فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

اليمين لأنه أريد في العيال من أربع حرائر. والصحيح أن عال الرجل عياله يعولهم أي مانهم ، ومنه قوله عليه‌السلام : ابدأ بمن تعول (١).

(باب الصداق وأحكامه)

قال الله تعالى « وآتوا النساء صدقاتهن نحلة » (٢) أي أعطوهن مهورهن ديانة وهبة من الله لهن. ونحلة نصب على المصدر.

عن ابن عباس : المخاطب به الأزواج ، أمرهم بالعطاء المهر كملا إذا دخل بها لمن سمي لها ، فأما غير المدخول بها فإنها إذا طلقت فان لها نصف المسمى إذا طلقها ، وان لم يكن سمى لها المهر فلها المتعة ، فإن لم يطلقها ولم يسم لها مهرا فلها مهر المثل ما لم يتجاوز خمسمائة درهم.

وقال أبو صالح : هذا خطاب للأولياء ، لان الرجل منهم كان إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها ، فنهاهم الله عن ذلك وأنزل هذه الآية.

وذكر المعتمر بن سليمان أن أناسا كان أحدهم يعطي هذا الرجل منهم أخته ويأخذ أخت الرجل ولا يكون بينهما المهر ، فيشير بهذا إلى نكاح الشغار ، فنهى الله عن ذلك.

والظاهر يدل على الأول.

ثم خاطب الله الزواج بقوله تعالى « فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا » لان أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شئ مما ساق إلى امرأته ، فأنزل الله هذه الآية ـ عن ابن عباس.

وقال أبو صالح : المعني به الأولياء ، والمعنى ان طابت لكم أنفسهن بشئ

__________________

١) وسائل الشيعة ٦ / ٣٠٢.

٢) سورة النساء : ٤.

١٠١

من المهر ، ومن لتبيين الجنس ، فلو وهبت له المهر نحلة لجاز وكان حلالا بلا خلاف.

(فصل)

والأصل في الصداق كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فالكتاب قوله تعالى « وآتوا النساء صدقاتهن نحلة » (١) وقوله « فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة » (٢) وقال « وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم » (٣).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أدوا العلائق. قيل : يا رسول الله ما العلائق؟ قال : ما تراضى به الأهلون.

وعليه الاجماع. يسمى المهر صداقا وأجرة وفريضة.

فان قيل : كيف سماه الله نحلة وهو عوض عن النكاح؟ فالجواب : انه مشتق من الانتحال الذي هو التدين ، يقال فلان ينتحل مذهب كذا ، فكأن قوله تعالى « نحلة » معناه تدينا.

وقيل : انه في الحقيقة نحلة من الله لها ، لان حظ الاستمتاع لكل واحد منهما بصاحبه كحظ الاخر.

وقيل وجه ثالث ، وهو أن الصداق كان للأولياء في شرع من قبلنا ، بدلالة قول شعيب حين زوج موسى ابنته « على أن تأجرني ثماني حجج فان أتممت

__________________

١) سورة النساء : ٤.

٢) سورة النساء : ٢٤.

٣) سورة البقرة : ٢٣٧.

١٠٢

عشرا فمن عندك » (١). فكأن معنى قوله تعالى « نحلة » أي ان الله أعطاهن هذا في شريعة محمد عليه‌السلام.

فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر ، لأنه إذا عقد مطلقا ضارع الموهوبة ، وذلك يختص بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلذلك يستحب ذكره. ولئلا يرى الجاهل فيظن أنه يعرى عن المهر ، ولان فيه قطعا لمواد الخصومة.

ومتى ترك ذكر المهر وعقد النكاح بغير ذلك فالنكاح صحيح اجماعا ، لقوله تعالى « لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة » تقديره ولم تفرضوا لهن فريضة ، لأنه معطوف على قوله « ما لم تمسوهن » بدلالة قوله « ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ».

وهذه المتعة واجبة للمرأة التي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا.

ثم قال « متاع بالمعروف حق على المحسنين » ، فإن كان المهر مسمى وأعطاها المهر ثم طلقها فالمتعة مستحبة ، قال الله تعالى « وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين » (٢).

