الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

الميزان في تفسير القرآن - ج ١٣

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٥
الصفحات: ٤٠٨

وقد تكاثرت الروايات في بيان القصة من طرق الفريقين لكنها متهافتة مختلفة لا يكاد يوجد منها خبران متوافقا المضمون من جميع الجهات.

فمن الاختلاف ما في بعض الروايات كالرواية المتقدمة أن سؤالهم كان عن أربعة نبإ أصحاب الكهف ونبإ موسى والعالم ونبإ ذي القرنين وعن الساعة متى تقوم؟

وفي بعضها أن السؤال كان عن خبر أصحاب الكهف وذي القرنين وعن الروح وقد ذكروا أن آية صدق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن لا يجيب آخر الأسؤلة فأجاب عن نبإ أصحاب الكهف ونبإ ذي القرنين ، ونزل « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » الآية فلم يجب عنها ، وقد عرفت في بيان آية الروح أن الكلام مسوق سوق الجواب وليس بتجاف.

ومن ذلك ما في أكثر الروايات أنهم جماعة واحدة سمعوا أصحاب الكهف والرقيم ، وفي بعضها أن أصحاب الرقيم غير أصحاب الكهف ، وأن الله سبحانه أشار في كلامه إليهما معا لكنه قص قصة أصحاب الكهف وأعرض عن قصة أصحاب الرقيم ، وذكروا لهم قصة وهي أن قوما وهم ثلاثة خرجوا يرتادون لأهلهم فأخذتهم السماء فأووا إلى كهف وانحطت صخرة من أعلى الجبل وسدت بابه.

فقال بعضهم لبعض : ليذكر كل منا شيئا من عمله الصالح وليدع الله به لعله يفرج عنا فذكر واحد منهم منه عمله لوجه الله ودعا الله به فتنحت الصخرة قدر ما دخل عليهم الضوء ثم الثاني فتنحت حتى تعارفوا ثم الثالث ففرج الله عنهم فخرجوا رواه (١) النعمان بن بشير مرفوعا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والمستأنس بأسلوب الذكر الحكيم يأبى أن يظن به أن يشير في دعوته إلى قصتين ثم يفصل القول في إحداهما وينسى الأخرى من أصلها.

ومن ذلك ما تذكره الروايات أن الملك الذي هرب منه الفتية هو دقيانوس ( ديوكليس ٢٨٥ م ـ ٣٠٥ م ) ملك الروم وفي بعضها كان يدعي الألوهية ، وفي بعض أنه كان دقيوس ( دسيوس ٢٤٩ ـ ٢٥٤ م ) ملك الروم وبينهما عشرات من السنين وكان الملك يدعو إلى عبادة الأصنام ويقتل أهل التوحيد ، وفي بعض الروايات

__________________

(١) الدر المنثور

٢٨١

كان مجوسيا يدعو إلى دين المجوس ، ولم يذكر التاريخ شيوع المجوسية هذا الشيوع في بلاد الروم ، وفي بعض الروايات أنهم كانوا قبل عيسى عليه‌السلام.

ومن ذلك أن بعض الروايات تذكر أن الرقيم اسم البلد الذي خرجوا منه وفي بعضها اسم الوادي ، وفي بعضها اسم الجبل الذي فيه الكهف ، وفي بعضها اسم كلبهم ، وفي بعضها هو لوح من حجر ، وفي بعضها من رصاص ، وفي بعضها من نحاس وفي بعضها من ذهب رقم فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم وقصتهم ووضع على باب الكهف وفي بعضها داخله ، وفي بعضها كان معلقا على باب المدينة ، وفي بعضها في بعض خزائن الملوك وفي بعضها هما لوحان.

ومن ذلك ما في بعض الروايات أن الفتية كانوا من أولاد الملوك ، وفي بعضها من أولاد الأشراف ، وفي بعضها من أولاد العلماء ، وفي بعضها أنهم سبعة سابعهم كان راعي غنم لحق بهم هو وكلبه في الطريق ، وفي حديث (١) وهب بن منبه أنهم كانوا حماميين يعملون في بعض حمامات المدينة وساق لهم قصة دعوة الملك إلى عبادة الأصنام وفي بعضها أنهم كانوا من وزراء الملك يستشيرهم في أموره.

ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم أظهروا المخالفة وعلم بها الملك قبل الخروج وفي بعضها أنه لم يعلم إلا بعد خروجهم وفي بعضها أنهم تواطئوا على الخروج فخرجوا وفي بعضها أنهم خرجوا على غير معرفة من بعضهم لحال بعض وعلى غير ميعاد ثم تعارفوا واتفقوا في الصحراء وفي بعضها أن راعي غنم لحق بهم وهو سابعهم وفي بعضها أنه لم يتبعهم وتبعهم كلبه وسار معهم.

ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم لما هربوا واطلع الملك على أمرهم افتقدهم ولم يحصل منهم على أثر ، وفي بعضها أنه فحص عنهم فوجدهم نياما في كهفهم فأمر أن يبنى على باب الكهف بنيان ليحتبسوا فيموتوا جوعا وعطشا جزاء لعصيانهم فبقوا على هذه الحال حتى إذا أراد الله أن ينبههم بعث راعي غنم فخرب البنيان ليتخذ حظيرة لغنمه وعند ذلك بعثهم الله أيقاظا وكان من أمرهم ما قصه الله.

ومن ذلك ما في بعض الروايات أنه لما ظهر أمرهم أتاهم الملك ومعه الناس فدخل

__________________

(١) الدر المنثور وقد أورده ابن الأثير في الكامل.

٢٨٢

عليهم الكهف فكلمهم فبينا هو يكلمهم ويكلمونه إذ ودعوه وسلموا عليه وقضوا نحبهم ، وفي بعضها أنهم ماتوا أو ناموا قبل أن يدخل الملك عليهم وسد باب الكهف وغاب عن أبصارهم فلم يهتدوا للدخول فبنوا هناك مسجدا يصلون فيه.

ومن ذلك ما في بعض الروايات أنهم قبضت أرواحهم ، وفي بعضها أن الله أرقدهم ثانيا فهم نيام إلى يوم القيامة ، ويقلبهم كل عام مرتين من اليمين إلى الشمال وبالعكس.

