اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

محمّد بهاء الدين الاصبهاني

اللآلي العبقريّة في شرح العينيّة الحميريّة

المؤلف:

محمّد بهاء الدين الاصبهاني


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠

المطابقون أي المطابق اعتقادهم لما يجب ، أو أهل الحقّ تسمية لهم باسم ما يتلبّسون به من الحقّ.

أو « شيعة » منادى مفرد مبني على الضم لإفراده وتعريفه ، وإنّما بني لوقوعه موقع الكاف الاسمية المشابهة للكاف الحرفية لفظاً ومعنى ، فإنّ : يا زيد ، بمعنى : أدعوك ، وهذه الكاف ككاف ذلك ، ولم يبن المضاف لأنّ المضاف إليه بمنزلة التنوين في الاختصاص بالاسم ، فلا يؤثّر معه مناسبة المبنيُّ الأصل ، ولأنّه بالتركيب لا يشبه الكاف المفردة ، ولم يبن المنكر لعدم المشابهة من جهة النكارة.

وإنّما بني على الحركة ، لأنّه لو بني على السكون لأوهم الوقف والانقطاع عمّا بعده ، مع أنّه إنّما ينادى للمصلحة التي بعده.

وإنّما بني على الضمّ لأنّه لو بني على الكسر لتوهّم أنّه مضاف إلى ياء المتكلّم فحذفت ياؤه واقتصرت على الكسرة.

وأمّا الفتح ، فقد كان له قبل البناء ، فلو بني على الفتح لتوهّم أنّه الإعراب. هذا رأي الجمهور.

وعند الكسائي أنّه معرب مرفوع لتجرّده عن العوامل اللفظية ، لا أنّ التجرّد عامل فيه ، بل بمعنى أنّه لما لم يكن فيه سبب للبناء أُعرب.

ثمّ لو جرّ لالتبس بالمضاف إلى ياء المتكلّم.

ولو نصب لالتبس بغير المنصرف ، فرفع ولم ينوّن ، للفرق بينه وبين ما رفع بعامل رافع ، وإنّما نصب المضاف وشبهه للطول ، ولأنّ المنصوب في كلام العرب أكثر.

وقال الفرّاء : أصل : يا زيد ، مثلاً يا زيداً ، بالألف ليكون المنادى بين صوتين ثمّ اكتفي بالصوت الأوّل وحُذف الثاني فصار كالغايات فبني على الضم ، وإنّما نصب المضاف لقيام المضاف إليه مقام الألف.

٥٦١

وقد ينوّن المنادى المفرد المعرفة للضرورة ، كقوله :

سلامُ اللّهِ يا مَطَرٌ عَلَيها

ولَيْسَ عَليكَ يا مَطَرُ السلاَّمُ (١)

واعلم أنّ المراد بالمفرد هنا ما لا يكون مضافاً ولا مشابهاً له ، سواء كان مفرداً أو مثنّى أو مجموعاً ، إلاّ أنّ المثنّى والمجموع لا يبنيان على الضمّ ، بل على الألف والواو.

وذهب بعض الكوفيين إلى تشبيههما بالمضاف فنادوهما بالياء ، نحو : يا زيدَين ويا زيدِين.

هذا في الجمع بالواو والنّون ، وأمّا غيره من الجموع ، ك‍ « الشيعة » فلا شبهة في كونها كالواحد ، وعلى هذا ف‍ « الحقّ » صفة للمنادى يجوز فيه الرفع حملاً على لفظ المتبوع ؛ والنّصب على محلّه.

قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : فإن قلت : فَلِمَ لَمْ يجز بناء التوابع المفردة ولا سيّما الوصف منها كما جاز في : لا رجل ظريف ، فكتب يقول : يا زيد الظريف ، واللاّم لا تمنع البناء كما لم تمنع في الخمسة عشر.

