شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي

شرح طيّبة النّشر في القراءات العشر

المؤلف:

شهاب الدين أبي بكر بن أحمد بن محمّد بن محمّد ابن الجزري الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٤

(عـ)ـد نصب اضمم حرّكن (بـ)ـه (عـ)ـفا

(كـ)ـم ولده اضمم مسكنا (حقّ شفا)

قوله : (نصب) يريد (نصب يوفضون) قرأه بضم النون والصاد ابن عامر وحفص ، والباقون بفتح النون وسكون الصاد (١) قوله : (اضمم) أي النون ، وقوله حركا : أي حرك بالضم الصاد قوله : (وولده) يريد قوله تعالى : (من لم يزده ماله وولده) قرأه بضم الواو وإسكان اللام مدلول حق ومدلول شفا ، والباقون بفتح الواو واللام ، والله سبحانه تعالى أعلم.

ودّا بضمّه (مدا)وفتح أن

ذي الواو (كـ)ـم (صحب)تعالى كان (ثـ)ـن

يريد قوله تعالى : (ودّا ولا سواعا) قرأه بضم الواو المدنيان ، والباقون بفتحها وهما لغتان قوله : (وفتح أن ذي الواو) أي التي مع الواو ، واحترز بذلك عن التي مع الفاء نحو (فإن له) فهو متفق على كسره ، وعن المجردة عن الواو نحو (أنه استمع) فهو متفق على فتحها و (فقالوا إنا سمعنا) فهو متفق على كسره ، فمواضع الخلاف أن تكون أن مشددة ، فما لم تكن كذلك فمتفق أيضا على فتحها نحو (وأن لو استقاموا) فضابط مواضع الخلاف أن تكون أن مشددة بعد واو ، وذلك في اثني عشر حرفا متوالية أوائل التي جمعها : وهو (وأنه تعالى) وما بعدها إلى قوله (وأنا منا المسلمون) فتح الهمزة فيهن ابن عامر ومدلول صحب قوله : (تعالى كان) أي وافقهم أبو جعفر في « وأنه تعالى ، وأنه كان يقول ، وأنه كان رجال » والباقون بالكسر فيهن ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(صحب كـ)ـسا والكلّ ذو المساجدا

وأنّه لمّا اكسر (ا)تل (صـ)ـاعدا

أعاد الرمز لئلا يتوهم أن أبا جعفر قرأ هذه المواضع وحده قوله : (والكل) أي كل القراء فتحوا (وأن المساجد لله) قوله : (وأنه لما) أي كسر الهمزة من قوله : (وأنه لما قام عبد الله) نافع وأبو بكر ، والباقون بفتحها ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

تقول فتح الضّمّ والثّقل (ظـ)ـمى

نسلكه يا (ظـ)ـهر (كفا)الكسر اضمم

يريد أن يعقوب قرأ تقول بفتح القاف والواو وتشديدها من قوله تعالى : (أن لن تقوّل الإنس والجن) والباقون بضم القاف وإسكان الواو ، وقوله : (نسلكه)

__________________

(١) « نصب ».

٣٢١

يريد قوله تعالى : (نسلكه عذابا صعدا) قرأ يعقوب والكوفيون بالياء ، والباقون بالنون قوله : (الكسر اضمم) أي اضمم كسر اللام من قوله تعالى : (كادوا يكونون عليه لبدا) لهشام بخلاف عنه ، والباقون بالكسر ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(مـ)ـن لبدا بالخلف (لـ)ـز قل إنّما

في قال (ثـ)ـق (فـ)ـز (ـن)ـل ليعلم اضمما

قوله : (قل) يعني قوله تعالى : (قل إنما أدعو ربي) قرأه أبو جعفر وحمزة وعاصم « قل » على الأمر موضع قراءة غيرهم « قال » على الخبر قوله : (ليعلم) روى رويس (ليعلم أن قد) بضم الياء ، والباقون بفتحها.

(غـ)ـنا وفي وطأ وطاء واكسرا

(حـ)ـز (كـ)ـم وربّ الرّفع فاخفض (ظـ)ـهرا

يريد (إن ناشئة الليل هي أشد هي أشد وطأ) قرأه أبو عمرو وابن عامر بكسر الواو وفتح الطاء وألف بعدها موضع قراءة غيرهما « وطأ » بفتح الواو وإسكان الطاء من غير ألف قوله : (ورب) أي قرأ (رب المشرق والمغرب) بخفض الرفع يعقوب وابن عامر ومدلول صحبة كما في أول البيت الآتي ، والباقون بالرفع على أنه خبر : أي هو رب المشرق والمغرب ، والخفض على البدل من ربك ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

(كـ)ـن (صحبة)نصفه ثلثه انصبا

(د)هرا (كفا)الرّجز اضمم الكسر (عـ)ـبا

يريد قوله تعالى : (ونصفه وثلثه) قرأه بالنصب في الفاء والثاء ابن كثير ومدلول كفا ، والباقون بالخفض وكسر الهاء ، وقوله : الرجز ، يريد قوله تعالى : (والرّجز فاهجر) ضم الراء حفص ومدلول ثوى أبو جعفر ويعقوب كما في أول البيت الآتي ، والباقون بكسرها.

(ثـ)ـوى إذا دبر قل إذ أدبره

(إ)ذ (ظـ)ـنّ (عـ)ـن (فتى)وفا مستنفرة

أي قرأ نافع ويعقوب وحفص وحمزة وخلف مدلول فتى (إذ أدبر) بإسكان الذال وهمزة مفتوحة وإسكان الدال موضع قراءة غيرهم (إذا دبر) بألف بعد الذال وبفتح الدال من غير همز قبلها قوله : (وفا مستنفرة) يعني قوله تعالى (كأنهم حمر مستنفرة) قرأ بفتح الفاء مدلول عم ، والباقون بالكسر.

