شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي

شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

المؤلف:

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٤

وتمام الكلام « كذلك » أي أمر ذي القرنين كذلك ؛ وقد يكون على تفسير دون آخر وعلى إعراب دون آخر وعلى قراءة أخرى كما بسطناه في كتاب الاهتداء وأشار إليه في النشر.

قف وابتدئ وإن بلفظ فحسن

فقف ولابتدا سوى الآي يسن

أي قف على كل من التام والكافي وابتدئ بما بعدهما ، وإن تعلق باللفظ فهو الحسن كما سبق قوله : فقف ولا تبدأ : أي يجوز الوقف على الوقف المصطلح عليه بالحسن دون الابتداء بما بعده ، وكذلك يجوز الوقف على (الحمد لله) وعلى (رب العالمين) وعلى (الرحيم) وعلى (المستقيم) و (أنعمت عليهم) فإن الوقف على ذلك ونحوه حسن لأن المراد منه فهم ، ولكن الابتداء بما بعده لا يجوز إلا ما كان منه رأس آية كما استثناه فقال : سوى الآي يسن : أي إلا أن يكون الحسن رأس آية فإنه ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوقف عليه في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها ، وهو حديث حسن وإسناده صحيح ، والحديث (١) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) ثم يقف ثم يقول (الحمد لله رب العالمين) ثم يقف ثم يقول (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين). قال الداني وغيره وهو سنة.

وغير ما تمّ قبيح وله

يوقف مضطرّا ويبدا قبله

أي وغير ما تم من الكلام الوقف عليه قبيح لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة كانقطاع نفس أو اختبار أو نحو ذلك لعدم الفائدة أو لفساد المعنى وذلك كالوقف على (بسم) أو (الحمد) أو (رب) أو (مالك) أو (إياك) أو (صراط الذين) فإن اضطر إلى الوقف بدأ بما قبله قوله : (يوقف) أي حالة اضطراره من انقطاع نفس أو نحوه قوله : (ويبدأ قبله) أي إذا اضطر إلى الوقف على القبيح فلا يبدأ بما بعده بل يعود إلى ما قبله ويبتدئ به كما وقف على (الحمد لله رب) مثلا ، فإنه يبتدئ (رب العالمين) أو (لله رب العالمين).

وليس في القرآن من وقف يجب

ولا حرام غير ما له سبب

وهذه مسألة يتعين التنبيه عليها وهي أنه وقع في كلام كثير ممن ألف في

__________________

(١) رواه الترمذي في ثواب القرآن برقم ٢٩٢٤ والنسائي برقم ١٠٢٣ وأبو داود برقم ١٤٦٦.

٤١

الوقوف قولهم الوقف على هذا واجب أو لازم أو حرام أو لا يحل أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الوجوب أو التحريم ، ولا يريدون بذلك المقرر عند الفقهاء مما يثاب على فعله ويعاقب على تركه أو يعاقب على فعله ويثاب على تركه ، بل المراد أنه ينبغي للقارئ أن يقف عليه ، لنكتة ، (١) أو لمعنى يستفاد من الوقف عليه ، أو لئلا يتوهم من الوصل تغيير المعنى المقصود ، أو لا ينبغي الوقف عليه ولا الابتداء بما بعده لما يتوهم من تغيير المعنى أو بشاعة اللفظ ونحو ذلك ؛ فمن الأول قوله تعالى (ولا يحزنك قولهم) (٢) قال السجاوندي : الوقف عليه واجب لئلا يتوهم أن ما بعده ، وهو (إن العزة لله جميعا) من قولهم بل هو ابتداء من قول الله تعالى ، ويؤدي هذا المعنى كسر إن فإنها تكسر بعد القول ، ومن الثاني الوقف على قوله : (إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى) (٣) فإنه يفهم أن الموتى يستجيبون مع الذين يسمعون وليس كذلك ، وإنما المعنى أن الموتى لا يستجيبون بل يبعثهم الله تعالى ، وكذلك الوقف على نحو (إن الله لا يستحي) (٤) و (إن الله لا يهدي) (٥) كل ذلك لا يجوز ، فإن قصد أحد ذلك والعياذ بالله تعالى تغير المعنى المراد إلى غيره كان حراما معاقبا عليه بهذا السبب لا بغيره ، والله أعلم.

وفيهما رعاية الرّسم اشترط

والقطع كالوقف وبالآي شرط

يعني أن في الوقف والابتداء يشترط رعاية الرسم : أي رسم المصاحف العثمانية المجمع عليها أو أحدها فيوقف على ما حذف لفظا بالإثبات كالألف من قوله تعالى : (وقالا الحمد لله) (٦) والياء من (يؤتى الحكمة) (٧) والواو من (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله) (٨) وكذلك على التنوين في حالة الرفع والجر بحذفه وعلى المنصوب منه بالألف ، وكذلك يبتدأ بما حذف لفظا بالإثبات فيبتدأ

__________________

(١) النكتة : هي اللطيفة المستخرجة بقوة الفكر.

(٢) الآية من سورة يونس «٦٦».

(٣) فلا يجبر بالتالي الوقوف على الموتى بل من رأس : الآية ثم يستأنف وبتابع.

(٤) سورة البقرة «٢٦» ومثلها في الأحزاب.

(٥) يسمى هذا الوقف القبيح عند علماء التجويد.

(٦) سورة النمل الآية «١٦».

(٧) سورة البقرة الآية «٢٦٩».

(٨) سورة الأنعام الآية «١٠٨».

٤٢

(الذي أؤتمن) (١) ونحوه بهمزة مضمومة بعدها واو ساكنة (ولقاءنا ائت) (٢) بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة ، وكذلك سائر همزات الوصل ، وكذلك لا يقف إلا على منفصل رسما ، ولا يبتدأ إلا بمنفصل في الرسم أيضا كما سيأتي بيانه في باب الوقف على مرسوم الخط قوله : (والقطع كالوقف الخ) يشير إلى مسألة جليلة قلّ من نبه عليها وهو الفرق بين القطع والوقف ، فالقطع عبارة عن قطع القراءة رأسا ، فهو انتهاء القراءة كالمعرض عن القراءة ، أو المنتقل منها من حالة إلى حالة أخرى كالقطع على حزب أو عشر أو أربع أو نحو ذلك ، فهو كالوقف حيث لا يجوز إلا على تام سواء كان تاما أم كافيا أم حسنا ، ويجب فيها أيضا رعاية الرسم إلا أنه يشترط فيه أن لا يكون إلا على رأس آية ، وذلك بخلاف الوقف فإنه يكون على رأس الآية وعلى أبعاضها كما تقدم. والوقف عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة ، وينبغي معه البسملة في فواتح السور ، كما ينبغي الاستعاذة في القطع كما سيأتي في بابها.

والسّكت من دون تنفّس وخص

بذي اتّصال وانفصال حيث نص

أي المصطلح عليه عند أئمة القراءة.

