اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

[ ٥٠ ]

موْلّىً لَهُ الجَنَّةُ مَأْمُورَةٌ

والنّارُ من إجلالهِِ تَفزَعُ

اللغة :

« اللام » للاختصاص أو الاستحقاق أو شبه التملّك.

« الألف واللام » للعهد أو الاستغراق ، وكذلك الألف واللام في « النار » فإنّ لجهنّم أيضاً منازل ودركات كما للجنّة درجات ومساكن لا تحصى.

« من » للتعليل.

« الإجلال » التعظيم ، أي العد جليلاً.

المراد ب‍ « النار » إمّا معناها الحقيقي ، أو أهلها ، أو المراد بالفزع ليس معناها الحقيقي ، بل يكون مجازاً عن مطواعيتها له ، والمطواعية مجازاً عن تحقّق مراده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها ، بأن يدخلها من شاء ولا يدخلها من شاء ، أو النار مضاف محذوف أي أهل النار.

الإعراب :

« مولى » خبر « هو » مقدراً.

٥٤١

« له » متعلّق بـ « مأمورة ».

« الجنّة » مبتدأ « مأمورة » والجملة صفة ل‍ « مولى » ، ويحتمل أن يكون « له » ظرفاً مستقرّاً و « الجنة » فاعله ، والجملة صفة ل‍ « مولى » و « مأمورة » تمييزاً ، ك‍ : « فارساً » في : للّه دره فارساً ، وحينئذ فاللاّم تحتمل غير الاختصاص.

ثمّ إنّ « مأمورة » إمّا أن يكون نزل بالنسبة إلى المفعول الثاني الذي يتعدّى إليه بالباء منزلة اللازم ، أو يقدّر باتّباعه أو امتثال أمره.

جملة المصراع الثاني إمّا عطف على جملة الصفة فيكون من عطف إحدى الصفتين على الأُخرى ، أو يكون العطف قبل الوصفية حتى تكون الصفة مجموع الجملتين فإنّ المجموع بمعنى مطاع الجنّة والنار.

وإمّا عطف على جملة المصراع الأوّل فيكون من عطف أحد الخبرين على الآخر.

« النار » مبتدأ خبره « تفزع » ، وعلى تقدير مجاز الحذف في التقدير مضاف إليه مقدّر.

« من إجلاله » متعلّق ب‍ « تفزع » ومفعوله الذي يتعدّى إليه بمن محذوف ، أي منه أو منزل منزلة اللازم ، أي يحصل لها الفزع والذعر من جهة إجلاله.

المعنى :

« هو » أي حيدر ـ صلوات اللّه عليه ـ مولى الجنّة المعهودة ، أي جنّة الآخرة أو الجنان كلّها مأمورة له بإطاعته ، أو الجنّة مخصوصة به أوحقّ له أو ملك له من حيث المأمورية ، أي مأموريته مخصوصة به أو حقّ له أو ملك له ، وآلنار المعهودة أي نار جهنم أو نيران جهنّم كلّها تخاف وتذعر منه لإجلاله وتعظيمه.

والحاصل أنّ كلاًّ من الجنّة والنار مطيع له وأنّه قسيمها. والأخبار الناصّة بذلك لا تحصى كثرة من طرق العامّة والخاصّة ، ولا بأس بالتبرّك بذكر بعض من

٥٤٢

ذلك :

فقد روى الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري في « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » بإسناده إلى ابن عبّاس : لمّا فتح اللّه على نبيّه مدينة خيبر قدم جعفر عليه‌السلام من الحبشة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا أدري أنا بأيّهما أُسرّ بفتح خيبر أم بقدوم جعفر. وكانت مع جعفر عليه‌السلام جارية فأهداها إلى عليّ عليه‌السلام ، فدخلت فاطمة عليها‌السلام بيتها فإذا رأس عليّ عليه‌السلام في حجر الجارية ، فلحقها من الغيرة ما يلحق المرأة على زوجها ، فتبرقعت برقعتها ووضعت خمارها على رأسها تريد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشكو إليه عليّاً عليه‌السلام.

فنزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : « يا محمد إن ّاللّه يقرؤك السّلام ويقول لك : هذه فاطمة أتتك تشكو عليّاً فلا تقبلنَّ منها. فلمّا دخلت فاطمة عليها‌السلام قال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ارجعي إلى بعلك وقولي له رغم أنفي لرضاك.

