الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

وفيه الجزائر الخالدات التي كانت مبدأ الطول سابقا ثم غرقت.

وقرئ « في عين حامية » أي حارة ، وينطبق على النقاط القريبة من خط الاستواء من المحيط الغربي المجاورة لإفريقية ولعل ذا القرنين في رحلته الغربية بلغ سواحل إفريقية.

قوله تعالى : « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً » القول المنسوب إليه تعالى في القرآن يستعمل في الوحي النبوي وفي الإبلاغ بواسطة الوحي كقوله تعالى : « وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ » البقرة : ٣٥ وقوله : « وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ » البقرة : ٥٨ ، ويستعمل في الإلهام الذي ليس من النبوة كقوله « وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ » القصص : ٧.

وبه يظهر أن قوله : « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ » إلخ لا يدل على كونه نبيا يوحى إليه لكون قوله تعالى أعم من الوحي المختص بالنبوة ولا يخلو قوله : « ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ » إلخ حيث أورد في سياق الغيبة بالنسبة إليه تعالى من إشعار بأن مكالمته كانت بتوسط نبي كان معه فملكه نظير ملك طالوت في بني إسرائيل بإشارة من نبيهم وهدايته.

وقوله : « إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً » أي إما أن تعذب هؤلاء القوم وإما أن تتخذ فيهم أمرا ذا حسن ، فحسنا مصدر بمعنى الفاعل قائم مقام موصوفه أو هو وصف للمبالغة ، وقد قيل : إن في مقابلة العذاب باتخاذ الحسن إيماء إلى ترجيحه والكلام ترديد خبري بداعي الإباحة فهو إنشاء في صورة الإخبار ، والمعنى لك أن تعذبهم ولك أن تعفو عنهم كما قيل ، لكن الظاهر أنه استخبار عما سيفعله بهم من سياسة أو عفو ، وهو الأوفق بسياق الجواب المشتمل على التفصيل بالتعذيب والإحسان « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ » إلخ إذ لو كان قوله : « إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ » إلخ حكما تخييريا لكان قوله : « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ » إلخ تقريرا له وإيذانا بالقبول ولا كثير فائدة فيه.

ومحصل المعنى : استخبرناه ما ذا تريد أن تفعل بهم من العذاب والإحسان وقد غلبتهم واستوليت عليهم؟ فقال : نعذب الظالم منهم ثم يرد إلى ربه فيعذبه العذاب النكر ، ونحسن إلى المؤمن الصالح ونكلفه بما فيه يسر.

ولم يذكر المفعول في قوله : « إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ » بخلاف قوله : « إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً » لأن جميعهم لم يكونوا ظالمين ، وليس من الجائز تعميم العذاب لقوم هذا شأنهم

٣٦١

بخلاف تعميم الإحسان لقوم فيهم الصالح والطالح.

قوله تعالى : « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً » النكر والمنكر غير المعهود أي يعذبه عذابا لا عهد له به ، ولا يحتسبه ويترقبه.

وقد فسر الظلم بالإشراك. والتعذيب بالقتل فمعنى « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ » أما من أشرك ولم يرجع عن شركه فسوف نقتله ، وكأنه مأخوذ من مقابلة « مَنْ ظَلَمَ » بقوله : « مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » لكن الظاهر من المقابلة أن يكون المراد بالظالم أعم ممن أشرك ولم يؤمن بالله أو آمن ولم يشرك لكنه لم يعمل صالحا بل أفسد في الأرض ، ولو لا تقييد مقابله بالإيمان لكان ظاهر الظلم هو الإفساد من غير نظر إلى الشرك لأن المعهود من سيرة الملوك إذا عدلوا أن يطهروا أرضهم من فساد المفسدين ، وكذا لا دليل على تخصيص التعذيب بالقتل.

قوله تعالى : « وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى » إلخ « صالِحاً » وصف أقيم مقام موصوفه وكذا الحسنى ، و « جَزاءً » حال أو تمييز أو مفعول مطلق والتقدير : وأما من آمن وعمل عملا صالحا فله المثوبة الحسنى حال كونه مجزيا أو من حيث الجزاء أو نجزيه جزاء.

وقوله : « وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً » اليسر بمعنى الميسور وصف أقيم مقام موصوفه والظاهر أن المراد بالأمر الأمر التكليفي وتقدير الكلام وسنقول له قولا ميسورا من أمرنا أي نكلفه بما يتيسر له ولا يشق عليه.

قوله تعالى : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ » إلخ أي ثم هيأ سببا للسير فسار نحو المشرق حتى إذا بلغ الصحراء من الجانب الشرقي فوجد الشمس تطلع على قوم بدويين لم نجعل لهم من دونها سترا.

والمراد بالستر ما يستتر به من الشمس ، وهو البناء واللباس أو خصوص البناء أي كانوا يعيشون على الصعيد من غير أن يكون لهم بيوت يأوون إليها ويستترون بها من الشمس وعراة لا لباس عليهم ، وإسناد ذلك إلى الله سبحانه في قوله : « لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ » إلخ إشارة إلى أنهم لم يتنبهوا بعد لذلك ولم يتعلموا بناء البيوت واتخاذ الخيام ونسج الأثواب وخياطتها.

٣٦٢

قوله تعالى : « كَذلِكَ وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً » الظاهر أن قوله : « كَذلِكَ » إشارة إلى وصفهم المذكور في الكلام ، وتشبيه الشيء بنفسه مبنيا على دعوى المغايرة يفيد نوعا من التأكيد ، وقد قيل في المشار إليه بذلك وجوه أخر بعيدة عن الفهم.

وقوله : « وَقَدْ أَحَطْنا بِما لَدَيْهِ خُبْراً » الضمير لذي القرنين ، والجملة حالية والمعنى أنه اتخذ وسيلة السير وبلغ مطلع الشمس ووجد قوما كذا وكذا في حال أحاط فيها علمنا وخبرنا بما عنده من عدة وعدة وما يجريه أو يجري عليه ، والظاهر أن إحاطة علمه تعالى بما عنده كناية عن كون ما اختاره وأتى به بهداية من الله وأمر ، فما كان يرد ولا يصدر إلا عن هداية يهتدي بها وأمر يأتمره كما أشار إلى مثل هذا المعنى عند ذكر مسيره إلى المغرب بقوله : « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ » إلخ.

