قاعدة (١) ـ ٢٢٠
يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجماعا ، وهل هما عقليان ، أو سمعيان ، وعلى الكفاية ، أو على الأعيان؟
قولان : أقربهما أولهما ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، أو ليوشكن أن يبعث الله عقابا منه ، ثمَّ تدعونه فلا يستجاب لكم) (٢) وروى الأصحاب قريبا من معناه (٣).
ومن شروطهما (٤) :
أن لا يؤدي الإنكار إلى مفسدة ، كارتكاب منكر أعظم منه ، مثل أن ينهاه عن شرب الخمر ، فيتوثب للقتل ونحوه.
والعلم بوجه الفعل في نفسه.
وبأن هذا الفعل موصوف بالوجه ، فلا إنكار فيما اختلف فيه العلماء اختلافا ظاهرا ، إلا أن يكون المتلبس يعتقد تحريم ما فعل ، أو وجوب
__________________
(١) في (ح) : فائدة.
(٢) أورده بهذا اللفظ القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٥. ورواه الترمذي بلفظ (أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ...). صحيح الترمذي : ٤ ـ ٤٦٨ ، باب ٩ من كتاب الفتن ، حديث : ٢١٦٩.
(٣) انظر : الطبرسي ـ مشكاة الأنوار : ٤٨ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١١ ـ ٣٦٤ ، باب ١ من أبواب الأمر بالمعروف ، حديث : ٤ ، وص ٤٠٧ ، باب ٣ من أبواب الأمر بالمعروف ، حديث : ١٢.
(٤) انظر هذه الشروط في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٥ ـ ٢٥٦.
ما ترك ، والمنكر موافق له في اعتقاده :
واختلال هذه الشروط يحرّم النهي والأمر ، إلا بالقلب ، فيما إذا علم كونه منكرا.
ويشترط : أن يجوّز التأثير ولو مع تساوي الاحتمالين ، ولا يشترط العلم ، ولا غلبة الظن. أما لو علم عدم التأثير ، أو غلب ظنه عليه ، فإنه يسقط الوجوب ، لا الجواز والاستحباب (١).
وأن يأمن على نفسه وماله ومن يجري مجراه. وهذا يمكن دخوله في اشترط الأول. وهو يسقط الجواز أيضا ، إلا أن يكون المأخوذ منه مالا له (٢) ، فيجوز تحمل الأمر ، والسماحة به.
قاعدة (٣) ـ ٢٢١
مراتب الإنكار ثلاث ، تتعاكس في الابتداء :
فبالنظر إلى القدرة والعجز : اليد ، فإن عجز فباللسان ، فإن عجز فبالقلب. وبالنظر إلى التأثير ، يقتصر على القلب ، والمقاطعة ، وتغيير التعظيم ، فإن لم ينجع فالقول ، مقتصرا على الأيسر ، فالأيسر ، قال الله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٤) وقال تعالى : (وَلا
__________________
(١) ذكر هذا الشرط أيضا : ابن عبد السلام في ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ١٢٨ ـ ١٢٩.
(٢) زيادة من (م).
(٣) في (ح) و (م) : فائدة.
(٤) طه : ٤٤.
تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).
ثمَّ بالقلب ، وأضعف الإنكار القلبي ، لقوله عليهالسلام : (من رأي منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وليس وراء ذلك شيء من الإيمان) (٢) ويروى : (وذلك أضعف الإيمان) (٣).
والمراد بالايمان هنا : الأفعال ، ومنه قوله صلىاللهعليهوآله : (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) (٤) ، وهذه التجزئة إنما تصح في الأفعال.
وأقوى الإيمان (الفعلي : اليد ، ثمَّ اللسان ، ثمَّ القلب) (٥) ، لأن اليد تستلزم إزالة المفسدة على الفور ، ثمَّ القول ، لأنه قد تقع معه الإزالة ، ثمَّ القلب ، لأنه لا يؤثر. وإذا لحظ عدم تأثيره في الإزالة ، فكأنه لم يأت إلا بهذا النوع الضعيف من الإيمان.
__________________
(١) العنكبوت : ٤٦.