فرجعت فاطمة فقالت : يا ابن عم رغم أنفي لرضاك. فقال عليّ عليه‌السلام : يا فاطمة شكوتيني إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واحياءاه من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أُشهدك يا فاطمة أنّ هذه الجارية حرّة لوجه اللّه في مرضاتك ، وكان مع عليّ عليه‌السلام خمسمائة درهم فقال : وهذه الخمسمائة درهم صدقة على فقراء المهاجرين وآلأنصار في مرضاتك.

فنزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد اللّه يقرؤك السّلام ويقول : بشّر علي بن أبي طالب بأنّي قد وهبت له الجنّة بحذافيرها لعتقه الجارية في مرضاة فاطمة ، فإذا كان يوم القيامة يقف على باب الجنّة فيُدخل من يشاء الجنة برحمتي ويمنع منها من يشاء بغضبي ، وقد وهبتُ له النّار بحذافيرها لصدقته الخمسمائة

__________________

١. هذا لاينطبق علي سيرة نساء العامين كخطية علي بنت أبي جهل لاحظ التفصيل فى « الحديث النبوي بين الرواية والدراية » ض ٤٤٩ ـ ٥٠٣

٥٤٣

درهم على الفقراء في مرضاة فاطمة فإذا كان يوم القيامة يقف على باب النّار فيدخل من يشاء النار بغضبي ويمنع من يشاء منها برحمتي.

فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بخ بخ مَن مثلك يا عليّ وأنت قسيم الجنّة والنار. (١)

وروى ابن شيرويه الديلمي في « الفردوس » عن كتاب الاحسن والمحسن للصفواني ، في خبر طويل ، عن إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن آبائه صلوات اللّه عليهم قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وينزل الملكان ، يعني : رضوان ومالك ، فيقول مالك : إنّ اللّه أمرني بلطفه ومنّه أن أسعر النيران فسعرتها ، وأن أغلق أبوابها فغلقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها فَخُذْها يا محمد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثمّ أدفعها إلى عليّ.

ثمّ يقول رضوان : إنّ اللّه أمرني بمنّه ولطفه أن أُزخرف الجنان فزخرفتها ، وأن أغلق أبوابها فغلّقتها ، وأن آتيك بمفاتيحها فخذها يا محمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي فله الحمد على ما منّ به عليّ ، ثمّ أدفعها إلى علي ، فيتنزل عليّ وبيده مفاتيح الجنة ومقاليد النار فيقف علي بحجزتها ويأخذ بزمامها وقد تطاير شررها وعلا زفيرها وتلاطمت أمواجها فتناديه النار : جزني يا عليّ فقد أطفأ نورك لهبي ، فيقول لها عليّ : أُتركي هذا وَلِيّي ، وخُذي هذا عدوّي ، وإنّ جهنم يومئذ لأطوع لعلي من غلام أحدكم لصاحبه. (٢)

وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله في كتاب « علل الشرائع والأحكام » بإسناده عن سماعة بن مهران قال : قال أبو عبد اللّه عليه‌السلام : إذا كان يوم القيامة وضع منبر يراه جميع الخلائق ، يقف عليه رجل يقوم ملك عن يمينه وملك

__________________

١ ـ بشارة المصطفى : ١٠١.

٢ ـ مناقب آل أبي طالب : ٩٢ ، والبحار : ٣٩ / ٢٠٤.

٥٤٤

عن يساره ، فينادي الذي عن يمينه : يا معشر الخلائق هذا عليّ بن أبي طالب صاحب الجنّة يدخل الجنّة من شاء ، وينادي الذي عن يساره : يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب صاحب النار يدخلها من شاء. (١)

وروى في « عيون أخبار الرضا » باسناده عن أبي الصلت الهروي قال : قال المأمون للرضا عليه‌السلام : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام بأيّوجه هو قسيم الجنّة والنار وبأيّ معنى فقد كثر فكري في ذلك؟ فقال له الرضا عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك ، عن آبائه ، عن عبد اللّه بن عباس أنّه قال : سمعت رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : حُبّ عليّ إيمان وبغضه كفر؟ فقال : بلى ، فقال الرّضا عليه‌السلام : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنّار.

