فقه القرآن - ج ٢

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]

فقه القرآن - ج ٢

المؤلف:

قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي [ قطب الدين الراوندي ]


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: الولاية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠
الجزء ١ الجزء ٢

فجعل الله للأم الثلث كاملا إذا لم يكن ولد ولا أخوة.

ومن الدليل على أن لها الثلث في جميع المال أن جميع من خالفنا لم يقولوا لها السدس في هذه الفريضة ، انما قالوا للأم ثلث ما بقي وثلث ما بقي هو السدس ، فأحبوا أن لا يخالفوا الكتاب فأثبتوا لفظ الكتاب وخالفوا حكمه ، وذلك تمويه.

وجاء رجل إلى أبى جعفر عليه‌السلام فسأله عن امرأة تركت زوجها وأخويها وأختها لامها (١). فقال : للزوج النصف ثلاثة أسهم ، وللاخوة من الام سهمان ، وللأخت من الأب [ السدس ] (٢) سهم. فقال له الرجل : فان فرائض زيد وفرائض العامة على غير هذا ، يقولون للأخت من الأب ثلاثة أسهم (٣) تصير من ستة تعول من ثمانية.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ولم قالوا ذلك؟ قال : لان الله تعالى قال « وله أخت فلها نصف ما ترك ». فقال عليه‌السلام : فإن كان مكان الأخت أخا. قال : ليس له الا السدس. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : فما لكم نقضتم الأخ ان كنتم تحتجون للأخت النصف بأن الله سمى لها النصف ، فان الله سمى للأخ الكل والكل أكثر من النصف لأنه تعالى قال في الأخت « ولها نصف ما ترك » وقال في الأخ « وهو يرثها » يعني جميع مالها « ان لم يكن لها ولد » فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في بعض فرائضهم شيئا وتعطون الذي جعل الله له النصف والام تاما ، ويقولون (٤) في زوج وأم وأخوة لام وأخت لأب فيعطون الزوج النصف والام السدس والاخوة من الام الثلث والأخت من الأب النصف فيجعلونها من تسعة وهي ستة تعول إلى

__________________

١) كذا في النسختين ، وفى المصدر « تركت زوجها واخوتها لامها وأختا لأبيها ».

٢) الزيادة من المصدر.

٣) لان فيها النصف والثلث ، وقوله « تعول إلى ثمانية » لان للاخوة من الام سهمين وللأخت من الأب ثلاثة أسهم وكذا للزوج فتصير ثمانية « ج ».

٤) كذا في النسختين ، وفى المصدر « فقال له الرجل : وكيف تعطى الأخت النصف ولا يعطى الذكر لو كانت هي ذكرا شيئا؟ قال : يقولون ».

٣٤١

تسعة (١). فقال : كذلك يقولون. فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : فان كانت الأخت أخا لأب؟ قال الرجل : ليس له شئ [ فقال الرجل لأبي جعفر عليه‌السلام ] (٢ فما تقول. فقال : ليس (٣) للاخوة من الأب والام ولا للاخوة من الام ولا الاخوة من الأب مع الام شئ؟؟؟ (٤).

(باب)

(من يرث بالقرابة دون الفرض)

قال الله تعالى « وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » (٥). بين سبحانه ان أولى الناس بالميت أقربهم إليه ، والآية بعمومها تتناول الميراث وغيره.

ومن يرث بالقرابة ستة : فأقواهم قرابة الولد للصلب لا يرث معه أحد سواء يتقرب به أو بغيره الا ذوي السهام المذكورين من قبل من الأبوين والزوجين ، ثم ولد الولد وان نزلوا ، ثم الأب ، ثم من يتقرب به من ولده أو أبويه ، ثم من يتقرب بالام دونها (٦) ودون ولدها.

ومما يدل على ذلك أيضا قوله تعالى في سورة الأحزاب « وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين الا ان تفعلوا إلى أوليائكم

__________________

١) ثلاثة للزوج وواحد للام واثنان لكلالتها وثلاثة للأخت من الأب فالمجموع تسعة « ج ».

٢) الزيادة من المصدر.

٣) لأنه ليس بذى نصف وقرابة ممنوعة بالام فلا وجه لثوريته ، ولا يلزم على هذا كلالة الام لأنها ذات نصف بخلاف الأخ للأب « ه ».

٤) وسائل الشيعة ١٧ / ٤٨٢.

٥) سورة الأنفال : ٧٥.

٦) أي يرث الأخوال بشرط عدم الام وأولادها « ه ».

٣٤٢

معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا » (١).