٣٢٢

بالفتح (عمّ)و(ا)تل خاطب يذكروا

را برق الفتح (مدا)ويذروا

يريد قوله تعالى : (وما يذكرون) قرأه بالخطاب نافع ، والباقون بالغيب قوله : (را برق) أي (برق البصر) قرأه المدنيان بفتح الراء ، والباقون بكسرها قوله : (ويذروا. معه يحبون) كما في أول البيت الآتي يريد قوله تعالى : (يحبون العاجلة ويذرون الآخرة) قرأهما بالغيب كما لفظ به ابن عامر والبصريان وابن كثير ، والباقون بالخطاب فيهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

معه يحبّون (كـ)ـسا (حما د)فا

يمنى (لـ)ـدى الخلف (ظـ)ـهيرا (عـ)ـرفا

قوله : (يمنى) يريد قوله تعالى : (من منى يمنى) قرأه بالتذكير هشام بخلاف عنه ويعقوب وحفص من غير خلاف ، والباقون بالتأنيث. (١)

سورة الإنسان والمرسلات

سلاسلا نوّن (مدا ر)م (لـ)ـي (غـ)ـدا

خلفهما (صـ)ـف معهم الوقف امددا

يريد قوله تعالى : (سلاسلا وأغلالا وسعيرا) بالتنوين ، قرأه المدنيان والكسائي وهشام ورويس بخلاف عنهما ، وشعبة بغير خلاف قوله : (معهم الوقف امددا) أي وقف معهم بالألف أبو عمرو ، واختلف عن حفص وابن ذكوان وابن كثير وروح كما في أول البيت الآتي بعد ، والباقون بغير ألف ، وهو ممنوع من الصرف في اللغة المشهورة ، وقد كتب في المصاحف بألف بعد اللام كما كتب في سورة الأحزاب (الظنونا ، والرسولا ، والسبيلا) فالمتابعة لخط المصحف اقتضت إثبات ثلاث ألفات في الأحزاب في الوصل ، ولم ينص على تنوينها لأجل أن كل كلمة منها فيها الألف واللام والتنوين لا يجمع معهما ، وأما (في سلاسلا) فأمكن قبوله للتنوين على لغة من يصرف ذلك ، والله تعالى أعلم.

(عـ)ـن (مـ)ـن (د)نا (شـ)ـهم بخلفهم (حـ)ـفا

نوّن قواريرا (ر)جا (حرم صـ)ـفا

يريد قوله تعالى : (كانت قوارير) وهو الأول منهما ، قرأه بالتنوين (٢) الكسائي ونافع وأبو جعفر وابن كثير وشعبة وخلف ، والباقون بغير تنوين ، ووقف

__________________

(١) « تمنى ».

(٢) « قواريرا ».

٣٢٣

من نوّن ومن لم ينون بالألف ، وحمزة ورويس وروح بخلاف عنه وقفوا عليه بغير ألف كما سيأتي في أول البيت الآتي ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

والقصر وقفا (فـ)ـي (غـ)ـنا شد اختلف

والثّان نوّن صف (مدا ر)م ووقف

أي اختلف عن روح في الوقف عليه بغير ألف : أي ونون الحرف الثاني من قوارير وهو (قوارير من فضة) شعبة ونافع وأبو جعفر والكسائي ، والباقون بغير تنوين ، فمن نوّن وقف بالألف ، ومن لم ينون وقف بغير ألف ، إلا هشاما فإنه لم ينون ووقف عليه بغير تنوين بالألف بخلاف عنه كما سيأتي في أول البيت الآتي ، والله سبحانه تعالى أعلم.

معهم هشام باختلاف بالألف

عاليهم اسكن (فـ)ـي (مدا)خضر (عـ)ـرف

يعني قوله تعالى : (عاليهم ثياب سندس خضر) أسكن الياء منه حمزة ونافع وأبو جعفر على أنه فاعل مرفوع بالابتداء وخبره ما بعده ، والباقون بفتح الياء على أنه حال من ضمير (ولقاهم نضرة ، وجزاهم) أو يكون التقدير رأيت أهل نعيم (عاليهم) وقيل على الظرف : أي فوقهم فلم يحتج الناظم إلى النص على كسر هائها لأنه علم من سورة أم القرآن قوله : (خضر) يريد قوله تعالى : (خضر وإستبرق) اختلف في رفعها وخفضها ، فقرأ حفص ، وأبو جعفر وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بالرفع كما سيأتي ، والباقون بالخفض على لفظه ، وقرأ (إستبرق) بالرفع على لفظ أيضا ابن كثير ونافع وعاصم ، والباقون بالخفض فيكون فيهما أربع قراءات : رفعها لحفص ونافع ، وخفضهما لحمزة والكسائي وخلف ، ورفع (خضر) وخفض إستبرق لابن كثير وشعبة ، ورفع (خضر) وخفض و (إستبرق) لأبي جعفر.

(عمّ حما)إستبرق (د)م (إ)ذ (نـ)ـبا

واخفض لباق فيهما وغيّبا

قوله : (فيهما) أي في (خضر ، وإستبرق) وإنما نص على قراءة الباقين في الحرفين ، لأنه لو ترك لأفهم النصب من حيث إنه ضد الرفع الملفوظ به قوله : (غيبا) أي واقرأ بالغيب يعني قوله تعالى (وما تشاؤون) كما سيأتي في أول البيت الآتي ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وما تشاءون (كـ)ـما الخلف (د)نف

(حـ)ـط همز أقّتت بواو (ذ)ا اختلف

٣٢٤

يعني (وما تشاؤون إلا) قرأه بالغيب كما آخر البيت السابق ابن عامر بخلاف عنه وابن كثير وأبو عمرو ، والباقون بالخطاب قوله : (وقتت) يريد قوله تعالى : في المرسلات (وقّتت) قرأه كما لفظ به بالواو ابن جماز بخلاف عنه ، وأبو عمرو وعيسى كما سيأتي على الأصل لأنه من الوقتية ، والباقون بالهمز بدلا من الواو لانضمامها كما قالوا في وجوه أجوه وجاء القوم أحدانا وعليها رسم المصاحف ، وسيذكر تخفيف القاف في البيت الآتي.