فقال المأمون : لا أبقاني اللّه بعدك يا أبا الحسن أشهدك أنّك وارث علم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال أبو الصلت الهروي : فلمّا انصرف الرضا عليه‌السلام إلى منزله أتيته فقلت له : يابن رسول اللّه ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين ، فقال لي الرّضا عليه‌السلام : إنّما كلّمته من حيث هو ، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ عليهم‌السلام أنّه قال : قال لي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليّ أنت قسيم الجنّة والنّار يوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لكِ. (٢)

وروي في العلل باسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : لمَ صار أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قسيم الجنّة والنّار؟ قال : لأنّ حبّه إيمان وبغضه كفر ، وإنّما خلقت الجنة لأهل الإيمان ،

__________________

١ ـ علل الشرائع : ١ / ١٦٤ ح ٤.

٢ ـ عيون أخبارالرضا : ١ / ٩٢ ح ٣٠.

٥٤٥

وخلقت النار لأهل الكفر ، فهو عليه‌السلام قسيم الجنّة والنار ، لهذه العلّة فالجنة لا يدخلها إلاّ أهل محبّته ، والنار لا يدخلها إلاّ أهل بغضه.

قال المفضل : فقلت : يابن رسول اللّه فالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام كانوا يحبّونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟

قال : نعم.

قلت : فكيف ذلك؟ قال : أما علمت أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم خيبر : لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله ما يرجع حتى يفتح اللّه على يديه ، فدفع الراية إلى عليّ عليه‌السلام ففتح اللّه عزّ وجلّ على يديه؟

قلت : بلى. قال : أما علمت أنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أتى بالطائر المشوي قال : اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإليَّ يأكل معي من هذا الطائر ، وعنى به عليّاً عليه‌السلام؟

قلتُ : بلى. قال : فهل يجوز أن لا يحبّ أنبياء اللّه ورُسُله وأوصياؤهم عليهم‌السلام رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ويحبّ اللّه ورسوله؟

فقلت له : لا ، قال : فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أُممهم لا يحبّون حبيب اللّه وحبيب رسوله وأنبيائه عليهم‌السلام؟

قلت : لا ، قال : فقد ثبت أن جميع أنبياء اللّه ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام محبّين ، وثبت أنّ أعداءهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبّتهم مبغضين؟

قلت : نعم. قال : فلا يدخل الجنّة إلاّ من أحبّه من الأوّلين والآخرين ولا يدخل النار إلاّ من أبغضه من الأوّلين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنة والنار.

٥٤٦

قال المفضّل بن عمر : فقلت له : يا بن رسول اللّه فرّجت عني فرّج اللّه عليك فزدني ممّا علّمك اللّه.قال : سل يا مفضّل.

فقلت له : يا ابن رسول اللّه فعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يُدخل محبّه الجنّة ومبغضه النار؟ أو رضوان ومالك؟.

فقال : يا مفضّل أما علمت أنّ اللّه تبارك وتعالى بعث رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو روح إلى الأنبياء عليهم‌السلام وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت : بلى.

قال : أما علمت أنّه دعاهم إلى توحيد اللّه وطاعته واتّباع أمره ووعدهم الجنّة على ذلك ، وأوعد مَن خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟ قلت : بلى.

قال : أفليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضامناً لما وعد وأوعد من ربّه عزّوجلّ؟ قلت : بلى.

قال : أو ليس علي بن أبي طالب عليه‌السلام خليفته وإمام أُمّته؟ قلت : بلى.

قال : أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة المستغفرين لشيعته الناجين بمحبّته؟ قلت : بلى.

قال : فعلي بن أبي طالب إذن قسيم الجنّة والنار عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر اللّه تبارك وتعالى.

يا مفضّل خذ هذا فإنّه من مخزون العلم ومكنونه لا تخرجه إلاّ إلى أهله. (١)

__________________

١ ـ علل الشرائع ١ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

٥٤٧

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : تنكير « مولى » للتعظيم.

الثانية : تقديم « له » على مابعده إن كان متعلّقاً ب‍ « مأمورة » ، للحصر والوزن والتوجيه وتقريب الضمير من مرجع والابتداء بالعائد في الصفة والتبرّك ، لرجوع الضمير إلى من تبرّك باسمه وصفاته ، وكذا تقديم « مِن إجلاله » على « تفزع » وفيه رعاية القافية أيضاً.

الثالثة : إن كان « مأمورة » تمييزاً ففيه إيضاح بعد إبهام.

