فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

ولا يكون ذلك الا وقد قامت عليهم الحجة بتحريمه من جهة الرسل ، فالأول اختاره الجبائي ، وهو الأقوى ، قال : وتكون السلامة مما قد سلف في الاقلاع عنه. وقيل انما استثنى ما قد مضى ، ليعلم أنه لم يكن مباحا لهم.

« انه كان فاحشة » أي زناءا « ومقتا » أي بغضا ، أي يورث بغض الله ، ويسمى ولد الرجل من امرأة أبيه المقتي ، ومنهم الأشعث بن قيس وأبو معيط جد الوليد بن عتبة.

قال البلخي : ليس كل نكاح حرمه الله تعالى زنا ، لان الزنا هو فعل مخصوص لا يجري على طريقة لازمة وسنة جارية ، لذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية « أولاد زنا » ولا لأهل الذمة والمعاهدين « أولاد زنا » إذا كان عقدا بينهم يتعارفونه.

[ « انه كان فاحشة » دخلت كان لتدل على أنه كان قبل تلك الحال كذا كان كذا فاحشة ] (١).

وقول المبرد إن كان زائدة غير صحيح ، لأنها لو كانت زائدة لم تعمل ، معناه انه كان فيما مضى أيضا فاحشة ومقتا وكان قد قامت الحجة عليهم بذلك في كل من عقد عليها الأب من النساء أنه [ يحرم على الابن دخل بها أو لم يدخل بلا خلاف.

فان دخل بها الأب على وجه السفل فهل ] (٢) يحرم على الابن؟ ففيه خلاف.

وعموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه ، لان النكاح يعبر به عن الوطي كما يعبر به عن العقد ، فيجب أن يحمل عليهما.

وامرأة الأب وان علا تحرم على الابن وان نزل بلا خلاف.

__________________

١) الزيادة من م.

٢) الزيادة من م.

٨١

(فصل)

ثم قال تعالى « حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم » (١) الآية.

اعلم أن في الناس من اعتقد أن هذه الآية وما يجري مجراها كقوله تعالى  « حرمت عليكم الميتة والدم » (٢) مجملة لا يمكن التعلق بظاهرها في تحريم شئ ، وانما يحتاج إلى بيان. قالوا : لان الأعيان لا تحرم ولا تحل ، وانما يحرم التصرف فيها ، والتصرف مختلف ، فيحتاج إلى بيان التصرف المحرم دون التصرف المباح.

والأقوى أنها ليست مجملة ، لان المجمل هو مالا يفهم المراد بعينه بظاهره ، وليست هذه الآية كذلك ، لان المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهن والوطي دون غيرهما من أنواع الفعل ، فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك.

وكذلك قوله « حرمت عليكم الميتة » المفهوم منه الاكل والبيع دون النظر إليها أو ما جرى مجراه.

كيف وقد تقدم هذه الآية ما يكشف عن أن المراد ههنا من قوله تعالى  « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم » ، فلما قال بعده « حرمت عليكم أمهاتكم » كان المفهوم أيضا تحريم نكاحهن. ويطلب الكلام فيه من أصول الفقه.

(فصل)

قال ابن عباس : حرم الله في هذه الآية سبعا بالنسب وسبعا بالسبب : فالمحرمات من النسب : الأمهات ويدخل في ذلك أمهات الأمهات وان علون وأمهات الاباء كذلك ، والبنات ويدخل في ذلك بنات الأولاد ، أولاد البنين وأولاد

__________________

١) سورة النساء : ٢٣.

٢) سورة المائدة : ٣.

٨٢

البنات وان نزلن ، والأخوات سواء كن لأب أو لأب وأم ، وكذا العمات والخالات وان علون من جهة الأب كن أو من جهة الام ، وبنات الأخ وبنات الأخت وان نزلن. وكل من يقع عليه اسم بنت حقيقة أو مجازا تحرم لقوله تعالى « وبناتكم » ، وكذا من يقع عليه اسم العمة لقوله تعالى « وعماتكم » ، وكذلك كل من كان خالته حقيقة وهي أخت أمه أو مجازا وهي أخت جدته أي جدة كانت من قبل أمها فأختها خالته وتحرم عليه لقوله تعالى « وخالاتكم ».

