فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

وروي عن أبي الدرداء وأبي موسى : كان الرجل يطلق أو يعتق ثم يقول انما كنت لاعبا ، [ فأعلم الله أن فرائضه لا يجوز اللعب فيها ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله : من طلق لاعبا أو أعتق لاعبا ] (١) فقد جاز عليه. لان لحاكم يجب عليه الحكم على ظاهر الشرع إذا شهد البينة.

والأولى أن يكون المراد لا تستخفوا بآيات الله وفروضه ولا تتخذوا آيات الله هزوا ، أي ذات استهزاء بها. وهذا توكيد ، كأنه قال اعملوا ، عليها ولا تستهينوا بها.

(فصل)

ثم قال « وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف » (٢).

قال قتادة والحسن : ان هذه الآية نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته ان ترجع إلى الزوج الأول ، فإنه كان طلقها وخرجت من العدة ثم أرادا أن يجتمعا بعقد آخر على نكاح آخر ، فمنعه من ذلك فنزلت الآية فيه. وقال السدي : نزلت في جابر بن عبد الله عضل بنت عم له (٣).

والوجهان لا يصحان على مذهبنا ، لان عندنا أنه لا ولاية للأخ ولا لابن العم عليها ، وانما هي ولية نفسها فلا تأثير لعضلهما. والوجه في ذلك أن تحمل الآية على المطلقين ، لأنه خطاب لهم بقوله تعالى « وإذا طلقتم النساء » ، فكأنه قال لا تعضلوهن بأن تراجعوهن عند قرب انقضاء عدتهن ولا رغبة لكم فيهن وانما تريدون الاضرار بهن ، فان ذلك مما لا يسوغ في الدين والشرع كما قال في الأولى

__________________

١) الزيادة من م.

٢) سورة البقرة : ٢٣٢.

٣) أسباب النزول للواحدي ص ٥٠ ـ ٥١.

١٨١

« ولا تمسكوهن ضرارا لتعدوا » (١).

ولا يطعن على ذلك بقوله « أن ينكحن أزواجهن » لان المعنى فيه من يصير أزواجهن ، كما أنهم لابد لهم من ذلك إذا حملوا على الزوج الأول ، لان بعد انقضاء العدة لا يكون زوجا ، ويكون المراد من كان أزواجهن فما لهم الا مثل ما عليهم.

ويجوز أن يحمل العضل في الآية على الجبر والحيلولة بينهن وبين التزويج دون ما يتعلق بالولاية ، لان العضل هو الحبس والمنع والضيق (٢). وهذا الوجه حسن ، وتقدير أن ينكحن من أن ينكحن ، فمحل « أن » جر عند الخليل ونصب عند سيبويه.

وانما قال « ذلك » ولم يقل ذلكم كما تقدم من قوله « طلقتم » لان تقديره ذلك يا محمد أو يا أيها القبيل.

« يوعظ به من كان يؤمن » ، وانما خص المؤمن بالوعظ لأنه ينتفع به فنسب إليه كما قال « هدى للمتقين » ولأنه أولى بالاتعاظ.

(فصل)

قال الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن » (٣).

اختلفوا في معنى ذلك :

__________________

١) هذا الكلام مأخوذ من مجمع البيان ١ / ٣٣٢.

٢) العضل هو الشدة والالتواء في الامر ، وعليه تتفرع المعاني المذكورة في الكتاب أنظر معجم مقاييس اللغة ٤ / ٣٤٥.

٣) سورة النساء : ١٩.

١٨٢

فقال الزهري والجبائي وغيرهما : هو أن يحبس الرجل المرأة عنده لا حاجة له إليها وينتظر موتها حتى يرثها فنهى الله عن ذلك ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١).

وقال الحسن ومجاهد : معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية من أن الرجل إذا مات وترك امرأته قال ابنه من غيرها أو وليه ورثت امرأته كما ورثت ماله فألقى عليها رداءه أنها امرأته على العقد الذي كان مع أبيها ولا يعطيها شيئا ، وان شاء زوجها وأخذ صداقها. روى ذلك أبو الجارود عن الباقر عليه‌السلام ، قال أبو مجلث : ثم كان هو بالميراث أولى بها من ولي نفسها (٢).

أما قوله تعالى « فلا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن » قيل فيمن عني بهذا النهي أربعة أقوال :

أحدها : قال ابن عباس هو الزوج ، أمره الله بتخلية سبيلها إذا لم يكن لها فيه حاجة ولا يمسكها اضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها.

الثاني : قال الحسن هو الوارث ، نهى عن منع المرأة من التزويج كما يفعله الجاهلية على ما بيناه.

الثالث : قال مجاهد المراد الولي.

