغيير لضرورة الوزن كما سيظهر ان شاء الله.

« من » مبتدأ « كنت مولاه » صلته أو صفته.

« هذا » مبتدأ آخر « له مولى » : خبره. والجملة خبر « من له » إما متعلق بمولى ؛ لكونه في الاصل مصدرا ويجوز تقديم معمول المصدر عليه اذا كان ظرفا لشدة الاتساع فيه والاكتفاء فيه برائحة من الفعل ، او لكونه اسماً موضوعا لمن قامت به الولاية ، فانه حينئذٍ بمعنى اسم الفاعل او الصفة المشبهة او ظرف مستقر و « مولى » خبر للعامل المقدر للظرف ان قدر كائن او يكون ، او حال عن الضمير المستقر في الظرف من ذلك العامل ، اي موجود ، او حاصل له مولى كما يقال : فلان موجود شاعراً ، أو ظرف مستقرّ حال عن مولى ان جاز وقوع الحال عن الخبر ، أو صفة لمولى تقّدمت عليه ان جاز تقدم الصفة على الموصوف فإنّ منهم من جوّزه على ضعف وهذا أوفق معنى من الكل ، فانه لا شبهة في أنّ اصل الكلام : فهذا ؛ لما اراد تقديم المضاف اليه على المضاف ولم يمكن مع بقاء الاضافة ردّ المضاف اليه إلى أصله الذي كان مقروناً بلام الاختصاص وكان صفة للمضاف.

جملة « فلم يرضوا » عطف على جملة : « قام » إلخ ، ومعمول الرضا مقدر ، اي فلم يرضوا بذلك ، وكذا « لم يقنعوا ».

المعنى :

ثم جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما ردّهم بما مرّ ما يتضمن ايجاباً محتوماً ، أو جاء ايجاب محتوم كائن مبتدئ من جانب ربّه من صفته أنّه ليس له دفع ، أو مكان دفع ، أو زمان دفع ، أو حال كونه لا مدفع له وذلك الايجاب المحتوم ، او الكلام الدال عليه أبلغ إليهم أنّ مفزعهم بعدك من هو وإلاّ تبلّغ إليهم ذلك فلا تبلّغ شيًئاً ممّا يُوحى

٣٤٣

إليك ، أو فلا تعتد بما تبلغه بما بلغته ، او فلا تكون مرسلا اي تخرج عن مرتبة الرسالة ، وإن خفت منهم فألله حافظٌ منهم مانعٌ منك أذاهم وشرورَهم ، أو من شأنه منع الاذى أو منيع عزيز ، فعند ذلك الايجاب أو إتيانه أو إتيان الكلام المشتمل عليه انتصب أو وقف النبيّ الذي كان يصدع بما يأمره به ربّه أو يأمر ربه إيّاه.

ومناسبة الوقوف لكونه في أثناء سيره من مكة الى المدينة شرفهما الله تعالى ، والحال أنّه كان يخطب أو طفق يخطب حال كونه مأموراً بذلك ؛ والحال أنّ في كفّه كفّ عليّ عليه‌السلام ظاهرة أو عالية على كفّه أو سائر الأكف ؛ والحال أنّها تضيء أو بارزة ، أو أنها يشار إليها ؛ أو والحال أن علّياً يشار إليه ؛ أو أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشير بكفّه الى عليّ ، او أنّ كفه يشير إليه ؛ والحال أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أنّ كفّه رافع لكفّ عليّ عليه‌السلام.

ثمّ اعترض بالتعّجب عن كرم الكفّين كف الرافع وهو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والكف المرفوعة وهو كفّ علي عليه‌السلام.

ثمّ قال : والحال حين خطبته أو حين قيامه أنّه كان يقول أو بيّن خطبته بأنّه كان يقول أو ويقول ، أو طفق حال كونه يخطب يقول ؛ والحال أنّ الملائكة أو الملوك مبتدئون من حوله ، أي مبدأ صفوفهم حوله ، أو أنّهم حوله أو في حواليه أو عند حواليه أو ممّن حوله والله حاضر فيهم ، أو كائن فيهم وحاضر عندهم أو وشاهد عليهم ، أو بما قاله ، أو ومن شأنه الحضور أو الشهادة ، أو وعالم بما قاله ، أو ومن شأنه العلم ، أو والله حال كونه فيهم شاهد ، أو شاهد حال كونه فيهم وحال كونه يسمع ما قاله أو سميعا ، أو والله يسمع ما قاله ، أو سميعٌ أو والله شاهد يسمع أو سميع.

