فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

ويجوز عقد الكتابة على خدمته في مدة معلومة وعلى عمل معلوم موقت ، مثل حفر بئر في مكان بعينه معلومة الطول والعرض ، كما يجوز على مال ، لعموم قوله تعالى « فكاتبوهم ان علمتم » فإنه يتناول جميع ذلك إذ لم يخصص سبحانه مقدار الذي يكاتب عليه ولا جنسه.

٢٢١

كتاب الايمان والنذور والكفارات

اليمين المنعقدة هي أن يحلف الانسان بالله تعالى أو بشئ من أسمائه أي اسم كان (١).

ولا ينعقد الا بالنية ، فمتى تجرد عن النية كان لغوا ، قال الله تعالى « لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان » (٢).

والنية انما يراعى فيها نية المستحلف إذا كان محقا بالظاهر ، فإذا كان مبطلا على الحقيقة فيما يقول كانت النية نية الحالف.

أخبر تعالى أنه لا يؤاخذ بلغو اليمين ، ولغو اليمين أن يسبق لسانه بغير عقيدة بقلبه ، كأنه أراد أن يقول « لا والله » فقال « بلى والله ».

واختلفوا في لغو اليمين في هذه الآية : فقال ابن عباس هو ما يجري على اللسان عادة « لا والله » و « بلى والله » من غير عقد على يمين يقطع بها قال أو

__________________

١) قال ابن فارس : سمى الحلف يمينا لان المتحالفين كأن أحدهما يصفق بيمينه على يمين صاحبه ـ معجم مقاييس اللغة ٦ / ١٥٩.

٢) سورة المائدة : ٨٩.

٢٢٢

يظلم بها أحد ، وهو المروي عنهما عليهما‌السلام (١). وقال الحسن هي يمين الظان وهو يرى أنه كما حلف فلا اثم عليه ولا كفارة. وعن طاوس انها يمين الغضبان لا يؤاخذ منها بالحنث. وقال زيد بن أسلم هو قول الرجل « أعمى الله بصري » أو « أهلك الله مالي » ، فيدعو على نفسه ، قال تعالى « ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم » (٢).

وأصل اللغو الكلام الذي لا فائدة فيه ، وكل يمين جرت مجرى مالا فائدة فيه حتى صارت بمنزلة ما لم يقع فهي لغو ولا شئ فيها ، يقال لغا يلغو إذا تكلم بما لا فائدة فيه. واللغو في اللغة ما لم يعتد به.

والصحيح أن لغو اليمين هو الحلف عل وجه الغلط من غير قصد ، مثل قول الفائل « لا والله » و « بلى والله » على سبق اللسان.

ولا كفارة في لغو اليمين عند أكثر المفسرين والفقهاء.

وقوله تعالى « عقدتم » و « عقدتم » بالتخفيف والتشديد المراد بها تأكيد الايمان حتى يكون بمنزلة العقد المؤكد ، أو يكون المراد انكم عقدتموها على شئ ، خلافا لليمين اللغو التي ليست معقودة على شئ ، لان الفقهاء يسمون اليمين على المستقبل يمينا معقودة ، وهي التي يتأتى فيها البر والحنث ويجب فيها الكفارة.

واليمين على الماضي عندهم ضربان لغو وغموس ، فاللغو كقول القائل  « والله ما فعلت كذا » في شئ يظن أنه لم يفعله ، أو « والله لقد فعلت كذا » في شئ يظن أنه فعله ، فهذه اليمين لا مؤاخذة فيها. وأما الغموس (٣) فهي اليمين على

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ٤٩٥.

٢) سورة يونس : ١١.

٣) قال ابن منظور : اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار ، وقيل هي التي لا استثناء فيها. وقيل هي اليمين الكاذبة التي تقتطع بها الحقوق. وسميت غموسا لغمسها صاحبها في الاثم ثم في النار ـ لسان العرب (غمس).

٢٢٣

الماضي إذا وقعت كذبا ، كقول القائل « والله ما فعلت » وهو يعلم أنه قد فعله.

فهذه اليمين كفارتها الاستغفار بشرطه لا غير.

(باب)

(في أقسام الايمان وأحكامها)

لما بين سبحانه أنه لا يؤاخذ على لغو اليمين بين بعده بقوله « ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان » انه يؤاخذ بما عقد عليه قلبه ونوى.

