مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: مروي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٤

بعد إمام « يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » يهدي الله للأئمة من يشاء « وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ

______________________________________________________

لِلنَّاسِ إِماماً » وسرى في ذريته المقدسة ، وبالزيت المواد القربية من الوحي والإلهام ، وإضاءة الزيت انفجار العلم من تلك المواد « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي وحي أو تعليم من البشر أو سؤال ، فإن السؤال مما يقدح نار العلم.

« نُورٌ عَلى نُورٍ » قال البيضاوي أي نور متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفا الزيت وزهرة القنديل ، وضبط المشكاة لأشعته « انتهى » وفي المشبه كل إمام يتلو إماما يزيد في إنارة علم الله وحكمته بين الناس.

أقول : ويؤيد هذا التأويل ما رواه ابن بطريق (ره) في العمدة والسيد ابن طاوس رضي‌الله‌عنه في الطرائف من مناقب ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن الحسن البصري أنه قال : المشكاة فاطمة ، والمصباح الحسن والحسين عليهم‌السلام و « الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ » فاطمة عليها‌السلام كوكبا دريا بين نساء العالمين « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » الشجرة المباركة إبراهيم عليه‌السلام « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » قال : يكاد العلم أن ينطق منها « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ » قال : منها إمام بعد إمام « يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » قال : يهدي لولايتهم من يشاء.

وذكر الطبرسي قدس‌سره في تأويلها أقوالا :

أحدها : أنه مثل ضربه الله لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فالمشكاة صدره ، والزجاجة قلبه ، والمصباح فيه النبوة « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » أي لا يهودية ولا نصرانية « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعني شجرة النبوة وهي إبراهيم عليه‌السلام « يكاد » محمد يتبين للناس ولو لم يتكلم به ، كما أن ذلك الزيت يضيء « وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » أي تصيبه النار ، وقد قيل : أيضا أن المشكاة إبراهيم عليه‌السلام ، والزجاجة إسماعيل ، والمصباح محمد كما سمي سراجا في موضع آخر « مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » يعني إبراهيم لأن أكثر الأنبياء من صلبه « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا نصرانية ولا يهودية لأن النصارى تصلي إلى المشرق ، واليهود تصلي إلى المغرب « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ » أي يكاد محاسن محمد تظهر قبل أن يوحى إليه « نُورٌ عَلى نُورٍ » أي نبي من نسل نبي وقيل : إن المشكاة عبد المطلب ،

٣٦١

لِلنَّاسِ » قلت « أَوْ كَظُلُماتٍ » قال الأول وصاحبه « يَغْشاهُ مَوْجٌ » الثالث « مِنْ فَوْقِهِ

______________________________________________________

والزجاجة عبد الله ، والمصباح هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا شرقية ولا غربية بل مكية ، لأن مكة وسط الدنيا ، وروي عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : نحن المشكاة ، والمصباح محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يهدي الله لولايتنا من أحب ، وفي كتاب التوحيد لأبي جعفر ابن بابويه (ره) بالإسناد عن عيسى بن راشد عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قوله : « كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ » قال : نور العلم في صدر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » الزجاجة صدر علي عليه‌السلام صار علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى صدر على ، علم النبي عليا « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » نور العلم « لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ » لا يهودية ولا نصرانية « يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ » قال : يكاد العالم من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يتكلم بالعلم قبل أن يسأل « نُورٌ عَلى نُورٍ » أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في أثر إمام من آل محمد ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة « الخبر ».

وثانيها : أنها مثل ضربه الله للمؤمن ، والمشكاة نفسه والزجاجة صدره والمصباح الإيمان والقرآن ، في قلبه « يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ » هي الإخلاص لله وحده لا شريك له ، فهي خضراء ناعمة كشجرة التفت بها الشجرة فلا يصيبها الشمس على أي حال كانت ، لا إذا طلعت ولا إذا غربت ، وكذلك المؤمن قد اختزن من (١) أين يصيبه شيء من الفتن فهو بين أربع خلال ، إن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن حكم عدل ، وإن قال صدق ، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي بين قبور الأموات « نُورٌ عَلى نُورٍ » كلامه نور وعلمه نور ومدخله نور ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة عن أبي بن كعب.

وثالثها : أنه مثل القرآن في قلب المؤمن فكما أن هذا المصباح يستضاء به وهو كما هو لا ينقص ، فكذلك القرآن تهتدي به ويعمل به كالمصباح فالمصباح هو القرآن والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي « يَكادُ

__________________

(١) اختزن الطريق : أخذ أقربه. وفي المصدر : قد احترز.

٣٦٢

مَوْجٌ » ظلمات الثاني « بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية لعنه الله وفتن بني أمية « إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ »

______________________________________________________

زَيْتُها يُضِيءُ » يكاد حجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ ، وقيل : تكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن تفكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن « نُورٌ عَلى نُورٍ » يعني أن القرآن نور مع سائر الأدلة قبله فازدادوا نورا على نور « يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ » أي يهدي الله لدينه وإيمانه من يشاء أو لنبوته وولايته « انتهى ».

