فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

قال ابن عباس : لا ، لأنه يعتبر ذلك بقوله « وحمله وفصاله ثلاثون شهرا » (١) ، فان ولدت المرأة لستة أشهر فحولين كاملين ، وان ولدت لسبعة أشهر فثلاثة وعشرون شهرا [ وان ولدت لتسعة أشهر وأحد وعشرون شهرا يطلب لذلك التكملة لثلاثين شهرا ] (٢) في الحمل والفصال الذي يسقط به الفرض. وعلى هذا يدل أخبارنا ، لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد وعشرين شهرا فهو جور على الصبي.

وقال الثوري : هو لازم في كل ولد ، إذا اختلف والداه رجعا إلى الحولين من غير نقصان ولا زيادة ، لا يجوز لهما غير ذلك.

والرضاع بعد الحولين لا حكم له في التحريم عندنا ، وبه قال ابن عباس وأكثر العلماء.

وقوله « وعلى المولود له رزقهن » أنه يجب على الأب اطعام أم الولد وكسوتها ما دامت في الرضاعة اللازمة إذا كانت مطلقة عند أكثر المفسرين.

(فصل)

أما قوله تعالى « لا تضار والدة بولدها » فله تقديران : أحدهما ـ لا تضارر ما لم يسم فاعله ، اي لا ينزع الولد منها ويسترضع امرأة أخرى مع اجابتها إلى الرضاع بأجرة المثل ، ولا مولود له وهو الوالد ، أي لا تضارر والدة ، بأن لا تمتنع هي من الارضاع بأجرة المثل.

والثاني ـ ان وزنه تفاعل ، أي لا تضارر والدة بولدها ، اي لا تترك المطلقة ارضاع ولدها غيضا على أبيه فتضر بولدها ، لان الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية ، وهو اختيار الزجاج. قال : لا تضر بولدها في رضاع ولا غذاء ولا حفظ ،

__________________

١) سورة الأحقاف : ٢٥.

٢) الزيادة من ج.

١٢١

فيكون « ضار » بمعنى أضر ، ومعنى ولا مولود له بولده أي لا يضر الوالد على أم الولد من جهة النفقة وتفقده وحفظه.

ويجوز أن تكون المضارة من الوالدين بسبب الولد ونهيا عنه ، لان في تضارهما اضرارا بالولد. وقال أبو مسلم : المضارة والمعاسرة واحدة ، لقوله تعالى « فان تعاسرتم فسترضع له أخرى » ، وتعاسرهما أن تعلوا المرأة في التماس النفقة ومنعها الوالد أوسط ما يكفيها ، كأنه قيل لا تضر والدة الزوج بولدها ، وكذا فرض الوالد. وعن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام : أي لا يترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها المرتضع ، ولا تمنع نفسها من الأب خوف الحمل فيضر ذلك بالأب (١).

وإذا قرئ « لا تضار » بالرفع فهو في لفظ الخبر ومعناه الامر ، والمعنى لا تضارر ، ووالدة على هذا فاعلة لا غير. وإذا قرئ بفتح الراء فهو نهي مجزوم اللفظ ، والتقدير لا يضارره أو لا تضارره.

(فصل)

وقوله تعالى « وعلى الوالد مثل ذلك » معناه عليه كما ذكر من قبل من النفقة ومن ترك المضارة. وقيل الوارث الولد ، وقيل الوالدة ، والأول أقوى.

وروي في أخبارنا أن على الوارث كائنا من كان النفقة (٢) ، وهو ظاهر القرآن ، وبه قال جماعة. وقال بعض المفسرين : ان على كل وارث نفقة الرضاع الأقرب فالأقرب يؤخذ به ، وأما نفقة ما بعد الرضاع فعندنا تلزم الوالدين وان عليا النفقة على الولد وان نزل ولا تلزم غيرهم. وقال قوم تلزم العصبة دون الام والاخوة

__________________

١) تفسير البرهان ٢ / ٢٢٤.

٢) انظر تفسير البرهان ٢ / ٢٢٥.

١٢٢

من الام ، وقيل على الوارث من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث.

وعموم الآية يقتضيه غير أنا خصصناه بدليل.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون من كان ذا رحم ليس من المحرم كابن العم وابن الأخت ، فأوجبوا على ابن الأخت ولم يوجبوها على ابن العم وإن كان وارثه في تلك الحال وكذا العم وابن العم.

وقال سفيان : وعلى الوارث ، أي الباقي من أبويه ، وهذا مثل ما قلناه.

(فصل)

وقوله تعالى « فان أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما » الفصال الفطام لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات.