(فصل)

والصداق عندنا غير مقدر ، فكل ما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتر صح أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا ، وفيه خلاف.

والكثير أيضا لاحد له عندنا ، لقوله تعالى « وان آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا » (٣) والقنطار ملء مسك تور ذهبا أو سبعون ألفا ، وهو اجماع لقصة عمر مع المرأة التي حجته فقال : كل أحد أفقه من عمر حتى النساء أفقه من عمر.

__________________

١) سورة القصص : ٢٧.

٢) سورة البقرة : ٢٤١.

٣) سورة النساء : ٢٠.

١٠٣

وكل ماله قيمة في الاسلام وتراضي عليه الزوجان ينعقد به النكاح ويصير به مهرا ، الا أن السنة المحمدية خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا.

وروى أصحابنا أن الإجارة مدة لا يجوز أن يكون صداقا ، لأنه كان يختص بموسى عليه‌السلام. ويجوز أن يكون المهر تعليم شئ من القرآن.

(باب)

(المتعة وأحكامها)

قال الله تعالى « فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة » (١) قال الحسن هو النكاح ، وقال ابن عباس والسدي هو المتعة إلى أجل مسمى. وهو مذهبنا ، لان لفظ « الاستمتاع » إذا أطلق لا يستفاد به في الشرع الا العقد المؤجل ، وإن كان في أصل الوضع معناه الانتفاع. ولا خلاف أن الشئ إذا كان له وضع وعرف شرعي يجب حمله على العرف دون الوضع ، لأنه صار حقيقة والوضع مجازا والحكم للطارئ. ألا ترى أنهم يقولون « فلان يقول بالمتعة وفلان لا يقول بالمتعة » ولا يريدون الا العقد المخصوص.

ولا ينافي ذلك قوله تعالى « والذين هم لفروجهم حافظون * الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » (٢). لأنا نقول : ان هذه زوجة ، ولا يلزم أن يلحقها جميع أحكام الزوجات من الميراث والطلاق والايلاء والظهار واللعان ، لان أحكام الزوجات تختلف. ألا ترى أن المرتدة تبين بغير طلاق ، وكذا المرتد عندنا ، والكتابية لا ترث. وأما العدة فإنها يلحقها عندنا ويلحق به الولد أيضا في هذا النكاح فلا شنعة بذلك.

__________________

١) سورة النساء : ٢٤.

٢) سورة المؤمنون : ٥ ـ ٦.

١٠٤

ولو لم تكن زوجة لما جاز أن يضم ما ذكر في هذه السورة إلى ما في تلك الآية ، وان ذلك جائز لأنه لا تنافي بينهما ، فيكون التقدير : الا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ، أو ما استمتعتم به منهن. وقد استقام الكلام.

(فصل)

وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير أنهم قرأوا « فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى » (١) وذلك صريح بما قلناه. على أنه لو كان المراد به عقد النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد لأنه قال تعالى « فآتوهن أجورهن » يعني مهورهن عند أكثر المفسرين. وذلك غير واجب بلا خلاف ، وانما يجب الاجر بكماله في عقد المتعة بنفس العقد.

ولا يعترض هذا بقوله تعالى « وآتوا النساء صدقاتهن نحلة » (٢) لان آية الصدقة مطلقة وهذه مقيدة بما قبلها ، مع أنه فصل سبحانه فقال « وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ».

وفي أصحابنا من قال : قوله « أجورهن » يدل على أنه تعالى أراد المتعة ، لان المهر لا يسمى أجرا بل سماه الله تعالى صدقة ونحلة.

وهذا ضعيف ، لان الله سمى المهر أجرا في قوله « فانكحوهن بأذن أهلهن وآتوهن أجورهن » (٣) وفي قوله « والمحصنات من الذين أوتو الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن » (٤) ، ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لما يعلم خلافه.

__________________

١) انظر الدر المنثور ٢ / ١٢٩ فما بعدها.

٢) سورة النساء : ٤.

٣) سورة النساء : ٢٥.

٤) سورة المائدة : ٥.

١٠٥

ومن حمل لفظ « الاستمتاع » على الانتفاع فقد أبعد ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم من لا ينتفع بها شئ من المهر. فقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول للزمه نصف المهر ، فان خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء وان لم يلتذ ولم ينتفع.