وقرئ « عاقدتم » و « عقدتم » بلا ألف مع تخفيف القاف وتشديدها. ومنع الطبري من القراءة بالتشديد ، قال : لأنه لا يكون الا مع تكرير اليمين والمؤاخذة تلزم من غير تكرير بلا خلاف. وهذا غير صحيح ، لان تعقيد اليمين أن يعقدها بقلبه ولفظه ، ولو عقد عليها في أحدهما دون الاخر لم يكن تعقيدا ، وهو كالتعظيم الذي يكون تارة بالمضاعفة وتارة بعظم المنزلة.

قال أبو علي الفارسي : من شدد احتمل أمرين : أحدهما أن يكون لتكثير الفعل ، فقوله « ولكن يؤاخذكم » مخاطب للكثرة ، فهو مثل « وغلقت الأبواب » والاخر أن يكون عقد مثل ضعف ، لأنه أراد به التكثير ، كما أن ضاعف قد لا يراد به فعل من اثنين وإن كان أصله بين الاثنين.

وقال الحسن بن علي المغربي : في التشديد فائدة ، وهي أنه إذا كرر اليمين على محلوف واحد فإذا حنث لم يلزمه الا كفارة واحدة. وفي ذلك بين الفقهاء خلاف ، والذي ذكره قوي. ومن قرأ بالتخفيف جاز أن يريد به الكثير من الفعل والقليل.

و « عاقدتم » يراد به عقدتم ، كما يقال عافاه الله. ويحتمل أن يكون يقتضى فاعلين ، كأنه قال يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين. ولما كان عاقد في المعنى

٢٢٤

قريبا من عاهد عداه بعلى كما يعدى بها عاهد ، قال تعالى « ومن أوفى بما عاهد عليه الله » (١) ، والتقدير يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه ، ثم حذف الراجع فقال  « عاقدتم الايمان ».

ويجوز أن تكون ما مصدرية فيمن قرأ « عقدتم » بالتخفيف والتشديد ، فلا يقتضى راجعا كما لا يقتضيه في قوله تعالى « بما كانوا يكذبون ». والقراءات الثلاث يجب العمل بها على الوجوه الثلاثة ، لان القراءتين فصاعدا إذا صحت فالعمل بها واجب لأنها بمنزلة الآيتين والآيات ، على ما ذكرنا في قوله تعالى  « يطهرن » و « يطهرن ».

(فصل)

واليمين على ثلاثة أقسام :

أحدها : عقدها طاعة وحلها معصية ، فهذا يتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف ، كقوله : والله لا أشرب خمرا ولا أقتل نفسا ظلما.

والثاني : عقدها معصية وحلها طاعة ، كقوله : والله لا أصلي ولا أصوم. فإذا حنث بالصلاة والصوم فلا كفارة عندنا عليه.

والثالث : أن يكون عقدها مباحا ، كقوله : والله لا ألبس هذا الثوب. فمتى حنث تعلق به الكفارة إذا لم يكن لبسه أولى. وكذا إذا حلف أنه لا يشرب من لبن عنز له ولا يأكل من لحمها وليس به حاجة إلى ذلك لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهن ، فان اكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة كانت عليه الكفارة ، وان اكل أو شرب لحاجة فليس عليه شئ.

فعلى هذا تكون الايمان على ضربين : أحدهما ما لا كفارة عليه ، والثاني

__________________

١) سورة الفتح : ١٠.

٢٢٥

يجب فيها الكفارة. فما لا كفارة فيه هو اليمين على الماضي إذا كان كاذبا فيه وإن كان آثما ، مثل أن يحلف أنه ما فعل وكان فعل أو حلف أنه فعل وما كان فعل ، فهاتان لا كفارة فيهما عندنا وعند أكثر الفقهاء.

وكذلك إذا حلف على مال لتقطيعه فليس له أن يقتطع ولا كفارة عليه ويلزمه الخروج مما حلف عليه والتوبة ، وهي اليمين الغموس.

ومنها أن يحلف على أمر فعل أو ترك وكان خلاف ما حلف عليه أولى من المقام عليه ، فليخالف ولا كفارة عليه عندنا. وما فيه كفارة فهو أن يحلف على أن يفعل أو يترك وكان الوفاء به واجبا أو ندبا أو كان فعله وتركه سواء ، فمتى حالف كان عليه الكفارة.

(فصل)

وقوله « فكفارته » الهاء يحتمل رجوعها إلى أحد ثلاثة أشياء : أحدها إلى ما مر من قوله « بما عقدتم الايمان » ، الثاني إلى اللغو ، الثالث إلى حنث اليمين لأنه مدلول عليه. والصحيح الأول.

ثم قال « اطعام عشرة مساكين » وانما ذكر بلفظ التذكير تغليبا للتذكير في كلامهم ، لأنه لا خلاف أنه لو أطعم الإناث لأجزأه.