وأقول : لما ضرب الله الأمثال للمؤمنين وأئمتهم عليهم‌السلام ضرب مثلين للكافرين والمنافقين وأئمتهم ، فالمثل الأول قوله : « وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ » والثاني قوله : « أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ » فقوله « أَوْ كَظُلُماتٍ » ، عطف على قوله « كَسَرابٍ » ، وأو للتخيير ، فإن أعمالهم لكونها لاغية كالسراب ، ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات ، فإن شئت شبهتهم بذلك أو للتنويع فإن الظلمات في الدنيا والسراب في الآخرة.

« فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ » أي عميق منسوب إلى اللجج وهو معظم الماء « يَغْشاهُ » أي يغشى البحر « مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » مترادفة متراكمة « مِنْ فَوْقِهِ » أي من فوق الموج الثاني سحاب تغطي النجوم وتحجب أنوارها.

وأما تأويله عليه‌السلام فيحتمل وجهين :

الأول : أن المعنى أن الظلمات المذكورة في الآية أولا أبو بكر ، ويغشاه موج : إشارة إلى صاحبه يعني عمر ، فإنه أتم بدع الأول وأكملها ، وزاد على الظلمة ظلمة ، وعلى الحيرة حيرة ، ومن فوقه موج : عبارة عن عثمان وهو الثالث ، حيث زاد على بدعهما وإضلال الناس عن الحق ، وقوله : ظلمات الثاني ، أي لفظ الظلمات الواقع ثانيا في الآية ، الموصوف فيها بأن بعضها فوق بعض إشارة إلى معاوية وفتن بني أمية.

وقوله : إذا أخرج يده المؤمن ، بيان للثمرة المترتبة على تلك الظلمات ، المتراكمة من حيرة المؤمنين واشتباه الأحكام الظاهرة عليهم ، فإن اليد أظهر أجزاء

٣٦٣

المؤمن في ظلمة فتنتهم « لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً » إماما من ولد فاطمة

______________________________________________________

الإنسان له ، ويحتمل أن يكون فتن بني أمية مبتدأ ، خبره : إذا أخرج يده ، أي قوله إذا أخرج يده ، إشارة إلى فتن بني أمية ، ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالثاني عمر ، والظلمات مضافا إليه ، أي ظلمات عمر فتنة بعضها فوق بعض ، فيكون قوله : ومعاوية ابتداء كلام آخر ، أي إذا أخرج يده إشارة إلى معاوية وفتن بني أمية ، وإنما كرر عمر لأنه رأس الفتنة ورئيس النفاق ، ولا يخفى بعد هذين الوجهين.

والثاني أن يكون المراد أن قوله تعالى : « أَوْ كَظُلُماتٍ » إشارة إلى الأول وصاحبه الأولين ، ويغشاه موج إلى الثالث يعني عثمان الذي من فوقه موج ، يعني من بعده ، إشارة إلى ما وقع بعده من عشائره من بني أمية وظلمات الثاني بعضها فوق بعض بالإضافة ، أي كظلمات عمر ، وتكراره لما مر فقوله : معاوية وفتن بني أمية ، ابتداء كلام آخر ، ويحتمل أن يكون « من » في قوله « مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » ، إلى قوله : فتن بني أمية كلاما واحدا ، فالمراد بالموج معاوية وبالظلمات فتن بني أمية ، وعبر عنهم بظلمات الثاني لأنهم كانوا من ثمرات ظلمه وجوره على أهل البيت عليهم‌السلام.

أقول : ويؤيد الثاني أن علي بن إبراهيم أورد في تفسيره هذا الخبر هكذا : أي كظلمات فلان وفلان « فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ » يعني نعثل وفوقه موج طلحة والزبير « ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » معاوية وفتن بني أمية إلى آخر الخبر ، ونعثل كناية عن عثمان.

قال ابن الأثير في النهاية : كان أعداء عثمان يسمونه نعثلا تشبيها له برجل من مصر كان طويل اللحية اسمه نعثل ، وقيل : النعثل : الشيخ الأحمق.

وذكر الضباع : وروى صاحب كتاب تأويل الآيات الظاهرة بإسناده عن الحكم بن حمران قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عز وجل : « أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ » قال : فلان وفلان « يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ » قال : أصحاب الجمل وصفين والنهروان

٣٦٤

عليها‌السلام « فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » (١) إمام يوم القيامة.

وقال في قوله « يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ » (٢) أئمة المؤمنين يوم القيامة تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة.

علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن موسى بن القاسم البجلي ومحمد بن يحيى ، عن العمركي بن علي جميعا ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام مثله.

٦ ـ أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيد الله ، عن محمد بن الحسين وموسى بن عمر ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال سألته عن قول الله تبارك وتعالى « يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » (٣) قال يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بأفواههم قلت قوله تعالى « وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » قال يقول والله متم الإمامة والإمامة هي النور وذلك قوله عز وجل « فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا » (٤) قال النور هو الإمام.

______________________________________________________

« مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ » قال : بنو أمية « إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها » قال : بنو أمية إذا أخرج يده يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام في ظلماتهم « لَمْ يَكَدْ يَراها » أي إذا نطق بالحكمة بينهم لم يقبلها منهم أحد إلا من أقر بولايته ثم بإمامته « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » أي من لم يجعل الله له إماما في الدنيا فما له في الآخرة من نور ، إمام يرشده ويتبعه إلى الجنة.

