اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

ومنها : التوجيه ، لا يقال : إنّ التوجيه حاصل على تقدير التعبير بالتعريف أيضاً ، فإنّه كما جاء الإعلام بمعنى التعريف جاء العكس ؛ لأنّا نقول : وإن كان الأمر كذلك إلاّ أنّه لما لم يكن له في اللفظ إلاّ مفعول واحد لم يكن داع إلى حمل التعريف على الإعلام ، بل كان حمله على معناه الحقيقي متعيّناً.

الرابعة : في حذف أحد مفعولي الإعلام إن لم يكن بمعنى التعريف ؛ وجوه :

منها : الإيجاز.

ومنها : التوجيه في الإعلام وفي المفزع ؛ من جهتين :

إحداهما احتماله المصدريّة والمكانية ، وأُخراهما احتماله كونه أوّل المفعولين أو ثانيهما.

ومنها : أنّ المقصود بالذات إنّما هو هذا المفعول.

ومنها : تعظيم المحذوف.

ومنها : المبالغة في إبهامه.

ومنها : المبالغة في تعميمه زيادة في تقرّبهم ، حتى أنّه إن أوصى إلى أيّ رجل فرض ، فهم بصدد مخالفته ومفارقته.

الخامسة : تنكير « مفزعاً ».

أمّا إن كان مفعولاً ثانياً ، فلأنّه الأصل لأنّه مخبر به وفي الأصل خبر المبتدأ ، وخصوصاً إذا قدّر المفعول الأوّل منكراً فإنّه يصحّ أن يكون المخبر عنه نكرة والمخبر به معرفة.

وأمّا إن كان مفعولاً أوّل ، فللتعظيم والإبهام ، ويشمل التقديرين رعاية الوزن.

السادسة : زيادة قوله : « كنتم ».

٢٨١

أمّا إن كان المراد به المعنى الأصلي ، فللمبالغة في إفادة المعنى كما عرفت سابقاً خصوصاً والجزاء لفظ « عسى » وهو قد يجرّد عن إفادة المضيّ ، وهذا الجزاء ان يبالغ في مضيّه ، للدلالة على أنّ هذا التوقع بالنسبة إليهم لم يكن ممّا حدث الآن أو سيحدث ، بل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبداً متوقّعاً منهم ذلك ، وأيضاً لأنّ « عسى » إنشاء للترجّي فهو بنفسه لا يصلح جزاء إلاّبتأويل ، فأتى ب‍ « كنتم » توصّلاً إلى جعله جزاء أو دلالة على أنّه لا يراد به المعنى الإنشائي ؛ لوقوعه خبراً ل‍ « كان » ، فإنّه لا يقع خبراً له إلاّ بتأويله بالمعنى الخبري ، فكأنّه قيل : « كنتم مقولاً في شأنكم كذا » أو « متوقّعاً منكم كذا ».

وأمّا إن كان المراد به معنى صرتم ، فالإتيان به للتوصّل المذكور ، والتعبير بهذا اللفظ للتوجيه والمبالغة في إفادة المضي ، فإنّ المتبادر من هذا اللفظ هو المضي ، وإن كان (١) بمعنى « صار » حكمه حكمه ، وكذا الحكم إذا كان تامّاً بمعنى « وجد » ثمّ في الإتيان ب‍ « كنتم » على كلّ : التوجيه.

السابعة : في تقديم الظرف أعني « فيه » على متعلّقه إن تعلّق ب‍ « تصنعوا » ؛ وجوه :

منها : رعاية الوزن والقافية.

ومنها : التوجيه.

ومنها : تقريب الضمير من مرجعه لا سيّما إذا لم يكن مرجعه هو المذكور ، لأنّه أحوج إلى التقريب.

الثامنة : في التعبير عن معنى التعليل ، أو معنى الباء ب‍ « في » ، مبالغة في العليّة أو الإلصاق كما لا يخفى ، وتوجيه من جهتين : إحداهما من جهة لفظة « في » والأُخرى من جهة محل الظرف.

__________________

١ ـ في الأصل : « وآن كان إذا كان » ، وتظهر « إذا كان » زائدة.

٢٨٢

التاسعة : في التعبير عن عبدة العِجل بأهل العجل ، ما لا يخفى من المبالغة في إصرارهم على عبادته ورسوخها في قلوبهم كما قال جلّ من قائل : ( وأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ ) (١).

العاشرة : في إبهام صنيع أهل العجل ثمّ إيضاحه بقوله : « فارقوا » إن كانت « إذ » زائدة ، أو للتعليل ، أو مجرّد الإبهام إن كانت ظرفية إشارة إلى تعظيمه في الفظاعة والشناعة. الحادية عشرة : العدول عن تركه إلى الترك له ، للتوجيه والوزن.

الثانية عشرة : تقديم الظرف ، أعني « له » على عامله إن كان متعلّقاً ب‍ « أودع » للوزن والقافية والتوجيه وتقريب الضمير من مرجعه.