فالآية أعني قوله : « وَقَدْ أَحَطْنا » إلخ في معناها الكنائي نظيرة قوله : « وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا » هود : ٣٧ ، وقوله : « أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ » النساء : ١٦٦ ، وقوله : « وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ » الجن : ٢٨.

وقيل : إن الآية لإفادة تعظيم أمره وأنه لا يحيط بدقائقه وجزئياته إلا الله أو لتهويل ما قاساه ذو القرنين في هذا المسير وأن ما تحمله من المصائب والشدائد في علم الله لم يكن ليخفى عليه ، أو لتعظيم السبب الذي أتبعه ، وما قدمناه أوجه.

قوله تعالى : « ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ » إلى آخر الآية. السد الجبل وكل حاجز يسد طريق العبور وكأن المراد بهما الجبلان ، وقوله : « وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً » أي قريبا منهما ، وقوله : « لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً » كناية عن بساطتهم وسذاجة فهمهم ، وربما قيل : كناية عن غرابة لغتهم وبعدها عن اللغات المعروفة عندهم ، ولا يخلو عن بعد.

قوله تعالى : « قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ » إلخ الظاهر أن القائلين هم القوم الذين وجدهم من دون الجبلين ، ويأجوج ومأجوج جيلان من الناس كانوا يأتونهم من وراء الجبلين فيغيرون عليهم ويعمونهم قتلا وسببا ونهبا والدليل عليه السياق بما فيه من ضمائر أولي العقل وعمل السد بين الجبلين وغير ذلك.

٣٦٣

وقوله : « فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً » الخرج ما يخرج من المال ليصرف في شيء من الحوائج عرضوا عليه أن يعطوه مالا على أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدا يمنع من تجاوزهم وتعديهم عليهم.

قوله تعالى : « قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً » أصل « مَكَّنِّي » مكنني ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى ، والردم السد وقيل السد القوي ، وعلى هذا فالتعبير بالردم في الجواب وقد سألوه سدا إجابة ووعد بما هو فوق ما استدعوه وأملوه.

وقوله : « قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ » استغناء من ذي القرنين عن خرجهم الذي عرضوه عليه على أن يجعل لهم سدا يقول : ما مكنني فيه وأقرني عليه ربي من السعة والقدرة خير من المال الذي تعدونني به فلا حاجة لي إليه.

وقوله : « فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ » إلخ القوة ما يتقوى به على الشيء والجملة تفريع على ما يتحصل من عرضهم وهو طلبهم منه أن يجعل لهم سدا ، ومحصل المعنى أما الخرج فلا حاجة لي إليه ، وأما السد فإن أردتموه فأعينوني بما أتقوى به على بنائه كالرجال وما يستعمل في بنائه ـ وقد ذكر منها زبر الحديد والقطر والنفخ بالمنافخ ـ أجعل لكم سدا قويا.

وبهذا المعنى يظهر أن مرادهم بما عرضوا عليه من الخرج الأجر على عمل السد.

قوله تعالى : « آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ » إلى آخر الآية ، الزبر بالضم فالفتح جمع زبرة كغرف وغرفة وهي القطعة ، و ( ساوى ) بمعنى سوى على ما قيل وقرئ « سوى » و ( الصَّدَفَيْنِ ) تثنية الصدف وهو أحد جانبي الجبل ذكر بعضهم أنه لا يقال إلا إذا كان هناك جبل آخر يوازيه بجانبه فهو من الأسماء المتضائفة كالزوج والضعف وغيرهما والقطر النحاس أو الصفر المذاب وإفراغه صبه على الثقب والخلل والفرج.

وقوله : « آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ » أي أعطوني إياها لأستعملها في السد وهي من القوة التي استعانهم فيها ، ولعله خصها بالذكر ولم يذكر الحجارة وغيرها من لوازم البناء لأنها الركن في استحكام بناء السد فجملة « آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ » بدل البعض من الكل من جملة

٣٦٤

« فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ » أو الكلام بتقدير قال ، وهو كثير في القرآن.

وقوله : « حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قالَ انْفُخُوا » في الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فأعانوه بقوة وآتوه ما طلبه منهم فبنى لهم السد ورفعه حتى إذا سوى بين الصدفين قال : انفخوا.

وقوله : « قالَ انْفُخُوا » الظاهر أنه من الإعراض عن متعلق الفعل للدلالة على نفس الفعل والمراد نصب المنافخ على السد لإحماء ما وضع فيه من الحديد وإفراغ القطر على خلله وفرجه.

وقوله : « حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً قالَ » إلخ في الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير فنفخ حتى إذا جعله أي المنفوخ فيه أو الحديد نارا أي كالنار في هيئته وحرارته فهو من الاستعارة.

وقوله : « قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً » أي آتوني قطرا أفرغه وأصبه عليه ليسد بذلك خلله ويصير السد به مصمتا لا ينفذ فيه نافذ.

قوله تعالى : « فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً » اسطاع واستطاع واحد ، والظهور العلو والاستعلاء ، والنقب الثقب ، قال الراغب في المفردات ، : النقب في الحائط والجلد كالثقب في الخشب انتهى وضمائر الجمع ليأجوج ومأجوج. وفي الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير فبنى السد فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه لارتفاعه وما استطاعوا أن ينقبوه لاستحكامه.

قوله تعالى : « قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » الدكاء الدك وهو أشد الدق مصدر بمعنى اسم المفعول ، وقيل : المراد الناقة الدكاء وهي التي لا سنام لها وهو على هذا من الاستعارة والمراد به خراب السد كما قالوا.

وقوله : « قالَ هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي » أي قال ذو القرنين ـ بعد ما بنى السد ـ هذا أي السد رحمة من ربي أي نعمة ووقاية يدفع به شر يأجوج ومأجوج عن أمم من الناس.

