مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

وبأئمة الهدى عليهم‌السلام والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم هكذا يعرف الله عز وجل.

٢ ـ الحسين ، عن معلى ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبيه ، عن ابن أذينة قال حدثنا غير واحد ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه ويرد إليه ويسلم له ثم قال كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول؟.

______________________________________________________

الإمام كما كان يجب عليه الإقرار به تعالى موحدا ، ورسوله مصدقا له في جميع ما جاء به.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

قوله عليه‌السلام : لا يكون العبد مؤمنا ، أي مصدقا بالمعارف التي تجب عليه فلا يفلح إلا بها ، ما لم يحصل له معرفة الله والتصديق بوجوده ووحدته وصفاته اللائقة به ، ومعرفة رسوله بالرسالة ، والتصديق بجميع ما جاء به ، ومعرفة الأئمة عليهم‌السلام كلهم وإمام زمانه بالإمامة ، ووجوب الرد إليه والأخذ عنه وإطاعته ، وذلك لأنه إنما يحصل له المعرفة من جهتهم وبتعريفهم وهدايتهم ، فكل عبد يحتاج في معرفته إلى إمام زمانه ، ومعرفته إنما يتيسر له غالبا بالنقل من الإمام السابق عليه ، فيحتاج في معرفة إمام زمانه إلى معرفة الأئمة كلهم.

وقوله « ويرد إليه ويسلم له » بيان لجهة الاحتياج إلى معرفة إمام زمانه وقوله : « كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول » إشارة إلى أن سبب اعتبار معرفة الأئمة كلهم هو توقف معرفة الزمان على معرفة الأئمة السابقين كلهم ، لأن إمامة كل لا حق إنما تعرف بنص السابق عليه ، أو أن طريق المعرفة واحدة ، فلو علم إمامة إمام زمانه بالمعجزة فقد تواترت المعجزات عن السابقين ، وأما معرفة إمام الزمان ومدخليتها في الإيمان ، فلما تواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، وما قيل : من أن المراد بالأول هو الله تعالى فلا يخفى ما فيه.

٣٠١

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق فقال إن الله عز وجل بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما (١) فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما قال قلت فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما

______________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

قوله عليه‌السلام : فكيف تجب عليه معرفة الإمام ، أي على الانفراد بل يجب عليه أن يؤمن بالله ورسوله أولا ثم بالإمام ، والغرض أن معرفتهما أوجب عليه بل لا سبيل له إلى معرفته إلا بمعرفتهما ، فلا ينافي أن يعاقب بتركها أيضا إذا ترك الجميع ، وقيل : المراد أنه إنما تجب عليه معرفة الإمام إذا كان قابلا لمعرفة الله ورسوله ، غير معذور في تركهما بأن يكون كامل العقل ، فإنه يجب عليه معرفة الإمام وإلا فلا ، لفقدان العقل الذي هو مناط التكليف ، وفيه بعد ، وقيل : هذا استدلال على وجوب معرفة الإمام على المسلمين دون غيرهم بأن من لم يؤمن بالله ورسوله ولم يصدق الله ورسوله ، لم تكن معرفة الإمام مطلوبة منه لأن معرفة الإمام للتعريف وتبيين ما جاء به الرسول لصدقه ورده إليه ، والتسليم والانقياد له ، واجتماع كلمة المسلمين وكونهم جماعة ليظهروا باتفاقهم على غيرهم ، فلم تكن مطلوبة من غيرهم.

ولعل المراد أن معرفة الإمام مطلوبة لا لذاتها بل لحفظ الشريعة والاقتداء به فيها ، فوجوبها بالحقيقة على المؤمن بالله وبرسوله ، فإن المطلوب من غير المؤمن أن يؤمن بالله وبرسوله ثم إذا أسلم فعليه أن يعرف الإمام ويطيعه.

قوله : فما تقول فيمن يؤمن « إلخ » لعله إنما أعاد السؤال طلبا للتأكيد والتنصيص أو ذكره تعجبا واستبعادا ، وقيل : سؤال عن أنه إذا كان المؤمن مصدقا للرسول في

__________________

(١) في الموضعين عطف على المنفي.

٣٠٢

أنزل الله يجب على أولئك حق معرفتكم قال نعم أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا قلت بلى قال أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلا الله عز وجل.

٤ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل

______________________________________________________

جميع ما أنزل الله أي مفصلا ، أي حاجة له في الإمام؟

وقوله عليه‌السلام : أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا؟ إشارة إلى جهة احتياجهم إلى الإمام بعد تصديقهم النبي في جميع ما أنزل الله ، وهو أن هؤلاء العارفين من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أضلهم الشيطان حتى أطاعوا فلانا وفلانا وانقادوا إليهم ، واتخذوهم أئمة فانجر إلى ما انجر إليه من الظلم والطغيان والضلال والعصيان ، فالمصدق للنبي في جميع ما أنزل الله ليس يأمن من الشيطان وإضلاله ، فيحتاج إلى الإمام لرفع الأوهام والشبه الفاسدة التي يلقيها الشيطان في أذهانهم ، وتستحسنها نفوسهم على وفق أهويتها الباطلة وأمانيها الفاسدة.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد أن المخالفين أيضا قائلون بوجوب معرفة الإمام فاعتقدوا لذلك بإمامة هؤلاء ، وإن أخطأوا في تعيين الإمام ، أو المعنى أنهم لما تفطنوا بوجوب الخليفة وتمكنوا من معرفته ، فما المانع لهم من الاهتداء لما هو الحق فيه؟ ليس المانع إلا الشيطان لأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك وأعطاهم آلة المعرفة ، فوجب عليهم تحصيل معرفة الإمام.