ثم بيّن المقول وهو « من كنت مولاه فهذا له مولى » أي الذي أو شخص أي :

٣٤٤

كلّ من كنت أولى به من كلّ أحد ومن نفسه فهذا ـ أي عليّ ـ أولى به من كلّ أحد غيري ومن نفسه ، فلم يرض الأصحاب الذين هم بدأوه بالسؤال عن المفزع ، بما قاله ولم يقنعوا بذلك ، فإن كلاً منهم أراد أن ينص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كونه الخليفة والمفزع.

وتفصيل هذا الإجمال : أنه روى صاحب الاحتجاج فقال : حدّثني السّيّد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب العلوي الحسيني (١) ( رض ) قال : أخبرنا أبو عليّ الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ( رض ) قال : أخبرنا الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس الله روحه ، قال : أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال : أخبرنا أبو عليّ محمد بن همام ، قال : أخبرنا عليّ السيوري قال : أخبرنا أبو محمد العلوي (٢) من ولد الأفطس ـ وكان من عباد الله الصالحين ـ قال : حدّثنا محمد بن موسى الهمداني ، قال : حدّثنا محمد بن خالد الطيالسي ، قال : حدّثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً عن قيس بن سمعان ، عن علقمة بن محمد الحضرمي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام أنه قال :

حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة وقد بلَّغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد إن الله عزّ وجّل يقرؤك السلام ويقول

__________________

١ ـ ذكره الحر العاملي بن أمل الآمل : ج ٢ / ٣٧٧ برقم ١٠١٣ قال : السيد الجليل أبو جعفر مهدي بن أبي الحرب الحسيني المرعشي كان عالماً فاضلاً فقيهاً ورعاً يروي عن الشيخ ابي علي بن محمد بن الحسن الطوسي عن أبيه ، وروى عن جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي عن أبيه محمد عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه.

٢ ـ يحيى المكنى أبا محمد العلوي من بني زيارة ، علوي سيد متكلم فقيه من أهل نيشابور ، له كتب كثيرة ، منها كتاب في المسح على الرجلين وفي ابطال القياس ، وكتاب في التوحيد. رجال النجاشي : ص ٣٤٥.

٣٤٥

لك إنيّ لم أقبض نبيا من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلاّ بعد إكمال ديني وتأكيد حجّتي ، وقد بقي عليك من ذاك فريضتان ممّا يحتاج الى أن تبلّغهما قومك : فريضة الحجّ ؛ وفريضة الولاية والخلافة من بعدك ، فإنّي لم أخل ارضي من حجة ولن أخليها أبداً ، فإن الله جلّ ثناؤه يأمرك ان تبلِّغ قومك الحجّ ، تحج ويحج معك كلّ من استطاع اليه سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب ، وتُعلِّمهم من حجّهم مثل ما علّمتهم من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم ، وتوقّفهم من ذلك على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما بلّغتهم من الشرائع.

قال : فنادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الناس : ألا إنَّ رسول الله يريد الحجّ وان يعلِّمكم من ذلك مثل الذي علَّمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك على مثل ما أوقفكم عليه من غيره.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخرج معه الناس وأصغوا اليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله ، فحج بهم وبلغ من حجّ مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل المدينة وأهل الأطراف والأعراب سبعين ألف إنسان ، أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى عليه‌السلام السبعين ألفاً الذين أخذ عليهم بيعة هارون عليه‌السلام فنكثوا البيعة واتبعوا العجل والسامريّ ، وكذلك رسول الله أخذ البيعة لعلي بن ابي طالب عليه‌السلام بالخلافة على عدد اصحاب موسى عليه‌السلام فنكثوا البيعة واتّبعوا العجل سنة بسنة ومثلا بمثل. واتصلت التلبية ما بين مكّة والمدينة.