وقوله : « فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ » في الكلام حذف وإيجاز والتقدير

٣٦٥

وتبقى هذه الرحمة إلى مجيء وعد ربي فإذا جاء وعد ربي جعله مدكوكا وسوى به الأرض.

والمراد بالوعد إما وعد منه تعالى خاص بالسد أنه سيندك عند اقتراب الساعة فيكون هذا ملحمة أخبر بها ذو القرنين ، وإما وعده تعالى العام بقيام الساعة الذي يدك الجبال ويخرب الدنيا ، وقد أكد القول بجملة « وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ».

قوله تعالى : « وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ » إلخ ظاهر السياق أن ضمير الجمع للناس ويؤيده رجوع ضمير « فَجَمَعْناهُمْ » إلى الناس قطعا لأن حكم الجمع عام.

وفي قوله : « بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ » استعارة ، والمراد أنهم يضطربون يومئذ من شدة الهول اضطراب البحر باندفاع بعضه إلى بعض فيرتفع من بينهم النظم ويحكم فيهم الهرج والمرج ويعرض عنهم ربهم فلا يشملهم برحمته ، ولا يصلح شأنهم بعنايته.

فالآية بمنزلة التفصيل للإجمال الذي في قول ذي القرنين : « فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ » ونظيره قوله تعالى في موضع آخر : « حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ » الأنبياء : ٩٧. وهي على أي حال من الملاحم.

وقد بان مما مر أن الترك في الآية بمعناه المتبادر منه وهو خلاف الأخذ ولا موجب لما ذكره بعضهم : أن الترك بمعنى الجعل وهو من الأضداد انتهى.

والآية من كلام الله سبحانه وليست من تمام كلام ذي القرنين والدليل عليه تغيير السياق من الغيبة إلى التكلم مع الغير الذي هو سياق كلامه السابق « إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ » « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ » ، ولو كان من تمام كلام ذي القرنين لقيل : وترك بعضهم على حذاء قوله : « جَعَلَهُ دَكَّاءَ ».

وقوله : « وَنُفِخَ فِي الصُّورِ » إلخ هي النفخة الثانية التي فيها الإحياء بدليل قوله « فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً ».

قوله تعالى : « الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً »

٣٦٦

تفسير للكافرين وهؤلاء هم الذين ضرب الله بينهم وبين ذكره سدا حاجزا ـ وبهذه المناسبة تعرض لحالهم بعد ذكر سد يأجوج ومأجوج ـ فجعل أعينهم في غطاء عن ذكره وأخذ استطاعة السمع عن آذانهم فانقطع الطريق بينهم وبين الحق وهو ذكر الله.

فإن الحق إنما ينال إما من طريق البصر بالنظر إلى آيات الله سبحانه والاهتداء إلى ما تدل عليه وتهدي إليه ، وإما من طريق السمع باستماع الحكمة والموعظة والقصص والعبر ، ولا بصر لهؤلاء ولا سمع.

قوله تعالى : « أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ » إلخ الاستفهام للإنكار قال في المجمع ، : معناه أفحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم ويدفعون عقابي عنهم قال : ويدل على هذا المحذوف قوله : « إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً » انتهى.

وهناك وجه ثان منقول عن ابن عباس وهو أن المعنى أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة وأنا لا أغضب لنفسي عليهم ولا أعاقبهم.

ووجه ثالث : وهو أن « أَنْ يَتَّخِذُوا » إلخ مفعول أول لحسب بمعنى ظن ومفعوله الثاني محذوف ، والتقدير أفحسب الذين كفروا اتخاذهم عبادي من دوني أولياء نافعا لهم أو دافعا للعقاب عنهم ، والفرق بين هذا الوجه والوجهين السابقين أن « أَنْ » وصلته قائمة مقام المفعولين فيهما والمحذوف بعض الصلة فيهما بخلاف الوجه الثالث فأن وصلته فيه مفعول أول لحسب ، والمفعول الثاني محذوف.

ووجه رابع : وهو أن يكون أن وصلته سادة مسد المفعولين وعناية الكلام متوجهة إلى إنكار كون الاتخاذ اتخاذا حقيقة على معنى أن ذلك ليس من الاتخاذ في شيء إذ الاتخاذ إنما يكون من الجانبين والمتخذون متبرئون منهم لقولهم : « سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ».

والوجوه الأربعة مترتبة في الوجاهة وأوجهها أولها وسياق هذه الآيات يساعد عليه فإن هذه الآيات بل عامة آيات السورة مسوقة لبيان أنهم فتنوا بزينة الحياة الدنيا واشتبه عليهم الأمر فاطمأنوا إلى ظاهر الأسباب فاتخذوا غيره تعالى أولياء من دونه

٣٦٧

فهم يظنون أن ولايتهم تكفيهم وتنفعهم وتدفع عنهم الضر والحال أن ما سيلقونه بعد النفخ والجمع يناقض ذلك فالآية تنكر عليهم هذا الظن والحسبان بعد ما كان مآل أمرهم ذلك. ثم إن إمكان قيام أن وصلته مقام مفعولي حسب وقد ورد في كلامه تعالى كثيرا كقوله : « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا » الجاثية ـ ٢١ وغيره يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف وقد منع عنه بعض النحاة.

وتؤيده الآيات التالية : « قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً » إلخ وكذا القراءة المنسوبة إلى علي عليه‌السلام وعدة منهم ، أفحسب » بسكون السين وضم الباء والمعنى أفاتخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم.

والمراد بالعباد في قوله : « أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ » كل من يعبده الوثنيون من الملائكة والجن والكملين من البشر.

وأما ما ذكره المفسرون أن المراد بهم المسيح عليه‌السلام والملائكة ونحوهم من المقربين دون الشياطين لأن الأكثر في مثل هذا اللفظ « عِبادِي » أن تكون الإضافة لتشريف المضاف.

ففيه أولا أن المقام لا يناسب التشريف. وهو ظاهر. وثانيا أن قيد « مِنْ دُونِي » في الكلام صريح في أن المراد بالذين كفروا هم الوثنيون الذين لا يعبدون الله مع الاعتراف بألوهيته وإنما يعبدون الشركاء الشفعاء؟ وأما أهل الكتاب مثلا النصارى في اتخاذهم المسيح وليا فإنهم لا ينفون ولاية الله بل يثبتون الولايتين معا ثم يعدونهما واحدا فافهم ذلك فالحق أن قوله : « عِبادِي » لا يعم المسيح ومن كان مثله من البشر بل يختص بآلهة الوثنيين والمراد بقوله « الَّذِينَ كَفَرُوا » الوثنيون فحسب.