الثالثة عشرة : التعبير عن معنى اسم الفاعل باسم التفضيل إن أُريد ب‍ « أودع » معنى « وادع » للدلالة على اشتماله على فضل يسعه أي ليس ضعيفاً في السعة بل له فيها قوّة وفضل.

الرابعة عشرة : ترك المفضل عليه للاحتراز عن العبث في الظاهر ، لأنّ القرينة جليّة جدّاً وللتوجيه.

البيان :

إن أُريد ب‍ « لو » معنى « إن » كانت استعارة تبعيّة ، وكذا الماضيان اللّذان هما الشرط والجزاء ، وإن كان المراد ب‍ « عسيتم » متوقّعاً منكم ، كان مجازاً ، ولفظة « في » أيضاً استعارة تبعيّة إن أُريد بها التعليل أو الإلصاق ، والأهل استعارة مصرّحة ؛ لأنّهم شبّهوا في اجتماعهم على عبادة العجل وآشتراكهم بما بين أهل بيت واحد من الاجتماع والاشتراك.

__________________

١ ـ البقرة : ٩٣.

٢٨٣

[ ١٣ ]

وفي الّذِي قالَ بَيانٌ لِمَنْ

كانَ إذا يَعْْقِلُ أوْ يَسْمَعُ

اللغة :

« الواو » : إمّا للعطف أو الحال أو الاعتراض ، أو للاستئناف البياني.

« في » : إمّا للظرفية المجازيّة ، وإمّا بمعنى الباء للسببية كما قيل في قوله تعالى ( يَذْرَؤكُمْ فِيهِ ) (١).

وإمّا بمعنى « من » التي للتبعيض كما قيل في قوله :

ألا عِم صَباحاً أيُّها الطَّللُ البالي

وهل يَعِمَن مَنْ كان أحدَث عهده

وَهَلْ يَعمَن مَنْ كان في العُصُر الخالي

ثلاثين شَهراً في ثلاثة أحوالِ (٢)

ومن نفى كون « في » بمعنى « من » قال المعنى في عقب ثلاثة أحوال.

__________________

١ ـ الشورى : ١١.

٢ ـ البيتان مطلع قصيدة لامرئ القيس ؛ ديوانه ١٥٨ ( الطويل ).

٢٨٤

والحقّ أن « في » فيه بمعناها الحقيقي من غير شائبة ، تجوز إلاّ في ظرفية الكل للجزء ، ومن غير أن يلزم تكلّف أو خروج عن الظاهر.

وإمّا زائدة للتوكيد على ما أجازه الفارسي في الضرورة وأنشد :

أنا أبو سَعد إذا الليلُ دَجَا

يَخالُ في سوادِهِ يَرَنْدَجا (١)

وأجازة بعضهم في قوله تعالى : ( وَقالَ ارْكَبُوا فِيها ) (٢).

« الذي » : من الموصولات الاسمية ، أي الأسماء التي لا يصحّ الإخبار عنها أو بها إلاّ إذا اتّصل بها جملة ، وتسمّى تلك الجملة صلة لها.

والجمهور على أنّها لا تكون إلاّخبرية.

وأجاز الكسائي كونها أمرية أو نهية.

والمازني : أن تكون دعائية لفظها خبر ، نحو : الذي يرحمه اللّه زيد.

وهشام : أن تكون مصدرة بـ « ليت » أو لعلّ » أو « عسى ».

ثمّ المشهور أنّها لا تكون تعجبيّة وإن كانت خبراً. ومن النحاة من أجازه وهو مذهب ابن خروف (٣).

وذهب جماعة إلى أنّها لا تكون قسمية. وأجازه آخرون إن كان في إحدى جملتي القسم وجوابه عائد إلى الموصول.

__________________

١ ـ قال في الأغاني : ٣ / ١٠٠ هو لسويد بن أبي كاهل اليشكري. وسويد يكني أبا سعد ، وهو شاعر متقدم من مخضرمي الجاهلية والاسلام. انظر ( شرح شواهد المغني : ١ / ٤٨٦ الشاهد ٢٧١ ).

٢ ـ هود : ٤١.

٣ ـ علي بن محمد بن علي بن محمد بن خروف الحضرمي الاشبيلي المعروف بابن خروف ، صاحب شرح كتاب سيبويه ، وشرح الجمل للزجاجي وغير ذلك ، توفّى سنة ( ٦١٠ ). ( هدية العارفين : ١ / ٧٠٤ ، سير اعلام النبلاء : ٢٢ / ٢٦ ، الكنى والألقاب : ١ / ٢٧٦ ، شرح الرضي : ١ / ٥٢٣ الهامش ).

٢٨٥

وكذا اختلفوا في الشرطية ، فمنعه قوم وأجازه آخرون إن كان في إحدى الجملتين عائد.