الحديث الرابع : مختلف فيه.

« إنما يعرف الله ويعبده » أي معرفة وعبادة صحيحتين « من عرف الله وعرف إمامه » أي من جمع بين المعرفتين فمعرفة الله بدون معرفة الإمام كلا معرفة والعبادة بدون معرفتهما باطلة « ويعرف الإمام » الواو للحال عن المنفي أو النفي ، داخل على

٣٠٣

البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن فضالة بن أيوب ، عن معاوية بن وهب ، عن ذريح قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأئمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إماما ثم كان الحسن عليه‌السلام إماما ثم كان الحسين عليه‌السلام إماما ثم كان علي بن الحسين إماما ثم كان محمد بن علي إماما من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قال قلت ثم أنت جعلت فداك فأعدتها عليه ثلاث مرات فقال لي إني إنما حدثتك لتكون

______________________________________________________

مجموع المعرفتين « فإنما يعرف » ويعبد « غير الله » إذ مع عدم معرفة الله يعرف ويعبد من يكون مطابق معرفته وهو غير الله ، ومع عدم معرفة الإمام يعرف ويعبد إلها لا يكون حكيما ولا رؤوف رحيما بعباده وهو غير الله ، مع أنه لا يمكن معرفة الله إلا بمعرفة الإمام وأخذ معرفة الله عنه.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله : قلت ثم أنت؟ تصديق أو استفهام ، والسكوت على الأول تقرير ، وعلي الثاني إما للتقية أو لأمر آخر.

قوله : إني إنما حدثتك ، يحتمل أن يكون الغرض الامتنان عليه بأنك بعد معرفة ذلك صرت من شيعتنا وهم الشهداء كما قال الله تعالى : « الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ » (١) وقال : « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ » (٢) أو الغرض نهيه عن الإذاعة ، أي إنما أخبرتك لتكون من المؤمنين لا لأن تذيع وترده علي ، أو تحريصه على التبليغ والتبيين عند عدم التقية ، فإنه إذا فعل ذلك كان من شهداء الله على خلقه تنبيها لهم ، أو المعنى إني إنما أخبرتك لتكون شاهدا لي عند الله بأني بلغت ذلك أو

__________________

(١) سورة الحديد : ١٩.

(٢) سورة البقرة : ١٤٣.

٣٠٤

من شهداء الله تبارك وتعالى في أرضه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه عمن ذكره ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنكم لا تكونون صالحين حتى تعرفوا ولا تعرفوا حتى تصدقوا ولا تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة لا يصلح.

______________________________________________________

شاهدا لله ببيانه للخلق على لساننا.

الحديث السادس : ضعيف وسيأتي بأدنى اختلاف في كتاب الإيمان والكفر بهذا السند.

« إنكم لا تكونون صالحين » أي لا صلاح ولا نجاة ولا قبول عند الله إلا بالمعرفة ، إذ لا صلاح إلا بالعبادة لمن يستحق أن يعبد ، ولا عبادة إلا بالمعرفة ، « ولا تعرفوا » بصيغة النهي ومعناه النفي ، والظاهر « ولا تعرفون » كما فيما سيأتي ، أي لا معرفة إلا بالتصديق لله ولرسوله وللحجج عليهم‌السلام ، ولا تصديق إلا بالتسليم والرضا بما من جانب المصدق به أعني الأبواب الأربعة ، وقيل : المراد بالتسليم الانقياد للأئمة عليهم‌السلام والرضا بما يصدر منهم « وأبوابا » منصوب بتقدير : ألزموا ، أو خذوا ، أو اعلموا.

وفي الأبواب الأربعة وجوه : « الأول » ما سمعته من الوالد قدس‌سره وهو أنها إشارة إلى الأربعة المذكورة في الآية الآتية ، أي التوبة ، والإيمان ، والعمل الصالح ، والاهتداء بولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، وأصحاب الثلاثة هم التاركون للرابعة ، مع أنهم أصحاب الثلاثة على وجه آخر أيضا لقولهم بخلافة الخلفاء الثلاثة.

الثاني : أن يكون المراد بها الأربعة الذين كانوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الكساء فحمل الثلاثة علي الخلفاء أنسب.

الثالث : أن يكون المراد بالأربعة الأصول الخمسة ، بجعل العدل داخلا في التوحيد ، فإنه يرجع إلى صفاته تعالى ، وبالثلاثة ما سوى الإمامة.

الرابع : أن أحد الأربعة ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وتصديقه ، وثانيها ما يتعلق بتصديق رسوله ، وثالثها ما يتعلق بموالاة ولي الأمر من أهل البيت عليهم‌السلام ، و

٣٠٥

أولها إلا بآخرها ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيدا إن الله تبارك وتعالى لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود فمن وفى لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده واستكمل ما وعده ـ إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال « وَإِنِّي

______________________________________________________

رابعها ما يتعلق بالبراءة من أعدائهم.

الخامس : أن يكون المراد بها المذكورات في أول الخبر من الصلاح والمعرفة ، وهي معرفة الله ، والتصديق ، أي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتسليم أي الرضا والطاعة والانقياد لولي الله وحججه.