البيان :

إن كان « مأمورة » تمييزاً فإسناد « له » إلى « الجنّة » مجازي فإنّ فاعله حقيقة هو المأمورية : مأموريّة الجنة ، إمّا بمعناه الحقيقي ، لجواز أن يجعلها اللّه قابلة للخطاب والأمر ، وإمّا بمعنى تعلّق التقدير الإلهي كماعرفت سابقاً ، وكذا نسبة الفزع إلى النار إمّا بمعناها الحقيقي ، أو النّار مجاز عن أهلها ، أو فيه مجاز الحذف أو الاسناد مجازي ، أو الفزع مجاز عن المطواعية المراد بها تحقيق ما أراده عليه‌السلام فيها.

٥٤٨

[ ٥١ ]

إمامُ صِدق ولَهُ شيعةٌ

يُروَوا مِنَ الحَوضِ ولَمْ يُمْنَعُوا

اللغة :

« الإمام » من يؤتم به ، أي يُقتدى به في أقواله وأفعاله ، من أمَّهُ ، بمعنى قصده لأنّ المؤتمّين يقصدونه.

المراد بالصدق إمّا معناه الحقيقي أو الحق ، فإنّ الصدق كما عرفت إنّما يكون في الخبر إذا طابق مضمونه الواقع.

« شيعة » الرجل : أتباعه وأنصاره ، من شيع فلاناً إذا تبعه ليودّعه ، وشيع الجنازة وشايع فلاناً إذا تابعه على أمر ، أو من شاع بمعنى انتشر لأنّهم منتشرون عنه في أُمورهم أي يصدورن عنه ، وشيعة عليّ صلوات اللّه عليه له معنيان :

الأوّل : وهو المعروف : من والاه واعتقد أنّه الإمام المفترض الطاعة بعد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

والثاني : وهو الذي ورد في عدّة أخبار : مَن تابَعَهُ في الأقوال والأفعال وسائر سيرته ، ولم يخالفه فيما أمره به ولم يقترف ما نهاه عنه ، ففي تفسير الإمام الهمام ، أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليه عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث

٥٤٩

طويل يذكر فيه محبّيه ومحبّي عليّ صلوات اللّه عليهما مَن يدخل جهنّم ، قال في آخره : ليس هؤلاء يسمّون بشيعتنا ، ولكنّهم يسمّون بمحبينا والموالين لأوليائنا والمعادين لأعدائنا ، إنّ شيعتنا من شيعنا واتّبع آثارنا واقتدى بأعمالنا. (١)

وفيه أيضاً قال الإمام عليه‌السلام : قال رجل لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلان ينظر إلى حرم جاره فإن أمكنه مواقعة لم يرع عنه ، فغضب رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : ائتوني به ، فقال رجل آخر : يا رسول اللّه إنّه من شيعتكم ممّن يعتقد موالاتك وموالاة عليّ ويتبرأ من أعدائكما.

فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تقل إنّه من شيعتنا فإنّه كذب ؛ إنّ شيعتنا من شَيعنا وتبعنا في أعمالنا وليس هذا الذي ذكرتَه في هذا الرجل من أعمالنا. (٢)

والأخبار بهذا المضمون في التفسير المذكور في تفسير قوله تعالى : ( لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودةً ) (٣) الآية ، من أرادها فليراجعه.

« الألف وآللام » في « الحوض » للعهد.

الإعراب :

« إمام صدق » : إمّا خبر بعد خبر لما قدّر مبتدأً لمولى ، أو خبر مبتدإ آخر مقدّر ، والإضافة لامية ، فإن أُريد بالصدق معناه المصدري من غير تقدير ، كانت الإضافة بأدنى ملابسة بمعنى أنّه الإمام المنسوب إلى الصدق ، أي صادق الإمامة ، وإن كان المراد به أهل الصدق والمراد بالصدق الإيمان والإخلاص في الدّين ، كانت الملابسة ظاهرة ، وكذا إن قدّر قبله مضاف حتى يكون من باب مجاز

__________________

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري : ٣٠٧ ذ ح ١٤٩.

٢ ـ المصدر نفسه : ٣٠٧ ، ح ١٥٠.

٣ ـ البقرة : ٨٠.

٥٥٠

الحذف ، أي أهل صدق.

ويحتمل أن تكون الإضافة بيانية ويكون الصدق بمعنى الصادق أي إمام هو صادق في الإمامة ، ويجوز على جميع هذه التقادير أن يكون الصدق بمعنى الحقّ.

جملة « له شيعة » إمّا معطوفة على خبر المبتدأ ، أو على جملة المبتدأ والخبر ، سواء قدّر لـ « إمام صدق » مبتدأ آخر أو كان مبتدؤه الأوّل.