والمحرمات بالسبب : الأمهات من الرضاعة والأخوات أيضا من الرضاعة ، وكل من يحرم بالنسب يحرم مثله بالرضاع ، فنص الله من جملتهن على الأمهات والأخوات بظاهر اللفظ ودل بفحواه على أن من عداهما ممن تحرم بالنسب كهما ، لان تلك إذا صارت بالرضاع أما وهذه أختا فالعمة والخالة يصيران عمة وخالة ، وكذلك من سواهما. ولذلك قال عليه‌السلام : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (١).

(فصل)

ثم قال تعالى « وأمهات نسائكم » فأمهات النساء يحرمن بنفس العقد وان لم يدخل بالبنت على رأي أكثر الفقهاء ، وبه قال ابن عباس والحسن وعطاء ، وقالوا هي مبهمة ، وخصوا التقييد بقوله « وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ». ورووا عن علي عليه‌السلام وزيد بن ثابت أنه يجوز العقد على الام ما لم يدخل بالبنت ، ولم يجعلوا قوله « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » راجعا إلى أمهات النساء ، وقالوا تقدير الكلام [ حرمت عليكم نساؤكم مطلقا و ] (٢) حرمت عليكم ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم

__________________

١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٧٥.

٢) الزيادة من م.

٨٣

اللاتي دخلتم بهن ، وقالوا أم المرأة تحرم بالعقد مجردا والربيبة تحرم بشرط الدخول بالام ، وهذا هو الصحيح. وقال قوم : هي من صلبهما جميعا ، فان المرأة لا تحرم أمها ما لم يدخل بها أيضا.

والصحيح أن الجملة المقيدة إذا عطفت على الجملة المطلقة لا يجب أن يسري ذلك التقييد إلى الجملة الأولى أيضا. ويتحقق هذا من النحو أيضا ، فقال الزجاج : وهو قول سيبويه ، والمحققين أن الصحيح هو الأول ، وذلك أن الموصوفين وان اتفقا في الاعراب فإنهما إذا اختلف العامل فيهما لم يجز أن يوصفا بصفة جامعة. والمثال يجئ من بعد.

و « الربائب » جمع ربيبة ، وهي بنت الزوجة من غيره ، ويدخل فيه أولادها وان نزلن ، وسميت بذلك لتربيته إياها ، ومعناها مربوبة. ويجور أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها وكانت في حجره أو لم تكن ، لأنه إذا تزوج بأمها سمي هو ربيبها وهي ربيبته.

والعرب تسمي الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه ، يقولون هذا مقتول وهذا ذبيح وان لم يقتل بعد ولم يذبح إذا كان يراد قتله أو ذبحه ، وكذلك يقولون هذا أضحية لما أعد للتضحية ، فمن قال لا تحرم بنت الزوجة الا إذا تربت في حجره فقد أخطأ على ما قلناه.

وقوله تعالى « من نسائكم الآتي دخلتم بهن » قال المبرد : « اللاتي دخلتم بهن » نعت للنساء اللواتي من أمهات الربائب لا غير ، قال : لاجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها ، وان من أجاز أن يكون قوله تعالى « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » هو لأمهات نسائكم ، فيكون معناه أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب.

قال الزجاج : لان الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا ، لا يجيز

٨٤

النحويون « مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات » على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء ، وهؤلاء النساء ، لان الأولى جر بالباء والثانية بالإضافة ، فكذلك النساء الأولى في الآية جر بإضافة الأمهات إليها والثانية جر بمن ، فلا يجوز أن يكون « اللاتي دخلتم بهن » صفة للنساء الأولى والثانية.

وقيل أيضا : لو جاز أن يكون « اللاتي دخلتم بهن » صفة للأولى والثانية لجاز أن يكون قوله « الا ما ملكت أيمانكم » استثناء من جميع المحرمات. وفي اجماع الجميع على أنه استثناء مما يليه وهو « المحصنات من النساء » دلالة على أن « اللاتي دخلتم بهن » صفة للنساء اللاتي تليها. والدليل الأول أقوى.

وقال من اعتبر الدخول بالنساء لتحريم أمهاتهن يحتاج أن يقدر « أعني » ، فيكون التقدير : وأمهات نسائكم أعني اللاتي دخلتم بهن ، وليس بنا إلى ذلك حاجة.

والدخول المذكورة في الآية قيل فيه قولان : أحدهما قال ابن عباس هو الجماع واختاره الطبري ، الثاني قال عطا هو الجماع وما يجري مجراه من المسيس وهو مذهبنا. وله تفصيل. فإن كان المسيس من شهوة فهو كالجماع فيكون محظورا ، وإن كان من غير شهوة فنكاح بنتها مكروه. وفيه خلاف بين الفقهاء.