بين سبحانه أن من كان قرباه أقرب فهو أحق بالميراث من الابعد ، وظاهر ذلك يمنع ان يرث مع البنت والام أحد من الاخوة والأخوات ، لان البنت والام أقرب من الاخوة والأخوات. وكذلك يمنع ان يرث مع الأخت أحد من العمومة والعمات وأولادهم لأنها أقرب.

والخبر المروي في هذا الباب « ان ما أثبت الفرائض فلاولي عصبة ذكر » (٢) خبر واحد مطعون على سنده لا يترك لأجله ظاهر القرآن الذي بين فيه ان أولى الأرحام الأقرب منهم أولى من الابعد في كتاب الله من المؤمنين المؤاخين والمهاجرين ، فقد روي أنهم كانوا يتوارثون بالهجرة والمؤاخاة الأولة حتى نزلت هذه الآية.

والاستثناء منقطع في قوله « الا أن تفعلوا » ، معناه لكن ان فعلتم معروفا من الوصية يعرف صوابه فهو حسن ولا يجوز أن تكون القرابة مشركين ، لقوله  « لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء » (٣).

وقد أجاز كثير من الفقهاء الوصية للقرابات الكفار ، وعندنا ان ذلك جائز للوالدين والولد.

« ومن » يحتمل أمرين : أحدهما أن تكون دخلت لاولي ، أي بعضهم أولى ببعض من المؤمنين. والثاني ان يكون التقدير وأولى الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث.

__________________

١) سورة الأحزاب : ٦.

٢) وسائل الشيعة ١٧ / ٤٢٣.

٣) سورة الممتحنة : ١.

٣٤٣

(فصل)

ويدل على ذلك أيضا عموم قوله تعالى « ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن » (١) ، فظاهر الخطاب يقتضي تحريم تمني ما فضل الله به بعضا على بعض ، فلا يجوز لرجل أن يتمنى أن كان امرأة ولا للمرأة ان تتمنى لو كانت رجلا بخلاف ما فعله الله تعالى ، لأنه تعالى لا يفعل من الأشياء الا ما هو الأصلح ، فيكون تمني ما يكون مفسدة (٢).

ثم اعلم أن الله أخبر عن أحوال المؤمنين الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وعن أحوال الأنصار بقوله تعالى « ان الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » (٣).

فقال « أولئك » يعني المهاجرين والأنصار « بعضهم أولياء بعض » ، ثم أخبر عن الذين آمنوا ولم يهاجروا من مكة إلى المدينة فقال « مالكم من ولايتهم من شئ ».

قيل نفى ولاية القرابة عنهم لأنهم كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة دون الرحم ـ في قول ابن عباس. وقيل إنه نفى الولاية التي يكونون بها يدا واحدة في الحل والعقد ، فنفى عن هؤلاء ما أثبته للأولين حتى يهاجروا. وقيل نسخ ذلك بقوله « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض » (٤).

__________________

١) سورة النساء : ٣٢.

٢) أي يكون تمنى خلاف ما فعل الله تعالى « ه ».

٣) سورة الأنفال : ٧٢.

٤) سورة التوبة : ٧١.

٣٤٤

ثم قال « والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » ففي الآية دلالة على أن من كان قرباه أقرب إلى الميت كان أولى بالميراث ، سواء كان عصبة أولم يكن أو تسمية أو لم يكن ، لان مع كونه أقرب تبطل التسمية.

وهذه الآية نسخت حكم التوارث بالنصرة والهجرة على ما قدمناه ، فإنهم كانوا لا يورثون الاعراب من المهاجرين على ما ذكر في الآيات الأول.

ومن قال : الولاية في الآيات الأولة ولاية النصرة دون الميراث. نقول : ليست ناسخة لهما بل هما محكمتان.

قال مجاهد : في هذه الآيات الثلاث ذكر ما والى به رسول الله صلى الله عليه وآله بين المهاجرين والأنصار في الميراث ، ثم نسخ ذلك بآخرها من قوله تعالى « وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ».

وقال ابن الزبير : نزلت في العصبات ، كان الرجل يعاقد الرجل ، يقول ترثني وأرثك فنزلت « وأولو الأرحام » إلى آخرها.

(باب)

(في مسائل شتى)

روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال في رجل ترك خالتيه ومواليه أولو الأرحام بعضهم أولى ببعض : المال بين الخالتين (١).

ولا يرث الموالي مع أحد من القرابات شيئا وإن كان بعيدا ، لان الله تعالى قد ذكرهم وفرض لهم وأخبر انهم أولى في هذه الآية ولم يذكر الموالي.