ولما ذكر الوقف وأقسامه والقطع وحكمه شرع في بيان السكت وتعريفه لتعرف معناه وتفرق بينه وبين الوقف والقطع ، وإن كان المتقدمون يطلقون كلا منهما على الآخر ، فالسكت عبارة عن قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس ، وقد اختلفت عبارة أئمة القراء في التأدية بما يدل على طول زمن السكت وقصره والمشافهة تحكم ذلك بحقه ، وهو مخصوص بما اتصل رسما نحو : الأرض ، والآخرة ، وشيء ، وقرآن ، وبما انفصل نحو (قد أفلح) ، (٣) (وقل أوحى) (٤) و (من راق) (٥) وبين السورتين حيث نص عليه أئمة القراءة ووردت به الرواية وذلك بخلاف الوقف والقطع كما تقدم قوله : (حيث نص) أي نص عليه أئمة القراءة رحمهم الله تعالى.

__________________

(١) سورة البقرة الآية «٢٨٣».

(٢) سورة الأحقاف الآية «٤».

(٣) سورة المؤمنون الآية «١» وفي غيرها.

(٤) سورة الجن الآية «١» وفي غيرها.

(٥) سورة القيامة الآية «٢٧».

٤٣

والآن حين الأخذ في المراد

والله حسبي وهو اعتمادي

الآن ظرف للزمن الحاضر الذي أنت فيه ، والأخذ : أي الشروع في المقصود من ذكر في اختلاف القراءة العشرة ورواتهم كما تقدم الوعد به ، إذ كل ما تقدم في الخطبة مقدمة لذلك ، وحسبي : أي كافي ، واعتمادي : أي عمدتي واتكالي ، وعليه توكلت فيما قصدته ، فما خاب من توكل عليه سبحانه وتعالى.

باب الاستعاذة

أي هذا باب يذكر فيه مذاهب القراء في الاستعاذة قبل الشروع في القراءة فهو خبر مبتدأ محذوف ، وكذلك كل ما يأتي من الأبواب ، وكذا قول العلماء في كتبهم باب أو فصل أو كتاب أو فرع ، وبدأ به لأن الاستعاذة أول ما يبدأ به عند الشروع في القراءة ، والاستعاذة : طلب العوذ من الله تعالى ، والعوذ مصدر عاذ بكذا : أي استجار به وامتنع.

وقل أعوذ إن أردت تقرا

كالنّحل جهرا لجميع القرّا

أمر القارئ أن يقول إذا أراد القراءة : (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) كما ورد في سورة النحل ، (١) وهذا اللفظ هو أدنى الكمال عندهم ، وهو المختار لجميع القراء ، وقد حكى عن غير واحد من الأئمة الاتفاق على هذا اللفظ بعينه ، وإنما نص على هذا اللفظ بعينه لينبه على أنه لا يجوز أستعيذ ولا استعذت ولا نحو ذلك ، وما ورد عن حمزة في ذلك فلا يصح ، وذلك أن المستعيذ طالب العوذ ، بخلاف العائذ ، وفرق بين الفاعل وطالب الفعل كما أوضحه في النشر فأمر منه بلفظ أعوذ ووكل باقية إلى ما في سورة النحل ، وكذلك المختار لجميع القراء الجهر وإن كان ورد عن بعضهم إخفاؤه كما سيأتي ذكره ، واللام في قوله جميع يتعلق بقل وبتقرأ وتجهرا.

وإن تغير أو تزد لفظا فلا

تعد الّذي قد صحّ ممّا نقلا

أي وإن تغير شيئا من لفظ الاستعاذة المتقدم كما أشار إليه أو تزد في لفظه

__________________

(١) سورة النحل الآية «٩٨».

٤٤

فلا تتجاوز به ما ورد عن السلف وصح عن الأئمة نقله ، فمن ذلك : اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ، وورد أيضا غير ذلك من زيادة ونقص ، وفي صحته نظر ، وفي قوله : وإن تزد ، إشارة إلى أنه لم يصح عنده نقص من اللفظ المختار. وقول الشاطبي رحمه‌الله. وإن تزد لربك تنزيها ، صريح في إطلاق الزيادة ، وهو مشكل. قال الجعبري رحمه الله تعالى في شرحه : هذه الزيادة وإن أطلقها وخصها فهي مقيدة بالرواية وعامة في غير التنزيه.

وقيل يخفى حمزة حيث تلا

وقيل لا فاتحة وعلّلا

هذا كالاستدراك على قوله : جهرا لجميع القراء ، وهو أنه ورد عن حمزة روايتان في إخفاء التعوذ سوى الجهر ، وهو الإخفاء مطلقا : أي حيث قرأ سواء كان أول سورة أو أثناءها ، والثاني الإخفاء إلا في فاتحة الكتاب كما ذكره في النشر ، والأصح عنه الجهر كما تقدم ، وكذلك نقل عن نافع الإخفاء مطلقا ولكنه من غير طريق كتابنا ، ووجه إخفاء حمزة ليفرق بين القرآن وغيره ، ووجه تخصيص الفاتحة بالجهر الفرق بين ابتداء القرآن وغيره ، وذلك أن القرآن عنده كالسورة الواحدة ، ولهذا آثر وصل السورة بالسورة من غير فصل بين السورتين ببسملة ولا غيرها ، ولأن أبا هريرة رضي‌الله‌عنه جهر بها في أول الفاتحة ، (١) والألف في عللا للتثنية : أي والقولان معلولان : أي ضعيفان ، ويحتمل أن يراد أن لكل منهما علة : أي وجه.

وقف لهم عليه أوصل واستحب

تعوّذ وقال بعضهم يجب

أي يجوز لكل واحد من القراء الوقف على التعوذ ووصله بما بعده سواء كان بسملة أو غيرها ، وهذه مسألة عزيزة قلّ من تعرض لها ، وقد أشار إليها الداني في كتابه الاكتفاء ، والأستاذ أبو جعفر بن الباذش في كتاب الإقناع ، وأجاد في ذلك في كتاب النشر (قوله : واستحب) يشير إلى مسألة مهمة وإن لم تتعلق بالقراءة ، وهي التعوذ واجب أو مستحب ، فالذي ذهب إليه الجمهور أنه مستحب

__________________

(١) أخرجه البيهقي في السنن (٢ / ٤٥) وورد في كنز العمال رقم (٢٥١٩).

٤٥

قبل القراءة على كل حال في الصلاة وغيرها ، وحملوا الأمر في ذلك على الندب ، وذهب آخرون إلى الوجوب ، وجنح الإمام الرازي في تفسيره وحكاه عن عطاء بن أبي رباح ، وأوضح ذلك وبالغ داود الظاهري وأصحابه في ذلك حتى أبطلوا صلاة من لا يستعيذ ، وهو قول ظاهر القوة : أعني القول بالوجوب ، وأما ما ينقل عنهم أو عن غيرهم من الاستعاذة بعد القراءة لظاهر الآية فليس بصحيح عنهم ولا عن غيرهم كما بينه في النشر.