قلت : إنّما جاز ذلك في « لا » لأنّ المنفي في الحقيقة هو الوصف لا الموصوف فكان لا باشرت الوصف ، وذلك لأنّ معنى لا رجل ظريف فيها : لا ظرافة في الرّجال الّذين فيها ، فالمنفي مضمون الصفة ، فهي لنفي الظرفاء لا نفي الرجال ، فكأنّه قيل : لا ظريف فيها ، بخلاف يا زيد الظريف ، فإنّ المنادى لفظاً ومعنى هو المتبوع. فبان الفرق.

على أنّه أورد الأخفش في مسائله الكبير أنّ بعضهم يقول في الوصف وعطف البيان ، نحو : يا زيد الطويل ، ويا عالم زيد : إنّهما مبنيان على الضمّ كما في

__________________

١ ـ البيت للأحوص الأنصاري ، شرح ابن عقيل : الشاهد ٣٠٧.

٥٦٢

البدل. انتهى.

وعن الأصمعي : أنّه لا يوصف المنادى المضموم ، لشبهه بالمضمر الذي لا يجوز وصفه ، فنحو « الظريف » في : يا زيد الظريف ، إذا ارتفع ، خبر أنت مقدراً ، وإذا انتصب مفعول أعني مقدّراً.

وفيه أنّه لا يلزم من شبهه بالمضمر كونه مثله في جميع أحكامه ، ثمّ إفراد « الحق » على هذا التقدير لكونه في الأصل مصدراً يستوي فيه الواحد وغيره ، أو لكونه وصفاً بحال المتعلّق وفاعله مقدّر أي : الحقّ تشيعهم أو اعتقادهم.

ويجوز أن يكون « الحقّ » خبر مبتدأ محذوف أي أنتم الحقّ ، أو دينكم الحقّ ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : الحقّ معكم ، وأن يكون مفعولاً لمقدّر ، أي الزموا الحقّ أو لزمتم الحق ، أو خبر كان محذوفاً ، أي : كنتم الحق.

وعلى كلّ تقدير يحتمل فيه الحقّ عليهم فإمّا المراد به أهل الحقّ ، أو يكون « الأهل » مقدراً مضافاً ففيه مجاز حذف ، أو لا تقدير ولا عناية ، وذلك ظاهر عند ملاحظة معاني « الحق ».

ثمّ إنّ المنادى له قد يتقدّم على النداء وقد يتأخّر ، تقول : قم يا زيد ، وتقول : يا زيد قم.

والوجهان هنا محتملان ، فإنّه يجوز أن يكون المنادى له قوله : « بذاك جاء الوحي من ربّنا ».

ويجوز أن يكون قوله : « فلا تجزعوا » وأن يكون قوله : « الحق » إذا كان جملة برأسها.

فعلى الأوّل يكون « الفاء » في « فلا تجزعوا » للعطف على المنادى له.

وعلى الثاني يجوز أن تكون فصيحة والتقدير : إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا ، وأن تكون زائدة ، وأن تكون للعطف على مقدّر ، أي أبشروا فلا تجزعوا ، أو

٥٦٣

لا تجزعوا فلا تجزعوا ، فيكون مبالغة في النهي عن الجزع.

والثّالث يكون للعطف على جملة « الحق ».

المعنى :

يا أتباع الدِّين الحقّ وأنصاره أو أنصار اللّه ، أو أتباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وأنصاره ، أو أيّتها الشيعة من الثابتين في التشيّع أو المطابق اعتقادهم لما يجب أو من أهل الحقّ ، أو يا شيعة أي المسمَّون بهذا الاسم الذين هم الحقّ أي أهله ، أو الثابتون في التشيّع ، أو المطابق اعتقادهم لما يجب ؛ أتى من ربّنا الوحي ، أي القرآن أو كلام اللّه غيره ، أو انزاله تعالى الكلام بالّذي ذكر ، من أنّ شيعة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يُروَوْن من الحوض ولا يُمنعون ، أو بجميع ما ذكر من أحوال الشيعة وإمامهم واصدادهم ، أو أتى به الوحي حال كونه من ربّنا ، أي الوحي الّذي من ربّنا ، أو أتى فيه الوحي أو بسببه : فلا تجزعوا ، أو : « بذاك جاء الوحي من ربّنا يا شيعة الحق » إذا كان الأمر كذلك فلا تجزعوا ، أو أبشروا فلا تجزعوا ، أو لا تجزعوا فلا تجزعوا ، أو يا شيعة أنتم الحقّ أو أهل الحقّ أو معكم الحق أو دينكم الحق أو الزموا الحقّ أو لزمتم الحق أو كنتم الحق أو أهل الحق فلا تحزنوا.