وقوله : « إِنَّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً » أي شيئا يتمتعون به عند أول نزولهم الدار الآخرة شبه الدار الآخرة بالدار ينزلها الضيف وجهنم بالنزل الذي يكرم به الضيف النزيل لدى أول وروده ، ويزيد هذا التشبيه لطفا وجمالا ما سيأتي بعد آيتين أنهم لا يقام لهم وزن يوم القيامة فكأنهم لا يلبثون دون أن يدخلوا النار ، وفي الآية من التهكم ما لا يخفى ، وكأنما قوبل به ما سيحكى من تهكمهم في الدنيا بقوله : « وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً ».

٣٦٨

بحث روائي

في تفسير القمي ، : فلما أخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخبر موسى وفتاه والخضر ـ قالوا له فأخبرنا عن طائف طاف الأرض : المشرق والمغرب من هو؟ وما قصته؟ فأنزل الله : « وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ » الآيات.

أقول : وقد تقدم في الكلام على قصة أصحاب الكهف تفصيل هذه الرواية وروي أيضا ما في معناه في الدر المنثور ، عن ابن أبي حاتم عن السدي وعن عمر مولى غفرة.

واعلم أن الروايات المروية من طرق الشيعة وأهل السنة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليه‌السلام وكذا الأقوال المنقولة عن الصحابة والتابعين ويعامل معها أهل السنة معاملة الأحاديث الموقوفة في قصة ذي القرنين مختلفة اختلافا عجيبا متعارضة متهافتة في جميع خصوصيات القصة وكافة أطرافها وهي مع ذلك مشتملة على غرائب يستوحش منها الذوق السليم أو يحيلها العقل وينكرها الوجود لا يرتاب الباحث الناقد إذا قاس بعضها إلى بعض وتدبر فيها أنها غير سليمة عن الدس والوضع ومبالغات عجيبة في وصف القصة وأغربها ما روي عن علماء اليهود الذين أسلموا كوهب بن منبه وكعب الأحبار أو ما يشعر القرائن أنه مأخوذ منهم فلا يجدينا والحال هذه نقلها بالاستقصاء على كثرتها وطولها ، وإنما نشير بعض الإشارة إلى وجوه اختلافها ، ونقتصر على نقل ما يسلم عن الاختلاف في الجملة.

فمن الاختلاف اختلافها في نفسه فمعظم الروايات على أنه كان بشرا ، وقد ورد (١) في بعضها أنه كان ملكا سماويا أنزله الله إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببا. وفي خطط المقريزي عن الجاحظ في كتاب الحيوان ، أن ذا القرنين كانت أمه آدمية وأبوه من الملائكة.

ومن ذلك الاختلاف في سمته ففي أكثر الروايات أنه كان عبدا صالحا أحب الله

__________________

(١) رواه في الدر المنثور عن الأحوص بن حكيم عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الشيرازي عن جبير بن نفير عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن عدة عن خالد بن معدان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن عدة عن عمر بن الخطاب.

٣٦٩

فأحبه وناصح الله فناصحه ، وفي بعضها (١) أنه كان محدثا يأتيه الملك فيحدثه وفي بعضها (٢) أنه كان نبيا.

ومن ذلك الاختلاف في اسمه ففي بعضها أن اسمه (٣) عياش ، وفي بعضها (٤) إسكندر ، وفي بعضها (٥) مرزيا بن مرزبة اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح ، وفي بعضها (٦) مصعب بن عبد الله من قحطان وفي بعضها (٧) صعب بن ذي المراثد أول التبابعة وكأنه التبع أبو كرب ، وفي بعضها (٨) عبد الله بن ضحاك بن معد إلى غير ذلك وهي كثيرة.

ومن ذلك الاختلاف في وجه تسميته بذي القرنين ففي بعضها (٩) أنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم زمانا ثم جاءهم ودعاهم إلى الله ثانيا فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم زمانا ثم آتاه الله الأسباب فطاف شرق الأرض وغربها فسمي بذلك ذا القرنين ، وفي بعضها (١٠) أنهم قتلوه بالضربة الأولى ثم أحياه الله

__________________

(١) رواه في الدر المنثور عن ابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن الباقر ع وفي البرهان عن جبرئيل بن أحمد عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه‌السلام وفي نور الثقلين عن أصول الكافي عن الحارث ابن المغيرة عن أبي جعفر عليه‌السلام.

(٢) رواه العياشي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام ورواه في الدر المنثور عن أبي الشيخ عن أبي الورقاء عن علي عليه‌السلام وفي هذا المعنى روايات أخرى.

(٣) كما في تفسير العياشي عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه‌السلام ، وفي البرهان عن الثمالي عن الباقر عليه‌السلام.

(٤) كما يظهر من رواية قرب الإسناد للحميري عن الكاظم ع ورواية الدر المنثور عن عدة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وروايته أيضا عن عدة عن وهب.

(٥) في الدر المنثور عن ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ من طريق ابن إسحاق عن بعض من أسلم من أهل الكتاب.

(٦) البداية والنهاية.

(٧) البداية والنهاية عن ابن هشام في التيجان.

(٨) في الخصال عن محمد بن خالد مرفوعا ، وفي البداية والنهاية عن زبير بن بكار عن ابن عباس.

(٩) في البرهان عن الصدوق عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام ، وفي تفسير القمي عن أبي بصير عن الصادق ع وفي الخصال عن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام.

(١٠) في تفسير العياشي عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام وفي الدر المنثور عن ابن مردويه من طريق أبي الطفيل عن علي عليه‌السلام ورواه العياشي أيضا وروي أيضا في روايات أخر.

٣٧٠

فجاءهم ودعاهم فضربوه وقتلوه ثانيا ثم أحياه الله ورفعه إلى السماء الدنيا ثم أنزله إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببا.