وقد حده أصحابنا بأن يعطي كل واحد مدين أو مدا منفردا أو يجمعهم على ما هذا قدره ليأكلوا ، ولا يجوز أن يعطي خمسة ما يكفي عشرة. وهل يجوز اعطاء القيمة؟ فيه خلاف ، والظاهر أنه لا يجزي والروايات تدل على جوازه.

وانما ذكر الكفارة في الآية لان التوبة من كل ذنب يعلم وجوبها على الجملة وليس تجب الكفارة على كل ذنب ، لان المعنى فكفارته الشرعية كذا ، وحكم التوبة معلوم من الشرع فلذلك لم يذكر.

٢٢٦

وقوله « من أوسط ما تطعمون أهليكم » فيه قولان :

أحدهما : الخبز واللحم دون الادم ، لان أفضله الخبز واللحم والتمر وأوسطه الخبز والزيت أو السمن وأدونه الخبز والملح.

الثاني : أوسطه في المقدورات ، فكنت تشبع أهلك أولا تشبعهم بحسب اليسر والعسر فتقدير ذلك. هذا قول ابن عباس ، وعندنا يلزمه أن يعطي كل مسكين مدين ، وقال قوم يكفيه مد ، وروي ذلك في أخبارنا (١) فالأول للمغني الواجد والثاني لمن دونه في الغنى.

وقوله « أو كسوتهم » فالذي رواه أصحابنا أنه ثوبان لكل واحد مئزر وقميص وعند الضرورة قميص (٢) ، وقال الحسن ثوب.

وقوله « أو تحرير رقبة » فالرقبة التي تجزي في هذه الكفارة كل رقبة كانت سليمة من العاهة صغيرة كانت أو كبيرة مؤمنة كانت أو كافرة ، والمؤمنة أفضل لان الآية مبهمة مطلقة وفيه خلاف ، وما قلناه قول أكثر المفسرين من الحسن وغيره ومعنى تحرير رقبة جعلها حرة ، وهذه الثلاثة الأشياء بلا خلاف ، وعندنا أيضا واجبة على التخيير ، وقال قوم الواجب منها واحد لا بعينه.

والكفارة قبل الحنث لا تجزي ، وفيه خلاف.

« فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام » أي فكفارته صيام ثلاثة أيام. وحد من ليس بواجد هو من ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ، كما ذكرناه في باب الصوم.

وصوم هذه الأيام الثلاثة متتابع ، ويقويه قراءة ابن مسعود وأبي « صيام ثلاثة أيام متتابعات ».

__________________

١) انظر الكافي ٧ / ٤٥٢ ـ ٤٥٣.

٢) انظر المصدر السابق.

٢٢٧

وعن علي بن أبي حمزة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن قال « والله » ثم لم يف [ به ] قال : كفارته اطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة ، أو تحرير رقبة ، أو صيام ثلاثة أيام متوالية إذا لم يجد شيئا (١). قلت : ما حد من لم يجد ، فان الرجل يسأل في كفه وهو يجد. قال : إذا لم يكن عنده فضل من قوت عياله فهو لا يجد (٢).

وعن ابن عباس : كل صيام في القرآن متتابع الا قضاء رمضان.

ثم قال « ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم » أي حنثتم « فاحفظوا أيمانكم » أي احفظوها من أن تحلفوا بها ، ومعناه لا تحلفوا ، وقيل معناه احفظوها من الحنث ، وهو الأقوى لان الحلف مباح الا في معصية بلا خلاف ، وقيل مكروه في حال الصدق وانما الواجب ترك الحنث. وذلك يدل على أن اليمين في المعصية غير منعقدة ، لأنها لو انعقدت للزم حفظها ، وإذا لم تنعقد لم تلزمه كفارة على ما بيناه.

(باب)

(حفظ اليمين)

اعلم أن من حلف بالله أنه يفعل قبيحا أو يترك واجبا لم تنعقد يمينه ولم تلزمه كفارة إذا فعل ما حلف أنه لا يفعله أو لم يفعل ما حلف أنه يفعله. والدليل عليه أن انعقاد اليمين حكم شرعي بغير شبهة ، وقد علمنا بالاجماع انعقاد اليمين إذا كانت على طاعة أو مباح ، فإذا تعلقت بمعصية فلا اجماع ولا دليل يوجب العلم على انعقادها ، فوجب نفي انعقادها لانتفاء دليل شرعي عليه.

__________________

١) إلى هنا في الكافي ٧ / ٤٥٣.

٢) هذا الذيل في حديث في الكافي ٧ / ٤٥٢ عن أبي إبراهيم (موسى بن جعفر) عليه‌السلام ، وظاهر السياق هنا انه حديث واحد.