جملة المصراع الثاني صفة لشيعة ، وحذف النون من يرووا للضرورة ، كما في قوله :

وإذ يغصبوا النّاس أموالهم

إذا مَلَكُوهُمْ ولَمْ يغصبُوا

وقوله :

أبيت أسري وتبيتي تدْلُكي

وَجْهَك بالعنبر والمسكِ الذكي (١)

ويجوز أن يكون الفعل مجزوماً بلام مقدّرة ، كما في قوله :

قلت لبوّاب لديه دارها

تأذن فإنّي حمؤها وجارها (٢)

فإنّ الأصل « لتأذن » فحذفت اللام ونقلت كسرتها إلى حرف المضارعة. وقوله :

مُحمّدٌ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْس

إذا ما خِفْتَ مِنْ شَيء تَبَالا (٣)

__________________

١ ـ لسان العرب : ١٠ / ٨٢٥ وشرح الرضي : ٤ / ٢٤ ، ولم يُنسب.

٢ ـ وهو لأبي عمرو منظور بن مرثد الأسدي ، الصحاح : ١ / ٤٥ « حمأ » وذكره ابن السّكيت في : ترتيب المنطق : ١٣٢.

٣ ـ قال المبرّد : قائله مجهول ، ذكره في شرح شواهد المغني : ٢ / ٥٩٧ الشاهد ٣٥٩ عن الخزانة : ٣ / ٦٢٩ ، وأمالي ابن الشجري : ١ / ٣٣٨.

٥٥١

وقوله :

فلا يستطل منّي بقائي ومدّتي

ولكن يكن للخير منك نصيب

وكما قيل في قوله تعالى : ( قُلْ لِعَبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاة ) (١) إنّ التقدير « ليقيموا » وحينئذ أيضاً صفة على التأويل المعروف أي مقول في حقّهم ليرووا ، والأمر هنا للإباحة ، فيكون المعنى : يباح لهم أن يرووا من الحوض ، ومنه ظهر أنّه يجوز التأويل إلى الخبر من غير تقدير بأن يكون المعنى يباح لهم أن يرووا ، وللتأويل إلى الخبر جاز عطف « لم يمنعوا » وهي جملة خبرية ، عليه وللمنع متعلّق مقدّر ، أي لم يمنعوا منه.

المعنى :

إنّه عليه‌السلام إمام صادق في الإمامة أو إماميّته حقة ، أو إمام الصادقين أو المحقّين أو أهل الصّدق في الإيمان أو أهل الحقّ وله أتباع وأنصار يروون من الحوض ، أو يقال لهم ليرووا منه ، أو يباح لهم أن يرووا منه ، ولا يمنعون منه فلم يمنعوا بصورة الماضي ويراد به الاستقبال.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : تنكير إمام صدق للتعظيم ، وكذا تنكير صدق إذا أُريد به أهل الصدق تقديراً أو عناية ، وكذا تنكير شيعة.

الثانية : التعبير عن الحق بالصّدق للدلالة على الظهور فإنّ الصّدق في

__________________

١ ـ إبراهيم : ٣١.

٥٥٢

الكلام ، فكأنّه قيل : إنّه نطق بذلك وصدق فيه.

الثالثة : التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي لما مرّ في نظائره.

البيان :

إن أُريد ب‍ « الصدق » معنى الحق ، كان استعارة تشبيهاً لمطابقة غير الكلام للواقع بمطابقته له ، بناءً على تشبيه غير الكلام بالكلام في الظهور والإبانة.

ثمّ إن أُريد به أهل الصدق كان مجازاً آخر ، وإن قدّر الأهل كان مجاز الحذف ، إن كان « يرووا » جملة إنشائية وأُريد بها معنى الإخبار ، من غير تقدير كان مجازاً في المركّب من قبيل إطلاق اسم الملزوم على اللازم.

« لم يمنعوا » استعارة للاستقبال تشبيهاً له بالماضي في تحقّق الوقوع.

٥٥٣

[ ٥٢ ]

بِذاكَ جاءَ الوحيُ من رَبِّنا

يا شيعةَ الحقِّ فلا تَجْزَعُوا

اللغة :

« الباء » للتعدية ، أو بمعنى « في » أو للسببية.

« ذاك » إشارة إمّا إلى المصراع الذي قبله ، أو إلى ما ذكره من أحوال الشيعة وإمامهم وأضدادهم. « الكاف » فيه حرف خطاب لا محلّ له من الإعراب.