(فصل)

وأما الخبر الذي يروونه أن النبي عليه‌السلام نهى عن المتعة (١) ، فهو خبر واحد لا يترك له ظاهر القرآن ، ومع ذلك يختلف لفظه وروايته : فتارة يروون أنه نهى عنها في عام خيبر ، وتارة يروون أنه نهى عنها في عام الفتح ، وقد طعن أيضا في طريقه بما هو معروف.

وأدل دليل على ضعفه قول عمر « متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما ومعاقب عليهما » (٢) ، فأخبر أن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وانه هو الذي نهى عنها لضرب من الرأي.

فان قالوا : انما نهى لان النبي عليه‌السلام كان نهى عنها.

قلنا : لو كان كذلك لكان يقول متعتان كانتا على عهد رسول الله فنهى عنهما وأنا أنهى عنهما أيضا ، فكان يكون آكد في باب المنع ، فلما لم يقل ذلك دل على أن التحريم لم يكن صدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصح ما قلناه.

وقال الحكم بن عيينة : قال علي عليه‌السلام : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى الا شقي (٣).

__________________

١) انظر سنن الترمذي ٣ / ٤٢٩.

٢) الغدير ٦ / ٢١٠ عن سنن البيهقي ٧ / ٢٠٦ ولفظه « وأعاتب عليهما ».

٣) الدر المنثور ٢ / ١٤٠. وبمضمونه حديث عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، انظر الاستبصار٣ / ١٤١.

١٠٦

وذكر البلخي عن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال : كنا مع النبي عليه‌السلام ونحن شباب فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي؟ قال : لا. ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل (١).

وقوله تعالى « ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة » (٢) قال السدي وقوم من أصحابنا (٣) : معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استيناف عقد آخر بعد انقضاء المدة التي تراضيتم عليها ، فنزيدها في الاجر وتزيدك في المدة (٤).

(فصل)

فإذا ثبت أن النكاح المتعة جائز وهو النكاح المؤجل ، وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأحوال عند المخالفين وقد أثبتوا في كتبهم منهم أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن مسعود ومجاهد وعطا ، وقد رووا عن جابر وسلمة ابن الأكوع وأبى سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وابن جبير وابن جريح انهم كانوا يفتون بها ، وادعاؤهم الاتفاق على حظر المتعة باطل.

وقد ذكرنا أن الحجة لنا بعد الاجماع من القرآن قوله تعالى « فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة » ، ولفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا

__________________

١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٤٣٢.

٢) سورة النساء : ٢٤.

٣) انظر الدر المنثور ٢ / ١٤٠.

٤) قال الصغاني في العباب : قيل لسعد بن أبي وقاص « رض » : ان فلانا ينهى عن المتعة. فقال : متعنا مع رسول الله عليه‌السلام وفلان كافر بالعرش ـ أي وهو مقيم بعرش مكة وهي بيوتها القديمة لم يسلم ولم يهاجر. كأنه قال كافر بالعروش ، وهو جمع عريش ، وهو خيمة من خشب وثمام. قال الصغاني : فلان هو معاوية بن أبي سفيان « ج ».

١٠٧

على الالتذاذ والانتفاع في أصل اللغة ، فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين ، لا سيما إذا أضيف إلى النساء ، ولا يفهم من قول القائل « متعة النساء » لا هذا العقد المخصوص ، كما أن لفظ الظهار اختص في عرف الشرع بهذا الحكم المخصوص وان كانت في اللغة مشتركة ، فكأنه قال : إذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فآتوهن أجورهن.

ولفظة « استمتعتم » لا تعدو وجهين : اما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة ، أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع. فلا يجوز أن يكون هو الوجه الأول لامرين : أحدهما ـ أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه ، في أن لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل لامرين أحدهما أصل اللغة والاخر عرف الشرع أنه يجب حمله على عرف الشرع ، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون اللغوي.

والامر الاخر ـ أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ ، لان رجلا لو وطئ امرأته ، ولم يلتذ لوطئها لان نفسه عافتها وكرهتها أو لغير ذلك من الأسباب لكان دفع جميع المهر واجبا وإن كان الالتذاذ مرتفعا ، فعلمنا أن الاستمتاع في الآية انما أريد به العقد المخصوص دون غيره.