ثمّ إن كان المراد بالوحي هو القرآن فمعنى إتيانه بذلك أنّ الآيات الناصّة بوجوب اتّباع أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وهلاك من خالفه ولم يتواله ، كثيرة ، فهي تدل على نجاتهم وهلاك مَن عداهم.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : التعبير عن « في » بالباء إن كانت بمعناها ، للإيجاز والوزن والتوجيه.

٥٦٤

الثانية : الإشارة بما وضع للقريب لتنزيل القرب الذكري منزلة المكاني وللتنبيه تنبيه على أنّ ما ذكر ينبغي أن يكون نصب عين المؤمن حاضراً في ذهنه ليستبشر به ويقوى في دينه.

الثالثة : تقديم « بذاك » على « جاء » للاعتناء بشأن المشار إليه ، ولتقريب اسم الإشارة من المشار إليه ، ولا سيما واسم الإشارة موضوع للقريب وللوزن. ويجوز أن يكون للحصر خصوصاً ، إذا كانت الباء للسببيّة ، فإنّ غاية الغايات للبعث والإنزال والتبليغ إنّما هو الإيمان وإثابة المؤمنين ، فما ذكر هو السّبب حقيقة للوحي ، وغيره وسائل إليه وأسباب له. وإن كان (١) الباء للتعدية أو الظّرفية صحّ الحصر أيضاً بهذا الاعتبار ، فإنّه لما كان العمدة فكأنّه ما أتى إلاّ به أو في شأنه.

الرابعة : العدول عن : وحي ربّنا إلى « الوحي من ربّنا » إن كان « من ربّنا » حالاً عن « الوحي » للإيضاح بعد الإبهام.

الخامسة : زيادة « من ربّنا » لزيادة التنصيص مزيد التقرير والتثبيت لما ذكر والتعظيم له.

السادسة : إفراد الحق : إذا كان محمولاً عليهم مع ما ذكر من الوجه ، للإيماء إلى أنّهم بمنزلة شخص واحد ، أو ينبغي أن يكونوا كذلك في الاجتماع على الحقّ وفي انتصار بعضهم ببعض ، وكونهم يداً على من سواهم.

البيان :

« الباء » إن كانت بمعنى « في » كانت استعارة ، واستعمال اسم الإشارة الموضوع للإشارة الحسّية في المعاني استعارة تشبيهاً للحضور الذهني ، أو الذكري بواسطة ذكر ألفاظها بالحضور الخارجي اسناداً لمجيئ إلى الوحي مجازي أو الوحي

__________________

١ ـ ذُكّر على تقدير « إن كان حرف الباء ».

٥٦٥

مجاز ، أو المجيئ استعارة تبعيّة ، أو في الوحي مجاز في الحذف إن كان المراد بالحق الباري سبحانه كان نسبة الشيعة إليه مجازية ، فإنّ أنصار اللّه بمعنى أنصار دينه أو أوليائه ، أو فيه مجاز في الحذف.

وإن كان الحقّ صفة للشيعة أو كان الإضافة بيانية احتمل أن يكون « الحقّ » مجازاً عن أهله ، وأن يكون فيه مجاز الحذف.

ثمّ نصّ الناظم رحمه‌الله على نفسه واستعطف واستشفع ضمناً وافتخر صريحاً ؛ بأنّه مادح أهل البيت صلوات اللّه وسلامه عليهم أو مادح شيعتهم على اختلاف احتمال فقال :

٥٦٦

[ ٥٣ ]

الحِمْيَريُّ مادِحُكُمْ لَمْ يَزَل

وَلَوْ يُقَطَّع اصبع اصبعُ

اللّغة :

« الألف واللام » للعهد.

