مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

وبحدوث خلقه على أزله وباشتباههم على أن لا شبه له المستشهد بآياته على قدرته الممتنعة من الصفات ذاته ومن الأبصار رؤيته ومن الأوهام الإحاطة به لا أمد لكونه ولا غاية لبقائه لا تشمله المشاعر ولا تحجبه الحجب والحجاب بينه وبين خلقه خلقه إياهم لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولإمكان مما يمتنع منه ولافتراق الصانع من المصنوع والحاد من المحدود والرب من المربوب الواحد بلا تأويل عدد والخالق لا بمعنى حركة والبصير لا بأداة والسميع لا بتفريق آلة والشاهد لا بمماسة

______________________________________________________

لإمكانهم واحتياجهم إلى المؤثر « وبحدوث خلقه على أزله » وفي التوحيد أزليته يدل على أن الحدوث علة الحاجة إلى العلة ، وعلى حدوث ما سواه « وباشتباههم » إذ تلك المشابهات في الأمور الممكنة ولوازم الإمكان ، وقيل : المراد اشتراكهم في المهيات ولوازمها ، إذ الاشتراك يدل على التركيب ، وقيل : المراد اشتباههم في الحاجة إلى المؤثر والمدبر.

« لا أمد » في الأزل « ولا غاية » أي في الأبد « والحجاب بينه وبين خلقه » أي إنما الحجاب بينه وبين خلقه كونه خالقا بريئا عن الإمكان ، وكونهم مخلوقة ممكنة قاصرة عن نيل البريء بذاته وصفاته عن الإمكان ، فالحجاب بينه وبين خلقه قصورهم وكماله ، وهذا هو المراد بقوله : لامتناعه مما يمكن في ذواتهم.

« ولا مكان » بالتنوين عوض المحذوف أي لا مكان ذواتهم أو ما في ذواتهم مما يمتنع منه ذاته تعالى ، وقيل : أي يمكن له بالإمكان العام ما يمتنع منه ذواتهم كالوجوب والأزلية ، ولا يخفى ما فيه.

« بلا تأويل عدد » بأن يكون له تعالى ثان من نوعه أو يكون مركبا فيطلق عليه الواحد بتأويل أنه واحد من نوع مثلا « لا بمعنى حركة » أي جسمانية أو نفسانية.

« لا بتفريق آلة » أي لا بآلة مغايرة لذاته أو بإدخال شيء فيها ، فإنه يتضمن التفريق ، وفي التوحيد : السميع لا بأداة البصر ، لا بتفريق آلة ، أي بفتح العين

١٠١

والباطن لا باجتنان والظاهر البائن لا بتراخي مسافة أزله نهية لمجاول الأفكار ودوامه ردع لطامحات العقول قد حسر كنهه نوافذ الأبصار وقمع وجوده جوائل الأوهام فمن وصف الله فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله ومن قال :

______________________________________________________

أو بعث الأشعة وتوزيعها على المبصرات ، على القول بالشعاع ، أو تقليب الحدقة وتوجيهها مرة إلى هذا المبصر ، ومرة إلى ذلك كما يقال فلان مفرق الهمة والخاطر إذا وزع فكره على حفظ أشياء متباينة ومراعاتها « لا باجتنان » الاجتنان : الاستتار ، أي أنه باطن بمعنى أن العقول والأفهام لا تصل إلى كنهه لا باستتاره بستر وحجاب ، أو علم البواطن لا بالدخول فيها والاستتار بها.

والنهية بضم النون وسكون الهاء وفتح الياء اسم من نهاه ضد أمره ، والمجاول بالجيم جمع مجول بفتح الميم ، وهو مكان الجولان وزمانه ، أو مصدر ، والردع : المنع والكف ، والحسر : الإعياء يتعدى ولا يتعدى ، والمراد هنا المتعدي ، والقمع : القلع والجوائل جمع جائل أو جائلة من الجولان.

قوله عليه‌السلام : فمن وصف الله ، بالصورة والكيف فقد جعله جسما ذا حدود ومن جعله ذا حدود فقد جعله ذا أجزاء ، وكل ذي أجزاء محتاج حادث ، أو من وصف الله وحاول تحديد كنهه فقد جعله ذا حد مركب من جنس وفصل ، فقد صار حقيقته مركبة محتاجة إلى الأجزاء حادثة ، أو من وصف الله بالصفات الزائدة فقد جعل ذاته محدودة بها ، ومن حده كذلك فقد جعله ذا عدد ، إذ اختلاف الصفات إنما تكون بتعدد أجزاء الذات ، أو قال : بتعدد الآلهة ، إذ يكون كل صفة لقدمها إلها غير محتاج إلى علة ، ومن كان مشاركا في الإلهية لا يكون قديما فيحتاج إلى علة أو جعله مع صفاته ذا عدد ، وعروض الصفات المغايرة الموجودة ينافي الأزلية ، لأن الاتصاف نوع علاقة توجب احتياج كل منهما إلى الآخر ، وهو ينافي وجوب الوجود والأزلية ، أو المعنى أنه على تقدير زيادة الصفات يلزم تركب الصانع إذ ظاهر أن الذات بدون ملاحظة الصفات ليست بصانع للعالم ، فالصانع المجموع ، فيلزم تركبه

١٠٢

أين فقد غياه ومن قال علام فقد أخلى منه ومن قال فيم فقد ضمنه

٦ ـ ورواه محمد بن الحسين ، عن صالح بن حمزة ، عن فتح بن عبد الله مولى بني هاشم قال كتبت إلى أبي إبراهيم عليه‌السلام أسأله عن شيء من التوحيد فكتب إلي بخطه الحمد لله الملهم عباده حمده _ وذكر مثل ما رواه سهل بن زياد إلى قوله وقمع وجوده جوائل الأوهام ـ ثم زاد فيه ـ : أول الديانة به معرفته وكمال معرفته توحيده وكمال توحيده نفي الصفات عنه بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة الموصوف أنه غير الصفة وشهادتهما جميعا بالتثنية الممتنع منه الأزل فمن وصف الله

______________________________________________________

المستلزم للحاجة والإمكان.