٢٢٨

والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه ان الله تعالى أمرنا بقوله « واحفظوا أيمانكم » (١) بأن نحفظ ايماننا ونقيم عليها كقوله « أوفوا بالعقود » (٢) ، فاليمين المنعقدة هي التي يجب حفظها والوفاء بها ، ولا خلاف ان اليمين على المعصية بخلافه فيجب أن تكون غير منعقدة ، وإذا لم تنعقد فلا كفارة فيها.

وقال أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : لا تحلفوا بالله صادقين ولا كاذبين ، فان الله عزوجل قد نهى عن ذلك فقال « ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم » (٣) ، ثم قال : من حلف بالله فليصدق ومن لم يصدق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله (٤).

ولو حلف الرجل أن لا يحك أنفه لابتلي به (٥).

فقوله تعالى « ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم » يدل على أن الحلف صادقا مكروه وفي حال الكذب محظور ، لان اللفظ الواحد يجوز أن يراد به معنيان مختلفان.

(فصل)

وقوله تعالى « ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم أن تبروا » (٦) أي لا تجعلوا اليمين بالله مبتذلة في كل حق وباطل لان تبروا في الحلف فيها وتبقوا الاثم

__________________

١) سورة المائدة : ٨٩.

٢) سورة المائدة : ١.

٣) سورة البقرة : ٢٢٤.

٤) هذا الحديث مقطع في الكافي ٧ / ٤٣٤ و ٤٣٨ ، وفى من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٢ في حديثين.

٥) هذه الجملة في حديث عن الصادق عليه‌السلام ـ من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٢.

٦) سورة البقرة : ٢٢٤.

٢٢٩

فيها ، وهو المروي عن عائشة لأنها قالت : لا تحلفوا به وان بررتم (١). وبه قال الجبائي ، وهو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام (٢).

وأصله على هذا معترض بالبذل ، لا تبذل يمينك في كل حق وباطل. وقيل في معناه قولان آخران :

أحدهما : ان العرضة علة ، كأنه قيل لا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة من البر والتقوى من حيث تعمدوا لتعتلوا بها وتقولوا قد حلفنا بالله ولم تحلفوا به. هذا قول الحسن ، وأصله في هذا الوجه الاعتراض به بينكم وبين البر والتقوى للامتناع منهما ، لأنه قد يكون المعترض بين شيئين مانعا من وصول أحدهما إلى الاخر ، فالعلة مانعة لهذا المعترض. وقيل : العرضة المعترض ، قال الشاعر :

* فلا تجعليني عرضة للوائم (٣) *

الثاني : عرضة حجة ، كأنه قيل لا تجعلوا اليمين بالله حجة في المنع أن تبروا وتتقوا بأن تكونوا قد سلف منكم يمين ثم يظهر أن غيرها خير منها ، فافعلوا الذي هو خير ولا تحتجوا بما سلف من اليمين.

والأصل في هذين القولين واحد ، لأنه منع من جهة الاعتراض بعلة أو حجة.

وقيل إن أصل عرضة قوة ، فكأنه قيل ولا تجعلوا الحلف بالله قوة لايمانكم في ألا تبروا ، وعلى هذا يكون الأصل العرض ، لان بالقوة يتصرف في العرض والطول ، فالقوة عرضة لذلك. فتقدير أول هذين القولين لا تجعل الله مانعا من

__________________

١) الدر المنثور ١ / ٢٦٨ بلفظ « لا تحلفوا بالله وان نذرتم ».

٢) أنظر تفسير البرهان ١ / ٢١٦.

٣) استشهد به في الكشاف بلفظ « ولا تجعلوني عرضة للوائم » ، وقال في شرح شواهده : قيل البيت لأبي تمام ، وفى ديوان أبى تمام :

متى كان سمعي عرضة للوائم

وكيف صغت للعاذلين غرائمي

أنظر الكشاف ٤ / ٥١٧.

٢٣٠

البر والتقوى باعتراضك به حالفا ، وتقدير ثانيهما لا تجعل الله بما تحلف به دائما باعتراضك بالحلف من كل حق وباطل لتكون من البررة والأتقياء.

وقيل في معنى قوله « أن تبروا » ثلاثة أقوال : أحدها لان تبروا على معنى الاثبات ، الثاني أن يكون على معنى لدفع أن تبروا أو لترك أن تبروا ، الثالث على تقدير ألا تبروا ، وحذفت « لا » لأنه في معنى القسم كقول امرئ القيس :

فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

أي لا أبرح ، هذا قول أبى عبيد. وأنكر هذا أبو العباس ، لأنه لما كان معه  « أن » بطل أن يكون جواب القسم.