فلمّا وقف بالموقف أتاه جبرئيل عليه‌السلام عن الله تعالى فقال :

يا محمد ان الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : انه قد دنا أجلك وحانت مدحتك وأنا مستقدمك على ما لابد منه ولا عنه محيص ، فاعهد عهدك وقدم وصيّتك واعمد الى ما عندك من العلم ، وميراث علوم الانبياء من قبلك

٣٤٦

والسلاح والتابوت وجميع ما عندك من آيات الأنبياء فسلّمها الى وصيك وخليفتك من بعدك حجّتي البالغة على خلقي علي بن أبي طالب ؛ فأقمه للّناس علماً وجدِّد عهده وميثاقه وبيعته ، وذكّرهم ما أخذت علهيم من بيعتي وميثاقي الذي واثقتهم به وعهدي الذي عهدت اليهم من ولاية وليّي ومولاهم ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة علي بن ابي طالب ، فإّني لم اقبض نبيّاً من الأنبياء إلا من بعد إكمال ديني واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي ، وذلك كمال توحيدي وديني واتمام نعمتي على خلقي باتّباع وليي وطاعته ، وذلك أنّي لا أترك ارضي بغير قيّم ليكون حجّة لي على خلقي ؛ فاليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً بولاية وليِّي ومولى كل مؤمن ومؤمنة عليّ عبدي ووصي نبيي والخليفة من بعده ؛ وحجتي البالغة على خلقي مقرون طاعته بطاعة محمد نبيي ، ومقرون طاعته مع طاعة محمد بطاعتي ؛ من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني ، وإني جعلته علماً بيني وبين خلقي ، من عرفه كان مؤمناً ، ومن أنكره كان كافراً ، ومن أشرك ببيعته كان مشركاً ، ومن لقيني بولايته دخل الجنة ، ومن لقيني بعداوته دخل النار.

فأقم يا محمّد علياً علماً وخذ عليهم البيعة ، وجدّد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه ، فإنّي قابضك إلي ومستقدمك علي.

قال : فخشي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرّقوا ويرجعوا جاهليّة ؛ لما عرف من عداوتهم ، ولما تنطوي عليه أنفسهم لعلي عليه‌السلام من العداوة والبغضاء (١) ، وسأل جبرئيل عليه‌السلام أن يسأل رّبه عزّ وجلّ العصمة من الناس ، وانتظر أن يأتيه جبرئيل عليه‌السلام بالعصمة من الناس عن الله جلّ اسمه فأخّر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرئيل عليه‌السلام في مسجد الخيف ، فأمره بأن يعهد عهده

__________________

١ ـ من المصدر : وفي الأصل « البغضة والشحناء ».

٣٤٧

ويقيم عليّاً على الناس يهتدون به ، ولم يأته بالعصمة من الله جلّ جلاله بالذي أراد حتى أتيى « كراع الغميم » (١) ، موضع بين مكة والمدينة ، فأتاه جبرئيل عليه‌السلام وأمره بالذي اتاه به من قبل الله سبحانه ، ولم يأته أيضا بالعصمة.

فقال : يا جبرائيل إنّي أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي أخي وابن عمّي.

قال : فرحل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا بلغ غدير خم وهو قبل الجُحفة (٢) بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه‌السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس ، فقال : يا محمد ان الله عزّ وجلّ يقرؤك السلام ويقول لك : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إلَيكَ مِن رَبِّكَ ) في عليّ ( وَإن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (٣) وكان أوائلهم قريباً من الجحفة ، فأمره بأن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ، ليقيم علياً للناس عَلَماً ويبلِّغهم ما أنزل الله تعالى في علي ، وأخبره ان الله عزّ وجلّ قد عصمه من الناس.

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما جاءته العصمة منادياً ينادي في الناس الصلاة جامعة ويردّ من تقدم منهم ويحبس من تأخر ، وتنحى عن يمين الطريق ونزل الى جنب مسجد الغدير ، أمره بذلك جبرئيل عليه‌السلام عن الله عز وجل ، وكان في الموضع سلمات (٤).

__________________

١ ـ « كراع الغميم » : موضع بالحجاز بين مكة والمدنية أمام عسفان بثمانية أميال ، وهذا الكراع جبل أسود في طرف الحرة يمتد اليه ( مراصد الاطلاع : ٣ / ١١٥٣ ).

٢ ـ كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة ... وهي ميقات أهل مصر والشام إن لم يمروا على المدينة ( ياقوت الحموي : معجم البلدان : ٢ / ١١١ ).

٣ ـ المائدة : ٦٧.