وهذا الفصال في الآية المراد به فصال قبل الحولين ، لان المدة التي هي تمام الحولين معلومة إذا تنازعا رجعا إليه ، فأما بعد الحولين فلا يجب على واحد منهما اتباع الاخر في دعائه.

وقال ابن مهرايزد في تفسيره : إذا اتفق الوالد والمرضعة على أن يريا الصواب فطام المولود قبل انقضاء الحولين واستشارا غيرهما كيلا يقع عليهما غلط فيضرا به ان فطماه فجائز أن يفعلاه. والظاهر أنه مع شرط الفصال قبل الحولين تراضى الوالدين واستشارة الغير فيه ، وجوز أبو مسلم أن يكون المراد بالفصال مفاصلة بين الوالد والوالدة أن تراضيا بالافتراق وتسليم الولد حتى تسترضعه من يختار ، وهو بعيد.

وقد قال تعالى « وحرمنا عليه المراضع من قبل » (١) ومعناه منعنا موسى عليه السلام من قبل رده إلى أمه وبغضناهن إليه ، وكان ذلك كالمنع بالنهي لا أن هناك

__________________

١) سورة القصص : ١٢.

١٢٣

نهيا بالفعل ، فلما أحضر فرعون أمه سألها : كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت : لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن لا أكاد أوتى صبيا الا ارتضع مني. يدل هذا على أن لبن الام أنفع بالولد من لبن غيرها.

وعن ابن عباس : انه إذا تراضيا على انفصال فلا حرج إذا سلمتم أجرة الام أو الظئر. وقال مجاهد : أجرة الام بمقدار ما ارتضعت أجرة المثل ، وقال سفيان أجرة المسترضعة.

وعندنا أن الأب متى وجد من ترضع الولد بأربعة دراهم وقالت الام لا أرضعه الا بخمسة دراهم ، فان له أن ينزعه منها ، قال تعالى « وان تعاسرتم فسترضع له أخرى » (١) ، الا أن الأصلح له أن يترك مع أمه.

و « آتيتم » بالمد من الاعطاء ، و « أتيتم » بالقصر من الاتيان ، والتقدير إذا سلمتم ما أتيتم نقده ، فحذف المضاف ثم المضاف إليه. و « بالمعروف » يتعلق بأتيتم أو بسلمتم. والآية تدل على أنه تعالى اتاه إذا ضمن أن يعطيه ، فإذا سلم قيل سلم ما أتاه. والعامل في إذا معنى لا جناح عليكم ، أي إذا استرضعتم وآتيتم الأجرة أمنتم ، فان أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي لأولادكم.

وفي الآية دلالة على أن الولادة بستة أشهر تصح ، لأنه إذا ضم إلى الحولين كان ثلاثين شهرا ، وروي ذلك عن علي عليه‌السلام (٢) وعن ابن عباس.

(فصل)

وقوله تعالى « وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم » (٣) فيه دلالة

__________________

١) سورة الطلاق : ٦.

٢) وسائل الشيعة ١٥ / ١١٧.

٣) سورة آل عمران : ٤٤.

١٢٤

على أنهم حين ولادتها تشاحوا في الذي تحضنها وتكفل تربيتها ، فقال زكريا أنا أولى لان خالتها عندي ، وقال القوم نحن أولى لأنها بنت امامنا ، وكان عمران امام الجماعة ، فألقوا الأقلام أيهم أولى بكفالتها ، فألقوها بالماء تلقاء الجرية ، فاستقبلت عصا زكريا جرية الماء مصعدة وانحدرت أقلام الباقين فقرعهم زكريا.

فإذا ثبت ذلك فاعلم أن الام أولى بالولد من الأب مدة الرضاع ، فإذا خرج عن حد الرضاع كان الوالد أحق به منها إذا كان حرا وكان الولد ذكرا ، فإن كان أنثى فهي أحق بها إلى سبع سنين ما لم تتزوج ، فإذا تزوجت كان الوالد أحق بها الا أن تكون مملوكا.

ولا تسترضع كافرة ولا زانية لقوله تعالى « والذي خبث لا يخرج الا نكدا » (١) فإن كان الوالد مات كانت الام أحق به من الوصي ، سواء كان الولد ذكرا أو أنثى إلى أن يبلغ.

وقال تعالى « ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين » (٢) أي انها تضعف ضعفا بحملها الولد إلى أن تضعه فلا تزال تزداد ضعفا على حسب تزايده في بطنها ، « وفصاله في عامين » أي في انقضاء عامين بعد الوضع ، وظاهر الآية يدل على جواز أحد وعشرين شهرا فإنها في عامين (٣).