الرابع : قال ابن يزيد المطلق يمنعها من التزويج كما كانت قريش تفعل في الجاهلية ، ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فإذا لم توافقه فارقها ان لا تتزوج الا باذنه ويشهد عليها بذلك ويكتب كتابا ، فإذا خطبها خاطب فان أعطته وأرضته أذن لها وان لم تعطه عضلها فنهى الله عن ذلك.

والأول أظهر الأقاويل. والعضل هو التضييق بالمنع من التزويج.

__________________

١) انظر تفسير البرهان ١ / ٣٥٥.

٢) تفسير البرهان ١ / ٣٥٥.

١٨٣

وقوله تعالى « الا أن يأتين بفاحشة مبينة » قيل فيه قولان : أحدهما ما قال الحسن أنه يعني به الزنا ، وقال إنه إذا أطلع منها على ريبة فله أخذ الفدية.

الثاني قال ابن عباس هو النشوز. والأولى حمل الآية على كل معصية ، لان العموم يقتضي ذلك ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١).

قوله « لا تعضلوهن » يحتمل أن يكون جزما بالنهي ويحتمل أن يكون نصبا بالعطف على « أن يرثوا النساء كرها » ، ويقرأ بهذا التقدير عبد الله : ولا أن تعضلوهن باثبات أن.

وقيل في سبب نزول هذه الآية ان أبا قيس بن الأسلت لما مات عن زوجته كبشة بنت معن بن عاصم (٢) أراد ابنه أن يتزوجها ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت : يا نبي الله لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح ، فنزلت هذه الآية ـ ذكره أبو جعفر عليه‌السلام وغيره (٣).

(فصل)

ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بأداء حقوقهن التي أوجبها عليهم من امساك بمعروف أو تسريح باحسان ، فقال « وعاشروهن بالمعروف » أي خالطوهن وخالقوهن ، من العشرة التي هي المصاحبة « فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا » يعني في امساكهن على كره منكم ، خيرا كثيرا من ولد يرزقكم أو عطفكم عليهن بعد الكراهية. والهاء في « فيه » يحتمل أن

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ٣٥٥.

٢) كذا في النسختين ، وفى المصدر « كبيثة بن معمر بن معبد » ، وهو غير صحيح ـ انظر الإصابة / ٣٨٣.

٣) تفسير البرهان ١ / ٣٥٥.

١٨٤

أن يرجع إلى قوله « شيئا » ويحتمل أن يعود إلى الذي تكرهونه.

« وان أردتم استبدال زوج مكان زوج » المعنى ان أردتم تخلية المرأة ، سواء استبدلت مكانها أو لم تستبدل. وانما خص الله الاستبدال بالنهي لان مع الاستبدال قد يتوهم جواز الاسترجاع لما أعطي من حيث أن الثانية تقوم مقام الأولى ، فيكون لها ما أعطته الأولى ، فيبين الله أن ذلك لا يجوز.

ومعنى قوله تعالى « وآتيتم إحداهن قنطارا » ليس ما أعطيتموهن موقوفا على التمسك بهن دون تخليتهن ، فيكون إذا أردتم الاستبدال جاز لكم أخذه ، بل هو تمليك صحيح الرجوع فيه. والمراد بذلك ما أعطي المرأة مهرا لها ويكون دخل بها ، فأما إذا لم يدخل بها وطلقها جاز له أن يسترجع نصف ما أعطاها. فأما ما أعطاها على وجه الهبة فظاهر الآية يقتضي أنه لا يجوز الرجوع في شئ منه ، لكن علمنا بالسنة أن ذلك سائغ له ولو كان مكروها.

والقنطار المال الكثير ، قيل هو دية الانسان ، وقيل هو ملء جلد ثور ذهبا.

« وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ». وقال السدي وابن زيد : هذه الآية منسوخة بقوله « الا أن يخافا ألا يقيما حدود الله » (١) الآية. والصحيح أنها محكمة ليست منسوخة ، إذا لا يتنافى حكما الآيتين ، لان الزوج يجوز له أن يأخذ الفدية من المختلعة ، لان النشوز فيها هو في حكم المكره ، في الآية الأخرى الزوج مختار للاستبدال ، فلا حاجة إلى نسخ إحداهما بالأخرى.

والافضاء في الآية كناية عن الجماع قال ابن عباس ومجاهد والسدي ، وقيل إنه الخلوة وان لم يجامع ، فليس له أن يسترجع نصف المهر مع الجماع ومع الدخول في الثيب ، وأما البكر فان خلا بها ووجدت بخاتم ربها من بعد فلها نصف المهر. وكلتا الروايتين رواهما أصحابنا واختلفوا فيه ، والأول أقوى

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٩.

١٨٥

لان الافضاء كناية عن الجماع.