« لا يصلح أولها » المراد إما الأول والآخر الحقيقيين أو الأعم منهما ومن الإضافيين ، أي لا يتم كل سابق إلا بلا حقه ، وتطبيقهما على كل من المعاني ظاهر « ضل أصحاب الثلاثة » أي الذين يرون الاكتفاء بالثلاثة الأول من الأربعة ، والغناء عن الرابع ، « وتاهوا » أي ضلوا « تيها بعيدا » عن الحق أو عن العقل « إن الله لا يقبل إلا العمل الصالح » أي إنما يقبل من الأعمال العمل الصالح فعليكم أن تكونوا صالحين بالإتيان به على الوجوب المطلوب الذي بالخروج عنه يخرج عن الصلاح ، وإنما يقبل الله ما يكون الإتيان به وفاء بالشروط التي شرطها على عباده ، والعهود التي عهد إليهم بها « فمن وفي لله تعالى بشرطه » عليه « واستعمل » فيما سيأتي واستكمل « ما وصف في عهده » إليه « نال ما عنده » من الثواب على الأعمال الصالحة المقبولة المأتي بها على وجه يتحفظ به صلاحها ، ومن أخل بشيء منها لم يصح عمله ولم يقبل منه ما فعله ، ولم ينل ما عند الله من الثواب ، واستحق الخذلان والعقاب ، فلا تكونون صالحين إلا بالوفاء بما شرط عليكم وعهد إليكم من المعرفة والتصديق والتسليم ، أو الأربعة المذكورة في الآية أو غيرهما مما تقدم ، فهذا القول توضيح وتبيين لما سبقه.

وقوله : « إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى » إلخ ، بيان للشرط و

٣٠٦

لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى » (١) وقال « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (٢) فمن اتقى الله فيما أمره لقي الله مؤمنا بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا وأشركوا من حيث لا يعلمون.

______________________________________________________

العهد منه سبحانه حيث قال : « وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ » أي من الكفر « وَآمَنَ » أي بالله وبرسوله وصدق الله ورسوله « وَعَمِلَ صالِحاً » أي عملا صالحا أمر به « ثُمَّ اهْتَدى » أي بعد التوبة والإيمان ، والعمل بما كلف به من الأعمال الصالحة ، سلك طريق الهدي الذي أمر بسلوكه من الأخذ عن الحجة فيما يحتاج إلى أخذه ، واتباع من أمر بمتابعته وجعل إماما على المسلمين بإعلام من الله ورسوله ، وفي الدلالة على تأخر الاهتداء عن التوبة والإيمان والعمل الصالح وانفصاله عنها بقوله ، ثم أشار إلى أن المراد بالاهتداء فيما يجب بعدها ، وإنما الواجب بعدها ما يجب بعد زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المراجعة في المعارف الإلهية والأحكام الشرعية إلى المنصوب لذلك من جانب الله واتباعه في أوامره ونواهيه الشرعية ، وحيث قال : « إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » أي إنما نتقبل الأعمال الصالحة من الطاعات والعبادات من المتقين.

ولا يخفى دلالته على مغايرة التقوى للإتيان بها والتقوى المغايرة للإتيان بها أخذها عن مأخذها والتجنب عن الأخذ عن غيره ، والدخول من غير الباب ، وتشريك الطواغيت له سبحانه في الأعمال والعبادات ، كما قال تعالى في آية أخرى : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » (٣).

« هيهات » تأكيد لقوله : ضل أصحاب الثلاثة ، وهو اسم فعل بمعنى بعد « وأشركوا من حيث لا يعلمون » حيث أشركوا مع الإمام المنصوب من قبل الله الطواغيت والفراعنة ، وقد أشير إلى ذلك في آيات كثيرة نحو قوله تعالى « وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ » (٤) وقوله

__________________

(١) سورة طه : ٨٥.

(٢) سورة المائدة : ٣١.

(٣) سورة التوبة : ١١٩.

(٤) سورة الأعراف : ٣٠.

٣٠٧

إنه من أتى البيوت من أبوابها اهتدى ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردى وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله وطاعة رسوله بطاعته فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عز وجل « خُذُوا زِينَتَكُمْ

______________________________________________________

عز وجل : « اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » (١).

« إنه من أتى البيوت » إشارة إلى تأويل قوله تعالى « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » (٢) وأن المراد بها بيوت العلم والحكمة ، وبالأبواب الأوصياء عليهم‌السلام لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم أو الحكمة وعلي بابها.

« وصل الله » إلخ ، إشارة إلى قوله تعالى « أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (٣) حيث لم يفصل ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ، مع تكراره في السابق للدلالة على أنهما تكليف واحد ، متعلق بأحدهما ، ففي زمان الرسول يتعلق بالرسول ، وبعده يتعلق بولي الأمر ، ودليل على أن المراد بأولى الأمر ليس أمراء السرايا ونحوهم كما توهمه المخالفون ، إذ لا ريب أنه تعالى لا يحكم بطاعة غير المعصوم عموما ، وطاعة رسوله بطاعته على الوجه السابق في قوله تعالى : « أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ » (٤) وقوله سبحانه : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » (٥) أو مطلقا في آية أولي الأمر أيضا ، فلا يكون عدم تكرار « أطيعوا » منظورا في الأول أيضا ، ويحتمل أن يكون المراد بوصل طاعة ولي الأمر بطاعة الرسول إدخالها فيه ، وجعل كل منهما مشروطا بالآخر ، وكذا وصل طاعة الرسول بطاعة الله ، وهذا نوع من الاستدلال أشاروا عليهم‌السلام إليه في مواضع كاشتراط قبول الصلاة بإيتاء الزكاة ، حيث قرنهما الله في الآيات ، والإيمان بالأعمال الصالحة لذلك.

« وهو » أي طاعة ولاة الأمر « الإقرار بما أنزل » بصيغة المجهول « من عند الله عز وجل » في الآيات الآتية أو السابقة أو الأعم ، وعلى الوسط « خُذُوا زِينَتَكُمْ » اقتباس من الآية دلالة على أن المراد بالزينة معرفة الإمام وولايته ، وبالمسجد الصلاة أو

__________________

(١) سورة التوبة : ٣١.