« الحميريّ » نسبة إلى حِمْيَر كدرهم ، وهو ابن سبأ بن يشحب بن يعرب بن قحطان وهو من ملوك اليمن وأوّل ملوكه سبأ ، وقيل : يعرب. قيل : وإنّما سمي حميراً لكثرة لبسه الثياب الحمر.

وهو أوّل من وضع من ملوك اليمن على رأسه التاج تاج الذّهب.

وحميَر أيضاً موضع غربي صنعاء.

ولعلّه سمّي باسم حمير الملك.

ويحتمل أن تكون النسبة إليه وقد خفّفت ياء النسبة للضرورة ، وقد كرهوا تخفيف المشدّد إذا كان في غير القافية إلاّ أنّه جائز.

« المدح » هو الثناء على الجميل اختياريّاً كان أو غيره ، وقيل : يختصّ بالاختياري.

٥٦٧

الخطاب يحتمل أن يكون إلى أهل البيت صلوات اللّه عليهم وإن لم يجر لهم ذكر ؛ لحضورهم بالبال ، وذكر أوّلهم وسيّدهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه ، وأن يكون إلى الشيعة وهو الأظهر لفظاً.

« زال » من الأفعال الناقصة وهو : زال يزال ، فالماضي أصله « زَوِل » كعلم ، فأمّا زال يزول وزاله يزيله أي فرقه ، فتامّان. وقيل : إنّ الناقصة أيضاً يائية.

وحكى سيبويه وأبو الخطاب عن بعض العرب : ما زيل يفعل كذا ، فنقل كسرة الواو إلى ماقبلها ثمّ قلبها ياء لسكونها وانكسار ما قبلها كقيل المبني للمفعول ، وهو ملزوم للنفي إلاّ نادراً ، فقد يقال شاذّاً : زلت أفعل كذا ، بحذف حرف النفي ، كما في ( تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ ) (١) ومعناه الاستمرار والدوام ، فإنّ الزّوال نفي ، فإذا نفي تأكّد الإثبات.

ويحتمل أن يكون ما في البيت تامّة فحينئذ يكون بضمّ الزاي من زال عن الشيء ، أي ذهب.

وعلى التقديرين فالمراد الاستمرار في جميع الأزمنة ، أو تخصيص الماضي لأنّ غرضه الاستعطاف والاستشفاع.

والأنسب بهما ما حصل منه من المدح ، أو لعدم الوثوق بالحياة والتوفيق للمدح فيما بعد ، ولا يأتي هذا صحة الأوّل ، فإنّ مثل هذه العبارة شائع ، بمعنى أنّه إن يفي ويوفّق له ، كان كذا.

« الواو » حالية ، أو للاعتراض ، أو للعطف على اختلاف في كلّ واو قبل « لو » أو « ان » الوصليتين. والحقّ أنّ « لو » و « إن » باقيتان على الشرطيّة وعلى اقتضاء

__________________

١ ـ يوسف : ٨٥.

٥٦٨

الجواب ، وأمّا الواو فيحتمل أن تكون للحال على أن يكون ما بعدها من الجملة الشرطية بتمامها حالاً ، وهذا مذهب الزمخشري.

وأن تكون (١) للاعتراض ، وهذا مذهب مختار نجم الأئمّة رحمه‌الله بناءً على ما ذهب إليه من جواز الاعتراض في آخر الكلام.

وأن تكون للعطف على مقدّر ، وهو مذهب الشيخ عفيف الدين أبي حفص عمر بن عثمان الخبزي في المسائل العشرين ، والمقدّر جملة شرطية أُخرى شرطها نقيض المذكور وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتابنا « منية الحريص على فهم شرح التلخيص » وفّقنا اللّه سبحانه لإتمامه.

ثمّ إنّ « لو » كما عرفت أصلها المضي (٢) وإن دخلت على المضارع.

ولكن المراد ب‍ « لم يزل » إن كان الاستمرار في جميع الأزمنة ، فلا بدّ من أن يكون المراد ب‍ « لو يقطع » أيضاً إمّا الاستمرار أو الاستقبال كما لا يخفى.