وفي الإفصاح : أنّ الوصل بـ « نعم » و « بئس » و « جملة الشرط والجزاء » جائز باتّفاق.

وذهب الفارسي إلى أنّه لا يوصل ب‍ « نعم » و « بئس » إذا كان فاعلهما ضميراً بخلاف ما فيه الأقوال.

والحقّ أنّ كلّ ما أُريد به الإنشاء لا يجوز أن يقع صلة ، فإن وقع فلابدّمن التأويل إلى الخبر وكلّ ما يكون خبراً يصحّ أن يكون صلة فلا وجه للمنع في الشرط والجزاء.

وقد اشترط بعضهم فيها أن لا تكون مستدعية لفظاً قبل الموصول ، فلا يجوز نحو : جاءني الذي حتى أبوه قائم ، ولا مررتُ بالّذي لكنّه منطلق ، ولا : مررت بالّذي إذن ينطلق ، والأمر عندي كذلك.

ثمّ إنّ الوصل بجملة مصدّرة ب‍ « كان » جائز ، إذ لا مانع منه ، وقيل : الأحسن تركه لأنّها غيّرت مقتضى الجملة ، كما غيّرت « ليت » و « لعل ».

قال نجم الأئمة رضوان اللّه عليه : إنّما وجب كون الصلة جملة ، لأنّ وضع الموصول على أن يطلقه المتكلّم على ما يعتقد أنّ المخاطب يعرفه بكونه محكوماً عليه بحكم معلوم الحصول له ، إمّا مستمراً ، نحو : باسم الذي يبقى ويفنى كلّ شيء ، أو : الذي هو باق ، أو في أحد الأزمنة ، نحو : الذي ضربني ، أو أضربه ، أو الذي هو ضارب ، أو يكون متعلّقه محكوماً عليه بحكم معلوم الحصول له مستمراً ، أو في أحد الأزمنة ، نحو : اللّه الذي يبقى ملكه ، أو : ملكه باق. وزيد الذي ضرب غلامه ، أو غلامه ضارب. أو يعتقد أنّ المخاطب يعرفه بكونه أو كون سببه حكماً على شيء : دائماً أو في بعض الأزمنة ، نحو : الذي أخوك هو ، أو الذي أخوك غلامه ،

٢٨٦

أو الذي مضروبك هو ، أو غلامه.

ثمّ قال : فهذا يصلح دليلاً على أشياء :

أوّلها : أنّ الموصولات معارف وضعاً.

وثانيها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون معلومة للسامع في اعتقاد المتكلّم قبل ذكر الموصول.

وثالثها : أنّ الصلة ينبغي أن تكون جملة.

وخامسها (١) : أنّه لابدّ في الصلة من ضمير عائد (٢).

وبسط الكلام في كلّ من هذه الأُمور الخمسة مما لا يليق بهذا الكتاب. ثمّ إنّ لزوم العائد في الصلة ممّا لا خلاف فيه. والمشهور أنّه لا يكون إلاّ ضميراً ، وقد سمع ما ظاهره أنّ العائد ظاهر هو عين الموصول ، نحو قوله : وأنت الذي في رحمة اللّه أطمع ، وقيل : أبو سعيد الذي رويت عن الخدري ، والحجاج الذي رأيت ابن يوسف.

فمن النحاة من أبقاه على الظاهر وعمّم العائد للمضمر والمظهر.

ومنهم من يقدّر الضمير ويجعل الظاهر بدلاً منه.

ثمّ الضمير العائد إمّا أن يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً ، فإن كان مرفوعاً لم يجز حذفه إلاّ إذا كان مبتدأً ، فالبصريّون على أنّه إن كان في صلة أي جاز حذفه بلا شرط كقوله تعالى : ( أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلى الرَّحْمنِ عِتِيّاً ) (٣) وقوله : « فسلم على أيّهم أفضل » وإلاّ كان الحذف مشروطاً باستطالة الصلة كقوله تعالى : ( وَهُوَ الّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلهٌ ) (٤) والكوفيّون يجوّزون الحذف مطلقاً كما قرئ في

__________________

١ ـ تجاوز النقطة الرابعة ولم يذكرها وهي : رابعها : أنه يجب أن تكون الصلة جملة خبريّة.

٢ ـ شرح الرضي : ٣ / ٧ ـ ١١.

٣ ـ مريم : ٦٩.

٤ ـ الزخرف : ٨٤.

٢٨٧

الشواذ على الذي أحسن.

وإن كان منصوباً ؛ فإنّ كان مفعولاً متّصلاً ، جاز حذفه وإلاّ لم يجز.

وإن كان مجروراً ؛ فإن كان جرّه بإضافة اسم ناصب له تقديراً أو بحرف جرّ متعيّن يعلم عند الحذف ، جاز حذفه ، وقد يحذف مع الحرف الغير المتعين ، نحو : الذي مررت زيد ، لجواز أن يكون المراد « به » و « معه » و « له ».