(٢) سورة البقرة : ١٨٩.

(٣) سورة النساء : ٥٩.

(٤) سورة الأنفال : ٢٠.

(٥) سورة النساء : ٨٠.

٣٠٨

عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ » والتمسوا البيوت التي « أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » فإنه أخبركم أنهم « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ » إن الله قد استخلص الرسل لأمره ثم استخلصهم

______________________________________________________

مطلق العبادة ، وقد ورد في بعض الروايات تأويل الزينة باللباس وبثياب التجمل وبالسواك ، والجمع بينها بأن الزينة شاملة لكل ما يزين به الإنسان روحه وبدنه ، لقبول العبادة وكمالها ، فزينة الروح والنفس بالعقائد والأخلاق الحسنة ، والبدن بما ذكر.

« والتمسوا البيوت » أي اطلبوها ، ويدل على أن المراد بالبيوت بيوت الأئمة عليهم‌السلام الصورية أو المعنوية ، فإنه قد ورد أنه ليس المراد بها البيوت المبنية بالطين والمدر « فإنه أخبركم » تعليل لكون المراد بها بيوتهم بأن الله تعالى وصف أهل تلك البيوت بصفات يخصهم ، حيث قال : « يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ » فضمير أنهم راجع إلى أهل البيوت بقرينة المقام ، وتفسير البيوت بالأئمة عليهم‌السلام ، فإنهم منازل نور الله ، وجعل كلمة « في » في قوله « فيها » للسببية ، وتفسير الرجال بأصحابهم الملتمسين للبيوت بعيد.

« لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ » أي اشتراء فإن أصل التاجر الحاذق بالأمر ، والحذق إنما يحتاج إليه كثيرا في الشراء ، لأن الأول اشتراء مجهول بمعلوم ، والثاني بيع معلوم بمعلوم ، ربما تولاه من لا بصيرة له وضرر ولا بيع الترقي فيه ، باعتبار أن البيع أهم عند التجار من الاشتراء ، لأن الأول اتفاقي والثاني باختيارهم « يَخافُونَ يَوْماً » أي عذاب يوم « تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ » ظهرا لبطن ، ومن جانب إلى جانب ، كتقلب الحية على الرمضاء ، وذلك لشدة مصائبه وعظم نوائبه.

« إن الله قد استخلص الرسل لأمره » قال الجوهري : استخلصه لنفسه استخصه « انتهى » أي جعلهم خالصين عن الأغراض الدنيوية والعلائق البدنية ، مخصوصين برسالته لأمر التبليغ والإنذار وهداية الخلق « ثم استخلصهم » أي ولاة الأمر المتقدم

٣٠٩

مصدقين بذلك في نذره فقال « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » (١) تاه من جهل واهتدى من أبصر وعقل.

______________________________________________________

ذكرهم « مصدقين بذلك » الأمر الذي بعث به الرسول كائنين « في » جملة « نذره » فإن النذير يشمل النبي والإمام كما قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ » أي طائفة وأهل عصر وزمان « إِلاَّ خَلا » أي مضي « فِيها نَذِيرٌ » ويحتمل أن يكون « بذلك » متعلقا بقوله : استخلصهم ، لا صلة للتصديق ، ويكون إشارة إلى الأمر ، أي بسبب الأمر الذي بعث له الأنبياء وهو تكميل الخلق وهدايتهم.

ويحتمل أن يكون على الأول النذر مصدرا بمعنى الإنذار كما قيل في قوله تعالى : « فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ » (٢) أي إنذاري ، فكلمة « في » للتعليل ، والظرف متعلق باستخلصهم.

ويحتمل أيضا أن يكون الضمير في قوله عليه‌السلام : استخلصهم ، راجعا إلى الأنبياء أيضا ، فالمراد بالنذر الأوصياء ، أي استخلصهم أولا لأمر تبليغ الشرائع ، ثم استخلصهم مصدقين لله بذلك ، أي بالأمر الذي أمروا بتبليغه في نذره بعدهم ، وهم الأوصياء ، أو المراد أنه استخلصهم أولا لعبادته وقربه ، ثم لما أكملهم استخصهم لإنذاره ورسالته وقيل : هذا تعليل لما سبق حيث أمرهم بالتماس البيوت ومعرفتها ومعرفة أهلها ، ثم قال : وذلك غير متعسر عليكم ، فإنه تعالى أخبركم أنهم رجالا « لا تُلْهِيهِمْ » « إلخ » وليس هذا وصفا للرسل ، فإنهم إنما يوصفون بالرسالة وتبليغ الأمر والإنذار ، فإن الله قد استخلصهم واستخصهم لأمره وتبليغه والرسالة فيه ، وبعد تصديقهم بذلك استخصهم في نذره كما قال تعالى : « وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ » أي مضى وأرسل ، فالتعبير اللائق بهم الرسول والنذير ، فقوله تعالى : « رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ » تعبير عن غيرهم وهم ولاة الأمر « انتهى » ولا يخفى ما فيه من التعسف.

« تاه » أي تحير وضل عن إمام زمانه « من جهل » الكتاب والسنة « واهتدى » إلى الإمام « من أبصر » بعين قلبه طريق النجاة « وعقل » وفهم ما نزل على الرسل ، ثم بين عليه‌السلام أن الإبصار الذي يوجب الهداية ما هو بأبصار القلوب لا بأبصار العيون بقوله

__________________

(١) سورة الفاطر : ٢٢.

(٢) سورة القمر : ١٦.