(حـ)ـصن (خـ)ـفا والخفّ (ذ)وخلف (خـ)ـلا

وانطلقوا الثّان افتح اللاّم (غـ)ـلا

أي قرأ بتخفيف القاف من « وقّتت » ابن جماز بخلاف عنه وعيسى ؛ فيكون فيها ثلاث قراءات : الواو مع التشديد لأبي عمرو ، والواو مع التخفيف لعيسى وابن جماز في أحد وجهيه ، والهمزة مع التشديد للباقين ، ولابن جماز في الوجه الآخر ، فلا يجوز لابن جماز سوى وجهين ويمنع التركيب قوله : (انطلقوا) يعني وقرأ (انطلقوا إلى ظل) بفتح اللام رويس ، والباقون بكسرها ؛ وبقوله الثاني احترز به عن الأول فإنه لا خلاف في كسر لامه ، والله أعلم.

ثقّل قدرنا (ر)م (مدا)ووحّدا

جمالة (صحب)اضمم الكسر (غـ)ـدا

يريد قوله تعالى : (فقدّرنا فنعم القادرون) قرأه بتشديد الدال الكسائي ونافع وأبو جعفر ، والباقون بتخفيفها قوله : (ووحدا) أي وقرأ (كأنه جمالة صفر) بالتوحيد حمزة والكسائي وخلف وحفص على أنه جمع جمل ، والباقون « جمالات » بالجمع : أي جمع جمالة فيكون جمع الجمع وضم الجيم منهم رويس ، وكسرها غيره فيكون فيها ثلاث قراءات وهي واضحة.

ومن سورة النبأ إلى سورة التطفيف

في لابثين القصر (شـ)ـد (فـ)ـز خفّ لا

كذاب (ر)م ربّ اخفض الرّفع (كـ)ـلا

يعني قوله تعالى : (لابثين فيها أحقابا) قرأه بغير ألف روح وحمزة (١) : أي

__________________

(١) « لبثين ».

٣٢٥

اللبث من شأنهم ، والباقون بالألف ، واللابث : من وجد منه اللبث قوله : (وكذاب) يعني قوله تعالى : (ولا كذابا) قرأه بتخفيف الذال الكسائي على أنه مصدر كذب مثل كتابا ، والباقون بالتشديد على أنه مصدر كذب مثل كلم كلاما : أي أن أهل الجنة لا يسمعون فيها كذابا ولا تكذيبا ، وقيده بلا احترازا من قوله تعالى : (وكذبوا بآياتنا كذابا) فإنه لا خلاف في تشديده لوجود فعله معه قوله : (رب) يعني قوله تعالى : (ربّ السموات والأرض) بخفض الباء ، قرأه ابن عامر ويعقوب والكوفيون كما سيأتي في البيت الآتي ، والباقون بالرفع.

(ظـ)ـبا (كفا)الرّحمن (نـ)ـل (ظـ)ـلّ (كـ)ـرا

ناخرة امدد (صحبة غـ)ـث و(تـ)ـرا

يعني قوله تعالى : (الرحمن لا يملكون منه خطابا) قرأه بالخفض كما تقدم في « رب » في البيت السابق عاصم ويعقوب وابن عامر ، والباقون بالرفع فيكون فيهما ثلاث قراءات : خفضهما لعاصم ويعقوب وابن عامر ، ورفعهما لنافع وأبي جعفر وابن كثير وأبي عمرو ، وخفض « ربّ » ورفع الرحمن لحمزة وخلف قوله : (ناخرة) يعني قوله تعالى : قوله : (عظاما نخرة) قرأه بالألف مد كما لفظ به حمزة والكسائي وخلف وشعبة ورويس ، (١) والباقون نخرة بغير ألف إلا أن الدوري عن الكسائي خير فيها بين حذفه الألف وإثباتها ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.

خيّر تزكّى ثقّلوا (حرم)(ظـ)ـبا

(لـ)ـه تصدّى ال (حرم)منذر (ثـ)ـبا

أي خير له يعني للدوري عن الكسائي بين الوجهين حذف الألف وإثباتها قوله : (تزكى) أي قرأ قوله تعالى : (إلى أن تزّكى) في النازعات بتشديد الزاي نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب ، والباقون بالتخفيف قوله : (له تصدى) يعني قوله تعالى : (فأنت له تصدى) في عبس قرأه بتشديد الصاد نافع وأبو جعفر وابن كثير ، والباقون بالتخفيف وقدم (تزكى) عن (منذر) مع أنه في عبس لأجل تزكى لأن ترجمتها واحدة قوله : (منذر) يريد (منذر من يخشاها) قرأه أبو جعفر بالتنوين كما يأتي في البيت الآتي ، والباقون بغير تنوين ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

__________________

(١) « ناخرة ».

٣٢٦

نوّن فتنفع انصب الرّفع (نوى)

إنّا صببنا افتح (كفا)وصلا (غـ)ـوى

يعني قوله تعالى : (فتنفعه الذكرى) قرأه بالنصب عاصم على أنه جواب الترجى وهو (لعله يزّكى) والباقون بالرفع عطفا على (يذكّر) قوله : (أنا) يعني أنه قرأ قوله تعالى (أنا صببنا) بفتح الهمزة الكوفيون ، ووافقهم رويس في الوصل ، وإذا ابتدأ كسر الهمزة كالباقين في الحالين ، والله تعالى أعلم.

وخفّ سجّرت (شـ)ـذا (حبر غـ)ـفا

خلفا وثقل نشّرت (حبر شفا)

أي قرأ بتخفيف الجيم من (سجرّت) في التكوير روح وابن كثير وأبو عمرو ورويس بخلاف عنه ، والباقون بتشديدها وشدد الشين من (نشّرت) ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف ، والباقون بتخفيفها ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وسعّرت (مـ)ـن (عـ)ـن (مدا صـ)ـف خلف (غـ)ـد

وقتّلت (ثـ)ـب بضنين الظّا (ر)غد

أي وشدد أيضا العين من (سعرت) ابن ذكوان وحفص ونافع وأبو جعفر وشعبة بخلاف عنه ورويس ، والباقون بالتخفيف ، وكذلك شدد التاء من (قتّلت) أبو جعفر ، والباقون بالتخفيف قوله : (بضنين) بلفظ الضاد ؛ وقيد قراءة الظاء لأن الظاء ليس ضد الضاد ، يريد قوله تعالى : (وما هو على الغيب بظنين) قرأه بالظاء الكسائي وأبو عمرو وابن كثير ورويس كما ذكره في البيت الآتي : ومعنا في هذه القراءة : بمتهم من الظنة ، وهي التهمة : أي ما هو بمتهم على ما عنده من علم الغيب الذي يأتيه من الله تعالى ، والباقون بالضاد كما لفظ به ، ومعناه بخيل : أي وما يبخل بشيء من ذلك بل يبلغه كما أمر ، والله تعالى أعلم.