وفي بعضها (١) أنه نبت له بعد الإحياء الثاني قرنان في موضعي الشجتين وسخر الله له النور والظلمة ثم لما نزل إلى الأرض سار فيها ودعا إلى الله وكان يزأر كالأسد ويبرق ويرعد قرناه وإذا استكبر عن دعوته قوم سلط عليهم الظلمة فأعيتهم حتى اضطروا إلى إجابتها.

وفي بعضها (٢) أنه كان له قرنان في رأسه وكان يتعمم عليهما يواريهما بذلك وهو أول من تعمم وقد كان يخفيهما عن الناس ولم يكن يطلع على ذلك أحد إلا كاتبه وقد نهاه أن يخبر به أحدا فضاق صدر الكاتب بذلك فأتى الصحراء فوضع فمه بالأرض ثم نادى ألا إن للملك قرنين فأنبت الله من كلمته قصبتين فمر بهما راع فأعجبهما فقطعهما واتخذهما مزمارا فكان إذا زمر خرج من القصبتين : ألا إن للملك قرنين فانتشر ذلك في المدينة فأرسل إلى الكاتب واستنطقه وهدده بالقتل إن لم يصدق فقص عليه القصة فقال ذو القرنين هذا أمر أراد الله أن يبديه فوضع العمامة عن رأسه.

وقيل : (٣) سمي ذا القرنين لأنه ملك قرني الأرض وهما المشرق والمغرب وقيل : (٤) لأنه رأى في المنام أنه أخذ بقرني الشمس فعبر له بملك الشرق والغرب وسمي بذي القرنين ، وقيل : (٥) لأنه كان له عقيصتان في رأسه ، وقيل (٦) لأنه ملك الروم وفارس ، وقيل (٧) : لأنه كان له في رأسه شبه قرنين ، وقيل (٨) لأنه كان على تاجه

__________________

(١) تفسير العياشي عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام وفي الدر المنثور عن عدة عن وهب بن منبه ما في معناه.

(٢) في الدر المنثور عن أبي الشيخ عن وهب بن منبه.

(٣) في الدر المنثور عن عدة عن أبي العالية وابن شهاب.

(٤) في نور الثقلين عن الخرائج والحرائج عن العسكري ع عن علي عليه‌السلام.

(٥) في الدر المنثور عن الشيرازي عن قتادة.

(٦) في الدر المنثور عن عدة عن وهب.

(٧) المصدر السابق.

(٨) نقله في روح المعاني ،

٣٧١

قرنان من الذهب إلى غير ذلك مما قيل.

ومن ذلك اختلافها في سيره إلى المغرب والمشرق وفيه أشد الاختلاف فقد روي (١) أنه سخر له السحاب فكان يركب السحاب ويسير في الأرض غربا وشرقا. وروي (٢) أنه بلغ جبل قاف وهو جبل أخضر محيط بالدنيا منه خضرة السماء. وروي (٣) أنه طلب عين الحياة فأشير عليه أنها في الظلمات فدخلها وفي مقدمته الخضر فلم يرزق ذو القرنين أن يشرب منها وشرب الخضر واغتسل منها فكان له البقاء المؤبد وفي هذه الروايات أن الظلمات في جانب المشرق.

ومن ذلك اختلافها في موضع السد الذي بناها ففي بعضها أنه في (٤) المشرق وفي بعضها (٥) أنه في الشمال ، وقد بلغ من مبالغة بعض الروايات أن ذكرت (٦) أن طول السد وهو مسافة ما بين الجبلين مائة فرسخ وعرضه خمسون فرسخا وارتفاعه ارتفاع الجبلين وقد حفر له أساسا حتى بلغ الماء وقد جعل حشوه الصخور وطينه النحاس ثم علاه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقا من نحاس أصفر فصار كأنه برد محبر.

ومن ذلك اختلافها في وصف يأجوج ومأجوج فروي (٧) أنهم من الترك ومن ولد يافث بن نوح كانوا يفسدون في الأرض فضرب السد دونهم. وروي (٨) أنهم من غير ولد آدم وفي (٩) عدة من الروايات أنهم قوم ولود لا يموت الواحد منهم من ذكر أو أنثى

__________________

(١) في عدة من روايات العامة والخاصة الموردة في الدر المنثور والبرهان ونور الثقلين والبحار.

(٢) في البرهان عن جميل عن الصادق ع وفي الدر المنثور عن عبد بن حميد وغيره عن عكرمة.

(٣) في تفسير القمي عن علي عليه‌السلام وفي تفسير العياشي عن هشام عن بعض آل محمد ع وفي الدر المنثور عن ابن أبي حاتم وغيره عن الباقر عليه‌السلام.

(٤) الدر المنثور عن ابن إسحاق وغيره عن وهب.

(٥) الدر المنثور عن ابن المنذر عن ابن عباس.

(٦) الدر المنثور عن ابن إسحاق وغيره عن وهب.

(٧) الدر المنثور عن ابن المنذر عن علي عليه‌السلام وعن ابن أبي حاتم عن قتادة. وفي نور الثقلين عن علل الشرائع عن العسكري.

(٨) نور الثقلين عن روضة الكافي عن ابن عباس.

(٩) الطبري عن عبد الله بن عمير ، وعن عبد الله بن سلام ، وفي الدر المنثور عن النسائي وابن مردويه عن أوس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيه عن ابن أبي حاتم عن السدي عن علي عليه‌السلام.

٣٧٢

حتى يولد له ألف من الأولاد وأنهم أكثر عددا من سائر البشر حتى عدوا في (١) بعض الروايات تسعة أضعاف البشر ، وروي (٢) أنهم من الشدة والبأس بحيث لا يمرون ببهيمة أو سبع أو إنسان إلا افترسوه وأكلوه ولا على زرع أو شجر إلا رعوه ولا على ماء نهر إلا شربوه ونشفوه ، وروي (٣) أنهم أمتان كل منهما أربع مائة ألف أمة كل أمة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه.