« جاء » يجيئ جيئاً وَجَيْئَةً ومجيئاً : أتى. قال الرّاغب : لكن المجيئ أعمّ ـ يعني من وجه ـ لأنّ الإتيان مجيئٌٌ بسهولة والإتيانُ قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول ، والمجيئ يقال اعتباراً بالحصول ـ قال : ـ ويقال : جاء في الأعيان والمعاني ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره ولمن قصد مكاناً أو عملاً أو زماناً ، قال اللّه تعالى : ( وَجاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى ) (١) ( وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْل بِالْبَيِّناتِ ) (٢) و ( وَلَمّا جاءتْ رُسُلُنا لوطاً سيءَ بِهِمْ ) (٣) ( فَإِذا جاءَ الخوف ) (٤)

__________________

١ ـ يس : ٢٠.

٢ ـ غافر : ٣٤.

٣ ـ العنكبوت : ٣٣.

٤ ـ الأحزاب : ١٩.

٥٥٤

وقال تعالى : ( إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ) (١) ( بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي ) (٢) ( فَقَدْجاءُوا ظُلْماً وَزُوراً ) (٣) أي قصدوا الكلام وتعمّدوه ، فاستُعمل فيه المجيئ كما استُعمل فيه القصد ـ وأصل العمد هو القصد ـ ( إِذْ جاءُوكُمْ مِنْ فَوقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ) (٤) ( وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) (٥) فهذا بالأمر لا بالذات وهو قول ابن عباس. (٦) انتهى.

أقول : وهذه كلّها مجازات المعنى الأوّل.

« الألف واللام » للجنس أو للعهد إن كان المراد بالوحي القرآن. قال الراغب : أصل الوحي : الإشارة السريعة ولتضمّن السّرعة قيل : أمرٌ وحيٌ ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح ، وبالكتابة ، وقد حُمِلَ على ذلك قوله تعالى عن زكريا عليه‌السلام : ( فَخَرَجَ عَلى قَومِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (٧) فقد قيل : رَمَزَ ، وقيل : اعتبارٌ ، وقيل : كَتَبَ.

ثمّ قال : ويقال للكلمة الإلهيّة التي تُلقَى إلى أنبيائه وأوليائه : « وحيٌ » وذلك أضرُبٌ حسب ما دلّ عليه قوله : ( وَما كانَ لِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلاّ وَحياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحي بِإِذْنِهِ مايَشاء ). (٨) وذلك إمّا برسول مُشاهد تُرى ذاتهُ ويُسمَعُ كلامهُ كتبليغ جبرئيل عليه‌السلام للنبيّ في صورة معيّنة.

__________________

١ ـ يونس : ٤٩.

٢ ـ الزمر : ٥٩.

٣ ـ الفرقان : ٤.

٤ ـ الأحزاب : ١٠.

٥ ـ الفجر : ٢٢.

٦ ـ مفردات الراغب : ١٠٣ ـ ١٠٤.

٧ ـ مريم : ١١.

٨ ـ الشورى : ٥١.

٥٥٥

وإمّا بسماع كلام من غير معاينة ، كسماع موسى كلام اللّه تعالى.

وإمّا بإلقاء في الرّوع كما ذَكرَ عليهالصلاة والسلام : « إنّ روح القدس نفث في روعي ».

وإمّا بإلهام ، نحو : ( وَأَوحَيْنا إِلى أُمّ مُوسى أَن أَرْضِعيه ). (١)

وإمّا بتسخير ، نحو قوله : ( وَأَوحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ). (٢)

أو بمنام ، كما قال عليه الصلاة والسلام : « انقطع الوحيُ وبقِيَتِ المُبَشِّراتُ رؤيا المؤمن ».

فالإلهام والتسخير والمنام ، دَلّ عليه قوله : ( إلاّ وَحْياً ) (٣) ، وسماع الكلام مُعاينةً دلّ عليه قوله : ( أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب ) (٤).

وتبليغُ جبرئيلَ في صورة معيّنة دلّ عليه قوله : ( أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ) (٥). (٦) انتهى.