(حبر غـ)ـنا وخفّ كوف عدّلا

يكذّبوا (ثـ)ـبت و(حقّ)يوم لا

يعني قوله تعالى : في الانفطار (فسواك فعدلك) قرأه بتخفيف الدال الكوفيون ، والباقون بتشديدها قوله : (يكذبوا) يريد قوله تعالى : (يكذّبون بالدين) قرأه بالغيب أبو جعفر ، والباقون بالخطاب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (يوم لا تملك) بالرفع ، والباقون بالنصب ، وقيد بلا ، احترازا من (يوم الدين) فإنه لا خلاف في رفعهما ومن الأول إذ لا خلاف في نصبه ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

٣٢٧

ومن سورة التطفيف إلى سورة الشمس

تعرف جهّل نضرة الرّفع (ثـ)ـوى

ختامه خاتمه (تـ)ـوق (سـ)ـوى

أي قرأ (تعرف في وجوهكم نضرة النعيم) على البناء للمجهول يعني بضم التاء وفتح الراء ، ونضرة بالرفع أبو جعفر ويعقوب ، والباقون تعرف على البناء للفاعل ونضرة بالنصب على أنه مفعول به قوله : (ختامه خاتمه) يريد قوله تعالى : (خاتمه مسك) أي قرأ (خاتمه) موضع (ختامه) كما لفظ بهما الكسائي ، وفرق بين راوييه ليسلم من الحشو ، والباقون (خاتمه) كما لفظ به أولا ، والله أعلم.

يصلى اضمم اشدد (كـ)ـم (ر)نا (أ)هل (دمـ)ـا

با تركبنّ اضمم (حما عمّ نـ)ـما

يعني قوله تعالى : (ويصلّى سعيرا) في الانشقاق ، قرأه بضم الياء وتشديد اللام ابن عامر والكسائي ونافع وابن كثير ، والباقون بتخفيف اللام وفتح الياء كما لفظ به قوله : (با) يعني الباء من قوله تعالى : (لتركبن طبقا) قرأ بضمها أبو عمرو ويعقوب ونافع وأبو جعفر وابن عامر وعاصم ، والباقون بفتحها ، والله أعلم.

محفوظ ارفع خفضه (ا)علم و(شفا)

عكس المجيد قدّر الخفّ (ر)فا

يعني قوله تعالى : (في لوح محفوظ) آخر البروج ، قرأه بالرفع نافع على أنه نعت للقرآن ، والباقون بالخفض على أنه نعت للوح قوله : (شفا) أي وقرأ حمزة والكسائي وخلف (المجيد) من قوله تعالى : (ذو العرش المجيد) عكس ذلك : أي بخفض الرفع فيه على أنه صفة للعرش ، والباقون بالرفع على أنه خبر آخر قوله : (قدر) يعني قوله : (والذي قدر فهدى) في الأعلى ، بتخفيف الدال قرأه الكسائي ، والباقون بتشديدها.

ويؤثر و(حـ)ـز ضمّ تصلى (صـ)ـف (حما)

يسمع (غـ)ـث (حبرا)وضمّ (ا)علما

أي وقرأ (بل يؤثرون) بالغيب على لفظه حملا على قوله تعالى : (ويتجنبها الأشقى الخ) أراده من كان هذا الوصف أبو عمرو ، والباقون بالخطاب حملا على خطاب الخلق المجبولين على حب الدنيا قوله : (ضم تصلى) يريد (تصلى نارا حامية) قرأ بضم التاء شعبة والبصريان قوله : (يسمع) يريد (لا يسمع فيها

٣٢٨

لاغية) بالياء بالتذكير على لفظه رويس وابن كثير وأبو عمرو ، والباقون بالتاء على التأنيث وضم حرف المضارعة منه (١) ، ورفع « لاغية » نافع ورويس وابن كثير وأبو عمرو ؛ ففيها ثلاث قراءات ، والله أعلم.

(حبر غـ)ـلا لاغية لهم وشد

إيابهم (ثـ)ـبتا وكسر الوتر (ر)د

أي « لاغية » بالرفع على لفظه للمذكورين قبل وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو ورويس ، وشدد الياء من (إيّابهم) آخر السورة أبو جعفر ، والباقون بتخفيفها ، وقرأ بكسر الواو من قوله تعالى : (والوتر) الكسائي وحمزة وخلف كما في البيت الآتي ، والباقون بفتحها ؛ الكسر لغة تميم ، والفتح لغة الحجاز.

(فتى)فقدّر الثّقيل (ثـ)ـب (كـ)ـلا

وبعد بل لا أربع غيب (حـ)ـلا

يعني قوله تعالى : (فقدّر عليه رزقه) قرأه بالتشديد أبو جعفر وابن عامر ، والباقون بالتخفيف وهما لغتان بمعنى ضيق ، وقرأ « بل لا » الأربع الكلمات وهي (بل لا يكرمون اليتيم ، ولا يحضون على طعام المسكين ، ويأكلون التراث ، ويحبون) بالغيب أبو عمرو وروح بخلاف عنه ورويس مع الألف بعدها والمد لالتقاء الساكنين عاصم وحمزة والكسائي وخلف وأبو جعفر ، والباقون بضم الحاء من غير ألف ولا مد ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(شـ)ـد خلف (غـ)ـوث وتحضّوا ضمّ حا

فافتح ومدّ (نـ)ـل (شفا ثـ)ـق وافتحا

فافتح : أي افتح ضم حائها ، ومد : يريد الألف على القاعدة وزيادة المد عليها يعرف من باب المد قوله : (يوثق) أي وفتح الثاء من « يوثق » والذال من « يعذّب » كما سيأتي ، والله أعلم.