(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٦.
(٣) انظر : صحيح الترمذي : ٤ ـ ٤٦٩ ، باب ١١ من كتاب الفتن ، حديث : ٢١٧٢ ، وصحيح مسلم : ١ ـ ٦٩ ، باب ٢٠ من كتاب الإيمان ، حديث : ٧٨ ، ومسند أحمد : ٣ ـ ٢٠.
(٤) أورده بهذا اللفظ القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٦. ورواه مسلم باختلاف بسيط. انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ٦٣ ، باب ١٢ من كتاب الإيمان ، حديث : ٥٨.
(٥) في (ح) : الفعل باليد ، ثمَّ باللسان ، ثمَّ بالقلب. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ٢٥٦.
وقد سمى الله الصلاة إيمانا بقوله (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس.
فروع (٢) :
(الأول) : لا يشترط في المأمور والمنهي أن يكون عالما بالمعصية ، فينكر على المتلبس بالمعصية بصورة تعريفه أنها معصية ونهيه عنها وكذا المتناول للمعصية ، فإنه ينكر عليه ، كالبغاة ، لأن المعتبر ملابسته المفسدة واجبة الدفع ، أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول ، كنهي الأنبياء عليهمالسلام عن ذلك في أول البعثة ، وقد كان المتلبسون غير عالمين بذلك. ولأن الصبيان (٣) والمجانين يؤدبون ولا معصية ، وربما أدى الأدب إلى القتل ، كما في صورة صولهم على دم أو بضع لا يندفعون عنه إلا بالقتل.
ومن هذا الباب : لو سمع العدل أو الفاسق عفو الموكل عن القصاص ، وأخبر الوكيل بعفوه ، فلم يقبل منه ، فللشاهد الإنكار والدفع لهذا الوكيل عن القصاص ما أمكن به. ولو أدى إلى قتله فإشكال (٤).
وكذا لو وجد أمته بيد رجل زعم أنه اشتراها من وكيله ، فأراد
__________________
(١) البقرة : ١٤٣.
(٢) انظر هذه الفروع في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٦ ـ ٢٥٨.
(٣) في (ح) و (م) و (أ) زيادة : يؤدبون.
(٤) ذهب ابن عبد السلام في قواعده : ١ ـ ١٢٢ ، إلى جواز قتله إذا لم يمكن الدفع إلا به.
البائع وطأها لتكذيبه في الشراء ، أو أخذها ، فله دفعه عنها. وهذا المثال ليس من باب الإنكار (١) ، بل من باب الدفاع عن المال والبضع (٢).
(الثاني) : يجبان (٣) على الفور إجماعا ، فلو اجتمع جماعة متلبسون بمنكر ، أو ترك معروف واجب ، أنكر عليهم جميعا بفعل واحد ، أو قول واحد ، إذا كان ذلك كافيا في الغرض ، مثل : لا تزنوا صلوا.
(الثالث) : الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه مستحبان ، ولكن ليس فيهما تعنيف ولا توبيخ ولا إنزال ضرر ، لأن الضرر حرام ، فلا يكون بدلا عن المكروه ، وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
وكذلك من وجده يفعل ما يعتقده الواجد قبيحا ، ولا يعتقد مباشرة قبحه ولا حسنه مع تقارب (٤) المدارك ، أو يعتقد حسنه لمدرك ضعيف ، كاعتقاد الحنفي (٥) شرب النبيذ ، فإنه ينكر عليه ، أما الأول فبغير تعنيف ، وأما الثاني فكغيره من المنكرات.
(الرابع) : لو أدى الإنكار إلى قتل المنكر ، حرم ارتكابه ،
__________________
(١) خلافا لبعض العلماء ، فقد جعله مثالا للإنكار. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٧.
(٢) انظر بعض هذه الأمثلة أيضا في ـ قواعد الأحكام ، لابن عبد السلام : ١ ـ ١٢١ ـ ١٢٢.
(٣) أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٤) في (ح) : تفاوت. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ٢٥٧.
(٥) في (م) : الحنبلي. وما أثبتناه هو الصواب.