الإعراب :

« الحميري » : مبتدأ « مادحكم » خبره ، أو صفة ، ولمّا كان اسم الفاعل هنا للاستمرار كانت إضافته معنويّة مفيدة للتعريف فجاز وصف المعرفة به.

« لم يزل » خبر آخر ، أو هو الخبر ، فإن كان ناقصاً كان خبره مقدّراً ، أي « لم يزل كذلك » أي : مادحاً لكم ، وإن كان تامّاً قدّر له متعلّق ، أي « لم يزل عن مدحكم ».

ويحتمل على رأي من جوّز تقديم خبر مازال وأخواتها عليها وهم الكوفيون وابن كيسان : أن يكون « مادحكم » منصوباً خبر « لم يزل » ، والجملة

__________________

١ ـ أي « ويحتمل أن تكون الواو ».

٢ ـ إلى هنا تنتهي إحدى النسخ المعتمدة التي بأيدينا.

٥٦٩

خبر « الحميري ».

المصراع الأخير : إن كان اعتراضاً لم يقدّر إلاّ جواب الشرط أي « يقطع لمدحكم » إن كان « لم يزل » ناقصاً ، أو « لم يزل عن مدحكم » إن كان تامّاً ، وذلك لأنّه على الأوّل يكون قرينة الجواب « مادحكم » إن كان خبر « لم يزل » وإلاّ فمادحكم المقدّر خبراً له.

وعلى الثاني يكون قرينة « لم يزل » و « لو » هذه بمنزلة « لو » في نحو قوله : « لو لم يخف اللّه لم يعصه » بمعنى استمرار الجزاء على تقديري الشرط وجر نقيضه ، بل على تقدير النقيض أولى ، وإن كان حالاً قدّر مع ذلك مبتدأ تكون الجملة الشرطية بتمامها خبراً له ، أي : وهو لو يقطع لمدحكم ؛ وذو الحال إمّا الحميري أو الضمير في « لم يزل ».

وإن كان معطوفاً قدّر مع الجواب شرطية أُخرى : لو لم يُقَطَّع لمَدحكم ولو يُقَطَّع لمدحكم.

وأمّا الجزم ب‍ « لو » ، فقيل : إنّه لغة وقيل بجوازه في الشعر ، كقوله :

لَوْ يَشَأ طارَ بِهِ ذُو مَيْعَة

لاحِق ُ الآطالِ نَهْدٌ ذُو خُصَلْ (١)

وقوله :

نامت فؤادك لم يحزنك ماصنعت

إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا

وقد خرج الأوّل على لغة من يقول شا يشا بألف ثمّ أُبدلت الألف همزة ساكنة كما قيل : العالم والحاتم ، وكما وجّه به قراءة ابن ذكوان منسأته بهمزة ساكنة.

والثاني على أنّ ضمة الإعراب سلب تخفيفاً كقراءة أبي عمير ، وينصركم

__________________

١ ـ البيت عزاء في الحماسة لامرأة من بني الحارث ، وقال العيني : هو لعلقمة. شرح شواهد المغني : ٢ / ٦٦٤ الشاهد ٤٢٢.

٥٧٠

ويأمركم ويشعركم.

« اصبع » : فاعل « يقطع » أي مفعوله القائم مقام الفاعل ، وفيه مجاز حذف ، أي مثل اصبع ، أي ما يكون بقدرها في الصغر ، أو يجوز بالأصبع نفسه عن مثله فالمجاز في اللفظ.

و « اصبع » الثاني معطوف على الأوّل بحذف حرف العطف ، وهنا ظرف مقدّر ، أي يقطع منه اصبع اصبع ، أو يقطع اصبع اصبع منه ، فالمحذوف على الأوّل متعلّق بالتقطيع ، وعلى الثاني صفة الفاعل وفيه تقدير آخر في اللفظ ، أو العناية ، وهو قوله على المدح ولو لم يلزم الاصرار لكان الظاهر اصبعاً اصبعاً على التمييز أو الحال كما لا يخفى.

