فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

وقال طاوس : إذا أوصى لغير ذي قرابته لم تجز وصيته. وقال الحسن : ليست الوصية الا للأقربين. وهذا الذي قالاه عندنا وإن كان غير صحيح ، فهو مبطل قول من يدعي نسخ الآية. وانما قلنا إنه ليس بصحيح لان الوصية لغير الوالدين والأقربين عندنا جائزة ، ولا خلاف بين الفقهاء في جوازها.

والوصية لا تجوز بأكثر من الثلث اجماعا ، والأفضل أن تكون بأقل من الثلث لقوله عليه‌السلام « والثلث كثير » (١).

وأحق من وصي له من كان أقرب للميت إذا كانوا فقراء ، وان كانوا أغنياء فقال الحسن هم أحق بها ، وقال ابن مسعود الأحق بها الأحوج فالأحوج من القرابة.

(فصل)

وقوله تعالى « ان ترك خيرا » يعنى مالا ، واختلفوا في مقدار ما الذي يستحق الوصية عنده : فقال الزهري كلما وقع عليه اسم مال من قليل أو كثير ، وقال إبراهيم النخعي ألف درهم إلى خمسمائة.

وروي أن عليا عليه‌السلام دخل على مولى له في مرضه وله سبعمائة درهم أو ستمائة ، فقال : ألا أوصي؟ فقال عليه‌السلام : لا ، انما قال سبحانه « ان ترك خيرا » وليس لك كثير مال. وبهذا يؤخذ ، لان قوله عليه‌السلام عندنا حجة.

والوصية مرفوعة بكتب ، ويجوز أن تكون مبتد أو خبره للوالدين. والجملة في موضع رفع على الحكاية بمنزلة قيل لكم الوصية للوالدين.

وفي اعراب « إذا » والعامل فيه قولان : أحدهما كتب ، على معنى إذا حضر أحدكم الموت ، أي عند المرض. والوجه الاخر قال الزجاج : لأنه رغب

__________________

١) وسائل الشيعة ١٣ / ٣٦٣ من حديث عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام.

٣٠١

في حال صحته أن يوصي ، فتقديره كتب عليكم الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف في حال الصحة قائلين إذا حضرنا الموت فلفلان كذا.

والمعروف هو الذي لا يجوز أن ينكر ولا حيف فيه ولا جور.

والحضور وجود الشئ بحيث يمكن أن يدرك ، وليس معناه في الآية إذا حضره الموت أي إذا عاين الموت ، لأنه في تلك الحال في شغل عن الوصية ، لكن المعنى كتب عليكم أن توصوا وأنتم قادرون على الوصية ، فيقول الانسان إذا حضرني الموت ـ يعنى إذا أنا مت ـ فلفلان كذا.

والحق هو الذي لا يجوز انكاره ، وقيل ما علم صحته سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا ، وهو مصدر حق يحق حقا ، وانتصب في الآية على المصدر ، وتقديره أحق حقا ، وقد استعمل على وجه الصفة بمعنى ذي الحق كما وصف بالعدل.

وقوله « بالمعروف » معناه بالشئ الذي يعرف ذوو التمييز أنه لا حيف فيه ولا جور على قدر التركة وحال الموصى له. وقيل معنى المعروف بالحق الذي لا يجوز أن ينكر ، وقيل أي لا يوصي بماله للغني ويدع الفقير.

وقال ابن مسعود : الوصية للأخل فالأخل ، أي للأحوج فالأحوج على ما قدمناه.

ومعنى حضره الموت حضرته أماراته ومقدماته.

(فصل)

ثم قال « فمن بدله بعد ما سمعه » الهاء عائدة على الوصية وانما ذكر حملا على المعنى ، لان الايصاء والوصية واحدة. والهاء في قوله « فإنما إثمه » عائدة على التبديل الذي دل عليه قوله « فمن بدله بعد ما سمعه ». وقال الطبري : الهاء تعود على محذوف ، لان عودها على الوصية المذكورة لا يجوز ، لان التبديل

٣٠٢

انما يكون لوصية الموصي ، فأما أمر الله بالوصية فلا يقدر هو ولا غيره أن يبدله.

قال الرماني : وهذا باطل ، لان ذكر الله للوصية انما هو لوصية الموصي فكأنه قيل كتب عليكم وصية مفروضة عليكم ، فالهاء تعود إلى الوصية المفروضة التي يفعلها الموصي.

وقوله « فمن بدله » فالتبديل هو تغيير الشئ عن الحق فيه ، والبدل هو وضع شئ مكان آخر.