(فصل)

ثم قال تعالى « وحلائل أبنائكم الذيم من أصلابكم » يعني نساء البنين للصلب دخل بهن البنون أو لم يدخلوا. وزوجات أولاد الأولاد من البنين والبنات داخلون في ذلك. وانما قال « من أصلابكم » لئلا يظن أن امرأة من يتبنى به تحرم عليه.

وقال عطا : نزلت الآية حين نكح النبي عليه‌السلام امرأة زيد بن حارثة ،

٨٥

فقال المشركون في ذلك ، فنزل « وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ».

فأما حلائل الأبناء من الرضاع فمحرمات ، لقوله عليه‌السلام : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.

وانما سميت المرأة حليلة لامرين : لأنها تحل معه في الفراش ، ولأنه يحل له وطؤها.

(فصل)

ثم عطف عليه فقال تعالى « وأن تجمعوا بين الأختين » أي وحرم عليكم الجمع بينهما ، لان أن مع صلتها في حكم المصدر ، وهذا يقتضي تحريم الجمع بينهما في عقد واحد وتحريم الجمع بينهما في الوطي سيما بملك اليمين ، فإذا وطئ إحداهما لم يحل له الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه ، وهو قول الحسن وأكثر المفسرين وا لفقهاء.

ومن أجاز الجمع بينهما في الوطئ على ما ذهب إليه داود وقوم من أهل الظاهر فقد أخطأ في الأختين وكذا في الربيبة وأم الزوجة ، لان قوله « وأمهات نسائكم » يدخل فيه المملوكة والمعقود عليها ، وكذا قوله « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » يتناول الجميع ، وكذا قوله « وأن تجمعوا بين الأختين » عام في الجميع على كل حال في العقد والوطي ، وانما أخرجنا جواز ملكها بدلالة الاجماع.

ولا يعارض ذلك قوله تعالى « أو ما ملكت أيمانكم » ، لان الغرض بهذه الآية مدح من يحفظ فرجه الا عن الزوج أو ما ملكت الايمان ، فأما كيفية ذلك فليس فيه.

ويمكن الجمع بينهما بأن يقال : أو ما ملكت أيمانهم الاعلى وجه الجمع بين الام والبنت أو الأختين.

٨٦

وقوله تعالى « الا ما قد سلف » استثناء منقطع ، لكن ما قد سلف لا يؤاخذكم الله به الان وقد دخلتم في الاسلام وتركتم ما فعلتم في الجاهلية ، وليس المراد أن ما سلف حال النهى يجوز استدامته بلا خلاف.

وقيل إن « الا » بمعنى سوى ، وموضع « أن تجمعوا » رفع ، تقديره حرمت عليكم الأشياء والجمع بين الأختين ، فإنهما يحرمان على وجه الجمع دون الانفراد ، سواء اجتمع العقدان أو افترقا. وكان ذلك لبني إسرائيل حلالا ، فان خلفت إحداهما الأخرى جاز.

ويمكن الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يصح أن يملك واحدة من ذوات الأنساب المحرمات ومن الرضاع أيضا ، لان التحريم عام بقوله عليه‌السلام : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. فهو دليل على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع وإن كان فيه خلاف.

وأما المرأة التي وطئها بلا تزويج ولا ملك فليس في الآية ما يدل على أنه يحرم وطؤ أمها وبنتها ، لان قوله تعالى « وأمهات نسائكم » وقوله « من نسائكم اللاتي دخلتم بهن » يتضمن إضافة الملك اما بالعقد أو بملك اليمين ، فلا يدخل فيه من وطئ من لا يملك وطؤها. غير أن قوما من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد والملك بالسنة والاخبار المروية في ذلك. وفيه خلاف بين الفقهاء.

ثم قال « ان الله كان غفورا رحيما » أخبر سبحانه أنه كان غفورا حيث لم يؤاخذهم بما فعلوه من نكاح المحرمات وانما عفا لهم عما سلف.

(فصل)

ثم قال تعالى « والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم » (١)

__________________

١) سورة النساء : ٢٤.

٨٧

قيل في معناه ثلاثة أقوال :

أحدها ـ وهو الأقوى أن المراد به ذوات الأزواج الا ما ملكت أيمانكم من سبي من كان لها زوج ، لان بيعها طلاقها. قال ابن عباس : طلاق الأمة ست : سبيها ، وبيعها ، وعتقها ، وهبتها ، وميراثها ، وطلاق زوجها (١).