وقيل : المعنى فقد عده من المخلوقين « ومن قال : أين فقد غياه » أي جعل له نهاية ينتهي لها إلى أينه أو جعله جسما ذا غايات ونهايات « ومن قال على م؟ » أي على ما وعلى أي شيء هو « فقد أخلى منه » غير ما جعله سبحانه عليه « ومن قال : فيم؟ » أي فيما هو « فقد ضمنه » أي حكم بكونه في شيء محيطة به.

الحديث السادس : مجهول والديانة مصدر دان يدين ، وفي المصادر الديانة « دين دار گشتن » ويعدي بالباء ، والمعنى أول التدين بدين الله معرفته ، أي العلم بوجوده وكماله والتقدس عما لا يليق به وأوليتها ظاهرة لكونها أشرف المعارف ، وتوقف سائر المعارف وصحة جميع الأعمال عليه « وكمال معرفته توحيده » أي اعتقاد كونه متوحدا غير مشارك لغيره في إلهيته وفي صفاته الذاتية فضلا عن المشاركة في الذاتي وكمال توحيده نفي الصفات الزائدة عنه ، لشهادة كل من الصفة والموصوف بمغايرته للآخر ، وفيه رد على الأشاعرة القائلين إن صفاته سبحانه لا عينه ولا غيره.

والمغايرة موجب لأحد أمور : إما كونهما قديمين فيلزم تعدد الواجب ، واحتياج كل من الواجبين إلى الآخر كما مر ، أو حدوث الصفة ، فيلزم كونه تعالى محلا للحوادث ، وكونه ناقصا في ذاته وهو أيضا ينافي الأزلية ، ولو قيل : الصانع هو المجموع فيلزم تركبه وافتقاره مع لزوم تعدد الواجب أيضا ، فمن قال

١٠٣

فقد حده ومن حده فقد عده ومن عده فقد أبطل أزله ومن قال كيف فقد استوصفه ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد جهله ومن قال أين فقد أخلى منه ومن قال ما هو فقد نعته ومن قال إلام فقد غاياه عالم إذ لا معلوم وخالق إذ لا مخلوق ورب إذ لا مربوب وكذلك يوصف ربنا وفوق ما يصفه الواصفون.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر وغيره عمن ذكره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل سماه ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور قال خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام خطبة بعد العصر فعجب الناس من حسن صفته وما ذكره من تعظيم الله جل جلاله قال أبو إسحاق فقلت للحارث أوما حفظتها قال قد كتبتها فأملاها علينا من كتابه الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن الذي « لَمْ يَلِدْ » فيكون

______________________________________________________

كيف؟ فقد طلب وصفه بصفات المخلوقين ، وقد نفيناه عنه « ومن قال على م؟ فقد حمله » أي جعله محمولا ومحتاجا إلى ما يحمله (١) « ومن قال أين؟ فقد أخلى منه » أي جعله مخصوصا بأين خاص ، وأخلى منه سائر الأيون ، والحال أن نسبته إلى الأيون على السواء « فقد نعته » أي بما يقع في جواب ما هو من مهية وحقيقة كلية أو بصفات المخلوقين ، فلذا سأل عن كنهه « ومن قال إلى م؟ » أي إلى أي زمان يكون موجودا ، « فقد غاياه » أي جعل لوجوده غاية ولا غاية له أزلا وأبدا.

الحديث السابع : مرسل.

قوله عليه‌السلام : ولا تنقضي عجائبه ، أي كلما تأمل الإنسان يجد من آثار قدرته وعجائب صنعته ما لم يكن وجده قبل ذلك ولا ينتهي إلى حد ، أو أنه كل يوم يظهر من آثار صنعه خلق عجيب وطور غريب يحار فيه العقول والأفهام ، والثاني بالتعليل أنسب ، وفيه رد على اليهود حيث قالوا : يد الله مغلولة « فيكون في العز مشاركا » لمشاركة أنسب ، وفيه رد على اليهود حيث قالوا : يد الله مغلولة « فيكون في العز مشاركا » لمشاركة الولد لوالده في العز واستحقاق التعظيم ، أو المعنى أنه ولد فيشاركه في الحقيقة

__________________

(١) كذا في النسخ ومنه يظهر أن نسخة الشارح (ره) « فقد حمله » بدل « فقد جهله ».

١٠٤

في العز مشاركا « وَلَمْ يُولَدْ » فيكون موروثا هالكا ولم تقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها حائلا الذي ليست في أوليته نهاية ولا

______________________________________________________

الأحدية صارت سببا لعزته لأن التوالد عبارة عن كون الشيء مبدء لما هو مثله في نوعه وجنسه ، فيلزم مشاركته معه في الحقيقة ، فيلزم تركبه سبحانه وكونه ممكنا محتاجا ، فينافي عزته ووجوب وجوده « فيكون موروثا » أي يرثه ولده بعد موته كما هو شأن كل والد.

والحاصل أن كل مولود معلول حادث ، وكل حادث بمعرض الهلاك والفناء. وأيضا السبب الحقيقي للتوالد والتناسل حفظ بقاء النوع الذي لا يمكن له البقاء وأيضا السبب الحقيقي للتوالد والتناسل حفظ بقاء النوع الذي لا يمكن له البقاء الشخصي ، فكل مولود لا بد أن يكون كوالده موروثا حادثا هالكا في وقت وإن كان وارثا موجودا في وقت آخر.