وقوله تعالى « وأخذن منكم ميثاقا غليظا » قيل هذا الميثاق قوله « امساك بمعروف أن تسريح باحسان » وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١). وقال مجاهد : هو كلمة النكاح التي يستحل بها الفرج (٢) ، وهذا الكلام وإن كان ظاهره الاستفهام فالمراد به التهديد والتوبيخ.

(باب)

(ما يجب على المرأة في عدتها)

نستدل أولا على أن عدة الحامل وضعها ، ثم نشرع في ذكره.

ان قيل : ما حجتكم على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها الحمل دون الأقراء ، فان احتججتم بقوله « وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » (٣ عورضتم بعموم قوله « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء » (٤)؟ الجواب عنه : انه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها وأنها ناسخة لما تقدمها ، ومما يكشف عن ذلك أن قوله « والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن » انما هو في عدة غير الحامل ، فان من استبان حملها لا يقال فيها [ لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله في رحمها ، وإذا كانت هذه خاصة ] (٥) في غير الحوامل لم يعارض أنه الوضع ، وهي عامة في كل حامل من مطلقة وغيرها.

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ٣٥٥.

٢) هذا التفسير أيضا مروى عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ـ انظر المصدر السابق.

٣) سورة الطلاق : ٤.

٤) سورة البقرة : ٢٢٨.

٥) الزيادة من ج.

١٨٦

وقيل في معنى قوله تعالى « ولا يحل فهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن » ثلاثة أقوال : أحدها قال إبراهيم الحيض ، وثانيها قال قتادة الحبل ، وثالثها قال ابن عمر هو الحبل والحيض. وبه قال الحسن ، وهو الأقوى لأنه أعم (١). وانما لم يحل لهن الكتمان لظلم الزوج بمنعه المراجعة في قول ابن عباس ، وقال قتادة لنسبة الولد إلى غير والده كفعل الجاهلية.

ثم شرط بقوله « ان كن يؤمن بالله واليوم الآخر » أي من كانت مؤمنة فهذه صفتها لا أنه يلزم المؤمنة دون غيرها. وخرج ذلك مخرج التهديد.

ثم قال « وبعولتهن أحق بردهن » يعني أزواجهن أحق برجعتهن ، وذلك يختص الرجعيات وإن كان أول الآية عاما في جميع المطلقات الرجعية والبائنة ، ويسمى الزوج بعلا لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها.

وقوله تعالى « ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ». قال الضحاك : لهن من حسن العشرة المعروف على أزواجهن مثل ما عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لهم. وقال ابن عباس : لهن على أزواجهن من التصنيع والبر بهن مثلما لأزواجهن عليهن. وقال الطبري : على أزواجهن ترك مضارتهن كما أن ذلك عليهن لأزواجهن.

ثم قال « وللرجال عليهن درجة » أي فضيلة : منها الطاعة ، ومنها أنه يملك التخلية ، ومنها زيادة الميراث على قسم المرأة والجهاد. هذا قول مجاهد وقتادة ، وقال ابن عباس : منزلة في الاخذ عليها بالعضل في المعاملة حتى قال « ما أحب أن استوفي منها جميع حقي ليكون لي عليها الفضيلة والدرجة والمنزلة ».

وقيل إن في الآية نسخا ، لان التي لم يدخل بها لا عدة عليها بلا خلاف إذا طلقت ، قال الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات » إلى قوله « فمالكم

__________________

١) وهو المروى عن الصادق عليه‌السلام ـ انظر مجمع البيان١ / ٣٢٦.

١٨٧

عليهن من عدة تعتدونها » (١) ولان الحامل عدتها وضع ما في بطنها لقوله تعالى  « وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » (٢).

(فصل)

وجاء في التفسير أن الذي حرم على المرأة كتمانه مما خلق الله في رحمها هو الولد ، وهو أن تكون حبلى فتكتم الحبل لتطلق فتتزوج زوجا تؤثره.

ونهيت عن ذلك لامرين :

أحدهما : أنها تلحق الولد بغير والده كما ذكرناه.

والثاني : أنها تمنع الزوج فسخه في المراجعة ، لان عدة الحوامل وضع الحمل ، فهي أبعد مدى من مدة القرء. ويقويه قوله « هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء » (٣) وأنكر أبو علي على إبراهيم قوله انه المحيض وقال لا يكون الا الحبل ، لان الدم لا يكون حيضا حتى يخرج من الرحم وإذا خرج فليس في الرحم وامر الله تعالى ان لا يكتمن ما خلق الله في أرحامهن.