الحديث السادس : مجهول.

« يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ » قال الطبرسي (ره) : أي يريدون إذهاب نور الإيمان والإسلام بفاسد الكلام ، الجاري مجرى تراكم الظلام ، فمثلهم فيه كمثل من حاول إطفاء نور الشمس بفيه « وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ » أي مظهر كلمته ومؤيد نبيه ومعلى دينه وشريعته.

__________________

(١) سورة النور : ٤٠.

(٢) سورة الحديد : ١٢.

(٣) سورة الصف : ٨.

(٤) سورة التغابن : ٨.

٣٦٥

باب أن الأئمة هم أركان الأرض

١ ـ أحمد بن مهران ، عن محمد بن علي ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما جاء به علي عليه‌السلام آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع من خلق الله عز وجل المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله

______________________________________________________

باب أن الأئمة هم أركان الأرض

الحديث الأول : ضعيف بسنديه على المشهور.

« ما جاء به على آخذ به » لأنه واجب الإطاعة من الله ومن رسوله ، ولأن ما جاء به مما جاء به رسول الله وما نهى عنه مما نهى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل » إما بيان لما جرى له صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل ، فكما أن له صلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع الخلق ، كذا لعلي عليه‌السلام الفضل على الجميع ، وإما بيان للفرق بين ما له صلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضل وبين ما لعلي عليه‌السلام منه بفضله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجميع حتى على علي عليه‌السلام ، وفضل علي عليه‌السلام على غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله « والمتعقب عليه في شيء من أحكامه » أي الطالب لعثرته والمعيب عليه في شيء منها كالطالب لعثرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعيب عليه ، و « على » للإضرار ، والمراد المتقدم عليه في شيء بأن يجعله عقبه وخلفه ، وأراد التقدم عليه ، أو يجعل حكمه عقبه وينبذه وراء ظهره ، فلا يعمل به ، أو تعقبه بمعنى أنه تأخر عنه ولم يلحق به ولم يقبل أحكامه ، أو المراد به شك في شيء من أحكامه ، والأول أظهر ثم الأخير.

وكلمة « على » على بعض الوجوه بمعنى عن ، وعلى بعضها بتضمين معنى يتعدى به ، قال الفيروزآبادي : تعقبه أخذه بذنب كان منه ، وعن الخبر شك فيه وعاد السؤال عنه ، واستعقبه وتعقبه طلب عورته أو عثرته.

« في صغيرة أو كبيرة » صفتان للكلمة أو الخصلة أو المسألة أو نحو ذلك على حد

٣٦٦

كان أمير المؤمنين عليه‌السلام باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وسبيله الذي من سلك بغيره هلك وكذلك يجري الأئمة الهدى واحدا بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق

______________________________________________________

الشرك بالله أي في حكمه إذ لا واسطة بين الإيمان والشرك ، والكائن عليه مشرف على الدخول في الشرك كما ترى في كثير منهم كالمجسمة والمصورة والصفاتية وأضرابهم ، فإنهم أشركوا من حيث لا يعلمون.

« أن تميد » أي كراهية أن تميد أو من أن تميد ، بتضمين الأركان معنى الموانع ، وفي القاموس ماد يميد ميدا : تحرك وزاغ « انتهى ».

وفيه إيماء إلى أن المراد بالرواسي في قوله تعالى : « وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ » (١) الأئمة عليهم‌السلام في بطن القرآن ، والمراد بالميد إما ذهاب نظام الأرض واختلال أحوال أهلها كما يكون عند فقد الإمام قبل القيامة ، أو حقيقته بالزلازل الحادثة فيها.

وقيل : المراد بمن فوق الأرض الأحياء ، بمن تحت الثرى الأموات ، لأنهم الأشهاد يوم القيامة ، وقد مر منا الكلام فيهما.

قوله عليه‌السلام : كثيرا ما يقول ، أي حينا كثيرا وما زائدة للتأكيد عند جميع البصريين ، وقيل : اسم نكرة صفة لكثير أو بدل منه ، وعلى التقادير يفهم منها التفخيم بالإبهام « أنا قسيم الله » أي القسيم المنصوب من قبل الله للتميز بين أهل الجنة وأهل النار بسبب ولايته وتركها ، أو هو الذي يقف بين الجنة والنار فيقسمهما بين أهلهما بسبب ولايته وعداوته كما دلت عليه صحاح الأخبار ، والأخبار بذلك متواترة من طرق الخاصة والعامة. قال في النهاية في حديث علي عليه‌السلام : أنا قسيم النار ، أراد أن الناس فريقان فريق معي ، فهم على هدى ، وفريق على فهم ضلال ، فنصف معي في الجنة ونصف علي في النار ، وقسيم : فعيل بمعنى فاعل كالجليس والسمير « انتهى » « وأنا الفاروق » أي

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣١.

٣٦٧

الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل

______________________________________________________

الذي فرق بين الحق والباطل كما ذكره الفيروزآبادي ، أو الفارق بين أهل الجنة وأهل النار « وأنا صاحب العصا والميسم » قال في النهاية : الميسم هي الحديدة التي يوسم بها ، وأصله موسم فقلبت الواو ياءا لكسرة الميم « انتهى ».