« فتقدره شبحا مائلا » أي قائما أو مماثلا ومشابها للممكنات ، إذ الوهم رئيس القوي الحسية والخيالية ، فكل ما يدركه من الذوات يصوره بقوته الخيالية شخصا متقدرا كأنه يشاهده شبحا حاضرا عنده ، ماثلا بين يديه فإن كان تصوره للرب سبحانه على هذا الوجه مطابقا للواقع يلزم كونه تعالى جسما مقداريا محدودا وهو محال ، وإن كان كاذبا فلم يكن أدركه بل أدرك أمرا آخر ، فهو تعالى منزه من أن يقع عليه وهم.

« فيكون بعد انتقالها حائلا » أي متغيرا ، من حال الشيء يحول إذا تغير أي لا تدركه الأبصار ، وإلا لكان بعد انتقالها عنه متغيرا ومنقلبا عن الحالة التي كانت له عند الإبصار من المقابلة والمحاذاة والوضع الخاص وغير ذلك ، أو عن حلوله في الباصرة بزوال صورته الموافقة له في الحقيقة عنها ، وقيل : المراد بانتقالها عنه مرور الأزمنة عليه سبحانه ، وفناء الرائين وحدوث جماعة أخرى متغيرا من حال إلى حال كما هو شأن المبصرات.

وبعض الأفاضل قرأ بعد مضمومة الباء مرفوعة الإعراب ، على أن يكون اسم كان ، والحائل بمعنى الحاجز أي كان بعد انتقال الأبصار إليه حائلا من رؤيته ، ومنهم

١٠٥

لآخريته حد ولا غاية الذي لم يسبقه وقت ولم يتقدمه زمان ولا يتعاوره زيادة ولا نقصان ولا يوصف بأين ولا بم ولا مكان الذي بطن من خفيات الأمور وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا ببعض بل وصفته بفعاله ودلت عليه بآياته لا تستطيع عقول المتفكرين جحده لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته الذي نأى من الخلق فلا شيء كمثله الذي خلق خلقه لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم وقطع عذرهم بالحجج فعن بينة هلك

______________________________________________________

من قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي ذا خيال وصورة متمثلة في المدرك ، والتعاور : الورود على التناوب « لم يوصف بأين » أي بمكان فيكون نفي المكان تأكيدا أو بجهة مجازا « ولا بما؟ » (١) إذ ليست له مهية يمكن أن تعرف حتى يسأل عنها بما هو.

قوله عليه‌السلام : بطن من خفيات الأمور ، أي أدرك الباطن من خفيات الأمور ونفذ علمه في بواطنها ، أو المراد أن كنهه تعالى أبطن وأخفى من خفيات الأمور مع أن وجوده أجلى من كل شيء في العقول « بما يرى في خلقه » من آثار تدبيره بحد « ولا ببعض » أي بكونه محدودا بحدود جسمانية أو عقلانية أو بأجزاء وأبعاض خارجية أو عقلية وقيل : أي لم يحسبوا بحد ولا ببعض حد وهو الحد الناقص كالجواب بالفصل القريب دون الجنس القريب ، بل عدلوا عن الوصف بالحد تاما أو ناقصا إلى الرسوم الناقصة وهو الوصف له تعالى بفعاله كما قال الكليم عليه‌السلام في جواب « وَما رَبُّ الْعالَمِينَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا » (٢) الآيات.

قوله عليه‌السلام : بما جعل فيهم ، أي من الأعضاء والجوارح والقوة والاستطاعة « بالحجج » أي الباطنة وهي العقول ، والظاهرة وهي الأنبياء والأوصياء « فعن بينة » أي بسبب بينة واضحة أو معرضا ومجاوزا عنها ، أو عن بمعنى بعد أي بعد وضوح بينة

__________________

(١) وفي المتن « ولا بم ».

(٢) سورة الشعراء : ٢٣.

١٠٦

من هلك وبمنه نجا من نجا ولله الفضل مبدئا ومعيدا ثم إن الله وله الحمد افتتح الحمد لنفسه وختم أمر الدنيا ومحل الآخرة بالحمد لنفسه فقال وقضى « بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » (١).

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسيد والمرتدي بالجلال بلا تمثيل والمستوي

______________________________________________________

« وبمنه نجا من نجا » أي بلطفه وتوفيقه وإعداد الآلات وهدايته في الدنيا وبعفوه ورحمته وتفضله في الثواب بلا استحقاق في الآخرة نجا الناجون ، فقوله : ولله الفضل (٢) وفي التوحيد وعن بينة نجا من نجا فالثاني لا يجري فيه « مبدء ومعيدا » مترتب على ذلك أي حال التكليف في الدنيا وحال الجزاء في الآخرة ، ويحتمل أن يكون المراد حال إبداء الخلق وإيجادهم في الدنيا وحال إرجاعهم وإعادتهم بعد الفناء أو مبدءا حيث بدء العباد مفطورين على معرفته قادرين على طاعته ومعيدا حيث لطف بهم ومن عليهم بالرسل والأئمة الهداة.

« وله الحمد » الجملة اعتراضية « افتتح الحمد لنفسه » أي في التنزيل الكريم أو في بدو الإيجاد بإيجاد الحمد ، أو ما يستحق الحمد عليه ، وفي التوحيد : افتتح الكتاب بالحمد ، وهو يؤيد الأول « ومحل الآخرة » أي حلولها وربما يقرأ بسكون الحاء وهو الجدب وانقطاع المطر والمجادلة والكيد ، أو بالجيم وهو أن يجتمع بين الجلد واللحم ماء من كثرة العمل وشدته ، وعلى التقديرين كناية عن الشدة والمصيبة أي ختم أمر الدنيا وشدائد الآخرة وأهوالها بالحمد لنفسه على القضاء بالحق فعلم أن الافتتاح والاختتام بحمده من محاسن الآداب.