المعنى :

إنّي مادحكم أهل البيت أو أيّتها الشيعة ولم أزل كذلك ، أو لم أزل ولاأزال كذلك ، أو لم أزل عن مدحكم أو لم أزل ولا أزول ، أو الحميري الذي هو مادحكم لم يزل الخ ، ولو قطّع منّي مثل اصبع واصبع حتى قطّع كلّي كذلك لم أزل عن مدحكم أو لمدحتكم ، أو وآلحال أنّي لو قطع مني الخ. أو وأنا لو قطّع منّي. إلخ.

والحاصل أنّه لو قطع اصبعاً اصبعاً على المدح لم يزل عنه.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : عدم التصريح باسمه للتحقير والوزن.

الثانية : تقديم « مادحكم » على « لم يزل » إن كان خبراً له ، للاهتمام والوزن

٥٧١

والتوجيه والتأكيد ، فإنّ لم يزل يتضمّن ذكره مرّة أُخرى تقديراً.

الثالثة : الوصف بمادحكم إن كان صفة للافتخار والاستعطاف والاستشفاع والتنبيه على اشتهاره بأنّه مادحهم ، حتى أنّه يوضّحه نفسه بهذا الوصف ، لأنّ الغالب في وصف المعرفة التوضيح ، وليكون قرينة على المحذوف ، وللتأكيد المستفاد من التكرير الذي عرفته.

الرابعة : حذف خبر « لم يزل » أو متعلّقه ؛ للإيجاز والتوجيه من جهة نفسه ومن جهة « مادحكم ».

الخامسة : الإتيان بالمضارع بعد « لو » للتنصيص على إرادة الاستقبال ، أو ليكون قرينة على إرادة الاستمرار ، فإنّ المضارع أقرب إليه من الماضي والاستمرار ، للاستمرار فيما علّق عليه وهو المدح ، وإن أراد الزّمان الماضي فالإتيان به لاستحضار تلك الحالة وجعلها نصب عينه.

البيان :

في « لم يزل » تجوز إن كان تامّاً فإنّ الزوال عن الشيء بمعنى الذهاب والمدح ليس ممّا يتحقّق عنه ذهاب حقيقي ، ويجوز آخر إن أُريد به الاستمرار ، وكذا لو يقطع إن أُريد به الاستمرار.

وفي « اصبع » إمّا يجوز في اللفظ ، أي استعارة مصرّحة ، أو يجاز حذف كما عرفت.

٥٧٢

[ ٥٤ ]

وبعْدَها صَلُّوا عَلى المصطَفى

وصِنوه حَيدَرة الأَصْلَعُ

اللغة :

« الواو » للاستئناف أو العطف.

« الصلاة » من اللّه تعالى هي الرحمة ، ومن غيره طلبها.

قال الراغب : قال كثير من أهل اللّغة : هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال : صلّيت عليه ، أي دعوت له وزكيت. وقال عليه‌السلام : إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب ، وإن كان صائماً فليصلّ ، أي ليدع لأهله. قال : وصلاة اللّه على المسلمين هو في التحقيق تزكيته إيّاهم. وقال : ( أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمةٌ ) (١).

ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من النّاس (٢). انتهى.

قيل : ولكون الصلاة متضمّنة لمعنى النزول لأنّها إذا نسبت إلى غيره تعالى كانت بمعنى طلب نزول الرحمة ، وهو معنى الدعاء ، وإذا نسب إليه كانت بمعنى إنزال الرحمة عديت بعلى.

__________________

١ ـ البقرة : ١٥٧.

٢ ـ مفردات الراغب : ٢٨٥ « صلا ».

٥٧٣

وروى الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رحمه‌الله في كتاب « معاني الأخبار » بسنده عن الإمام الصّادق صلوات اللّه عليه أنّه قال : من صلى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فمعناه أنّي على الميثاق الّذي قبلت حين قوله ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (١).