وقوله تعالى « ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا » (٤) أي أمرناه بأن يحسن إلى والديه احسانا. « حملته أمه كرها » أي كانت تحمله لمشقة في بطنها مدة الحمل ووضعته بمشقة في حال الولادة وأرضعته مدة الرضاع.

__________________

١) سورة الأعراف : ٥٨.

٢) سورة لقمان : ١٤.

٣) في ج « فإنها عامين ».

٤) سورة الأحقاف : ١٥.

١٢٥

ثم تبين أن أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا ، فنبه بتلك الآية على ما يستحقه الوالدان من حيث أنهما يكفلانه ويربيانه.

(باب)

(في ذكر ملك الايمان)

قال الله تعالى « والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » (١).

اعلم أن الإماء يستباح وطؤهن بإحدى ثلاثة أشياء : العقد عليهن بأذن أهلهن ، وبتحليل مالكهن الرجل من وطئهن واباحته له وان لم يكن هناك عقد ، وبأن يملكهن فيستبيح وطأهن بملك الايمان.

وانما يملكهن بوجوه معلومة من الشرى والهبة والإرث والسبي. ولا بأس أن يجمع الرجل بين أختين في الملك لكنه لا يجمع بينهما في الوطئ ، لان حكم الجمع بينهما في الوطئ حكم الجمع بينهما في العقد ، فمتى ملك أختين ووطئ منهما واحدة لم يجز له وطئ الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما.

ويجوز أن يملك أمة وأمها ، فمتى وطئ إحداهما حرمت الأخرى عليه أبدا.

وقوله تعالى « قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم » (٢) قد تكلمنا عليه من قبل ، وكذلك في قوله تعالى « انا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك » (٣).

وملك اليمين في الآيات المراد به الإماء ، لان الذكور من المماليك لا خلاف

__________________

١) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

٢ ـ ٣) سورة الأحزاب : ٥٠.

١٢٦

في وجوب حفظ الفرج منهم ، لان الله عنى بالفروج في قوله « والذين هم لفروجهم حافظون » فروج الرجال خاصة ، بدلالة قوله « الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » استثنى من الحافظين لفروجهم من لا يحفظ فرجه عن زوجته أو ما ملكت يمينه من الإماء على ما أباحه الله له.

وكل ما لم يجز الجمع بينهما في العقد فلا يجوز الجمع بينهما في الوطئ بملك اليمين.

وانما قيل للجارية « ملك يمين » ولم يقل في الدار « ملك يمين » لان ملك الجارية أخص من ملك الدار ، اذله نقض بنية الدار وليس له نقض بنية الجارية وله عارية الدار وليس له عارية الجارية ، فلذلك خص الملك في الأمة.

(باب)

(ما يحرم النظر إليه منهن وما يحل)

خاطب الله نبيه عليه‌السلام فقال : يا محمد « قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم » (١) عن عورات النساء وما يحرم النظر إليه ، أي قل لهم يغضوا من نظرهم فلا ينظروا إلى ما يحرم ، فوجب الغض على العموم حيث حذف المفعول ، ثم خص من وجه آخر بايراد من ، فمن للتبعيض لان غض البصر انما يجب في بعض المواضع.

وكل موضع ذكر في القرآن حفظ الفروج فهو الزنا الا في هذا الموضع ، لان المراد به الستر حتى لا ينظر إليها أحد. قال الصادق عليه‌السلام : لا يحل للرجل أن ينظر إلى فرج أخته ، ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أخيها (٢).

وقال قوم من المفسرين : العورة من النساء ما عدا الوجه والكفين ، فأمروا

__________________

١) سورة النور : ٣٠.

٢) تفسير علي بن إبراهيم ٢ / ١٠١.

١٢٧

بغض البصر عن عوراتهن ، وقيل : العورة من الرجل العانة إلى مستغلظ الفخذ من أعلى الركبة ، وهو العورة من الإماء ، والحرة عورة من قرنها إلى قدمها.

قالوا : ويدل على أن الوجه والكفين والقدمين كلها ليست بعورة من الحرة أن لها كشف ذلك في الصلاة.

وقوله تعالى « ويحفظوا فروجهم » أمر منه تعالى أن يحفظ الرجال فروجهم عن الحرام وأن يحفظوها عن ابدائها.