والحديث الذي رواه المخالفون ان مولى لحمزة توفي وان النبي صلى الله

__________________

١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٠٤.

٣٤٥

عليه وآله أعطى بنت حمزة النصف وأعطى ورثة المولى الباقي (١) فهو خبر واحد ، ومع التسليم نقول : لعل ذلك كان شيئا قبل نزول الفرائض فنسخ (٢).

فقد فرض الله للحلفاء في كتابه فقال : « والذين عاقدت ايمانكم فآتوهم نصيبهم » (٣) ولكنه نسخ ذلك بقول « وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله (٤).

فمتى خلف أحد من ذوي الأرحام وترك مولاه المنعم أو المنعم عليه فالمال لنسيبه وليس للموالي شئ ، فإنه تعالى يقول « وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين الا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا » (٥) يعنى الوصية لهم بشئ أو هبة الورثة لهم من الميراث شيئا.

(باب)

(ذكر من يرث بالفرض والقرابة)

قال الله تعالى « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا » (٦).

اختلفوا في سبب نزول هذه الآية :

فقال قوم : ان أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، فنزلت هذه الآية ردا لقولهم.

__________________

١) المصدر السابق.

٢) بآية أولى الأرحام « ج ».

٣) سورة النساء : ٣٣.

٤) سورة الأنفال : ٧٥.

٥) سورة الأحزاب : ٦.

٦) سورة النساء : ٧.

٣٤٦

وقال الزجاج : كانت العرب لا يورثون الا من طاعن بالرماح وذاد عن الحريم ، فزلت هذه الآية ردا عليهم ، وبين أن للرجال والنساء نصيبا في مال الميت قليلا كان المال أو كثيرا ، لكيلا يتوهم أنه إذا قل كان الرجال أولى به أو خالف حكمه حكم الكثير (١).

« ونصيبا مفروضا » نصب على الحال ، أي لهم نصيب حالة أن الله فرضه.

وفى الآية دليل على بطلان القول بالعصبة ، لان الله تعالى فرض الميراث للرجال والنساء ، فلو جاز أن يقال النساء لا يرثن في موضع لجاز لآخرين أن يقولوا والرجال لا يرثون.

ثم قال « وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه » (٢) هذه الآية عندنا محكمة غير منسوخة ، وبه قال ابن عباس وجماعة.

والمخاطب بقوله « فارزقوهم » الورثة ، أمروا بأن يرزقوا المذكورين إذا كانوا لا سهم لهم في الميراث. وقال آخرون : انما يتوجه إلى من حضرته الوفاة وأراد الوصية ، فإنه ينبغي له أن يوصي لمن لا يرثه من هؤلاء المذكورين بشئ من ماله. والوجه الأول.

وقال سعيد بن جبير : إن كان الميت أوصى لهم بشئ أنفذت وصيته وإن كان الورثة ارضخوا لهم فان كانوا صغار قال وليهم اني لست أملك هذا المال وليس لي انما هو للصغار فذلك قوله « وقولوا لهم قولا معروفا » أمر الله أن يقول الولي الذي لا يرث المذكورين قولا معروفا ويقول : ان هذا لقوم غيب أو يتامى صغار ولكم فيه حق ولسنا نملك أن نعطيكم منه.

وقال ابن عباس : ان قوله « للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما

__________________

١) انظر مجمع البيان ٢ / ١٠.

٢) سورة النساء : ٨.

٣٤٧

اكتسبن » نزل في الميراث. فإن كان كذلك والا فالعموم أيضا يتناوله.

(فصل)

وقال تعالى « ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم » (١) معنى الآية جعلنا الميراث لكل من هو مولى الميت.

والموالي المذكورون في الآية : قال مجاهد هم العصبة ، وقال قوم هم الورثة ، وهو أقواهما. والتقدير ولكم جعلنا ورثة مما ترك الوالدان والأقربون وقيل تقديره ولكل مال تركه ميت جعلنا موالي ـ أي قوما ـ يرثونه فيملكون مما ترك الوالدان والأقربون. وقال الجبائي : أي لكل شئ وارث هو أولى به من غيره ، يسمى الوارث مولى من هذه الجهة.

ثم استأنف فقال « والذين عقدت » أي عقدتم « أيمانكم » أراد بذلك عقد المصاهرة والمناكحة.

وقال الله تعالى « ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن » (٢). اختار الطبري أن يكون المراد به آيات الفرائض ، قال : لان الصداق ليس مما كتب الله للنساء الا بالنكاح فما لم تنكح فلا صداق لها عند أحد.