ومن ذلك اختلاف الروايات في مدة لبثهم ففي أكثرها أن الثلاثمائة وتسع سنين المذكور في الآية قول الله تعالى ، وفي بعضها أنه محكي قول أهل الكتاب ، وقوله تعالى : « قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما لَبِثُوا » رد له ، وفي بعضها أن الثلاثمائة قوله سبحانه وزيادة التسع قول أهل الكتاب.

إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف بين الروايات ، وقد جمعت أكثرها من طرق أهل السنة في الدر المنثور ، ومن طرق الشيعة في البحار ، وتفسيري البرهان ، ونور ـ الثقلين ، من أراد الاطلاع عليها فليراجعها ، والذي يمكن أن تعد الروايات متفقة أو كالمتفقة عليه أنهم كانوا قوما موحدين هربوا من ملك جبار كان يجبر الناس على الشرك فأووا إلى الكهف فناموا إلى آخر ما قصه الله تعالى.

وفي تفسير العياشي ، عن سليمان بن جعفر الهمداني قال : قال لي جعفر بن محمد عليه‌السلام يا سليمان من الفتى؟ فقلت له؟ جعلت فداك الفتى عندنا الشاب. قال لي : أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا كلهم كهولا ـ فسماهم الله فتية بإيمانهم يا سليمان من آمن بالله واتقى فهو الفتى.

أقول : وروي ما في معناه في الكافي ، عن القمي مرفوعا عن الصادق عليه‌السلام ، وقد روي عن (١) ابن عباس أنهم كانوا شبانا.

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال : كان أصحاب الكهف صيارفة.

__________________

(١) الدر المنثور في قوله تعالى ، « نحن نقص عليك نبأهم » الآية.

٢٨٣

أقول : وروى القمي أيضا بإسناده عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان أصحاب الكهف صيارفة : لكن في تفسير العياشي ، عن درست عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه ذكر أصحاب الكهف ـ فقال : كانوا صيارفة كلام ولم يكونوا صيارفة دراهم.

وفي تفسير العياشي ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان ـ وأظهروا الكفر فآجرهم الله مرتين.

أقول : وروي في الكافي ، ما في معناه عن هشام بن سالم عنه عليه‌السلام وروى ما في معناه العياشي عن الكاهلي عنه عليه‌السلام وعن درست في خبرين عنه عليه‌السلام وفي أحد الخبرين : أنهم كانوا ليشدون الزنانير ويشهدون الأعياد.

ولا يرد عليه أن ظاهر قوله تعالى حكاية عنهم : « إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً » الآية أنهم كانوا لا يرون التقية كما احتمله المفسرون في تفسير قوله تعالى حكاية عنهم : « أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً » الآية وقد تقدم.

وذلك لأنك عرفت أن خروجهم من المدينة كان هجرة من دار الشرك التي كانت تحرمهم إظهار كلمة الحق والتدين بدين التوحيد غير أن تواطيهم على الخروج وهم ستة من المعاريف وأهل الشرف وإعراضهم عن الأهل والمال والوطن لم يكن لذلك عنوان إلا المخالفة لدين الوثنية فقد كانوا على خطر عظيم لو ظهر عليهم القوم ولم ينته أمرهم إلا إلى أحد أمرين الرجم أو الدخول في ملة القوم.

وبذلك يظهر أن قيامهم أول مرة وقولهم : « رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً » لم يكن بتظاهر منهم على المخالفة وتجاهر على ذم ملة القوم ورمي طريقتهم فما كانت الأوضاع العامة تجيز لهم ذلك ، وإنما كان ذلك منهم قياما لله وتصميما على الثبات على كلمة التوحيد ولو سلم دلالة قوله : « إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » على التظاهر ورفض التقية فقد كان في آخر أيام مكثهم بين القوم وكانوا قبل ذلك سائرين على التقية لا محالة ، فقد بان أن سياق شيء من الآيتين لا ينافي كون الفتية سائرين على التقية ما داموا بين القوم وفي المدينة.

٢٨٤

وفي تفسير العياشي ، أيضا عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خرج أصحاب الكهف على غير معرفة ولا ميعاد ـ فلما صاروا في الصحراء أخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق ـ فأخذ هذا على هذا وهذا على هذا ثم قالوا : أظهروا أمركم فأظهروه فإذا هم على أمر واحد.

أقول : وفي معناه ما عن ابن عباس في الخبر الآتي.

في الدر المنثور ، أخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم ـ فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف ـ الذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس : ليس ذلك لك قد منع الله ذلك عمن هو خير منك فقال : « لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً » فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فقال : اذهبوا فادخلوا الكهف فانظروا فذهبوا ـ فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم ـ فبلغ ذلك ابن عباس فأنشأ يحدث عنهم.

فقال : إنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة ـ فجعلوا يعبدون حتى عبدوا الأوثان وهؤلاء الفتية في المدينة ـ فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة ـ فجمعهم الله على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض : أين تريدون؟ أين تذهبون؟ فجعل بعضهم يخفي على بعض لأنه لا يدري هذا على ما خرج هذا ـ ولا يدري هذا فأخذوا العهود والمواثيق أن يخبر بعضهم بعضا ـ فإن اجتمعوا على شيء وإلا كتم بعضهم بعضا ـ فاجتمعوا على كلمة واحدة فقالوا : « رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ـ إلى قوله ـ مِرْفَقاً ».

قال : فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا؟ فرفع أمرهم إلى الملك فقال : ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن ، ناس خرجوا لا يدرى أين ذهبوا في غير خيانة ولا شيء يعرف؟ فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم ـ ثم طرح في خزانته فذلك قول الله : « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ » والرقيم هو اللوح الذي كتبوا ، فانطلقوا حتى دخلوا الكهف ـ فضرب الله على آذانهم فناموا ـ فلو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم ، ولو لا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض ، وذلك قول الله : « وَتَرَى الشَّمْسَ » الآية.