فذهب الكسائي فيه إلى التدريج في الحذف بأن يكون قد حذف الجار أوّلاً ووصل الضمير بالفعل ونصب به ثمّ حذف لكونه منصوباً.

وذهب سيبويه والأخفش إلى أنّهما حذفا معاً لأنّ حذف الجار ليس قياسياً في كلّ موضع.

وأجاز الفارسي خلو ّالصلة عن العائد إذا عطفت عليها بالفاء جملة فيها ضمير الموصول نحو : الذي يطير الذباب فيغضب زيد (١).

وأجاز الكوفيّون والبغداديّون وابن مالك ؛ أن يتبع الموصول باسم معرف أو ب‍ « مثلك » فيستغني عن الصلة نحو : ضربتُ الذي أخوكَ ، وضربت الذي مثلك.

وقد تحذف الصلة لدلالة صلة أُخرى عليها ، كقوله :

وعند الذي واللاّت عندك إحنة

عليك فلا يغررك كيد العوائد

أي الذي عادك ، أو دلالة غيرها عليها ، كقوله :

نَحنُ الأُولى فَاجْمَعْ جُمو

عَكَ ثُمَّ وَجّهْهُمْ إِلَيْنا (٢)

__________________

١ ـ وهو سؤال مقدر ، جوابه : الذي يطير فيغضب زيد : الذباب.

٢ ـ من قصيدة لعبيد بن الأبرص يخاطب بها امرئ القيس بن حجر ، أوّلها :

يا ذا المُخَوِّفُنا بِقَتْ

ـِل أبيه إذلالاً وحَيْنا

( شرح شواهدالغني : ١ / ٢٥٨ الشاهد ١٢٣ ).

٢٨٨

أي نحن الأُولى عرفوا. بالشجاعة

وقوله :

بَعْدَ اللّتَيّا واللّتَيّا والّتي

إذا عَلَيْها أنفُسٌ تَرَدَّتِ (١)

فقيل : إنّ الجملة الشرطية صلة الأخير وصلة الأوّلين محذوفة من جنس المذكورة.

وقيل : التقدير اللّتيّا دقت وآللّتيّا دقت ، لدلالة التصغير عليه.

وقيل : بل يقدر : عظمت فيها ، لأنّ التصغير فيهما للتعظيم.

وقيل : إنّ « التي » إذا كانت عبارة عن الذاهبة لم يحتج إلى صلة وهنا كذلك.

هذا وإنّما أخّرنا هذه الجملة من أحكام الموصولات إلى هذا المقام ولم نقدّمها في البيت السادس ، لأنّ لفظ « الذي » أوّل ما يذكره القوم في تعداد الموصولات لتعيينه للمفرد المذكر ، ولأنّه متعيّن للموصولية لا يحتمل غيرها إلاّ في شواذ المذاهب كما ستطّلع عليه.

ثمّ إنّ « الذي » وزنه عند البصريّين « فعل » وأصله « لذي ».

وقال الكوفيون : أصله الذال الساكنة وحدها ، لما أُريد أن يدخل عليها الألف واللام وكان يلزم اجتماع اللام والذال الساكنين زادوا قبلها « لاماً » متحرّكة ، ثمّ كسروا الذال وأشبعوا كسرتها بالياء.

وذهب الفرّاء إلى أنّ أصله « ذا » اسم إشارة.

والسهل إلى أن أصله « ذو » بمعنى صاحب.

ثمّ إنّ اللّغة الفُصحى فيه ، سكون الياء وقد تشدّد ، وحينئذ فذهب

__________________

١ ـ مغني اللبيب : ٢ / ٦٢٥.

٢٨٩

« الجرولي » إلى إعرابه ك‍ « أي » ، وقيل تبنى على الكسر.

وحكى الزمخشري بناءه على الضمّ ، وقيل : يجوز البناء على الكسر والاعراب ، وقد تحذف الياء مع إبقاء الذال على الكسر ومع إسكانها ووضعه للمفرد المذكّر من ذوي العلم وغيرهم.

وحكي عن بعضهم أنّه جاء بمعنى الرجل.

وزعم يونس والفرّاء وتبعهما ابن مالك أنّه يسبك منه ومن صلته مصدر ، وخرجوا عليه قوله تعالى : ( ذلِكَ الّذِي يُبَشِّر اللّه عِبادَهُ ) (١) وقوله ( خُضْتُمْ كَالّذِي خاضُوا ) (٢).

« بان » الشيء بياناً : اتّضح فهو بيّن. والبيان : الفصاحة واللسن ، يقال : فلان أبيَن من فلان ، أي أفصح ؛ والبيان أيضاً ما يتبيّن به الشيء من الدلالة وغيرها. ويقال لكلّ كلام أو الواضح منه : بيان ، وفي الحديث : « إنّ من البيان لسحراً » (٣).