يوثق يعذّب (ر)ض (ظـ)ـبى ولبّدا

ثقّل (ثـ)ـرا أطعم فاكسر وامددا

أي قرأ (يوثق وثاقه ، ويعذّب عذابه) بفتح الثاء والذال على ما لم يسم فاعله الكسائي ويعقوب ، والباقون بكسرهما على البناء للفاعل ، وقرأ (ما لا لبّدا) في سورة البلد بتشديد الباء أبو جعفر ، والباقون بالتخفيف قوله : (أطعم) يريد قوله : (فك رقبة أو أطعم في يوم) قرأ (فك) بالرفع (رقبة) بالخفض (وإطعام) بكسر

__________________

(١) « تسمع ».

٣٢٩

الهمزة وألف بعدها مع التنوين حمزة وخلف ونافع وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب وعاصم ، والباقون (فكّ) بفتح الكاف (رقبة) بالنصب (أطعم) بفتح الهمزة وإسكان الطاء وفتح الميم كما لفظ به ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وارفع ونوّن فكّ فارفع رقبه

فاخفض (فتى عمّ ظـ)ـهيرا (نـ)ـدبه

قوله : (ارفع ونوّن) أي ارفع الميم من (إطعام) ونوّنها قوله : (« فك » فارفع) أي الكاف واخفض : أي رقبة ، والله أعلم.

ومن سورة الشمس إلى آخر القرآن

ولا يخاف (الفاء عمّ)واقصر

أن رآه (ز)كا بخلف واكسر

أي قوله تعالى : (فلا يخاف عقباها) قرأه بالفاء نافع وأبو جعفر وابن عامر وكذا هو في المصحف المدني والشامي ، والباقون بالواو (١) ، وهو كذا في مصاحفهم ، وقرأ (أن رآه استغنى) في العلق بقصر الهمزة قنبل بخلاف عنه وهو لغة ثبتت القراءة به (٢) ، والباقون بمدها وهي اللغة الفصحى.

مطلع لامه (روى)اضمم أوّلا

تا ترونّ (كـ)ـم (ر)سا وثقّلا

يعني قوله تعالى : (حتى مطلع الفجر) في القدر ، قرأ بكسر اللام الكسائي وخلف ، والباقون بفتحها وهما لغتان قوله : (اضمم أولا إلى آخره) يريد أنه قرأ بضم التاء من (لترون الجحيم) في سورة التكاثر على البناء للمجهول ابن عامر والكسائي قوله : (وثقلا) أي وثقل « جمّع » على ما يأتي في البيت الآتي ، يعني قوله تعالى : (الذي جمّع مالا وعدده) قرأ بتشديد الميم ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وأبو جعفر وروح ، والباقون بالتخفيف ، والله سبحانه أعلم.

جمّع (كـ)ـم (ثـ)ـنا (شفا شـ)ـم وعمد

(صحبة)ضمّيه لئلاف (ثـ)ـمد

يعني قوله تعالى : (في عمد) قرأه بضم العين والميم حمزة والكسائي وخلف وشعبة ، والباقون بفتحهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

بحذف همز واحذف الياء (كـ)ـمن

إلاف (ثـ)ـق وها أبي لهب سكن

__________________

(١) « ولا يخاف ».

(٢) « أن رأه ».

٣٣٠

أي قرأ أبو جعفر (لئلاف قريش) كما تقدم في البيت السابق بحذف الهمزة ، والباقون بإثباتها ، وحذف الياء منهم ابن عامر ؛ فيكون فيها ثلاث قراءات : وهي (لإيلاف) بياء ساكنة بعد اللام لأبي جعفر ، « ولئلاف » بحذف الياء ابن عامر ، و (لإيلاف) بإثبات الهمزة والياء للباقين وأما (إيلافهم) فقد قرأ أبو جعفر بحذف الياء والباقون بإثباتها ، وقرأ (يدا أبي لهب) بإسكان الهاء ابن كثير كما سيأتي في أول البيت الآتي ، والباقون بفتحها.

(د)ينا وحمّالة نصب الرّفع (نـ)ـم

والنّافثات عن رويس الخلف تم

أي وقرأ (حمالة الحطب) بالنصب عاصم على الذم والشتم أو الحال ، والباقون بالرفع على الصفة لامرأته أو البدل منها أو خبر مبتدإ محذوف : أي هي ، وقرأ (النّافثات) بألف بعد النون وكسر الفاء مخففة من غير ألف بعدها كما لفظ به رويس بخلاف عنه ، وهي قراءة عاصم الجحدري وعبد الله بن قاسم الهذلي وأبي السمال ورواية ابن أبي شريح عن الكسائي وجاءت عن الحسن البصري ، والباقون (النّفّاثات) كما هو هو المشهور ؛ ففيها قراءات ذكرت في النشر ، وكلها مأخوذة من النفث : وهو شبه النفخ في الرقي من غير ريق ، وإن كان معه ريق فهو ثفل ، ومعناه السواحر. قوله : (ثم) ما أحسن ما اتفق للناظم أناله الله تعالى الجنة ولطف بنا وبه في قوله : الخلف تم ، فإنه يؤذن بنية مخلصة بإتمام الخلف فيه لرويس وتم حرف الخلاف ، والله تعالى أعلم.

باب التكبير

التكبير عند القراء : عبارة عن قول : الله أكبر قرب ختم القارئ على ما يفصل ، وهذا الباب لم يذكره أحد ، وذكره بعضهم مع باب البسملة ، وبعضهم في موضعه عند سورة الضحى ، وجعله جمهورهم على حدته في آخر كتب الخلاف وهو الأنسب ، ولذا ذكره الناظم جزاه الله تعالى خيرا ولتعلقه بالختم والدعاء ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وسنّة التّكبير عند الختم

صحّت عن المكّين أهل العلم

السنة لغة : السيرة والطريقة ، واصطلاحا : في مقابل البدعة ، وتطلق في مقابل الغرض أيضا ؛ فالتي تقابل البدعة : هي ما كان في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخلفائه

٣٣١

الراشدين رضي‌الله‌عنهم مما حض عليه قوله : (صحت) أي ثبتت هذه السنة عند المكيين : أي أئمة أهل مكة من الفقهاء والقراء والمحدثين كما بينه في النشر قوله : (المكين) جمع مكي ذكره في مواضع كثيرة ، والمراد بياء النسبة كما نبهنا عليه قبل ، ويجوز حذفها عند العلم بها كما قرئ شاذا « في الأمّين رسولا » بحذف ياء النسب ، فمن ذلك قول عقبة الأسدي :

* وأنت امرؤ في الأشعرين مقاتل*

أي في الأشعريين فحذف ياء النسب قوله : (أهل العلم) هم عند الإطلاق علماء الفقه والتفسير والحديث ، وألحق بهم بعض أئمة أصحابنا علماء القراءة أيضا ، والله أعلم.