وقال محمد بن جرير : المراد الحبل الحيض ههنا ، ولا معنى لصرف المعنى إلى أحدهما ، كأن الغرض نهيهن عما يكون سببا لمنع حق الزوج من مراجعتها في العدة ان أراد ، وكل واحد منهما كالاخر لان يوضع الحمل بتقضي العدة كما ينقضي بانقضاء القرء.

الثالث : قال علي بن عيسى ان كتمت الحبل محبة لفراقه ثم علم به ردها صاغرة عقوبة لما كتمته.

وقال عبد الجبار : الآية تدل على بقاء الزوجية بعد الطلاق الرجعي ما دامت

__________________

١) سورة الأحزاب : ٤٩.

٢) سورة الطلاق : ٤.

٣) سورة آل عمران : ٦.

١٨٨

في العدة ، فلهذا سماهن بعولا ، ولان للطلاق تأثيرا يزال بالرد ما بقيت العدة.

وان الرجعة تصح من دون الاشهاد ، وانما أمر الله فيها بالاشهاد احتياطا وسنة ، لان الرجل كان قد أشهد على طلاقها فإذا راجع قبل انقضاء العدة ولم يشهد فان أنكرت المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة ولم يكن للرجل بينة على المراجعة وكان لها بينة على الطلاق فرق الحاكم بينهما على ظاهر الشرع ، فالاحتياط هو الاشهاد في المراجعة. ويصح من دونه لأنه تعالى جعلها حقا للبعل.

وله أن يراجع بغير رضاء منها ، لان الله جعله أحق بذلك. ويدل الظاهر على أن له الرجعة في كل مطلقة يلزمها العدة ولا يكون تطليقا ثانيا.

وقال تعالى في موضع آخر « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة » فلما أمر بالتطليق وأن يكون بعدة تحصى بين تعالى في هذه الآية العدة ما هي فقال « ثلاثة قروء » ، قال في آيات أخر بيان العدد كلها على ما ذكرناه.

وقد ذكرنا من قبل انه تعالى انما قال « ثلاثة قروء » ولم يقل ثلاثة أقراء على جمع القليل لأنه لما كانت كل مطلقة مستقيمة الحيض على ما ذكرناه يلزمها هذا ، دخله معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة للاشعار بذلك ، فالقروء كثيرة الا أنها ثلاثة ثلاثة في القسمة.

(باب)

(ما يكون كالسبب للطلاق)

وهو على ضربين النشوز والشقاق ، ولكل واحد منهما حكم دون حكم الاخر.

أما النشوز فقد قال الله تعالى « وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا

١٨٩

فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير » (١) وهو أن يكره الرجل المرأة (٢) وتريد المرأة المقام معه وتكره مفارقته ويريد الرجل طلاقها فتقول له : لا تفعل اني أكره أن يشمت بي ، فكلما يلزمك من نفقة وغيرها لي فهو لك وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما ودعني على حالتي ، لا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح.

ومعنى الآية ان امرأة علمت من زوجها كراهة بنفسه عنها إلى غيرها وارتفاعا بها عنها اما لبغضه واما لكراهية منه شيئا منها اما دمامتها واما سنها وكبرها أو غير ذلك.

« أو اعراضا » يعني انصرافا بوجهه أن يبغض منافعه التي كانت لها منه  « فلا جناح » ولا حرج عليهما أن يصطلحا بينهما صلحا ، بأن تترك المرأة له يومها أو تضع عنه بعض ما يجب لها من نفقة أو كسوة أو غير ذلك ، تستعطفه بذلك وتستديم المقام في حباله والتمسك بالعقد الذي بينه وبينها من النكاح.

ثم قال تعالى « والصلح خير » ومعناه الصلح بترك بعض الحق استدامة للخدمة وتمسكا بعقد النكاح خير من طلب الفرقة. وقال بعض المفسرين : الصلح خير من النشوز والاعراض ، والأول أشبه.

هذا إذا كان بطيبة من نفسها ، فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له الا ما يسوغ في الشرع من القيام بالكسوة والنفقة والقسمة ، والا يطلق. ونحوه هذه الجملة روى مخالفونا عن علي عليه‌السلام وعن عمر وابن عباس وعائشة وابن جبير وجماعة.

__________________

١) سورة النساء : ١٢٨.

٢) النشوز بمعنى الارتفاع وطلب العلو ، ويكون بين الزوجين للكراهة التي تحدث بينهما ، فنشوز المرأة استعصاؤها على زوجها ، ونشوز الزوج استعطاؤه عليها وضربها وجفاها والاضرار بها ـ لسان العرب (نشز).

١٩٠

وقال ابن عباس : خشيت سودة بنت زمعة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وآله ، قالت : لا تطلقني وأجلسني مع نسائك ولا تقسم لي ، فنزلت « وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا » (١).