« اللاّم » لتقوية العامل أو للاختصاص أو للانتفاع.

أو بمعنى عندكما في قولهم « كتبته لخمس خلون » وفي قوله تعالى : ( بَلْ كَذَّبُوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُمْ ) (٤) على قراءة الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم على ما قاله ابن جنّي.

أو للتبليغ بتضمين البيان معنى القول ، أو تنزيله منزلته.

« من » موصولة بمعنى « الذي » أو « الذين » أو موصوفة.

__________________

١ ـ الشورى : ٢٣.

٢ ـ التوبة : ٦٩.

٣ ـ ذكر الحديث الشيخ الصدوق في أماليه : ٨١٧ ح ٩٨٧ مسنداً عن عبداللّه بن زهير ، وفي من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣٧٩.

٤ ـ ق : ٥.

٢٩٠

« كان » إمّا ناقصة أو تامّة.

« إذا » إمّا شرطية أو ظرفية محضة.

« يعقل » يجوز أن يقرأ على صيغة الغائب المبني للفاعل ، وآن يُقرأ على صيغة الغائب المبني للمفعول ، وأن يقرأ على صيغة المخاطب المبني للفاعل ، وكذلك « يسمع ».

والعقل في الأصل الإمساك والاستمساك ، كعقل البعير وعقل الدواء البطن ، وعقل المرأة شعرها ، ومنه قيل للحصن : معقل.

ثمّ سميت القوّة المدركة للكلّيات : عقلاً ، لعقلها صاحبها عن القبائح ، كما سميت نهية لنهيها صاحبها عن القبائح ، وسمّي إدراكها أيضاً عقلاً ، يقال : عقلتُ الشيء ، أي فهمته.

وربّما خُصّ : بالعلم بصفات الأشياء من الحسن والقبح والكمال والنقصان.

وربّما خصّ : بالعلم بخير الخيرين وشرّ الشرّين.

وتسمّى القوّة : عقلاً مطبوعاً ، وإدراكها : عقلاً مسموعاً ؛ قال أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه :

العقل عقلان

مطبوع ، ومسموع

فلا ينفع مسموع

إذالم يكن مطبوع

كما لا ينفع ضوء الشمس

وضوء العين ممنوع (١)

« أو » حرف عطف لها معان كثيرة.

فمنها : أن تكون للشك في ثبوت الحكم لأحد الأمرين.

__________________

١ ـ مفردات الراغب : ٣٤٢ ويقول بعده : وآلى الأوّل أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : ما خلق اللّه خلقاً أكرم عليه من العقل ، وآلى الثاني أشار بقوله : ما كسب أحد شيئاً أفضل من عقل يهديه إلى هدىً أو يرده عن ردى.

٢٩١

ومنها : معنى الواو ، أي تشريك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم قاله الكوفيّون والجرمي ، واحتجّوا بقوله تعالى : ( مائة أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ ) (١) ، ويقول جرير :

جاَء الخِلافَة أوْ كانت لَه قَدَرا

كما أتَى رَبَّهُ مُوسى علَى قَدَرِ

وقال ابن هشام : والذي رأيته في ديوان جرير : « إذ كانت » (٢) ويقول توبة.

وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر

لنفسي تقاها أو عليها فجورها

ويقول آخر :

إنَّ بها أَكْتَلَ أو رِزاماً

خُوَيْرِيَيْنِ يَنْقِفانِ إِلهاما (٣)

حيث لم يقل « خُوَيْربا ».

ولا يقال زيد و (٤) عمرو لصّان ، إلاّإذا كانت « أو » بمعنى » الواو » ، ونحو ذلك من الشواهد.

وأجاب غيرهم عنها بأجوبة مذكورة في مواضعها.

ومنها : الاضراب ك‍ « بل » ، واشترط سيبويه لمجيئها بهذا المعنى شرطين : الأوّل : تقدّم نفي أو نهي ، والثاني : إعادة العامل نحو : ما قام زيد أو ما قام عمرو ، أو لا يقم زيد و (٥) لا يقم عمرو. ولم يشترطهما الكوفيّون وابن جنّي والفارسي

__________________

١ ـ الصافات : ١٤٧.

٢ ـ شرح شواهد المغني : ١ / ١٩٦ الشاهد : ٨٦ ، وجَرير في هذا البيت يمدح عمر بن عبدالعزيز.

٣ ـ لسان العرب : ١ / ٣٤٩ « خرب ».

٤ ـ الصحيح « أو » ويظهر أنّ الألف ساقطة من قلم النُّساخ.

٥ ـ أيضاً الصحيح « أو ».