٢٨٥

قال : ثم إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر ـ فعبد الله وترك تلك الأوثان وعدل في الناس ـ فبعثهم الله لما يريد فقال قائل منهم : كم لبثتم؟ فقال بعضهم : يوما وقال بعضهم : يومين ـ وقال بعضهم : أكثر من ذلك فقال كبيرهم : لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم قط إلا هلكوا ـ فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة.

فرأى شارة (١) أنكرها ورأى بنيانا أنكره ـ ثم دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم ـ وكانت دراهمهم كخفاف الربع يعني ولد الناقة ـ فأنكر الخباز الدرهم فقال : من أين لك هذا الدرهم؟ لقد وجدت كنزا لتدلني عليه أو لأرفعنك إلى الأمير ـ فقال : أوتخوفني بالأمير؟ وأتى الدهقان الأمير قال : من أبوك؟ قال : فلان فلم يعرفه قال : فمن الملك؟ قال : فلان فلم يعرفه ـ فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال : علي باللوح فجيء به فسمى أصحابه فلانا وفلانا ـ وهم مكتوبون في اللوح فقال للناس : إن الله قد دلكم على إخوانكم.

وانطلقوا وركبوا حتى أتوا إلى الكهف ـ فلما دنوا من الكهف قال الفتى. مكانكم أنتم حتى أدخل أنا على أصحابي ، ولا تهجموا فيفزعون منكم ـ وهم لا يعلمون أن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا : لتخرجن علينا؟ قال : نعم إن شاء الله فدخل فلم يدروا أين ذهب؟ وعمي عليهم فطلبوا وحرضوا فلم يقدروا على الدخول عليهم ـ فقالوا : لنتخذن عليهم مسجدا ـ فاتخذوا عليهم مسجدا يصلون عليهم ويستغفرون لهم.

أقول : والرواية مشهورة أوردها المفسرون في تفاسيرهم وتلقوها بالقبول وهي بعد غير خالية عن أشياء منها أن ظاهرها أنهم بعد على هيئة النيام لا يمكن الاطلاع عليهم بصرف إلهي ، والكهف الذي في المضيق وهو كهف أفسوس المعروف اليوم ليس على هذا النعت.

والآية التي تمسك بها ابن عباس إنما تمثل حالهم وهم رقود قبل البعث لا بعده وقد وردت عن ابن عباس رواية أخرى تخالف هذه الرواية وهي ما في الدر المنثور ، عن عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عكرمة وقد ذكرت فيها القصة وفي آخرها : فركب

__________________

(١) الشارة الهيئة والزينة والمنظر واللباس.

٢٨٦

الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى الكهف فقال الفتى : دعوني أدخل إلى أصحابي فلما أبصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم فلما استبطئوه دخل الملك ودخل الناس معه فإذا أجساد لا يبلى منها شيء غير أنها لا أرواح فيها فقال الملك : هذه آية بعثها الله لكم.

فغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل : هذه عظام أهل الكهف فقال ابن عباس ذهبت عظامهم أكثر من ثلاثمائة سنة الحديث.

وتزيد هذه الرواية إشكالا أن قوله : ذهبت عظامهم « إلخ » يؤدي إلى وقوع القصة في أوائل التاريخ الميلاد أو قبله فتخالف حينئذ عامة الروايات إلا ما تقول إنهم كانوا قبل المسيح.

ومنها ما في قوله : « فقال بعضهم : يوما وقال بعضهم : يومين » إلخ والذي وقع في القرآن : « قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ » وهو المعقول الموافق للاعتبار من قوم ناموا ثم انتبهوا وتكلموا في مدة لبثهم أخذا بشواهد الحال وأما احتمال اليومين وأزيد فمما لا سبيل إليه ولا شاهد يشهد عليه عادة على أن اختلافهم في تشخيص مدة اللبث لم يكن من الاختلاف المذموم الذي هو اختلاف في العمل في شيء حتى يؤدي إلى الهلاك فينهى عنه وإنما هو اختلاف في النظر ولا مناص.

ومنها ما في آخرها أنه دخل فلم يدروا أين ذهب؟ وعمي عليهم « إلخ » كان المراد به ما في بعض الروايات أن باب الكهف غاب عن أنظارهم بأن مسحه الله وعفاه ، ولا يلائم ذلك ما في صدر الرواية أنه كان ظاهرا معروفا في تلك الديار فهل مسحه الله لذلك الملك وأصحابه ثم أظهره للناس؟.

وما في صدر الرواية من قول ابن عباس إن الرقيم لوح من رصاص مكتوب فيه أسماؤهم » روى ما في معناه العياشي في تفسيره ، عن أحمد بن علي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد روي في روايات أخرى عن ابن عباس إنكاره كما في الدر المنثور ، عن سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه وابن مردويه عن ابن عباس قال : لا أدري ما الرقيم وسألت كعبا فقال ـ اسم القرية التي خرجوا منها.

٢٨٧

وفيه ، أيضا عن عبد الرزاق عن ابن عباس قال : كل القرآن أعلمه إلا أربعا : غسلين (١) وحنانا وأواه ورقيم.

وفي تفسير القمي ، : في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قوله تعالى : « لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً » يعني جورا على الله إن قلنا له شريك.

وفي تفسير العياشي ، عن محمد بن سنان عن البطيخي عن أبي جعفر عليه‌السلام : في قول الله : « لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً » قال : إن ذلك لم يعن به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما عني به المؤمنون بعضهم لبعض ـ لكنه حالهم التي هم عليها.

وفي تفسير روح المعاني ، أسماؤهم على ما صح عن ابن عباس : مكسلمينا ويمليخا ومرطولس وثبيونس ودردونس ـ وكفاشيطيطوس ومنطنواسيس ـ وهو الراعي والكلب اسمه قطمير.

قال : وروي عن علي كرم الله وجهه : إن أسماءهم : يمليخا ومكسلينيا ومسلينيا وهؤلاء أصحاب يمين الملك ، ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش ، وهؤلاء أصحاب يساره ، وكان يستشير الستة والسابع الراعي

ولم يذكر في هذه الرواية اسمه وذكر فيها أن اسم كلبهم قطمير.