« الصنو » الغصن الخارج من أصل الشجرة ، يقال : هما صنوا دوحة ، وكذا يقال : الصنوان لشجرتين من أصل واحد ، ومن ذلك الصّنو بمعنى الأخ ، لأنّ الأخوين كغصنين من شجرة أو شجرتين من أصل.

وربما وسع فأُطلق على المنتسبين إلى أب أعلى ولو بعده طبقات ، كما يقال لواحد من قوم : « إنّه أخوهم » فيقال لتيميّ : يا أخا تيم ، فالمراد به هنا إمّا الأخ وإمّا ابن العمّ.

« الحيدر » والحيدرة : الأسد ، وكما أنّ أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يسمّى حيدراً ، سمّي حيدرة أيضاً كما نصّ عليه فيما اشتهر عنه صلوات اللّه عليه من قوله :

أنا الذي سمّتني أُمّي حيدره

أضربُ بالسَّيْف وجوه الكَفَرَه

ويحتمل أن يكون حيدره بالضمير العائد على المصطفى ، وحينئذ فلا يكون « حيدر » علماً بل المراد به معناه اللّغوي ، أي أسد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو يكون علماً والإضافة فيه كما في قوله : علا زيدنا يوم التقى رأس زيدكم.

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ١١٥. باب معنى الصلاة على النبيّ ، ح ١ ، والآية من سورة الأعراف : ١٧٢.

٥٧٤

الإعراب :

جملة البيت إمّا مستأنفة ، أو معطوفة على مقدّر ، أي احفظوا هذه الأبيات أو افهموها ، أو نحو ذلك ، وبعدها صلّوا الخ.

أو على ما مرّ في الأبيات من قبيل عطف الجملة على القصة ، أي المطلوب بالعطف ما يتحصل من إحدى الجملتين على ما يتحصل من الأُخرى من غير ملاحظة للخبرية والإنشائية ، وحينئذ لا يشترط توافقهما والخبرية أو الإنشائية فيجوز أن يقال : زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وابشر عمراً بالعفو والإطلاق. فكأنّه قال : وبعدها يجب الصلاة عليه وعلى صنوه.

أو تقدّر ما يجعله خبراً فيقال للتقدير وأقول بعدها :

« بعدها » ظرف « لصلّوا » أو ل‍ « أقول » المقدّر ضميره ، عائد على ما سبق من الأبيات ، أو على القصيدة. وإن كان هذا البيت منها تسمية لمعظم الشيء باسمه.

ثمّ المراد « ببعدها » : بعد قولها إن تعلّق ب‍ « أقول » المقدّر ، و : بعد فهمها أو تلقّيها ، ونحو ذلك إن تعلق بصلّوا.

« صنوه » معطوف على المصطفى.

« حيدرة » إمّا خبر مبتدأ محذوف ، والجملة استئناف ، كأنّه سئل : مَن صنوه؟ فقيل : حيدرة.

و « الأصلع » صفة موضّحة ، أو مادحة لحيدرة ، أوحيدرة بيان لصنوه ، والأصلع وصف مقطوع عنه ، أي جعل خبراً لمبتدأ محذوف ، أي هو الأصلع.

وإن كان « حيدره » بالضمير ، فهو مركّب إضافي والإضافة لامية.

٥٧٥

المعنى :

صلّوا بها النّاس بعد ما عُرّفتم على المصطفى وأخيه أو ابن عمّه وهو حيدرة الأصلع ، أو أسده الأصلع ، أو حيدر المخصوص به ، أو أخيه أو ابن عمّه حيدرة ، أو أسده وهو الأصلع المعروف في كتب الأوّلين ، أو أقيموا ما ذكرته لكم وعوها وصلّوا بعدها ، أو ويجب عليكم أن تصلّوا ، أو وأقول بعد هذه الأبيات صلّوا ، أو وأقول : صلّوا بعدها.

المعاني :

فيه مسائل :

الأُولى : تقديم « بعدها » على « صلّوا » لكونه فصل الخطاب بمنزلة أمّا بعد ، وأوائل الكتب والوزن وتقريب الضمير من مرجعه.