قال أبو جعفر عليه‌السلام : هي بنت محمد بن مسلمة فتزوج عليها شابة فآثر الشابة عليها ، فأبت الأولى أن تقر على ذلك ، فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها يسيرا ، قال : ان شئت راجعتك وصبرت على الأثرة وان شئت تركتك حتى يخلو أجلك ، ثم طلقها الثانية وفعل بها مثل ما فعله أولا ، فقالت : راجعني وأصبر على الأثرة ، فراجعها فذلك الصلح الذي بلغنا أنزل الله فيه « وان امرأة خافت من بعلها نشوزا » (٢).

« وأحضرت الأنفس الشح » أي أحضرت أنفس كل واحد من الرجل والمرأة الشح بحقه قبل صاحبه ، فشح المرأة بترك حقها من النفقة والكسوة والقسمة وغير ذلك ، وشح الرجل انفاقه على التي لا يريدها.

وان قيل : وان امرأة ليس فيه ان الرجل نشز على امرأة ، والخوف ليس معه يقين.

قلنا عنه جوابان :

أحدهما : ان الخوف في الآية بمعنى العلم ، تقديره وان امرأة علمت.

والثاني : أنها لا تخاف النشوز من الرجل الا وقد بدا منه ما يدل على النشوز والاعراض من أمارات ذلك.

ثم نفى الله أن يقدر أحد على التسوية بين النساء في حبهن ، لان ذلك تابع لما فيه من الشهوة وميل الطبع ، وذلك من فعل الله ، وليس بذلك نفي القدرة على التسوية والنفقة والكسوة.

__________________

١) انظر مجمع البيان ٢ / ١٢٠.

٢) تفسير علي بن إبراهيم ١ / ١٥٤ وانظر أيضا أسباب النزول للواحدي ص؟؟؟ ١٢.

١٩١

ثم قال « وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته » المعنى ان الزوجين اللذين تقدم ذكرهما متى أبى كل واحد منهما مصالحة الاخر ، بأن تطالب المرأة نصيبها من النفقة والقسمة وحسن العشرة ويمتنع الزوج من اجابتها إلى ذلك لميله إلى الأخرى ويتفرقا حينئذ بالطلاق ، فان الله يغني كل واحد بفضله.

(فصل)

ثم قال تعالى « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض » (١) أي انهم يقومون بأمرهن وبتأديبهن. فدلت الآية على أنه يجب على الرجل أن يدبر أمر المرأة وان ينفق عليها ، لان فضله وانفاقه معا علة لكونه قائما عليها مستحقا لطاعتها ، فالصالحات مطيعات لله ولأزواجهن ، حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله وما يجب من رعايته وحاله وما يلزم من صيانتها نفسها لله.

« واللاتي تخافون نشوزهن » النشوز ههنا معصية الزوج ، وأصله الرفع على الزوج ، من قولهم « هو على نشز من الأرض » أي ارتفاع. والنشوز يكون من قبل المرأة على زوجها خاصة ، والشقاق بينهما.

« فعظوهن » فان رجعن والا فاهجروهن في المضاجع : وعن الباقر عليه السلام : هجر المضاجعة هو أن يحول ظهره إليها (٢). وقال ابن جبير هو هجر الجماع. وقال بعضهم اهجروهن اربطوهن بالهجار أي الحبل. وهذا تعسف في التأويل ، ويضعفه قوله « في المضاجع » ولا يكون الرباط في المضاجع.

فأما الضرب فإنه غير مبرح بلا خلاف. قال أبو جعفر عليه‌السلام : هو

__________________

١) سورة النساء : ٣٤.

٢) تفسير البرهان ١ / ٣٦٧.

١٩٢

بالسواك (١) « فان أطعنكم » فلا تطلبوا العلل في ضربهن وسوء معاشرتهن.

ثم قال « وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها » (٢ ويجعلا الامر إليهما على ما يريان من الصلاح [ فان رأيا من الصلاح الجمع بينهما جمعا ولم يستأذنا ولم يكن لهما مخالفتهما ، وان رأيا من الصلاح ] (٣ التفريق بينهما لم يفرقا حتى يستأذنا ، فان استأذنا هما ورضيا بالطلاق فرقا بينهما.

وان رأى أحد الحكمين التفريق والاخر الجمع لم يكن لذاك حكم حتى يصطلحا على أمر واحد ، اما جمع واما تفريق. ومعنى الآية أي ان علمتم ، والأولى والأصح أن يحمل على خلاف الامن ، لأنه لو علم الشقاق يقينا لم يحتج إلى الحكمين ، فان أريد به الظن كان قريبا مما قلناه.