ومن أوصى وصية في ضرار فبدلها الوصي لم يأثم بذلك. قال ابن عباس من أوصى في ضرار لم تجز وصيته ، لقوله « غير مضار ».

والوصي إذا بدل الوصية لم ينقص من أجر الموصي شئ كما لو لم يبدلها لأنه لا يجازى أحد على عمل غيره ، لكن يجوز ان يلحقه منافع الدعاء والاحسان الواصل إلى الموصى له على غير وجه الاجر له.

وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول إن الوصي أو الوارث إذا لم يقض دين الميت فإنه يؤخذ به في قبره أو في الآخرة ، إذ لا اثم عليه في تبديل غيره فأما ان قضى عنه من غير أن أوصى به فان الله تعالى يتفضل باسقاط العقاب عنه إن شاء الله.

ثم قال تعالى « فمن خاف من موص جنفا أو اثما فأصلح بينهم فلا اثم عليه » (١) لما حذر في الآية الأولى الوصي من تبديل أمر الوصية وأوعده أن يجاوز ما أمر به أعقب ذلك بما للوصي أن يفعله فيما جعل إليه من الوصية ، لان الأولى كالعموم وهذا تخصيص له ، فكأنه قال ليس للوصي أن يبدل أمر الوصية بعد سماعه الا أن يخاف من الموصي أنه أمر بغير المعروف مخالفا لأمر الله ، فحينئذ للوصي أن يبدل ويصلح لأنه رد إلى أمر الله.

__________________

١) سورة البقرة : ١٨٢.

٣٠٣

وقال المرتضى : لا تصح الوصية في حال الصحة والمرض جميعا بأكثر من الثلث ، وكذلك تمليك يستحق لموت المملك ، وإذا أوصى الانسان بأكثر من الثلث يرد إلى الثلث على ما نذكره.

(فصل)

فان قيل : كيف قال تعالى « فمن خاف من موص » لما قد وقع ، والخوف انما يكون لما لم يقع.

قلنا : فيه قولان :

أحدهما : أنه خاف أن يكون قد زل في وصيته فالخوف للمستقبل ، وذلك الخوف هو أن يظهر ما يدل على أنه قد زل ، لأنه من جهة غالب الظن.

والثاني : لما اشتمل على الواقع ولم يقع جاز فيه خلاف ذلك ، فيأمره بما فيه الصلاح وما وقع رده إلى العدل بعد موته.

والجنف الجور ، وهو الميل عن الحق. قال الحسن : هو أن يوصي في غير القرابة. قال : فمن أوصى لغير قرابته رد إلى أن يجعل للقرابة الثلثان ولمن أوصى له الثلث. وهذا باطل عندنا ، لان الوصية لا يجوز صرفها عمن أوصى له ، وانما قال الحسن ذلك لقوله ان الوصية للقرابة واجبة ، وعندنا أن الامر بخلافه على ما بيناه.

وإذا خان الموصي في وصيته فللوصي أن يردها إلى العدل ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

وقال قوم أي فمن خاف من موص في حال مرضه الذي يريد أن يوصي فيه ويعطى بعضا ويضر ببعض فلا اثم أن يشير عليه بالحق ويرده إلى الصواب ويشرع

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ١٧٩.

٣٠٤

بالاصلاح بين الموصي والورثة والموصى له ، حتى يكون الكل راضين ولا يحصل حيف ولا ظلم ويكون ذا صلح بينهم يريد فيما يخاف من حدوث الخلاف فيه فيما بعده. ويكون قوله « فمن خاف » على ظاهره ، فيكون الخوف مترقبا غير واقع. وهذا قريب أيضا غير أن الأول أصوب.

وانما قيل للمتوسط بالاصلاح ليس عليه اثم ولم يقل فله الاجر على الاصلاح لان المتوسط انما يجري أمره في الغالب على أن ينقص صاحب الحق بعض حقه بسؤاله إياه فاحتاج أن يبين الله تعالى لنا أنه لا اثم عليه في ذلك إذا قصد الاصلاح.

والضمير في قوله « بينهم » عائد إلى الموصى له ومن ينازعه لان الكلام عليه ، وقيل يعود إلى الوالدين والأقربين. وقوله « فلا اثم عليه » قد ذكرنا أن الضمير عائد إلى المصلح المذكور في « من » وقيل الضمير عائد إلى الوصي.