باب البسملة

البسملة مصدر بسمل إذا قال : (بسم الله الرحمن الرحيم) ، كما يقال هلل وهيلل : إذا قال لا إله إلا الله ، وكذا حوقل وحولق : إذا قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وكذا حيعل وحمدل وحسبل وكأنها لغة مولدة أريد بذلك الاختصار ، وهي مستحبة عند ابتداء كل أمر مباح أو مأمور به ؛ وهي من القرآن في قصة سليمان في النمل بلا خلاف (١) ، وأما في أوائل السور فالخلاف فيها مشهور بين القراء والفقهاء في كل موضع رسمت ، والظاهر أنها من ذلك لأنها كتبت بقلم الوحي ، والله تعالى أعلم. وأتبع باب الاستعاذة بباب البسملة على حسب ترتيبها في القراءة ، والبسملة تأتي في ثلاثة مواضع إذا ابتدأ سورة أو موضعا منها أو بين السورتين ، فابتدأ بالثالث للاختلاف فيه فقال :

بسمل بين السّورتين (بـ) ي (نـ)صف

(د)م(ث)ق(ر)جاوصل(فـ) شاوعن خلف

أي قرأ بالبسملة بين السورتين قالون وعاصم وابن كثير وأبو جعفر والكسائي بغير خلاف عن أحد منهم ، وكذلك الأصبهاني عن ورش كما سيأتي التنبيه عليه في البيت الآتي ، ووجه البسملة عند من بسمل كتابتها في المصاحف العثمانية واعتقد بعضهم أنها آية ، ووصل السورة بالسورة من غير بسملة حمزة ، وورد الوصل والسكت عن خلف في اختياره ، وأتى باسمه ، لأنه ليس له رمز كما تقدم. واختلف عن الباقين في السكت والوصل والبسملة كما سيأتي في البيت الآتي ؛ فوجه البسملة كتابتها في المصاحف العثمانية ، ووجد الوصل عدم اعتقاد كونها

__________________

(١) في الآية رقم «٣٠».

٤٦

آية ، وأن إثباتها في رسم المصاحف كإثبات همزة الوصل فلذلك أثبتوها في الابتداء وحذفوها في الوصل ؛ ووجه السكت الإيذان بانقضاء السورة قوله : (نصف) اسم من الإنصاف ، والنصف من الرجال والنساء : من هو بين الحداثة والكبر ، والنصف الشيب رأسه وغيره : أي بلغ نصفه قوله : (دم) لفظ أمر ، والمراد به الدعاء للقارئ بالبقاء وطول العمر. وثق من الثقة : أي وكن واثقا حسن الرجاء. قوله : (رجا) هو الأمل ممدود وقصر ضرورة. قوله : (وصل) أي السورة بالسورة.

فاسكت وصل والخلف (كـ)ـم (حماجـ)لا

واختير للسّاكت في ويل ولا

عطف الخلف على الوصل والسكت ليعلم أن من ذكر بعده له الوجهان وضدهما وهو البسملة ، فيكون لكل من المذكورين وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق الأوجه الثلاثة ، وهي السكت والوصل والبسملة ، ويبقى الأصبهاني عن ورش مثل قالون كما تقرر في الخطبة ، وقد تقدم لقالون البسملة ، وكم هنا خبرية : أي كم كشف شيئا ممنوعا لا يوصل إليه قوله : (جلا) أي كشف قوله : (واختير الخ) مع صدر البيت الآتي : يعني أن بعض أهل الأداء اختار في السورة التي أولها ويل ولا ، يريد « ويل للمطففين » و « ويل لكل همزة » و « ولا أقسم بيوم القيامة ، و « لا أقسم بهذا البلد » البسملة لمن سكت من القراء وهم : خلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق ، والسكت عمن وصل منهم ، وهم : حمزة وخلف وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وورش من طريق الأزرق ؛ ووجه ذلك البشاعة (١) التي تكون في الوصل إذا قال : « وأهل المغفرة لا ، ولله ويل ، وادخلي جنتي لا ، وتواصوا بالصبر ويل ».

بسملة والسّكت عمّن وصلا

وفي ابتدأ السّورة كلّ بسملا

وهذا الموضع الثاني من مواضع البسملة ، وهو ابتداء السورة فأجمع القراء على البسملة فيه إلا سورة براءة كما سيأتي في البيت الآتي :

__________________

(١) قصد بالبشاعة الإشكال في أذن السامع فقد يظن أن القارئ يلحن أو قد يتوهم السامع معنى مغايرا للمعنى الأصلي.

٤٧

سوى براءة فلا ولو وصل

ووسطا خيّر وفيها يحتمل

أي فلا يبسمل في ابتدائها قوله : (ووسطا) أي وسط السورة : يعنى ألفاظها وأجزاءها ، هذا الموضع الثالث وهو أوساط السورة ؛ فالقارئ فيه مخير بين الإتيان بالبسملة فيه بعد الاستعاذة ، وذلك سوى براءة فإنه يحتمل التخيير فيها كغيرها ، ويحتمل المنع من البسملة فيها. وقد اختلف رأي أصحابنا في ذلك كما بينه في النشر قوله : (خير) أي بين البسملة وعدمها قوله : (وفيها) أي في أجزاء براءة وألفاظها قوله : (يحتمل) أي التخيير بين البسملة وعدمها.

تنبيه

استثناء سورة براءة من الابتداء بالبسملة ومن البسملة بينها وبين سورة الأنفال أيضا لمن بسمل بين السورتين ، وهذا معنى قوله : ولو وصل ، وذلك لإجماع المصاحف على حذفها فيها واختلف في العلة التي من أجلها لا يبسمل في سورة براءة بحالة ، فذهب الأكثرون إلى أنه لسبب نزولها بالسيف : يعني ما اشتملت عليه من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد ، وأيضا فيها الآية المسماة بآية السيف وهي : (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) (١) ، الآية ، وذهب بعضهم إلى أنها احتمال كونها من الأنفال.

وإن وصلتها بآخر السّور

فلا تقف وغيره لا يحتجر

أي إذا فصلت بالبسملة بين السورتين ، أمكن أربعة أوجه يمتنع منها وجه وهو وصلها بآخر السورة الماضية وقطعها عن السورة الآتية ، وتبقى الثلاثة الأخرى جائزة : أحدها قطعها عن الماضية ووصلها بالآتية ، والثاني وصلها بالماضية والآتية ، والثالث قطعها عنهما ، فهذه الثلاثة لا منع منها وأولها أولها.

سورة أم القرآن

يعني الفاتحة ؛ سميت بذلك لأنها أول القرآن ، وأم كل شيء : أصله ، كما سميت مكة أم القرى ، وقيل لأن سور القرآن تتبعها كما يتبع الجيش أمه ، وهي

__________________

(١) سورة التوبة الآية «٢٩».