قال : وفي صحة نسبة هذه الرواية لعلي كرم الله وجه مقال وذكر العلامة السيوطي في حواشي البيضاوي ، أن الطبراني روى ذلك عن ابن عباس في معجمه الأوسط ، بإسناد صحيح ، والذي في الدر المنثور ، رواية الطبراني في الأوسط بإسناد صحيح ما قدمناه عن ابن عباس.

قال : وقد سموا في بعض الروايات بغير هذه الأسماء ، وذكر الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ، أن في النطق بأسمائهم اختلافا كثيرا ولا يقع الوثوق من ضبطها ، وفي البحر ، أن أسماء أصحاب الكهف أعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط والسند في معرفتها ضعيف انتهى كلامه (٢).

__________________

(١) اختلاف إعراب الكلمات من جهة حكاية لفظ القرآن.

(٢) الروايات في قصة أصحاب الكهف ـ على ما لخصه بعض علماء الغرب ـ أربع وهي

٢٨٨

الرواية التي نسبها إلى علي عليه‌السلام هي التي رواها الثعلبي في العرائس ، والديلمي في كتابه مرفوعة وفيها أعاجيب.

__________________

مشتركة في أصل القصة مختلفة في خصوصياتها :

١ ـ الرواية السريانية وأقدم ما يوجد منها ما ذكره JrmesofSarug المتوفى سنة ٥٢١ م ).

٢ ـ الرواية اليونانية وتنتهي إلى القرن العاشر الميلادي عن Syrncon Metaphrastos ٣ ـ الرواية اللاتينية وهي مأخوذة من السريانية عن Gregoryoftours ٤ ـ الرواية الإسلامية وتنتهي إلى السريانية.

وهناك روايات واردة في المتون القبطية والحبشية والأرمنية وتنتهي جميعا إلى السريانية ، وأسماء أصحاب الكهف في الروايات الإسلامية مأخوذة من روايات غيرهم. وقد ذكرGregory أن بعض هذه الأسماء كانت أسماءهم قبل التنصر والتعميد.

وهذه أساميهم باليونانية والسريانية :

مكس منيانوس Maximihanos ـ ١

اميلخوس ـ مليخاIamblichos ـ ٢

مرتيانوس ـ مرطلوس ـ مرطولس Martinos ـ ( Martelos ) ـ ٣

ذوانيوس ـ دوانيوس ـ دنياسيوس Dionysios ـ ٤

ينيوس ـ يوانيس ـ نواسيس Joannes ـ ٥

اكساكدثودنيانوس ـ كسقسططيونس ـ اكسقوسطط كشنوططExakoustodianos ـ ٦

انطوس ( افطونس ) ـ اندونيوس ـ انطينوس Antonios ـ ٧

قطمير وأسماؤهم باللاتينية : Koimeterion

مكس ميانوس Maximianus ـ ١

امليخوس Malchus ـ ٢

مرتيانوس Dicnysius ـ ٤

ذيووانيوس Johannes ـ ٥

ينيوس Constantinus ـ ٦

قسطنطيوس Martinianus ـ ٣

ساريبوس ـ ساريبون Serapion ـ ٧

وذكرGregory أن أسماءهم قبل التنصر هي :

ارشليدس ـ ارخليدس Achilles ـ ١

ديوماديوس Diomedes ـ ٢

اوخانيوس Eugenius ـ ٣

استفانوس ـ اساطونس Stephanus ـ ٤

ابروفاديوس probatius ـ ٥

صامنديوس Sabbatius ـ ٦

كيوياكوس Dyriakos ـ ٧

ويرى بعضهم أن الأسماء العربية مأخوذة عن القبطية المأخوذة عن السريانية.

٢٨٩

وفي الدر المنثور ، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أصحاب الكهف أعوان المهدي.

وفي البرهان ، عن ابن الفارسي قال الصادق عليه‌السلام : يخرج للقائم عليه‌السلام من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا من قوم موسى ـ الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكهف ـ ويوشع بن نون ، وأبو دجانة الأنصاري ، ومقداد بن الأسود ومالك الأشتر ـ فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما.

وفي تفسير العياشي ، عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : إذا حلف رجل بالله فله ثنياها إلى أربعين يوما ـ وذلك أن قوما من اليهود سألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن شيء فقال : ائتوني غدا ـ ولم يستثن ـ حتى أخبركم ـ فاحتبس عنه جبرئيل أربعين يوما ثم أتاه وقال : « وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ـ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ ».

أقول : الثنيا بالضم فالسكون مقصورا اسم الاستثناء وفي هذا المعنى روايات أخر عن الصادقين عليه‌السلام والظاهر من بعضها أن المراد بالحلف بت الكلام وتأكيده كما يلوح إليه استشهاده عليه‌السلام في هذه الرواية بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأما البحث في تقييد اليمين به بعد انعقاده ووقوع الحنث معه وعدمه فموكول إلى الفقه.

« كلام حول قصة أصحاب الكهف في فصول »

١ ـ وردت قصة الكهف مفصلة كاملة في عدة روايات عن الصحابة والتابعين وأئمة أهل البيت عليه‌السلام كرواية القمي ورواية ابن عباس ورواية عكرمة ورواية مجاهد وقد أوردها في الدر المنثور ، ورواية ابن إسحاق في العرائس ، وقد أوردها في البرهان ، ورواية وهب بن منبه وقد أوردها في الدر المنثور ، وفي الكامل ، من غير نسبة ورواية النعمان بن بشير في أصحاب الرقيم وقد أوردها في الدر المنثور ،.

وهذه الروايات ـ وقد أوردنا في البحث الروائي السابق بعضها وأشرنا إلى بعضها

٢٩٠

الآخر ـ من الاختلاف في متونها بحيث لا تكاد تتفق في جهة بارزة من جهات القصة ، وأما الروايات الواردة في بعض جهات القصة كالمتعرضة لزمان قيامهم والملك الذي قاموا في عهده ونسبهم وسمتهم وأسمائهم ووجه تسميتهم بأصحاب الرقيم إلى غير ذلك من جزئيات القصة فالاختلاف فيها أشد والحصول فيها على ما تطمئن إليه النفس أصعب.