(فصل)

ومما يبين ذلك ويقويه قوله تعالى « ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة » ومعناه على ما روي عن آل محمد عليه وعليهم‌السلام أن تزيدها أنت في الاجر وتزيدك هي في الاجل (١).

__________________

١) انظر تفسير البرهان ١ / ٣٦٠.

١٠٨

وما يقوله مخالفونا من أن المراد به رفع الجناح في الابراء والنقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بصحيح. لأنا نعلم أن العفو والابراء مسقط للحقوق بالعقول ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية ، والزيادة في المهر كالهبة ، والهبة أيضا معلومة لامن هذه الآية ، وأن التراضي مؤثر في النفقات وما أشبهها ، فحمل الآية والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا معلوم هو الأولى ، فالحكم الذي ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها ، فيحب أن يكون أولى.

(فصل)

فان قيل : كيف يضح حمل لفظة « استمتعتم » على النكاح المخصوص ، وقد أباح الله بقوله « وأحل لكم ما وراء ذلكم » النكاح المؤبد بلا خلاف ، فمن خصص ذلك بعقد المتعة فهو خارج عن الاجماع.

قلنا : قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء « وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين » يبيح العقد على النساء والتوصل بالمال إلى استباحتهن ويعم ذلك العقد المؤبد والمؤجل ، ثم خص المؤجل بالذكر فقال « فما استمتعتم به منهن » ، فالمعنى فمن نكحتموها منهن نكاح المتعة فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ، لان الزيادة في الاجر والأجل لا يليق الا بالعقد المؤجل.

فان قيل : الآية مجملة لقوله تعالى « محصنين غير مسافحين » ولفظة الاحصان تقع على أشياء مختلفة من العقد والتزويج وغير ذلك.

قلنا : الأولى أن تكون لفظة « محصنين » محمولة على العقد والتنزيه من الزنا ، لأنه في مقابلة قوله « غير مسافحين » والسفاح الزنا بغير شبهة ، ولو حملت

١٠٩

اللفظة على الامرين من العفة والاحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.

فان قيل : كيف يحمل لفظة « الاحصان » في الآية على ما يقتضي الرجم وعندكم أن المتعة لا تحصن.

قلنا : قد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنها تحصن ، وانما لا تحصن إذا كانت المتمتع بها يغيب عنها في أكثر الأوقات ، والغائب عن زوجته في النكاح الدائم لا يكون بحكم المحصن في الرجم.

وبعد فإذا كانت لفظة « محصنين » تليق بالنكاح الدائم المؤبد رددنا ذلك إليه ، كما أنا رددنا لفظة « الاستمتاع » إلى النكاح المؤجل لما كانت تليق به ، فكأنه تعالى أحل النكاح على الاطلاق وابتغاءه بالأموال ثم فصل منه المؤبد بذكر الاحصان والمؤجل بذكر الاستمتاع.

وموضع « أن تبتغوا » نصب على البدل من ما أو على حذف الام ، بأن يكون تقديره لان تبتغوا. ومن قرأ « وأحل » بالضم جاز في محل ان الرفع والنصب. ومعنى « أن تبتغوا » ان تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم اما شراءا بثمن أو نكاحا مؤجلا أو مؤبدا ـ عن ابن عباس.

« محصنين غير مسافحين » أي متزوجين غير زانين وأعفة غير زناة. وقال الزجاج : المسافح والمسافحة الزانيان غير ممتنعين من أحد ، فإذا كانت تزني بواحد فهي ذات خدن ، فحرم الله الزنا على وجه السفاح الذي ذكرناه واتخاذ الصديق الذي بيناه.

(باب)

(العقد على الإماء وأحكامه)

قال الله تعالى « ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات

١١٠

فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات » (١) معناه ومن لم يجد منكم طولا ، والطول هو الغنى ، مأخوذ من الطول ، فشبه الغني به لان به ينال معالي الأمور.

وقيل الطول هو الهوى (٢) ، قال جابر : إذا هوى الأمة التي للغير فله أن يتزوجها بأن كان ذا يسار. والأول هو الصحيح ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (٣).