وفي التوحيد : ومجيء الآخرة ، أي ختم أول أحوال الآخرة وهو الحشر والحساب ويمكن أن يقدر فعل آخر يناسبه ، أي بدء مجيء الآخرة « وقضى بينهم » أي بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار ، ويظهر من الخبر أن القائل هو الله ، ويحتمل أن يكون الملائكة بأمره تعالى.

« بلا تمثيل » أي بمثال جسماني ، وهذا وما تقدمه دفع لما يتوهم من أن

__________________

(١) سورة الزمر : ٧٥.

(٢) كذا في النسخ ، وكأنه سقط هنا شيء وكذا فيما بعده.

١٠٧

على العرش بغير زوال والمتعالي على الخلق بلا تباعد منهم ولا ملامسة منه لهم ليس له حد ينتهى إلى حده ولا له مثل فيعرف بمثله ذل من تجبر غيره وصغر من

______________________________________________________

الكبر والعظم والجلالة ونحوها لا تكون إلا في الأجساد والأشباح ذوات المقادير والأوضاع ، ولا شك أنه سبحانه منزه عن الجسمانيات وصفاتها ، فنبه على أن كبريائه وجلاله على وجه أعلى وأشرف مما يوجد في المحسوسات والمتمثلات.

قوله : بلا زوال (١) أي بغير استواء جسماني يلزمه إمكان الزوال أو لا يزول اقتداره واستيلاؤه أبدا « المتعالي عن الخلق » بالشرف والعلية والتنزه عن صفاتهم ، لا بما يتوهم من تراخي مسافة بينهما كالفلك بالنسبة إلى الأرض أو بمماسة كالماء والهواء بالنسبة إليهما أو قولهعليه‌السلام: ولا ملامسة نفي لما يتوهم من نفي التباعد من تحقق الملامسة ونحوها ، قضية للتقابل بينهما قياسا على الجسمانيات ، فإن المتقابلين كليهما منفيان عنه وإنما يتصف بأحدهما ما يكون قابلا للاتصاف بهما ، كما يقال : الفلك ليس بحار ولا بارد ، والجدار ليس بأعمى ولا بصير « ليس له حد ينتهي إلى حده » أي الحدود الجسمانية فينتهي هو إلى حده على بناء الفاعل أو الحد المنطقي فينتهي على بناء المفعول إلى تحديده به أو لأحد لتوصيفه ونعته ، بل كلما بالغت فيه فأنت مقصر.

« ذل من تجبر غيره » قوله : غيره ، حال عن فاعل تجبر وكذا قوله : دونه ، حال عن فاعل تكبر والضميران راجعان إليه سبحانه ، أي ذل له كل من تجبر غيره ، فإن كل ما يغايره ممكن مخلوق ذليل للخالق الجليل.

« وصغر » كل « من تكبر دونه » فإن جميع ما سواه موصوف بالصغار أو الصغر لدى خالقه الكبير المتعال ، أو المعنى أن عز المخلوق ورفعته إنما يكون بالتذلل والخضوع اللائقين به ، وبهما يكتسب إفاضة الكمال من خالقه فإذا تجبر وتكبر استحق الحرمان والخذلان فيزداد صغرا إلى صغره ، وذلا إلى ذلة ، فلا يرتفع من درجة

__________________

(١) كذا في النسخ ، لكن في المتن « بغير زوال » ولعله موافق لنسخة الشارح (ره) كما في نظائره.

١٠٨

تكبر دونه وتواضعت الأشياء لعظمته وانقادت لسلطانه وعزته وكلت عن إدراكه طروف العيون وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق الأول قبل كل شيء ولا قبل له والآخر بعد كل شيء ولا بعد له الظاهر على كل شيء بالقهر له والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها لا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة « هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ » أتقن ما أراد من خلقه من الأشباح كلها لا بمثال سبق إليه ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ابتدأ ما أراد ابتداءه وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراد من الثقلين الجن والإنس ليعرفوا بذلك ربوبيته وتمكن فيهم طاعته.

نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ونستهديه لمراشد أمورنا

______________________________________________________

النقص إلى الكمال ، ولا يزال في الدارين هابطا في دركات النقص والوبال.

« لعظمته » أي عند عظمته أو عنده بسبب عظمته ، والاحتمالان جاريان فيما بعده « طروف العيون » جمع طرف وهو تحريك الجفن بالنظر أو جمع طارف بمعنى طامح ، وفي الفائق : طرفت عينه أي طمحت « والظاهر على كل شيء » أي الغالب عليه بالقهر له على الإيجاد والإفناء ، وإجراء كل ما أراد فيه.

« هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ » أي مستحق لأن تعبده وتخضع له السماوات وما فيها وتتواضع لعظمته وتنقاد لسلطانه وعزته لربوبيته لها « وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ » أي مستحق لأن تخضع له وتعبده الأرض وما فيها وما عليها وتنقاد لسلطانه وعزته « أتقن » أي أحكم ما أراد من خلقه متعلق بأراد أو بيان لما « من الأشباح » بيان لما على الأول ولخلقه على الثاني ، ويحتمل أن تكون من الأولى تبعيضية ، والأشباح : الأشخاص المتغايرة والصور المتباينة النوعية والشخصية.