والحيف في الوصية على جهة الخطاء لأنه لا يدري أنه لا يجوز ، والاثم أن يتعمد ذلك ، روي ذلك عن الباقر عليه‌السلام. وقيل : الحيف بأن يوصي أكثر من الثلث أو يوصي بمال في المعصية أو انفاق في غير مرضاة الله ، فان ذلك كله يرد ولا ينفذ.

فأما أن يوصي الرجل لابن بنته وله أولاد أو يوصي لزوج بنته وله أولاد ، فلا يجوز رده على وجه عندنا ، وكذا ان وصى للبعيد دون القريب لا ترد وصيته.

(باب)

(الوصية للوارث وغيره من القرابات)

(وأحكام الأوصياء)

الوصية للوارث جائزة بدلالة قوله تعالى « كتب عليكم إذا حضر أحدكم

٣٠٥

الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين » (١) ، وهذا نص في موضع الخلاف على ما قدمناه. وقولهم ان هذه الآية منسوخة من غير دليل على نسخها لا يغني شيئا.

وأيضا قوله تعالى « من بعد وصية يوصى بها أو دين » (٢) وهذا عام في الأقارب والأجانب ، فمن خص به الأجانب دون الأقارب ، فقد عدل عن الظاهر بغير دليل.

فان قالوا : ان الآية منسوخة بآية المواريث. الجواب : ان النسخ انما يكون إذا تنافى العمل بموجبهما ، ولا تنافى بين آية الوصية وآية المواريث والعمل بمقتضاهما سائغ ، فكيف يجوز أن يدعى النسخ في ذلك مع فقد التنافي ولا يجوز أن ينسخ بما يقتضى الظن كتاب الله الذي يوجب العمل ، وإذا كنا لا نخصص كتاب الله بأخبار الآحاد فالأولى أن لا ننسخه بها.

وقال تعالى « وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولا لهم قولا معروفا (٣) عن ابن عباس : ان الخطاب بقوله « فارزقوهم » متوجه إلى من حضرته الوفاة وأراد الوصية ، فإنه ينبغي لهم أن يوصوا لمن لا يرث من الأقرباء بشئ من أموالهم ان كانوا أغنياء ويعتذرون إليه ان كانوا فقراء.

ورزق الانسان غيره يكون على معنى التمليك.

ثم قال تعالى « وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا » (٤). قيل في معنى الآية أربعة أقوال : أحدها : النهي عن الوصية بما يجحف بالورثة ويضر بهم.

__________________

١) سورة البقرة : ١٨٠.

٢) سورة النساء : ١١.

٣) سورة النساء : ٨.

٤) سورة النساء : ٩.

٣٠٦

الثاني : قال الحسن كان الرجل يكون عند الميت يقول له أوص بأكثر من الثلث من مالك فنهاه الله عن ذلك.

الثالث : قال ابن عباس انه خطاب لولي اليتيم ، يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه ، كما لو خاف على مخلفيه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم مثل ذلك.

الرابع : قال ميثم هي في حرمان ذوي القربى أن يوصي لهم ، بأن يقول الحاضر للوصية لا توص لأقاربك ووفر على ورثتك.

ومعنى الآية أنه ينبغي للمؤمن الذي لو ترك ذرية ضعافا بعد موته خاف عليهم الفقر والضياع أن يخش على ورثة غيره من الفقر والضياع ولا يقول لمن يحضر وصيته أن يوصي بما يضر بورثته وليتق الاضرار بورثة المؤمن.

(فصل)

ثم خوف الله تعالى الأوصياء وأوعدهم بقوله « ان الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما انما يأكلون في بطونهم نارا » (١) ، وانما علق سبحانه الوعيد في الآية بمن يأكل أموال اليتامى ظلما لأنه قد يأكله على وجه الاستحقاق ، بأن يأخذ الوصي منه وغيره أجرة المثل على ما قلناه ، أو يأكل منه بالمعروف على ما فسرناه ، أو يأخذه قرضا على نفسه.

فان قيل : إذا أخذه قرضا على نفسه أو أجرة المثل على ما قلناه فلا يكون أكل مال اليتيم وانما أكل مال نفسه.

قلنا : ليس الامر على ذلك ، لأنه يكون أكل مال اليتيم لكنه على وجه التزم عوضه في ذمته أو استحقه بالعمل في ماله ، فلم يخرج بذلك من استحقاق الاسم بأنه مال اليتيم. ولو سلم ذلك لجاز أن يكون المراد بذلك ضربا من

__________________

١) سورة النساء : ١٠.