المعنى : من لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة ، أي من لم يقدر على شئ مما يصلح لنكاح الحرائر من المهر والنفقة فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ، أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم ، وهم المخالفون في الدين كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم ، فان مهور الإماء أقل ومؤونتهن أخف في العادة.

والمراد به إماء الغير ، لأنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأمة نفسه اجماعا.

وطولا مفعول به ، وعلى قول جابر من أنه من الهوى مفعول له.

والعنت في قوله تعالى « لمن خشي العنت منكم » على هذا المراد به الحد ، لأنه إذا هواها خشي أن يواقعها فيحد فيتزوجها.

والفتاة : الشابة. والفتاة : الأمة وان كانت عجوزا ، لأنها كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الحرة. والفتوة حالة الحداثة ، يقال أفتى الفقيه لأنه في مسألة حادثه.

(فصل)

وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية ، لأنه قيد جواز العقد على الإماء بكونهن مؤمنات. وقال أبو حنيفة يجوز ذلك ، لان التقييد هو على

__________________

١) سورة النساء : ٢٥.

٢) وفسر الطول بالمهر في حديث عن الصادق عليه‌السلام ـ انظر تفسير البرهان ١ / ٣٦١.

٣) مجمع البيان ٢ / ٣٣.

١١١

جهة الندب دون التحريم. والأول أقوى ، لأنه الظاهر وما قاله عدول عن الظاهر.

ومنهم من قال : ان تأويل من فتياتكم المؤمنات الكتابيات دون المشركات من عبدة الأوثان ، بدلالة الآية في المائدة ، وهي قوله تعالى « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » (١). وهذا ليس بشئ ، لان الكتابية لا تسمى مؤمنة.

ومن أجاز العقد على الكتابية ، له أن يقول : آية المائدة مخصوص بالحرائر منهن دون الإماء.

وظاهر الآية يقتضي أن من وجد المهر للحرة ونفقتها ولا يخاف العنت لا يجوز له تزويج الأمة وانما يجوز العقد عليها مع عدم الطول والخوف من العنت. وهو مذهب الشافعي ، غير أن أكثر أصحابنا قالوا ذلك على وجه الأفضل ، لا لأنه لو عقد عليها وهو غني كان العقد باطلا وهو قول أبي حنيفة ، وقووا ذلك بقوله تعالى « ولامة مؤمنة خير من مشركة » (٢).

الا أن من شرط صحة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء ألا يكون عنده حرة ، وهو مذهبنا ، الا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة ، فان أذنت كان العقد صحيحا عندنا. ومتى عقد عليها بغير اذن الحرة كان العقد باطلا. وروى أصحابنا أن الحرة تكون بالخيار بين أن تفسخ عقد الأمة ، كما يكون لها الخيار أن تفسخ عقد نفسها ، والأول أظهر لأنه إذا كان العقد باطلا لا يحتاج إلى فسخه.

فأما تزويج الحرة على الأمة فلا يجوز الا باذن الحرة ، فإن لم تعلم الحرة بذلك كان لها أن تفسخ نكاح نفسها أو نكاح الأمة. وفي الناس من قال في عقده على الحرة طلاق الأمة ، وعن النبي عليه‌السلام : الحرائر صلاح البيت ،

__________________

١) سورة المائدة : ٥.

٢) سورة البقرة : ٢٢١.

١١٢

والإماء هلاك البيت.

(فصل)

ثم قال تعالى « والله يعمل بايمانكم بعضكم من بعض ». قيل فيه قولان : أحدهما كلكم ولد آدم ، والثاني كلكم على الايمان.

ويجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرة وأكثر ثوابا عند الله ، وفي ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة إذا جوز أن يكون أكثر ثوابا عند الله مع اشتراكهم بأنهم ولد آدم. وفي ذلك صرف عن التعاير في الأنساب.

ومن كره نكاح الأمة قال إن الولد منها يكون مملوكا ، ولذلك أنكر. وعندنا أن هذا ليس بصحيح ، لان الولد عندنا يلحق بالحرية في كلا الطرفين الا أن يشترط.