والشقاق الخلاف والعداوة ، والحكم السلطان الذي يترافعان إليه ـ قاله جماعة ، وقال قوم هنا وكيلان ، وعندنا أنهما حكمان. والضمير في « بينهما » عائد إلى الحكمين ، أي إذا أرادا اصلاحا في أمر الزوجين يوفق الله بينهما ـ قاله ابن عباس وابن جبير.

(باب)

(ما يؤثر في أنواع الطلاق)

وهو أيضا على ضربين الخلع والمباراة. وهما يؤثران في كيفية الطلاق ، فان كل واحد منهما متى حصل مع الطلاق كانت التطليقة بائنة.

أما الخلع فإنه يكون من جهة المرأة خاصة ، ويجب إذا قالت المرأة لزوجها

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ٣٦٧.

٢) سورة النساء : ٣٥.

٣) الزيادة من ج.

١٩٣

ان لم تطلقني لأوطئن فراشك من تكرهه ، فمتى سمع منها هذا القول أو علم هذا من حالها وان لم تنطق به وجب عليه خلعها ، وقد سمى الله تعالى في كتابه الخلع افتداء فقال « فلا جناح عليهم فيما افتدت به » (١). والفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به. وهذا هو الخلع في الشرع ، وانما استعمل هذا (٢) في الزوجين لان كل واحد منهما لباس لصاحبه.

والأصل في الخلع الكتاب والسنة ، قال تعالى « ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا أن يخافا ألا يقيما حدود الله » (٣) الآية.

فإذا أراد خلعها اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه ، سواء كان ذلك مثل المهر الذي أعطاها أو أكثر منه أو أنقص حسبما يختاره أي ذلك فعل جاز وحل له ما يأخذ منها ، فإذا تقرر بينهما على شئ معلوم طلقها بعد ذلك ، وتكون تطليقة بائنة لا يملك رجعتها الا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها قبل العدة (٤) ، فان رجعت في شئ من ذلك في العدة كان له الرجوع أيضا في بعضها ما لم تخرج من العدة ، فإذا خرجت من العدة لم يلتفت إليها ذا رجعت فيما بذلته ولم يكن عليها أيضا رجعة فان أراد كان بعقد جديد.

أما قوله تعالى « ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا » أي الا أن يظنا ، ومن ضم الياء من « يخافا » فتقديره أن لا يخافا على أن لا يقيما حدود الله. وقال أبو علي الفارسي : خاف يتعدى إلى مفعول واحد ، وذلك المفعول يكون تارة أن وصلتها وتارة غيرها ، ولا يلزم حمزة سؤال من قال ينبغي

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٩.

٢) أي اسم « الخلع » أطلق على هذا الطلاق لان الزوج كأنه يخلع لباسه عن بدنه إذ يطلق زوجته.

٣) سورة البقرة : ٢٢٩.

٤) أي قبل انقضاء العدة.

١٩٤

أن يكون فان خيفا ، وكذا لا يلزم من خالفه لم لم يقل « فان خافا » لامرين : أحدهما أن يكون الصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال « الحد لله » ثم قال « إياك نعبد » وقال « ما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ». (١) والاخر يكون الخطاب في قوله « فان خفتم » مصروفا إلى الولاة والفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة.

فان قيل : كيف قال « فلا جناح عليهما » وانما الإباحة لاخذ الفدية.

قيل : لأنه لو خص بالذكر ولا وهم انها عاصية ، فان كانت الفدية له جائزة فبين الاذن لهما لئلا يوهم انه كالربا المحرم على الاخذ والمعطي.

وذكر الفراء أنه كقوله تعالى « يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان » (٢) وانما هو من الملح دون العذب مجاز للاتساع. وهذا هو الذي يليق بمذهبنا ، لان الذي يبيح الخلع عندنا هو ما لولاه لكانت المرأة به عاصية ، فهما اشتركا في أن لا يكون عليهما جناح إذا كانت تعطي ما قد يفي عن الزوج فيه الاثم ، فاشتركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح الاثم احتاجت هي إلى مثل ذلك ، أي انها نفت [ عن ] (٣) نفسها الاثم بأن افتدت ، لأنها لو أقامت على النشوز والاضرار لأثمت وكان عليها في النشوز جناح فخرجت عنه بالافتداء.

وأما المباراة فهي أن تكون الكراهية من جهة الرجل والمرأة معا من كل واحد منهما لصاحبه ولم يختص ذلك واحد منهما ، فمتى عرفا ذلك من حالهما أو قالت المرأة لزوجها أنا أكره المقام معك وأنت تكره المقام معي أيضا فباريني ، أو يقول الرجل مثل ذلك على أن تعطيني كيت وكيت ويكون ذلك دون المهر ،

__________________

١) سورة الروم : ٣٩.