وهذا إشارة إلى أنه عليه‌السلام الدابة التي أخبر بها في القرآن بقوله : « وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ » (١) وروي عن ابن عباس وابن جبير وغيرهما قراءة تكلمهم بالتخفيف وفتح التاء وسكون الكاف من الكلم بمعنى الجراحة.

وقال الطبرسي روح الله روحه : هي دابة تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر ، وعند ذلك يرتفع التكليف ولا تقبل التوبة ، وهو علم من أعلام الساعة ، وروى محمد بن كعب القرظي قال : سئل علي عليه‌السلام عن الدابة؟ فقال : أما والله ما لها ذنب وإن لها اللحية ، وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس ، وعن حذيفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله السلام قال : دابة الأرض طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر ، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما‌السلام ، فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم ، حتى يقال يا مؤمن ويا كافر « انتهى ».

وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا ووضع رأسه عليه فحركه برجله ثم قال له : قم يا دابة الله ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله أيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة ، وهو الدابة التي ذكرها الله في كتابه : « وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ » الآية ، ثم قال : يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم تسم به أعداءك ، فقال رجل

__________________

(١) سورة النمل : ٨٢.

٣٦٨

______________________________________________________

لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن العامة يقولون إن هذه الدابة إنما تكلمهم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كلمهم الله في نار جهنم إنما هو يكلمهم من الكلام.

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال رجل لعمار بن ياسر : يا أبا اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني؟ قال عمار : أية آية هي؟ قال : قوله : « وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ » الآية ، فأية دابة هذه؟ قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يأكل تمرا وزبدا ، فقال له : يا أبا اليقظان هلم ، فجلس عمار وأقبل يأكل معه ، فتعجب الرجل منه ، فلما قام عمار قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتى ترينيها؟ قال عمار : قد أريتكها إن كنت تعقل.

وروى الحسن بن سليمان من كتاب البصائر لسعد بن عبد الله بإسناده عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين في خطبة طويلة : أنا دابة الأرض ، وأنا قسيم النار ، وأنا خازن الجنان ، وأنا صاحب الأعراف « الخبر ».

وفي كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبي الطفيل قال : سألت أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الدابة؟ فقال : يا أبا الطفيل إله عن هذا (١) فقلت : يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك! قال : هي دابة تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتنكح النساء ، فقلت : يا أمير المؤمنين من هو؟ قال : رب الأرض الذي يسكن الأرض قلت : يا أمير المؤمنين من هو؟ قال : الذي قال الله : « وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ » (٢) والذي « عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ » (٣) والذي « صَدَّقَ بِهِ » (٤) قلت : يا أمير المؤمنين فسمه لي ، قال : قد سميته لك يا أبا الطفيل « الخبر ». وأقول : الأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في كتاب البحار.

وقيل : « أنا صاحب العصا والميسم » أي الراعي لكل الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومميز من يطيعه ويكون من قطيعة ، بالميسم الذي يعرفون به عن المتخلف عنه و

__________________

(١) أي أعرض عنه ولا تسئل ، من لهى عنه : ترك ذكره وأعرض عنه.

(٢) سورة هود : ١٧.

(٣) سورة الرعد : ٤٣.

(٤) سورة الزمر : ٣٣.

٣٦٩

بمثل ما أقروا به لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد حملت على مثل حمولته وهي حمولة الرب وإن

______________________________________________________

الخارج عنهم ، ولا يخفى ما فيه.

« ولقد أقرت لي » أي أذعنت لي بالولاية والفضل كما أذعنت له صلى‌الله‌عليه‌وآله « ولقد حملت على مثل حمولته » على بناء المجهول ، والحمولة بالفتح ما يحمل عليه من الدواب أي حملني الله على ما حمل عليه نبيه من التبليغ والهداية والخلافة ، أو يكون خبرا عن المستقبل ، أتى بالماضي لتحقق وقوعه ، أي يحملني الله في القيامة على مثل مراكبه من نوق الجنة وخيولها ، فتناسب الفقرة التالية لها ، وشهد كثير من الأخبار بها أو في الرجعة ، كما رواه الراوندي في الخرائج بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال الحسين بن علي عليهما‌السلام لأصحابه قبل أن يقتل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي : يا بني إنك لتساق إلى العراق وهي أرض قد التقى فيها النبيون وأوصياء النبيين ، وعلى أرض تدعي غمورا وإنك لتشهد بها ويستشهد معك جماعة من أصحابك ، لا ـ يجدون ألم مس الحديد ، وتلا « يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً » (١) يكون الحرب عليك وعليهم بردا وسلاما ، فأبشروا فو الله لئن قتلونا فإنا نرد إلى نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم أمكث ما شاء الله فأكون أول من تنشق الأرض عنه فأخرج خرجة توافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام قائمنا وحياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط ، ولينزلن علي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة ، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي وجميع من من الله عليه في حمولات من حمولات الرب ، خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق ، ثم ليبرزن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لواءه وليدفعنه إلى قائمنا عليه‌السلام مع سيفه ، ثم أنا أمكث بعد ذلك ما شاء الله « الخبر ».