٢٩٢

فأثبتوه مطلقاً ، لقوله :

ماذا تَرى في عِيال قَدْ بَرِمْتُ بِهِمْ

لم أُحْصِ عِدّتَهُمْ إلاّ بِعَدّادِ

كانُوا ثمانينَ أوْ زادوا ثَمانية لوَلا

رِجاؤُك قَدْ قَتَلْتُ أولادي (١)

وقوله تعالى : ( أَوَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَريقٌ مِنْهُمْ ) (٢) على قراءة أبي السّمال ، بسكون الواو ، وعلى هذا المعنى حمل بعضهم ، « أو » في قوله تعالى : ( مِائَةُ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ ).

ومنها : التقسيم ، كقوله تعالى : ( إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً ) (٣) ( وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى ) (٤).

وكقولهم : الكلمة اسم أو فعل أو حرف.

« السمع » : قوّة مودعة في الصماخ يدرك بها الأصوات وإدراكها كالسماع ، فمن الأوّل : ( خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ) (٥) ومن الثاني : ( إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ) (٦).

وربّما أُطلق على الأُذن.

وقد جاء بمعنى الفهم ، وبمعنى الطاعة لتسبّبهما عن السماع ، قال عزّ قائلاً : ( وَلا تَكُونُوا كَالّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) (٧) وقال : ( خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّة وَاسْمَعُوا ) (٨).

__________________

١ ـ البيتان لجرير بن عطية ( شرح ابن عقيل الشاهد : ٢٩٥ ).

٢ ـ البقرة : ١٠٠.

٣ ـ النساء : ١٣٥.

٤ ـ البقرة : ١١١.

٥ ـ البقرة : ٧.

٦ ـ الشعراء : ٢١٢.

٧ ـ الأنفال : ٢١.

٨ ـ البقرة : ٩٣.

٢٩٣

الإعراب :

إن كانت الواو للعطف ، فجملة البيت معطوفة على قال مع ما في خبره.

وإن كانت للحال ، فهي حال عن فاعل قال ، أو عن مفعوله ؛ وحينئذ فالموصول مع صلته هو العائد على ذي الحال.

وإن كانت للاعتراض ، لم يكن للجملة محلّ من الإعراب ، وتكون معترضة بين جملتين للتنبيه ، على ما يفهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لئلا يغفل عنه السامعون.

وإن كانت للاستئناف ، لم يكن أيضاً لها محلّ من الإعراب ويكون جواباً لسؤال من يقول : « لِمَ أعرض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بيان الخليفة رأساً وكتم عنهم هذا الأصل الأصيل من أُصول الدِّين؟ فأجاب بأنّه شافي للخليفة.

ثمّ إن كانت حالاً فالظرف عامل في المرفوع أعني « بيان » وهو فاعله.

ويحتمل كما عرفت على قول أن يكون المرفوع مبتدأ والظرف خبره.

وعلى سائر الاحتمالات فالمرفوع مبتدأ خبره الظرف عند البصريّين ، والظرف عامل عند الكوفيين. ويحتمل الأمران عند الأخفش وقد عرفت جميع ذلك.

ولابتدائيّته بيان مصحّحات :

أحدها : تقديم الخبر أو ظرفيته.

وثانيها : تخصيصه بما يليه سواء كان متعلّقاً به أو صفة له.

وثالثها : وقوعه في الحال.

وإن كانت « في » زائدة كان ما في خبرها مبتدأ.

« الذي » إن كانت موصولة فـ « قال » صلتها والعائد محذوف ، أي الذي قال.

٢٩٤

ويحتمل أن تكون مصدريّة على رأي من رأى مجيئها كذلك ، وحينئذ لا حاجة إلى تقدير ضمير ، بل يكون المعنى وفي قوله.

و « كان » إن كانت ناقصة كان اسمها الضمير الراجع إلى « من » وكان خبرها محذوفاً ، أي لمن كان هناك أو حاضراً أو سائلاً ، أو لمن كان مفزعاً.

وإن كانت تامّة ، لم يكن لها إلاّ فاعل وهو الضمير.

فإن كان المراد الأوّل وكان « بيان » مصدراً ، فاللام في « لمن » للانتفاع أو للاختصاص أو للتبليغ ، أو بمعنى « عند » ؛ فعلى الثلاثة الأُول تكون متعلّقة بالبيان ، وعلى الأخير يكون الظرف مستقرّاً صفةً للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بمعنى النسبة المفهومة من الجملة إن كانت اسمية ، وبالظرف الأوّل إن كان المرفوع فاعلاً له. وإن كان البيان بمعنى ما يبيّن به الشيء فاللام إمّا للانتفاع أو للاختصاص ، أو بمعنى « عند » والظرف إمّا مستقر صفة له ، أو لغواً متعلّق بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة المفهومة من الجملة.