الثالث ـ ان المحصنات العفائف الا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو اليمين ملك استمتاع بالمهر أو ملك استخدام بثمن الأمة. وأصل الاحصان المنع.

والاحصان على أربعة أقسام : أحدها بالزوجية كقوله « والمحصنات من النساء » ، الثاني بالاسلام كقوله « فإذا أحصن فان أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب » (٢) ، الثالث بالعقد (٣) كقوله « والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء » (٤) الرابع يكون بالجزية كقوله « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » (٥).

قال البلخي : والآية دالة على أن نكاح المشركين ليس بزنى ، لان قوله تعالى « والمحصنات من النساء » إذا كان المراد به ذوات الأزواج من أهل الحرب بدلالة قوله « الا ما ملكت أيمانكم » بسبي ، فلا خلاف انه لا يجوز وطي المسبية بعد استبرائها بحيضة.

وقوله « كتاب الله عليكم » نصب على المصدر من غير فعله ، وفيه معناه ، كأنه قال حرم الله ذلك كتابا من الله أو كتب كتابا. وعن الزجاج أنه نصب على جهة الامر ، ويكون « عليكم » مفسرا. والمعنى الزموا كتاب الله وعلى الاغراء ،

__________________

١) كذا في النسختين وقد حذف منهما القول الثاني.

٢) سورة النساء : ٢٥.

٣) في ج « بالعفة ».

٤) سورة النور : ٤.

٥) سورة المائدة : ٥.

٨٨

والعامل محذوف ، لان عليكم لا يعمل فيما قبله.

وقد صح عن ابن عباس أنه قال : حرم الله من النساء سبعا بالنسب وسبعا بالسبب ، وتلا الآية ، ثم قال : والسابعة من محرمات السبب قوله « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم » وهي امرأة الأب سواء دخل بها أو لم يدخل ، وتدخل في ذلك زوجات الأجداد وان علوا من الطرفين.

(باب)

(مقدار ما يحرم من الرضاع وأحكامه)

(ما وراء ذوات المحارم القرابية)

أما الرضاع فان الله سمى بقوله تعالى « وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم » (١) أمهات للحرمة.

ولا يحرم عندنا الرضا الا ما نبت اللحم وشد العظم ، وانما يعتبر أقل ذلك بخمس عشرة رضعة متوالية لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى ، أو برضاع يوم وليلة لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى.

وفي أصحابنا من روى تحريم ذلك بعشر رضعات ، وذلك محمول على شدة الكراهة في ذلك.

ومتى دخل من الرضاع رضاع امرأة أخرى بطل حكم ما تقدم ، وحرم الشافعي بخمس رضعات ولم يعتبر التوالي ، وانما اختار خمس الرضعات لما روت عائشة أن عشر رضعات كانت محرمة فنسخن بخمس. وهذا يدل على ما نذهب إليه من خمس عشرة رضعة ، لان النسخ كما توهم الشافعي أنه بالنقصان فإنه يكون بالزيادة. وانما ذهبنا إلى الزيادة للتفصيل الوارد عن الصادق

__________________

١) سورة النساء : ٢٣.

٨٩

عليه‌السلام. وحرم أبو حنيفة بقليله وكثيره ، وفي أصحابنا من ذهب إليه ، والمراد به الكراهية.

واللبن عندنا للفحل ، لأنه بفعله ثار ونزل. ومعناه إذا أرضعت امرأة بلبن فحل لها صبيانا كثيرين من أمهات شتى فإنهم جميعهم يصيرون أولاد الفحل ويحرمون على جميع أولاده الذين ينتسبون إليه ولادة ورضاعا ويحرمون على أولاد المرضعة الذين ولدتهم. فأما من أرضعته بلبن غير هذا الفحل فإنهم لا يحرمون عليهم.

ثم اعلم أن كل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك ، لقوله تعالى « وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم » فالتي أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم ولده كلها على ما ذكرناه فهي أمك من الرضاعة ، وكذا كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك ، أو ولدت رجلا أرضعت بلبنه فهي أمك من الرضاعة.

(فصل)

وقوله تعالى « وأخواتكم من الرضاعة » يعني بنات المرضعة ، وهن ثلاثا : الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك ، سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك. الثانية أختك [ لامك دون أبيك ، وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل غير أبيك. والثالثة أخيك ] (١) لأبيك دون أمك ، وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك. وأم الرضاعة وأخت الرضاعة لولا الرضاعة لم تحرما ، فالرضاعة سبب تحريمهما.