وقوله تعالى « فانكحوهن باذن أهلهن » أي اعقدوا عليهن بأذن أهلهن. وفي ذلك دلالة واضحة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير اذن وليها الذي هو مالكها.

وقوله تعالى « وآتوهن أجورهن » معناه أعطوا مالكهن مهورهن ، لان مهر الأمة لسيدها. وقيل تقديره فأتوا مواليهن ، فحذف المضاف. وقيل انما قال وآتوهن لأنهن وما في أيديهن لمواليهن ، فيكون الأداء إليهن بحضور مواليهن أداءا إلى الموالي.

وقوله تعالى « بالمعروف » وهو ما وقع عليه العقد والتراضي.

وقوله تعالى « محصنات غير مسافحات » يعني بالعقد عليهن دون السفاح معهن « ولا متخذات أخدان » فالخدن الصديق يكون للمرأة يزني بها سرا ، والسفاح ما ظهر من الزنا ، أي غير زانيات جهرا ولا سرا. ولا يحرم في الجاهلية ما خفي من الزنا وانما يحرم ما ظهر منه ، قال الله تعالى « ولا تقربوا الفواحش

١١٣

ما ظهر منها وما بطن » (١) أي حرم الزنا سرا وعلانية.

(فصل)

قوله تعالى « فإذا أحصن » من قرأ بالضم معناه تزوجن ، ومن فتح الهمزة فمعناه أسلمن. وقال الحسن يحصنها الاسلام والزوج.

ولا خلاف أنه يجب عليها نصف الحد إذا زينت ، سواء كانت ذات زوج أو لم تكن.

وقوله « من العذاب » أي من الحد ، لقوله « وليشهد عذابهما » (٢) و « يدرأوا عنها العذاب » (٣).

ولا رجم على الإماء ، لان الرجم لا ينتصف.

وقوله « ذلك لمن خشي العنت منكم » إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول لمن خشي العنت ، أي الزنا والمشقة والضرر لغلبة الشهوة.

« وان تصبروا خير لكم » معناه وصبركم عن نكاح الإماء وعن الزنا خير لكم.

ويدل على أن الاحصان يعبر به عن الخيرية قوله تعالى في أول الآية « ومن لمس يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات » ، ولا شك انه أراد بها الحرائر والعفائف ، لان اللاتي لهن أزواج لا يمكن العقد عليهن. على أن في الناس من قال إن المحصنات هنا المراد بها الحرائر دون العفائف ، لأن العقد على المرأة الفاجرة ينعقد وإن كان مكروها ، لان قوله « الزاني لا ينكح الا زانية

__________________

١) سورة الأنعام : ١٥١.

٢) سورة النور : ٢.

٣) سورة النور : ٨.

١١٤

أو مشركة » (١) منسوخ بالاجماع. ويمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل دون الوجوب.

وذكر الطبري أن في الآية تقديما وتأخيرا ، لان التقدير ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات مما ملكت أيمانكم ، أي فلينكح مما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات بعضكم من بعض والله أعلم بايمانكم (٢).

وهو مليح.

(فصل)

ثم قال تعالى « يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم » قال الجبائي : في الآية دلالة على أن ما ذكر في الآيتين من تحريم النكاح وتحليله قد كان على من قبلنا من الأمم لقوله « ويهديكم سنن الذين من قبلكم » أي في الحلال والحرام.

وقال الرماني : لا يدل ذلك على اتفاق الشريعة وان كنا على طريقتهم في الحلال والحرام كما لا يدل عليه وان كنا على طريقتهم في الاسلام. وهذا أقوى ، ومثله قوله تعالى « كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم » (٣) ، واللام في « ليبين » لإرادة التبيين ، والأصل أن يبين ، كما زيدت في « لا ابا لك » لتأكيد الإضافة.

« والله يريد أن يتوب عليكم » أي يقبل توبتكم من استحلالهم ما هو حرام عليهم من حلائل الاباء والأبناء ، « ويريد الذين يتبعون الشهوات » قيل هم اليهود ،

__________________

١) سورة النور : ٣.

٢) مجمع البيان : ٢ / ٣٥.

٣) سورة البقرة : ١٨٣.