« والمستضعفين من الولدان » أي [ وفى المستضعفين « واليتامى » الصغار من الذكور والإناث لأنهم كانوا لا يورثون الصغار من الذكور حتى يبلغوا ، فأمرهم أن يؤتوا المستضعفين من الولدان ] (٣) حقوقهم من الميراث.

__________________

١) سورة النساء : ٣٣.

٢) سورة النساء : ١٢٧.

٣) الزيادة من م.

٣٤٨

قال ابن جبير : قوله تعالى « فيما يتلى عليكم » يعني قوله « يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة » (١).

وقد ذكرنا أن الجاهلية لا يورثون المرأة ولا المولود حتى يكبر ، فأنزل الله آية الميراث في أول النساء وهو معنى قوله « اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن » (٢) أي ترغبون فيهن ـ عن ابن سيرين. وقيل أي ترغبون أن تنكحوهن.

(فصل)

أما قوله « واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا » (٣) فان المخالفين استدلوا بهذه الآية على أن البنت لا تحوز المال دون بني العم والعصبة ، قالوا لان زكريا طلب وليا ولم يطلب ولية. وهذا ليس بشئ ، لان زكريا انما طلب وليا لوجوه غير ذلك : منها أن الله تعالى كان وعده أنه يرزقه ولدا رضيا فسأل الله انجاح ذلك.

وقيل : انما طلب وليا لان من طباع البشر الرغبة في الذكور دون الإناث من الأولاد ، فلذلك طلب الذكر. على أنه قيل : ان لفظ « الولي » يقع على الذكر والأنثى ، فلا نسلم انه طلب الذكر ، بل الذي يقتضي الظاهر أنه طلب ولدا سواء كان ذكرا أو أنثى.

واعلم أن أكثر الخلاف بيننا وبين مخالفينا ومعظمه في الفرائض والمواريث على ثلاثة أشياء : العصبة ، والعول ، والرد. ونحن نبين بعد هذا أن الحق في

__________________

١) سورة النساء : ١٧٦.

٢) سورة النساء : ١٢٧.

٣) سورة مريم : ٥.

٣٤٩

هذه الأصول معنا كما في جميع المواضع ، فإذا ثبت ذلك استغنينا عن التطويل بتعيين المسائل.

وقد استدللنا على أمهات مسائل المواريث من الكتاب ، وفروعها لا يحتمل هذا الموضع ذكرها ، غير أنا نعقد ههنا جملة تدل على صحة المذهب ، فنقول :

الميراث بالفرض لا يجتمع فيه الا من كان قرباه واحدة إلى الميت ، مثل البنت أو البنات مع الوالدين أو أحدهما ، فإنه متى انفرد واحد منهم أخذ المال كله بعضه بالفرض والباقي بالرد ، وإذا اجتمعا أخذ كل واحد منهم ما سمي له والباقي يرد عليهم ان فضل على قدر سهامهم ، وان نقص لمزاحمة الزوج أو الزوجة لهم كان النقص داخلا على البنت أو البنات دون الأبوين أو أحدهما ودون الزوج والزوجة.

ولا يجتمع مع الأولاد ولا مع الوالدين ولا مع أحدهما أحد ممن يتقرب بهما كالكلالتين ، فإنهما لا يجتمعان مع الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا ولا مع الوالدين ولا مع أحدهما أبا كان أو أما بل يجتمع كلالة الأب وكلالة الام ، فكلالة الام إن كان واحدا كان له السدس وإن كان اثنين فصاعدا كان لهم الثلث لا ينقصون منه والباقي لكلالة الأب ، فان زاحمهم الزوج أو الزوجة دخل النقص على كلالة الأب دون كلالة الام.

ولا يجتمع كلالة الأب مع كلالة الأب والام ، فان اجتمعا كان المال كله لكلالة الأب والام دون كلالة الأب ذكرا كان أو أنثى.

ومن يرث بالقرابة دون الفرض لا يجتمع الا من كانت قرباه واحدة وأسبابه ودرجته متساوية. فعلى هذا لا يجتمع مع الولد الصلب ولد الولد ذكرا كان ولد الصلب أو أنثى لأنه أقرب بدرجة.

٣٥٠

وكذلك لا يجتمع مع الأبوين ولا مع أحدهما ممن يتقرب بهما من الاخوة والأخوات والجد والجدة على حال ، ولا يجتمع الجد والجدة مع الولد الصلب ولا مع ولد الولد وان نزلوا.