وكل من تحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع ،

__________________

١) الزيادة من ج.

٩٠

لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب.

فثبت بهذا الخبر أن السبع المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره الله محرمات بالرضاع.

والكلام في الرضاع في ثلاثة فصول :

أحدها ـ مدة الرضاع. وقد اختلف فيها ، فقال أكثر أهل العلم لا يحرم الا ما كان في مدة الحولين ، فأما ما كان بعده فلا يحرم بحال ، وهو مذهبنا ، وبه قال الشافعي ومحمد وأبو يوسف.

وثانيها ـ قدر الرضاع الذي يحرم. وقد ذكرناه الان.

وثالثها ـ كيفية الرضاع. فعند أصحابنا لا يحرم الا ما وصل إلى الجوف من الثدي في المجرى المعتاد الذي هو الفم ، وأما ما يوجر أو يسعط أو يحقن به فلا يحرم بحال.

(فصل)

ثم اعلم أن هذه الجملة على ضربين : تحريم أعيان ، وتحريم جمع.

فأما تحريم الأعيان فنسب وسبب ، فالنسب قد مضى ذكره ، والسبب على ضربين رضاع ومصاهرة ، فالرضاع بيناه أيضا. وتحريم المصاهرة وان قدمنا الكلام عليه فنذكرها هنا أيضا مجموعا مفصلا.

فاعلم أنهن أربع :

أمهات الزوجات وكل من يقع عليها اسم « أم » حقيقة أو مجازا وان علون ، فالكل يحرمن لقوله تعالى « أمهات نسائكم ».

والثانية ـ الربيبة ، وهي كل من كان نسلها ، وكذا ولد الربيب ونسله ، فإنه يحرم بالعقد تحريم جمع ، فان دخل بها حرمن عليه كلهن تحريم تأبيد ، لقوله

٩١

« وربائبكم اللاتي في حجوركم » إلى قوله « فلا جناح عليكم ».

والثالثة ـ حلائل الأبناء ، فإذا تزوج امرأة حرمت على والده بنفس العقد وحدها دون أمهاتها وبناتها ، لقوله « وحلائل أبنائكم » ، وأمهاتها وأولادها ليس حلائله.

والرابعة ـ زوجات الاباء يحرمن دون أمهاتهن ودون نسلهن من غيره ، ولقوله تعالى « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ».

(فصل)

ثم قال سبحانه « كتاب الله عليكم » يعني كتب الله تحريم ما حرم وتحليل ما حلل عليكم كتابا فلا تخالفوه وتمسكوا به.

فإذا ثبت من الكتاب على سبيل التفصيل تحريم اللواتي ذكرناهن ، فاعلم أن ست عشرة امرأة أخرى يعلم تحريمهن من القرآن جملة ومن السنة تفصيلا ، بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك بقوله تعالى « وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم » كما علمه الله تعالى.

وهن : الملاعنة ، والمطلقة تسع تطليقات للعدة ، والمعقود عليها في العدة مع العلم بذلك ، والمدخول بها في العدة على كل حال ، والمنكوحة في الاحرام ، والمفجور بابنها ، والمفجور بأبيها ، والمفجور بأخيها ، والمفجور بها وهي ذات بعل ، والمفضاة بالدخول بها قبل بلوغها تسع سنين ، والتي تقذفها زوجها وهي صماء ، والتي تقذها زوجها وهي خرساء ، وبنت العمة على ابن الخال إذا كان فجر بأمها ، وبنت الخالة أيضا إذا فجر بأمها ، والمفجور بأمها على الفاجر ، وكذا المفجور بابنتها.

وقد خالفنا فقهاء العامة في قولنا : ان من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليها نكاحها أبدا وان فارقها زوجها. والدليل على صحته وصحة مجموع ما ذكرناه

٩٢

من أخوات هذه المسألة اجماع الطائفة ، فان مفض إلى العلم.

وانما قلنا إن اجماعهم حجة لان في اجماع الامامية قول الإمام الذي دلت العقول على أن كل زمان لا يخلو من رئيس معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول ولا فعل ، فمن هذا الوجه كان اجماعهم حجة ودلالة قاطعة. وهذه الطريقة واضحة مشروحة في غير موضع من كتبنا.

فان استدل المخالف بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى « فانكحوا ما طاب لكم من النساء » وقوله تعالى « وأحل لكم ما وراء ذلك » بعد ذكر المحرمات.