في كلّ حال ولدى الصّلاة

سلسل عن أئمّة ثقات

أي من أحوال القراءة دراسة ورواية وغير ذلك ، يعني وفي الصلاة ، كما لو ختم القرآن مصليا يسن له ذلك عندهم ، وسواء كانت الصلاة نفلا أو فرضا كما نقله عنهم في النشر قوله : (سلسل) أي ورد مسلسلا على مصطلح الأئمة المحدثين ، وهو أن يعاد لفظ كل راو في إسناد الحديث كما أسنده في النشر عن البزي قال : « قرأت على عكرمة بن سليمان ، فلما بلغت والضحى قال لي كبر فإني قرأت على إسماعيل بن عبد الله القسط ، فلما بلغت والضحى قال لي كبر على ابن كثير ، فلما بلغت والضحى قال لي كبر فإني قرأت على مجاهد فأمرني لذلك ، وأخبرني مجاهدا أنه قرأ على ابن عباس رضي‌الله‌عنه فأمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب رضي‌الله‌عنه فأمره بذلك ، وأخبره أنه قرأ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمره بذلك (١) ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

من أوّل انشراح أو من الضّحى

من آخر أو أوّل قد صحّحا

أي اختلفت الرواية عن المكيين هل هو من أول سورة ألم نشرح أو من سورة الضحى؟ والقائلون بأنه من الضحى اختلفوا أيضا ؛ فمنهم من رواه من آخرها ، ومنهم من رواه من أولها ، وكل صحيح مأخوذ به ، وذلك مبني على أن التكبير لأول السورة أو لآخرها كما بينه النشر ، وعزا كل قول لقائله :

__________________

(١) كتاب النثر في القراءات العشر للمؤلف رحمه الله تعالى. المجلد الثاني.

٣٣٢

للنّاس هكذا وقبل إن ترد

هلّل وبعض بعد لله حمد

أي إلى سورة الناس ، واللام تأتي بمعنى إلى قوله : (هكذا) أي من أولها أو من آخرها أيضا على ما تقدم قوله : (وقبل) أي وقبل التكبير يجوز التهليل وهو : لا إله إلا الله ، فيقول : لا إله إلا الله والله أكبر قوله : (هلل) يقال هلل : وإذا قال لا إله إلا الله وهيلل أيضا ، فتبدل الياء من إحدى اللامين في التضعيف لئلا تتكرر اللامات قوله : (وبعض) يعني وبعض رواة التكبير زاد بعد التهليل والتكبير : ولله الحمد.

والكلّ للبزّي رووا وقنبلا

من دون حمد ولسوس نقلا

أي وكل هذه الأوجه من التكبير وحده أو التكبير وحده أو التكبير مع التهليل ، أو هما مع ولله الحمد تجوز للبزي قوله : (رووا) أي وروى أئمة القراءة كلا من وجهي التكبير وحده أو التكبير مع التهليل دون رواية ولله الحمد ، فتكون هذه الرواية مخصوصة بالبزي ، ومعنى قوله رووا : حملوا رواية ذلك ، وإن حملوه روايته فقد نقلوه عنه قوله : (من دون حمد) أي من غير قول ولله الحمد قوله : (نقلا) الألف فيه للإطلاق : أي نقل التكبير له كما سيأتي في أول البيت الآتي :

تكبيرة من انشراح وروي

عن كلّهم أوّل كلّ يستوي

أي نقل بعض أئمة القراءة التكبير للسوسي من سورة ألم نشرح ولكنه مع وجه البسملة له لأن راوي التكبير عنه وهو ابن حبش لم يرو عن السوسي سوى البسملة قوله : (وروى) أي وروى التكبير أيضا عن كل من القراء في أول كل سورة وهو أيضا مع وجه البسملة حتى لحمزة لو قرئ له به ينوي الوقف فيصير مبتدئا ، وإذا ابتدئ وجبت البسملة كما تقدم في باب البسملة قوله : (يستوى) أي التكبير على التسوية عنهم وفي كل سورة أو استقر عنهم كذلك ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وامنع على الرّحيم وقفا إن تصل

كلاّ وغير ذا أجز ما يحتمل

يشير إلى ما يجوز بين السورتين مع التكبير من الأوجه كما أشار في باب البسملة إلى ما يجوز بين السورتين وما يمتنع ، وذلك أن هناك يزيد التكبير على البسملة ، وعند اجتماعهما احتمل ثمانية أوجه من وصل الكل وقطع الكل والوقف

٣٣٣

على بعض دون بعض يمتنع منها وجه واحد وهو الوقف على الرحيم من البسملة إذا وصل الكل : أي وصل التكبير بآخر السورة إن وصلت البسملة به ، لأن البسملة للسورة الآتية لا الماضية كما ذكره في بابها وتبقى الأوجه السبعة الباقية جائزة منصوص على كل منها كما ذكره في النشر وعزاه خلافا لمن منع بعضها. وها نحن نعد الأوجه السبعة وجها وجها زيادة في البيان : الأول وصل التكبير بآخر السورة ، والوقف عليه ، ووصل البسملة بأول السورة ؛ فتقول : « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح لك » الثاني وصل التكبير بآخر السورة أيضا والوقف عليه وعلى البسملة ، فتقول : « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح ». الثالث قطع التكبير عن آخر السورة ووصله بالبسملة ووصل البسملة بأول السورة ، فتقول : «فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح ». الرابع قطع التكبير عن آخر السورة ووصله بالبسملة والوقف على البسملة ثم الابتداء بأول السورة ، فتقول : « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح ». الخامس وصل الجميع ، فتقول : « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح ». السادس قطع التكبير عن آخر السورة وعن البسملة ووصل البسملة بأول السورة ، فنقول ، « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح ». السابع القطع على الكل ، فتقول : « فحدث الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم ألم نشرح » فالوجهان الأولان منها على تقدير أن يكون التكبير لآخر السورة ، والوجهان بعدهما بتقدير أن يكون لأول السورة ، والثلاثة الأخر تحتمل كلا التقديرين ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثمّ اقرإ الحمد وخمس البقرة