٤٨

الراية ، وقيل غير ذلك ؛ ولما لم يمكن بعد ذكر الكلام في الاستعاذة والبسملة إلا بيان ما اختلف فيه من الحروف بدأ بسورة الحمد ، ثم ذكر ما لا يتكرّر في غيرها ، ثم أتبعه بما تكرّر فيها وفي غيرها.

مالك (نـ)ـل(ظـ)ـلاّ (روى)السّراط مع

سراط (ز)ن خلفا (غـ)ـلا كيف وقع

يعني قوله تعالى : (مالك يوم الدين) (١) ، وهذا أول المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد لوضوحه ، لأن الوزن لا يقوم بالقراءة الأخرى كما قدمنا بيانه ، فلذلك لم يحتج أن يقول بالمد ولا بمد ولا نحو ذلك : أي قرأ مالك من قوله تعالى : (مالك يوم الدين) بالألف كما لفظ به عاصم ويعقوب والكسائي وخلف ، والباقون ملك بغير ألف وكلاهما صفة من صفات الله ، وللناس في ترجيح إحداهما على الأخرى كلام كثير. وفي ذلك نظر فان كلا منهما ثبت متواترا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ به جماعة من الصحابة والتابعين ، وأنا أحب القراءة بكل منهما في كل ركعة ، وأقدم المد في الأولى لزيادته نظرا إلى تطويل الأولى على الثانية ، قوله : (السراط الخ البيت) يعني قرأ الصراط وصراط كيف وقع في القرآن بالسين كما لفظ به قنبل بخلاف عنه ، ورويس بلا خلاف ، والباقون بالصاد لقوله : والصاد كالزاي : أي وخلف يشم الصاد مجاورة الطاء ، ووجه إشمام الصاد أنه مزج بها حرفا يجانس الطاء في الجهر ، وقرئ أيضا بالزاي الخالصة والكل لغات العرب قوله : (نل ظلا) أي أصب ظلا ، نقل هذه القراءة المشهورة يريد الحض عليها والحث على الأخذ بها ، وقوله زن من الزينة ، وقوله غلا : أي ارتفع وعلا ، يشير إلى أن الخلف مرتفع عزيز عن قنبل ، وذلك أن أكثر المؤلفين لم يذكروا عنه سوى السين ، والناظم زاد الصاد عنه قوله : (كيف وقع) يعني منكرا أو معرّفا ، منونا أو غير منوّن باللام أو بغيرها كما وقع في هذه السورة

__________________

(١) أي بصير الوجه الثاني للقراءة : « ملك ». وهكذا دواليك في كل كلمة تذكر في التعليق تكون إيضاحا للاختلاف في قراءتها وقد يذكرها المؤلف رحمه‌الله في المتن دون التعرض لها في الشرح فتننّه والله الموفق لكل خير.

٤٩

وكقوله : (وأن هذا صراطي مستقيما (١) ، وصراط الله (٢) ، وهذا صراط علي) (٣).

والصّاد كالزّاي (ضـ) فا الأوّل (قـ) ف

وفيه والثّاني وذي اللاّم اختلف

أي والصاد التي قرأ بها الباقون في الصراط ، وصراط كيف وقع جعلها كالزاي يعني أشمها الزاي : أي خلطها بها خلف عن حمزة ، وأما خلاد فقد اختلف عنه ، فروى عنه بعضهم الإشمام في الأول من الفاتحة فقط ، وروى بعضهم الإشمام في الأول ، والثاني من الفاتحة أيضا فحسب ، وروى بعضهم المعرف باللام فقط ، وروى بعضهم عدم الإشمام مطلقا وهذه الأربعة المذكورة تخرج من قوله : وفيه والثاني الخ قوله : (ضفا) أي كثر ونما وطال ، يشير إلى كثرة مجيء الصاد مشمة في هذا اللفظ وغيره ، وأنه لغة للعرب فاشية قوله : (قف) يجوز أن يكون بضم القاف على أنه أمر من قاف أثرهم يقوفه إذا أتبعه : أي أتبع هذه القراءة فإنها مأثورة ، ويجوز أن يكون بفتح القاف فيكون فاؤه مشددة خففت للوقف فيكون إشارة إلى قوتها. لأن القاف (٤) اليابس القوي يبسه قوله : (فيه) أي في الأول والثاني : أي مع الثاني فيكون الإشمام له فيهما ، وفي اللام : أي المحلى بلام التعريف حيث وقع في الفاتحة وغيرها اختلف : أي اختلف الرواة عن خلاد في ذلك كله من الإشمام وعدمه ، فلا يكون له إشمام في شيء من ذلك ، أو يكون الإشمام فيها وهذا واضح فليتأمل.

وباب أصدق (شفا)والخلف غ) ر

يصدر (غـ)ث (شفا) المصيطرون (ضـ)ر

لما ذكر الإشمام في الصاد في الصراط وبابه استطرد ما وقع فيه الخلاف في الإشمام ، فقال : وباب أصدق ، يعني بالباب الصنف : أي ما وقع فيه الصاد الساكنة وبعده دال مثل أصدق وتصديق ؛ وجملته اثنا عشر صادا : اثنان في النساء ، وثلاثة في الأنعام ؛ وسبعة في سبع سور : الأنفال ويونس ويوسف والحجر والنحل والقصص وإذا زلزلت ، فقرأها بالإشمام حمزة والكسائي وخلف ورويس بخلاف عنه ، والباقون بالصاد الخالصة ؛ ووجه الإشمام كما تقدم في الصراط ، فإن الدال حرف مجهور كالطاء قوله : (شفا) أي أبرأ وصحح : يعني أنه

__________________

(١) « سراطي ».

(٢) « سراط الله ».

(٣) « سراط عليّ ».

(٤) نحو : القف.

٥٠

في القوة بهذه المثابة ، وقوله غر : من الغرور : وهو الخطر ، كأنه يقول طريق الصدق سلامة وخلافه خطر ، وقوله : يصدر : يعني أن كلمة يصدر من جملة الباب المذكور ، ووقعت في القصص وإذا زلزلت أشم الصاد فيهما حمزة والكسائي وخلف ورويس بلا خلاف وأعاد رمز شفا لئلا يتوهم أنه لرويس وحده ، وقوله : غث ، من الغيث ، الذي هو نفع البلاد : أي ينفع نفعا شفا الغليل فيه ، يقال غاث الله البلاد قوله : (المصيطرون) يعني قوله تعالى : (أم هم المصيطرون) فيا لطور قرأه بالإشمام أيضا خلف عن حمزة وخلاد بخلاف عنه كما سيأتي في البيت الآتي ، وقوله : ضر ، من الضرر : وهو ضد النفع ، يشير إلى معنى المصيطرون وهم الجبارون المسلطون : أي هم ذوو ضرر.