وفي الصحاح : الوَحي : الكتاب ، وجمعه وحيٌّ ، مثل حَلي وَحُلي. قال لبيد : « كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها ». (٧) والوحيُ أيضاً : الإشارة ، والكتابة ، والرّسالة ، والإلهام ، والكلام الخفيّ ، وكلُّ ما ألقيتَه إلى غيرك. يقال : وَحَيْتُ إليهِ الكلامَ وأوحَيْتُ ، وهو أن تكلِّمة بكلام تخفيه. قال العجاج : « وَحَى لها القرار فاستقرّت ». (٨)

__________________

١ ـ القصص : ٧.

٢ ـ النحل : ٦٨.

٣ و ٤ و ٥ ـ الشورى : ٥١.

٦ ـ مفردات الراغب : ٥١٥ ـ ٥١٦.

٧ ـ من معلّقته ، والبيت بتمامه :

فمدافِعُ الرَّيّانِ عُرّي رَسمُها

خَلقاً كما ضَمِنَ الوُحِيَّ سِلامُها

( المعلّقات العشر : ١٩١ )

٨ ـ وبعده : « وسدَّها بالراسيات الثبَّت ».

٥٥٦

ويروى : « أوحى لها » ووحَى وأوحى أيضاً كتب. وقال : « لِقَدَر كانَ وحاهُ الواحي ». وأوحى اللّه إلى أنبيائه. وأوحى ، أي أشار. قال اللّه تعالى : ( فَأَوحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (١).

ووحيتُ له بِخَبَر كذا ، أي أشرتُ وصوَّتُّ به رويداً. (٢) انتهى.

وقد روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رضوان اللّه عليه في باب الردّ على الثنويّة والزنادقة من كتاب « التوحيد » عن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه في حديث طويل ، أجاب فيه عن عدّة مسائل لرجل في كتاب اللّه قال :

فأمّا قوله : ( وَما كانَ لِبَشر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجاب ) (٣) : ما ينبغي لبشر أن يكلّمه اللّه إلاّ وحياً وليس بكائن إلاّ من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء كذلك قال اللّه تبارك وتعالى : ( عُلُوّاً كَبيراً ) (٤) ، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء فيبلغ رسلُ السماء رسلَ الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل أهل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السّماء.

وقد قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل هل رأيت ربّك؟ فقال جبرئيل : إنّ ربّي لا يُرى. فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين تأخذ الوحي؟ فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : ومن أين يأخذ إسرافيل؟ قال : يأخذ من ملك فوقه من الرّوحانيين ، قال : فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ قال : يقذف في قلبه قذفاً. فهذا وحيٌ وهو كلام اللّه عزّ وجلّ وكلام اللّه ليس بنحو واحد ؛ منه ما كلّم اللّه به الرّسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يُريها الرّسل ، ومنه وحيّ وتنزيل يُتلى ويُقرأ ، فهو كلام اللّه

__________________

١ ـ مريم : ١١.

٢ ـ الصحاح : « وحى ».

٣ ـ الشورى : ٥١.

٤ ـ الإسراء : ٤ و ٤٣.

٥٥٧

فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه ، فإنّ معنى كلام اللّه ليس بنحو واحد ، فإنّ منه ما يبلِّغ رسلُ السّماء رسلَ الأرض (١). انتهى ما أردنا حكايته.

وروى في باب معاني الحروف المقطّعة في أوائل السّور من القرآن من كتاب « معاني الأخبار » بإسناده عن سفيان بن سعيد الثوري ، عن الإمام الهمام أبي عبد اللّه الصادق صلوات اللّه عليه ، في خبر طويل :

قال :

وأمّا « ن » ، فهو نهر في الجنة ، قال اللّه عزّ وجلّ : إجمد فجمد فصار مداداً ، ثمّ قال عزّوجلّ : للقلم : اُكتب فسطّر القلم في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فالمداد مداد من نور ، والقلم قلم من نور ، واللّوح لوح من نور.

قال سفيان : فقلت له : يا ابن رسول اللّه بيّن لي أمر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان ، وعلّمني ممّا علّمك اللّه.

فقال : يا ابن سعيد لولا أنّك أهل للجواب ما أجبتك ف‍ « نون » ملك يؤدي إلى القلم وهو ملك ، والقلم يؤدي إلى اللّوح وهو ملك ، واللّوح يؤدي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدي إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدي إلى الأنبياء والرسل صلوات اللّه عليهم.