إن شئت حلاّ وارتحالا ذكره

أراد إذا قرأت سورة الناس اقرأ سورة الحمد : أي الفاتحة قوله : (وخمس البقرة) أي على عدد الكوفيين المشهور في الآفاق وهو إلى « أولئك هم المفلحون » قوله : (إن شئت) يعني أن ذلك ليس بلازم بل هو إلى اختيار القارئ ، إذ سنة مستحبة قوله : (حلا وارتحالا) يشير إلى الحديث المرفوع « أفضل الأعمال إلى الله تعالى الحال المرتحل الذي إذا ختم القرآن عاد فيه » (١) ، قوله : (وخمس) يشير إلى ما ورد نصا عن ابن كثير « أنه كان إذا انتهى في آخر الختمة إلى سورة الناس قرأ

__________________

(١) رواه الرامهرمزي في الأمثال كنز العمال ١ / ٢٢٦ /.

٣٣٤

سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من أول سورة البقرة » على عدد الكوفيين ، وهو إلى « أولئك المفلحون » لأن هذا اسم الحال المرتحل ، ثم يدعو بدعاء الختم ، وله فعله دلائل من آثار مروية وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخباره مشهورة مستفيضة جاءت عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم : عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم « أنه كان إذا قرأ قل أعوذ برب الناس افتتح من الحمد ثم قرأ من البقرة إلى ـ وأولئك هم المفلحون ـ ودعا بدعاء الختم ثم قام » (١).

وادع وأنت موقن الإجابة

دعوة من يختم مستجابه

أمر بالدعاء عقب الختم وهو مما أثره الخلف عن السلف ، واستحبوه استحبابا مؤكدا تأكيدا شديدا ، وقد ورد « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ختم القرآن جمع أهله » (٢) وصح ذلك عن أنس رضي‌الله‌عنه ، وثبت عن جماعة من أئمة التابعين أنهم كانوا يتحرون أوقات الختم فيحضرونها ويقولون الدعاء عند الختم مستجاب ، وجاء في ذلك حديث كما ذكره الناظم ؛ ولا شك أن ساعة ختم القرآن ساعة مشهودة عظيمة ، فينبغي أن يدعي فيها بالأمور المهمة والكلمات الجامعة لخيرى الدنيا والآخرة وإصلاح المسلمين وتوفيقهم للطاعات وإصلاح ولاة الأمور وتوفيقهم للغزو ونصرة الدين قوله : (وأنت موقن) إشارة إلى الحديث الذي رواه الترمذي والحاكم في صحيحه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم « ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة (٣) واعلم أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلبه غافل لاه. قوله : (مستجابة) يشير إلى الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن جابر بن عبد الله رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « من قرأ القرآن ، أو قال : من جمع القرآن كانت له عند الله دعوة مستجابة ، إن شاء عجلها له في الدنيا ، وإن شاء ادخرها له في الآخرة » وروى البيهقي في شعبة من حديث أنس رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال « مع كل ختمة دعوة مستجابة » والله سبحانه وتعالى أعلم.

وليعتنى بأدب الدّعاء

ولترفع الأيدي إلى السّماء

__________________

(١) رواه أبو منصور الأرجاني في كتابه « فضائل القرآن ».

(٢) رواه البيهقي موقوفا لأنس ابن مالك لا مرفوعا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) رواه الترمذي والحاكم وقال : مستقيم الإسناد.

٣٣٥

يعني إذا دعا فليعتن بأدب الدعاء فإن له أدبا كثيرة ذكرها الناظم في كتابه الحصن الحصين وأشار في النشر إلى المهمة منها : كالإخلاص ، وتجنب الحرام أكلا وشربا ولبسا ، والوضوء ، واستقبال القبلة ، والجثو على الركب ؛ وقد ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم « أنه كان إذا ختم القرآن دعا قائما (١) واستحب أن يدعوا للختم وهو ساجد (٢) » وكل حسن ؛ وينبغي أن يبالغ في الخضوع والخشوع والإلحاح والتكرار والثناء على الله والأدعية المأثورة ، وقد ورد في دعاء الختم أدب مخصوص أيضا ذكره المؤلف في النشر قوله : (ولترفع) أي ينبغي أن يرفع الداعون أيديهم إلى السماء ؛ لما ورد في ذلك من أحاديث ، صحيحة منها ما رواه سلمان رضي‌الله‌عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم « إن ربكم حي كريم يستحي عن عبده إذا رفع يديه إلى السماء أن يردهما صفراء » رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحهما.

وليمسح الوجه بها والحمد

مع الصّلاة قبله وبعد

أي ومن الآداب المستحبة مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ، لما ثبت من الأحاديث في ذلك : منها حديث عمر رضي‌الله‌عنه « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه » رواه الترمذي والحاكم في صحيحه قوله : (والحمد) أي ومن آداب الدعاء الحمد لله تبارك وتعالى قوله : (مع الصلاة) أي مع الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليه وسلم قبل الدعاء وبعده ، لما روينا من حديث أبي هريرة رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم « من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير من مكانه » ولما رواه الترمذي عن عمر رضي‌الله‌عنه « الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم » وعن علي رضي الله تعالى عنه « كل دعاء محجوب حتى يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله وسلم » رواه الطبراني بإسناد جيد. وقال تعالى « وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ».

ومما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الدعاء عند الختم « أنه كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ختم القرآن

__________________

(١) رواه أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه « الوفا » وهو حديث ضعيف السند لأن فيه « الحارث بن شريح ».