لما سلف (١). وجوّزه كثير من العامة (٢) ، لقوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) (٣) مدحهم بأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا مسلم إذا كان على وجه الجهاد.
قالوا : قتل يحيى بن زكريا عليهماالسلام لنهيه عن تزويج الربيبة (٤).
قلنا : وظيفة الأنبياء غير وظائفنا.
قالوا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) (٥) ، وفي هذا تعريض لنفسه بالقتل ، ولم يفرق بين الكلمات أهي نصّ (٦) في الأصول أو الفروع ، من الكبائر أو الصغائر (٧)؟
قلنا : محمول على الإمام ، أو نائبه ، أو بإذنه ، أو على من لا يظن القتل.
قالوا : خرج مع ابن الأشعث (٨) جمع عظيم من التابعين في قتال
__________________
(١) راجع ص ٢٠١.
(٢) نقله عنهم القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٣) آل عمران : ١٤٦.
(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٨.
(٥) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٢ ـ ١٦ ، حديث : ٣٨٥ ، والسيوطي ـ الجامع الصغير بشرح المناوي : ١ ـ ٨١.
(٦) زيادة من (ك).
(٧) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٨.
(٨) هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي ، صاحب الوقائع المشهورة مع الحجاج بن يوسف الثقفي ، كان من قواده ، ثمَّ انتقض
الحجاج ، لإزالة ظلمه وظلم الخليفة عبد الملك (١) ، ولم ينكر ذلك عليهم أحد من العلماء (٢).
قلنا : لم يكونوا كل الأمة. ولا علمنا أنهم ظنوا القتل ، بل جوّزوا التأثير ورفع المنكر. أو جاز أن يكون خروجهم بإذن إمام واجب الطاعة ، كخروج زيد بن علي عليهالسلام وغيره من بني علي عليهالسلام.
قاعدة ـ ٢٢٢
كل يمين خولف مقتضاها ، نسيانا أو جهلا أو إكراها ، فلا حنث فيها ، لظاهر (رفع عن أمتي : الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه) (٣). ولأن البعث أو الزجر المقصودين من اليمين إنما يكونان مع ذكر اليمين ، ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعثه أو زجره باليمين ، وذلك إنما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف عليه ، حتى يكون تركه لأجل اليمين. وهذا لا يتصور إلا مع القصد إليها ، والمعرفة بها ، فإذا جهل اليمين في صورة النسيان ، أو المحلوف عليه في صورة الجهل ، لم يوجد المقصود من اليمين ، وهو الترك لأجلها ، فخرجا عن اليمين ، إذ لا يقصد حالف من الناس الامتناع حال الجهل والنسيان. وكذا حال الإكراه ، بل أولى ، لأن الداعية حال الإكراه ليس للفاعل على
__________________
عليه وجرت بينهما معارك ، انتهت بانتصار الحجاج عليه.
(١) في (ح) زيادة : لهم.
(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٨.
(٣) انظر : السيوطي ـ الجامع الصغير بشرح المناوي : ٢ ـ ٣٨.
الحقيقة ، بل نشأت عن أسباب الإكراه التي هي مستندة إلى غيره ، فلم تدخل هذه الحالة أيضا في اليمين. والقصد باليمين : البعث على الإقدام أو المنع منه ، والبعث إنما يقع في الأفعال الاختيارية ، لامتناع بعث المرء نفسه على ما يعجز عنه ، كالصعود إلى السماء. ولقوله عليهالسلام : (لا طلاق في إغلاق) (١) (٢) فيحمل غيره عليه (٣). وهذا إلزام.
فرع :
إذا قلنا بعدم الحنث هنا ، هل تنحل اليمين ، أم لا؟
يظهر من كلام الأصحاب انحلالها ، فلو خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث ، لأن المخالفة قد حصلت ، والمخالفة لا تتكرر.
ويحتمل أن تبقى اليمين (٤) ، لأن الإكراه والنسيان لم يدخلا تحتها ، لما قلناه ، فالواقع بعد ذلك هو الّذي تعلقت به اليمين.