٣٠٧

التأكيد وبيانا ، لأنه لا يكون أكل مال اليتيم [ لا ظلما ، و « ظلما » نصب على المصدر وأكل مال اليتيم ] (١) وغصبه يتساويان في توجه الوعيد إليه.

وقال تعالى « ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده » (٢) نهى سبحانه جميع المكلفين أن يتصرفوا في أموال اليتامى ، بل يحفظوا على اليتيم ماله ويثمروه على مالا يشك أنه أصلح له ، فأما بغير ذلك فلا يجوز لاحد التصرف فيه. وانما خص اليتيم بذلك ـ وإن كان التصرف في مال الغير بغير اذنه لا يجوز أيضا ـ لان اليتيم إلى ذلك أحوج والطمع في ذلك أكثر.

« حتى يبلغ أشده » أي حتى يبلغ الحلم ، وقيل حتى يبلغ كمال العقل ويؤنس منه الرشد.

وقال تعالى « وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب » (٣) هذا خطاب لأوصياء اليتامى ، أمرهم الله بأن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا الحلم وأونس منهم الرشد. وسماهم يتامى بعد البلوغ مجازا ، لأنه عليه‌السلام قال  « لا يتم بعد حلم ».

وقيل : كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم ويجعلون مكانه الردئ ، قال لهم لا تتبدلوا الخبيث بالطيب ، أي لا تستبدلوا ما حرمه الله عليكم من أموالهم بما أحله لكم من أموالكم « ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم » أي لا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا. فأما خلط مال اليتيم بمال نفسه إذا لم يظلمه فلا بأس به.

قال الحسن : لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فأنزل الله « ويسألونك عن اليتامى قل اصلاح لهم خير وان تخالطوهم فإخوانكم

__________________

١) الزيادة من ج.

٢) سورة الأنعام : ١٥٢.

٣) سورة النساء : ٢.

٣٠٨

والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم » (١) وهو المروي عنهما عليهما‌السلام.

وقال في سورة الأنعام « ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده » (٢) المراد بالقرب التصرف فيه على ما قدمناه ، وانما خص اليتيم لأنه لما كان لا يدفع عن نفسه ولا له والد يدفع عنه وكان الطمع في ماله أقوى تأكد النهي في التصرف في ماله « الا بالتي هي أحسن » أي يحفظه عليه إلى أن يكبر أو بتثميره بالتجارة.

(باب)

(ما على وصي اليتيم)

قال الله تعالى « ولا تؤتوا السفهاء أموالكم » (٣) قال ابن جبير : يعني بأموالكم أموالهم ، كما قال « ولا تقتلوا أنفسكم » (٤) قال : وهم اليتامى لا تؤتوهم أموالهم وارزقوهم فيها واكسوهم.

والأولى حمل الآية على الامرين لان العموم يقتضي ذلك ، فلا يجوز أن يعطى السفيه الذي يفسد المال ولا اليتيم الذي لم يبلغ ولا الذي بلغ ولم يؤنس منه الرشد ولا أن يوصى إلى سفيه ولا يخص بعض دون بعض ، فالموصي إذا كان عاقلا حرا ثابت العقل لا يوصى إلى سفيه ولا إلى فاسق ولا إلى عبد لأنه لا يملك مع سيده شيئا ، بل يختار لوصيته عاقلا مسلما عدلا حكيما. وانما تكون إضافة مال اليتيم

__________________

١) سورة البقرة : ٢٢٠.

٢) سورة الأنعام : ١٥٢.

٣) سورة النساء : ٥.

٤) سورة النساء : ٢٩.

٣٠٩

إلى من له القيام بأمرهم على ضرب من المجاز ، أو لأنه لا يعطى الأولياء ما يخصهم لمن هو سفيه.

ويجرى ذلك مجرى قول القائل لواحد : يا فلان أكلتم أموالكم بينكم بالباطل. فيخاطب الواحد بخطاب الجميع ويريد به أنك وأصحابك أكلتم.

والتقدير في الآية : لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم فتضيعوها.

ومعنى قوله « وقولوا لهم قولا معروفا » أي يا معشر ولاة السفهاء قولوا للسفهاء ان صلحتم ورشدتم سلمنا إليكم أموالكم. وقال الزجاج : علموهم مع اطعامكم إياهم وكسوتهم أمر دينهم.

وفي الآية دلالة على جواز الحجر على اليتيم إذا بلغ ولم يؤنس منه الرشد ، لأنه منع تعالى من دفع المال إلى السفهاء. وفيها أيضا دلالة على وجوب الوصية إذا كان الورثة سفهاء ، لان ترك الوصية بمنزلة اعطاء المال في حال الحياة إلى من هو سفيه.