قلنا : هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالأدلة ، كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها مع جواز ذلك عندنا على بعض الوجوه على ما نذكره.

على أن النساء اللاتي يعلم تحريمهن بالسنة انما حرمت كل واحدة منهن على رجل بعينه بسبب من قبله وأمر من أموره ، والا كانت هي قبل ذلك على أصل الإباحة ، ولولا حصول ما حصل لما حرمت البتة ، فسقط سؤالهم.

فأما إذا زنى رجل بامرأة حرمت على ابنه. والدليل عليه قوله تعالى  « ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم » ولفظ النكاح يقع على الوطي والعقد معا على ما ذكرناه ، فكأنه قال لا تعقدوا على من عقد عليه آباؤكم ولا تطئوا من وطئوهن.

والدليل على جواز نكاح العمة والخالة وعنده بنت الأخ وبنت الأخت اجماع الطائفة. وكذا نكاح المرأة وعنده عمتها وخالتها إذا رضيتا ، فإنه يدل عليه عموم قوله تعالى « وأحل لكم ما وراء ذلكم » لأنه عام في جميعهن ، ومن ادعى نسخه فعليه الدلالة ، وخبر الواحد لا ينسخ به القرآن.

٩٣

(باب)

(ضروب النكاح)

قال الله تعالى « وأحل لكم ما وراء ذلكم » (١) وقال تعالى « فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ملكت أيمانكم » (٢).

أما الآية الأولى فقد قيل في معناه أربعة أقوال :

أحدها ـ أحل لكم ما دون الخمس ان تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح.

الثاني ـ كحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم ونحوها من المحرمات بالسبب.

الثالث ـ ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم.

الرابع ـ ما وراء ذوات المحارم إلى الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين. وهذا الوجه أولى ، لأنه حمل الآية على عمومها في جميع ما ذكره الله في كتابه أو على لسان نبيه.

ثم اعلم أن أحكام النكاح تشتمل على ذكر أقسامه وشروطه وما يلزم بالعقد وما يلزم بالفرقة :

فأقسامه على ثلاثة أقسام : نكاح دوام وهو غير مؤجل ، ونكاح متعة وهو مؤجل ، ونكاح بملك اليمين.

وأما شرائط الأنكحة الواجبة : فالايجاب ، والقبول ، والمهر أو الاجر أو الثمن أو ما يقوم مقامها ، وكون المتعاقدين متكافئين في الدين في نكاح الدوام ،

__________________

١) سورة النساء : ٢٤.

٢) سورة النساء : ٣.

٩٤

وأن تكون الزوجة والأمة من غير ذوات المحارم ونحو ذلك مما لا يصح مع عدمه من الشروط.

وما يلزم بالعقد فهي : المهر ، والقسمة ، والنفقات ، ولحوق الأولاد. وما يلزم بالفرقة نذكره.

وما روي من تحليل الرجل جاريته لمؤمن ، لا يخرج عن تلك الأقسام الثلاثة التي هي من ضروب النكاح.

وجارية الغير إذا تزوجت باذن سيدها فنكاحها صحيح ، قال الله تعالى  « والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » (١) ، فمدح من حفظه فرجه الا عن زوجته أو ملك اليمين.

والنكاح يستحب لقوله تعالى « فانكحوا ما طاب لكم » فعلق النكاح باستطابتها وما هذه صورته فهو غير واجب ، خلافا لداود.

والناس ضربان : ضرب مشته للجماع وقادر على النكاح ، وضرب لا يشتهيه فالمشتهي يستحب له أن يتزوج ، والذي لا يشتهي فالمستحب أن لا يتزوج لقوله تعالى « وسيدا وحصورا » (٢) ، فمدحه على كونه حصورا ، وهو الذي لا يشتهي النساء ، لأنه لا يجعل سبب ذلك (٣) ولا يجئ شهوته ، بل يميتها بكثرة الصوم ، وقال قوم هو الذي يمكنه أن يأتي النساء ولكن لا يفعل.

(باب)

(ذكر النكاح الدائم)

قال الله تعالى « فانكحوا ما طاب لكم من النساء » فندب تعالى عباده إلى

__________________

١) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٢) سورة آل عمران : ٣٩.

٣) أي تهيج شهوته بالاكل والشرب « ج ».

٩٥

التزويج ، وأجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه لجميع الأمة ، وان اختلفوا في وجوبه لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأما قوله « وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع » (١) فاختلف المفسرون في سبب نزوله على ستة أقوال : أحدها ـ ما روي عن عائشة أنها نزلت في حق اليتيمة التي تكون في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها ، فنهوا أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لها صداق مهر مثلها ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب مما سواهن من النساء إلى أربع « فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة » من سواهن  « أو ما ملكت أيمانكم ».