٤ ـ السلم : شجر من العضاه ، واحدتها « سلمة » بفتح اللام ، وورقها القرظ الذي يدبغ به وتجمع على سلمات ( ابن الاثير : النهاية : ٢ / ٣٩٥ ).

٣٤٨

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يُقَمَّ (١) ما تحتهن وينصب له أحجار كهيئة المنبر ليشرف على الناس ، فتراجع الناس واحتبس أوائلهم على أواخرهم في ذلك المكان لا يزولون.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوق تلك الأحجار ، ثمّ حمد الله تعالى وأثنى عليه فقال :

الحمد لله الّذي على في توحده ، ودنا في تفرّده ، وجل في سلطانه ، وعظم في أركانه ، وأحاط بكل شيء وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ؛ مجيداً لم يزل ، ومحموداً لا يزال ؛ بارئ المسموكات (٢) ، وداحي المدحوات ، وجبار الأرض (٣) والسماوات ؛ قدوس سبّوح ربّ الملائكة والروح ؛ متفضّل على جميع من برأه ، متطوّل على جميع ما أدناه ، يلحظ كلّ عين والعيون لا تراه ، كريم حليم ذو أناة قد وسع كلّ شيء رحمتُه ، ومن عليهم بنعمته ، لا يعجل بانتقامه ، ولا يبادر عليهم بما استحقّوا من عذابه ؛ قد فهم السرائر وعلم الضمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ولا اشتبهت عليه الخفيّات ، له الإحاطة بكل شيء ، والغلبة على كل شيء والقوّة في كلّ شيء والقدرة على كلّ شيء لا مثله شيء وهو منشئ الشيء حين لا شيء ، دائم قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، جل ان تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللّطيف الخبير ، لا يلحق أحدٌ وصفه من معاينة ، ولا يجده أحد ولا يقال فيه كيف هو من سر وعلانية إلاّ بما دل عزّ وجلّ على نفسه.

وأشهد بأنّه الله الذي ملأ الدهر قدسُه ، والذي يغشى الأبد نوره ، والذي نفذ

__________________

١ ـ القمامة : الكناسة ، قم البيت قمّاً من ـ باب قتل ـ كَنَسَهُ ( مجمع البحرين « قم » ).

٢ ـ السمك : السقف ، وقيل هو أعلى البيت الى أسفله ، وفي الحديث : اللهم بارئ المسموكات السبع ، أي السماوات السبع ( لسان العرب : « سمك » ).

٣ ـ « الأرض » من المصدر.

٣٤٩

أمره بلا مشاروة مشير ، ولا معهه شريكٌ في تقدير ، ولا تفاوت في تدبير ، صوّر ما أبدع على غير مثال ، وخلق بلا معونة من أحد ولا تلكّف ولا احتيال ، أنشأها فكانت ، وبرأها فبانت ، فهو الله الذي لا إله الا هو المتقن الصنعة ، الحسن الصنيعة ، العدل الذي لا يجوز ، والاكرم الذي ترجع إليه الأمور.

وأشهد أنه الذي تواضع كلَّ شيء لقدرته ، وخضع كلَّ شيء لهيبته ، مالك الاملاك ومفلك الافلاك ومسخّر الشمس والقمر كلٌّ يجري لأجل مسمّى ، يكوّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثاً ، قاصم كل جبار عنيد ومهلك كل شيطان مريد ، لم يكن معه ضد ولا ند ، أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، إله واحد ورب ماجد ، يشاء فيمضي ، ويريد فيقضي ، ويعلم ويحصي ، ويميت ويحي ، ويفقر ويغني ، ويضحك ويبكي ، ويدني ويقصي ، ويمنع ويعطي ، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار مجيب الدعاء ومجزل العطاء ، محصي الأنفاس ، ورب الجنة والناس ، لا يشكل عليه شيء ، ولا يضجره صراخ المستصرخين ، ولا يبرمه الحاح الملحين ، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين ، ومولى العالمين الذي استحق من كل من خلق أن يشكره ويحمده.

أحمده (١) على السراء والضراء والشدة والرخاء ، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله ، أسمع أمره وأطيع ، وأبادر الى كل ما يرضاه وأستسلم لقضائه رغبة في طاعته ، وخوفاً من عقوبته ، لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ، ولا يخاف جوره ، أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية ، وأؤدي ما أوحي الي حذاراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني احد وإن عظمت حيلته.