٣١٠

إن الله عز وجل يقول « فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » (١) وكيف يهتدي من لم يبصر وكيف يبصر من لم يتدبر اتبعوا رسول الله وأهل بيته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدى فإنهم علامات الأمانة والتقى واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسى ابن مريم عليه‌السلام وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء الحجب الآثار

______________________________________________________

تعالى : « فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ » الضمير في أنها للقصة ، أو مبهم يفسره الأبصار ، وفي « تعمى » راجع إليه ، أو الظاهر أقيم مقامه ، أي ليس الخلل في مشاعرهم ، وإنما ألفت عقولهم باتباع الهوى والانهماك في التقليد ، وذكر الصدور للتأكيد ونفي التجوز وفضل التنبيه على أن العمى الحقيقي ليس المتعارف الذي يخص البصر.

ثم بين عليه‌السلام أن الاهتداء لا يكون إلا بأبصار القلب والتميز بين الحق والباطل ، ولا يكون ذلك الإبصار إلا بالتدبر والتفكر في الآيات والأخبار « اتبعوا رسول الله » فذلكة للبحث ونتيجة لما سبق ، و « آثار الهدى » الأئمة عليهم‌السلام ، فإنهم علامة الهداية أو الدلائل الدالة على إمامتهم ووجوب متابعتهم « فإنهم علامات الأمانة » أي المتصفون بها ، أو بأقوالهم وأفعالهم تعلم أحكام الأمانة والتقوى ، ثم بين عليه‌السلام وجوب الإقرار بجميع الأئمة عليهم‌السلام ، واشتراط الإيمان به بأنه لو أقر رجل بجميع الأنبياء وأنكر واحدا منهم لم ينفعه إيمانه كما قال تعالى : « لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ » (٢) فكذلك من أنكر واحدا من الأئمة عليهم‌السلام لم ينفعه إقراره بسائر الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، لأن كلمة الأنبياء والأوصياء متفقة ، وكل منهم مصدق بمن سواهم ، فإنكار واحد منهم إنكار للجميع.

« اقتصوا الطريق » يقال : قص أثره واقتصه إلى اتبعه ، أي اتبعوا طريق الشيعة والدين ، أو اتبعوا أثر من تجب متابعته في طريق الدين بطلب المنار الذي به يعلم الطريق وهو الإمام ، والمنار بفتح الميم : محل النور الذي ينصب على الطريق ليهتدي به الضالون في الظلمات « والتمسوا » أي اطلبوا « من وراء الحجب » أي حجب الشكوك

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٤٦.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٥.

٣١١

تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربكم.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الحسين بن صغير عمن حدثه ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب فجعل لكل شيء سببا وجعل لكل سبب شرحا وجعل لكل شرح علما وجعل لكل علم بابا ناطقا عرفه من عرفه وجهله من جهله

______________________________________________________

والشبهات والفتن التي صارت حجابا بين الناس وفهم الحق « الآثار » أي آثار الهداية ودلائلها ، وهم الأئمة عليهم‌السلام ، أو دلائل إمامتهم أو المعنى إن لم يتيسر لكم الوصول إلى الإمام فاطلبوا آثاره وأخباره من رواتها وحملتها ، أو اطلبوا الإمام المحجوب بحجاب التقية والخوف حتى تصلوا إليه ، فإذا فعلتم ما ذكر فقد أكملتم أمر دينكم بمعرفة الأئمة عليهم‌السلام ومتابعتهم ، وآمنتم بالله حق الإيمان وإلا فلستم بمؤمنين.

الحديث السابع : مجهول.

« أبي الله أن يجري الأشياء إلا بالأسباب » (١) أي جرت عادته سبحانه على وفق قانون الحكمة والمصلحة أن يوجد الأشياء بالأسباب ، كإيجاد زيد من الآباء والمواد والعناصر ، وإن كان قادرا على إيجاده من كتم العدم دفعة بدون الأسباب ، وكذا علوم أكثر العباد ومعارفهم ، جعلها منوطة بشرائط وعلل وأسباب ، كالمعلم والإمام والرسول ، والملك واللوح والقلم ، وإن كان يمكنه إفاضتها بدونها ، وكذا سائر الأمور التي تجري في العالم ، ففيما هو عليه‌السلام بصدد بيانه من الحاجة إلى الإمام « الشيء » حصول النجاة والوصول إلى درجات السعادات الأخروية أو الأعم « والسبب » المعرفة والطاعة و « الشرح » الشريعة المقدسة و « العلم » بالتحريك أي ما يعلم بالشرع ، أو بالكسر أي سبب علم وهو القرآن والباب الناطق الذي به يوصل إلى القرآن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمانه والأئمة صلوات الله عليهم بعده.

فظهر أنه لا بد في حصول النجاة والوصول إلى الجنة الصورية والمعنوية من

__________________

(١) كذا في النسخ وفي المتن « الأسباب ».

٣١٢

ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضال متحير والله شانئ لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها فلما

______________________________________________________

معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام عليه‌السلام ، ويحتمل أن يكون العلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والباب الإمام ، فقوله : « ذاك » راجع إليهما معا ، والأول أظهر.

الحديث الثامن : صحيح.

قوله عليه‌السلام : كل من دان الله ، أي أطاع الله بزعمه أو عبد الله أو عامل الله « يجهد فيها نفسه » أي يجد ويبالغ فيها ويحمل على نفسه فوق طاقتها ، قال في المغرب : جهده حمله فوق طاقته من باب منع وأجهد لغة قليلة ، والجهد المشقة « ولا إمام له من الله » أي منصوب من قبل الله بأن لا يعتقد إمامته ، ولا يكون عمله بالأخذ عنه « وهو ضال متحير » حيث لم يأخذها عن مأخذها الموجب لصحة المعرفة ، فعمله لم يكن لله « والله شانئ » سبحانه مبغض لأعماله ، بمعنى أنها غير مقبولة عند الله وصاحبها غير مرضي عنده سبحانه « ومثله » أي في أعماله وحيرته.