ثم أمر المؤمنات أيضا بغض أبصارهن عن عورات الرجال ومالا يحل لهن النظر إليه ، وأمرهن أن يحفظن فروجهن الامن أزواجهن على ما أباحه الله ، ويحفظن أيضا اظهارها بحيث ينظر إليها ، ونهاهن عن ابداء زينتهن الا ما ظهر منها.

قال ابن عباس : يعني القرطين والقلادة والسوار والخلخال والمعضدة والنحر فإنه يجوز اظهار ذلك ، فأما الشعر فلا يجوز أن تبديه الا لزوجها.

والزينة المنهي عن ابدائها زينتان ، فالظاهرة الثياب والخفية الخلخالان والسواران في قول ابن مسعود. وقال إبراهيم الظاهر الذي أبيح الثياب فقط ، وقال الحسن الوجه والثياب ، وقال قوم كل ما ليس بعورة يجوز اظهاره ، والأحوط قول ابن مسعود.

(فصل)

ثم قال تعالى « وليضربن بخمرهن » وهي المقانع « على جيوبهن ».

ثم كرر النهي عن اظهار الزينة تأكيدا وتغليظا ، واستثنى من ذلك الأزواج وآباء النساء وان علوا وآباء الأزواج وأبناءهم « أو إخوانهن أو بني أخواتهن أو بني أخواتهن أو نسائهن » يعني النساء المؤمنات لا المشركات ، وقيل يعني

١٢٨

نساء المؤمنين دون نساء المشركين سواء كن ذميات أو غيرهن ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن الا إذا كانت أمة.

وقوله « أو ما ملكت أيمانهن » يعنى الإماء ، فإنه لا بأس باظهار الزينة لهؤلاء المذكورين لأنهم محارم.

وقوله تعالى « والتابعين غير أولي الإربة من الرجال » قال ابن عباس : هو الذي يتبعك ليصيب من طعامك ولا حاجة له في النساء هو الأبله ، وقيل هو العنين ، وقيل هو المجنون ، وقال مجاهد هو الطفل الذي لا أرب له في النساء ، وقيل هو الشيخ الهم. والإربة الحاجة.

وقوله تعالى « أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء » يعني الصغار الذين لم يراهقوا ، فإنه يجوز ابداء الزينة لهم إذا لم يطلعوا بعد على الاستلذاذ والتمتع بهن ، ولم يروا العورات عورات لصغرهم.

ولم يقل أو أعمامهن أو إخوانهن لان أولادهم ليسوا ذوي محرم لهن ، فلعلهم إذا رأوا زينتهن بأن يظهرنها لهم يصفونها لبنيهم فيفتتنوا.

(فصل)

اعلم أن قوله تعالى « وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم » يدل على أنه لا يحل للأجنبي أن ينظر إلى أجنبية لغير حاجة وسبب ، فنظره إلى ما هو عورة منها محظور والى ما ليس بعورة كالثياب فقط مكروه.

والمرأة إذا ملكت فحلا أو خصيا هل يجوز لها أن تخلو به أو تسافر معه؟ قال قوم أنه يكون محرما لها لقوله تعالى « ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن » إلى قوله « أو ما ملكت ايمانهن » ، فنهاهن عن اظهار زينتهن لاحد الا من استثنى واستثنى ملك اليمين ، قالوا وهذا ظاهر القرآن. وعندنا أنه لا يكون محرما ،

١٢٩

فان أصحابنا رووا في تفسير الآية أن المراد به الإماء دون الذكران من المماليك على ما تقدم.

ويجوز للرجل إذا أراد أن يتزوج بامرأة أن ينظر إلى محاسنها ، وإذا اشترى جارية جاز له أن ينظر إليها. ويمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى « وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير » (١) ، وروي أنه نظر إلى ساقها وكان عليه الشعر فساءه ذلك فعمل له النورة والزرنيخ (٢).

(فصل)

وقوله تعالى « لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا » (٣) نهى الله المؤمنين أن يدخلوا بيوتا لا يملكونها وهي ملك غيرهم الا بعد أن يستأذنوا ، والاستيناس الايذان ، فالمعنى حتى تستأنسوا بالاذن. وقال مجاهد : حتى يستأنسوا بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام الاستيذان. وقد بين تعالى ذلك بقوله « وإذا بلغ الأطفال منكم فليستأذنوا » (٤) قال عطاء وهو واجب في أمه وأخته وسائر أهله لئلا يهجم على عورتهن.

وقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات » (٥) ، يقول الله مروا عبيدكم وإماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا الدخول إلى مواضع خلواتكم. قال ابن عباس : الآية في النساء والرجال من العبيد. وقال غيره : الاستيذان واجب على كل بالغ

__________________

١) سورة النمل : ٤٤.