وفي موضع « أن تبروا » ثلاثة أقوال :

أحدها : أن موضعه الخفض ، فحذف اللام ـ عن الخليل والكسائي.

الثاني : موضعه النصب ، قال سيبويه لما حذف الخافض وصل الفعل ـ وهو القياس.

الثالث : قال قوم موضعه الرفع على أن يكون التقدير أن تبروا وتتقوا فتصلحوا بين الناس أولى ، وحذف أولى لأنه معلوم المعنى أجازه الزجاج.

وقال بعض المفسرين : فعلى هذا إذا حلف أن لا يعطي زيدا من معروفه ثم رأى أن بره خير أعطاه ونقض يمينه (١).

وعندنا لا كفارة عليه وجوبا وان كفر كان ندبا ، وانما جاز ذلك لأنه لا يخلو من أن يكون حلف يمينا جائزة أو غير جائزة ، فان كانت جائزة فهي مقيدة بأن لا يرى ما هو خير ، فليس في هذا مناقضة للجائز ، وان كانت غير جائزة فنقضها غير مكروه.

ثم قال « لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت

__________________

١) هذا الفصل إلى هنا مأخوذ من التبيان ٢ / ٢٢٥ ـ ٢٢٨.

٢٣١

قلوبكم » (١) أي لا يلزمكم كفارة في الدنيا ولا عقوبة في الآخرة على اليمين التي تقع منكم لغوا على ما ذكرناه.

(فصل)

ومن حلف أن يؤدب غلامه بالضرب جاز له تركه ولا يلزمه الكفارة ، قال الله تعالى « وان تعفوا أقرب للتقوى » (٢) على أنه يمكنه التورية ، وإن كان حلف مثلا ان يضربه مائة على ما أمره الله تعالى « وخذ يبدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث » (٣).

ومن حلف أن لا يكلم زيدا حينا وقع على ستة أشهر ، والدليل على بعد اجماع الطائفة قوله تعالى « تؤتي أكلها كل حين باذن ربها » (٤). روى عن ابن عباس أن المراد به ستة أشهر ، وهذا مروي عن أئمتنا عليهم‌السلام (٥).

وقيل : ان الاستدلال عليه من القرآن أن يقال : ان اسم « الحين » يقع في القرآن على أشياء مختلفة : يقع على الزمان كله في قوله سبحانه « فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون » (٦) وانما أراد زمان الصباح والمساء كله ، ومما يقع عليه اسم الحين أيضا من قوله تعالى « ومتعناهم إلى حين » (٧) فالمراد به وقت مبهم ،

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٥.

٢) سورة البقرة : ٢٣٧.

٣) سورة ص : ٤٤. والضغث ـ بكسر الضاد ـ قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس ـ انظر صحاح اللغة ١ / ٢٨٥.

٤) سورة إبراهيم : ٢٥.

٥) روى ذلك في أحاديث عن الصادق عليه‌السلام ـ انظر تفسير البرهان٢ / ٣١١.

٦) سورة الروم : ١٧.

٧) سورة يونس : ٩٨.

٢٣٢

وقال عبد الله بن عباس في قوله تعالى « تؤتي اكلها كل حين » هو ستة أشهر ، ومما يقع عليه اسم الحين أيضا أربعون سنة ، قال الله تعالى « هل أتى على الانسان حين من الدهر » (١) فذكر المفسرون انه تعالى أراد أربعين سنة (٢).

ومع اشتراك اللفظ لابد من دلالة في حمله على البعض ، لما روت الامامية عن أئمتها عليهم‌السلام انه ستة أشهر وأجمعوا عليه كان ذلك حجة في حمله على ما ذكرنا ، والله أعلم بالصواب.

(باب)

(أقسام النذور والعهود وأحكامها)

قال الله تعالى « وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر » (٣) فالآية تدل على أن بالنذر يلزم الشئ كما يلزم بالزام الله ، لأنه قرنه بالانفاق الذي أمر الله تعالى به فقال « أنفقوا من طيبات ما كسبتم » (٤). وقال الزجاج : يريد ما تصدقتم من فرض ، لأنه في ذكر الزكاة المفروضة ، ألا ترى إلى قوله بعده « وما للظالمين من أنصار ».

قال ابن جرير : الظالم هنا من أنفق ماله رياءا وسمعة ، وقيل المراد بالظالم ههنا من أنفق ماله لا كما أمر الله بوضع الصدقة في غير موضعه ، لان الظلم وضع الشئ في غير موضعه ، والمعتدي في الصدقة كمانعها ، والوفاء بالنذر واجب إذا كان في طاعة الله.