وقال الفيروزآبادي : هجم عليه هجوما : انتهى إليه بغتة ، أو دخل بغير إذن ، وفلانا : أدخله كما هجمه ، والشيء : سكن وأطرق ، وفلانا طرده « انتهى ».

فهو على بناء المعلوم أي دخلت في السعي والتعب بلا روية ولا علم.

« ذاهبة وجائية » متحيرة في جميع يومها ، فإن ذلك العامل لما لم يكن على ثقة من المعرفة بالعمل ، يكون في معرض الشك والحيرة.

« فلما جنها الليل » أي حان حين خوفه وأحاطت ظلمة الجهل به ولم يعرف من يحصل له الثقة به ، وطلب من يلحق به لحق على غير بصيرة لجماعة يراهم مجتمعين على من لا يعرف حاله وحن إليهم واغتر بهم ظنا منه أنهم على ما هو عليه.

٣١٣

جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة متحيرة

______________________________________________________

قوله : مع غير راعيها ، أي الشاة وفي بعض النسخ « مع راعيها » فالضمير راجع إلى الغنم.

وفي القاموس : الحنن : الشوق ، وتوقان النفس ، والذعر : الفزع والخوف ، والحاصل أنه عليه‌السلام ذكر هذا التشبيه على سبيل التمثيل ، وهو عبارة عن تشبيه هيئة منتزعة من أشياء متعددة بهيئة أخرى ، ولا بد من اشتماله على تشبيهات متعددة للأجزاء بالإجزاء ، ففي هذا التمثيل شبه عليه‌السلام الإمام بالراعي ، والأمة بالغنم ، والجاهل الذي لا إمام له بالشاة التي ضلت عن راعيها وقطيعها ، وشبه عبادته وسعيه لطلب الإمام من غير بصيرة بتهجم تلك الشاة ذاهبة وجائية ، لاشتراكهما في الضلال والتحير مع السعي والتردد ولحوقه كل يوم بطائفة لتحيره في أمره بلحوق الشاة الضالة بالقطيع ، وتنفره عما يرى منهم من سوء العقائد والأعمال ، وأشياء يخالف ما في يده منهما بإنكار الشاة راعيها وقطيعها ، وتنفر طائفة عنه محقين كانوا أو مبطلين ، لما يرون منه من رسوخه في الضلال وعدم استعداده لقبول ما هم عليه ، إما للتقية أو لعدم تجويز تأثير النصح فيه ، بصياح الراعي بالشاة النافرة : الحقي براعيك وقطيعك الشيطان الذي يجعله ثابتا في الضلالة ، بالذئب المهلك.

فالتشبيه والتمثيل في غاية الحسن والتمام ، وهو وصف لحال الفرق الشاذة عن الشيعة الإمامية كالزيدية والفطحية والواقفية وأمثالهم ، فإنهم لما تركوا الإمام الحق ، وضلوا عنه ذهبوا إلى عبد الله الأفطح وأمثاله ، فسألوهم عن مسائل ووجدوهم مخالفين لما وصل إليهم من أئمة الحق قولا وفعلا ، فتركوهم وذهبوا إلى طائفة أخرى من فرق الشيعة الضالة فلم يقبلوهم ، أو إلى الفرقة الإمامية فلم يثقوا بهم وردوهم لعدم خلوص

٣١٤

تائهة لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردها فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمد أن

______________________________________________________

نيتهم واستعدادهم لقبول الحق ، فاغتنم الشيطان ضلالهم وحيرتهم ووسوس إليهم أن هذه الفرق كلهم ضالة فألحق بالمخالفين ، فهلك هلاكا لا يرجو النجاة ، وكالمخالفين الذين تركوا أمير المؤمنين وتحيروا في خلافته فذهبوا إلى خلفاء الجور فلما رأوا منهم خلاف سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وطريقته ذهبوا إلى أهل الحق امتحانا من غير بصيرة فردوهم تقية أو لغير ذلك ، فوسوس إليهم الشيطان وردوهم إلى الكفر الأصلي ، أو سد عليهم الحق حتى هلكوا في الحيرة والضلالة ، أو تركوا جميع المذاهب وذهبوا إلى الإلحاد.

كما روي أن ابن أبي العوجاء كان من تلامذة الحسن البصري ، فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟ فقال : إن صاحبي كان مخلطا كان يقول بالقدر ، وطورا بالجبر ، وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه.

قوله عليه‌السلام : إذا اغتنم الذئب ضيعتها ، أي ضياعها وكونها بلا راع وحافظ فيكون مصدرا ، وقيل : الضمير راجع إلى قطيع الغنم ، أي ما ضاع منها وقيل : إنما اكتفي براعيين وقطيعين للإشارة إلى أن كل طريق من طرق الضلالة إما مشتمل على الإفراط أو على التفريط ، والوسط هو الحق.

قوله : ظاهر ، أي بين حجيته بالبرهان وإن كان غائبا ، وقال الفاضل التستري (ره) : الظاهر أنه بالطاء المهملة ، ويؤيده ما في بعض الروايات : إن الله طهرنا وعصمنا « انتهى ».

وقال الجوهري : الميتة بالكسر : كالجلسة والركبة يقال : مات فلان ميتة حسنة « انتهى ».

٣١٥

أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها « كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ».