٢) سورة الثقلين ٤ / ٩٢.

٣) سورة النور : ٢٧.

٤) سورة النور : ٥٩.

٥) سورة النور : ٥٨.

١٣٠

في كل حال ، وعلى الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة بظاهر الآية ، ففي ذلك دلالة على أنه يجوز أن يؤمر الصبي الذي يعقل لأنه أمره بالاستيذان. وقال آخرون : ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد بذلك.

وفسر تعالى الأوقات فقال « من بعد صلاة الفجر وحسن تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء » لان الغالب على الناس أن يتعروا في خلواتهم في هذه الأوقات.

ثم بين أنه ليس عليكم ولا عليهم أن يدخلوا عليكم من غير اذن ، يعني الذين لم يبلغوا الحلم ، وهو المراد بقوله « طوافون عليكم » أي هم طوافون.

ثم قال « وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا » فقد صار حكمهم حكم الرجال.

وقوله تعالى « والقواعد من النساء » (١) يعني المسنات اللاتي يقعدن عن الحيض وعن التزويج ، وانما ذكر القواعد لان الشابة يلزمها من الستر أكثر مما يلزم العجوز ، والعجوز لا يجوز لها أن تبدي عورة لغير محرم كالساق والشعر والذراع.

(باب)

(اختيار الأزواج ومن يتولى العقد عليهن)

قال الله تعالى « يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم » (٢).

فهذا يدل على أن المؤمنين اكفاء في عقد النكاح كما أنهم متكافئون في الدماء فمتى خطب المؤمن إلى غيره بنته وبذل لها من الصداق السنة المحمدية وكان

__________________

١) سورة النور : ٦٠.

٢) سورة الحجرات : ١٣.

١٣١

عنده يسار بقدر ما يقوم بأمرها والانفاق عليها وكان مرضيا غير مرتكب لجور فلم يزوجه كان عاصيا لله. ويكره أن يتزوج متظاهرا بالفسق.

واستدل المرتضى على أن الرجل إذا أراد أن يتزوج ينبغي أن يطلب ذوات الدين والأبوات والأصول الكريمة ويجتنب من لا أصل له بقوله تعالى  « وثيابك فطهر » (١) ، فقال : يجوز أن يكون للثياب ههنا معنى آخر غير ما قالوه وهو ان الله سمى الأزواج لباسا فقال تعالى « هن لباس لكم وأنتم لباس لهن » (٢) واللباس والثياب هنا بمعنى واحد ، فكأنه سبحانه أمر أن يستطهر النساء ، أي يختارهن طاهرات من دنس الكفر ودرن العيب ، لأنهن مظان الاستيلاد ومضام الأولاد.

وعن الصادق عليه‌السلام : زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء ، فان الأحمق قد ينجب والحمقاء لا تنجب (٣) ، « والبلد الطيب يخرج نباته بأذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا » (٤).

(فصل)

وقال تعالى « يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن » إلى قوله « ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر » (٥).

__________________

١) سورة المدثر : ٤.

٢) سورة البقرة : ١٨٧.

٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥١٦.

٤) سورة الأعراف : ٥٨. والنكد العسر الممتنع من اعطاء الخير على وجه البخل ، والمعنى الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها الا شيئا قليلا لا ينتفع به ـ انظر مجمع البيان ٢ / ٤٣١.

٥) سورة الممتحنة : ١٠.

١٣٢

سبب نزول هذه الآية أن المهادنة لما وقعت بين النبي عليه‌السلام وبين قريش بالحديبية فرت بعدها امرأة من المشركين وخرجت إلى رسول الله مسلمة ، فجاء زوجها وقال : ردها علي ، فنزلت « لا ترجعوهن إلى الكفار » (١).

وما جرى للنساء ذكر وانما ضمن أن يرد الرجال ، فأمر الله أن تمتحن المهاجرة بالشهادتين فان كانت مؤمنة رد صداقها ولا ترد هي عليه ، إذ هي لا تحل له ولا هو يحل لها ، وهذا في القرآن للتوكيد. « ولا تمسكوا بعصم الكوافر » حكم آخر ، أي كما ليس للمؤمنة أن تكون مع الكافر فكذلك أنتم أيها المؤمنون لا تبغوا نكاح الكافرات ان لم يؤمن.

ثم قال تعالى « واسئلوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا » أي ان ارتدت مسلمة فلحقت بأهل المعاهدة فلكم أن تطالبوا أهلها أو وليها من الكفار أو يردوا عليكم ما أنفقتم في صداقها ولهم أن يطالبوكم بمثل ذلك ، فأما رد المؤمنة على الكافر فلم يجز البتة في حكم الله تعالى.