ومثل هذا ذكر في تفسير أصحابنا ، وقالوا انها متصلة بقوله « ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهن ما كتب لهن ترغبون أن تنكحوهن فان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم النساء » الآية. وبه قال الحسن والمبرد.

الثاني ـ قال ابن عباس : ان الرجل منهم كان يتزوج الأربع والخمس والست والعشر ويقول ما يمنعني ان أتزوج كما تزوج فلان ، فإذا فنى ماله مال على مال اليتيمة فأنفقه ، فنهاهم الله تعالى أن يتجاوزوا الأربع [ لئلا يحتاجوا إلى أخذ مال اليتيمة ، وان خافوا ذلك مع الأربع ] (٢) أيضا أن يقتصروا على واحدة.

الثالث ـ قال جماعة كانوا يشددون في أموال اليتامى ولا يشددون في أموال النساء ينكح أحدهم النسوة ولا يعدل بينهن ، فقال تعالى كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في النساء فانكحوا واحدة إلى الأربع ، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.

__________________

١) سورة النساء : ٣.

٢) الزيادة من ج.

٩٦

الرابع ـ قال مجاهد : « ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى » معناه ان تحرجتم من ولاية اليتامى وأكل أموالهم ايمانا وتصديقا ، فكذلك تحرجوا من الزنا وانكحوا النكاح المباح من واحدة إلى أربع ، فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة.

الخامس ـ قال الحسن : ان خفتم ألا تقسطوا في اليتيمة المرباة في حجركم فانكحوا ما طاب لكم من النساء مما أحل لكم من يتامى قراباتكم مثنى وثلاث ـ الآية. وبه قال الجبائي ، وقال : الخطاب متوجه إلى ولي اليتيمة إذا أراد أن يتزوجها ، فإنه إذا كان هو وليها كان له أن يزوجها قبل البلوغ وله أن يزوجها.

السادس ـ قال الفراء : المعنى ان كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فتحرجوا من جمعكم بين اليتائم ثم لا تعدلون بينهن.

(فصل)

أما قوله تعالى « فانكحوا ما طاب لكم » فهو جواب لقوله « وان خفتم ألا تقسطوا » على ما روي عن عائشة وأبي جعفر عليه‌السلام.

ومن قال إن تقديره ان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك تخافوا في النساء ، الجواب قوله « فانكحوا » ، والتقدير فان خفتم ألا تقسطوا فخافوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء ، فلا تتزوجوا منهن الا من تأمنون معه الجور مثنى وثلاث ورباع ، فان خفتم أيضا من ذلك فواحدة ، فان خفتم من الواحدة فمما ملكت ايمانكم ، فنزل ذكر فلذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء لدلالة الكلام عليه ، وهو قوله « فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة ».

ومعنى « ألا تقسطوا » أي ألا تعدلوا ولا تقسطوا ، والأقساط العدل ، واليتامى

٩٧

جمع لذكران الأيتام ، وإناثهم في هذا المعنى.

وقال الحسين بن علي المغربي : معنى « ما طاب » أي ما بلغ من النساء كما يقال « طابت الثمرة » أي بلغت ، والمراد المنع من تزويج اليتيمة قبل البلوغ لئلا يجري عليها الظلم ، فان البالغة تختار لنفسها.

وقيل معنى « ما طاب لكم » ما حل لكم من النساء ومن أحل لكم منهن دون من حرم عليكم ، وانما قال « ما طاب » لان ما مصدرية. وقيل إن ما ههنا للجنس.

كقولك « ما عندك؟ » فالجواب رجل وامرأة. وقيل لما كان المكان مكان ابهام جاءت ما لما فيها من الابهام ، ولم يقل من طاب وإن كان من العقلاء ونحوهم من العلماء وما لغير العقلاء ، لان المعنى انكحوا الطيب أي الحلال ، لأنه ليس كل النساء حلالا ، لان الله حرم كثيرا منهن بقوله « حرمت عليكم أمهاتكم » الآية. هذا قول الفراء ، وقال مجاهد : فانكحوا النساء نكاحا طيبا. وقال المبرد : ما ههنا للجنس. وكذا قوله « أو ما ملكت أيمانكم » معناه أي ملك أيمانكم.