__________________

١ ـ من المصدر.

٣٥٠

لا إله إلا هو لأنه قد أعلمني أني إن لم أُبلّغ ما أُنزل إليَّ فما بلغت رسالته ، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم ؛ فأوحى إلي :

( بِسمِ اللهِ الرّحمن الرَّحيم * يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١).

معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما أنزل الله تعالى إلي ، وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية : إن جبرئيل عليه‌السلام هبط إلي مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي وهو السلام ؛ أن اقوم في هذا المشهد فأعلم كل ابيض وأسود ان علي بن ابي طالب اخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي ؛ الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؛ وهو وليّكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى بذلك آية من كتابه : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاة وَيُؤتُونَ الزَّكاةَ وَهُم راكِعُونَ ) (٢). وعلي بن ابي طالب اقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال.

وإنّي سألت جبرئيل عليه‌السلام أن يستعفي لي ربّي عزّ وجلّ عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس ؛ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام ، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم (٣) ، وقد كثر أذاهم لي غير مرة حتى سموني أذنا ، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه ، حتى أنزل الله عز وجل علي في ذلك :

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ المائدة : ٥٥.

٣ ـ على ضوء الآية ١٥ من سورة النور : ( إذ تَلَقَّونَهُ بِأَلسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفواهِكُم ما لَيسَ لَكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ ).

٣٥١

( وَمِنهُمُ الَّذِينَ يُؤذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُل أُذُنٌ خَيرٌ لَكُم ) (١) الآية.

ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لسميت ، أو أن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت أو أن أدل عليهم لدللت ، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت وكل ذلك لا يرضي الله مني إلىّ أن بلغ ما أنزل إلي في علي بن ابي طالب. ثم تلى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ ) في عليٍّ ( وَإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتهُ وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (٢).

فاعلموا معاشر الناس إن الله نصب لكم علي بن ابي طالب وليا واماما مفترضا طاعته على المهاجرين والانصار ، وعلى التابعين لهم باحسان ، وعلى البادي والحاضر ، وعلى الاعجمي والعربي ، وعلى الحر والمملوك ، وعلى الصغير والكبير ، وعلى الابيض والاسود ، وعلى كل موحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ملعون من خالفه مرحوم من تبعه ، ومن صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع.

معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر ربكم فان الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم ، ثم من دونه رسوله محمد وليكم القائم المخاطب لكم ، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر من ربكم ، ثم الامامة في ذريتي من ولده الى يوم القيامة ، تلقون الله ورسوله لا حلال إلا ما احله الله ، ولا حرام إلا ما حرمه الله ، وقد عرفني الحلال والحرام وأنا افضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه اليه.

معاشر الناس ما من علم الا وقد احصاه الله في ، وكل علم علمت فقد احصيته في امام المتقين ، وما من علم إلا علمته علياً وهو الامام المبين.

__________________

١ ـ التوبة : ٦١.

٢ ـ المائدة : ٦٧ برفع : « في عليّ ».

٣٥٢

معاشر الناس لا تضلوا عنه ولا تنفروا منه ولا تستنكفوا من ولايته فهو الذي يهدي الى الحق ويعمل به ، ويزهق الباطل وينهى عنه ولا تأخذه في الله لومة لائم ، ثم إنه أول من آمن بالله ورسوله ، وهو الذي فدى رسول الله بنفسه ، وهو الذي كان مع رسول الله ولا أحد يعبدُ الله مع رسوله من الرجال والنساء غيره.

معاشر الناس فضّلوه فقد فّله الله ، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس إنه إمام من الله ولمن يتوب الله على احد انكر ولايته ولن يغفر الله له ، حتما على الله ان يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه وأن يعذّبه عذاباً نكراً أبد الابد ودهر الدهور ، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين.

أيها الناس بي والله بشر الاولون من النبيين والمرسلين ، وأنا خاتم الانبياء والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من اهل السماوات والارضين ، فمن شك في ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى ، ومن شك في شيء من (١) قولي هذا فقد شك في الكل منه ، والشاك في ذلك فله النار.

معاشر الناس حباني الله بهذه الفضيلة منّاً منه علي وإحسانا منه الي ولا اله الا هو له الحمد مني ابد الابدين ودهر الداهرين على كل حال.