__________________
(١) الإغلاق : الإكراه ، لأن المكره مغلق عليه في أمره ، ومضيق عليه في تصرفه ، كما يغلّق الباب على الإنسان. انظر : الطريحي ـ مجمع البحرين : ٥ ـ ٢٢٣ ، مادة (غلق).
(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٨٤. ورواه السيوطي بلفظ : (لإطلاق ولا عتاق في إغلاق). الجامع الصغير بشرح المناوي : ٢ ـ ٣٦٤.
(٣) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٣ ـ ٨٢ ـ ٨٤.
(٤) وهو رأي لابن أبي زيد المالكي والقرافي. انظر : الفروق : ٣ ـ ٨٤.
والأول أقرب ، لأنه أو نذر عتق أمته إن وطئها ، ثمَّ باعها ، وعادت إليه ، انحل النذر ، للرواية الصحيحة عن محمد (بن مسلم ، (١) عن أحدهما عليهماالسلام (٢). وقد توقف فيها (ابن إدريس) (٣) (٤) والفاضل (٥) رحمهماالله. وهي أبلغ في الانحلال من المسألة المتقدمة ، فلا يلزم من القول بها القول بتلك.
وقد صرح الأصحاب في الإيلاء : بأنه لو وطئ ساهيا ، أو مجنونا ، أو لشبهة بغيرها ، بطل يحكم الإيلاء (٦). وهي يمين صريحة.
وكذا لو كانت أمة فاشتراها وأعنقها ، أو كان عبدا فاشترته وأعتقته.
قاعدة ـ ٢٢٣
ضابط النذر : أن يكون طاعة لله ، مقدورا للناذر.
فعلى هذا ، لا ينعقد نذر المباح ، لتجرده عن الطاعة. وقيل (٧) : يلحق باليمين في اعتبار الأولوية. فعلى عدم انعقاده ، يشكل (٨) تعين
__________________
(١) في (ك) : حسن ، وهو خطأ على ما يبدو.
(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٧١ ، باب ٥٩ من أبواب العتق ، حديث : ١.
(٣) في (ك) : ابن الفاضل.
(٤) انظر : السرائر : ٣٤٢.
(٥) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٧٥.
(٦) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٨٠.
(٧) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٣٥٤ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٩٩.
(٨) في (ك) : يبطل.
الصدقة بمال مخصوص ، لأن المستحب هو الصدقة المطلقة ، وخصوصية المال مباحة ، فكما لا تنعقد لو خلصت الإباحة ، فكذا إذا تضمنها النذر. ويحقق الإشكال تجويز بعض الأصحاب (١) فعل الصلاة المنذورة في مسجد فيما هو أزيد مزية منه ، كالحرام والأقصى ، مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة ، فإذا جازت مخالفتها لطلب الأفضل ، فتعين للصدقة بالمال المعين وعدم إجزاء الأفضل منه مشكل.
ولعل الأقرب : عدم جواز المخالفة في الموضعين (٢) ، لعموم وجوب الوفاء بالنذر ، إما على القول بانعقاد نذر المباحات ، فظاهر ، وإما على الآخر ، فلأن الصدقة والصلاة لما كانتا طاعتين لله ، وقد شخصهما الناذر بمال معين ، ومكان معين ، تعلقت الطاعة بذلك المال والمكان ، فيكون تخصيص المال والمكان مستفادا من تخصيص الطاعة المذكورة.
والأصل فيه : أن المندوبات وإن كانت طاعة ، فهي من حيث هي لا يتصور فيها الوجود ، فضلا عن الطاعة ، بل إنما تصير (٣) موجودة بمشخصاتها من زمان ، ومكان ، ومحل ، وفاعل. فإذا تعلق النذر بهذا الشخص ، انحصرت الطاعة فيه ، كما تنحصر عند فعلها في متعلقاتها ، فلا يجزئ غيرها. ولأنه لو فتح هذا الباب ، لم يكن
__________________
(١) انظر : فخر المحققين ـ أجوبة مسائل ابن زهرة ، في صلاة النذر (مخطوطة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف ضمن مجموع برقم : ٥٤٨).