والسبب العمدة في اختلاف هذه الأحاديث مضافا إلى ما تطرق إلى أمثال هذه الروايات من الوضع والدس أمران.

أحدهما : أن القصة مما اعتنت به أهل الكتاب كما يستفاد من رواياتها أن قريشا تلقتها عنهم وسألوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها بل يستفاد من التماثيل وقد ذكرها أهل التاريخ عن النصارى ومن الصور الموجودة في كهوف شتى في بقاع الأرض المختلفة من آسيا وأوربا وإفريقيا أن القصة اكتسبت بعد شهرة عالمية ، ومن شأن القصص التي كذلك أن تتجلى لكل قوم في صورة تلائم ما عندهم من الآراء والعقائد وتختلف رواياتها.

ثم إن المسلمين بالغوا في أخذ الرواية وضبطها وتوسعوا فيه وأخذوا ما عند غيرهم كما أخذوا ما عند أنفسهم وخاصة وقد اختلط بهم قوم من علماء أهل الكتاب دخلوا في الإسلام كوهب بن منبه وكعب الأحبار وأخذ عنهم الصحابة والتابعون كثيرا من أخبار السابقين ثم أخذ الخلف عن السلف وعاملوا مع رواياتهم معاملة الأخبار الموقوفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكانت بلوى.

وثانيهما : أن دأب كلامه تعالى فيما يورده من القصص أن يقتصر على مختارات من نكاتها المهمة المؤثرة في إيفاء الغرض من غير أن يبسط القول بذكر متنها بالاستيفاء والتعرض لجميع جهاتها والأوضاع والأحوال المقارنة لها فما كتاب الله بكتاب تاريخ وإنما هو كتاب هدى.

وهذا من أوضح ما يعثر عليه المتدبر في القصص المذكورة في كلامه تعالى كالذي ورد فيه من قصة أصحاب الكهف والرقيم فقد أورد أولا شطرا من محاورتهم يشير إلى معنى قيامهم لله وثباتهم على كلمة الحق واعتزالهم الناس إثر ذلك ودخولهم الكهف ورقودهم فيه وكلبهم معهم دهرا طويلا ثم يذكر بعثهم من الرقدة ومحاورة ثانية لهم هي المؤدية

٢٩١

إلى انكشاف حالهم وظهور أمرهم للناس. ثم يذكر إعثار الناس عليهم بما يشير إلى توفيهم ثانيا بعد حصول الغرض الإلهي وما صنع بعد ذلك من اتخاذ مسجد عليهم هذا هو الذي جرى عليه كلامه تعالى.

وقد أضرب عن ذكر أسمائهم وأنسابهم وموالدهم وكيفية نشأتهم وما اتخذوه لأنفسهم من المشاغل وموقعهم من مجتمعهم وزمان قيامهم واعتزالهم واسم الملك الذي هربوا منه والمدينة التي خرجوا منها والقوم الذين كانوا فيهم واسم الكلب الذي لازمهم وهل كان كلب صيد لهم أو كلب غنم للراعي؟ وما لونه؟ ـ وقد أمعن فيه الروايات ـ إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتوقف غرض الهداية على العلم بشيء منها كما يتوقف عليه غرض البحث التاريخي.

ثم إن المفسرين من السلف لما أخذوا في البحث عن آيات القصص راموا بيان اتصال الآيات بضم المتروك من أطراف القصص إلى المختار المأخوذ منها لتصاغ بذلك قصة كاملة الأجزاء مستوفاة الأطراف فأدى اختلاف أنظارهم إلى اختلاف يشابه اختلاف النقل فآل الأمر إلى ما نشاهده.

٢ ـ قصة أصحاب الكهف في القرآن : وقد قال تعالى مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً » كانت أصحاب الكهف والرقيم فتية نشئوا في مجتمع مشرك لا يرى إلا عبادة الأوثان فتسرب في المجتمع دين التوحيد فآمن بالله قوم منهم فأنكروا عليهم ذلك وقابلوهم بالتشديد والتضييق والفتنة والعذاب ، وأجبروهم على عبادة الأوثان ورفض دين التوحيد فمن عاد إلى ملتهم تركوه ومن أصر على المخالفة قتلوه شر قتلة.

وكانت الفتية ممن آمن بالله إيمانا على بصيرة فزادهم الله هدى على هداهم وأفاض عليهم المعرفة والحكمة وكشف بما آتاهم من النور عما يهمهم من الأمر وربط على قلوبهم فلم يخشوا إلا الله ولا أوحشهم ما يستقبلهم من الحوادث والمكاره فعلموا أنهم لو أداموا المكث في مجتمعهم الجاهل المتحكم لم يسعهم دون أن يسيروا بسيرتهم فلا يتفوهوا بكلمة الحق ولا يتشرعوا بشريعة الحق وعلموا أن سبيلهم أن يقوموا على التوحيد ورفض الشرك ثم اعتزال القوم ، وعلموا أن لو اعتزلوهم ودخلوا الكهف أنجاهم الله مما هم فيه من البلاء.

٢٩٢

فقاموا وقالوا ردا على القوم في اقتراحهم وتحكمهم : ( رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ).

ثم قالوا : ( وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً ).

ثم دخلوا الكهف واستقروا على فجوة منه وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فدعوا ربهم بما تفرسوا من قبل أنه سيفعل بهم ذلك فقالوا : ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضرب الله على آذانهم في الكهف سنين ولبثوا في كهفهم ـ وكلبهم معهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ويقلبهم الله ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا.

ثم إن الله بعثهم بعد هذا الدهر الطويل وهو ثلاثمائة وتسع سنين من يوم دخلوا الكهف ليريهم كيف نجاهم من قومهم فاستيقظوا جميعا ووجدوا أن الشمس تغير موقعها وفيهم شيء من لوثة نومهم الثقيل قال قائل منهم : كم لبثتم؟ قال قوم منهم : لبثنا يوما أو بعض يوم لما وجدوا من تغير موقع الشعاع وترددوا هل مرت عليهم ليلة أو لا؟

وقال آخرون منهم : بل ربكم أعلم بما لبثتم ثم قال : فابعثوا بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه فإنكم جياع وليتلطف الذاهب منكم إلى المدينة في مسيره إليها وشرائه الطعام ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن علموا بمكانكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا.