معاشر الناس فضلوا عليا فإنه افضل الناس بعدي من ذكر وانثى ، بنا انزل الله الرزق وبقي الخلق ، ملعون ملعون مغضوب من رد علي قولي هذا ولم يوافقه ، ألا إن جبرئيل خبرني عن الله تعالى بذلك ويقول : من عادى عليا ولم يتوله فعليه لعنتي وغضبي فلتنظر نفسٌ ما قدمت لغد » ) (٢) واتقوا الله ان تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها ان الله خبير بما تعملون.

__________________

١ ـ « شيء من » : المصدر.

٢ ـ انظر الحشر : ١٨ ، وفيها : ( ولتنظر ... ).

٣٥٣

معاشر الناس إنه جنب الله الذي ذكره الله في كتابه فقال تعالى : ( أَن تَقُولَ نَفسٌ يا حَسرَتي عَلى ما فَرَّطت فِي جَنبِ اللهِ ) (١).

معاشر الناس تدبروا القران وافهموا اياته وانظروا الى محكماته ولا تتبعوا متشابهه ، فو الله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره الا الذي أنا آخذ بيده ومصعده الي وشائل بعضده ، ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا علي مولاه وهو علي بن ابي طالب اخي ووصيي ، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عليّ.

معاشر الناس ان علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الاصغر ، والقران الثقل الاكبر ، وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، أمناء الله في خلقه ، وحكماؤه في أرضه ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عزّ وجلّ ، ألا إنه ليس أمير للمؤمنين بعدي لأحد غيره.

قال : ثم ضرب بيده الى عضده فرفقه وكان منذ اول ما صعد رسول اله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منبره (٢) على درجة دون مقامه فبسط يده نحو وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كأنهما في مقام واحد فرفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيده وبسطها الى السماء ، فشال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال :

معاشر الناس هذا علي اخي ووصيي ووارثي وواعي علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب الله عز وجل والداعي اليه ، والعامل بما يرضاه ، والمحارب لأعدائه ، والموالي على طاعته ، والناهي عن معصيته خليفة رسول الله وأمير المؤمنين

__________________

١ ـ الزمر : ٥٦.

٢ ـ قوله : « منبره » ـ الى قوله : ـ الى السماء » ليس فيما وقع الينا من نسخ « الاحتجاج » و « روضة الواعظين » للشيخ الشهيد محمد بن أحمد الفارسي رحمه‌الله ، انما الحقانه من كتابي « اليقين » و « التحصين » ولابد منه ولعله انما سقط من قلم النساخ ( منه ).

٣٥٤

والإمام الهادي ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله ، أقول وما يبدل القول لدي بأمر ربي ، أقول : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من انكره ، واغضب على من جحد حقه ، اللهم انك انزلت علي ان الامامة بعدي لعلي وليك عند تبياني ذلك ونصبي اياه علماً للناس بما أكملت لعبادك من دينهم ، وأتممت عليهم بنعمتك ورضيت لهم الاسلام ديناً فقلت عز من قائل : ( وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِيناً فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِينَ ) (١). إني أشهدك أني قد بلغت.

معاشر الناس انما اكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه الى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل ، فأولئك الذين حبطت اعمالهم وفي النار هم خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (٢).

معاشر الناس هذا علي انصركم لي واحقكم بي واقربكم الي واعزكم علي والله عز وجل وانا عنه راضيان ، وما نزلت آية رضى إلا فيه ، وما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به ، ولا نزلت آية مدح في القران إلا فيه ، ولا شهد الله بالجنة في ( هَل أَتى عَلى الإِنسان ) (٣) إلا له ، ولا أنزلها في سواه ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس هو ناصر دين الله والمجادل عن رسول الله ، وهو التقي النقي الهادي المهدي ، نبيكم خير نبي ووصيكم خير وصي وبنوه خير الاوصياء.

معاشر الناس ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب عليّ.

__________________

١ ـ آل عمران : ٨٥.

٢ ـ كما يعبر القران الكريم بهذه العبارات في سورة البقرة : ١٧ ( أُولئِكَ حَبِطَت أَعمالُهُم وَفِي النّارِ هُم خالِدُونَ ) وفي الآية : ١٦٢ وآل عمران : ٨٨ : ( خَالِدينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرُون ).

٣ ـ الإنسان : ١.