ويجتمع الأبوان مع ولد الولد وان نزلوا لأنهم بمنزلة الولد للصلب إذا لم يكن ولد الصلب.

والجد والجدة يجتمعان مع الاخوة والأخوات لأنهم في درج ، والجد من قبل الأب بمنزلة الأخ من قبله والجدة من قبله بمنزلة الأخت من قبله ، والجد من قبل الام بمنزلة الأخ من قبلها والجدة من قبلها بمنزلة الأخت من قبلها.

وأولاد الاخوة والأخوات يقاسمون الجد والجدة لأنهم بمنزلة آبائهم وآباء والجد والجدة وأمهاتهم يقاسمون الاخوة وأخوات أيضا.

ولا يجتمع مع الجد والجدة من يتقرب بهما من العم والعمة والخال والخالة ولا الجد الا على ولا الجدة العليا.

وعلى هذا تجري جملة المواريث ، فان فروعها لا تنحصر ، والآيات التي قدمناها تدل على جميع ذلك من ظاهرها ومن فحواها.

(باب)

(بطلان القول بالعصبة والعول وكيفية الرد)

الذي يدل على صحة مذهبنا وبطلان مذهبهم في العصبة ـ زائدا على اجماع الطائفة الذي هو حجة ـ قوله تعالى « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون » (١). وهذا نص في موضع الخلاف لان الله صرح بأن للرجال من الميراث نصيبا وان للنساء أيضا نصيبا ، ولم يخص

__________________

١) سورة النساء : ٧.

٣٥١

موضعا دون موضع ، فمن خص في بعض المواريث الرجال دون النساء فقد خالف ظاهر هذه الآية.

وأيضا فان توريث الرجال دون النساء مع المواساة في القربى والدرجة من احكام الجاهلية ، وقد نسخ الله بشريعة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أحكام الجاهلية وذم من أقام عليها واستمر على العمل بها بقوله « أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما » (١).

وليس لهم أن يقولوا : انا نخص الآية التي ذكرتموها بالسنة. وذلك أن السنة التي لا تقتضي العلم القاطع [ بها القرآن كما لا ينسخه بها وانما يجوز بالسنة أن تخص ] (٢) أو تنسخ إذا كانت تقتضي العلم اليقين. ولا خلاف في أن الاخبار المروية في توريث العصبة أخبار آحاد لا توجب علما ، وأكثر ما تقتضيه غلبة الظن. على أن أخبار التعصيب معارضة بأخبار كثيرة يروونها في ابطال أن يكون الميراث بالعصبة وأن يكون بالقربى والرحم ، وإذا تعارضت الاخبار رجعنا إلى ظاهر الكتاب.

فان قيل : إذا كنتم تستدلون على أن العمات يرثن مع العمومة وبنات العم يرثن مع بنى العم وما أشبه ذلك من المسائل ، بقوله تعالى « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون » ـ الآية ، ففي هذه الآية حجة عليكم في موضع آخر.

لأنا نقول لكم : ألا ورثتم العم أو ابن العم مع البنت بظاهر هذه الآية ، وكيف خصصتم النساء دون الرجال بالميراث في بعض المواضع وخالفتم ظاهر الآية ، فألا ساغ لمخالفكم مثل ما قلتموه.

قلنا : لا خلاف أن قوله « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون » أن

__________________

١) سورة المائدة : ٥٠.

٢) الزيادة من ج.

٣٥٢

المراد به مع الاستواء في القرابة والدرج ، ألا ترى أنه لا يورث ولد الولد ذكورا أو إناثا مع ولد للصلب لعدم التساوي في الدرجة والقرابة وان كانوا يدخلون تحت التسمية بالرجال والنساء ، وإذا كانت الدرجة والقرابة مراعاتين فالعم أو ابنه لا يساوي البنت في القربى والدرجة وهو أبعد منها كثيرا ، وليس كذلك العمومة والعمات وبنات العم وبنو العم لان درجة هؤلاء واحدة وقرباهم متساوية. والمخالف يورث الرجال منهم دون النساء ، فظاهر الآية حجة عليه وفعله مخالف لها ، وليس كذلك قولنا في المسائل التي وقعت الإشارة إليها ، فالفرق واضح. فليتأمل.

(فصل)

أما العول فإنه اسم يدخل في الفرائض في المواضع التي ينقص فيها المال عن السهام المفروضة منها ، فالذي يذهب إليه الإمامية يذهب إليه أن المال إذا ضاق عن سهام الورثة قدم ذو السهام المولدة من الأبوين والزوجين على البنات والأخوات من الأب والام أو من الأب وجعل الفاضل من السهام لهن.