وفي هذه الآية أحكام كثيرة منها ما هو باق ومنها ما قد سقط ، وكثير من الناس يدعون [ النسخ فيما قد سقط كامتحان المهاجرة ورد الصداق على الكافر ] (٢) وليس في شئ من ذلك نسخ ، وانما هي أحكام تبعت الهجرة والهدنة التي كانت فلما انقضى زالت تلك الأحكام ، وما كان كذلك لم يكن نسخا.

وقال الحسن : معنى قوله تعالى « ولا تمسكوا بعصم الكوافر » اقطعوا عصمة الكفار ولا تتمسكوا بها. قال : كان في صدر الاسلام تكون المسلمة تحت الكافر والكافرة تحت المسلم ، فنسخت هذه الآية ذلك. وهذا ليس بنسخ على الحقيقة ، لان الله لم يأمر بالأول فيكون نهيه عنه نسخا ، وانما كان للأول بقاء على الحالة

__________________

١) أسباب النزول للواحدي ص ٢٨٢.

٢) الزيادة من ج.

١٣٣

الأولة غيرته الشريعة بحكم هذه الآية كما غيرت كثيرا من سنن الجاهلية.

(فصل)

أما قوله تعالى « اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب » (١) فمعناه أحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات والحرائر منهن ، ولا يدل على تحريم من ليس بعفيفة ولا أمة ، لان ذلك دليل الخطاب وقد تقدم أنه لو عقد على أمة أو من ليست بعفيفة صح العقد والأولى تجنبه. وآخر الآية ينطق بأن المراد الحرائر ، وهو قوله « إذا آتيتموهن أجورهن » ، لان ذلك يتأتى في الحرائر ومهور الإماء يعطى أربابهن كما قدمنا.

فان قيل : كيف قال اليوم أحل لكم تلك النساء ، أتراهن قبل ذلك اليوم كن محرمات؟.

قلنا : المراد استقرار الشرع وانتهاء التحريم واعلام الامن (٢) من أن تحرم محصنة بعد اليوم. وعندنا لا يجوز العقد على الكتابية نكاح الدوام لقوله تعالى  « ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن » على ما قدمناه ، ولقوله « ولا تمسكوا بعصم الكوافر ».

فإذا ثبت ذلك قلنا في قوله « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب » تأويلان :

أحدهما ـ أن يكون المراد بذلك اللاتي أسلمن منهن ، والمراد بقوله  « والمحصنات من المؤمنات » من كن في الأصل مؤمنات وولدن على الاسلام.

__________________

١) سورة المائدة : ٥.

٢) أي هذا اعلام من الله تعالى للمسلمين أن يأمنوا تحريم المحصنات بعد اليوم « ج ».

١٣٤

وقيل : ان قوما كانوا يتحرجون من العقد على الكافر إذا أسلمت ، فبين تعالى أنه لا حرج في ذلك ولذا أفردهن بالذكر.

والثاني ـ أن يختص ذلك لنكاح المتعة أو ملك اليمين ، لان وطئهما بعقد المتعة جائز عندنا. على أنه روى أبو الجارود عن الباقر عليه‌السلام انه منسوخ بالآيتين المتقدمتين من قوله « ولا تنكحوا المشركات » و « لا تمسكوا بعصم الكوافر ».

باب

(في النهي عن خطبة النساء المعتدات بالتصريح)

(وجوازها بالتعريض)

اعلم أن المرأة إذا كانت في عدة زوجها يجب عليها الامتناع من التزويج بغيره ، فإذا انقضت عدتها حلت للخطاب ، قال تعالى « فإذا بلغن أجلهن » اي إذا بلغن آخر العدة بانقضائها « فلا جناح عليكم ». قيل إنه خطاب للأولياء ، وقيل لجميع المسلمين لأنه يلزمهم منعها عن التزويج في العدة ، وقيل معناه لا جناح عليكم وعلى النساء فيما فعلن في أنفسهن من النكاح واستعمال الزينة التي لا ينكر مثلها.

وهذا معنى قوله « بالمعروف » ، وقيل معنى قوله « بالمعروف » ما يكون جائزا ، وقيل معناه النكاح الحلال عن مجاهد ، ويحقق معنى قوله تعالى « فإذا بلغن أجلهن » فإذا انقضت عدتهن فلا جناح عليكم أيها الأئمة في ما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب بالمعروف ، أي بالوجوه الذي لا ينكره الشرع. والمعنى انهن لو فعلن ما هو منكر كان على جماعة المسلمين أن يكفوهن وان فرطوا كان عليهم الجناح ـ عن بعض المفسرين.