(قـ)ـي الخلف مع مصيطر والسّين (لـ)ـي

وفيهما الخلف (ز)كيّ (عـ)ـن (معـ)ـلي

ق من الوقاية : وهو الحفظ والصيانة والأمر ق حرف واحد ولكنه كتب بالياء على الأصل للبيان قوله : (مع مصيطر) يعني قوله تعالى : (لست عليهم بمصيطر) في الغاشية : يعني أن خلفا عن حمزة وخلادا بخلاف عنه على الإشمام كما تقدم في المصيطرون قوله : (والسين لي) أي ورواهما بالسين هشام ، واختلف فيهما عن قنبل وحفص وابن ذكوان ، فرواه بعضهم بالسين وبعضهم بالصاد كما ذكر في النشر فيكون في كل منهما ثلاث قراءات الإشمام لحمزة بخلاف عن خلاد والسين لهشام بلا خلاف ، ولقنبل وحفص وابن ذكوان في أحد وجهيهم والصاد لهم في الوجه الآخر ، وللباقين وجه كما تقدم في صراط ، قوله : (زكى) أي زاك : ومعناه تام ممدوح ، وقوله : عن ملي : أي ثقة قادر من الملاءة : يعني الخلاف فيهما مع صحّته ورد عن ثقة قائم به.

عليهمو إليهمو لديهمو

بضمّ كسر الهاء (ظ)بي (ف)هم

أي قرأ هذه الكلم الثلاث وهي عليهم ولديهم وإليهم حيث وقعت بضم الهاء يعقوب وحمزة والباقون بالكسر ، وفهم العموم من إضافة غير إليهم (١) إليها على العادة ووجه الضم الأصل ، وذلك أن الأصل في هذه الهاء ونحوها من ها آت

__________________

(١) لعله من إضافة إليهم ولديهم. والأحسن أن يكون العموم مأخوذا من الاطلاق وليتأمل.

٥١

الضمير الضم لأنها تضم مبتدأة ، وبعد الألف والفتحة والضمة والواو والسكون سوى الياء ، نحو : هو ودعاه وله ويعلمه وأخوه ومنه ، وإنما تكسر بعد الكسرة والياء الساكنة وهو ثقيل فلذلك كسرها من كسرها في هذه الكلم. وأما تخصيص حمزة هذه الكلم بالضم التفاتا إلى اللغات (١) التي هي الأصل فيها واتباعا للضم المقدّر في ميم الجمع منها. وأما يعقوب فإنه يضمها على الأصل وأطلق ذلك فيها وفي تثنيتها وجمع الإناث منها وكذلك في كل هاء ضمير مثلها كما سيأتي في البيت الآتي ولم يستثن من ذلك إلا الضمير المفرد كما سيأتي.

وبعد ياء سكنت لا مفردا

(ظـ)ـاهر وإن تزل كيخزهم (غـ)ـدا

يعني وضم كسر هاء الضمير بعد الياء الساكنة مطلقا من ضمير التثنية والجمع يعقوب ، نحو : عليهما وإليهما وفيهما وعليهن وفيهن وصياصيهم وبجنتيهم ويزكيهم وأيديهم وأيديهن قوله : (لا مفردا) أي لا الضمير المفرد فلا خلاف في كسر الهاء منه لوقوعها طرفا فاستثقلت الضمة عليها قوله : (ظاهر من المظاهرة) وهي المعاونة والمغالبة قوله : (وإن تزل) أي سقطت الياء لعلة جزم أو بناء نحو « ويخزهم ، وإن يأتهم ، وفأتهم. ، وفاستفتهم » فإن رويسا يضمها على الأصل ولا يعتد بعارض السقوط إلا في قوله « ومن يولهم » كما سيأتي ؛ واختلف عنه في « يلههم ، وقهم ، ويغنهم » على ما ذكره في أول البيت الآتي :

وخلف يلههم قهم ويغنهم

عنه ولا يضمّ من يولّهم

أي واختلف عن رويس في « ويلههم الأمل » في الحجر ، « وقهم عذاب الجحيم ، وقهم السيئات » كلاهما في غافر « ويغنهم الله » في النور ، فورى عنه بعضهم ضمها طردا للباب ، وروى آخرون كسرها لأجل الساكن بعدها إلحاقا بنحو « بهم الأسباب » قوله : (ولا يضم الخ) أي ولا يضم الهاء من قوله تعالى : (ومن يولهم يومئذ دبره). بل كسرها كالباقين بلا خلاف ، وذلك لأن اللام فيها مشددة مكسورة فهي بمنزلة كسرتين ، والانتقال من الكسرتين إلى ضمة ثقيل جدا بخلاف أخواته.

__________________

(١) الظاهر إلى الألفات لأن الياء في هذه الكلمات منقلبة عن ألف فتنبه.

٥٢

وضمّ ميم الجمع صل (ثـ)بت (د)را

قبل محرّك وبالخلف (بـ)ـرا

يعني أن ميم الجمع إما أن يكون قبل محرك أو قبل ساكن ، فإن وقعت قبل محرك نحو ما في هذه السورة ، وهو « أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ، وهم يوقنون ، وعلى قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم ، وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم » فإن أبا جعفر وابن كثير وقالون بخلاف عنه يصلون ضم ميم الجمع من ذلك وشبهه بواو : أي حالة الوصل فيقولون : عليهمو وهمو وقلوبهمو ، والباقون بالإسكان من غير صلة ، وكلهم متفقون على الوقف بالسكون ، ويفهم ذلك من قوله : قبل محرك فإنها لا تقع كذلك إلا في حالة الوصل وهما لغتان صحيحتان فصيحتان ، ولورش فيه مذهب سيأتي في البيت الآتي :

وقبل همز القطع ورش واكسروا

قبل السّكون بعد كسر (ح)رّروا

أي وصل ضم ميم الجمع قبل همز القطع نحو « عليهم أأنذرتهم (١) أم لم وأنهم إليه » ورش من (٢) الطريقين ، ووجهه الفرار من النقل على مقتضى مذهبه فرجع إلى الأصل ، وهو الصلة عنده قوله : (واكسروا) إشارة إلى القسم الثاني من قسمي ميم الجمع ، وهو أن تكون قبل ساكن. وقد اختلفوا في حركتها وحركة ما قبلها إذا وقعت بعد كسرة نحو « بهم الأسباب ، وعليهم القتال » فقرأه أبو عمرو بكسر الميم حالة الوصل ، والباقون بضمها كما سيأتي في البيت الآتي ، ومنهم حمزة والكسائي وخلف يضمون الهاء قبلها اتباعا ، وإذا وقفوا كسروا الهاء ، إلا حمزة فهو على أصله في ضم الهاء في نحو عليهم القتال ، وإليهم اثنين ، ويعقوب على أصله كما سيأتي ، وقوله : حرروا : أي قوموا وأتقنوا ، وذلك أن الأصل في التقاء الساكنين الكسر ، وفيه أيضا إجراؤها في الإتباع على ما قبلها تخفيفا لئلا ينتقل من كسر إلى ضم.