وانما سمي الناقص العقل سفيها وان لم يكن عاصيا لان السفه هو خفة الحلم.

(فصل)

ثم قال تعالى « وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم » (١) هذا خطاب لأولياء اليتامى. أمر الله أن يختبروا عقول اليتامى في أفهامهم وصلاحهم في أديانهم واصلاح أموالهم.

وقوله « حتى إذا بلغوا النكاح » معناه حتى يبلغوا الحد الذي يقدر على مجامعة النساء وينزل ، وليس المراد الاحتلام ، لان في الناس من لا يحتلم أو يتأخر احتلامه.

__________________

١) سورة النساء : ٦.

٣١٠

وفي المفسرين من قال : إذا كمل عقله وأونس منه الرشد سلم إليه ماله ، وهو الأقوى. ومنهم من قال : لا يسلم إليه حتى يكمل له خمسة عشر سنة إذا كان عاقلا ، لان هذا حكم شرعي وبكمال العقل يلزمه المعارف لا غير.

« فان آنستم منهم رشدا » أي وجدتم منهم صلاحا وعقلا ودينا واصلاح المال فادفعوا إليهم أموالهم. والأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل ، واصلاح المال هو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) ، للاجماع على أن من يكون كذلك لا يجوز على الحجر في ماله وإن كان فاجرا في دينه ، فإذا كان ذلك اجماعا فكذلك إذا بلغ وله مال في يدي وصي أبيه أو في يد حاكم قد ولي ماله وجب عليه أن يسلم إليه ماله إذا كان عاقلا مصلحا لما له وإن كان فاسقا في دينه.

وفي الآية دلالة على جواز الحجر على العاقل إذا كان مفسدا في ماله من حيث أنه إذا كان عند البلوغ يجوز منعه المال إذا كان مفسدا له فكذلك في حال كمال العقل إذا صار بحيث يفسد المال جاز الحجر عليه ، وهو المشهور في أخبارنا.

ثم قال « ولا تأكلوها اسرافا وبدارا أن يكبروا » خطاب لأولياء اليتيم أيضا ، أي لا تأكلوها بغير ما أباحه لكم ولا مبادرة منهم ببلوغهم وايناس الرشد منهم حذرا أن يبلغوا فيلزمهم ردها إليهم. وموضع أن « يكبروا » نصب بالمبادرة ، والمعنى لا تأكلوها مبادرة كبرهم.

ومن كان من ولاة أموال اليتامى غنيا فليستعفف بماله عن أكلها ، ومن كان فقيرا فليأكل بالقرض ، وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ألا ترى أنه قال  « فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ».

وقال الحسن : يأخذ ما سد الجوعة ووارى العورة ولا قضاء عليه ولم يوجب أجرة المثل. قال : لان أجرة المثل ربما كان أكثر من قدر الحاجة. والظاهر في

__________________

١) تفسير البرهان ١ / ٣٤٥.

٣١١

أخبارنا ان له أجرة المثل سواء كان قدر كفايته أو لم يكن.

واختلفوا في هل للفقير من أولياء اليتيم أن يأكل من ماله هو وعياله : فقال بعضهم ليس له ذلك لقوله « فليأكل » فخصه بالاكل ، وقال غيره له ذلك لان قوله « بالمعروف » يقتضي أن يأكل هو وعياله على ما جرت به العادة في أمثاله.

وقال : إن كان المال واسعا كان له أن يأخذ قدر كفايته له ولمن يلزمه نفقته من غير اسراف ، وإن كان قليلا كان له أجرة المثل لا غير. وانما لم يجعل له أجرة المثل إذا كان المال كثيرا لأنه ربما كان أجرة المثل أكثر من نفقته من غير اسراف ، وإن كان قليلا كان له أجرة المثل من نفقته بالمعروف على ما قلناه من أن له أجرة المثل سقط بهذا الاعتبار.

ثم أمر الأولياء أن يحتاطوا لأنفسهم أيضا بالاشهاد عليهم إذا دفعوا إليهم أموالهم لئلا يقع منهم جحودهم ويكون أبعد من التهمة ، وسواء كان ذلك في أيديهم أو استقرضوه دينا على أنفسهم ، فان الاشهاد يقتضيه الاحتياط وليس بواجب ،  « وكفى بالله شهيدا » بايصال الحق إلى صاحبه.