(٢) استقرب المؤلف في كتابه (الدروس : ١٩٨) : الاجزاء في الصلاة فيما لو صلاها فيما هو أفضل.
(٣) في (م) : تتصور.
النذر وسيلة إلى التعيين حتى في الصوم والحج ، لأنه يقال : الصوم في نفسه طاعة ، وكذا الحج ، وأما تخصيصه بيوم مخصوص ، أو بسنة مخصوصة ، فهو من قبيل المباح ، ولما كان ذلك باطلا ، فكذا يبطل العدول عن المحل المنذور ، والمكان المنذور ، كما يتعين الزمان لذلك :
سؤال :
المعلوم أن الندب (١) لا يساوي الواجب في المصلحة التي وجب لأجلها. وإذا كان أصل المنذور الندب ، فكيف يساوي الواجب في المصلحة حتى يجب ، مع أنه فعل خاص قبل النذر وبعده؟! وبعبارة أخرى : الأفعال لها وجوه واعتبارات تقع عليها لأجلها تكون موصوفة بالأحكام الخمسة ، فكيف جاز انقلاب أحدها إلى الآخر؟! والنذر قالب ، لأنه يجعل المكروه حراما ، والندب واجبا ، وعلى القول بنذر المباح يجعله واجبا أو حراما ، بحسب تعلق النذر بفعله أو تركه.
وبعبارة أخرى : الأوقات والأحوال متساوية في قبول العبادات (٢) لا خصوصية فيها إلا في الأوقات والأحوال التي جعلها الله تعالى سببا ، لاقتضاء المصلحة ذلك ، (كأوقات الخمس) (٣) ، وككسوف الشمس ، والزلزلة ، وكالموت فيما يترتب عليه. وإذا تعلق النذر
__________________
(١) في (م) : النذر.
(٢) في (ح) و (م) : العبادة.
(٣) في (أ) و (م) : كالأوقات الخمسة.
بوقت خاص ، أو حال خاص ، كيوم الجمعة ، أو هبوب الريح ، أو قدوم زيد ، صار ذلك سببا ، ولم يكن قبل ذلك سبب. وقد علم أن السببية أيضا تابعة للمصلحة ، فمن أين نشأت هذه المصالح بسبب النذر؟! وكذا نقول في العهد واليمين.
وسببية الأحوال في غاية البعد عن القواعد الشرعية ، لأنها قد لا يتصور كونها عبادة ، كطيران غراب ، بخلاف نقل المندوب إلى الواجب ، فإنه على كل حال عبادة تقرب فيها المصلحة بالزيادة ، أما هذا فإنه أنشئت فيه المصلحة إنشاء.
والجواب عن الجميع واحد ، وهو : أنه ليس من الممتنع أن تنشأ في الندب بسبب النذر مصلحة يساوي (١) بها الوجوب ، وتنشأ في تلك الأمور سببية بالنذر تلحق بالأسباب المتأصلة بسبب النذر ، ولا يجب علينا بيان تلك المصلحة على التفصيل ، لأنا لما علمنا أن النذر موجب ، وعلمنا أن الإيجاب يتبع خصوصيات المصالح ، علمنا هنا تحقق خصوصية مصلحة الوجوب. مع جواز كون المصلحة المحصلة (٢) للوجوب هي الخلق الكريم ، الّذي هو الوفاء بالوعد ، والأدب مع الرب سبحانه وتعالى ، حيث قرنه باسمه الشريف ، والأدب هو المقصود بالتكليف عاجلا ، كما أن الثواب مقصود آجلا. ويجوز أيضا أن يصير النذر جاعلا (٣) للفعل المندوب (٤) في الوقت المخصوص لطفا في بعض الواجبات العقلية والسمعية ، فيجب كما وجبت السمعيات ،
__________________
(١) في (ك) : يتساوى.
(٢) زيادة من (م) و (أ).
(٣) في (ح) و (م) و (ك) : عاجلا.
(٤) في (ح) و (أ) : المنذور.
لكونها ألطافا.