٣٥٥

معاشر الناس إن ابليس اخرج ادم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط اعمالكم ، وتزل أقدامكم ، فان ادم عليه‌السلام اهبط الى الارض بخطيئة واحدة وهو صفوة الله عز وجل ، فكيف بكم وانتم انتم ومنكم أعداء الله ، ألا إنه لا يبغض عليا الا شقي ، ولا يتوالى عليا الا نقي ، ولا يؤمن به ، الا مؤمن مخلص ، في علي والله نزلت سورة العصر : ( بسم الله الرحمن الرحيم * والعصر ... ) الخ.

معاشر الناس قد استشهدت الله وبلّغتكم رسالتي ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلّا البَلاغُ المُبينُ ) (١).

معاشر الناس ( اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمُونَ * واعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً ولا تَفَرَّقُوا ) (٢) فحبل الله هو علي بن أبي طالب.

معاشر الناس امنوا بالله ورسوله والنور الذي انزل معه من قبل ان نطمس وجوها فنردها على ادبارها.

معاشر الناس النور من الله عز وجل في ، ثم هو مسلوك في علي ، ثم في النسل منه الى القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة على المقصرين والمعاندين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت او قتلت انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين (٣) ، ألا وإن عليا الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي من

__________________

١ ـ النور : ٥٤ والعنكبوت : ١٨.

٢ ـ آل عمران : ١٠٢ ـ ١٠٣.

٣ ـ على ضوء الآية الشريفة : ١٤٤ من سورة آل عمران : ( وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن ماتَ أَو قُتِلَ انقَلَبتُم عَلى أَعقابِكُم وَمَن يَنقَلِب عَلى عَقِبَيهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيئاً وَسَيَجزِي اللهُ الشّاكرينَ ).

٣٥٦

صلبه.

معاشر الناس لا تمنوا على الله تعالى اسلامكم فيسخط عليكم فيصيبكم بعذاب من عنده انه لبالمرصاد.

معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون معاشر الناس ان الله تعالى وانا بريئان منهم ؛ معاشر الناس انهم واشياعهم واتباعهم وانصارهم في الدرك الاسفل من النار ولبئس مصوى المتكبرين ، ألا انهم اصحاب الصحيفة فلينظر احدكم في صحيفته ، قال : فذهب على الناس الا شرذمة منهم امر الصحيفة.

معاشر الناس إني أدعها امامة ووراثة في عقبي الى يوم القيامة ، وقد بلغت ما امرت بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب ، وعلى كل احد ممن شهد أو لم يشهد ولد او لم يولد (١) ، فليبلغ الحاضر الغائب والوالد الولد الى يوم القيامة ، وسيجعلونها ملكاً واغتصاباً ، ألا لعن الله الغاصبين والمغتصبين وعندها سنفرغ لكم ايها الثقلان ، فيرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران (٢).

معاشر الناس ان الله عز وجل لم يكن ليذركم على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ؛ وما كان ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس إنه ما من قرية إلا والله مهلكها بتكذيبها ، وكذلك يهلك القرى وهي ظالمة كما ذكر الله تعالى في كتابه : ( وَإن مِن قَريَةٍ إِلّا نَحنُ مُهلِكُوهُا قَبلَ يَومِ القِيامَة أَو مُعَذِّبُوها عَذاباً شَديداً كانَ ذلكَ فِي الكِتابِ مَسطُوراً ) (٣) وهذا علي

__________________

١ ـ « ولد او لم يولد » المصدر.

٢ ـ على ضوء الآيتين : ٣١ و ٣٥ من سورة الرحمن.

٣ ـ الإسراء : ٥٨.

٣٥٧

بن أبي طالب إمامكم ووليكم بعدي ، وهو مواعيد الله والله يصدق ما وعده.

معاشر الناس قد ضل قبلكم أكثر الأولين والله لقد أهلك الأولين وهو مهلك الآخرين ، قال الله تعالى : ( أَلَم نهلك الأوّلين * ثمّ نُتبعهُم الآخرين * كَذلِكَ نَفعلُ بالمُجرمين * وَيلٌ يَومئذٍ للمُكَذِّبين ) (١).

معاشر الناس إن الله قد أمرني ونهاني ؛ وقد أمرت عليا ونهيته فعلم الامر والنهي من ربه عز وجل فاسمعوا لأمره تسلموا ، وأطيعوا تهتدوا ، وانتهوا لنهيه ترشدوا ، وصيروا الى مراده ولا تفرق بكم السبل عن سبيله.