وولي اليتيم المأمور بابتلائه هو الذي جعل إليه القيام به من وصي أو حاكم أو أمين ينصبه الحاكم ، وأصحابنا انما أجازوا الاستقراض من مال اليتيم إذا كان مليا.

(باب)

(الوصية المبهمة)

عن معاوية بن عمار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوصى بجزء من ماله. قال : جزء من عشرة ، قال الله تعالى « ثم اجعل على كل جبل منهن

٣١٢

جزءا » (١) وكانت الجبال عشرة أجبل (٢).

وعن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا عليه‌السلام في الرجل أوصى بجزء من ماله. قال : الجزء من سبعة ، قال تعالى « لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم » (٣).

والوجه في الجمع بينهما أن يحمل الجزء على أنه يجب ان ينفذ في واحد من العشرة ، ويستحب للورثة أن ينفذوا في واحد من السبعة.

وعن صفوان وأحمد بن محمد بن أبي نصر سألنا الرضا عليه‌السلام عن رجل أوصى لك بسهم من ماله ولا ندري السهم أي شئ هو؟ فقال : ليس عندكم فيما بلغكم عن جعفر ولا عن أبي جعفر فيها شئ؟ قلنا له : ما سمعنا أصحابنا يذكرون شيئا من هذا عن آبائك. فقال : السهم [ واحد ] (٤) من ثمانية. فقلنا : فكيف واحد من ثمانية. فقال : أما تقرأون كتاب الله. قلت : اني لأقرأه ولكن لا أدري أي موضع هو. فقال : قول الله « انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل » (٥) ، ثم عقد بيده ثمانية (٦).

وإذا أوصى انسان لغيره بكثير من ماله أو نذر أن يتصدق بمال كثير فالكثير ثمانون فما زاد ، لقول الله تعالى « لقد نصركم الله في مواطن كثيرة » (٧) وكانت ثمانين موطنا.

__________________

١) سورة البقرة : ٢٦٠.

٢) وسائل الشيعة ١٣ / ٤٤٣ وفيه « عشرة أجبال ».

٣) وسائل الشيعة ١٣ / ٤٤٧. والآية في سورة الحجر : ٤٤.

٤) الزيادة من المصدر.

٥) سورة التوبة : ٦٠.

٦) وسائل الشيعة ١٣ / ٤٤٨.

٧) سورة التوبة : ٢٥.

٣١٣

والأحسن أن يقيد الكلام ، فيقول المال الكثير ثمانون درهما ، الا إذا كان مضافا إلى جنس فإذا يكون منه خاصة.

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أن من أوصى بشئ من ماله كان ذلك السدس (١).

وعن الحسين بن عمر : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان رجلا أوصى إلي بشئ في سبيل الله قال : اصرف إلى الحج ، فاني لا أعلم شيئا من سبله أعظم من الحج (٢).

وعن الحسين بن راشد : سألت العسكري عليه‌السلام : بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله. فقال : سبيل الله شيعتنا (٣).

ذكر أبو جعفر ابن بابويه رحمة الله عليه الوجه في الجمع بين الخبرين ان المعنى في ذلك أن يعطي المال لرجل من الشيعة ليحج به ، فقد انصرف في الوجهين معا وسلم الخبران من التناقض (٤). وهذا وجه حسن.

على أنه ان أوصى انسان بثلث ماله في سبيل الله ولم يسم أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضلال ، فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله يصرف أكثره في فقراء آل محمد عليه وعليهم‌السلام ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ثم يصرف ما بقي بعد ذلك في معونة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل عامة ، وفي جميع وجوه البر.

وان أوصى انسان لأولاده شيئا وقال هو بينهم على كتاب الله ، كان للذكر

__________________

١) وسائل الشيعة ١٣ / ٤٥٠ بمضمونه.

٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٦ مع اختصار هنا.

٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٦.

٤) من لا يحضره الفقيه٤ / ٢٠٧ ونقل الكلام هنا بالمعنى.

٣١٤

مثل حظ الأنثيين ، وان أبهم ولم يبين كيفية القسمة بينهم أصلا كان بينهم بالسوية.

وإذا أوصى المسلم للفقراء كان ذلك لفقراء المسلمين ، وان أوصى الكافر كان ذلك لفقراء أهل ذمته ، فقد حدث أبو طالب [ عن ] (١) عبد الله بن الصلت قال : كتب الخليل ابن هاشم إلى ذي الرياستين وهو والي نيسابور : ان رجلا من المجوس مات وأوصى للفقراء بشئ من ماله فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين.