ويمكن أن يقرأ على بناء المعلوم ، أي حملت أحمالي على مثل ما حمل صلى‌الله‌عليه‌وآله أحماله عليه في ولاية الأمر الجاري على وفق أحكام الله وحكمه ، أو حملت اتباعي وشيعتي على ما حمل صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه عليه من أحكام القرآن ، ويمكن أن يقرأ على

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٦٩.

٣٧٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى فيكسى وأدعى فأكسى ويستنطق وأستنطق فأنطق على حد منطقه ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني أبشر بإذن الله و

______________________________________________________

بناء المجهول الغائب وعلي بالتشديد ، والقائم مقام الفاعل مثل حمولته ، والتأنيث باعتبار المضاف إليه ، فالحمولة بمعنى الحمل لا المحمول عليه ، أي حمل الله علي من أعباء الإمامة وأسرار الخلافة مثل ما حمل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال الفيروزآبادي : الحمولة ما احتمل عليه القوم من بعير وحمار ونحوه كانت عليه أثقال أو لم تكن ، والأحمال بعينها ، والحمول بالضم : الهوادج أو الإبل عليها الهودج والواحد حمل بالكسر ويفتح « انتهى ».

وقوله : وهي حمولة الرب ، على كل من المعاني ظاهر.

« يدعى » بصيغة المجهول أي في القيامة « وادعى وأكسى » أي مثل دعائه وكسائه « ويستنطق » بصيغة المجهول أي للشهادة أو للشفاعة أو للاحتجاج على الأمة أو الأعم « على حد منطقه » أي على نهجه وطريقته في الصواب والنفاذ ، والمنطق بكسر الطاء مصدر ميمي « خصالا » أي فضائل « ما سبقني إليها أحد » أي من الأوصياء أو من الرسل أيضا ، فالمراد بقوله « قبلي » قبل ما أدركته من الأعصار « علمت المنايا » أي آجال الناس « والبلايا » أي ما يمتحن الله به العباد من الشرور والآفات أو الأعم منها ومن الخيرات « والأنساب » أي أعلم والد كل شخص فأميز بين أولاد الحلال والحرام « وفصل الخطاب » أي الخطاب الفاصل بين الحق والباطل أو الخطاب المفصول الواضح الدلالة على المقصود ، أو ما كان من خصائصه صلوات الله عليه من الحكم المخصوص في كل واقعة ، والجوابات المسكتة للخصوم في كل مسألة ، وقيل : هو القرآن ، وفيه بيان الحوادث من ابتداء الخلق إلى يوم القيامة.

« فلم يفتني ما سبقني » أي علم ما سبق من الحوادث أو العلوم النازلة على الأنبياء أو الأعم « ولم يعزب » كينصر ويضرب أي لم يغب عني علم ما غاب عن مجلسي

٣٧١

أؤدي عنه كل ذلك من الله مكنني فيه بعلمه

الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور العمي ، عن محمد بن سنان قال حدثنا المفضل قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ثم ذكر الحديث الأول.

٢ ـ علي بن محمد ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي قال حدثنا سعيد الأعرج قال دخلت أنا وسليمان بن خالد على أبي عبد الله عليه‌السلام فابتدأنا فقال يا سليمان ما جاء عن أمير المؤمنين عليه‌السلام يؤخذ به وما نهى عنه ينتهى عنه جرى له من الفضل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الفضل على جميع من خلق الله المعيب على أمير المؤمنين عليه‌السلام في شيء من أحكامه كالمعيب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وسبيله الذي من سلك بغيره هلك وبذلك جرت الأئمة عليهم‌السلام واحد بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بهم والحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى.

وقال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح بمثل ما أقرت لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولقد حملت على مثل حمولة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي حمولة الرب وإن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعى فيكسى ويستنطق وأدعى فأكسى وأستنطق فأنطق على حد منطقه ولقد أعطيت خصالا لم يعطهن أحد قبلي علمت علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني أبشر بإذن الله وأؤدي عن الله عز وجل كل ذلك مكنني الله فيه بإذنه.

______________________________________________________

في هذا العصر وفي الأعصار الآتية « أبشر بإذن الله » أي عند الموت أولياءه أو الأعم « وأؤدي عنه » كل ما أقول لا عن رأي وهوى « كل ذلك من الله » أي من فضله علي « بعلمه » أي بسبب ما يعلم من المصلحة في تمكيني وبالعلم الذي أعطانيه.

الحديث الثاني : ضعيف.

وفي أكثر النسخ فيه « المعيب على أمير المؤمنين » على بناء التفعيل ، من عيبه إذا نسبه إلى العيب « بإذنه » أي بتوفيقه وتيسير أسبابه.