وروي (٤) أنهم طوائف ثلاث فطائفة كالأرز وهو شجر طوال ، وطائفة يستوي طولهم وعرضهم : أربعة أذرع في أربعة أذرع وطائفة وهم أشدهم للواحد منهم أذنان يفترش بإحداهما ويلتحف بالأخرى يشتو في إحداهما لابسا له وهي وبرة ظهرها وبطنها ويصيف في الأخرى وهي زغبة ظهرها وبطنها ، وهم صلب على أجسادهم من الشعر ما يواريها ، وروي أن الواحد (٥) منهم شبر أو شبران أو ثلاثة ، وروي (٦) أن الذين كانوا يقاتلونهم كان وجوههم وجوه الكلاب.

ومن ذلك اختلافها في زمان ملكه ففي بعضها (٧) أنه كان بعد نوح ، وروي (٨) أنه كان في زمن إبراهيم ومعاصره وقد حج البيت ولقيه وصافحه وهي أول مصافحة على وجه الأرض ، وروي (٩) أنه كان في زمن داود.

__________________

(١) في الدر المنثور عن عبد الرزاق وغيره عن عبد الله بن عمر.

(٢) الدر المنثور عن ابن إسحاق وغيره عن وهب.

(٣) في الدر المنثور عن ابن المنذر وأبي الشيخ عن حسان بن عطية. وعن ابن أبي حاتم وغيره عن حذيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد بلغ من مبالغة الروايات في عددهم أنه روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأجوج ومأجوج يعدل ألف ضعف للمسلمين ( البداية والنهاية عن الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو ذا يقال : إن المسلمين خمس أهل الأرض ولازمه أن يكون يأجوج ومأجوج مائتا ضعف أهل الأرض.

(٤) في الدر المنثور عن ابن المنذر وابن أبي حاتم عن كعب الأحبار.

(٥) في الدر المنثور عن ابن المنذر والحاكم وغيرهما عن ابن عباس.

(٦) في الدر المنثور عن عدة عن عقبة بن عامر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٧) في تفسير العياشي عن الأصبغ عن علي عليه‌السلام.

(٨) الدر المنثور عن ابن مردويه وغيره عن عبيد بن عمير ، وفي نور الثقلين عن أمالي الشيخ عن الباقر ع وفي العرائس لابن إسحاق.

(٩) الدر المنثور عن ابن أبي حاتم وابن عساكر عن مجاهد.

٣٧٣

ومن ذلك اختلافها في مدة ملكه فروي (١) ثلاثون سنة وروي (٢) اثنتا عشرة سنة إلى غير ذلك من جهات الاختلاف التي يعثر عليها من راجع أخبار القصة من جوامع الحديث وخاصة الدر المنثور ، والبحار ، والبرهان ، ونور الثقلين ،.

وفي كتاب كمال الدين ، بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال : قام ابن الكواء إلى علي عليه‌السلام وهو على المنبر ـ فقال : يا أمير المؤمنين ـ أخبرني عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا؟ وأخبرني عن قرنيه أمن ذهب أم من فضة؟ فقال له : لم يكن نبيا ولا ملكا ، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضة ولكن كان عبدا ـ أحب الله فأحبه الله ونصح الله فنصحه الله ، وإنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه إلى الله عز وجل ـ فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ـ ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر ، وفيكم مثله.

أقول : الظاهر أن « الملك » في الرواية بفتح اللام لا بكسرها لاستفاضة الروايات عنه وعن غيره عليه‌السلام بملك ذي القرنين فنفيه عليه‌السلام أن يكون ذو القرنين نبيا أو ملكا بفتح اللام إنكار منه لصحة ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الروايات أنه كان نبيا وفي بعضها الآخر أنه كان ملكا من الملائكة وبه كان يقول عمر بن الخطاب كما تقدمت الإشارة إليه.

وقوله : « وفيكم مثله » أي مثل ذي القرنين في شجتيه يشير عليه‌السلام إلى نفسه فإنه أصيب بضربة من عمرو بن عبد ود وبضربة من عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله فاستشهد بها ، ولرواية مستفيضة عنه عليه‌السلام روته عنه الشيعة وأهل السنة بألفاظ مختلفة ، وأبسط ألفاظها ما أوردناه ، وقد لعبت به يد النقل بالمعنى فأظهرته في صور عجيبة وبلغ بها التحريف غايته.

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه عن سالم بن أبي الجعد قال : سئل علي عن ذي القرنين أنبي هو؟ فقال سمعت نبيكم (ص) يقول : هو عبد ناصح الله فنصحه.

وفي احتجاج الطبرسي ، عن الصادق عليه‌السلام في حديث طويل : وفيه قال السائل

__________________

(١) البرهان عن البرقي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٢) الدر المنثور عن ابن أبي حاتم عن وهب.

٣٧٤

أخبرني عن الشمس أين تغيب؟ قال : إن بعض العلماء قال : إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك ـ إلى بطن السماء صاعدة أبدا إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها.

يعني أنها تغيب في عين حمئة ـ ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها ـ فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بطلوع ـ ويسلب نورها كل يوم وتتجلل نورا أحمر.

أقول : قوله : « إذا انحدرت أسفل القبة ـ إلى قوله : مطلعها » بيان لسير الشمس من حين غروبها إلى إبان طلوعها في مدارها السماوي على ما تفرضه هيئة بطليموس الدائرة في تلك الأعصار المبنية على سكون الكرة الأرضية وحركة الأجرام السماوية حولها ، ولذا نسبه عليه‌السلام إلى بعض العلماء.

وقوله : « يعني أنها تغيب في عين حمئة ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها » من كلام بعض رواة الخبر لا من كلامه عليه‌السلام فالراوي لقصور منه في الفهم فسر قوله تعالى : « تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ » بسقوط القرص في العين وغيبوبته فيها ثم سبحه فيها كالسمكة في الماء وخرقه الأرض حتى يبلغ المطلع ثم ذهابه إلى تحت العرش وهو على زعمه سماء فوق السماوات السبع أو جسم نوراني كأعظم ما يكون موضوع فوق السماء السابعة ومكثه هناك حتى يؤذن له في الطلوع فيكسى نورا أحمر ويطلع.