٢) سورة الرحمن : ٢٢.

٣) زيادة يقتضيها السياق.

١٩٥

فإذا بذلته ذلك من نفسها طلقها حينئذ تطليقة. وتكون بائنة على ما ذكرناه ، لان المباراة ضرب من الخلع ، والفرق بينهما ما ذكرناه ، والآية تدل عليهما.

والخلع بالفدية على ثلاثة أوجه :

أحدها ، أن تكون المرأة عجوزا ودميمة فيضاريها لتفتدي به نفسها ، فهذا لا يحل له الفداء ، لقوله « وان أردتم استبدال زوج مكان زوج » (١) الآية.

الثاني : أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضاريها لتفتدي في خلعها ، فهذا يجوز وهو معنى قوله « ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن الا أن يأتين بفاحشة مبينة » (٢).

الوجه الثالث : أن يخافا ألا يقيما حدود الله لسوء خلق أو لقلة نفقة من غير ظلم أو نحو ذلك ، فتجوز الفدية خلعا كان أو مباراة على ما فصلناه.

(باب ما يلحق بالطلاق)

وهو أيضا على ضربين : يوجب التحريم وان لم تقع الفرقة ، وضرب يوجب البينونة مثل الطلاق. فالقسم الأول الظهار والايلاء ، والقسم الثاني اللعان والارتداد. ونحن نفرد لكل واحد منهما فصلا مفردا انشاء الله تعالى.

(فصل)

(في الظهار)

قال الله تعالى « الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم ان أمهاتهم

__________________

١) سورة النساء : ٢٠.

٢) سورة النساء : ١٩.

١٩٦

الا اللائي ولدنهم » (١). وهذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة (٢) وزوجها أوس أخو عبادة بن الصامت في قول قتادة ، وكان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها وكان ظاهر منها وهي تقول كبرت سني ودق عظمي ، وان أوسا تزوجني وأنا شابة غنية فلما علت سني ظاهر مني ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساكت لا يجيبها لأنه لم يكن نزل عليه وحي في ذلك ولا حكم. ثم قالت : إلى الله أشكو حالي فلي صبية ان ضممتهم إلي جاعوا وان ضمهم إليه ضاعوا. فعاودت النبي عليه السلام فسألته رخصة (٣).

ان قيل : لم قال « ولاله يسمع تحاوركما » بعد قوله « قد سمع الله قول التي تجادلك ».

قلنا : ليس ذلك تكريرا ، لان أحد المسموعين غير الاخر ، والأول ما حكته عن زوجها من الظهار والثاني ما كان يجري بينهما وبين النبي عليه‌السلام من الكلام في ذلك.

قال ابن عباس : هو أول من ظاهر في الاسلام فكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته « أنت علي كظهر أمي » حرمت عليه كما هو في الاسلام ، فأنزل الله في قصة الظهار الآيات. ولا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر وان نزلت الآية في سبب.

وقال صاحب النظم : ان بعض المفسرين قال : ليس قولهم « أنت علي كظهر أمي » مأخوذا من الظهر الذي هو العضو ، لأنه لو كان من ذلك لكان البطن أولى به من الظهر ، بل انما هو من قولهم « ظهر علي كذا » إذا ملكه ، وكما

__________________

١) سورة المجادلة : ٢.

٢) في بعض نصوص الحديث « خويلة » ، انظر الإصابة ٤ / ٢٨٢.

٣) أسباب النزول للواحدي ص ٢٧٣.

١٩٧

يقولون « نزل عنها » إذا طلقها يقولون ظهر عليها إذا ملكها وعلاها بالزوجية وملك النكاح ، فكأنه قال ملكي إياك حرام علي كما أن ملكها علي حرام (١).

وكان أهل الجاهلية إذا قال الرجل منهم لامرأته « أنت علي كظهر أمي » بانت منه وطلقت ، وفي شريعة الاسلام لا تبين المرأة الا أنه لا يجوز له وطؤها بل يحرم.

وهو ينقسم إلى قسمين :

قسم : يجب فيه الكفارة قبل المواقعة ، وهو أنه إذا تلفظ بالظهار ولا يعلقه بشرط أو علقه بشرط غير الوطي ثم حصل ذلك الشرط.

والقسم الثاني : أن يقول « أنت علي كظهر أمي ان واقعتك » ، فإنه لا تجب الكفارة هنا عليه الا بعد المواقعة.

والظهار لا يقع الا على المدخول بها ، وشروطه كشروط الطلاق سواء ، من كون المرأة في طهر لم يقربها فيه بجماع ، ويكون بمحضر شاهدين ، ويقصد التحريم ، ولا يكون على الغضب ولا على الاجبار ، فان اختل شئ من ذلك لم يقع به ظهار.