٣٧٢

٣ ـ محمد بن يحيى وأحمد بن محمد جميعا ، عن محمد بن الحسن ، عن علي بن حسان قال حدثني أبو عبد الله الرياحي ، عن أبي الصامت الحلواني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ما جاء به آخذ به وما نهى عنه أنتهي عنه جرى له من الطاعة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والفضل لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله المتقدم بين يديه كالمتقدم بين يدي الله ورسوله والمتفضل عليه كالمتفضل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وسبيله الذي من سلكه وصل إلى الله عز وجل وكذلك كان أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده وجرى للأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد جعلهم الله عز وجل أركان الأرض أن تميد بأهلها وعمد الإسلام ورابطة على سبيل هداه لا يهتدي هاد إلا بهداهم ولا

______________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف أيضا.

« فضل أمير المؤمنين » على المصدر مبتدأ والموصول خبره ، أي مزيته وفضله عليه‌السلام مشاركته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في وجوب الأخذ بما جاء به ، والانتهاء عما نهى عنه ووجوب طاعته بعد رسول الله ، أو يقرأ « فضل » على بناء التفعيل المجهول أي علي جميع الخلق أو الأمة فقوله : « ما جاء » بيان له « والفضل لمحمد » أي الفضل عليه لمحمد دون غيره ، أو الفضل على العموم على جميع الأنبياء والأوصياء والأئمة مخصوص به صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو ذلك الفضل بعينه هو فضل محمد لأنهما نفس واحدة « المتقدم » عليه لعله إشارة إلى قوله سبحانه : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ » (١) وإن كان في الآية على القراءة المشهورة على التفعيل وهنا على التفعل ، كما قرأ به يعقوب ، فيؤيد الخبر تلك القراءة ، وعلى المشهورة أي لا تقدموا أمرا ولا تقطعوه قبل أن يحكم الله ورسوله به ، والمراد هنا إما هذا أو من يرى لنفسه الفضل عليه ، ويريد أن يكون متبوعا له فهو كمن يرى الفضل لنفسه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويريد أن يكون متبوعا له « والمتفضل » التفعل هنا للتكلف ، أي المفضل نفسه بدون استحقاق.

« وعمد الإسلام » العمد بفتحتين وضمتين جمع العمود وهو الأسطوانة أي لا ـ

__________________

(١) سورة الحجرات : ١.

٣٧٣

يضل خارج من الهدى إلا بتقصير عن حقهم أمناء الله على ما أهبط من علم أو عذر أو نذروالحجة البالغة على من في الأرض يجري لآخرهم من الله مثل الذي جرى لأولهم ولا يصل أحد إلى ذلك إلا بعون الله.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام أنا قسيم الله بين الجنة والنار لا يدخلها داخل إلا على حد قسمي وأنا الفاروق الأكبر وأنا الإمام لمن بعدي والمؤدي عمن كان قبلي لا يتقدمني أحد إلا أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وإني وإياه لعلى سبيل واحد إلا أنه هو

______________________________________________________

يقوم الإسلام إلا بإمامتهم « ورابطة » بالضمير الراجع إلى الإسلام ، والوحدة لكونهم كنفس واحدة ، أو لأن في كل زمان واحد منهم ، أي هم يشدون الإسلام على سبيل هدايته ، أو بالتاء صفة للجماعة أي الجماعة الذين يشدون الناس على سبيل هداية الله لئلا يتعدوه ، أو المرابطين في ثغر الإسلام لئلا يهجم الكفار وأهل البدع على المؤمنين فيضلوهم « أو عذر أو نذر » أي محو إساءة أو تخويف ، وهما مصدران لعذر إذا محي الإساءة وأنذر إذا خوف ، أو جمعان لعذير بمعنى المعذرة ، ونذير بمعنى الإنذار « ولا يصل أحد إلى ذلك » أي إلى مرتبة فضلهم أو إلى معرفة تلك المرتبة « إلا بعون الله » أي بتوفيقه « لا يدخلها » أي النار أو كل من الجنة والنار وفي بعض النسخ لا يدخلهما وهو أظهر.

« على حد قسمي » الحد : الفصل بين الشيئين يميز بينهما ، والقسم بالفتح : التقسيم ، وفي بعض النسخ على أحد قسمي بصيغة التثنية مضافة إلى ياء المتكلم ولعله أصوب « عمن كان قبلي » أي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله « وإني وإياه لعلى سبيل واحد » أي متساويان في جميع وجوه الفضل « إلا أنه هو المدعو باسمه » أي النبي والرسول ، فإني لست بنبي ولا رسول ، وإنما فضله على ذلك ، أو أنه تعالى سماه في القرآن وناداه باسمه ولم يسمني ، أو المقصود بيان غاية الاتحاد بينهما على سياق قوله تعالى : « وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ » (١) أي ليس بيني وبينه فرق إلا أنه مدعو باسمه وأنا مدعو باسمي ، فلا

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

٣٧٤

المدعو باسمه ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وإني لصاحب الكرات ودولة الدول.

______________________________________________________

فرق في المسمى بل في الاسم ، وهذا وجه حسن.

« والوصايا » أي أعلم ما أوصى به الأنبياء أوصياءهم وأممهم من الشرائع وغيرها.

« وإني لصاحب الكرات ودولة الدول » هذه الخامسة ويحتمل وجوها :

الأول : أن يكون المعنى أني صاحب الحملات في الحروب فإنه عليه‌السلام كان كرارا غير فرار ، وصاحب الغلبة فيها ، فإنه كان الغلبة في الحروب بسببه ، أو إني صاحب الغلبة على أهل الغلبة في الحروب ، قال الفيروزآبادي : الكرة المرة والحملة ، وقال : الدولة انقلاب الزمان والعقبة في المال ، ويضم أو الضم فيه والفتح في الحرب ، أو هما سواء ، أو الضم في الآخرة والفتح في الدنيا ، والجمع دول مثلثة ، وأدالنا الله من عدونا ، من الدولة والإدالة الغلبة ، ودالت الأيام : دارت ، والله يداولها بين الناس.