١١٥

لأنهم يحلون نكاح الأخت من الأب ، وقيل المجوس. أي يريدون أن يعدلوا عن الاستقامة « ويريد الله أن يخفف عنكم » في نكاح الإماء ، لان الانسان خلق ضعيفا في أمر النساء.

(باب)

(نفقات الزوجات والمرضعات وأحكامها)

قال الله تعالى « ولا تؤتوا السفهاء أموالكم » (١) أي لا تعطوا النساء والصبيان أموالكم التي تملكونها فتسلطونهم عليها فيفسدوها ويضيعوها ، ولكن ارزقوهم أنتم منها ان كانوا ممن يلزمكم نفقتهم واكسوهم.

وقال تعالى « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم » (٢) وفيه دليلان على وجوب ذلك : أحدهما قوله « قوامون » ، والقوام على الغير هو المتكفل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك. والثاني قوله  « وبما أنفقوا من أموالهم » يعني أنفقوا عليهن من أموالهم.

وقال تعالى « فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم ألا تعدلوا » أي في النفقة « فواحدة أو ما ملكت أيمانكم » (٣) يعني لا تكثروا من تمونونه ، فلولا أن النفقة واجبة والمؤنة عليهم ما حذره بكثرتها عليه.

وقال تعالى « قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم » (٤) يعني من الحقوق التي لهن على الأزواج من الكسوة النفقة والمهر وغير ذلك.

__________________

١) سورة النساء : ٥.

٢) سورة النساء : ٣٤.

٣) سورة النساء : ٣.

٤) سورة الأحزاب : ٥٠.

١١٦

وقال تعالى « وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن المعروف » (١) والمولودة له الزوج ، فقد أخبر تعالى أن عليه رزقها وكسوتها.

(فصل)

وقوله تعالى « قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم » قال قوم : معناه قد علمنا مصلحة ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم وما فرضناه عليهم مصلحة لهم في أديانهم من المهر والحصر بعدد محصور من النفقة والكسوة والقسمة بين الأزواج وغير ذلك من الحقوق ومما ملكت أيمانهم ان لا يقع لهم الملك الا بوجوه معلومة ، ووضعنا أكثر ذلك منك وأبحنا لك امرأة وهبت نفسها لك ، وانما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير محاباة.

وعندنا أن النكاح بلفظ الهبة لا يصح ، وانما كان ذلك للنبي عليه‌السلام خاصة. وقال قوم يصح غير أنه يلزم المهر إذا دخل بها ، وانما جاز بلا مهر للنبي عليه‌السلام خاصة. والذي يبين صحة ما قلناه قوله تعالى « ان أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين » (٢) فبين أن هذا الضرب من النكاح خاص له عليه‌السلام دون غيره من المؤمنين.

ومتى اجتمع عند الرجل حرة وأمة بالزوجية كان للحرة يومان وللأمة يوم ، وفي رواية للحرة ليلتان وللأمة المزوجة ليلة. فان كانت لمك بيمين فلا قسمة لها. والتسوية بينهن في النفقة والكسوة أفص ، ولا بأس أن يفضل بعضهم على بعض فيهما.

وإذا كان له زوجة يبيت عندها ليلة في كل أربع ليالي ، وان كانت عنده حرتان جاز أن يبيت عند واحدة ثلاث ليالي وعند الأخرى ليلة.

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٣.

٢) سورة الأحزاب : ٥٠.

١١٧

(فصل)

وقوله تعالى « يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا » (١) الآية.

فقد فرض الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخير نساءه بين المقام معه على ما يكون من أحوال الدنيا وبين مفارقته بالطلاق وتعجيل المنافع ، فقد روي في سببه أن كل واحدة من نسائه طلبت شيئا منه فلم يقدر على ذلك ، لأنه لما خيره الله تعالى في ملك الدنيا فاختار الآخرة فأمره الله بتخيير النساء فاخترن الله ورسوله (٢).

وروي في سبب ذلك أن بعض نسائه طلبت منه حلقة من ذهب فصاغ لها حلقة من فضة وطلاها بالزعفران ، فقالت : لا أريد الا من ذهب ، فاغتم لذلك النبي عليه‌السلام ، فنزلت الآية فصبرن على الفاقة والضر ، فأراد الله تعالى أن يكافئهن في الحال فأنزل « لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج » (٣) الآية ، ثم نسخت بعد مدة بقوله « انا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن » يعني أعطيت مهورهن ، لان النكاح ينفك من المهر.