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن الهيثم بن واقد ، عن مقرن قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول جاء ابن الكواء إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين « وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا

______________________________________________________

أقول : وهذا الخبر صريح في كفر المخالفين لإنكارهم أصلا عظيما من أصول الدين ، ونفاقهم لأنهم يقرون ظاهرا بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وينكرون في القلب عمدتها وأضلوا ، « فأعمالهم » إلى آخره ، تضمين للآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : « مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ » أي حملته وطيرته « فِي يَوْمٍ عاصِفٍ » أي شديدة ريحه ، ووصف اليوم بالعصف للمبالغة « لا يَقْدِرُونَ » أي يوم القيامة « مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ » لحبوطه « ذلِكَ » أي ضلالهم مع حسبانهم أنهم يحسنون « هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ » لكونهم في غاية البعد عن طريق الحق.

الحديث التاسع : ضعيف.

قوله تعالى : « وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ » اعلم أن للمفسرين أقوالا شتى في تفسير الأعراف وأصحابه ، قاما تفسير الأعراف فلهم فيه قولان :

الأول : أنها سور بين الجنة والنار ، أو شرفها وأعاليها.

والثاني : أن المراد على معرفة أهل الجنة والنار رجال ، والأخبار تدل عليهما ، وربما يظهر من بعضها أنه جمع عريف كشريف وأشراف ، فالتقدير على طريقة الأعراف رجال ، أو علي التجريد ، أو معنى الأعراف العارفون بالله تعالى وبحججه عليهم‌السلام ، وتكرار كلمة على للاستعلاء كما في قولهم فلان مهيمن على قومه وحفيظ عليهم ، فالأعراف جمع عارف كناصر وأنصار ، وطاهر وأطهار.

ثم القائلون بالأول اختلفوا في أن الذين على الأعراف من هم؟ فقيل : إنهم الأشراف من أهل الطاعة والثواب ، وقيل : إنهم أقوام يكونون في الدرجة السافلة

٣١٦

بِسِيماهُمْ » (١) فقال نحن على الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف الذي

______________________________________________________

من أهل الثواب ، فالقائلون بالأول منهم من قال إنهم ملائكة يعرفون أهل الجنة والنار ، ومنهم من قال : إنهم الأنبياء وأجلسهم الله على أعالي ذلك السور تمييزا لهم عن سائر أهل القيامة ، ومنهم من قال : إنهم الشهداء ، والقائلون بالثاني ، منهم من قال : إنهم أقوام تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، ومنهم من قال : إنهم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن إمامهم ، وقيل : إنهم مساكين أهل الجنة ، وقيل : إنهم الفساق من أهل الصلاة ، ويظهر من الأخبار التي أوردتها في الكتاب الكبير الجمع بين القولين ، وأن الأئمة عليهم‌السلام يقومون على الأعراف ليميزوا شيعتهم من مخالفيهم ، ويشفعوا الفساق محبيهم وأن قوما من المذنبين أيضا يكونون فيها إلى أن يشفع لهم.

وفي هذا الخبر أيضا إشارة إلى إطلاقات الأعراف ومعانيها ، وأن الرجال هم عليهم‌السلام كما قيل : إن الأعراف مأخوذ من العرفان ، وهو يطلق على الموضع المشرف المعين بإشرافه على اطلاع من عليه.

فبهذه الجهة قال عليه‌السلام : نحن على الأعراف ، ويطلق على حامل المعرفة المتأمل فيها ، الذي إنما يعرف غيره بوساطته كالحجج من الرسل والأنبياء ، وولاة الأمر عليهم‌السلام ، وعلى هذا الإطلاق قال : ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله تعالى إلا بسبيل معرفتنا.

ويطلق على المعرف الذي إنما يتم المقصود بمعرفته ، وعلى هذا قال : نحن الأعراف يعرفنا الله يوم القيامة على الصراط ، فإن أريد ظاهر الآية فالأعراف هو المعبر عنه بالسور بين الجنة والنار ، ومن عليه من الرجال الحجج عليهم‌السلام الذين يعرفون كلا بسيماهم ، وإنما ينال المقصود بمعرفتهم ، وهم الحافظون لها المحيطون بأطرافها ويستحقون أن يطلق عليهم الأعراف لاشتمالهم عليها وإحاطتهم بها.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤٦.

٣١٧

لا يعرف الله عز وجل إلا بسبيل معرفتنا ونحن الأعراف يعرفنا الله عز وجل : يوم القيامة على الصراط فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

______________________________________________________

فقوله : ونحن الأعراف كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا كلام الله الناطق ، ولعل قوله عليه‌السلام : ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ، بالنظر إلى أحوال الدنيا ، وقوله : ونحن الأعراف يعرفنا الله تعالى ، بالنظر إلى أحوال العقبى.

وقوله : « وعرفناه » الظاهر أنه من المجرد أي مناط دخول الجنة معرفتهم بنا بالحجية والولاية ، ومعرفتنا إياهم بكونهم أنصارنا وموالينا ، وربما يقرأ من باب التفعيل ، أي مناط دخول الجنة معرفتهم بنا وبإمامتنا وتعريفنا ما يحتاجون إليه.

وقيل في تأويل الآية : إن قوله تعالى : « وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ » بيان لحال المقربين والحجج في الدنيا ، فإن معرفة الطائفتين والتميز بينهما بالسيماء والعلامة إنما تكون في الدنيا ، وأما في الآخرة فالامتياز بين الفريقين في غاية الظهور لا يحتاج إلى أن يعرف بالسيماء ، وكذا قوله : « لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ » يناسب حالهم في الدنيا وكذا قوله : « وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ » يعني إذا أرادوا أهل النار الذين عرفوهم بسيماهم وما هم عليه من الكفر أو الفسق ظاهرا كان أو باطنا استعاذوا بالله ودعوا الله أن لا يجعلهم من القوم الظالمين. وأما قوله تعالى : « وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ » فيحتمل الوقوع في الدارين ، وكذا قوله : « وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ » الآية وإن كان الظاهر فيه كونه حكاية قولهم في الآخرة ، بأن يكون معناه : ونادى أصحاب الآخرة رجالا كانوا يعرفونهم في الدنيا بسيماهم وقالوا ذلك القول ولكن يجوز حمله علي الوقوع في الدنيا ، أو على ما هو أعم.