وقال المخالف : ان المال إذا ضاق عن سهام الورثة قسم بينهم على قدر سهامهم كما يفعل في الديون والوصايا إذا ضاقت التركة عنها.

والذي يدل على صحة ما نذهب إليه ـ بعد الاجماع ـ ان المال إذا ضاق عن السهام ـ كمرأة ماتت وخلفت ابنتين وأبوين والزوج والمال يضيق عن الثلثين والسدس والربع ـ فنحن بين أمرين : اما ان ندخل النقص على كل واحد من هذه السهام أو ندخلها على بعضها ، وقد أجمعت الأمة على أن البنتين ههنا منقوصتان بلا خلاف ، فيجب أن يعطي الأبوين السدسين والزوج الربع ويجعل ما بقي للبنتين ونخصهما بالنقص لأنهما منقوصتان بالاجماع ، وما عداهما ما

٣٥٣

وقع اجماع على نقصه من سهامه ولا قام دليل على ذلك.

فظاهر الكتاب يقتضي أن له سهما معلوما ، فيجب أن نوفيه إياه ونجعل النقص لاحقا بمن أجمعوا على نقصه. وقد استدل على ذلك بعض أصحابنا من القرآن ، وعليه اعتراضات كثيرة فأضربنا عنه.

(فصل)

وأما الرد فعندنا أن الفاضل عن فرض ذوي السهام من الورثة يرد على أصحاب السهام بقدر سهامهم ولا رد على الزوجين ، كمن خلف بنتا وأبا فللبنت بالتسمية النصف وللأب بالتسمية السدس وما بقي بعد ذك ـ وهو ثلث المال ـ رد عليهم بقدر أنصبائهما فللبنت ثلاثة أرباعه وللأب ربعه.

ويمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى « وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » زائدا على الاجماع ، فدل على أن من هو أولى بالرحم وأقرب به أولى بالميراث. وقد علمنا أن قرابة الميت وذوي أرحامه أولى بميراثه من المسلمين وبيت المال ، وأصحاب السهم غير الزوج والزوجة أقرب إلى الميت من عصبته ، فوجب أن يكون فاضل السهام إليهم مصروفا.

فان قيل : لم يقع التصريح في الآية بأن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في الميراث؟

قلنا : اللفظ يحتمل الميراث وغيره ، فنحمله بحكم العموم على جميع ما يحتمله ، ومن ادعى التخصيص فعليه الدليل.

واحتج المخالف لنا في الرد بقوله « ان امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد » ، فجعل للأخت النصف إذا مات أخوها ولا ولد له ولم يزد عليه ، فدل على أنها لا تستحق أكثر من النصف بحال من الأحوال.

٣٥٤

والجواب عن ذلك : أن النصف انما وجب لها بالتسمية لأنها أخت ، والزيادة انما تأخذها لمعنى آخر وهو الرد بالرحم. وليس يمتنع أن ينضاف سبب إلى آخر ، مثال ذلك : الزوج إذا كان ابن عم ولا وارث معه ، فإنه يرث بالزوجية النصف والنصف الآخر عندنا لأجل القرابة وعند مخالفينا لأجل العصبة. ولم يجب إذا كان الله تعالى قد سمى النصف له مع فقد الولد أن لا يزاد على ذلك لأنا قد بينا أن النصف قد يستحق بسبب آخر وهو الرد ، فاختلف السببان.

(باب)

(بيان ان فرض البنتين الثلثان

ان سأل سائل عن قوله تعالى « فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك » (١) فقال : من أين تقولون ان فرض البنتين هو الثلثان ، وقوله « فوق اثنتين » يتضمن بأن الثلثين سهم من زاد على البنتين دون البنتين.

الجواب : ان الله تعالى لما علمنا الفرائض وقال « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين » (٢) نبه بذلك أولا على أن لكل ذكر حظ كل أنثيين لان اللام التي في كلتا الكلمتين للجنس تفيد ما ذكرنا ، فلما بين لنا ذلك علمنا أن للابن سهم البنتين بهذا التصريح ، وعلمنا أيضا ان للبنتين الثلثين بهذا البلوغ.

وانما قلنا ذلك لأنه إذا اجتمع ابن وبنت وكان للابن الثلثان وللبنت الثلث ههنا علم من ذلك أن للبنتين الثلثين فكفى هذا النص في بيان فريضة البنتين ولم يحتج لأجل ذلك إلى غيره.

__________________

١) سورة النساء : ١٢.

٢) سورة النساء : ١١.