« لا بمثال » في التوحيد بلا مثال ، أي لا في الخارج ولا في الذهن « سبق » أي ذلك المثال « إليه » تعالى ، أو سبق الله إلى ذلك المثال ، وربما يقرأ على بناء المفعول أي سبق غيره تعالى إلى خلق ذلك المثال ، « ولا لغوب » أي تعب ، ويمكن إرجاع ضمير

١٠٩

ونعوذ به من سيئات أعمالنا ونستغفره للذنوب التي سبقت منا ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله بعثه بالحق نبيا دالا عليه وهاديا إليه فهدى به من الضلالة واستنقذنا به من الجهالة « مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً » ونال ثوابا جزيلا ومن يعص الله ورسوله « فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً » واستحق عذابا أليما فأنجعوا بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصيحة وحسن المؤازرة

______________________________________________________

لديه إليه تعالى وإلى الخلق ، فالظرف على الأول متعلق بخلق ، وعلى الثاني بدخل « ويمكن » على التفعيل أي بإيجاد القوة والقدرة عليها وتركيب العقول المميزة فيهم ، وفي بعض النسخ بالتاء من باب التفعل بحذف إحدى التائين ، والمحامد جمع محمدة وهي ما يحمد به من صفات الكمال ، وقال الفيروزآبادي : المراشد مقاصد الطرق.

« دالا عليه » أي على الله أو على الحق الذي بعث به ، والأول أظهر.

« وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ » وضع الظاهر موضع الضمير لتعظيمها ، والالتذاذ بذكرهما أو ليعلم تقديم الله على الرسول ، ولا يتوهم كونهما في درجة واحدة.

ولعل أحد هذه الوجوه علة الذم فيما رواه مسلم عن عدي بن حاتم أن رجلا خطب عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فقال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله: بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى مع أنه قد ورد في كثير من الخطب بالضمير أيضا.

« فأنجعوا » في بعض النسخ بالنون والجيم من قولهم أنجع أي أفلح ، أي أفلحوا بما يجب عليكم من الأخذ سمعا وطاعة ، أو من النجعة بالضم وهي طلب الكلاء من موضعه ، وفي بعضها بالباء الموحدة فالخاء المعجمة ، قال الجزري : فيه : أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وأبخع طاعة ، أي أبلغ وأنصح في الطاعة من غيرهم كأنهم بالغوا في بخع أنفسهم أي قهرها وإذلالها بالطاعة ، وقال الزمخشري في الفائق : أي أبلغ طاعة من بخع الذبيحة إذا بالغ في ذبحها ، وهو أن يقطع عظم رقبتها ، هذا أصله ثم كثر حتى استعمل في كل مبالغة ، فقيل : بخعت له نصحي وجهدي وطاعتي.

« وإخلاص النصيحة » أي لله ولكتابة ولرسوله وللأئمة ولعامة المسلمين

١١٠

وأعينوا على أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة وهجر الأمور المكروهة وتعاطوا الحق بينكم وتعاونوا به دوني وخذوا على يد الظالم السفيه ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر واعرفوا لذوي الفضل فضلهم عصمنا الله وإياكم بالهدى وثبتنا وإياكم على التقوى وأستغفر الله لي ولكم.

باب النوادر

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن سيف بن عميرة عمن ذكره ، عن الحارث بن المغيرة النصري قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ » (١) فقال ما يقولون فيه؟

______________________________________________________

وإخلاصها تصفيتها من الغش ، والموازرة المعاونة أي المعاونة الحسنة على الحق.

« وأعينوا على أنفسكم » أي على إصلاحها أو ذللوها وأقهروها فالمراد النفس الأمارة بالسوء ، وفي التوحيد أعينوا أنفسكم أي على الشيطان.

« وتعاطوا الحق » أي تناولوه بأن يأخذه بعضكم من بعض ليظهر ولا يضيع « دوني » أي عندي وقريبا مني أو قبل الوصول إلى أو حالكون الحق عندي.

« وخذوا على يد الظالم » أي امنعوه عن الظلم وأقهروه على تركه ، والسفيه من يتبع الشهوات النفسانية ، وذو الفضل : العترة الطاهرة ، أو يشمل غيرهم من العلماء والصلحاء والذرية الطيبة والوالدين وأرباب الإحسان على قدر مراتبهم ، عصمنا الله وإياكم عن اتباع الباطل بالهدي إلى الحق.

باب النوادر

الحديث الأول : مرسل.

قوله تعالى « إِلاَّ وَجْهَهُ » ، قيل فيه وجوه :

الأول : أن المعنى كل شيء فإن بائد إلا ذاته ، وهذا كما يقال هذا وجه الرأي

__________________

(١) سورة القصص : ٨٨.

١١١

قلت يقولون يهلك كل شيء إلا وجه الله فقال سبحان الله لقد قالوا قولا عظيما إنما عنى بذلك وجه الله الذي يؤتى منه.

______________________________________________________

ووجه الطريق ، قاله الطبرسي (ره) ، وقال : في هذا دلالة على أن الأجسام تفنى ثم تعاد على ما قاله الشيوخ في الفناء والإعادة.

الثاني : ما ذكره الطبرسي أيضا : أي كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه ، فإنه يبقى ثوابه عن ابن عباس.

الثالث : أن كل شيء هالك فإن الممكن في حد ذاته معدوم حقيقة إلا ذاته سبحانه ، فإنه الموجود بالذات بالوجود الحقيقي.

الرابع : أن المعنى كل شيء هالك وإنما وجوده وبقائه وكماله بالجهة المنسوبة إليه سبحانه ، فإنه علة لوجود كل شيء وبقائه وكماله ، ومع قطع النظر عن هذه الجهة فهي فانية باطلة هالكة ، وهذا وجه قريب خطر بالبال وإن قال قريبا منه بعض من يسلك مسالك الحكماء على أذواقهم المخالفة للشريعة.

الخامس : أن المعنى كل شيء هالك أي باطل إلا دينه الذي به يتوجه إليه سبحانه ، وكل ما أمر به من طاعته ، وقد وردت أخبار كثيرة على هذا الوجه.