الثاني : أن المراد إني صاحب علم كل كرة ودولة ، أي أعلم أحوال أصحاب القرون الماضية والباقية إلى يوم القيامة من أهل الدين والدنيا.

الثالث : أن المعنى إني أرجع إلى الدنيا مرات شتى لأمور وكلني الله بها ، وكانت غلبة الأنبياء على أعاديهم ونجاتهم من المهالك بسبب التوسل بنوري وأنوار أهل بيتي ، أو يكون دولة الدول أيضا إشارة إلى الدولات الكائنة في الكرات والرجعات ، فأما الرجعات فقد دلت عليها كثير من الروايات ، نحو ما روى في بصائر سعد بن عبد الله وغيره بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه‌السلام في خطبة طويلة رواه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال فيها : وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة ، وأنا صاحب الرجعات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات ، إلى آخر الخطبة ، وغيرها من الأخبار التي أوردتها في الكتاب الكبير.

٣٧٥

وإني لصاحب العصا والميسم والدابة التي تكلم الناس.

باب

نادر جامع في فضل الإمام وصفاته

١ ـ أبو محمد القاسم بن العلاء رحمه‌الله رفعه ، عن عبد العزيز بن مسلم قال كنا مع الرضا عليه‌السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها فدخلت على سيديعليه‌السلامفأعلمته خوض الناس فيه فتبسمعليه‌السلامثم قال يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن

______________________________________________________

وقوله : « وإني لصاحب العصا » إلى آخره هي السادسة « والدابة » تفسير لصاحب العصا والميسم كما عرفت.

باب نادر جامع في فضل الإمام عليه‌السلام وصفاته

الحديث الأول : مرفوع ، ورواه الصدوق في كثير من كتبه بسند آخر فيه جهالة ، وهو مروي في الاحتجاج وغيبة النعماني وغيرهما.

والبدء بفتح الباء وسكون الدال مهموزا : أول الشيء ، والمقدم بفتح الدال مصدر كالقدوم ، وتبسمه عليه‌السلام للتعجب عن ضلالتهم وغفلتهم عن أمر هو أوضح الأمور بحسب الكتاب والسنة ، أو عن استبدادهم بالرأي فيما لا مدخل للعقل فيه ، وقال الجوهري : خاض القوم في الحديث أي تفاوضوا فيه.

« وخدعوا » على المجهول « عن آرائهم » كلمة « عن » إما تعليلية أي بسبب آرائهم ، أو ضمن فيه معنى الإغفال ، فالمراد بالآراء ما ينبغي أن يكونوا عليها من اعتقاد الإمامة ، وفي بعض نسخ الكتاب وأكثر نسخ سائر الكتاب « عن أديانهم » وهو أظهر.

« إن الله لم يقبض » : بين عليه‌السلام أن الإمام لا بد أن يكون منصوصا عليه ، وليس

٣٧٦

فيه تبيان كل شيء بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا فقال عز وجل : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » (١)

______________________________________________________

تعيينه باختيار الأمة بوجهين :

الأول : الآيات الدالة على أن الله تعالى أكمل الدين للأمة وبين لهم شرائعه وأحكامه ، وما يحتاجون إليه ، ومعلوم أن تعيين الإمام من الأمور المهمة في الدين بإجماع الفريقين ، ولذا اعتذر المخالفون للاشتغال بتعيين الإمام قبل تجهيز الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بأن تعيينه كان أهم من ذلك.

والثاني : أن للإمامة شرائط من العصمة والعلم بجميع الأحكام ، وغير ذلك مما لا يحيط به عقول الخلق ، فلا يعقل تفويضها إلى الأمة ، ولا بد من أن يكون الإمام منصوصا منصوبا من قبل الله تعالى ، ولا خلاف بين الأمة في أنه لم يقع النص على غير أئمتنا عليهم‌السلام ، فلا بد من أن يكونوا منصوصين منصوبين للإمامة من الله ومن رسوله.

« فيه تبيان كل شيء » إشارة إلى قوله تعالى في سورة النحل : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ » ثم فسر ذلك بقوله : « بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا » ولا ريب أن الإمامة وتعيين الإمام شيء مما يحتاج إليه الناس غاية الاحتياج ، وقال الجوهري يقال : أعطه هذا المال كملا أي كله.

« ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ » قال البيضاوي : « من » مزيدة وشيء في موضع المصدر لا المفعول به ، فإن فرط لا يعدي بنفسه ، وقد عدي بفي إلى الكتاب « انتهى » ووجه الاستدلال ما مر ، وهو مبني على كون المراد بالكتاب القرآن كما ذهب إليه أكثر المفسرين ، وقيل : المراد به اللوح ، ويحتمل الاستدلال بالآيتين وجها آخر ، وهو أنه تعالى أخبر بيان كل شيء في القرآن ، ولا خلاف في أن غير الإمام لا يعرف

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣٨.

٣٧٧

وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » (١)

______________________________________________________

كل شيء من القرآن فلا بد من وجود الإمام المنصوص ، والأول أظهر.