وينبه عليه : أن الشيء إذا صار واجبا ، زاد اهتمام المكلف بفعله ، والحرص على تحصيله ، وذلك ممرن على الاهتمام بواجب آخر ، ومحرض عليه ، قال الله تعالى (فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) (١). وكذلك الكلام في الانقلاب إلى الحرام ، فيه ما ذكر من الوجوه.
ومن هنا يظهر جواز نذر فعل الواجب وترك الحرام ، لأن الاهتمام حينئذ يكون أتم ، وعقد الهمة بهما ، فعلا وتركا ، أقوى ، فيدخلان في حيز لطف جديد بالنسبة إلى ما كانا لطفا فيه.
فإن قلت : لا يجب في اللطف البلوغ إلى أقصى غايته ، وقد كان اللطف حاصلا قبل فعل النذر ، فلم يصادف النذر ما يحتاج إليه من اللطف ، فكيف تجب المندوبات أو ينعقد نذر الواجبات؟! قلت : ذلك في التكليف الأصلي ، أما التابع لاختيار المكلف ، بأن (٢) يصيره لطفا ، فلا مانع منه ، لأن زيادة التقرب حاصلة به بالضرورة ، فمسمى اللطف متحقق فيه ، وكان المانع من الوجوب التخفيف عن المكلف. ، فإذا اختار المكلف الأثقل لنفسه ، فلا مانع حينئذ من وصفه بالوجوب. ولأنه لا مانع في الحكمة أن يقول النبي للمكلف : إذا اخترت (٣) الفعل الفلاني فقد جعله الله لطفا لك في الواجب الفلاني ، وهو المطلوب.
__________________
(١) الليل : ٥ ـ ٧.
(٢) في (ح) : لمن.
(٣) في (ك) : أخذت.
وهذه قواعد
في العبادات
قاعدة (١) ـ ٢٢٤
كل الأجسام على الطهارة ، إلا العشرة المشهورة (٢).
وكل الحيوان على الطهارة ، إلا : الكلب ، والخنزير ، وما تولد منهما أو من أحدهما ، والكافر.
وكل الميتات على النجاسة ، إلا : ما لا نفس له ، كالسمك والجراد ، والجنين بذكاة (٣) أمة.
وأما الصيد المقتول بمحدد ، أو كلب معلم ، فمذكى. وكذا المجروح من الحيوان ، لاستعصائه (٤) وترديه ، ولو في غير موضع الذكاة (٥).
وكل الحيوانات تقبل التذكية ، إلا : النجس منها عينا ، والآدمي ، والحشرات. وقيل (٦) : تقع على الحشرات الذكاة.
قاعدة ـ ٢٢٥
كل دم يمكن أن يكون حيضا ، فهو حيض ، تجانس أو اختلف.
__________________
(١) زيادة من (ك).
(٢) وهي : البول ، وللغائط من غير المأكول ، والدم ، والمني من ذي النّفس ، والميتة ، والكلب والخنزير البريان ، والكافر ، والمسكر ، والفقاع. انظر : الشهيد الأول ـ اللمعة الدمشقية ، طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني : ١ ـ ٤٨ ـ ٤٩ (طبعة جامعة النجف).
(٣) في (م) و (أ) : المذكاة.
(٤) في (ك) : لاستصعابه :
(٥) في (ح) : الذبح.
(٦) هو قول للمالكية. انظر : ابن رشد ـ بداية المجتهد.
وتتعلق بالحيض أحكام (١) :
منها ما يترتب عليه ، وهو : البلوغ ، والغسل ، والعدة ، والاستبراء ، وقبول قولها فيه ، وسقوط فرض للصلاة ، وعدم صحة للصوم ، وعدم ارتفاع الحدث ، وجواز الاستنابة في الطواف على قول (٢) مخرّج لم أقف فيه.
ومنها : ما يحرم بسببه ، وهو : الصلاة ، والصوم ، والاعتكاف ، ودخول المسجد ، وقراءة العزائم ، ومسّ كتابة المصحف ، وفي سجدة العزيمة قولان (٣).
ومنها ما يكره ، وهو كتب المصحف ، وحمله ، ولمس هامشه ، وقراءة ما عدا العزائم.