قال : ثمّ قال لي : قم يا سفيان فلا آمن عليك. (٢)

فهذا شطر كافي في هذا الكتاب ممّا ورد في الوحي ، والاستقصاء في ذلك ـ مع أنّه لا يناسب المقام ـ يستدعي كتاباً مخصوصاً به ، والمراد بالوحي هنا إمّا الكلام الموحى به أو إنزال الكلام أو الرسول الآتي بالوحي.

__________________

١ ـ التوحيد : ٢٦٤.

٢ ـ معاني الأخبار : ٢٢ذ ح ١.

٥٥٨

فعلى الأوّلين نسبة المجيئ إليه مجازية إلاّ أن يقدّر له مضاف ، أو جعل المجيئ مجازاً عن التنصيص والبيان.

وعلى الثاني لا يجوز إلاّ في الوحي.

« من » للابتداء.

« يا » حرف موضوع للنداء وهو الدعاء لطلب الاقبال ، حقيقة أو مجازاً ، بالوجه أو القلب.

ثمّ اختلفوا فقيل : إنّه لنداء البعيد حقيقة ، أو حكماً ومعنى البعد حكماً ، أن يكون المنادى مع قربه : غافلاً أو ساهياً عمّا ينادى له ، أو متعالياً عن رتبة المنادى ، نحو : يا للّه ، أو متنازلاً عنها ، نحو : يا هذا ، أو يكون الاهتمام بالإقبال على ما ينادى له عظيماً ، حتى إنّه ينزل المنادى مع تهالكه عليه بعيداً عنه ، نحو : ( يا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ). (١)

وقيل : بل مشتركة بين نداء القريب والبعيد ، وقيل : بينهما وبين المتوسّط.

وقيل : إنّها وأخواتها أسماء أفعال متضمّنة الضمير المتكلّم وأنّها بمعنى « أُدعوا ».

« الألف واللام » للجنس ، أو العهد ، أو الاستغراق.

« الحق » : الموجود الثّابت ، وخلاف الباطل ، أي المطابق لما في نفس الأمر.

قال الرّاغب : أصل الحقّ : المطابقة والموافقة كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه على استقامة. (٢)

والحقّ يقال على اللّه تعالى ، إمّا لكونه موجوداً ثابتاً ، أو لأنّه فعل ما فعل على

__________________

١ ـ المائدة : ٦٧.

٢ ـ مفردات الراغب : ١٢٥ : « حق ».

٥٥٩

وفق الحكمة ، وكذا يقال على الفعل المطابق للحكمة ، وكذا على الفعل المطابق لما ينبغي أو يجب.

والمراد هنا إمّا الاعتقاد الحقّ ، أو الدِّين الحقّ ، أو أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه لكونه الإمام الحقّ ، أو اللّه سبحانه ، أو الثابت ، أو المطلق لما يجب.

« الفاء » للعطف أو فصيحة أو زائدة.

« لا » حرف موضوع للنهي ، أي طلب ترك الفعل ، أو الكفّ عن الفعل على اختلاف في ذلك.

« الجزع » ضدّ الصبر. وقال الراغب : الجزع أبلغ من الحزن ، فإنّ الحزن عامّ ، والجزع هو حزن يَصرِفُ الإنسانَ عمّا هو بصدده ويقطَعُهُ عنه ، وأصل الجزع قطع الحبل من نصفه ، يقال : جَزَعتُهُ فانجزع ، ولتَصوُّر الانقطاع منه. قيل : جَزعٌ الوادي لِمُنْقَطَعِهِِ ، ولانقطاع اللّون بتغيّره ، . قيل للخَرَز المتلوّن : جَزْعُ ، وعنه استعير قولهم : « لَحْمٌ مُجَزَّع » إذا كان ذا لونين. وقيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفَها : مُجَزَّعَةٌ (١). انتهى.

الإعراب :

« بذاك » إمّا مفعول به ل‍ « جاء » ، أو متعلّق به ، وهو إن كانت الباء للسببية ، أو بمعنى « في ».

« من ربّنا » إمّا لغو متعلّق ب‍ « جاء » ، أو مستقرّ حال عن الوحي.

« شيعة الحقّ » منادى مضاف منصوب إمّا ب‍ « يا » لقيامها مقام « ادعو » ، أو لكونها اسم فعل ، أو ب‍ « ادعو » مقدّراً لازم الحذف ، على اختلاف في ذلك ، والإضافة لامية أو بيانيّة ، بمعنى الشيعة الّذين هم الحقّ أي الثابتون في التشيّع ، أو

__________________

١ ـ مفردات الراغب : ٩٢ « جزع ».

٥٦٠