والايتاء قد يكون بالأداء وقد يكون بالالتزام ، وأحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء أن تجمع منهن ما شئت ، وأحللنا لك بنات عمك أن تعقد عليهن وتعطيهن مهرهن. ثم قال « وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي » يعني وأحللنا لك المرأة إذا وهبت نفسها لك إذا أردتها ورغبت فيها.

[ عن ابن عباس : لا تحل لك امرأة بغير مهر وان وهبت نفسها الا للنبي عليه السلام خاصة ] (٤).

__________________

١) سورة الأحزاب : ٢٨.

٢) أسباب النزول ص ٢٤٢.

٣) سورة الأحزاب : ٥٢.

٤) الزيادة من م.

١١٨

(فصل)

وقوله تعالى « والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين » (١) هو أمر ورد في صورة الخبر ، كقوله « ومن دخله كان آمنا » (٢).

وانما قلنا ذلك لامرين :

أحدهما ـ أن تقديره والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي أوجبه على عباده ، فحذف للدلالة عليه.

والثاني ـ أنه وقع موقع ليرضعن تصرفا في الكلام مع دفع الاشكال ، ولو كان خبرا لكان كذبا لوجودنا ، والوالدات يرضعن أكثر من حولين وأقل منهما.

وقال بعضهم هو على ظاهره خبر.

فان قيل : ان الخبر يوجب [ ... ] (٣) والاجماع أن الوالدة بالخيار.

الجواب : انه في تقدير حق للوالدات أن يرضعن حولين.

وقال الأصم : ذلك في المطلقات ، لوروده عقيبه ولقوله « وعلى المولود له رزقهن » ، والزوجة يلزم لها النفقة إذا كانت تطيع على كل حال ، ولا التباس على أنها عامة ولا يمتنع أن يبين للرضاع زيادة حق على حق الزوجية.

وقال أبو مسلم : هو أمر وحكم من الله على النساء بارضاع أولادهن على أزواجهن إقامة رزقهن وكسوتهن.

وقال الزجاج في قوله تعالى « بالمعروف » أي بما تعرفون أنه عدل على

__________________

١) سورة البقرة : ٢٣٣.

٢) سورة آل عمران : ٩٧.

٣) كلمة لم نتبينها.

١١٩

قدر الامكان ، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى « لا نكلف نفسا الا وسعها » (١ لأنه خبر في تقدير النهي وبدل ، أي لا يكلف الزوج من النفقة أكثر من الامكان على قدر حاله وما يتسع له ، لان الوسع ما يتسع له الرجل ولا يتحرج به ويصير إلى الضيق من أجله.

ونظر الصادق عليه‌السلام إلى أم إسحاق ترضع أحد ابنيها ، فقال : لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما ، يكون أحدهما طعاما والاخر شرابا (٢).

(فصل)

وفي الآية بيان لامرين : أحدهما مندوب ، والاخر فرض.

فالمندوب هو أن يجعل الرضاع تمام الحولين ، لان ما نقص عنه يدخل به الضرر عل المرتضع.

والفرض. أن مدة الحولين التي تستحق المرضعة الاجر فيها ولا تستحق فيما زاد عليه ، وهو الذي بينه الله تعالى بقوله « فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن » فثبتت المدة التي يستحق فيها الجرة على ما أوجبه الله تعالى في هذه الية.

وانما قال تعالى « حولين كاملين » وان كانت التثنية تأتي على استيفاء السنتين لوقع التوهم من أنه على طريقة التغليب ، كقولهم « سرنا يوم الجمعة » وإن كان السير في بعضه. وقد يقال « أقمنا حولين » وان كانت الإقامة في حول وبعض من الحول الثاني ، فهو لرفع الابهام الذي يعرض في الكلام.

فان قيل : هل يلزم الحولين في كل مولود.

قيل : فيه خلاف :

__________________

١) سورة الأنعام : ١٥٢.

٢) وسائل الشيعة ١٥ / ١٧٦.

١٢٠