والراوي يشير بقوله : « فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها إلخ إلى رواية أخرى مأثورة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الملائكة تذهب بالشمس بعد غروبها فتوقفها تحت العرش وهي مسلوبة النور فتمكث هناك وهي لا تدري ما تؤمر به غدا حتى تكسى نورا وتؤمر بالطلوع ، الرواية. وقد ارتكب فهمه في تفسير العرش هناك نظير ما ارتكبه في تفسير الغروب هاهنا فزاد عن الحق بعدا على بعد.

ولم يرد تفسير العرش في كتاب ولا سنة قابلة للاعتماد بالفلك التاسع أو بجسم نوراني علوي كهيئة السرير التي اختلقها فهمه وقد قدمنا معظم روايات العرش في أوائل الجزء الثامن من هذا الكتاب.

وفي التسمية أعني قوله : « قال بعض العلماء بعض الإشارة إلى أن هذا القول لم يكن مرضيا عنده عليه‌السلام ومع ذلك لم يسعه أن يسمح بحق القول في المسألة كيف؟

٣٧٥

وإذا ساقتهم سذاجة الفهم في فرضية سهلة التصور عند أهله في تلك الأعصار هذا المساق فما ظنك بهم لو ألقي إليهم ما لا يصدقه ظاهر حسهم ولا يسعه ظرف فكرهم.

وفي الدر المنثور ، أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عثمان بن أبي حاضر : أن ابن عباس ذكر له أن معاوية بن أبي سفيان ـ قرأ الآية التي في سورة الكهف « تغرب في عين حامية » قال ابن عباس : فقلت لمعاوية : ما نقرؤها إلا حمئة ـ فسأل معاوية عبد الله بن عمر وكيف تقرؤه؟ فقال عبد الله : كما قرأتها.

قال ابن عباس : فقلت لمعاوية : في بيتي نزل القرآن ـ فأرسل إلى كعب فقال له : أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال له كعب : سل أهل العربية فإنهم أعلم بها ، وأما أنا فإني أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين ، وأشار بيده إلى المغرب. قال ابن أبي حاضر : لو أني عندكما أيدتك بكلام تزداد به بصيرة في حمئة. قال ابن عباس : وما هو؟ قلت : فيما نأثر قول تبع ـ فيما ذكر به ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه :

قد كان ذو القرنين عمر مسلما

ملكا تدين له الملوك وتحشد

فأتى المشارق والمغارب يبتغي

أسباب ملك من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها

في عين ذي خلب وثأط حرمد

فقال ابن عباس : ما الخلب؟ قلت : الطين بكلامهم. قال : فما الثأط؟ قلت : الحمأة. قال : فما الحرمد؟ قلت : الأسود ـ فدعا ابن عباس غلاما فقال له : اكتب ما يقول هذا الرجل.

أقول : والحديث لا يلائم ما ذهبوا إليه من تواتر القراءات تلك الملائمة وعن التيجان لابن هشام الحديث وفيه أن ابن عباس أنشد هذه الأشعار لمعاوية وأن معاوية سأله عن معنى الخلب والثأط والحرمد قال : الخلب الحمأة والثأط ما تحتها من الطين والحرمد ما تحته من الحصى والحجر ، وقد أورد القصيدة ، وهذا الاختلاف يؤذن بشيء في الرواية.

في تفسير العياشي ، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قول الله عز وجل : « لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً » قال : لم يعلموا صنعة البيوت.

٣٧٦

وفي تفسير القمي ، : في الآية قال : لم يعلموا صنعة الثياب.

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن المنذر عن ابن عباس : في قوله : « حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ » قال : الجبلين أرمينية وآذربيجان.

وفي تفسير العياشي ، عن المفضل قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قوله : « أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً » قال : التقية « فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا » إذا عملت بالتقية لم يقدروا لك على حيلة ، وهو الحصن الحصين ، وصار بينك وبين أعداء الله سدا لا يستطيعون له نقبا.

وفيه ، أيضا عن جابر عنه عليه‌السلام في الآية قال : التقية.

أقول : الروايتان من الجري وليستا بتفسير.

وفي تفسير العياشي ، عن الأصبغ بن نباتة عن علي عليه‌السلام : « وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ » يعني يوم القيامة.

أقول : ظاهر الآية بحسب السياق أنه من أشراط الساعة ، ولعله المراد بيوم القيامة فربما تطلق على ظهور مقدماتها.

وفيه ، عن محمد بن حكيم قال : كتبت رقعة إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فيها : أتستطيع النفس المعرفة؟ قال : فقال لا فقلت : يقول الله : « الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي ـ وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً » قال : هو كقوله : « ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ » قلت : فعابهم؟ قال : لم يعبهم بما صنع هو بهم ولكن عابهم بما صنعوا ، ولو لم يتكلفوا لم يكن عليهم شيء.

أقول : يعني أنهم تسببوا لهذا الحجاب فرجع إليهم تبعته.

وفي تفسير القمي ، : في الآية قال : كانوا لا ينظرون إلى ما خلق الله ـ من الآيات والسماوات والأرض.

أقول : وفي العيون ، عن الرضا عليه‌السلام : تطبيق الآية على منكري الولاية وهو من الجري.

٣٧٧

( كلام حول قصة ذي القرنين )

وهو بحث قرآني وتاريخي في فصول :

١ ـ قصة ذي القرنين في القرآن : لم يعترض لاسمه ولا لتأريخ زمان ولادته وحياته ولا لنسبه وسائر مشخصاته على ما هو دأبه في ذكر قصص الماضين بل اكتفى على ذكر ثلاث رحلات منه فرحلة أولى إلى المغرب حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ( أو حامية ) ووجد عندها قوما ، ورحلة ثانية إلى المشرق حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل الله لهم من دونها سترا ، ورحلة ثالثة حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض وعرضوا عليه أن يجعلوا له خرجا على أن يجعل بين القوم وبين يأجوج ومأجوج سدا فأجابهم إلى بناء السد ووعدهم أن يبني لهم فوق ما يأملون وأبى أن يقبل خرجهم وإنما طلب منهم أن يعينوه بقوة وقد أشير منها في القصة إلى الرجال وزبر الحديد والمنافخ والقطر.