وهذا أوان أن يعثر الله سبحانه الناس عليهم فإن القوم الذين اعتزلوهم وفارقوهم يوم دخلوا الكهف قد انقرضوا وذهب الله بهم وبملكهم وملتهم وجاء بقوم آخرين الغلبة فيهم لأهل التوحيد والسلطان وقد اختلفوا أعني أهل التوحيد وغيرهم في أمر المعاد فأراد الله سبحانه أن يظهر لهم آية في ذلك فأعثرهم على أصحاب الكهف.

٢٩٣

فخرج المبعوث من الفتية وأتى المدينة وهو يظن أنها التي فارقها البارحة لكنه وجد المدينة قد تغيرت بما لا يعهد مثله في يوم ولا في عمر والناس غير الناس والأوضاع والأحوال غير ما كان يشاهده بالأمس فلم يزل على حيرة من الأمر حتى أراد أن يشتري طعاما بما عنده من الورق وهي يومئذ من الورق الرائجة قبل ثلاثة قرون فأخذت المشاجرة فيها ولم تلبث دون أن كشفت عن أمر عجيب وهو أن الفتى ممن كانوا يعيشون هناك قبل ذلك بثلاثة قرون ، وهو أحد الفتية كانوا في مجتمع مشرك ظالم فهجروا الوطن واعتزلوا الناس صونا لإيمانهم ودخلوا الكهف فأنامهم الله هذا الدهر الطويل ثم بعثهم ، وها هم الآن في الكهف في انتظار هذا الذي بعثوه إلى المدينة ليشتري لهم طعاما يتغذون به.

فشاع الخبر في المدينة لساعته واجتمع جم غفير من أهلها فساروا إلى الكهف ومعهم الفتى المبعوث من أصحاب الكهف فشاهدوا ما فيه تصديق الفتى فيما أخبرهم من نبإ رفقته وظهرت لهم الآية الإلهية في أمر المعاد.

ولم يلبث أصحاب الكهف بعد بعثهم كثيرا دون أن توفاهم الله سبحانه وعند ذلك اختلف المجتمعون على باب الكهف من أهل المدينة ثانيا فقال المشركون منهم : ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم وهم الموحدون لنتخذن عليهم مسجدا.

٣ ـ القصة عند غير المسلمين : معظم أهل الرواية والتاريخ على أن القصة وقعت في الفترة بين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين المسيح عليه‌السلام ولذلك لم يرد ذكرها في كتب العهدين ولم يعتوره اليهود وإن اشتملت عدة من الروايات على أن قريشا تلقت القصة من اليهود ، وإنما اهتم بها النصارى واعتوروها قديما وحديثا ، وما نقل عنهم في القصة قريب مما أورده ابن إسحاق في العرائس ، عن ابن عباس غير أنهم يختلف رواياتهم عن روايات المسلمين في أمور :.

أحدها : أن المصادر السريانية تذكر عدد أصحاب الكهف ثمانية في حين يذكره المسلمون وكذا المصادر اليونانية والغربية سبعة.

ثانيها : أن قصتهم خالية من ذكر كلب أصحاب الكهف.

٢٩٤

ثالثها : أنهم ذكروا أن مدة لبث أصحاب الكهف فيه مائتا سنة أو أقل والمسلمون يذكر معظمهم أنه ثلاثمائة وتسع سنين على ما هو ظاهر القرآن الكريم والسبب في تحديدهم ذلك أنهم ذكروا أن الطاغية الذي كان يجبر الناس على عبادة الأصنام وقد هرب منه الفتية هو دقيوس الملك ٤٤٩ ـ ٤٥١ وقد استيقظ أهل الكهف على ما ذكروا سنة ٤٣٥ م أو سنة ٤٣٧ أو سنة ٤٣٩ م فلا يبقى للبثهم في الكهف إلا مائتا سنة أو أقل وأول من ذكره من مؤرخهم على ما يذكر هو « جيمس » الساروغي السرياني الذي ولد سنة ٤٥١ م ومات سنة ٥٢١ م ثم أخذ عنه الآخرون وللكلام تتمة ستوافيك.

٤ ـ أين كهف أصحاب الكهف؟ عثر في مختلف بقاع الأرض على عدة من الكهوف والغيران وعلى جدرانها تماثيل رجال ثلاثة أو خمسة أو سبعة ومعهم كلب وفي بعضها بين أيديهم قربان يقربونه ، ويتمثل عند الإنسان المطلع عليها قصص أصحاب الكهف ويقرب من الظن أن هذه النقوش والتماثيل إشارة إلى قصة الفتية وأنها انتشرت وذاعت بعد وقوعها في الأقطار فأخذت ذكرى يتذكر بها الرهبان والمتجردون للعبادة في هذه الكهوف.

وأما الكهف الذي التجأ إليه واستخفى فيه أهل الكهف فجرى عليهم ما جرى فالناس فيه في اختلاف وقد ادعي ذلك في عدة مواضع.

أحدها : كهف أفسوس وأفسوس (١) هذا مدينة خربة أثرية واقعة في تركيا على مسافة ٧٣ كيلو مترا من بلدة إزمير ، والكهف على مساحة كيلو متر واحد أو أقل من أفسوس بقرب قرية « اياصولوك » بسفح جبل « ينايرداغ ».

وهو كهف وسيع فيه ـ على ما يقال ـ مات من القبور مبنية من الطوب وهو في سفح الجبل وبابه متجه نحو الجهة الشمالية الشرقية وليس عنده أثر من مسجد أو صومعة أو كنيسة ، وهذا الكهف هو الأعرف عند النصارى ، وقد ورد ذكره في عدة من روايات المسلمين.

وهذا الكهف على الرغم من شهرته البالغة ـ لا ينطبق عليه ما ورد في الكتاب

__________________

(١) بكسر الهمزة والفاء وقد ضبطه في مراصد الاطلاع بالضم فالسكون ولعله سهو.

٢٩٥

العزيز من المشخصات.