وعلى أي تقدير لا ينافي كون ما سبق من المذكورات إخبارا عن حال العارفين في الدنيا ، فقوله عليه‌السلام : نحن على الأعراف ، تنبيه على أن معنى « عَلَى الْأَعْرافِ » علي المعرفة ، وأن كلمة « على » هنا للاستعلاء المعنوي لا المكاني ، وفيه إشارة إلى أن

٣١٨

إن الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يؤتى منه فمن عدل عن ولايتنا أو فضل علينا غيرنا فإنهم « عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » فلا سواء من اعتصم الناس به ولا سواء حيث ذهب الناس إلى عيون

______________________________________________________

أنصارهم أهل الجنة ، وأعداءهم أهل النار ، وهم يعرفون الفريقين في الدنيا بسيماهم ، لا بظواهر أعمالهم وقوله عليه‌السلام : « ونحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا » أراد بالأعراف ما يعرف به الشيء سواء كان ما به المعرفة ذاتا أو صفة من باب تسمية الشيء باسم سببه. أما قوله : ونحن الأعراف يعرفنا الله ، فأراد بالأعراف هاهنا نفس المعروف بالذات ، كما يطلق العلم على الصورة العلمية ، وهي المعلومة بالذات فإنه تعالى بهم يعرف أمتهم وأتباعهم إلى آخر ما حققه ولا نطيل الكلام بإيراده.

قوله عليه‌السلام : « ولكن جعلنا أبوابه » أي أبواب معرفته وعلمه « وصراطه » الذي يعرف طريق عبادته « وسبيله » الذي به يعرف الوصول إلى قربه وجنته ، والحاصل أنه تعالى كان قادرا على أن يعرف العباد جميع ذلك بنفسه ، لكن كانت المصلحة مقتضية لأن يجعلنا وسيلة فيها « ولا سواء » أي ليس بمستو من اعتصم الناس أي المخالفون به ولا سواء من اعتصمهم به ، نظير قوله تعالى : « وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ » (١) وفيه مبالغة في نفي التساوي ، أو الثاني تكرار للأول والشق الآخر محذوف فيهما ، أي لا سواء من اعتصموا به ومن اعتصمتم به ، ولا يستوي صنع الناس وصنعكم (٢) في الاعتصام.

أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالناس جميعهم من المحقين والمبطلين ، وكذا من اعتصموا به ، أي ليس الذين يعتصم الناس بهم متساوين ، ولا سواء المعتصمون بهم أو ما ينتفعون به منهم.

وفيه : أنه لا بد من حمل الناس ثانيا على المخالفين ، وكونه في كل من الموضعين بمعنى آخر بعيد ، ثم بين عليه‌السلام عدم المساواة على الوجوه كلها فقال : حيث ذهب الناس

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٢.

(٢) وفي بعض النسخ « منع الناس ومنعكم » والظاهر هو المخطار.

٣١٩

كدرة يفرغ بعضها في بعض وذهب من ذهب إلينا إلى عيون صافية تجري بأمر ربها لا نفاد لها ولا انقطاع.

١٠ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن محمد ، عن بكر بن صالح ، عن الريان بن شبيب ، عن يونس ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن أبي حمزة قال قال أبو جعفر عليه‌السلام يا أبا حمزة يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلا وأنت بطرق السماء أجهل منك بطرق الأرض فاطلب لنفسك دليلا.

______________________________________________________

إلى عيون كدرة يفرغ « على بناء المجرد المعلوم أو الأفعال معلوما أو مجهولا » بعضها في بعض أو من بعض ، قال الجوهري : فرغ الماء بالكسر يفرغ فراغا مثل سمع يسمع سماعا أي انصب وأفرغته أنا « انتهى ».

والحاصل أنه عليه‌السلام شبه العلم بالماء لأنه سبب للحياة الروحاني ، كما أن الماء سبب للحياة البدني ، وقد شبه به في كثير من الآيات الفرقانية ، وشبه علوم علماء المخالفين وخلفائهم بالمياه النابعة من العيون القليلة الماء المكدرة بالطين وغيره ، ينقطع ينعها وينفد ماؤها بأخذ شيء قليل منها ، لأنهم خلطوا شيئا قليلا وصل إليهم من الحكم والشرائع ، بالشبه الباطلة والأوهام الفاسدة ، وإن أجابوا عن قليل من المسائل ينتهي علمهم ، ولا يجيبون فيما سواها ، ويفرغ بعضها في بعض ، أي يأخذ هذا عن هذا وهذا عن هذا ولا ينتهي علمهم إلى من يستغني بعلمه عن علم غيره ، فهي قاصرة كما وكيفا ، وشبه علوم أهل البيت عليهم‌السلام بالمياه الجارية عن عيون صافية تجري بأمر ربها ، لا نفاد لها ولا انقطاع ، إذ بحار العلوم والحكم فائضة أبدا على قلوبهم من منابع الوحي والإلهام ، ولا تشوب بالآراء والأوهام.

الحديث العاشر : ضعيف.

والمراد بطرق السماء ، الطرق المعلومة بالوحي ، النازل من السماء ، أو الطرق الموصلة إلى الجنة التي في السماء ، أو الطرق المؤدية إلى سماء المعرفة والكمال ، والأعرفية ظاهرة إذ الأمور المحسوسة أوضح من الأمور المعقولة.

٣٢٠