وصلا وباقيهم بضمّ و(شفا)

مع ميم الهاء وأتبع (ظـ)ـرفا

أي حالة الوصل قوله : (وباقيهم) أي باقي القراء يضم الميم الواقعة بعد

__________________

(١) صلة كبرى تمد بقدر المنفصل : « عليهموآ أءنذرتهم »

(٢) نحو : أي وافقهم ورش فيما كان بعد الميم همزة قطع من الخ.

٥٣

كسر قبل ساكن في الوصل أيضا قوله : (وشفا) أي أن حمزة والكسائي وخلفا يضمون الهاء المسكورة قبل الميم أيضا حالة الوصل مع الميم ، فإذا وقفوا كسروا الهاء على أصلهم ، وحمزة على أصله كما تقدّم قوله : (وأتبع) أي أتبع يعقوب الهاء الميم : يعني ما تقرر من مذهبه فيضم الميم إذا وقعت بعد الهاء المضمومة في مذهبه نحو « عليهم القتال ، ويريهم الله » ويكسرها إذا وقعت بعد مكسور نحو « بهم الأسباب ، وقلوبهم العجل ».

باب الإدغام الكبير

قدم هذا الباب على سائر الأبواب من أجل تقديم « الرحيم ملك » على غيره ، وافتتح به أبواب الأصول وأتبعه بغيره بحسب الترتيب.

والإدغام هو اللفظ بحرفين حرفا كالثاني مشددا ، وينقسم إلى كبير وصغير ؛ فالكبير أن يكون الأول من الحرفين متحركا ؛ سمي كبيرا لكثرة وقوعه ، والصغير أن يكون ساكنا كما سيأتي في بابه. وينقسم كل منهما إلى واجب وجائز وممتنع ، وقد تقدّمت الإشارة في الخطبة الى الواجب والممتنع في القراءة ، والكلام هنا في الجائز ، وله شرط وسبب ومانع كما سيذكره.

إذا التقى خطّا محرّكان

مثلان جنسان مقاربان

هذا شرطه ؛ وهو أن يلتقي الحرفان المحركان خطا سواء كان خطا أو لفظا أو خطا لا لفظا ليدخل نحو إنه هو ، ويخرج نحو « أنا نذير » ، وقوله مثلان ، هذا سببه وهو أن يكون الحرفان منهما متماثلين أو متجانسين أو متقاربين ؛ فالتماثل أن يتفقا مخرجا وصفة كالهاء في الهاء ؛ والتجانس أن يتفقا مخرجا ويختلفا صفة كالدال في التاء والتاء في الطاء والثاء في الذال. والتقارب أن يتقاربا مخرجا أو صفة أو مخرجا وصفة كالتاء في الثاء والجيم في الذال.

أدغم بخلف الدّور والسّوسي معا

لكن بوجه الهمز والمدّ امنعا

يعني أن الإدغام في ذلك لأبي عمرو بخلاف عنه ، وإنما عبر بالدوري والسوسي لدفع وهم من يتوهم أن المراد به السوسي وحده كما وقع في كلام الشاطبي رحمة الله عليه حيث أطلقه لأبي عمرو ومراده السوسي كما هو مقرر ،

٥٤

وقوله : معا : حال منهما كما تقول مررت بزيد وعمرو معا : أي مصطحبين قوله : (لكن بوجه الهمز والمد امنعا) أشار إلى أنه قد يجتمع الإدغام الكبير مع همز ساكن أو مد منفصل أو معهما ، فإنه ذكر لأبي عمرو في كل منهما خلاف ؛ فيحتمل مع البدل والهمز أربعة أوجه (١) ، وهي : الإدغام والإظهار مع البدل ومع الهمز ، وذلك قوله تعالى : (ولما يأتهم تأويله كذلك كذّب الذين من قبلهم) يمتنع منها الإدغام مع الهمز وتجوز الثلاثة الباقية ، وكذا لو اجتمع الإدغام مع المد كقوله « قل لا أقول لّكم (٢) » ، فإنه يحتمل أربعة أوجه أيضا ، وهي : الإدغام مع المد والقصر والإظهار معهما يمتنع المد مع الإدغام ، وتجوز الثلاثة الأخرى ، فلو اجتمع مع الإدغام همز ومد فيحتمل ثمانية أوجه كقوله تعالى : (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما) يمتنع منها ثلاثة أوجه ، وهي : الإدغام مع الهمز والمد ، والإدغام مع الهمز والقصر ، والإدغام مع البدل والمد ، وتجوز الخمسة الباقية. وهذا موضع مهم يتعين التنبيه عليه ، فلذلك نص عليه وبسط القول فيه في النشر (٣).

فكلمة مثلى مناسككم وما

سلككم وكلمتين عمّما

أي فأدغم من كلمة المثلين من مناسككم وما سلككم لا غير ، وأما من كلمتين فهو عام : أي في كل كلمتين ما لم يمنع مانع مما سيذكره في البيت الآتي ، وقوله مثلى « مناسككم » هو على حذف مضاف أي مثل حرفي مناسككم وهو في البقرة « و » ما سلككم في المدثر قوله : (وكلمتين عمما) أي اجعله عاما ولا تخصه كما خصصت الكلمة بهاتين الكلمتين فقط وذلك بالشرط المذكور في البيت الآتي :

ما لم ينوّن أو يكن تا مضمر

ولا مشدّدا وفي الجزم انظر

هذا مانع الإدغام الكبير الذي شرطه التقاء الحرفين خطا ، وسببه أن يكونا مثلين أو

__________________

(١) والأوجه الأربعة صحيحة لغة وإسنادا.

(٢) تنبه للشدة فوق الحرف المدغم فيه فهي ترسم لإيضاح وجود الإدغام.

(٣) والأفضل إذا أردت استيعابا وإحاطة بهذا أن تمعن النظر في كتاب النشر في القراءات العشر للمؤلف رحمه الله تعالى المجلد الثاني في باب الإدغام الكبرى.

٥٥

جنسين أو متقاربين كما تقدم ، وهو أن لا يكون الأول منهما منونا ، نحو « غفور رحيم ، شديد تحسبهم ، في ظلمات ثلاث » وأن لا يكون تاء مضمر سواء كان متكلما أو مخاطبا نحو « كنت ترابا ، خلقت طينا » وأن لا يكون مشددا ، نحو « مس سقر ، الحق كمن ، وأشد ذكر » فهذه المواضع الثلاثة لا خلاف فيها وبقي مانع آخر وهو الإخفاء قبله وذلك في حرف واحد وهو « يحزنك كفره » كما سيأتي منصوصا عليه ، ويمكن أن يدخل في توالي الإعلال فإن الاخفاء إعلال والإدغام كذلك. واختلف في موانع أخرى كالجزم وتوالي الإعلال وقلة الحروف ومصيره إلى حرف واحد ، واختص إظهار بعض المتقاربين بخفة الفتحة أو سكون ما قبله أو بهما أو لفقد المجاورة أو عدم التكرار كما سيأتي مبينا ، وقوله وفي الجزم : أي وفي مانع الجزم تفصيل ، وهو إما أن يكون في المثلين أو المتجانسين أو المتقاربين ، فإن كان في المثلين والمتجانسين فإن في إدغامه خلافا لأصحاب الإدغام ، منهم من أدغمه نظرا إلى تلاقي الحرفين ، ومنهم من أظهره نظرا إلى ما كان أولا ، فلم يعتد بذلك العارض وذلك في المثلين ، نحو قوله تعالى : (ومن يبتغ غير ، ويخل لكم ، وإن يك كاذبا) وفي المتجانسين « ولتأت طائفة » فإن كان في المتقاربين فالإظهار وذلك حرف واحد وهو « ولم يؤت سعة » وما ذكره صاحب التجريد من إدغامه فهو ضعيف.