أما أولا : فقد قال تعالى : « وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ » وهو صريح في أن الشمس يقع شعاعها عند الطلوع على جهة اليمين من الكهف وعند الغروب على الجانب الشمالي منه ، ويلزمه أن يواجه باب الكهف جهة الجنوب ، وباب الكهف الذي في أفسوس متجه نحو الشمال الشرقي.

وهذا الأمر أعني كون باب كهف أفسوس متجها نحو الشمال وما ورد من مشخص إصابة الشمس منه طلوعا وغروبا هو الذي دعا المفسرين إلى أن يعتبروا يمين الكهف ويساره بالنسبة إلى الداخل فيه لا الخارج منه مع أنه المعروف المعمول ـ كما تقدم في تفسير الآية ـ قال البيضاوي في تفسيره ، : إن باب الكهف في مقابلة بنات النعش ، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأيمن وهو الذي يلي المغرب ، وتغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبه ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم. انتهى ونحو منه ما ذكره غيره.

على أن مقابلة الباب للشمال الشرقي لا للقطب الشمالي وبنات النعش كما ذكروه تستلزم عدم انطباق الوصف حتى على الاعتبار الذي اعتبروه فإن شعاع الشمس حينئذ يقع على الجانب الغربي الذي يلي الباب عند طلوعها وأما عند الغروب فالباب وما حوله مغمور تحت الظل وقد زال الشعاع بعيد زوال الشمس وانبسط الظل.

اللهم إلا أن يدعى أن المراد بقوله : « وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ » عدم وقوع الشعاع أو وقوعه خلفهم لا على يسارهم هذا.

وأما ثانيا : فلأن قوله تعالى : « وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ » أي في مرتفع منه ولا فجوة في كهف أفسوس ـ على ما يقال ـ وهذا مبني على كون الفجوة بمعنى المرتفع وهو غير مسلم وقد تقدم أنها بمعنى الساحة.

وأما ثالثا : فلأن قوله تعالى : « قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً » ظاهر في أنهم بنوا على الكهف مسجدا ، ولا أثر عند كهف أفسوس من مسجد أو

٢٩٦

صومعة أو نحوهما وأقرب ما هناك كنيسة على مسافة ثلاث كيلومترات تقريبا ولا جهة تربطها بالكهف أصلا.

على أنه ليس هناك شيء من رقيم أو كتابة أو أمر آخر يشهد ولو بعض الشهادة على كون بعض هاتيك القبور وهي مآت هي قبور أصحاب الكهف أو أنهم لبثوا هناك صفة من الدهر راقدين ثم بعثهم الله ثم توفاهم.

الكهف الثاني : كهف رجيب وهذا الكهف واقع على مسافة ثمانية كيلومترات من مدينة عمان عاصمة الأردن بالقرب من قرية تسمى رجيب والكهف في جبل محفورا على الصخرة في السفح الجنوبي منه ، وأطرافه من الجانبين الشرقي والغربي مفتوحة يقع عليه شعاع الشمس منها ، وباب الكهف يقابل جهة الجنوب وفي داخل الكهف صفة صغيرة تقرب من ثلاثة أمتار في مترين ونصف على جانب من سطح الكهف المعادل لثلاثة في ثلاثة تقريبا وفي الغار عدة قبور على هيئة النواويس البيزنطية كأنها ثمانية أو سبعة.

وعلى الجدران نقوش وخطوط باليوناني القديم والثمودي منمحية لا تقرأ وأيضا صورة كلب مصبوغة بالحمرة وزخارف وتزويقات أخرى.

وفوق الغار آثار صومعة بيزنطية تدل النقود والآثار الأخرى المكتشفة فيها على كونها مبنية في زمان الملك جوستينوس الأول ٤١٨ ٤٢٧ وآثار أخرى على أن الصومعة بدلت ثانيا بعد استيلاء المسلمين على الأرض مسجدا إسلاميا مشتملا على المحراب والمأذنة والميضاة ، وفي الساحة المقابلة لباب الكهف آثار مسجد آخر بناه المسلمون في صدر الإسلام ثم عمروها وشيدوها مرة بعد مرة ، وهو مبني على إنقاض كنيسة بيزنطية كما أن المسجد الذي فوق الكهف كذلك.

وكان هذا الكهف ـ على الرغم من اهتمام الناس بشأنه وعنايتهم بأمره كما يكشف عنه الآثار ـ متروكا منسيا وبمرور الزمان خربة وردما متهدما حتى اهتمت دائرة الآثار الأردنية أخيرا (١) بالحفر والتنقيب فيه فاكتشفته فظهر ثانيا بعد خفائه قرونا ،

__________________

(١) وقد وقع هذا الحفر والاكتشاف سنة ١٩٦٣ م المطابقة ١٣٤٢ ه‍ ش وألف في ذلك متصديه

٢٩٧

وقامت عدة من الأمارات والشواهد الأثرية على كونه هو كهف أصحاب الكهف المذكورين في القرآن.

__________________

الأثري الفاضل « رفيق وفا الدجاني » كتابا سماه « اكتشاف كهف أهل الكهف » نشره سنة ١٩٦٤ م يفصل القول فيه في مساعي الدائرة وما عاناه في البحث والتنقيب ، ويصف فيه خصوصيات حصل عليها في هذا الكهف ، والآثار التي اكتشفت مما يؤيد كون هذا الكهف هو كهف أصحاب الكهف الذي ورد ذكره في الكتاب العزيز ، ويذكر انطباق الأمارات المذكورة فيه وسائر العلائم التي وجدت هناك على هذا الكهف دون كهف أفسوس والذي في دمشق أو البتراء أو إسكاندنافية.

وقد استقرب فيه أن الطاغية الذي هرب منه أصحاب الكهف فدخلوا الكهف هو « طراجان الملك ٩٨ ـ ١١٧ م » لادقيوس الملك ٢٤٩ ـ ٢٥١ م الذي ذكره المسيحيون وبعض المسلمين ولا دقيانوس الملك ٢٨٥ ـ ٣٠٥ الذي ذكره بعض أخر من المسلمين في رواياتهم.