__________________

١) سورة الانسان : ١.

٢) انظر المفردات للراغب ص ١٣٨.

٣) سورة البقرة : ٢٧٠.

٤) سورة البقرة : ٢٦٧.

٢٣٣

والنذر عقد فعل شئ من البر على النفس بشرط ، كأن يقول : ان عافى الله مريضي تصدقت بكذا لله. وهو من الخوف ، لأنه يعقد على نفسه مخافة التقصير فيه ، وقال تعالى « أوفوا بالعقود » (١).

قال الزجاج : العقود أبلغ من العهود ، لان العهد يكون على استيثاق وغيره والعقد لا يكون الا العهد الذي أخذ على استيثاق ، فكأنه قال : العقود التي أحكم عقدها أوفوا بها.

وقال ابن عباس : إذا كان العقد على طاعة وجب الوفاء ، وإن كان على معصية لم يجز الوفاء بها ، وإذا كان على مباح جاز الوفاء.

ولم يجب عندنا [ أن ] يكون كما ذكرنا في باب اليمين على الطاعة والمباح والمعصية ، قال الله تعالى « يوفون بالنذر ويخافون » (٢) وقال « والموفون بعهدهم إذا عاهدوا » (٣) و « أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم » (٤) وقال « ومنهم من عاهد الله » (٥) وقال « ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسؤولا » (٦).

وقال الشيخ أبو جعفر في المبسوط : النذر ضربان :

أحدهما : نذر لجاج وغضب ، وصورته صورة اليمين اما أن يمنع نفسه به فعلا أو يوجب عليها فعل شئ ، فالمنع أن يقول : ان دخلت الدار فمالي صدقة.

والايجاب أن يقول : ان لم أدخل الدار فمالي صدقة. فإذا وجد شرط نذره فهو بالخيار بين الوفاء به وبين كفارة اليمين.

__________________

١) سورة المائدة : ١.

٢) سورة الانسان : ٧.

٣) سورة البقرة : ١٧٧.

٤) سورة النحل : ٩١.

٥) سورة التوبة : ٧٥.

٦) سورة الأحزاب : ١٥.

٢٣٤

والضرب الثاني : نذر التبرر والطاعة ، وهو على ضربين اما ان يعلقه بجزاء أو يطلق ، فالجزاء اما اسداء نعمة كقولك : ان رزقني الله ولدا فلله علي أن أتصدق بمالي. واما دفع نقمة مثل أن تقول : ان نجاني الله من البحر فلله علي أن أصوم كذا. فإذا وجد شرط نذره لزمه الوفاء (١).

والمطلق أن يقول : لله علي أن أتصدق بمالي أو أحج أو أصوم ونحو هذا نذر طاعة ابتداء بغير جزاء. فعندنا انه يلزمه ، وقيل لا يتعلق به حكم لان ثعلبا قال النذر عند العرب وعد بشرط. والأول أصح عندنا.

(فصل)

واعلم أن النذر هو أن تقول « إن كان كذا فلله علي كذا » من صوم وغيره ، أو تعتقد أنه متى كان شيئا فلله علي كذا وجب عليك الوفاء به عند حصول ذلك الشئ. ومتى لم تقل لله ولم تعتقده لله كنت مخيرا في الوفاء به وتركه.

والمعاهدة أن تقول « عاهدت الله ـ أو تعتقد ذلك ـ أنه متى كان كذا فعلي كذا » ، فمتى حصل شرطه وجب عليك الوفاء به. وكذا ان لم تقل لله ولم تعتقده كان مستحبا الوفاء به.

وانما يكون للنذر والعهد تأثيرا إذا صدرا عن نية.

وعن محمد بن مسلم انه سأل الباقر أو الصادق عليهما‌السلام عن امرأة جعلت مالها هديا وكل مملوك لها حرا ان كلمت أختها ابدا. قال : تكلمها وليس هذا بشئ ، ان هذا وشبهه من خطوات الشيطان (٢) ، قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر » (٣).

__________________

١) انظر المبسوط ٦ / ٢٤٦ ، وقد نقله المؤلف هنا بتغيير وتلخيص.

٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٦٠.

٣) سورة النور : ٢١.