١٣٥

ولما تقدم ذكر عدة النساء وجواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج فقال « ولا جناح عليكم » أي لا حرج ولا ضيق عليكم يا معشر الرجال فيما عرضتم به من خطبة النساء المعتدات ولا تصرحوا به ، وذلك بأن تذكروا ما يدل على رغبتكم فيها.

وقوله تعالى « فيما عرضتم به » فهو كلام يوهم أنه يريد نكاحها ، فكأنه إحالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ، فالتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شئ لم يذكره ، كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لاسلم عليك وأنظر إلى وجهك الكريم ، والكناية أن يذكر الشئ بغير لفظه الموضوع له ، ويسمى التلويح ، لأنه يلوح فيه ما يريده.

والمستدرك بقوله « ولكن لا تواعدوهن سرا » مضمر ، تقديره علم الله انكم ستذكروهن فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا ، والسر وقع كناية عن النكاح ، وحرف الاستثناء يتعلق بـ « لا تواعدوهن » ، أي لا تواعدوهن مواعدة قط الا مواعدة معروفة غير منكرة ، أي لا تواعدوهن الا بالتعريض ، أو لا تواعدوهن الا بأن تعفوا.

ولا يجوز أن يكون استثناءا منقطعا من سرا لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن الا التعريض. وقيل لا تواعدوهن في السر ، فالمواعدة في السر عبارة عن الموعدة بما يستهجن.

وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة ، لان العزم على الفعل يتقدمه ، فإذا نهى عنه كان عن الفعل أنهى. ومعناه ولا تعزموا عقد عقدة النكاح ، من عزم الامر وعزم عليه. والله يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما يجوز فاحذروه ولا تعزموا عليه.

فان عزم انسان على خطبة امرأة معتدة قبل انقضاء العدة وواعدها بالتصريح فقد فعل مكروها ، ولا يحرم العقد عليها بعد العدة ، فرخص له التعريض بذلك ولا كراهة فيه.

١٣٦

(فصل)

واختلف في معناه : فقيل التعريض وهو أن يقول الرجل للمعتدة اني أريد النكاح فاني أريد امرأة من صفتها كذا وكذا ـ فيذكر بعض الصفات التي هي عليها ، عن ابن عباس. وقيل هو أن يقول انك لنافقة (١) وانك لموافقة لي وانك لمعجبة جميلة وان قضى الله شيئا كان ـ عن القاسم بن محمد وعن الشعبي. وقيل وهو كل ما كان من الكلام دون عقد النكاح عن ابن زيد.

« أو أكننتم في أنفسكم » أي أسررتم وأضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضي عدتهن ، وقيل هو اسرار العزم دون اظهاره والتعريض اظهاره عن مجاهد وابن زيد.

« علم الله انكم ستذكرونهن » برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح لكم ذلك « ولكن لا تواعدون سرا » فيه أقوال : أحدها ـ أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية والمواعدة في السر تدعو إلى ما لا يحل.

وثانيها ـ أن معناه الزنا عن الحسن وإبراهيم وقتادة ، فقالوا : كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية وهو معرض بالنكاح فنهوا عن ذلك.

وثالثها ـ أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس وابن جبير.

ورابعها ـ هو أن يقول لها اني ناكحك فلا تفوتيني بنفسك عن مجاهد.

وخامسها ـ ان السر هو الجماع ، ومعناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع ولا تذكروه عن جماعة.

وسادسها ـ انه اسرار عقدة النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد.

__________________

١) من النفاق في المتاع.

١٣٧

ويجمع هذه الأقوال ما روي عن الصادق عليه‌السلام : لا تصرحوا لهن النكاح والتزويج. قال : ومن السر أن يقول لها موعدك بيت فلان.

« لا أن تقولوا قولا معروفا » يعني التعريض الذي أباحه الله تعالى ، والا بمعنى لكن ، لان ما قبله هو المنهي عنه وما بعده هو المأذون فيه ، وتقديره ولكن قولوا قولا معروفا.

« ولا تعزموا عقدة النكاح » اي لا تبيتوا النكاح ولا تعقدوا عقد النكاح في العدة ولم يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة ، لأنه أباحه بقوله « أو أكننتم ».

« حتى يبلغ الكتاب أجله » أي حتى تنقضي العدة.