(٢) روي البيهقي في السجود ويسند الفعل لابن المبارك وقد استحسنه العلماء لما فيه من التقرب من الله تعالى والله ورسوله أعلم.

٣٣٦

حمد الله بمحامد وهو قائم ثم يقول : الحمد لله رب العالمين ، ثم يذكر ما ورد في القرآن من الحمد ثم يقول بعد الآيتين من أول سورة فاطر : قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى الله خير أما يشركون : بل الله خير وأبقى وأحكم وأكرم وأجل وأعظم مما يشركون ، والحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ، صدق الله ورسوله وأنا على ذلك من الشاهدين ، اللهم صل على جميع الملائكة والمرسلين ، وارحم عبادك المؤمنين من أهل السموات وأهل الأرض ، واختم لنا منك بخير ، وافتح لنا الخير ، وبارك لنا في القرآن العظيم ، وانفعنا بالآيات والذكر الحكيم ؛ ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، بسم الله الرحمن الرحيم » رواه البيهقي من حديث زين العابدين مرسلا ، وروى أبو منصور الأرجاني في فضائل القرآن عن داود بن قيس قال « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : اللهم ارحمني بالقرآن العظيم ، واجعله لي إماما ونصيرا ونورا وهدى ورحمه ، اللهم ذكرني منه ما نسّيت ، وعلمني منه ما جهلت ، وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، واجعله لي حجة يا رب العالمين ».

وهاهنا تمّ نظام الطّيّبه

ألفيّة سعيدة مهذّبه

هنا اسم إشارة يستعمل للقريب وهو مبتدأ وخبره تم نظام الطيبة قوله : (نظام) النظام والنظم والجمع ، ونظم اللؤلؤ : جمعه في سلك ، ونظم الشعر : جمعه موزونا مقفى ، والنظام : السلك الذي ينتظم فيه اللؤلؤ ، فكأن كل منها لؤلؤة انتظمت في هذا السلك ، والطيبة : اسم لهذه الأرجوزة كما تقدم في الخطبة قوله : (ألفية سعيدة مهذبة) يشير إلى عدة أبياتها كما جرت عادة من نظم في العلوم ؛ يعني أنها ألف بيت وإن كانت تزيد شيئا يسير إلى نحو العشرة أبيات ، فإن مثل هذا لا مشاحة فيه مع أنه لم يعدّ باب إفراد القراءات وجمعها الذي لا تعلق له بخلاف القراءات ، يتم الألف في هذه الموضع ، وإذا لم يسقط يتم عدة الألف عند قوله : بعد لله حمد من هذا الباب ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ، وإليه المآب.

بالرّوم من شعبان وسط سنة

تسع وتسعين وسبعمائة

الباء تتعلق بتم ؛ أي نظامها بالروم : أي ببلاد الروم ، وابتداؤها أيضا ،

٣٣٧

والشروع فيها كان أيضا هناك في مدينة بروصة تحت ملك سلطانها با يزيد ابن الملك مراد ابن الملك أورخان رحمه الله تعالى عند ما توجه إليها لأمر ما ثبتت القراءة ، إذ كان هو القائم بغرض الجهاد في هذه الأقطار ، فوصلها في أواخر شهر رجب سنة ثمان وتسعين ، وحضر معه حصار مدينتي الغلطة وقسطنطينية الكبرى في شوال ، ثم حضر معه قتال عساكر الكفر الذين اجتمعوا معه مع ملك الأنكروش برومية الكبرى قاطع البحر الرومي بنحو شهر ، والله أعلم.

وقد أجزتها لكلّ مقري

كذا أجزت كلّ من في عصري

أي أجاز الناظم تقبل الله تعالى منه ورزقه العود إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكل من المقرئين في جميع الأمصار والأعصار أن يروى عنه هذه الأرجوزة ويقريها ويقري بها على رأي من أجاز ذلك ، وكذلك أجاز أحسن الله تعالى عاقبته ونفعنا بحياته وعلومه وجمع شملنا وشمله روايتها كل من في عصره إجازة عامة كما لفظ بها مع علمه باختلاف العلماء في جواز الرواية بالإجازة العامة ، وأن المختار عندهم وعنده جوازها كما بينه في كتاب البداية مع معالم الرواية ، وقد اتفق للناظم أسبغ الله تعالى إنعامه عليه في هذا البيت شيء لطيف ، وهو أنّ أجاز يتعدى بنفسه وبحرف الجر فاستعمله أولا باللام وثانيا بغيرها.

رواية بشرطها ليعتبر

وقاله محمّد بن الجزري

نكر رواية وإن كانت في سياق الإثبات للقرينة الدالة على ذلك ، يعني أنه تلفظ بذلك ، أي قاله بلفظه لا بمجرد الخط ليكون ذلك بلا خلاف ، والله تعالى أعلم.

يرحمه بفضله الرّحمن

فظنّه من جوده الغفران

أعاد الدعاء لنفسه بالرحمة أيضا وختم الكتاب بذلك كما بدأ به أولا رجاء أن يصادف ساعة إجابة ممن يقرؤها أو يدرسها أو تخرج من قلب صادق مخلص فيفوز بذلك من رحمة الله ويحصل مراده من عفو الله وغفرانه ، فلا بغية له سوى ذلك ، فطالما سهر الليالي ، وجهد نفسه وبذل وسعه في هذا الكتاب وفي أصله ، ليقرب على الطالب كل بعيد ويسهل كل عسير ويقوم بما وجب عليه من حق الله

٣٣٨

تعالى الذي أخذ عليه الميثاق ببيانه وأوعده على كتمانه قوله : (فظنه) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) « قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا.

اللهم ظني فيك ورجائي لديك قريب مجيب غفور رحيم.

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، والحمد لله رب العالمين.

* * *

وقد وقع الفراغ من نقله لكاتبه بقلمه الفقير إلى رحمة ربه الخبير البصير « على محمد حسن إبراهيم الضباع » في يوم الاثنين ٤ جمادي الأولى من سنة ١٣٣٥ هجرية.

__________________

(١) نسخة : « فيما يرويه عن ربه عزوجل ».

٣٣٩
٣٤٠