٢٣٥

وقال المرتضى : لا ينعقد النذر حتى يكون معقودا بشرط متعلق به ، كأن يقول  « لله علي ان أصوم أو أتصدق ان قدم فلان » ، ولو قال « لله علي ان أصوم » من غير شرط يتعلق به لم ينعقد نذره. قال : والدليل عليه أن معنى النذر في القرآن (١) يكون متعلقا بشرط ، ومتى لم يتعلق بشرط لم يستحق هذا الاسم ، وإذا لم يكن ناذرا إذا لم يشترط لهم يلزمه الوفاء ، لان الوفاء انما يلزم متى ثبت الاسم والمعنى.

قال : فأما استدلالهم بقوله « أوفوا بالعقود » وبقوله « أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم » فليس بصحيح ، لأنا لا نسلم انه مع التعري من الشرط يكون عقدا وعهدا ، وانما تناولت الآيتان ما يستحق اسم العقد والعهد ، فعليهم أن يدلوا عليه (٢).

والاحتياط فيما قدمناه من أنه يجب الوفاء إن كان مطلقا.

والقائل إذا نذر فقال « لله علي ان أصوم كل خميس » فإنه يجب عليه صومه أبدا لأنه أيضا في معنى المشروط كأنه قال « ان عشت ».

(فصل)

وأما قوله تعالى « وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فان الله يعلمه » (٣) فما بمعنى الذي وما بعدها صلتها والعائد إليها الهاء في قوله « يعلمه ».

والنذر عقد الشئ على النفس في فعل شئ من البر بشرط أو غيره ، بأن يقول : لله علي كذا إن كان كذا ، ولله علي كذا.

« فان الله يعلمه » اي يجازي عليه ، فدل بذكر العلم على تحقيق الخبر ايجازا للكلام.

__________________

١) كذا في النسختين ، وفى المصدر « في اللغة ».

٢) الانتصار ص ١٦٣ مع تغيير في بعض العبارات.

٣) سورة البقرة : ٢٧٠.

٢٣٦

وقوله « أوفوا بالعقود » أمرهم بالاتمام بالوفاء لما لزمهم ، والعقود هي التي يتعاقدها الناس بينهم أو يعقدها المرء على نفسه ، كعقد الايمان وعقد النكاح وعقد الشركة وعقد البيع وعقد العهد وعقد الحلف.

وقال بعض المفسرين : أراد الوفاء بالنذور فيما يجوز الوفاء به ، اي أوفوا بالعقود الصحيحة ، لأنه لا يلزم أحدا ان يفي بعقد فاسد ، كالنذر في قتل مؤمن ظلما وعصب ماله.

وقيل في قوله تعالى « ولا تتبعوا خطوات الشيطان » (١) هي النذور في المعاصي.

وقوله « يوفون بالنذر » (٢) الوفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه. وقد ذكرنا ان النذر عقد على فعل على وجه البر بوقوع أمر يخاف ان لا يقع.

وكفارة النذر مثل كفارة الظهار ، فإن لم يقدر كان عليه كفارة اليمين والمعني به انه إذا فات الوقت الذي نذر فيه صار بمنزلة الحنث. والله أعلم بالصواب (باب)

(اقسام العهد)

قال الله تعالى « وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم » (٣) اعلم أن من عاهد الله أن يفعل واجبا أو ندبا أو ما يكون به مطيعا وجب عليه الوفاء به ، فإن لم يفعل كان عليه الكفارة. وكذلك ان عاهد على أن لا يفعل قبيحا أو لا يترك واجبا أو ندبا ثم فعل القبيح أو ترك الطاعة وجب عليه أيضا الكفارة.

أمر الله تعالى عباده بأن يفوا بعهده إذا عاهدوا عليه ، وكذلك قوله « وأوفوا

__________________

١) سورة البقرة : ١٦٨.

٢) سورة الانسان : ٧.

٣) سورة النحل : ٩١.

٢٣٧

بالعهد ان العهد كان مسؤولا » (١) أي مسؤولا عنه للجزاء عليه ، فحذف عنه لأنه مفهوم.

والآية أمر منه تعالى بالوفاء بالعهود التي تحسن ، ومتى عقد عاقد على ما لا يجوز نقض ذلك العقد الفاسد.

وقد يجب الشئ للنذر والعهد والوعد به ، وانما يجب عند العقد والعهد الذي يجب الوفاء به هو كل فعل حسن إذا عقد عليه وعاهد الله ليفعلنه بالعزم عليه فإنه يصير واجبا عليه ، ولا يجوز له خلافه كما ذكرناه. فأما إذا رأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير فلا كفارة عليه ، وهذا يجوز فيما كان ينبغي أن يشرط ، فأما إذا أطلقه وهو لا يأمن أن يكون غيره خيرا فقد أساء باطلاق العقد عليه.