« وأنزل في حجة الوداع » قال بعض العامة ناقلا عن عمر : أن هذه الآية نزلت يوم عرفة في حجة الوداع في عرفات ، وقال مجاهد : نزلت يوم فتح مكة وذهبت الإمامية إلى أنها نزلت في غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة في حجة الوداع ، بعد ما نصب عليا عليه‌السلام للخلافة بأمر الله تعالى ، وقد دلت على ذلك الروايات المستفيضة من طرقنا وطرق العامة ، فقد روى السيد ابن طاوس قدس‌سره في كتاب الطرائف نقلا من مناقب ابن المغازلي الشافعي ، وتاريخ بغداد للخطيب عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا ، وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقال : ألست أولى بالمؤمنين؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فقال له عمر : بخ بخ يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، فأنزل الله عز وجل : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » ورواه الصدوق (ره) في مجالسه أيضا.

وروى السيد أيضا في كتاب كشف اليقين نقلا من كتاب محمد بن أبي الثلج من علماء المخالفين بإسناده عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : أنزل الله عز وجل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بكراع الغميم (٢) « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » في علي عليه‌السلام « وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » (٣) » فذكر قيام رسول الله بالولاية بغدير خم ، قال : ونزل جبرئيل عليه‌السلام بقول الله عز وجل : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً » بعلي أمير المؤمنين في هذا اليوم ، أكمل لكم معاشر المهاجرين والأنصار دينكم وأتم عليكم نعمته ورضي لكم الإسلام دينا ، فاسمعوا له وأطيعوا تفوزوا وتغنموا.

__________________

(١) سورة المائدة : ٣.

(٢) كراع الغيم : واد بين مكة والمدينة.

(٣) سورة المائدة : ٦٧.

٣٧٨

وأمر الإمامة من تمام الدين ولم يمض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بين لأمته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحق وأقام لهم عليا عليه‌السلام علما وإماما وما ترك لهم شيئا يحتاج إليه الأمة إلا بينه فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر.

به هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم إن الإمامة

______________________________________________________

وروى السيوطي في تفسيره الدر المنثور عن ابن مردويه وابن عساكر بإسنادهما عن أبي سعيد الخدري قال : لما نصب رسول الله صلى الله عليه آله عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ».

وروي أيضا عن ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بأسانيدهم عن أبي هريرة قال : لما كان يوم غدير خم وهو الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في كتاب بحار الأنوار.

« وأمر الإمامة » أي ما يتعلق بها من تعيين الإمام في كل زمان « من تمام الدين » أي من أجزائه التي لا يتم إلا بها ، فإكمال الدين بدون بيانه غير متصور « ولم يمض صلى‌الله‌عليه‌وآله » أي كما لم يفرط الله تعالى في البيان لم يفرط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في التبليغ ، و « المعالم » جمع معلم بالفتح أي ما يعلم به الدين ، كنصب الإمام وبيان الأحكام ، والقصد : الوسط بين الطرفين وإضافته إلى السبيل وإضافة السبيل إلى الحق بيانيتان ، وتحتملان اللامية.

« علما » أي علامة لطريق الحق « إلا بينه » لعلي عليه‌السلام وللناس بالنص عليه والأمر بالرجوع إليه « فهو كافر » يدل على كفر المخالفين « هل يعرفون » الاستفهام للإنكار ، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من الوجهين المذكورين ، والحاصل أن نصب الإمام موقوف على العلم بصفاته وشرائط الإمامة ، وهم جاهلون بها ، فكيف يتيسر لهم نصبه ، ومن شرائطها العصمة ولا يطلع عليها إلا الله تعالى كما استدل

٣٧٩

أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره فقال « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » (١) فقال الخليلعليه‌السلامسرورا بها « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي » قال الله تبارك وتعالى : « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ. وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَ

______________________________________________________

عليه في الشافي ببراهين شافية ، لا يناسب الكتاب إيرادها.

« وأمنع جانبا » أي جانبه وطريقه الموصل إليه أبعد من أن يصل إليه يد أحد « خص الله بها إبراهيم » أي بالنسبة إلى الأنبياء السابقين « سرورا بها » مفعول له لقال ، والإشادة : رفع الصوت بالشيء يقال : أشاده وأشاد به إذا أشاعه ورفع ذكره « فصارت في الصفوة » مثلثة أي أهل الطهارة والعصمة من صفا الجو إذا لم يكن فيه غيم ، أو أهل الاصطفاء والاختيار الذين اختارهم الله من بين عباده لذلك لعصمتهم وفضلهم وشرفهم « نافِلَةً » النفل والنافلة : عطية التطوع من حيث لا تجب ، ومنه نافلة الصلاة ، والنافلة أيضا : ولد الولد والزيادة ، وهي على المعنى الأول حال عن كل واحد من إسحاق ويعقوب ، وعلى الأخيرين حال عن يعقوب ، أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فلان يعقوب زيادة على من سأله إبراهيم عليه‌السلام وهو إسحاق.

« وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ » موصوفين بالصلاح ظاهرا وباطنا قابلين للخلافة والإمامة « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً » للخلائق « يَهْدُونَ » الناس إلى الحق « بِأَمْرِنا » لا بتعيين الخلق « وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ » أي جميعها لكونه جمعا معرفا باللام « وَإِقامَ الصَّلاةِ » من قبيل عطف الخاص على العام للإشعار بفضلهما ، وحذفت التاء من إقام

__________________

(١) سورة البقرة : ١٢٤.

٣٨٠