الثانية : عدم التعبير باسمه الشّريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لماعرفت سابقاً.

الثالثة : لا يخفى ما في المصراع الأخير من الإيضاح بعد الإبهام.

الرابعة : عرفت أنّ الوصف بالأصلع للمدح.

البيان :

إن كان الإنشاء بمعنى الإخبار من غير تقدير ، كان فيه تجوّز في الجملة باعتبار معناها الجملي ، الصنو بمعنى الأخ أو ابن العم إمّا مجاز مشهور ، أو حقيقة عرفية.

***

٥٧٦

صورة خطّ المؤلف

وقد وقع الابتداء به في مولود الرسول الأمين عليه وآله ، الهادين للعمين ، من الصلوات ما هو بهم قمين.

وهذا آخر ما بكى القلم متبسماً ، فعاد النادي بدموعه متنسماً في كتاب « اللآلئ العبقرية في شرح القصيدة الحميرية » وقد اتّفق الفراغ منه يوم الخميس سابع صفر مولد إمام الحقّ والبشر أبي الحسن موسى الكاظم صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطهر الغررة ، وعلى أبنائه الأئمة المعصومين أولي الأيد والبصر ، من عام تسع وثمانين بعد الألف (١) من هجرة خير من هجر مسجود الشجر والحجر صلوات اللّه عليه وآله الأئمة المعصومين وعترته الأخيار الطهر الميامين. فليهنأ كتابي بمشرق الطّرفين وحيازة الشرفين.

وكتبه بأنامله الجانية الفانية مؤلّفه العائذ بربّه من الزبانية محمّد بن الحسن الاصفهاني المعروف ببهاء الدين شفّع اللّه فيه نبيّه وآله يوم الدّين.

__________________

١ ـ « بعد الألف » ساقطة من قلم الناسخ.

٥٧٧
٥٧٨

فهرس مصادر التّحقيق

حرف الألف

١ ـ الآل : أبن خالويه اللغوي.

٢ ـ الاحتجاج : أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ( من أعلام القرن السادس الهجري ) انتشارات أُسوة ، قم ـ ١٤١٣ هـ.

٣ ـ اخبار النحويين والبصريين : السيرافي.

٤ ـ الإرشاد : الشيخ المفيد : محمد بن محمد بن النعمان ( ٣٣٦ ـ ٤١٣ هـ ) طبع قم ـ ١٤٠٢ هـ.

٥ ـ الاستيعاب : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر ( المتوفّى ٤٥٦ هـ ) دار نهضة مصر ، القاهرة.

٦ ـ أُصول السرخسي : محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ( المتوفّى ٤٩٠ هـ ) تحقيق أبو الوفاء الأفغاني ، نشر لجنة إحياء المعارف النعمانية ، حيدر آباد الدكان ، الهند.

٥٧٩

٧ ـ الأعلام : الزركلي ؛ خير الدين ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٩٠ م.

٨ ـ إعلام الورى بأعلام الهدى : أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ( ٤٧١ ـ ٥٤٨ هـ ) طبع إيران.

٩ ـ أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين العاملي ( المتوفّي ١٣٧١ هـ ) دار التعارف ، بيروت.

١٠ ـ الأغاني : أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني ( ٢٨٤ ـ ٣٥٦ هـ ) دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

١١ ـ الأُمّ : محمد بن إدريس الشافعي ( ١٥٠ ـ ٢٠٤ هـ ) ، دار المعرفة ، بيروت ١٤٠٨ هـ.

١٢ ـ أمالي الصدوق : محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ( ٣٠٦ ـ ٣٨١ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم.

١٣ ـ أمالي الطوسي : محمد بن الحسن الطوسي ( ٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ ) مؤسسة النشر الإسلامي ، قم.

١٤ ـ أمل الآمل : الحرّ العاملي : محمد بن الحسن ( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤ هـ ) مكتبة الأندلس ، بغداد ، أُفسيت قم.

١٥ ـ أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى ( من أعلام القرن الثالث الهجري ) دار الجنان ، بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.

٥٨٠