[ فكتب الخليل إلى ذي الرياستين بذلك ] (٢) فسأل المأمون عن ذلك فقال : ليس عندي في ذلك شئ ، فسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام فقال : ان المجوسي لم يوص لفقراء المسلمين ، ولكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة فيرد على فقراء المجوس (٣) ان الله تعالى يقول « فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ».

(باب)

(الوصية التي يقال لها راحة الموت)

قال الله تعالى « ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب » (٤) أي وصى إبراهيم ويعقوب عليهما‌السلام بنيهما بلزوم شريعة إبراهيم التي هي الاسلام ، وقالا : ان الله رضيه لكم دينا فلا تفارقوه ما عشتم.

وجاء في التفسير : ان إبراهيم جمع ولده أسباطه وقال إن الاسلام دين الله

__________________

١) كذا في ج وليس في م ولا في المصدر.

٢) الزيادة من المصدر.

٣) وسائل الشيعة ١٣ / ٤١٤ ، وليس فيه الاستشهاد بالآية ذيلا.

٤) سورة البقرة : ١٣٢.

٣١٥

الذي تعبدكم به فالزموه ولا تعدلوا عنه ولو نشرتم بالمناشير وقرضتم بالمقاريض وأحرقتم بالنار.

« وجعلها كلمة باقية في عقبه » أي جعل هذه الوصية بقيت في عقبه يذكرونها ، وكان في وصيته : يا بني عليكم أن تظهروا كل حسنة وجدتم من غيركم ، وأن تستروا كل سيئة وفاحشة وإياكم أن تشيعوها.

وقوله « ولا تموتن » وإن كان على لفظ النهي ، فما نهوا عن الموت وانما نهوا في الحقيقة عن ترك الاسلام لئلا يصادفهم الموت عليه. وتقديره لا تتعرضوا للموت عن ترك الاسلام بفعل الكفر ، ومثله في كلام العرب « لا أرينك ههنا » ، فالنهي للمتكلم في اللفظ وانما هو في الحقيقة للمخاطب ، فكأنه قال لا تتعرض لان أراك بكونك ههنا.

« وأنتم مسلمون » جملة في موضع الحال ، أي لا تموتن الا مسلمين.

واقتصروا على تفعلة في مصدر وصى فقالوا وصى توصية ، ورفضوا تفعيلا لئلا تجتمع ثلاث ياءات. ومعنى وصى أمر وعهد. والفرق بينهما أن الامر يحصل بلفظ الامر [ ولو مرة ، والوصية وصل لفظة الامر بمثله ] (١) أو بغيره مما يؤكده على ما قدمنا.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أوصى ولم يحف ولم يضار كمن تصدق به في حياته (٢) ، ومن لم يوص عند موته لذي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية (٣) ، قال الله تعالى « كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك

__________________

١) الزيادة من ج.

٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٨٢.

٣) في المصدر السابق ورد هذا اللفظ في حديث عن الصادق عليه‌السلام وليس فيه « ممن لا يرث ».

٣١٦

خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين » (١).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : الوصية تمام ما نقص عن الزكاة ، ومن لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله. قالوا : يا رسول الله فكيف الوصية؟ قال : إذا حضرته الوفاة قال : اللهم إني أعهد إليك أنى اشهد ألا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن القول كما حدث ، اللهم أنت ثقتي وعدتي صل على محمد وآل محمد وآنس في قبري وحشتي واجعل لي عندك عهدا يوم ألقاك (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : وتصديق هذا في سوره مريم ، قول الله تعالى  « لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا » (٣) وهذا هو العهد (٤).

(باب)

(من تجوز شهادته في الوصية)

(وشرائط الوصية)

من شرط الوصية أن يشهد الموصى عليه تعيين عدلين لئلا يعترض فيه الورثة ، فإن لم يشهد وأمكن الوصي انفاذ الوصية جاز له انفاذها على ما أوصى به إليه ، قال الله تعالى « يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم » (٥) قال حمزة بن حمران : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية. فقال

__________________

١) سورة البقرة : ١٨٠.

٢) وسائل الشيعة ١٣ / ٣٥٣ مع اختلاف في ألفاظ.

٣) سورة مريم : ٨٧.

٤) وسائل الشيعة ٣ / ٣٥٤ في ذيل الحديث السابق.

٥) سورة المائدة : ١٠٦.

٣١٧

اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب. ثم قال : إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة فطلب رجلين مسلمين يشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما (١).