فإن تماثلا ففيه خلف

وإن تقاربا ففيه ضعف

أي فإن تماثل الحرفان الملتقيان بالجزم ففي إدغامه اختلاف عن أصحاب الإدغام ، فإن تقارب الحرفان ففي إدغامه ضعف : أي رواية إدغام ما دخله الجزم من المتقاربين ضعيفة ، وأما قوله تعالى « فآت ذا القربى » فيجىء النص عليه مع « ولتأت طائفة » عند ذكر إدغام التاء من المتقاربين والمتجانسين.

والخلف في واو هو المضموم ها

وآل لوط جئت شيثا كاف ها

أي واختلف أيضا عن أصحاب الإدغام في إدغام الواو من هو المضموم هاؤه نحو « هو والذين » ووقع في ثلاثة عشر موضعا ووجه إظهاره مصيره إلى حرف مد ، وذلك أنه إذا أدغم سكن وإذا سكن صار حرف مد وحرف المد لا يدغم كما تقدم في فصل التجويد. واختلف عنهم أيضا في إدغام اللام من آل لوط ، وهو في

٥٦

أربعة مواضع : اثنان في الحجر وواحد في النمل وآخر في القمر ، ووجه إظهاره توالى الإعلال عليه من حيث إن أصله أهل فقلبت الهاء همزة ، ثم أبدلت ألفا ثم تدغم فيكون ثلاث إعلالات ، وقيل لقلة حروفه وهو منتقض بإدغام « لك كيدا » وهو أقل حروفا منه. واختلف عنهم أيضا في إدغام التاء من قوله تعالى : « لقد جئت شيئا فريا » في سورة مريم ، ووجه إظهاره كونه تاء مضمر ، ووجه إدغامه دون إدغام « جئت شيئا » في الكهف أنه مكسور والفتحة أخف من الكسرة فأدغم تخفيفا ، فإن قيل فلم لم يدغم « كنت ترابا » مع ضمه والضم أثقل من الكسرة ، قيل منع ذلك إخفاء النون قبله وذلك وحده مانع فاجتمع فيه مانعان.

كاللاّء لا يحزنك فامنع وكلم

(رض سنشدّ حجّتك بذل قثم)

أي كالخلاف في اللائي يعني قوله : « واللآئي يئسن من المحيض » وهو في الطلاق ، اختلف في إظهاره وإدغامه على وجه قراءة أبي عمرو بإبدال الهمزة ياء كما بين ذلك في النشر قوله : (لا يحزنك) يعني قوله تعالى : « فلا يحزنك كفره » اتفقوا على إظهاره من أجل إخفاء النون قبله ، وهذا هو المانع الرابع الذي تقدّمت إشارتنا إليه ، وأما « فلا يحزنك قولهم » فيدخل إظهاره تحت مانع كونه بعد ساكن قوله : (وكلم) يعني لما فرغ من ذكر المثلين انتقل إلى ذكر إدغام المتجانسين والمتقاربين ، فقال وكلم : أي وحروف كلم رض الخ ، وهو ستة عشر حرفا في الخمس كلمات المذكورات تدغم في مجانسها ومقاربها على ما يأتي تفصيله ، وأما قوله رض فمن الرياضة وهي التهذيب.

تدغم في جنس وقرب فصّلا

فالرّاء في اللاّم وهي في الرّاء لا

أي حروف هذه الكلم تدغم فيما جانسها وفيما قاربها وفصلا : أي بين. ثم أخذ في تفصيل ذلك فبدأ بالراء لأنها المبدوء بها في الكلام فبدأ بها فقال فالراء الخ : أي فالراء تدغم في اللام وهي أي واللام أيضا تدغم في الراء بشرط أن لا تكون واحدة منهما مفتوحة بعد ساكن كما سيأتي في البيت الآتي ، ومثال الراء في اللام « أطهر لكم » ، ومثال اللام في الراء « أنزل ربكم » قوله : (لا) أي إلا أن تكون كل من اللام والراء مفتوحا بعد ساكن.

إن فتحا عن ساكن لا قال ثم

لا عن سكون فيهما النّون ادّغم

٥٧

معناه أن الراء واللام إذا وقعا مفتوحتين بعد ساكن فإنهما لا يدغمان إلا كلمة قال فإنها تدغم وإن كانت مفتوحة بعد ساكن ، فإن كانتا مضمومتين أو مكسورتين تدغمان وإن وقعا بعد ساكن ، ومثال الراء المفتوحة بعد ساكن « والحمير لتركبوها » ومثالها مضمومة بعد ساكن « وإليك المصير لا يكلف الله نفسا » ومكسورة بعد ساكن نحو : « والنهار لآيات » ومثال اللام المفتوحة بعد ساكن ، (فعصوا رسول ربهم) » ، ومثالها مضمومة بعد ساكن « يقول ربنا » ومكسورة « إلى سبيل ربك » إلا كلمة قال فإن اللام منها تدغم في الراء ، وإن كانت مفتوحة بعد ساكن لكثرة دورها نحو « قال ربكم » وهذا معنى قوله : لا قال ، فهو استثناء من استثناء قوله : (ثم لا عن سكون الخ) يعني أن النون تدغم في اللام والراء نحو « تأذن ربكم ، وزين للذين » إلا أن تكون النون بعد ساكن فإنها لا تدغم نحو « مسلمين لك ، ويخافون ربهم » إلا كلمة نحن كما سيأتي في البيت الآتي :

ونحن أدغم ضاد بعض شان نص

سين النّفوس الرّاس بالخلف يخص

أي تدغم نون نحن في اللام بعدها نحو « ونحن له » وإن وقعت بعد ساكن ، وهذا في المعنى استثناء مما تقدم قوله : (ضاد) أي وتدغم الضاد من بعض شأنهم في الشين قوله : (نص) أي نص على إدغامه يشير إلى قول الداني ، روى إدغامه منصوصا أبو شعيب السوسي ولم يروه غيره قوله : (سين النفوس) يعني وتدغم السين من النفوس ، يريد قوله تعالى : « وإذا النفوس زوجت » ، وكذلك تدغم السين من « واشتعل الرأس شيبا » بخلاف عنه قوله : (يخص) أي بالخلاف دون الناس شيئا فإنه لا خلاف فيه ، وفي إظهاره مع أنه مثله في وقوع الشين بعده ، ولكن يفرق بينهما بكون الشين مفتوحة بخلاف الرأس فإنها فيه مضمومة.