السادس : أن المراد بالوجه : الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ، لأن الوجه ما يواجه به ، والله سبحانه إنما يواجه عباده ويخاطبهم بهم عليهم‌السلام ، وإذا أراد العباد التوجه إليه تعالى يتوجهون إليهم ، وبه أيضا وردت أخبار كثيرة منها هذا الخبر.

السابع : أن الضمير راجع إلى الشيء أي كل شيء بجميع جهاته باطل فإن إلا وجهه الذي به يتوجه إلى ربه وهو روحه وعقله ومحل معرفة الله منه ، التي تبقى بعد فناء جسمه وشخصه ، وربما ينسب هذا إلى الرواية عنهم عليهم‌السلام ، وأما وصفه عليه‌السلام قولهم بالعظم ، فالظاهر أنه لإثباتهم له سبحانه وجها كوجوه البشر ، ومن قال ذلك فقد كفر ، وقيل : كان مرادهم فناء كل شيء غير ذاته تعالى فاستعظمه وأنكره عليه‌السلام ، إذ من المخلوقات ما لا يفنى ، ولا يخفى بعده.

١١٢

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ » (١) قال من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو الوجه الذي لا يهلك وكذلك قال « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » (٢).

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سلام النخاس ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال نحن المثاني الذي أعطاه الله

______________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

قوله : فهو الوجه ، الضمير راجع إلى الموصول أي من أتى بجميع ما أمر الله به فهو وجه الله في خلقه ، وهم الأئمة عليهم‌السلام كما أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في زمانه وجه الله ، ثم استشهد عليه‌السلام بقوله تعالى : « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » فهو وجه الله الذي من توجه إليه توجه إلى الله فيرجع إلى الوجه السادس ، أو الضمير راجع إلى الإتيان أي الإتيان بما أمر الله هو الجهة التي يتوجه بها إلى الله ، والاستشهاد من جهة أن العمل بما أتى به الرسول طاعة الله وتوجه إليه ، مع أنه في أكثر النسخ كذلك فلا يكون تعليلا بل بيانا لأن طاعة الرسول صلى الله عليه‌السلام أيضا توجه إلى الله ، فلا تهلك ولا تضيع فيرجع إلى الخامس لكن الأول أظهر.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : نحن المثاني ، إشارة إلى قوله عز وجل : « وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » (٣) والمشهور بين المفسرين أنها سورة الفاتحة ، وقيل : السبع الطوال ، وقيل : مجموع القرآن لقسمته أسباعا ، وقوله : من المثاني بيان للسبع والمثاني من التثنية أو الثناء ، فإن كل ذلك مثنى تكرر قراءته وألفاظه أو قصصه ومواعظه ، أو مثنى بالبلاغة والإعجاز ، أو مثن على الله بما هو أهله من صفاته العظمى

__________________

(١) سورة القصص : ٨٨.

(٢) سورة النساء : ٧٩.

(٣) سورة الحجر : ٨٧.

١١٣

______________________________________________________

وأسمائه الحسني ، ويجوز أن يراد بالمثاني القرآن أو كتب الله كلها ، فتكون من للتبعيض. وقوله (١) « وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » إن أريد بالسبع الآيات أو السور فمن عطف الكل على البعض أو العام على الخاص ، وإن أريد به الأسباع فمن عطف أحد الوصفين على الآخر ، هذا ما قيل في تفسير ظهر الآية الكريمة ، ويدل عليها بعض الأخبار أيضا وأما تأويله عليه‌السلام لبطن الآية فلعل كونهم عليهم‌السلام سبعا باعتبار أسمائهم فإنها سبعة ، وإن تكرر بعضها ، أو باعتبار أن انتشار أكثر العلوم كان من سبعة منهم إلى الكاظم عليه‌السلام ، ثم بعد ذلك كانوا خائفين مستورين مغمورين لا يصل إليهم الناس غالبا إلا بالمكاتبة والمراسلة ، فلذا خص هذا العدد منهم بالذكر.

فعلى تلك التقادير يجوز أن تكون المثاني من الثناء لأنهم الذين يثنون عليه تعالى حق ثنائه بحسب الطاقة البشرية ، وأن يكون من التثنية لتثنيتهم مع القرآن كما قال الصدوق (ره) حيث قال : معنى قوله : نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن ، وبنا أخبر أمته أنا لا نفترق حتى نرد حوضه « انتهى » أو لتثنيتهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لأنهم عليهم‌السلام ذو جهتين جهة تقدس وروحانية وارتباط تام بجنابة تعالى ، وجهة ارتباط بالخلق بسبب البشرية ويحتمل أن يكون السبع باعتبار أنه إذا ثني يصير أربعة عشر موافقا لعددهم عليهم‌السلام إما باعتبار التغاير الاعتباري بين المعطي والمعطي له إذ كونه معطي إنما يلاحظ مع جهة النبوة والكمالات التي خصه الله بها وكونه معطي له ، مع قطع النظر عنها ، أو يكون الواو في قوله : والقرآن ، بمعنى مع فيكونون مع القرآن أربعة عشر ، وفيه ما فيه. ويحتمل أن يكون المراد بالسبع في ذلك التأويل أيضا السورة ، ويكون المراد بتلك الأخبار أن الله تعالى إنما أمتن بهذه السورة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقابلة القرآن العظيم لاشتمالها على وصف الأئمة عليه‌السلام ومدح طريقتهم وذم أعدائهم في قوله سبحانه

__________________

(١) أي في الآية التي ذكرها الشارح (ره) في كلامه.

١١٤

نبينا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم ونحن عين الله في خلقه ويده المبسوطة بالرحمة على عباده عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا وإمامة المتقين

٤ـ الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل :

______________________________________________________

« صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » إلى آخر السورة ، فالمعنى نحن المقصودون بالمثاني.