وعن يحيى بن محمد عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قوله « يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم » الآية. قال : اللذان منكم مسلمان واللذان من غيركم من أهل الكتاب ، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس ، لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شبه المجوس بأهل الكتاب في الجزية. قال : وإذا مات في أرض غربة فلم يجد مسلمين أشهد رجلين من أهل الكتاب.

« تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا إذا لمن الاثمين » قال : وذلك أن ارتاب ولي الميت في شهادتهما.

« فان عثر على أنهما استحقا اثما » أي شهدا بالباطل « فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا انا إذا لمن الظالمين » فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأولين وجازت شهادة الآخرين ، لقول الله عزوجل « ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم » (٢).

(فصل)

وقد تقدم بيان هذه الآية في باب الشهادة ونزيدها ايضاحا ههنا فنقول : ان قوله « اثنان » ارتفع عل أنه خبر للمبتدأ الذي هو « شهادة بينكم » ، أو

__________________

١) وسائل الشيعة ١٣ / ٣٩٢.

٢) المصدر السابق.

٣١٨

على أنه فاعل « شهادة بينكم » على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان ، و « إذا حضر » ظرف للشهادة و « حين الوصية » بدل منه.

وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الاجل. وقيل « منكم » أي من أقاربكم و « من غيركم » أي من أجانبكم. فعلى هذا معناه ان وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية.

وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح والأصح ما قدمناه ان قوله « منكم » أي من المسلمين و « من غيركم » أي من أهل الذمة.

وقوله « ان ارتبتم » اعتراض بين القسم والمقسم عليه ، أي ان اتهمتموهما فحلفوهما ، والضمير في « به » للقسم وفى « كان » للمقسم له ، يعني لا يستدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا ، أي لا يحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من يقسم له قريبا منا.

وقوله « شهادة الله » أي الشهادة التي أمر الله بتعظيمها وحفظها.

وقوله « تحبسونهما » تقفونهما وتصيرونهما للحلف من بعد الصلاة. وقيل اللام في الصلاة للجنس ، والقصد بالتحليف على أثرها أن تكون الصلاة لطفا في النطق بالصدق وناهية عن الكذب ، فان اطلع على أنهما فعلا ما أوجب اثما فاستوجبا أن يقال لهما انهما من الاثمين.

« فشاهدان آخران » من الذين جني عليهم وهم أهل الميت ، و « الأوليان » اللاحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وارتفاعهما على هما الأوليان ، كأنه قيل ومن هما فقيل الأوليان وقيل « هما » بدل من الضمير في « يقومان » أو « من آخران » ، وقرئ « الأولين » على أنه وصف للذين استحق عليهم.

ومعنى الأولية التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها ، ذلك

٣١٩

الذي يقدم من بيان الحكم « أدنى أن تأتوا بالشهادة » على نحو تلك الحادثة ان تكرر أيمان شهود آخرين بعد ايمانهم فيفتضحوا بظهور كذبهم ، كما جرى في قصة بديل على ما تقدم.

ويجوز شهادة النساء عند عدم الرجال ، فإن لم تحضر الا امرأة جازت شهادتها في ربع الوصية ، فان حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النصف ، والثلاث في النصف والربع ، والأربع في كل الوصية إذا كانت بالثلث فما دونه.

والعدالة معتبرة في المواضع كلها.

(باب نادر)

عن سلمى مولاة ولد أبي عبد الله عليه‌السلام (١) : كنت عنده حين حضرته الوفاة ، فأغمي عليه فلما أفاق قال : أعطوا الحسن بن علي بن الحسين بن علي ـ وهو الأفطس ـ سبعين دينارا. قلت : أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة؟ قال : ويحك أما تقرئين القرآن. قلت : بلى. قال : أما سمعت قول الله تعالى (٢) « الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب » (٣).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأله أبى وأنا حاضر عن قوله تعالى « حتى إذا بلغ أشده واستوى » (٤). قال : الاحتلام. قال : فقال يحتلم في ست عشرة سنة وسبع عشرة ونحوها. فقال : لا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره الا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال : وما السفيه؟ فقال : الذي يشتري الدرهم بأضعافه. قال : وما

__________________

١) في المصدر « عن سالمة مولاة أم ولد كانت لأبي عبد الله ».

٢) سورة الرعد : ٢١.

٣) تفسير البرهان ٢ / ٢٨٩.

٤) سورة القصص : ١٤.

٣٢٠