والخصوصيات والجهات الجوهرية التي تستفاد من القصة هي أولا أن صاحب القصة كان يسمى قبل نزول قصته في القرآن بل حتى في زمان حياته بذي القرنين كما يظهر في سياق القصة من قوله : « يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ » « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ » و « قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ ».

وثانيا : أنه كان مؤمنا بالله واليوم الآخر ومتدينا بدين الحق كما يظهر من قوله : « هذا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا » وقوله : « أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً » إلخ ويزيد في كرامته الدينية أن قوله تعالى : « قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً » يدل على تأييده بوحي أو إلهام أو نبي من أنبياء الله كان عنده يسدده بتبليغ الوحي.

وثالثا : أنه كان ممن جمع الله له خير الدنيا والآخرة ، أما خير الدنيا فالملك العظيم الذي بلغ به مغرب الشمس ومطلعها فلم يقم له شيء وقد ذلت له الأسباب ، وأما خير الآخرة فبسط العدل وإقامة الحق والصفح والعفو والرفق وكرامة النفس وبث الخير ودفع الشر ، وهذا كله مما يدل

٣٧٨

عليه قوله تعالى : « إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً » مضافا إلى ما يستفاد من سياق القصة من سيطرته الجسمانية والروحانية.

ورابعا : أنه صادف قوما ظالمين بالمغرب فعذبهم.

وخامسا : أن الردم الذي بناه هو في غير مغرب الشمس ومطلعها فإنه بعد ما بلغ مطلع الشمس أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين. ومن مشخصات ردمه مضافا إلى كونه واقعا في غير المغرب والمشرق أنه واقع بين جبلين كالحائطين ، وأنه ساوى بين صدفيهما وأنه استعمل في بنائه زبر الحديد والقطر ، ولا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتين من نواحي الأرض المسكونة.

٢ ـ ذكرى ذي القرنين والسد ويأجوج ومأجوج : في أخبار الماضين ، لم يذكر القدماء من المؤرخين في أخبارهم ملكا يسمى في عهده بذي القرنين أو ما يؤدي معناه من غير اللفظ العربي ولا يأجوج ومأجوج بهذين اللفظين ولا سدا ينسب إليه باسمه نعم ينسب إلى بعض ملوك حمير من اليمنيين أشعار في المباهاة يذكر فيها ذا القرنين وأنه من أسلافه التبابعة وفيها ذكر سيره إلى المغرب والمشرق وسد يأجوج ومأجوج وسيوافيك نبذة منها في بعض الفصول الآتية.

وورد ذكر « مأجوج » و « جوج ومأجوج » في مواضع من كتب العهد العتيق ففي الإصلاح (١) العاشر من سفر التكوين من التوراة ، : « وهذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث ـ وولد لهم بنون بعد الطوفان. بنو يافث جومر ومأجوج ـ وماداي وبأوان ونوبال وماشك ونبراس.

وفي كتاب حزقيال ، (٢) الإصحاح الثامن والثلاثون : وكان إلى كلام الرب قائلا : يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض مأجوج رئيس ـ روش ماشك ونوبال ، وتنبأ عليه وقل : هكذا ـ قال السيد الرب : ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش وماشك ـ ونوبال وأرجعك وأضع شكائم في فكيك ـ وأخرجك أنت وكل جيشك خيلا وفرسانا ـ

__________________

(١) كتب العهدين مطبوعة بيروت سنة ١٨٧٠ ومنها نقل سائر ما نقل في هذه الفصول.

(٢) وكان بين اليهود أيام إسارتهم بابل.

٣٧٩

كلهم لابسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس ومجان ـ كلهم ممسكين السيوف. فارس وكوش وفوط معهم كلهم بمجن وخوذة ، وجومر وكل جيوشه وبيت نوجرمه من أقاصي الشمال ـ مع كل جيشه شعوبا كثيرين معك ».

قال : لذلك تنبأ يا بن آدم وقل لجوج : هكذا ـ قال السيد الرب في ذلك اليوم عند سكنى شعب إسرائيل آمنين ـ أفلا تعلم وتأتي من موضعك من أقاصي الشمال » إلخ.

وقال في الإصحاح التاسع والثلاثين ماضيا في الحديث السابق : وأنت يا بن آدم تنبأ على جوج وقل هكذا ـ قال السيد الرب ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش ماشك ـ ونوبال وأردك وأقودك وأصعدك من أقاصي الشمال. وآتي بك على جبال إسرائيل وأضرب قوسك من يدك اليسرى ـ وأسقط سهامك من يدك اليمني ـ فتسقط على جبال إسرائيل أنت وكل جيشك والشعوب الذين معك ـ أبذلك مأكلا للطيور الكاسرة من كل نوع ولوحوش الحفل ، على وجه الحفل تسقط لأني تكلمت بقول السيد الرب ، وأرسل نارا على مأجوج وعلى الساكنين في الجزائر آمنين ـ فيعلمون أني أنا الرب » إلخ.

وفي رؤيا يوحنا في الإصحاح العشرين : « ورأيت ملاكا نازلا من السماء معه مفتاح الهاوية ـ وسلسلة عظيمة على يده فقبض على التنين الحية القديمة ـ الذي هو إبليس والشيطان ، وقيده ألف سنة ، وطرحه في الهاوية وأغلق عليه ـ وختم عليه لكيلا يضل الأمم فيما بعد حتى تتم الألف سنة ، وبعد ذلك لا بد أن يحل زمانا يسيرا.

قال : « ثم متى تمت الألف سنة لن يحل الشيطان من سجنه ـ ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج ومأجوج ـ ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر ـ فصعدوا على عرض الأرض ، وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة ـ فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم ، وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت ـ حيث الوحش والنبي الكذاب ـ وسيعذبون نهارا وليلا إلى أبد الآبدين ».

ويستفاد منها أن « مأجوج » أو « جوج ومأجوج » أمة أو أمم عظيمة كانت قاطنة في أقاصي شمال آسيا من معمورة الأرض يومئذ وأنهم كانوا أمما حربية معروفة بالمغازي والغارات.

٣٨٠