وإن كان المراد الثاني وكان « البيان » مصدراً ، وكانت للتقوية أو الاختصاص; ويحتمل بعيداً أن تكون للانتفاع ؛ فعلى الأوّل يكون الظرف لغواً متعلّقاً بالبيان ، وعلى الأخيرين يكون مستقرّاً صفة للبيان ، أو لغواً متعلّقاً بالظرف الأوّل ، أو بمعنى النسبة ، وإن كان المراد الثالث ، جرى فيه ما جرى في الأوّل إلاّ كون اللام للاختصاص ، فإنّه لا يجري فيه.

وليعلم أنّه كلّما كان البيان مصدراً ولم يكن لامُ « لمن » للتقوية كان مفعول البيان محذوفاً ، أي بيان للمفزع لمن كان.

وإن لم يكن مصدراً ولم يكن المراد ب‍ « من » ذلك المفزع ، كان مقدّراً أيضاً إمّا

٢٩٥

في الكلام وإمّا في العناية.

ثمّ إن كان المراد بـ « من كان » : الحاضرين أو المفزع ، فالظاهر أنّ « من » موصولة لا سيّما على الأوّل ، ويحتمل أن تكون موصوفة مراداً بها التعميم على الأوّل دون الثاني.

وإن كان المراد به « من وجد » فـ « من » موصوفة مراد بها التعميم. ثمّ إنّ وحدة الضمير العائد عليها في « كان » إن كانت موصوفة مطابقة للّفظ والمعنى جميعاً وكذا إن كانت موصولة ، مراداً بها « المفزع » وإلاّ كانت باعتبار اللفظ فإنّ المعنى جمع.

« إذا » إن كانت ظرفاً محضاً كانت متعلّقة بالبيان إن كان مصدراً ، وإلاّ تعلّقت إمّا بالظرف الأوّل أو الثاني إن كان مستقرّاً أو بمعنى النسبة.

وإن كانت شرطيّة كان الجواب محذوفاً ، أي إذا يعقل أو يسمع كان فيه بيان ، أو كان الجواب ما سنذكره عن قريب.

وإذا الشرطية لا تجزم المضارع إلاّ في الضرورة.

استغن ما أغناك ربُّك بالغنى

وإذا تصبك خصاصة فتحمّل (١)

ثمّ إن كان المراد بـ « مَن » الحاضرين ، فالظاهر أن يقرأ الفعلان بصيغة المعلوم الغائب وكان الضمير عائداً على « من » ويحتمل أن يكونا على صيغة المجهول الغائب.

__________________

١ ـ ذكره أبوبكر السرخسي في اصوله : ١ / ٢٢٢ ، وابن هشام في مغني اللبيب : ١ / ٩٧ و ٣ / ٦٩٨ ، والقرطبي في تفسيره : ٥ / ٣٣٨ وفيه « فتجمّل » بدل « فتحمّل » ومثله لسان العرب : ١ / ٧١٢ ، ولم يذكروا قايله.

٢٩٦

وإن كان المراد بها المفزع ، وجب أن تقرأ إمّا بصيغة الغائب المجهول ، أو المخاطب المعلوم.

وإن كان المراد بها من جد ، احتملت الثلاثة ؛ ثمّ على صيغة الغائب المعلوم احتمل أن يكون مفعولهما مقدّراً ، أي يعقل أو يسمع ما قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن يكونا منزلين منزلة اللازم أي كان ذا عقل أو ذا سمع ، وأن يكونا متخالفين. وكذا إن كانا بصيغة الخطاب.

وإن كانا بصيغة المجهول احتمل أن يكون مفعولهما القائم مقام الفاعل ضميراً عائداً إلى ما قاله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن يكون ضميراً عائداً إلى مصدريهما أي يعقل العقل أو يسمع السمع ، بمعنى يحصل العقل أو السمع ، كما يقال في نحو قوله تعالى : ( وحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون ) (١) ، إنّ التقدير حيل الحيلولة ، أي أوقعت الحيلولة ، وعلى صيغة الخطاب فالمراد خطاب كلّ من يصلح للخطاب لا شخص معيّن ، كما في قوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلى النّار ) (٢) ونحوه على وجه.

ثمّ إنّ جواب الشرط على صيغة المجهول أو الخطاب إن كانت « إذا » شرطيّة غير ما قدّمناه ، بل علم أو علمت ذلك أو صدق مقالي ونحو ذلك ، إلاّ إذا كان المراد ب‍ « من » الحاضرين أو من وجد ، فإنّ تقدير الجواب المتقدّم جائز عليهما.

المعنى :

وكائن أو كان أو والحال أنّه كان أو كائن في الذي قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو

__________________

١ ـ سبأ : ٥٤.

٢ ـ الأنعام : ٢٧.