واستدل عليه بأن الملك الصالح الذي بعث الله أصحاب الكهف في زمانه هو « ثئودوسيوس » الملك ٤٠٨ ـ ٤٥٠ بإجماع مؤرخي المسيحيين والمسلمين وإذا طرحنا زمان الفترة الذي ذكره القرآن لنوم أهل الكهف وهي ٣٠٩ سنين من متوسط حكم هذا الملك الصالح وهو ٤٢١ بقي ١١٢ سنة وصادف زمان حكم طراجان الملك وقد أصدر طراجان في هذه السنة مرسوما يقضي أن كل عيسوي يرفض عبادة الآلهة يحاكم كخائن للدولة ويعرض للموت.

وبهذا الوجه يندفع اعتراض بعض مؤرخي المسيحيين كجيبون في كتاب « انحطاط وسقوط الإمبراطورية الرومية » على زمان لبث الفتية ٣٠٩ سنين المذكورة في القرآن بأنه لا يوافق ما ضبطه وأثبته التاريخ أنهم بعثوا في زمن حكم الملك الصالح ثئودوسيوس ٤٠٨ ـ ٤٥١ م وقد دخلوا الكهف في زمن حكم دقيوس ٢٤٩ ـ ٢٥١ م والفصل بين الحكمين مائتا سنة أو أقل وهذا منه شكر الله سعيه استدلال وجيه بيد أنه يتوجه عليه أمور :

منها : طرحه ٣٠٩ سنين المذكورة في القرآن وهي سنون قمرية على الظاهر وكان ينبغي أن يعتبرها ٣٠٠ سنة لتكون شمسية فيطرحها من ٤٣٠ متوسط سني حكم الملك الصالح.

ومنها : أنه ذكر إجماع المؤرخين من المسلمين والمسيحيين على ظهور أمر الفتية في زمن حكم ثئودوسيوس ولا إجماع هناك مع سكوت أكثر رواياتهم عن تسمية هذا الملك الصالح ولم يذكره باسمه إلا قليل منهم ولعلهم أخذوا ذلك من مؤرخي المسيحيين ولعل ذلك حدس منهم عما ينسب إلى جيمس الساروغي ٤٥٢ ـ ٥٢١ م أنه ذكر القصة في كتاب له ألفه سنة٤٧٤ فطبقوا الملك على ثئودوسيوس على أن مثل هذا الإجماع إجماعهم المركب على أن طاغيتهم إما دقيوس أو دقيانوس فإنه ينفي على أي حال كونه هو «طراجان».

ومنها : أنه ذكر أن الصومعة التي على الكهف تدل البينات الأثرية على كونها مبنية في زمن جستينوس الأول ٥١٨ ـ ٥٢٧ م ولازم ذلك أن يكون بناؤها بعد مائة سنة تقريبا من ظهور أمر الفتية ، وظاهر الكتاب العزيز أن بناءها مقارن لزمان إعثار الناس عليهم ، وعلى هذا ينبغي أن يعتقد أن بناءها بناء مجدد ما هو بالبناء الأولي عند ظهور أمرهم.

وبعد هذا كله فالمشخصات التي وردت في القرآن الكريم للكهف أوضح انطباقا على كهف الرجيب من غيره.

٢٩٨

وقد ورد كون كهف أصحاب الكهف بعمان في بعض روايات المسلمين كما أشرنا إليه فيما تقدم وذكره الياقوت في معجم البلدان وأن الرقيم اسم قرية بالقرب من عمان كان فيها قصر ليزيد بن عبد الملك وقصر آخر في قرية أخرى قريبة منها تسمى الموقر وإليهما يشير الشاعر بقوله :

يزرن على تنانيه يزيدا

بأكناف الموقر والرقيم

وبلدة عمان أيضا مبنية في موضع مدينة « فيلادلفيا » التي كانت من أشهر مدن عصرها وأجملها قبل ظهور الدعوة الإسلامية وكانت هي وما والاها تحت استيلاء الروم منذ أوائل القرن الثاني الميلاد حتى فتح المسلمون الأرض المقدسة.

والحق أن مشخصات كهف أهل الكهف أوضح انطباقا على هذا الكهف من غيره.

والكهف الثالث : كهف بجبل قاسيون بالقرب من الصالحية بدمشق الشام ينسب إلى أصحاب الكهف.

والكهف الرابع : كهف بالبتراء من بلاد فلسطين ينسبونه إلى أصحاب الكهف.

والكهف الخامس : كهف اكتشف ـ على ما قيل ـ في شبه جزيرة إسكاندنافية من الأوربة الشمالية عثروا فيه على سبع جثث غير بالية على هيئة الرومانيين يظن أنهم الفتية أصحاب الكهف.

وربما يذكر بعض كهوف أخر منسوب إلى أصحاب الكهف كما يذكر أن بالقرب من بلدة نخجوان من بلاد قفقاز كهفا يعتقد أهل تلك النواحي أنه كهف أصحاب الكهف وكان الناس يقصدونه ويزورونه.

ولا شاهد يشهد على كون شيء من هذه الكهوف هو الكهف المذكور في القرآن الكريم. على أن المصادر التاريخية تكذب الأخيرين إذ القصة على أي حال قصة رومانية ، وسلطتهم حتى في أيام مجدهم وسؤددهم لم تبلغ هذه النواحي نواحي أوربة الشمالية وقفقاز.

٢٩٩

وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٧) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (٢٨) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (٣٠) أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (٣١)

بيان

رجوع وانعطاف على ما انتهى إليه الكلام قبل القصة من بلوغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حزنا وأسفا على عدم إيمانهم بالكتاب النازل عليه وردهم دعوته الحقة ثم تسليته بأن الدار دار البلاء والامتحان وما عليها زينة لها سيجعله الله صعيدا جرزا فليس ينبغي له صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتحرج لأجلهم إن لم يستجيبوا دعوته ولم يؤمنوا بكتابه.

بل الذي عليه أن يصبر نفسه مع أولئك الفقراء من المؤمنين الذين لا يزالون يدعون ربهم ولا يلتفت إلى هؤلاء الكفار المترفين الذين يباهون بما عندهم من زينة الحياة الدنيا

٣٠٠