ومعنى قوله « الذين يظاهرون منكم من نسائهم » أي الذين يقولون لنسائهم  « أنتن علي كظهر أمي » ، ومعناه ان ظهر كن علي حرام كظهر أمي. فقال الله  « ما هن أمهاتهم » أي ليست أزواجهم أمهاتهم على الحقيقة ، وليس أمهاتهم على الحقيقة الا اللائي ولدنهم من الام وجداته والا اللائي أرضعنهم

__________________

١) قال ابن منظور : وأصله (أي الظهار) مأخوذ من الظهر ، وانما خصوا الظهر دون البطن والفخذ والفرج ـ وهذه أولى بالتحريم ـ لان الظهر موضع الركوب ، والمرأة مركوبة إذا غشيت ، فكأنه إذا قال « أنت على كظهر أمي » أراد : ركوبك للنكاح على حرام كركوب أمي للنكاح ، قأقام الظهر مقام الركب لأنه مركوب ، وأقام الركوب مقام النكاح لان الناكح راكب ، هذا من لطيف الاستعارات للكناية ـ لسان العرب (ظهر).

١٩٨

ثم أخبر أن القائل لهذا يقول منكرا قبيحا وكذبا.

ثم قال « والذين يظاهرون من نسائهم » يعني الذين يقولون هذا القول الذي حكيناه « ثم يعودون لما قالوا » اختلفوا في معنى العود ، فقال طاوس الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية ثم عادوا في الاسلام إلى مثل ذلك فظاهروا ، وقال قتادة العود هو العزم على عودها ، وقال قوم فيه تقديم وتأخير ، وتقديره والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ثم يعودون لما قالوا ، وقال آخرون معناه ثم يعودون لنقض ما قالوا.

والذي هو مذهبنا أن العود المراد به الوطئ أو بعض القول ، فالذي قاله فإنه لا يجوز له الوطئ الا بعد الكفارة إذا كان الظهار مطلقا.

وجعل الأخفش لما قالوا من صلة « فتحرير رقبة » فالمعنى الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة ، أي عليهم تحرير رقبة لما قالوا ، يعني لأجل ما قالوا. وهذا أيضا حسن.

وقال أحمد بن يحيى : معناه الذين يعودون لتحليل ما حرموه فقد عادوا فيه ، وهو في موضعه لا حاجة إلى تقديم وتأخير.

والأقاويل كلها متقاربة ، لان من عزم على غشيانها فقد عاد.

ثم بين تعالى كيفية الكفارة فقال « فتحرير رقبة » ، فان أول ما يلزمه من الكفارة عتق رقبة. والتحرير هو أن يجعل الرقبة المملوكة حرة بالعتق ، بأن يقول المالك انه حر.

والرقبة ينبغي أن تكون مؤمنة أو في حكم المؤمن ، سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرة أو كبيرة إذا كانت صحيحة الأعضاء ، فان الاجماع واقع على أنه يقع الاجزاء بها.

١٩٩

وتحرير الرقبة واجب في الظهار المطلق قبل المجامعة أو في المشروط بغير الوطي ، كأن يقول « ان فعلت كذا فأنت علي كظهر أمي » ، فإذا فعله وجب عليه الكفارة أيضا قبل الوطي لقوله « فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا » أي من قبل أن يجامعها فيماسا ، وهو قول ابن عباس. وقال الحسن يكره للمظاهر أن يقبل.

والذي يقتضيه الظاهر أن لا يقربها بجماع ولا بمماسة شهوة.

« فمن لم يجد » الرقبة وعجز عنها « فصيام شهرين متتابعين » ، والتتابع عند العلماء أن يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما ان بدأ من نصف شهر ونحوه لا يفطر بينهما ، فان أفطر بعد أن صام شهرا ومن الثاني بعضه ولو يوما فقد أخطأ الا أنه يبني ، فان أفطر قبله لعذر بنى أيضا ، وان أفطر من غير عذر استأنف.

فمن لم يقدر على الصوم « فاطعام ستين مسكينا » يعطي عندنا لكل مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر أعطاه مدا.

وقال بعض المفسرين : التحرير واجب قبل المجامعة لنص القرآن في الظهار المطلق ، ولم يذكر الله في الطعام ولكن أجمعت الأمة على أنه قبل التماس.

ويمكن أن يقال : ان الآية تدل على جميع ذلك ، لان الثاني ههنا بدل من الأول والثالث من الثاني.

ومتى نوى بلفظ الظهار الطلاق لم يقع به طلاق.

والاطعام لا يجوز الا للمسكين.

(فصل)

(في الايلاء)

قال الله تعالى « للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فان فاؤا فان الله

٢٠٠