٢٩٧

بسببه ، أو في قوله ذلك المقال ، أو بسببه بيان المفزع عند الذين كانوا حاضرين ، أو عند أيّ شخص كان من الحضّار أو خاصّاً به أو لمنفعته ، أو بيان من كان مفزعاً ، أو بيان المفزع لمن وجد أيّاً من كان أي لمنفعته ، أو عنده ، أو من قوله بيان ، بمعنى أنّ البيان من أجزاء قوله ؛ وذلك لتضمّن ما قاله إيّاه فإنّ القول متجزّئ بتجزّؤ المقول ، فإذا كان المقول متضمّناً للبيان بمعنى ما يبيّن به الشيء كان القول متضمّناً للبيان بالمعنى المصدري ، أو في الذي قاله ، أو بسببه ، أو منه بيان أي ما يبين به المفزع كأين لمن كان حاضراً أي لمنفعته أو مختصاً به أو عنده ، أو لمن كان مفزعاً أي مختصّاً به أو لمنفعته ، أو لمن وجد أي لمنفعته ، أو عنده.

أو أنّ ثبوت البيان في الذي قال ، لمن كان حاضراً أو مفزعاً أو من وجد ، أو في قوله أو بسببه بيان بهذا المعنى أو الذي قاله بيان أي ما يبيّن به الشيء ، أو قوله بيان بالمعنى المصدري وإنّما فيه بيان إذا كان من كان حاضراً يعقل ويسمع مقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إذا كان يعقله بل إذا كان يسمعه ، أو إذا كانوا منقسمين إلى من يعقله ومن يسمعه أي ذلك ظاهر لكلّ من عقله ومن سمعه ، أو إذا كان ذا عَقْل أو سَمع ، أو إذا كان ذاعقل أو سمعه ، أوإذا كان يعقله أو كان ذا سمع ، أو إذا كان من وجد كذا ، أو إذا وجد ذو عقل أو سمع ، أو إذا عقل أو سمع مقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوإذا يعقل أو يسمع ، أو يُعقل أو يُسمع ، كان فيه بيان أو علم ، صدق مقالي ، أو إذا عقلت أو سمعت علمت ، صدق مقالي ، على تقدير إرادة معنى الواو ب‍ « أو » يجوز أن يكون المراد بالسمع الفهم.

والحاصل أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّهم بما يتضمّن النصّ على ما سألوه عنه من المفزع بعده ، وذلك لأنّه لمّا قال : إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما صنعت عَبَدَة العِجْلِ بهارون. دلّ على أنّ خليفته من هو من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلة هارون من موسى

٢٩٨

وما هو إلاّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، والنصوص عليه من طرق العامّة وحدها بالغة حدّ التواتر كما لا يخفى على من له أدنى استقراء.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : التعبير عن معنى الباء أو من ب‍ « في » ؛ لما عرفت سابقاً من المبالغة والتوجيه ، وإن كانت زائدة فزيادتها للتجريد المتضمّن لغاية المبالغة كأنّه من غاية كونه بياناً ، في ضمنه بيان آخر.

الثانية : تقديم الظرف على المرفوع إن كان مبتدأ ، لازدياد التّخصيص ودفع الالتباس فإنّه لو أخّر التبس بالصفة ، ولتصدير الحال برابطيها أعني الواو والعائد ، وللتوجيه.

الثالثة : حذف عائد الموصول للاختصار والوزن والتوجيه إن صحّ مجيئ « الذي » لجعل ما بعده بتأويل المصدر.

الرابعة : تنكير « بيان » للتعظيم ، والظاهر تعظيمه من جهة كونه بياناً أي شدّة إيضاحه ، وللتوجيه فإنّه لو عرفه كان اللائق به تعريفه بالإضافة ، وحينئذ لا يكون فيه من الاحتمالات ما هي الآن.

الخامسة : إن كانت « من » عبارة عن الحاضرين فالتعبير عنهم بها للتعميم ، وإن كانت عبارة عن المفزع فللتعظيم. وفيه على التقديرين التوجيه.

السادسة : حذف خبر كان إن كانت ناقصة ؛ للاختصار والتوجيه.

السابعة : حذف جواب الشرط إن كانت « إذا » شرطية ؛ للاختصار والاحتراز عن شبه العبث لكون ما قبلها مفسّراً له ، وللتوجيه في إذا وفي الفعل في الجواب ،

٢٩٩

لأنّه لو ذكر الجواب تعيّن هو وتعيّنت « إذا » للشرطية ؛ وتعيّن الفعل غيبة أو خطاباً.

الثامنة : حذف مفعولي الفعلين ؛ للاختصار والتوجيه من جهة التعدّي واللزوم فيهما ، وجهة الغيبة والخطاب ، وجهة البقاء للفاعل أو المفعول.

التاسعة : زيادة قوله « أو يسمع » إن كانت « أو » بمعنى « بل » ، أو للتقسيم ؛ للمبالغة في وضوح البيان ، وإفادة أنّه من الوضوح بحيث يكفي في فهمه السماع ، وإن لم يكن عاقلاً البيان إن كانت « في » بمعنى « الباء » أو من كانت استعارة تبعية.

٣٠٠