ثم قال « ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها » (٢) وهذا نهي منه تعالى عن حنث الايمان بعد عقدها وتوكيدها. وفي الآية دلالة على أن اليمين على المعصية غير منعقدة ، لأنها لو كانت منعقدة لما جاز نقضها ، وأجمعا على أنه يجب نقضها ولا يجوز الوفاء به.

وقد مدح الله المؤمنين فقال « والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون » (٣) أي محافظون ما يعاهدون عليه ، والمراعاة قيام الداعي باصلاح ما يتولاه. وقال تعالى « ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل » (٤) وقال « ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لتصدقن » (٥).

__________________

١) سورة الإسراء : ٣٤.

٢) سورة النحل : ٩١.

٣) سورة المؤمنون : ٨.

٤) سورة الأحزاب : ١٥.

٥) سورة التوبة : ٧٥.

٢٣٨

وانما صح أن يعاهد الله من لا يعرفه ، لأنه إذا وصفه بأخص صفاته جاز أن يعرف عهده إليه ، فلذلك جاز أن يكون غير عارف ، وقال تعالى « وبعهد الله أوفوا » (١).

(باب الكفارات)

أما كفارة اليمين فقد قال الله تعالى « فكفارته اطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام » (٢) أي الثلاثة التي هي عتق رقة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فعل فقد أجزأ مخير فيها ، ومتى عجز عن جميعها كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات.

وعن محمد بن مسلم سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى « من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم » قال ثوب ، وعن اطعام عشرة مساكين أو اطعام ستين مسكينا الجمع لانسان واحد يعطاه؟ قال : لا ولكن يعطي انسانا انسانا كما قال الله تعالى. قلت : يعطيها الرجل مرأته إذا كانوا محتاجين؟ قال : نعم (٣).

وفي قوله تعالى « أوسط ما تطعمون أهليكم » قال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو كما يكون [ أنه يكون ] في البيت من يأكل أكثر من المد ومنهم من يأكل أقل من المد فبين ذلك ، وان شئت جعلت لهم أداما ، والإدام أدناه الملح وأوسطه الخل والزيت وأرفعه اللحم (٤).

والكفارة فعالة من الكفر وهو الستر والتغطية ، أي الذي يستر هذا الذنب ،

__________________

١) سورة الأنعام : ١٥٢.

٢) سورة المائدة : ٨٩.

٣) هذا المضمون ورد في حديثين عن أبي الحسن عليه‌السلام ـ انظر تفسير البرهان ١ / ٤٩٦.

٤) الاستبصار ٤ / ٥٣ مع اختلاف في بعض الألفاظ.

٢٣٩

وهو الحنث في اليمين المعقود عليها حتى يزول عنه العقاب.

والضمير في قوله « فكفارته » يعود إلى الذنب بالحنث بأنه مدلول عنه.

وقال أبو علي الفارسي : أي كفارة ما عقدتم عليه ، لان الكفارة أو جبت بالتنزيل فيما عقد عليه دون اليمين التي لم يعقد عليها والمعقود عليه دون ما كان موقوفا على الحنث والبر دون ما لم يكن كذلك. وقال الزجاج : أي فكفارة المؤاخذة فيه إذا حنث أن يطعم عشرة مساكين ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين.

والمراد بالرقبة واحد من المماليك ، والأصل في ذلك العنق وما حولها ، وأريد ههنا جملة البدن لأنه شبه المملوك بالأسير الذي يشد رقبته فإذا اطلق فك عن رقبته فكذا المملوك إذا أعتق. وقال الحسن : كل مملوك كالاخر في الجواز فيجوز الكافر أيضا لان الآية مبهمة.

وخير الله الحالف بين هذه الثلاثة وفيه تفاوت ، لان اشباع عشرة لا يفي بثمن الرقبة ، والله العالم الحكمة في تسوية هذا بذاك ، وكذلك الكسوة ثمنها دون الرقبة بكثير. وقال الزجاج : أكثرها نفعا أفضلها عند الله ، فإن كان الناس في جدب لا يقدرون على المأكول فالاطعام أفضل لان به قوام الحياة ، والا فالاعتاق أو الكسوة أفضل.

(فصل)

وكفارة قتل الخطأ واجبة سواء أخذ أولياء المقتول الدية من العاقلة أو من القاتل أو تصدقوا ، قال الله تعالى « ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة » (١) ، وسواء كان المقتول مؤمنا بين المؤمنين أو مؤمنا وقومه كافرون والقاتل لا يعرف ايمانه والظاهر أنه مباح الدم أو مؤمنا وقومه معاهدون.

__________________

١) سورة النساء : ٩٤.

٢٤٠