٣٥٥

وليس لاحد أن يقول : انما يتمشى لكم ذلك لو كان الثلثان في كل موضع نصيب الابن مع وجود البنتين والثلاث فصاعدا أيضا كما كان مع بنت واحدة وذلك لان أول العدد على ظاهر القرآن ذكر وأنثى وللذكر الثلثان ، فلا اعتبار بما سواه من الأحوال ، لان الدرجة الأولى هي التي يبنى عليها وللفظ يقتضي ذلك.

ويمكن أن يستدل على ذلك بوجه آخر ، وهو أن يقال : ان الله تعالى بين نصيب الولد الذكر سهمين ، وذكر الأنثيين وبين فرضهما من فحواه ، وبين فرض من فوق اثنتين من البنات بعده ، فدلت الآية على سهم البنتين كما ذكرناه من فحواها ودلت على حظ من زاد عليهما من الثلاث والأربع فصاعدا من حيث ظاهر اللفظ والتصريح ليكون في باب الفصاحة أبلغ ومن التكرار أبعد.

وأما قوله « وان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك » فقد علمنا به أن الثلثين فرض يسمى لمن زاد على البنتين أيضا ، كما أن هذه التسمية تتصور مع فقد جنس البنتين من الثلثين فرض لهما بالنص الأول الا أن هذه التسمية انما تتصور مع فقد جنس البنتين من الصلب.

وكذا قوله « وان كانت واحدة لها النصف » لأنه ليس للبنت الواحدة ولا للاثنتين فصاعدا مع وجود ابن فما زاد فرض مسمى ، بل يكون الميراث بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. ومثاله قوله تعالى « ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانت اثنتين فلهما الثلثان مما ترك » ، فسمى سبحانه للأخت الواحدة من الأب والام أو من الأب النصف وللأختين منه الثلثين.

وانما يصح ذلك شريطة فقد أحد من الاخوة فصاعدا ، ألا ترى إلى قوله تعالى بعده « وان كانوا أخوة رجالا ونساءا فللذكر مثل حظ الأنثيين » قد أسقط

٣٥٦

فيه الاعتبار الأول وأثبت للذكر مثل حظ الأنثيين فيه إذا كانوا رجالا ونساءا.

واستدل بعض الفقهاء على أن للبنتين الثلثين من هذه الآية ، وحمل ذاك على هذا. وليس ذلك بشئ.

وما أوردت أنا آية الكلالة في هذا الموضع للدلالة وانما هي على طريق المثال ، والتمثيل جائز وليس بقياس. يدل عليه ما روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يرمي الصيد وهو يؤم الحرم فتصيبه الرمية فيتحامل بها حتى يدخل الحرم فيموت. قال عليه‌السلام : ليس عليه شئ ، انما هو بمنزلة رجل نصب شبكة في الحل فوقع فيها صيد فاضطرب حتى دخل الحرم فمات فيه. قلت : هذا عندهم من القياس. قال : لا ، انما شبهت لك شيئا بشئ (١).

وليس لاحد أن يقول : ألزمت نفسك في ايراد هذا الجواب بهذا التطويل شيئا ليس يلزمك ، وقد أمكنك رد السائل بأن لو دفعته بابطال دليل الخطاب ، وذلك لأن هذه الآية مظنة للنصوص على المواريث مفصلة في أصولها غير مجملة ليست آية من القرآن بهذا التفصيل في المعنى.

ولو أجبت السائل بذلك لكان دفعا بالراح ولم يكن مغنيا ، بل يلزمني مع ذلك ايراد النص على ذلك من الآية أو من موضع آخر من الكتاب أو السنة والاشتغال بالأحسن أولى. مع أن دليل الخطاب ـ وإن كان المرتضى يمنع منه ـ وهو قوي وكلامه لا غبار عليه ، فان الشيخ المفيد كان يقول به وينصره والشيخ أبو جعفر الطوسي كان متوقفا فيه.

فان قيل : ان ما استدللتم به ضرب من القياس وأنتم لا تقولون به.

قلنا : هذا كلام من لا يعرف دلالة النص ولا حكم القياس ، وذلك لأنه لا

__________________

١) وسائل الشيعة ٩ / ٢٢٥.

٣٥٧

خلاف بين الفقهاء المحصلين أن الخطاب الذي يستقل بنفسه ويمكن معرفة المراد به على أربعة أقسام :

أولها : ما وضع في أصل اللغة لما أريد به وكان صريحا فيه ، سواء كان خاصا أو عاما ، فمتى خاطب الحكيم به يعلم المراد بظاهره.