مع شين عرش الدّال في عشر (سـ)ـنا

(ذا) (ضـ)ـق (تـ)ـرى (شـ)ـد (ثـ)ـق (ظـ)ـبا (ز)د (صـ)ـف (جـ)ـنبا

أي مع الخلاف في إدغام الشين من قوله تعالى « إلى ذي العرش سبيلا » قوله : (الدال) في عشر إلى آخر البيت يعني تدغم في عشرة أحرف وهي الأوائل من العشر كلمات التي ذكرها السين والذال والضاد والتاء والشين والثاء والظاء والزاي والصاد والجيم.

إلاّ بفتح عن سكون غيرتا

والتّاء في العشر وفي الطّا ثبتا

٥٨

يعني أن الدال تدغم في هذه الأحرف بأي حركة تحركت الدال إلا إذا فتحت وقبلها ساكن فإنها لا تدغم إلا في التاء فإنها تدغم للتجانس في « كاد تزيغ » وبعد توكيدها ومثالها في غير ذلك ففي السين « يكاد سنا برقه » وفي الذال من بعد ذلك ، وفي الضاد « من بعد ضراء » وفي التاء « من الصيد تناله » وفي الشين « شهد شاهد » ، وفي الظاء « يريد ظلما » وفي الزاي ، « يكاد زيتها » ، وفي الصاد « نفقد صواع » ، وفي الجيم « داود جالوت » وفي الثاء « يريد ثواب » ، قوله : (غير تاء) أي فإنها تدغم فيها ، ولو فتحت بعد ساكن فهو استثناء من استثناء ، قوله : (والتاء في العشر الخ) يعني أن التاء تدغم في العشرة الأحرف التي تدغم فيها الدال المذكورة ، وفي الطاء أيضا فحينئذ يكون للتاء أحد عشر حرفا لكن التاء من جملة حروف الدال العشرة من باب المثلين ، فإذا سقطت من العدد عددت الطاء عوضا عنها فيكون للتاء عشرة أحرف أيضا ، وإنما لم يستثنها الناظم للاختصار مع حصول الغرض من البابين ، ومثال التاء عند حروفها في السين « السحرة ساجدين » وفي الذال « الآخرة ذلك » ، وفي الضاد « والعاديات ضبحا » وفي الشين « الساعة شيء عظيم » ، وفي الثاء « بالبينات ثم » ، وفي الظاء « الملائكة ظالمي » ، وفي الزاي « فالزجرات زجرا » وفي الصاد « والملائكة صفا » ، وفي الجيم « الصالحات جناح » ، وفي الطاء « الصالحات طوبى » واختلف في كلمات ذكرها في البيت الآتي :

والخلف في الزّكاة والتّوراة حل

ولتأت آت ولثا الخمس الأول

أي واختلف رواة الإدغام في إدغام التاء وإظهارها من هذه الكلمات الأربع : وهي « الزكاة ثم » في البقرة ، و « التوراة ثم » في الجمعة وهاتان الثنتان عند التاء لفتحهما وسكون ما قبلها ، والثالثة عند الذال وهو قوله تعالى : (فآت ذا القربى حقه) والرابعة عند الطاء وهو قوله تعالى (ولتأت طائفة) وهما في حكم المجزوم كما تقدم وتقدم لها خامس وهو (جئت شيئا فريا) ، وقوله حل : أي استقر من حل بالمكان ، ويحتمل معنى جاز ، من حل الشيء يحل فهو حلال ، وللثاء الخمس الأول : أي وللثاء من الحروف التي تدغم فيه التاء الخمس الأحرف التي ذكرت أوّلا من حروف الدال المتقدمة يعني السين والذال والضاد والتاء والشين ؛ مثالها « وورث سليمان داود ، والحرث ذلك ، وحديث ضيف إبراهيم ، وحيث تؤمرون ، وثلاث شعب ».

٥٩

والكاف في القاف وهي فيها وإن

بكلمة فميم جمع واشرطن

أي وتدغم الكاف في القاف والقاف في الكاف نحو « نقدس لك قال ، وينفق كيف » وإن كانت القاف عند الكاف في كلمة فلا تدغم إلا أن تكون بعد الكاف ميم جمع نحو « خلقكم ويرزقكم » فإن لم يكن بعدها ميم جمع أظهرت نحو « خلقك » واختلف فيما بعده نون إناث كما سيأتي في البيت الآتي ، ويشترط في جواز إدغام الكاف في القاف والقاف في الكاف وفيما فيه ميم جمع من كلمة أن تكون بعد متحرك كما مثلنا به ، فإن كنّ بعد ساكن أظهرت بلا خلاف نحو « وتركوك قائما ، وفوق كل ذي علم ، وميثاقكم ».

فيهنّ عن محرّك والخلف في

طلّقكنّ ولحا زحزح في

أي الكاف في القاف والقاف في الكاف وفيما معه ميم أن يكون بعد محرك قوله : (والخلف الخ) أي واختلف رواة الإدغام في كلمة « طلقكن » في التحريم قوله : (ولحا زحزح الخ) أي ولحرف من المتقاربين زحزح لا غير ؛ يعني قوله تعالى : (فمن زحزح عن النار) في آل عمران واحترز بذكرها عن نحو « ولا جناح عليكم ، وما ذبح على النصب » وقول في ، أمر وفي يفي : إذا تم وكثر ، أو في الوفاء ضد الغدر : أي أتم إدغامه ، يعني أعطه حقه إذا لفظت به ولا تكن غادرا لا مخالفا.

والذّال في سين وصاد الجيم صح

من ذي المعارج وشطأه رجح

أي وزدتم الذال في حرفين السين والصاد ، وذلك قوله تعالى في الكهف « اتخذ سبيله » في الموضعين ، و « ما اتخذ صاحبة » في الجن قوله : (الجيم صح) أي كذلك الجيم تدغم في موضعين يعني التاء من قوله تعالى : (ذي المعارج تعرج) بلا خلاف ، وفي الشين من قوله تعالى : (أخرج شطأه) على الراجح من الوجهين ، وقوله رجح ، إشارة إلى عدم الخلاف في ذي المعارج ، وقوله من ذي المعارج أي قوله تعالى (تعرج الملائكة) ، قوله : (وشطأه) أي وإدغام الجيم في الشين بكلمة شطأه رجح : أي رجح الإدغام فيها على إظهاره إشارة إلى خلاف فيه.

والباء في ميم يعذّب فقط

والحرف بالصّفة إن يدغم سقط

٦٠