ومنها ما يحرم على الزوج ، وهو : الطلاق ، والوطء قبلا ، والمباشرة لما بين السرة والركبة عند بعض الأصحاب (٤).
__________________
١ ـ ٤٢٩ ، والقرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٩٨ ، وابن جزي ـ القوانين الفقهية : ١٥٨ (طبعة لبنان).
(١) انظر أكثر هذه الأحكام في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.
(٢) قاله فخر المحققين في ـ أجوبة المسائل المهنائية : ورقة : ٢٠ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف ضمن مجموع برقم : ٥٤٨).
(٣) قال بتحريم السجدة عليها الشافعية والمالكية. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٢ ـ ٣٦٧ ، وابن جزي ـ القوانين الفقهية : ٣٩ (طبعة لبنان).
(٤) قاله السيد المرتضى في كتابه (شرح الرسالة). انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٤١.
ومنها ما يجب ، وهو : الاستبراء عند تجويز الانقطاع ، وقضاء الصوم.
ومنها ما يستحب : كالوضوء ، والجلوس في المصلى ، وذكر الله تعالى بقدر زمان الصلاة.
قاعدة ـ ٢٢٦
كل النجاسة مانعة من صحة الصلاة ، إلا في مواضع :
ما لا تتم الصلاة به وحده ، ودون الدرهم البغلي من الدم ، وثوب المربية للصبي ، والجروح والقروح الدامية (١) عند تعذر إزالتها عن البدن ، وكذا عن الثوب إذا اضطر إلى لبسه ، وكذا لو لم يضطر على قول التخيير بينه وبين العري (٢) ، وإذا جهلها ولم يعلم حتى خرج الوقت. وقيل : لا يعيد مطلقا (٣) ، وإذا نسيها وخرج الوقت ، وآثار الاستجمار إن حكمنا بنجاستها.
فائدة (٤)
الأذان مستحب للخمس (٥) ، وقد يعرض له ما يخرجه عن
__________________
(١) في (ك) : الدائمة.
(٢) قاله أبو حنيفة. انظر : ابن قدامة ـ المغني : ١ ـ ٥٩٤ ، وللعلامة الحلي ـ منتهى المطلب : ١ ـ ١٨٢.
(٣) قاله من الإمامية. السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي. وهو رأي ابن عمر ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب ، وسالم ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وغيرهم. انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٥٢ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٩٧ ـ ٩٨.
(٤) في (أ) : قاعدة.
(٥) أي للصلوات الخمس.
ذلك :
إما بعدم وقوعه صحيحا ، كأذان غير المميز من الطفل والمجنون ، وقبل الوقت في غير الصبح ، وأذان الكافر ، وغير المرتب ، وأذان السكران الّذي لا تحصيل له.
وإما بكراهته ، كأذان الجماعة الثانية قبل تفرق الأولى ، وكعصري عرفة والجمعة ، وعشاء المشعر.
وإما بعروض مبطل له ، كالارتداد ، والإغماء إذا طال الزمان ، والسكوت الطويل ، وعروض الجنة ، أو السكر ، أو الكلام الكثير في أثنائه الّذي يخرجه عن الموالاة ، والإغماء والنوم مع الطول ، وترك شيء من كلماته عمدا.
أما الطهارة ، والاستقبال ، والذكورية ، وشبهها (١) ، فشروط كماله.
قاعدة (٢) ـ ٢٢٧
كل مكلف دخل عليه وقت الصلاة وجبت عليه بحسب حاله ، ولا عذر في تأخيرها عن وقتها ، إلا في مواضع (٣) :
كالمكره على تركها حتى أنه يمنع من فعلها بالإيماء ، والناسي ، والمشغول عنها بدفع صائل عن (٤) نفس ، أو بضع ، أو بإنقاذ غريق ،
__________________
(١) زيادة من (ح) و (أ).
(٢) في (ح) : فائدة.
(٣) انظر : هذه المواضع في ـ الأشباه والنّظائر للسيوطي : ٤٦٣ (نقله عن الصدر الجزري).
(٤) في (ك) : على.