وثانيها : ما يفهم به المراد بفحواه لا بصريحه ، وليست دلالة هذا الضرب في القوة يقصر عن الضرب الأول. وفي الوجهين ربما يحتاج إلى قرينة.

وثالثها : تعليق الحكم بصفة الشئ ، فإنه يدل على أن ما عداه بخلافه على ما يدل وإن كان فيه خلاف على ما أشرنا إليه.

ورابعها : ما يدل فائدته عليه لا صريحه ولا فحواه ولا دليله.

على أن الروايات عن أئمة الهدى عليهم‌السلام الذين كان فيهم التنزيل ومن عندهم التفسير والتأويل متظافرة في أن الثلثين فرض البنتين ، وكلامهم كله من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.

فعلمنا ذلك منهم عليهم‌السلام ، وأجمعت الطائفة المحقة على صحتها. فإذا أصفنا كتاب الله إليه فتلك دلالة تنضاف إلى دلالة ، والا ففي اجماع الامامية كفاية.

(فصل)

ومن شجون الحديث أن أبا هاشم الجعفري ذكر أن الفهفكي سأل أبا محمد العسكري عليه‌السلام فقال : ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل القوي سهمين. فقال أبو محمد عليه‌السلام : لأن المرأة ليس عليها جهاد ولا نفقة ولا معقلة ، انما ذلك على الرجال. فقلت في نفسي قد كان قيل لي

٣٥٨

ان ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب. فأقبل عليه‌السلام علي وقال : نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا (١).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سأله عبد الله بن سنان : لم صار للذكر مثل حظ الأنثيين؟ فقال : لما جعل لها من الصداق (٢).

وقال الرضا عليه‌السلام : اعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت اخذت والرجل يعطى فلذلك وفر على الرجال ، ولان الأنثى في عيال الذكر ان احتاجت وعليه ان يعولها وعلى نفقتها ، وليس على المرأة ان تعول الرجل ولا تؤخذ بنفقته ان احتاج ، فوفر على الرجل لذلك وذلك قوله « الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم » (٣).

(باب)

(ان القاتل خطأ يرث المقتول من التركة لا من الدية)

يدل عليه ظواهر آيات المواريث كلها ، مثل قوله تعالى « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين » (٤).

فإذا عورضنا بقاتل العمد فهو يخرج بدليل قاطع لم يثبت مثله في قاتل الخطأ.

ويمكن ان يقوى ذلك أيضا بأن الخاطئ معذور ، فلا يجب ان يحرم

__________________

١) كشف الغمة ٣ / ٢٩٩.

٢) وسائل الشيعة ١٧ / ٤٣٨.

٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٩٦ ، والآية في سورة النساء : ٣٤.

٤) سورة النساء : ١١.

٣٥٩

الميراث الذي يحرمه القاتل ظلما على سبيل العقوبة.

فان احتج المخالف بقوله « ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله » (١) فإن كان القاتل خطأ وارثا لما وجب عليه تسليم الدية.

فالجواب عن ذلك : ان وجوب تسليم الدية على القاتل إلى أهله لا يدل على أنه لا يرث ما دون هذه الدية من تركته ، لأنه لا تنافي بين الميراث وبين تسليم الدية. وأكثر ما في ذلك أن لا يرث من الدية التي يجب عليه تسليمها شيئا ، والى هذا نذهب.

(باب)

(ان المسلم يرث الكافر)

جميع ظواهر آيات المواريث دالة على أن المسلم يرث الكافر ، لان قوله  « يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين » يعم المسلم والكافر. وكذلك آية ميراث الأزواج والزوجات والكلالتين.

وظواهر هذه الآيات كلها تقتضي أن الكافر كالمسلم في الميراث ، فلما أجمعت الأمة على أن الكافر لا يرث المسلم ، أخرجناه بهذا الدليل الموجب للعلم.

ونفي ميراث المسلم من الكافر تحت الظاهر كميراث المسلم من المسلم ، ولا يجوز أن يرجع عن هذا الظاهر بأخبار الآحاد التي يروونها ، لأنها توجب الظن ولا يخص بها ولا يرجع عما يوجب العلم من ظواهر الكتاب.

وربما عول بعض المخالفين لنا في هذه المسائل على أن المواريث بنيت على النصرة والولاء ، بدلالة قوله تعالى « والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا » (٢) فقطع بذلك الميراث بين المسلم المهاجر وبين المسلم الذي

__________________

١) سورة النساء : ٩٢.

٢) سورة الأنفال : ٧٣.

٣٦٠