وقال في النهاية : فيه فأقاموا بين ظهرانيهم وبين أظهرهم ، قد تكررت هذه اللفظة في الحديث ، والمراد بها أنهم أقاموا بينهم على سبيل الاستظهار والاستناد إليهم ، وزيدت فيه ألف ونون مفتوحة تأكيدا ، ومعناه أن ظهرا منهم قدامه وظهرا وراءه فهو مكنوف من جانبيه ومن جوانبه إذا قيل بين أظهرهم ، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم مطلقا.

« وهم عين الله » أي شاهده على عباده ، فكما أن الرجل ينظر بعينه ليطلع على الأمور كذلك خلقهم الله ليكونوا شهداء منه عليهم ، ناظرين في أمورهم ، والعين يطلق على الجاسوس وعلى خيار الشيء أيضا ، قال في النهاية في حديث عمر : إن رجلا كان ينظر في الطواف إلى حرم المسلمين فلطمه علي عليه‌السلام فاستعدى عليه فقال : ضربك بحق أصابته عين من عين الله ، أراد خاصة من خواص الله عز وجل ، ووليا من أوليائه « انتهى » وإطلاق اليد على النعمة والرحمة والقدرة شائع ، فهم نعم الله التامة ورحمته المبسوطة ومظاهر قدرته الكاملة.

قوله عليه‌السلام : وإمامة المتقين ، بالنصب عطفا على ضمير المتكلم في جهلنا ثانيا ، أي جهلنا من جهل إمامة المتقين أو عرفنا وجهلنا أولا أي عرف إمامة المتقين من عرفنا ، وجهلها من جهلنا ، أو بالجر عطفا على الرحمة أي يده المبسوطة بإمامة المتقين ولعله من تصحيف النساخ ، والأظهر ما في نسخ التوحيد : ومن جهلنا فإمامة اليقين أي الموت على التهديد ، أو المراد أنه يتيقن بعد الموت ورفع الشبهات.

الحديث الرابع : مجهول وسموا بالاسم لأنهم يدلون على قدرة الله تعالى

١١٥

« وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » (١) قال نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا.

٥ ـ محمد بن أبي عبد الله ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الحسين بن الحسن ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد الله ، عن مروان بن صباح قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه

______________________________________________________

وعلمه وسائر كمالاته ، فهم بمنزلة الاسم في الدلالة على المسمى أو يكون بمعناه اللغوي من الوسم بمعنى العلامة ، أو لأنهم المظهرون لأسماء الله والحافظون لها والمحيطون بمعرفتها ، أو المظاهر لها والله يعلم.

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : فأحسن خلقنا ، حيث خلقهم من الطينة الطاهرة أو من حيث إكمالهم عليهم‌السلام وعصمتهم من الخطإ والزلة ، ويمكن أن يقرأ خلقنا بالضم « فأحسن صورنا » أي جعلنا ذوي صورة حسنة وأخلاق جميلة ، وحلانا بالكمالات النفسانية ، « ولسانه الناطق في خلقه » لما كان اللسان يعبر عما في الضمير ويبين ما أراد الإنسان إظهاره أطلق عليهم عليهم‌السلام لسان الله لأنهم المعبرون عن الله يبينون حلاله وحرامه ومعارفه وسائر ما يريد بيانه للخلق « وبابه الذي يدل عليه » لما كان المريد للقاء السلطان لا بد له من إتيان بابه ولقاء بوابه ليوصلوه إليه فسموا أبواب الله ، لأنه لا بد لمن يريد معرفته سبحانه وطاعته من أن يأتيهم ليدلوه عليه وعلى رضاه ، فلذا شبهوا بالباب وسموا الأبواب ولذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا مدينة العلم ـ أو مدينة الحكمة وعلي بابها.

وروي عن الباقر عليه‌السلام في معنى كونهم باب الله : معناه أن الله احتجب عن خلقه بنبيه والأوصياء من بعده ، وفوض إليهم من العلم ما علم احتياج الخلق إليه ، ولما

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٨٠.

١١٦

الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض.

______________________________________________________

استوفى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علي عليه‌السلام العلوم والحكمة قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وقد أوجب الله على الخلق الاستكانة لعلي عليه‌السلام بقوله : « ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ » (١) أي الذي لا يرتابون في فضل الباب وعلو قدره.

وقال في موضع آخر : « وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها » (٢) يعني الأئمة عليهم‌السلام الذين هم بيوت العلم ومعادنه وهم أبواب الله ووسيلته والدعاة إلى الجنة والأدلاء عليها إلى يوم القيامة ، رواه الكفعمي عنه عليه‌السلام.

« وخزانة في سمائه وأرضه » أي خزان علمه من بين أهل السماء والأرض فنعطي علمه من نشاء ونمنعه من نشاء.

ويحتمل الأعم إذ جميع الخيرات يصل إلى الخلق بتوسطهم ، وقيل : أي عندهم مفاتيح الخير من العلوم والأسماء التي تفتح أبواب الجود على العالمين.

« بنا أثمرت الأشجار » إذ الغاية في خلق العالم المعرفة والعبادة كما دلت عليه الآيات والأخبار ، ولا يتأتى الكامل منهما إلا منهم ، ولا يتأتيان من سائر الخلق إلا بهم ، فهم سبب نظام العالم ، ولذا يختل عند فقد الإمام لانتفاء الغاية وقد قال سبحانه : لولاك لما خلقت الأفلاك ، قيل : ويحتمل أن يكون أثمار الأشجار وإيناع الأثمار وجرى الأنهار « إه » كناية عن ظهور الكمالات النفسانية والجسمانية ، ووصولها إلى غايتها المطلوبة ، وظهور العلم وأمثاله ، وقال في النهاية أينع الثمر يونع وينع يينع فهو مونع ويانع إذا أدرك ونضج وأينع أكثر استعمالا ، والعشب بالضم الكلاء الرطب.