(فصل)

وقوله تعالى « الذي بيده عقدة النكاح » الأب والجد مع وجود الأب إذا كانت البنت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء أو بلغت وكانت بكرا ، فلكل واحدا منهما أن يعقد على كل واحدة منهما ولا تكون للصغيرة إذا بلغت خيار. وكذلك ان أبت التزويج البكر وأظهرت كراهية بما عقد عليها أبوها أوجدها مع وجود الأب فلا يلتفت إلى كراهيتها.

فأما الثيب إذا كانت غير مولى عليها لفساد عقلها مع وجود الأب أو الجد أو البكر البالغة إذا لم يكن بها أب فلا أحد بيده عقدة النكاح لواحدة منهما على الاطلاق ، فإذا جعلت الثيب أمرها إلى أبيها أو جدها أو أخيها كما هو الأصل لها أو وكلت انسانا في أمرها فهو من بيده عقدة النكاح.

وكذا حال البالغة البكر التي لا والد لها والثيب إذا كانت مولى عليها كان الامر إلى وليها في تولي العقد عليها.

١٣٨

ولا يجوز لها العقد على نفسها [ وكذا البكر لا يجوز لها أن تعقد على نفسها ] (١) الا باذن أبيها ، فان عقدت كان العقد موقوفا على رضاء الأب ، فان عضلها أبوها ـ وهو أن لا يزوج بنته البكر بالاكفاء إذا خاطبوها ـ كان لها العقد على نفسها وان لم يرض بذلك الأب.

وقال المرتضى : يجوز عقد المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي.

قال : والدليل عليه قوله تعالى « فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره » ، فأضاف عقد النكاح إليها ، والظاهر أنها تتولاه. وأيضا قوله « فان طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا » فأضاف تعالى التراجع ـ وهو عقد مستقل ـ إليهما ، والظاهر أنهما يتوليانه. وأيضا قوله « فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف » فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط الولي. قال : ولا يجوز أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها ، وذلك أنه تعالى انما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف ، وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها.

وأيضا فقوله « ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف » (٢) فأضاف العقد إليهن ونهى الأولياء عن معارضتهن. قال : والظاهر انهن يتولينه ، فأما من ذهب إلى الأول فيمكنه أن يخصص هذه الآيات كلها ويحملها على بعض ما قدمناه ويكون معه اجماع الطائفة والاخبار التي رووها عنهم عليهم‌السلام.

(باب)

(ما يستحب فعله عند العقد وآداب الخلوة)

يستحب أن يستخير الله تعالى من أراد عقدة النكاح ، فان الله تعالى يقول

__________________

١) الزيادة من ج.

٢) سورة النساء : ٣٢.

١٣٩

« واسألوا الله من فضله ».

وأن يتابع المراسم الشرعية في ذلك وقد قال تعالى « نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم (١) قال ابن عباس : معنى قوله « حرث لكم » مزدرع أولادكم ، كأنه قيل محترث لكم ، وانما الحرث الزرع في الأصل.

وقال الزجاج : أي نساؤكم ذات حرث لكم فأتوا لموضع حرثكم أنى شئتم.

وقيل الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه.

ومعنى « أنى شئتم » من أين شئتم ، في قول قتادة والربيع ، وقال مجاهد معناه كيف شئتم ، وقال الضحاك معناه متى شئتم ، فخطأه جميع أهل التفسير وأهل اللغة ، بأن قالوا « أنى » لا يكون الا بمعنى من أين كما قال تعالى « أنى لك هذا قالت هو من عند الله » (٢). وقال بعضهم معناه من أي وجه ، واستشهد ببيت الكميت :

أنى ومن أين آبك طرب * من حيث لا صبوة ولا ريب (٣) وهذا لا شاهد فيه ، لأنه يجوز أن يكون أتي به لاختلاف اللفظين كما يقولون متى كان هذا وأي وقت كان ، ويجوز أن يكون بمعنى كيف.

وتأول مالك وقال « أنى شئتم » يفيد جواز اتيان النساء في الدبر ، ورواه عن نافع عن ابن عمر ، وبه قال بعض أصحابنا. وخالف في ذلك جميع الفقهاء والمفسرين وقالوا هذا لا يجوز من وجوه :

أحدها ـ أن الدبر ليس بحرث ، لأنه لا يكون منه الولد. وهذا ليس بشئ لأنه لا يمتنع أن تسمى النساء حرثا لأنه يكون منهن الولد ، ثم يبيح الوطئ

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٣.

٢) سورة آل عمران : ٣٧.

٣) الهاشميات للكميت ص ٤١.

١٤٠