ومعنى « فانكحوا ما طاب لكم » أي فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع ، لما قال « والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة » (١) معناه فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.

وقوله تعالى « مثنى وثلاث ورباع » بدل من « ما طاب » وموضعه النصب ، وتقديره اثنتين اثنتين وثلاثا وثلاثا وأربعا أربعا ، والواو على هذا بمعنى أو. وقد تقع هذه الألفاظ على الذكر والأنثى ، فوقوعها على الاثني مثل الآية التي نحن في تفسيرها ، ووقوعها على الذكر قوله « أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع » (٢) لان المراد به الجناح وهو مذكر.

__________________

١) سورة النور : ٤.

٢) سورة الفاطر : ١.

٩٨

وقوله « مثنى وثلاث ورباع » معناه اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، فلا يقال إن هذا يؤدي إلى جواز نكاح تسع كما توهمه بعض الزيدية ، فان اثنين وثلاثا وأربعا تسع لما ذكرناه ، فان من قال « دخل القوم البلد مثنى وثلاث ورباع » لا يقتضي الاعداد في الدخول ، ولكن لهذا العدد لفظا موضوعا وهو تسع ، فالعدول عنه إلى مثنى وثلاث ورباع نوع من العي. جل كلامه تعالى عن ذلك.

وقال الصادق عليه‌السلام : لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر (١). ولعمومه بقوله : ان الاقتصار في نكاح المتعة على أربعة أولى (٢). وان ورد انهن بمنزلة الإماء ، وفي الإماء يجوز الجمع بين أكثر من أربع في ملك اليمين.

(فصل)

وقوله « فواحدة أو ما ملكت أيمانكم » أي فان خفتم ألا تعدلوا في ما زاد على الواحدة فانكحوا واحدة.

وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع ، وتقديره فواحدة كافية ، كما قال تعالى « فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان » (٣).

ومن استدل من الزيدية بهذه الآية على أن نكاح التسع جائز ، فقد أخطأ ، لان المعنى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ان أمنتم الجور ، وأما ثلاث ان لم تخافوا ذلك ، وأما رباع ان أمنتم ذلك فيهن ، بدلالة قوله تعالى « فان

__________________

١) وسائل الشيعة ١٤ / ٣٩٩.

٢) في المصدر السابق ١٤ / ٤٤٨ أحاديث بهذا المعنى.

٣) سورة البقرة : ٢٨٢.

٩٩

خفتم ألا تعدلوا فواحدة » لان معناه فان خفتم في الثنتين فانكحوا واحدة ، ثم قال فان خفتم في الواحدة أيضا فما ملكت أيمانكم. على أن مثنى لا تصلح الا لاثنين اثنين على التفريق في قول الزجاج ، فتقدير الآية فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث بدلا من مثنى ورباع من ثلاث ، فلا حاجة إلى أن يقال الواو بمعنى أو ، ولو قال أو لظن أنه ليس لصاحب مثنى ثلاث ولا لصاحب الثلاث رباع.

وقال الفارسي : ان مثنى وثلاث ورباع حال من قوله « ما طاب لكم من النساء » ، فهو كقولك « جئتك راكبا وماشيا وراكبا ومنحدرا » تريد أنك جئته في كل حال من هذه الأحوال ، ولست تريد أنك جئته وهذه الأحوال لك في وقت واحد.

ومن استدل بقوله تعالى « فانكحوا » على وجوب التزويج من حيث أن الامر شرعا يقتضي الوجوب. فقد أخطأ ، لان ظاهر الامر وان اقتضى الايجاب في الشرع فقد ينصرف عنه بدليل ، وقد قام الدليل على أن التزويج ليس بواجب ، على أن الغرض بهذه الآية انهي عن القد على من يخاف أن لا يعدل بينهن.

(فصل)

ثم قال تعالى « ذلك أدنى ألا تعولوا » فأشار بهذا إلى العقد على الواحدة مع الخوف من الجور فيما زاد عليها والاقتصار على ما ملكت أيمانكم ، أي هو أقرب إلى أن لا تجوروا ولا تميلوا ، يقال منه عال يعول إذا مال وجار.

وما قاله قوم من أن معناه أن لا يفترقوا فهو خطأ ، وكذا قول من زعم أن معناه أن لا يكثر عيالكم ، لأنه يقال عال يعيل إذا احتاج ، وأعال يعيل إذا كثر عياله.

على أنه لو كان المراد القول الثالث لما أباح الواحدة وما شاء من ملك

١٠٠