__________________

(١) سورة البقرة : ٥٨.

(٢) سورة البقرة : ١٨٩.

١١٧

وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن عمه حمزة بن بزيع ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل « فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ » (١) فقال إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها (٢) وقال « مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ » (٣) وقال « إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » (٤) فكل هذا

______________________________________________________

« وبعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله » أي بمعرفتنا وعبادتنا التي بها نعرفه ونعبده ونهدي عباده إليها ونعلمها إياهم ، عبد الله لا بغيرها مما تسميه العامة عبادة ومعرفة ، أو أنه لو لا عبادتنا لم يوجد أحد ، لأن الله خلق العالم لعبادتنا فلم يوجد الدنيا فلم يعبد الله أحد ، أو المراد أن العبادة الخالصة مع الشرائط لا تصدر إلا منا ، فلولانا ما عبد الله إذ المعنى أن ولايتنا شرط لقبول العبادة فلولانا نحن ما عبد سبحانه عبادة مقبولة.

الحديث السادس : حسن ، وقال في القاموس : الأسف محركة شدة الحزن ، أسف كفرح وعليه غضب « انتهى » وقد مر مرارا أنه سبحانه لا يتصف بصفات المخلوقين ، وهو متعال عن أن تكون له كيفية ، فإطلاق الأسف فيه سبحانه إما تجوز باستعماله في صدور الفعل الذي يترتب فينا مثله على الأسف ، وإما مجاز في الإسناد أو من مجاز الحذف أي أسفوا أولياءنا ، والخبر محمول على الأخيرين.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٥٥.

(٢) من الأحاديث القدسية ، ذكره المحدث الحرّ العاملي (ره) في الجواهر السنية ص ٣٤٥ ط نجف.

(٣) سورة النساء : ٧٩.

(٤) سورة الفتح : ١٠.

١١٨

وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول إن الخالق يبيد يوما ما لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه فافهم إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

واستشهد عليه‌السلام بأمثاله في كلامه سبحانه ، ثم استدل على استحالة الحزن والضجر عليه كسائر الكيفيات بأن الاتصاف بالممكن المخلوق مستلزم للإمكان وكل ما هو ممكن في عرضة الهلاك ، ولا يؤمن عليه الانقطاع والزوال ثم إذا جوز عليه الزوال لم يعرف المكون المبدأ على الإطلاق من المكون المخلوق ، ولا القادر على الإطلاق السرمدي من المقدور عليه المحدث ، ولا الخالق من المخلوق ، لأن مناط هذا التميز والمعرفة الوجوب والقدم الدالان على المبدئية والقدرة والخالقية والإمكان والعدم الدالان على المكونية والمقدورية والمخلوقية ، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة منه إلى خلقه في وجوده أو كمالاته ، لكونه المبدأ الأول الأزلي الإحدى المتقدس عن التكثر بجهة من الجهات كالفعلية والقوة وغيرها ، فإذا كان كذلك استحال عليه الحد الموقوف على المهية الإمكانية والكيف كذا قيل.

أو أنه إذا كان خالقا لجميع ما سواه غير محتاج إليها لا يمكن أن يكون متصفا بالحد والكيف ، إذ الحد والكيف إن كانا منه سبحانه فهو محتاج إليهما ، فتكون خالقيته للحاجة ، وإن كانا من غيره فالغير مخلوق له ، وهو محتاج إليه في الاتصاف بهما.

١١٩

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن محمد بن حمران ، عن أسود بن سعيد قال كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام فأنشأ يقول ابتداء منه من غير أن أسأله نحن حجة الله ونحن باب الله ونحن لسان الله ونحن وجه الله ونحن عين الله في خلقه ونحن ولاة أمر الله في عباده.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن حسان الجمال قال حدثني هاشم بن أبي عمارة (١) الجنبي قال سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول أنا عين الله وأنا يد الله وأنا جنب الله وأنا باب الله

______________________________________________________

الحديث السابع : مجهول.

الحديث الثامن : مجهول بهاشم بن أبي عمار الحيتي وفي بعض النسخ الجنبي والجنب حي من اليمن.

قوله عليه‌السلام : وأنا جنب الله ، لعل المراد بالجنب الجانب والناحية وهو عليه‌السلام التي أمر الله الخلق بالتوجه إليه ، والجنب يجيء بمعنى الأمير ، وهو أمير الله على الخلق أو هو كناية عن أن قرب الله تعالى لا يحصل إلا بالتقرب بهم ، كما أن من أراد أن يقرب من الملك يجلس بجنبه ، وقد ورد المعنى الأخير عن الباقر عليه‌السلام.

قال الكفعمي : قوله : جنب الله ، قال الباقر عليه‌السلام : معناه أنه ليس شيء أقرب إلى الله تعالى من رسوله ، ولا أقرب إلى رسوله من وصيه ، فهو في القرب كالجنب ، وقد بين الله تعالى ذلك في كتابه في قوله : « أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ » (٢) يعني في ولاية أوليائه.

وقال الطبرسي في مجمعه : الجنب القرب ، أي يا حسرتى على ما فرطت في قرب الله وجواره ، ومنه قوله تعالى : « وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ » (٣) وهو الرفيق في السفر ، وهو الذي يصحب الإنسان بأن يحصل بجنبه لكونه رفيقه قريبا منه ملاصقا له ، وعن الباقر عليه‌السلام : نحن جنب الله « انتهى ».

__________________

(١) والصحيح « أبي عمّار » كما في الشرح.

(٢) سورة الزمر : ٥٦.

(٣) سورة النساء : ٣٦.

١٢٠