معاشر الناس أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه ، ثم علي من بعدي ، ثم ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون.

ثم قرأ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( بِسم الله الرّحمن الرحيم * الحَمدُ للهِ رَبِّ العالمين ) الى آخرها ، وقال : هي والله فيّ نزلت وفيهم نزلت ، ولي ولهم عمت ، وإياهم خصت ؛ أولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؛ ألا إنهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون.

ألا إن اعداء علي هم أهل الشقاق والنفاق والعادون وإخوان الشياطين الذين يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غروراً.

ألا إن أولياء هم الذين ذكرهم الله في كتابه إنهم المؤمنون ، فقال عز وجل : ( لا تَجدُ قَوماً يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخر يُوادُّونَ مَن حادَّ الله ورَسُولَهُ ) (٢) الى اخر الآية.

الا وإن أولياءهم الذين وصفهم الله عز وجل فقال : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم

__________________

١ ـ المرسلات : ١٦ ـ ١٩ ، والآيات من المصدر.

٢ ـ المجادلة : ٢٢.

٣٥٨

يَلبِسُوا إِيمانَهُم بِظُلمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمنُ وَهُم مُهتَدُونَ ) (١).

ألا إن أولياءهم الذي يدخلون الجنة آمنين وتتلقاهم الملائكة بالتسليم يقولون سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.

ألا إن أوليائهم الذين قال لهم الله عز وجل ( يَدخُلُونَ الجنّة بغير حساب ) (٢).

ألا إن أعداءهم يصلون سعيراً.

ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقاً وهي تفور ولها زفير.

ألا إن اعداءهم الذين قال الله فيهم : ( كُلَّما دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَها ) (٣) الآية.

الا إن أعداءهم الذين قال عز وجل : ( كُلَّما أُلقِيَ فِيها فَوجٌ سَأَلَهُم خَزَنَتُها أَلَم يَأتِكُم نَذِير ) (٤) الآية.

ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير.

معاشر الناس شتان ما بين السعير والجنة ؛ عدونا من ذمه الله ولعنه وولينا من أحبه الله ومدحه.

معاشر الناس ألا وإني منذر وعلي هاد وذلك قوله تعالى : ( إِنَّما أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَومٍ هادٍ ) (٥).

معاشر الناس إني نبي وعلي وصيي ، ألا إن خاتم الائمة منا القائم المهدي

__________________

١ ـ الأنعام : ٨٢.

٢ ـ نص الآية : ( يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيها بِغََيرِ حِسابٍ ) غافر : ٤٠.

٣ ـ الأعراف : ٣٨.

٤ ـ الملك : ٨.

٥ ـ الرعد : ٧.

٣٥٩

ألا إنّه الظاهر على الدين ، ألا إنه المنتقم من الظالمين ، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها ، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل ، الا إنه الناصر لدين الله ، ألا إنه الغراف في بحر عميق ، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله ولك ذي جهل بجهله ، ألا إنه خيرة الله ومختاره ، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به ، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه ، ألا إنه الرشيد الشديد ، ألا إنه المفوض إليه ، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه ، الا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور إلا عنده ، ألا إنه لا غالب له ولا منصور عليه ، ألا وإنه ولي الله في ارضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته.

معاشر الناس قد بينت لكم وافهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي ، ألا وإني عند انقضاء خطبتي أدعوكم الى مصافقتي على بيعته والإقرار به ثم مصافقته بعدي ، ألا وإني قد بايعت الله وعلي قد بايعني وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز وجل ( فَمَن نَكَثَ فَإِنَّما يَنكُثُ عَلى نَفسِهِ ) (١) الآية.

معاشر الناس ان الحج والعمرة من شعائر الله ( فمن حجّ أو اعتمر ) (٢) الآية.

معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا استغنوا ، وما تخلفوا عنه إلا افتقروا.

معاشر الناس ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك ، فإذا انقضت حجته استؤنف عمله.

معاشر الناس : الحجاج معانون ونفقاتهم مخلفة ، والله لا يضيع أجر

__________________

١ ـ الفتح : ١٠.

٢ ـ نص الآية : ( فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ ... ) البقرة : ١٥٨.

٣٦٠